في الواجهةمقالات قانونية

دور النيابة العامة في حماية النظام العام الاقتصادي

 

دور النيابة العامة في حماية النظام العام الاقتصادي

                                                                            بقلم: ذ. محمد حفو

                                                                             باحث في سلك الدكتوراه

                                                                              جامعة محمد الأول بوجدة

 

الملخص:

من المتفق عليه اعتبار جهاز النيابة العامة أمام المحاكم التجارية خطوة إيجابية، لما لها من دور فعال في مراقبة الحركة الاقتصادية والمالية، أمام تطور مفهوم النظام العام، ليشمل النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، فإن هذا التوجه يستوجب تدخل المشرع المغربي لخلق آليات قانونية، ووسائل عمل واضحة المعالم، بغية تيسير وتسهيل عمل النيابة العامة.

 

 

مقدمة:

يمكن تعريف النيابة العامة من خلال مفهومها اللغوي من أناب، ينوب، إنابة…؛ والإنابة تكون على الشخص أو الجماعة، يقصد بها الاحلال والتمثيل في القيام بمهام معينة في مواجهة الشخص أو الجماعة المنوب عليها[1]. فهي مؤسسة تمثل مجموع المواطنين في الدفاع عن المصالح العامة للمجتمع في احترام القوانين والحرص على صيانة الحقوق والحريات الفردية والجماعية[2].

ولما كان جهاز النيابة العامة يعتبر مؤسسة قضائية خاصة، مكلفة بالدفاع عن الحق العام وممثلة للنظام العام، والأمينة على مصالح الأفراد والجماعات، والساهرة على احترام القانون وسيادته. فإن تطور مفهوم النظام العام أضحى يشمل جوانب تهم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مما حتم ضرورة تواجد النيابة العامة حتى بالمحاكم التجارية كصنف خاص من المحاكم يبت في نزاعات معينة، لكن هذا التواجد، وبحكم التسرع في إصدار القانون المحدث للمحاكم التجارية[3] من جهة، وما نتج عنه من قصور وغموض في المواد المنظمة لهذه المؤسسة وتحديد اختصاصاتها بشكل دقيق من جهة ثانية، جعل موضوع النيابة العامة أمام المحاكم التجارية يطرح أكثر من إشكال[4].

خاصة مع ضعف وقصور الترسانة التشريعية المؤطرة لمهام النيابة العامة أمام المحاكم التجارية، هذا القصور جعل البعض يطالب بتقليص أدوار النيابة العامة بالمحاكم التجارية، ما دام أعطي لها حجما مؤسساتيا أكبر وأضخم مما تقتضيه الطبيعة غير الزجرية لهذه المحاكم[5].

لكن بالمقابل يرى اتجاه آخر- وهو ما نتفق معه – أن ضرورة مواكبة القضاء لمختلف التشريعات التي استحدثتها مختلف الدول، حتمت تواجد هذا الجهاز بالمحاكم التجارية، إذ أصبح العمل وفق مفهوم جديد في ميدان التجارة والأعمال، كما أن مراقبة الحياة التجارية والحفاظ عليها أصبح يشكل حجر زاوية كل تنمية[6].

وهو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته السامية للمشاركين في ” مؤتمر مراكش للعدالة والاستثمار” بتاريخ 21 و22 أكتوبر 2019، حيث قال جلالته: ” بقدر ما تعتبر العدالة من المفاتيح المهمة في مجال تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المبادرة الحرة وحماية المقاولة، فإن القضاء مدعو للقيام بدوره الأساسي في مواكبة هذا المسار واستيعاب تحديات الظرفية الاقتصادية العالمية والمناخ الاقتصادي الوطني”.

ويستتبع ذلك مختلف التوصيات[7] المضمنة في الدورية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة، بتاريخ 24 يناير 2020 بخصوص موضوع دور النيابة العامة في حماية النظام العام الاقتصادي.

