أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على عقود الشغل – أحمد بنمسعود
أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على عقود الشغل
إعداد:
ذ/ أحمد بنمسعود
محامي متمرن لدى هيئة المحامين بطنجة
باحث في قانون الأعمال
مقدمة:
فوجئ العالم مع بداية سنة 2020 بظهور وباء جديد سمي بفيروس كورونا المستجد، و لم تكد تمر أربعة أشهر عن اكتشاف هذا الفيروس بمدينة ووهان الصينية حتى تمكن من الانتشار في قارات العالم الخمس مخلفا عشرات الآلاف من الضحايا و حوالي مليونين مصاب، و أمام الانتشار السريع لهذا الوباء صنفت منظمة الصحة العالمية هذا الوباء بالجائحة مما اضطر مختلف دول العالم لإعلان حالة الطوارئ الصحية و تطبيق إجراءات العزل و التباعد الاجتماعي وهو ما تسبب في توقف حركة الإنتاج و بالتالي حدوث كساد اقتصادي يعتبره عديد من خبراء الاقتصاد الأقوى منذ أزمة 1929.
و المغرب كغيره من الدول المتأثرة بهذا الوباء قد أقدم على مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمحاصرة تداعيات هذا الوباء كان أهمها اعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم عدد 2.20.293 الصادر في 23 مارس 2020 و التي ترتب عنها بموجب المادة الثانية من نفس القانون منع مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم إلا في حالات الضرورة القصوى المتمثلة في التنقل لمقرات العمل في المرافق العمومية الحيوية و المقاولات الخاصة و المهن الحرة في القطاعات الأساسية المحددة بقرار من السلطة الحكومية أو من اجل اقتناء المنتجات و السلع الضرورية للمعيشة أو للتطبيب
و لما كانت حالة الطوارئ الصحية لم تمنع القطاعات الاقتصادية الأساسية من الاستمرار في مزاولة عملها، فقد يطرح التساؤل حول مدى قانونية استمرارهم في عملهم خلال هذه الجائحة ، و بالتالي فإن إشكالية هذه الدراسة تتمثل في ما مدى تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد على استمرار عقود الشغل ؟
لدراسة هذا الموضوع ارتأينا التطرق له من خلال مبحثين كما يلي:
- المبحث الأول: أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على تنفيذ عقد الشغل
- المبحث الثاني: أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على توقف عقد الشغل و إنهائه
المبحث الأول: أثر جائجة فيروس كورونا المستجد على تنفيذ عقد الشغل
المطلب الأول: أثر جائحة كورونا على تنفيذ عقد الشغل بالنسبة للأجير
يرتب عقد الشغل التزاما أساسيا للأجير وهو تنفيذ العمل الموكول له تحت سلطة و إشراف و رقابة المشغل طبقا لعقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي للمقاولة، لكن قد يثار التساؤل حول مدى اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة تمنح للأجير الحق في الامتناع عن تنفيذ التزاماته خصوصا و أنه وباء جائح يهدد النظام العام الصحي و لا علاج له، في هذا الصدد فإن المادة 13 من الاتفاقية رقم 155 الصادرة عن مؤتمر العمل الدولي على ما يلي: “تكفل الحماية للعامل، الذي ينسحب من موقع عمل يعتقد لسبب معقول أنه يشكل تهديدا وشيكا و خطيرا لحياته أو صحته، مما قد يرتبه انسحابه من عواقب، وفقا للأوضاع و الممارسات”[1] إلا أن رفض الأجير الالتحاق بعمله للتهديد الذي يشكله هذا الفيروس يطرح نقاشا عميقا من حيث مدى اعتبار هذه الجائحة قوة قاهرة تمنح له الحق في عدم تنفيذه لالتزاماته الشغلية
في هذا الصدد و بالرجوع للقانون المغربي نجد أن المادة269 من ظهير الالتزامات و العقود تنص في فقرتها الأولى أن القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان توقعه كالظواهر الطبيعية(الفياضانات و الجفاف و العواصف و الحرائق و الجراد) و غارات العدو و فعل السلطة، يكون من شأنه تنفيذ الالتزام مستحيلا.
و بقراءة ظاهرية لهذا التعريف نجد أن جائحة فيروس كورونا المستجد قد ينطبق عليها تعريف القوة القاهرة المنصوص عليه في قانون الالتزامات و العقود..
لكن، طالما أن السلطات الحكومية المكلفة لم تمنع العمل بالوحدات التجارية و الصناعية، و على اعتبار أن هذه الأخيرة قد أقرت مجموعة من تدابير الحماية الصحية الإضافية التي يجب على المشغلين الالتزام بها، و طالما احترم المشغل هذه التدابير الصحية فإن الدفع بالقوة القاهرة هنا لا أساس له على اعتبار أن هذه التدابيير الصحية الوقائية من شأنها دفع الضرر الذي قد يحدثه الوباء، وهو نفس الأمر الذي جاء في الفقرة الثانية من المادة 269 من ظهير الالتزامات و العقود التي تنص على أنه: “لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه”، و قد أكدت محكمة النقض هذا المعطى حينما اعتبرت في أحد قراراتها أنه لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه[2] كما جاء في قرار آخر أنه يشترط لوجود قوة قاهرة وجود شرطين: استحالة توقع الحالة و استحالة تنفيذ المدين لالتزامه[3]، غير أن تقدير مدى اعتبار هذه الإجراءات الصحية المتخذة كفيلة بدفع إصابة الأجير بفيروس كورونا المستجد يبقى من السلطة التقديرية للقاضي.
من جهة أخرى، فإنه يمكن للأجير باتفاق مع مشغله، أن يزاول مهامه من منزله كلما سمحت طبيعة العمل ذلك، و لعلها إمكانية مهمة قد تمكن عدد مهم من المشغلين من الاحتفاظ بنفس وتيرة عمله مع تجنبه الأخطار التي قد يتعرض له الأجراء في مقرات عملهم جراء هذه الجائحة، و قد أمكن المشرع الاجتماعي ذلك من خلال المادة الثامنة مدونة الشغل.
المطلب الثاني: أثر جائحة كورونا على تنفيذ عقد الشغل بالنسبة للمشغل
من الطبيعي أن ينتج عن فيروس كورونا المستجد آثار اقتصادية وخيمة على المقاولات المغربية مما يضطرها في كثير من الحالات لتقليص عدد الأجراء أو ساعات العمل أو في حالات أخرى الزيادة من ساعات العمل فيما اذا كانت الأسواق المغربية في حاجة مستعجلة لمنتجات معينة
و عليه سنقتصر في هذا المطلب على دراسة أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على حق المشغل في التقليص من ساعات العمل (أولا) و الزيادة منها (ثانيا) و من ثمة سنتطرق للالتزامات الإضافية للمشغل خلال هذه الفترة المقررة بمراسيم أو مناشير أو بلاغات(ثالثا)
أولا: أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على حق المشغل في التقليص من ساعات العمل
مكن المشرع الاجتماعي المشغل، إذا ما تعرضت مقاولته لأزمة اقتصادية عابرة أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته من قبيل أزمة جائحة كورونا، أن يقلص من ساعات العمل العادية و ذلك بمقتضى المادة 185 من قانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، لكنه ربط هذه الامكانية بشروط شكلية معينة و هي كالتالي:
- استشارة مندوبي الأجراء و الممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم
- ألا تتجاوز مدة التقليص ستين يوما في السنة
- ألا يقل الأجر عن 50٪ من الأجر العادي ما لم ينص عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي للمؤسسة على مقتضيات أكثر فائدة للأجراء
ثانيا: أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على حق المشغل في الزيادة من ساعات العمل