ومن كل ما سبق يمكن صياغة إشكالية الموضوع على النحو التالي: أي حكامة للنيابة العامة في تحقيق الأمن الاقتصادي للمقاولات المتعثرة؟

لمقاربة هذه الإشكالية ارتأينا معالجة الموضوع وفق التقسيم الآتي:

المحور الأول: النيابة العامة بين رئاسية التدخل وانضماميته

المحور الثاني: تدخل النيابة العامة من خلال مساطر صعوبات المقاولة

 

 

 

 

المحور الأول: النيابة العامة بين رئاسية التدخل وانضماميته

لقد أخذ موضوع مهام النيابة العامة لدى المحاكم التجارية حيزا كبيرا من النقاش والسجال الفقهي بين رجال القانون وغيرهم من الممارسين والباحثين، ولعل مرد ذلك راجع إلى خلفيات صدور القانون المحدث للمحاكم التجارية وما استتبع ذلك من تعديلات على التنظيم القضائي بحيث لم يخصص هذا الأخير الحيز الكاف لتوضيح مهامها واختصاصاتها كما فعل بالنسبة للنيابة العامة أمام المحاكم العادية، وكان من نتيجة ذلك تباين وغموض في الرأي واختلاف في التطبيق، لذلك كان لا مناص من الرجوع للأحكام العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية[8]، حيث نميز بموجبها بين تدخل النيابة العامة كطرف رئيسي في الدعوى (أولا) وبين تدخلها كطرف منضم (ثانيا).

أولا: التدخل النيابة العامة كطرف رئيسي

إن تدخل النيابة العامة أمام المحاكم التجارية كطرف رئيسي يجد سنده في مقتضيات الفصلين 6 و7 من قانون المسطرة المدنية من دون تحديد الحالات، مما تكون معه النيابة العامة لا تمارس أي دعوى تجارية أو مدنية أمام المحاكم التجارية إلا إذا نص القانون على حقها في ذلك بصفة رئيسية، “فكان من الأولى هنا أن يحدد المشرع كما فعل بالنسبة للتدخل الانضمامي”، الدعاوى التي تعطي لها حق الممارسة بشأنها حتى لا يجد وكيل الملك أو نائبه نفسه أمام عالم مجهول وحتى لا يكون عليه من الصعب أن يعثر في القوانين المختلفة على كل حالة تقوم فيها النيابة العامة بدورها الرئاسي.

وعلى مستوى المحاكم التجارية، نجد أن النيابة العامة لا تكون طرفا رئيسيا وفق القوانين إلا في حالات نادرة حددتها مدونة التجارة[9] وقوانين الشركات[10] وقانون حماية الملكية الصناعية[11].

والجدير بالذكر أن النيابة العامة عندما تكون طرفا رئيسيا لا يمكن وصف مرافعاتها بالتدخل كون التدخل لا يكون إلا لمن هو خارج النزاع باعتبار الترافع أمام القضاء حق من حقوقها تباشره كأحد الخصوم العاديين فالتدخل يمنح للنيابة العامة عندما يكون النزاع الأصلي قائما بن طرفي النزاع ولهذا فإن المشرع لم يصف ممارسة النيابة العامة لحقها بالتدخل.

أما في التشريعات المقارنة ونخص بالذكر التشريع الفرنسي الذي منح للنيابة العامة إمكانية التدخل كطرف رئيسي في حالات محددة قانونا أو بناء على نصوص خاصة عملا بالفقرة الثانية من الفصل 426 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي التي تبيح للنيابة العامة التدخل لمتابعة تنفيذ القوانين والمقتضيات التي تتعلق بالنظام العام[12]. وبعد أخذ ورد أكدت محكمة النقض الفرنسية[13] وقيدت تدخل النيابة العامة في هاته الحالة بالمساس بصورة مباشرة وبصفة رئيسية بالنظام العام.

ثانيا: تدخل النيابة العامة كطرف منضم

أجمع الفقه على أن تدخل النيابة العامة أمام المحاكم التجارية والمدنية كطرف منضم هو الأصل وأن ما سبق ذكره – التدخل كطرف رئيسي – لا يعدو أن يكون مجرد استثناء[14]

وبالرجوع لقواعد قانون المسطرة المدنية، نجد أن تدخل النيابة العامة كطرف منضم قد يكون اختياريا أو وجوبيا في حالات معينة نفصل فيها اتباعا

  • التدخل الاختياري للنيابة العامة يكون في حالة إحالة الملف عليها من طرف المحكمة[15] أو ما يعرف بالتبليغ القضائي.

كما يمكنها أن تتدخل تلقائيا عندما ترى موجبا لذلك أو ما يعرف بالتدخل التلقائي[16].