قد يتعلق النشاط الاجتماعي للمقاولة بحاجة أساسية للمجتمع كالمقاولات العاملة في إنتاج المواد الغذائية أو الطبية أو غيرها من المواد التي يتزايد الطلب عليها خلال فترة الجائحة، و قد يحتاج المشغل لتغطية هذا الطلب المتزايد للسوق إلى الزيادة في ساعات العمل العادية و قد نظم المشرع الاجتماعي هذا الأمر في المواد 196 الى 202 من قانون 65.99، حيث مكن من الزيادة عن ساعات العمل العادية إذا تحتم على المقاولة أن تواجه أشغالا تقتضيها مصلحة وطنية، أو زيادة استثنائية في حجم الشغل، و قد حدد المشرع الاجتماعي شروط و قواعد تشغيل الأجراء خارج مدة الشغل العادية من خلال مرسوم 2.04.570 الصادر في 29 دجنبر 2004[4]
بالإضافة الى ذلك فإنه طبقا للمادة 16 من مدونة الشغل يمكن للمشغل في هذه الحالة استقطاب مستخدمين جدد بعقود شغل محددة المدة للاستجابة لحاجة المقاولة لزيادة نشاطها بشكل مؤقت
ثالثا: التزامات المشغل المتعلقة بتنفيذ عقد الشغل خلال فترة جائحة فيروس كورونا المستجد
من المعلوم أن المشغل ملزم باحترام مجموعة من الإلتزامات العامة اتجاه الأجير وهي تلك المحددة سواء في عقد الشغل أو في قانون 65.99، لكن ما يهمنا في هذا الصدد هو تلك الالتزامات المتعلقة بالسلامة الصحية للأجراء، في هذا الصدد نجد أن الفقرة الأولى من المادة 24 من مدونة الشغل تنص على الزام المشغل باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء و صحتهم المفصلة في المواد 281 الى غاية 344 و في القرار الوزاري المتعلق بالتدابير العامة المتعلقة بالوقاية و النظافة المطبقة على المؤسسات التي تتعاطى فيها مهنة تجارية أو صناعية أو حرة[5]
و فضلا عن ذلك فإن مرسوم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية قد منح من خلال المادة الثالثة منه للسلطات الحكومية باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية أو بواسطة مناشير أو بلاغات للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض
و على هذا الأساس أصدرت السلطة الحكومية المكلفة بالصحة و السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة و التجارة و الاقتصاد الأخضر و الرقمي بلاغ مشترك تلزم من خلاله أرباب و مسيري المقاولات و الوحدات الصناعية و الإنتاجية توفير الكمامات الوقائية و منحها للعاملين لديها و السهر على استبدالها كل أربع ساعات مع الحرص على نظافة الأماكن و أدوات العمل و التهوية الكافية لجميع فضاءات العمل مع توفير مواد و معدات التطهير و التعقيم و احترام مسافة الأمان بين العاملين[6]
و عليه فإن الالتزام بتدابير الحماية و السلامة الصحية السابق ذكرها تنضاف الى باقي الالتزامات الواقعة على عاتق المشغلين، و يحق للأجير عند عدم توفرها امتناعه عن القيام بالتزامه بالعمل لما لذلك من ضرر و تهديد على صحته و سلامته، بشرط اثبات ذلك إما من خلال استدعاء مفتش الشغل أو مفوض قضائي أو من خلال أي وسيلة من وسائل الاثبات ، كما أن عدم التزام المشغل بتوفير هذه الوسائل يعرضه للعقوبات المنصوص عليها في المادتين 296 و 300 من مدونة الشغل فضلا عن إمكانية ترتيب مسؤوليته الجنائية على أساس الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي و إمكانية قيام ممثلي السلطات المختصة ممثلة في ولاة الجهات و عمال العمالات و الأقاليم بأغلاق المقاولة انطلاقا من سلطتهم في اتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام طبقا للمادة الثالثة من مرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا – كوفيد 19