  • التدخل الوجوبي للنيابة العامة رهين بتعلق القضايا بالاعتبارات التالية:
  • تعلقها بالنظام العام أو المصلحة العامة.
  • اتصال بعضها بمصلحة خاصة تحتاج للإشراف والحماية.
  • اتصال بعضها بتطبيق نصوص قانونية يعلق عليها المشرع أهمية خاصة لارتباطها بحسن سير العدالة ودرجات المحاكم وأنواعها وتوزيع الوظائف القضائية بينها.

وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية الذي حدد حالات هذا التدخل، وبالنظر لطبيعة اختصاص المحاكم التجارية فإنه لا يمكن للنيابة العامة التدخل على ضوء الفصل السابق إلا في الحالات المتعلقة بحماية النظام العالم الاقتصادي والاجتماعي والقضايا المتعلقة بالمؤسسات العمومية التي أصبحت تزاول أعمالا تجارية بجانب قضايا القاصرين، إضافة إلى قضايا عدم الاختصاص النوعي وتنازع الاختصاص وتجريح القضاة وقضايا الزور الفرعي[17].

المحور الثاني: تدخل النيابة العامة من خلال مساطر صعوبات المقاولة

لقد منح المشرع للنيابة العامة بالمحاكم التجارية مهمة السهر على المصلحة العامة والنظام العام الاقتصادي، ودورا متميزا في المساطر المتعلقة بصعوبات المقاولة نظرا لأهمية المقاولات في النسيج الاقتصادي[18]، إذ تشكل مقتضيات مساطر صعوبات المقاولة مرتعا خصبا لتدخلات سلطات النيابة العامة. وهو ما سنفصل فيه من خلال التطرق لمجالات تدخل النيابة العامة بموجب نصوص قانونية صريحة (أولا) ثم لمجالات تدخلها عبر تأويل النصوص القانونية الغامضة (ثانيا).

أولا : مجالات التدخل بنصوص قانونية صريحة

باستقراء مواد القانون 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة[19]، يمكن الوقوف على سلطات النيابة العامة في هذا المجال من خلال المواد التالية:

  • نصت المادة 585 على ” يمكن تمديد المسطرة إلى مقاولة أو مقاولات أخرى بسبب تداخل ذممها المالية مع الذمة المالية للمقاولة الخاضعة للمسطرة، أوبسبب صورية الشخص الاعتباري. يتم تمديد المسطرة بطلب من السنديك أورئيس المقاولة الخاضعة للمسطرة أو النيابة العامة أوتلقائيا من قبل المحكمة.
  • المادة 651 ” تفتتح المحكمة مسطرة التصفية القضائية تلقائيا أو بطلب من رئيس المقاولة أو الدائن أو النيابة العامة، إذا تبين لها أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه.”
  • المادة 578 “يمكن فتح المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنين كيفما كانت طبيعة دينه ….يمكن للمحكمة أيضا أن تضع يدها على المسطرة إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة، أو من رئيس المحكمة في إطار ما تخوله له الوقاية الخارجية من اختصاصات.
  • يمكن للمحكمة استبدال السنديك بطلب من:
  • النيابة العامة؛
  • جمعية الدائنين في الحالات التي تشكل فيها هذه الجمعية طبقا للمادة 606 ؛
  • القاضي المنتدب تلقائيا أو بناء على تشك لديه من رئيس المقاولة أو أحد الدائنين؛
  • رئيس المقاولة أو الدائن الذي لم يبت القاضي المنتدب في تشكيه داخل أجل خمسة عشر يوما.
  • كما خول المشرع للنيابة العامة إمكانية الطعن في المقررات القضائية الصادرة بمناسبة مساطر صعوبات المقاولة وحدد أجل تقديم تلك الطعون[20].

فحسب المادة 762 من مدونة التجارة، تحدد المقررات القابلة للطعن بالاستئناف والجهة المخول لها الطعن فيها وفق ما يلي:

  • المقررات الصادرة بشأن فتح مسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية، من طرف المدين والدائن، إن كان هذا الأخير هو من تقدم بطلب فتح المسطرة، ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن تمديد مسطرة التسوية القضائية أو التصفية طبقا للمادة 585 أعلاه، وذلك من طرف المقاولة الخاضعة للمسطرة والسنديك والمقاولة الممدة إليها المسطرة ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن تحويل مسطرة الإنقاذ إلى مسطرة تسوية قضائية أو تصفية قضائية، من طرف المدين والسنديك ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن تحويل مسطرة التسوية القضائية إلى تصفية، من طرف المدين والسنديك وكذا جمعية الدائنين ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن حصر مخطط الإنقاذ أو الاستمرارية، من طرف المدين والسنديك وكذا جمعية الدائنين ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن مخطط التفويت، من طرف المدين والسنديك والنيابة العامة والمفوت إليه في الحالة التي تفرض عليه المحكمة تحملات تتجاوز القدر الذي التزم به أثناء إعداد المخطط، وكذا الطرف المتعاقد معه طبقا لمقتضيات المادة 638 أعلاه في حدود الشق من الحكم المتعلق بتفويت العقد؛
  • المقررات الصادرة بشأن تغيير أهداف ووسائل مخطط الإنقاذ أو الاستمرارية، من طرف المدين والسنديك وجمعية الدائنين ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن فسخ مخطط الإنقاذ أو الاستمرارية أو التفويت، من طرف المدين والدائن إن كان هذا الأخير هو من تقدم بطلب الفسخ، وكذا جمعية الدائنين ومن طرف النيابة العامة؛
  • المقررات الصادرة بشأن تعيين أو استبدال السنديك أو تغيير سلطاته أوتجديد الأجل المنصوص عليه في المادة 595 أعلاه، من طرف النيابة العامة فقط؛
  • المقررات الصادرة بشأن العقوبات المدنية، وذلك من طرف السنديك أوالنيابة العامة أو الأشخاص المحكوم عليهم بالعقوبة؛
  • المقررات الصادرة عن القاضي المنتدب التي يأذن بموجبها بالبيع بالمزايدة الودية أو بالتراضي طبقا للفقرة الثالثة من المادة 654 أعلاه، وذلك من طرف رئيس المقاولة أو أحد الدائنين.
  • تقوم النيابة العامة بدور متميز اسند إليها بموجب المادة 652 [21]من القانون 73.17، حق طلب استمرار نشاط المقاولة الخاضعة لمسطرة التصفية القضائية، وذلك كلما اقتضت المصلحة العامة الاقتصادية ومصلحة الدائنين ذلك. والملاحظ أن المشرع ترك تحديد مفهوم المصلحة العامة للسلطة التقديرية للمحكمة، ومن بين الأمثلة الممكن أن تعتبر من المصلحة العامة الحفاظ على مناصب الشغل لفترة معينة.. أو الحفاظ على منتوج ذي مصلحة عامة كالمنتوج الطبي أو الصيدلي[22]
  • كما ترجمت المادة 674 نوعا من التعاون بين عناصر السلطة القضائية بخصوص أي معلومة تخص وضعية المقاولة المتعثرة، إذ نصت المادة أعلاه على ما يلي: يخبر السنديك القاضي المنتدب بسير المسطرة. ويمكن لهما في أي وقت أن يطلبا الاطلاع على كل العقود أو الوثائق المتعلقة بالمسطرة. يطلع وكيل الملك القاضي المنتدب، بناء على طلب هذا الأخير أو تلقائيا، على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة، على جميع المعلومات المتوفرة لديه والتي يمكن أن تكون مفيدة في المسطرة.
  • الإختصاص الزجري للنيابة العامة حسب المادة 742 من مدونة التجارة ففي الحالات المنصوص عليها في المواد من 738 إلى 740 أعلاه، تضع المحكمة يدها على الدعوى تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أوالسنديك

وكذا المادة 749 في الحالات المنصوص عليها في المواد من 745 إلى 748 أعلاه يجب أن تضع المحكمة يدها تلقائيا على الدعوى أو بناء على طلب السنديك أو وكيل الملك.

والمادة 759 من نفس القانون تعرض الدعوى على أنظار القضاء الزجري إما بمتابعة من النيابة العامة أو من طرف السنديك بصفته طرفا مدنيا.

فباستقراء هذه المواد يتضح أن للنيابة العامة سلطات واسعة ضمن مساطر صعوبات المقاولة، ناهيك عن مجالات أخرى يمكن أن تتدخل فيها عبر تأويل النصوص القانونية الغامضة وهو ما سنفصل فيه مواليا.

ثانيا: قابلية التدخل من خلال تأويل النصوص القانونية الغامضة

يمكن للنيابة العامة عن طريق السجلات التجارية الوقوف على الوضعية المالية الحقيقية لمعظم المقاولات عن طريق تبادل المعلومات و فتح قناة الاتصال بين النيابة العامة و بين رئيس المحكمة التجارية تطبيقا لمقتضيات للمادة 11 من المرسوم المؤرخ في 18/01/1997 بشأن تطبيق الباب الثاني (المتعلق بالسجل التجاري([23])) من الكتاب الأول من مدونة التجارة الذي جاء فيه :” إذا افترض رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بمراقبة السجل التجاري أن تصريحا يقع تحت طائلة المادة 65 من القانون 15.95 وجب عليه أن يبلغ ذلك إلى النيابة العامة”.

فمن خلال التنسيق بين جهاز النيابة العامة و رئيس المحكمة التجارية يخلق تعاون بين الجهازين، عن طريق تبادل المعلومات أثناء مسطرة الوقاية الخارجية التي يشرف عليها رئيس المحكمة التجارية، بالرغم من مساطر الوقاية لاتتضمن أي مقتضى يتعلق بدور النيابة العامة أثناء هذه المرحلة حيث لا يمكن لها أن تطلب من رئيس المحكمة تعيين المصالح أو التدخل في إطار اتفاق التسوية الودية و ذلك خلافا للمشرع الفرنسي([24]) الذي ألزم وجوب إعلام النيابة العامة بطلب التسوية الودية و على ضرورة تلقيها إخبارا بقرار الخبرة في حالة ما إذا تم إنجازه.

و بالرغم من عدم وجود نص قانوني ينص على دور النيابة العامة في مرحلة الوقاية الخارجية من الصعوبات، فإن ذلك لا يمنع من تدخل هذا الجهاز في إطار التعاون بهدف حماية المقاولة من نفسها أو من الغير([25])،خاصة أن هذه المساطر يطبع عليها الطابع الحواري أكثر منه القضائي، حيث  يمكن للنيابة العامة أن تزود رئيس المحكمة بمعلومات دقيقة حول وضعية المقاولة من الناحية المالية وكذا حول وضعية مسيريها مما يكون لديه الصورة الحقيقية و قد يعفيه في بعض الأحيان من إضاعة الوقت في مساطر الوقاية الخارجية والانتقال مباشرة إلى مسطرة التسوية القضائية.

وفي نفس الإطار تستطيع النيابة العامة لعب دور أساسي في إنقاذ المقاولة والذي يتمثل في نقل المعلومات التي يتم تبليغها من طرف الأطراف الذين تربطهم علاقة بالمقاولة ومصيرها، وذلك في حالة تقاعس رئيسها مثلا عن القيام بواجبه في الإشعار بجميع الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية نشاط المقاولة([26]) .

وارتباطا بنفس الموضوع، فبالرغم من عدم تنصيص المشرع المغربي على إمكانية تدخل النيابة العامة في مرحلة تهييئ اتفاق التسوية الودية أو تنفيذه، فهناك من أعضائها من يرى أنها تعتبر مكونا من مكونات السلطة القضائية. وهو ما يؤهلها لأن تتمتع بحق الاطلاع على الاتفاق الودي وعلى الخبرة القضائية الخاصين بمسطرة التسوية الودية([27]).

 

خاتمة:

لما كان جهاز النيابة العامة يعتبر مؤسسة قضائية خاصة، مكلفة بالدفاع عن الحق العام وممثلة للنظام العام، والأمينة على مصالح الأفراد والجماعات، والساهرة على احترام القانون وسيادته، فإن تطور مفهوم النظام العام أضحى يشمل جوانب تهم الحياة الاقتصادية والاجتماعية مما حتم ضرورة إيجاد قضاء النيابة العامة حتى بالمحاكم التجارية، فإن هذا التوجه يستوجب تدخل المشرع المغربي لخلق آليات قانونية، ووسائل عمل واضحة المعالم، بغية تيسير وتسهيل عمل النيابة العامة.

 

 

[1] عبد الغني رياض، جهاز النيابة العامة بالمحاكم المتخصصة والاستثنائية، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2007 ص27.

[2] هيئة تحرير منبر النيابة العامة، مجلة خاصة بقضاة النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة، العدد التاسع/ 2017 ص45.

[3]  القانون رقم 53.95القاضي بإحداث محاكم تجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 صادر في 4 شوال 1417 الجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 8 محرم 1418 (15ماي1997)، ص1141.

[4] أنس مدهوني، دور النيابة العامة أمام المحاكم التجارية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة البحث والتكوين القانون المدني، كلية الحقوق، جامعة الحسن الثاني بالدار لبيضاء، السنة الجامعية 1999/2000 ص02.