المبحث الثاني: أثر جائجة فيروس كورونا المستجد على عقود الشغل ممن حيث توقفها و أنهاؤها
المطلب الأول: أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على توقف عقد الشغل
تطرق المشرع الاجتماعي لأسباب توقف عقد الشغل مؤقتا في المادة 32 من مدونة الشغل حيث تتمثل هذه الأسباب فيما يلي:
- الخدمة العسكرية الاجبارية
- تغيب الأجير. لمرض، أو إصابة، يثبتهما طبيب اثباتا قانونيا
- فترة ما قبل وضع الحامل حملها، و ما بعده، وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 154 و 156 أدناه؛
- فترة العجز المؤقت الناتج عن حادثة شغل أو مرض مهني؛
- فترات تغيب الأجير المنصوص عليها في المواد 274 و 275 و 277 أدناه؛
- مدة الإضراب؛
- الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة؛
و ما يهمنا في هذا الصدد هو توقف عقد الشغل موقتا بسبب مرض الأجير و التوقف الناتج عن الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة وهي أغلب الحالات التي قد تثار خلال هذه الجائحة
أولا: توقف عقد العمل الناتج عن مرض الأجير أو إصابته
يترتب عن مرض الأجير أو إصابته توقف عقد الشغل مؤقتا طيلة مدة مرضه أو إصابته، لكن شريطة اثبات ذلك بشهادة طبية صادرة عن طبيب
و تجنبا لما قد يثار من إشكالات مرتبطة ببعض الشواهد الطبية من خلال استخدام بعض الأجراء لشواهد طبية بهدف التملص من التزاماتهم اتجاه مشغلهم، فقد مكن المشرع الاجتماعي في المادة 271 المشغل من القيام بفحص طبي مضاد على الأجير من خلال طبيب يختاره بنفسه إذا ما لم يقتنع بتطابق مضمون الشهادة الطبية لواقع حال الأجير ، و لم يوضح المشرع الآثار المترتبه عن حالة اثبات الفحص المضاد لواقع مخالف لذلك المضمون في الشهادة الطبية المسلمة من قبل الأجير، لكن يمكن القول أنه في حالة اثبات ذلك، يلتزم الأجير بالعودة فورا لمواصلة عمله تحت طائلة اعتبار تغيبه غير مبرر
من جهة أخرى فإن الإشكال يطرح في مدى إمكانية اعتبار إصابة الأجير بفيروس كورونا المستجد خلال تأديته لمهامه حادثا أو مرضا مهنيا
فبالرجوع للمادة الثالثة من قانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل نجد أن المشرع الاجتماعي قد عرف حادثة الشغل بكل حادثة، كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر، للمستفيد من أحكام هذا القانون، سواد كان أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت و في أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين، و ذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به، ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة[7]
بناء على هذا التعريف يتضح أن إصابة الأجير بفيروس كورونا المستجد لا يمكن اعتباره حادثة شغل لعدم توافر عناصره القانونية خصوصا عنصر الحادثة
من جهة أخرى فإن المرض المهني لا ينطبق على إصابة الأجير بفيروس كورونا المستجد ذلك أن قرار وزير التنمية الاجتماعية و التضامن و التشغيل و التكوين المهني عدد 919.99 القاضي يتغيير و تتميم قرار وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية رقم 100.68 المحدد للأمراض المهنية لا يتضمن فيروس كورونا المستجد ضمن لائحة الأمراض المعتبرة من قبيل مرض مهني، أما في التشريعات المقارنة فقد عمد المشرع الفرنسي إلى اعتبار أن إصابة مهنيي الصحة بفيروس كورونا المستجد يعد من قبيل الأمراض المهنية..
عموما، فإن إصابة الأجير بمرض كورونا المستجد خلال مزاولته لمهامه يعتريه فراغ تشريعي، لكن في حالة اثبات الأجير لكون إصابته بفيروس كورونا المستجد قد كان بسبب مخالفة المشغل للتدابير الصحية المقررة فيبقى المشغل مسؤولا مدنيا بالاستناد للقواعد العامة للمسؤولية، شريطة اثبات أركانها
ثانيا: الإغلاق القانوني للمقاولة
يعتبر عقد الشغل متوقفا بصفة مؤقتة في حالة الإغلاق القانوني للمقاولة طبقا للفقرة السابعة من المادة 32من مدونة الشغل، في هذا الصدد فإن المادة الثالثة من مرسوم 2.20.293 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها قد مكنت ولات الجهات و عمال العمالات و الأقاليم خلال فترة الطوارئ الصحية، اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، و من بينها اغلاق أية مقاولة اذا ما اوجبت ضرورة الحال ذلك للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، و في هذه الحالة تتوقف عقود الشغل بشكل مؤقت الى غاية تمكينها من إعادة نشاطها
و طالما كان الاغلاق قد تم بناء على قرارات ممثلي السلطة أو ما يعرف بنظرية الأمير فإنه لا مجال للأجير هنا للمطالبة بأي تعويض ذلك أن الإغلاق في هذه الحالة هو نتيجة لفعل السلطة وهذه قوة قاهرة لا يترتب عنها أي تعويض، في هذا الصدد نجد قرارا لمحكمة النقض يعتبر أن كل تعويض عن الضرر الحاصل للأجير من جراء امتثال المشغل لإرادة المشرع يعتبر غير ذي أساس لكون ذلك تطبيقا لنظرية فعل الأمير[8]
المطلب الثاني: أثر جائحة كورونا من حيث إنهاء عقد الشغل ميز المشرع الاجتماعي بين إنهاء عقد الشغل محدد المدة و غير المحدد المدة، و ما يهمنا في هذا الصدد هو مدى إمكانية انهاء عقد الشغل خلال فترة جائحة فيروس كورونا المستجد
أولا: إنهاء عقد الشغل محدد المدة
بالرجوع للمادة 33 من مدونة الشغل نجدها تنص على أن عقد الشغل محدد المدة ينتهي بحلول الأجل المحدد للعقد، أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له، كما تنص على أن انهاء عقد الشغل من قبل أحد طرفيه قبل حلول أجله، يرتب تعويضا للطرف الآخر، ما لم يكن مبررا، بصدور خطأ جسيم عن الطرف الآخر أو ناشئا عن قوة قاهرة.
بناء على هذا الأساس فإن دفع الأجير بكون جائحة كورونا تعتبر من قبيل القوة القاهرة المبررة لعدم استمراره في تنفيذ التزاماته هو دفع غير ذي أساس طالما التزم المشغل بتوفير وسائل الوقاية الملزم بها وفقا للبلاغ المشترك لوزارة الصحة و وزارة الصناعة و التجارة و الاقتصاد الأخضر و الرقمي السابق ذكره
لكن من جهة أخرى فإن إصابة الأجير بفيروس كورونا المستجد المثبت بشهادة طبية يبرر انهائه لعقد الشغل إذا ما امتدت مدة مرضه إلى ما تاريخ حلول الأجل المحدد للعقد، و يعتبر في هذه الحالة في حالة قوة قاهرة منعته من الاستمرار في تنفيذ التزامه
ثانيا: إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة
حدد المشرع الاجتماعي قواعد انهاء عقد الشغل في العقود غير محددة المدة في المواد 34 الى غاية 42 من مدونة الشغل، و فيما يتعلق بمدى إمكانية انهاء عقد الشغل خلال فترة جائحة فيروس كورونا المستجد فأهم الحالات التي قد تطرح هنا هي حالة إنهاء عقد الشغل بمبادرة من الأجير(أولا) و حالات انهاء عقد الشغل من قبل الأجير (ثانيا)
1-بالنسبة للأجير
يمكن للأجير انهاء عقد الشغل بإرادته من خلال تقديم استقالة مصادق على إمضائها من طرف الجهة المختصة مع احترامه لأجل الإخطار، ، وبخصوص المصادقة على الاستقالة فقد اعتبرت محكمة النقض أن المشرع الاجتماعي لم يلزم المصادقة على الاستقالة ذلك أنه أمر اختياري[9]
2- بالنسبة للمشغل:
أما بالنسبة للمشغل فإنه يمكنه فصل الأجير باتباعه مسطرة الفصل إذا ما رفض إنجازه لعمله خلال هذه الفترة أو تغيب عن عمله بدون مبرر مقبول لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم ذلك أنه يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لخطأ جسيم
كما يمكنه انهاء عقد الشغل بناء على المادة 66 من مدونة الشغل التي تمنح المشغل إمكانية فصل الأجراء كلا أو بعضا لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية بشروط معينة وهي:
-أن يتم تبليغ مندوبو الأجراء و الممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم
– تزويدهم بالمعلومات الضرورية المتعلقة بسبب الفصل
– استشارتهم من أجل إيجاد سبل من شأنها أن تحول دون الفصل
– الحصول على اذن من طرف عامل الإقليم
لكن ما يلاحظ في هذا الصدد هو أن كثير من المقاولات لا تعمد إلى التقليل من عدد الأجراء خلال هذه الفترة بسلوك مسطرة المادة 66 من مدونة الشغل، بل يوقفون عقود الشغل بناء على نظرية القوة القاهرة المتمثلة في الجائحة ثم يعمدون الى التصريح بالأجراء المتوقفة عقود شغلهم خلال هذه الجائحة لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي.
خاتمة:
ختاما فإنه للتقليل من الآثار السلبية لجائحة فيروس كورونا المستجد سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي فقد عمدت السلطة الحكومية على احداث برامج دعم و مواكبة للمقاولات المتضررة كما صرفت تعويضات شهرية للأجراء المتضررين، و هي تدابير تهدف إلى الحد من آثار هذه الجائحة ، من جهة أخرى فإن هذه الجائحة أصبحت تفرض على السلطات المختصة التفكير في الاقتصاد الرقمي كعماد لنموذج اقتصادي جديد.
[1] موقع منظمة العمل الدولية: https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—ed_norm/—normes/documents/normativeinstrument/wcms_c155_ar.pdf
[2] قرار محكمة النقض عدد 2984 في الملف عدد 953/5/2/2016 بتاريخ 28/12/2016 منشور بموقع www.jurisprudence.ma
[3] محكمة النقض، قرار عدد 8/1 بتاريخ 5/1/2017 ملف تجاري عدد 5/3/2015، منشور بwww.artemis,ma مقال تحت عنوان:
covid-19 entreprises, vos engagements contractuels inexecutes peuvent ils etre couverts par la force majeure? cas de jurisprudence
[4] منشور بالجريدة الرسمية عدد 5279 بتاريخ 3 يناير 2005 ص 17
[5] منشور بالجريدة الرسمية عدد 2099 بتاريخ 16 يناير 1953 ص 186
[6] بلاغ معمم على الصحافة الوطنية، منشور بموقع وزارة الصناعة و التجارة و الاقتصاد الأخضر و الرقمي http://www.mcinet.gov.ma/ar/content/محاربة-covi-19-المقاولات-والوحدات-الصناعية-والإنتاجية-ملزمة-بتوفيرالكمامات-الوقائية-للعاملين
[7] تم نشر قانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل في الجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ فاتح ربيع الأخر الموافق ل 22 يناير 2015،ص 489
[8] قرار عدد 285 في الملف عدد 3151/5/1/2017 بتاريخ 27/03/2018 منشور بموقع www.jurisprudence.ma
[9] قرار عدد 244 بتاريخ 28/3/2018 في الملف عدد 1442/5/1/2017 منشور بموقع www.jurisprudence.ma