[5] محمد المجدوبي الإدريسي، حقيقة دور النيابة العامة أمام المحاكم التجارية، مقال منشور بجريدة العلم عدد 17557 الصادرة بتاريخ 23/05/1998.

[6] محمد عبد المحسن البقالي الحسني، دور النيابة العامة في صعوبات المقاولة، مساهمة في دعم وإغناء البوابة القانونية والقضائية “عدالة” منشور على مجلة قانونك الإلكترونية ص03.

 

 [7] همت هذه التوصيات المستويات التالية:

  • الحرص على النهوض بدور النيابة العامة في الوقاية من صعوبات المقاولة بتسخير الآليات القانونية والواقعية المستجدة التي جاء بها القانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة.
  • تعزيز التنسيق بين النيابة العامة أمام المحاكم العادية والنيابة العامة أمام المحاكم التجارية من أجل توفير فرص الحماية الناجعة للفاعل الاقتصادي، من خلال تبادل المعلومات التي يتم التوصل إليها بمناسبة ممارسة الجهازين لمهامهما في إطار مجال المال والأعمال استنادا لمقتضيات الفصلين 42 و43 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك من أجل تقوية دورهما في مجال حماية النظام العام الاقتصادي.
  • استحضار أثر المنازعات التجارية على الأمن الاقتصادي والاجتماعي بمناسبة إعمال سلطة الملاءمة المخولة في زجر الخروقات المالية والاقتصادية، وذلك بتفعيل النصوص القانونية الزجرية المضمنة بقوانين الأعمال.
  • تبني تدبير ناجع لأداء النيابة العامة يروم المساهمة في تقليص الزمن القضائي اعتبارا لخصوصية المنازعة التجارية، من خلال احترام الآجال القانونية المنصوص عليها قانونا، كالالتزام باحترام أجل الطعن بالاستئناف في الحالات التي منح المشرع فيها ذلك للنيابة العامة، المحدد في عشرة أيام، والذي يسري في مواجهة هذه الأخيرة ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر وفقا لمقتضيات الفصول 762 و764 من القانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة.
  • تحري إلمام النيابة العامة المعنيين بأهمية دورهم في حماية النظام العام الاقتصادي وعدم التردد في مخاطبة رئاسة النيابة العامة من أجل تنظيم برامج تكوينية لفائدتهم وفقا لاحتياجاتهم الخاصة.

[8] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741

[9] كالمادة 585 و651 وغيرها من المواد التي سنفصل فيها ضمن المحور الثاني بعده

[10] المادتين 12 و426 من قانون شركات المساهمة

[11] المادتين 86 و131 من قانون حماية الملكية الصناعية

[12] Jean Guigue , Ministère public, encyclopédie. DALLOZ,2éme édition. Tome 2.1993 page 07.

[13] Cass.com.24/10/1978. Cité par Jean Guigue op.cit. page 08.

[14] أنس مدهوني, مرجع سابق، ص23.

[15] نص الفصل الثامن من قانون المسطرة المدنية على ما يلي :  “تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها، ……”

[16]  تتمة الفصل أعلاه ..”وكذا في الحالات التي تطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد إطلاعها على الملف، أوعندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف المحكمة”

[17] يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:

1 – القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الأحباس والأراضي الجماعية؛

2 – القضايا المتعلقة بالأسرة؛

3 – القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف؛

4 – القضايا التي تتعلق وتهم الأشخاص المفترضة غيبتهم؛

5 – القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي؛

6 – القضايا التي تتعلق بتنازع الاختصاص، تجريح القضاة والإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة؛

7 – مخاصمة القضاة؛

8 – قضايا الزور الفرعي.

 

[18]عبد الله المشاري، دور النيابة العامة للمحاكم التجارية، مقال منشور بمجلة المنتدى، العدد الأول 1999 ص193.

[19] القانون رقم 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018)، الجريدة الرسمية عدد 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 (23 أبريل 2018)، ص 2345؛

 

[20] المادة 763يتم تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد المقررات الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية بتصريح لدى كتابة ضبط المحكمة داخل أجل خمسة عشر (15) يوما ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر القضائي أو نشره في الجريدة الرسمية إذا كان من اللازم إجراء هذا النشر.

المادة 764يتم استئناف المقررات الواردة في المادة 762 أعلاه وكذا المقررات الصادرة في الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة المشار إليها في المادة السابقة بتصريح لدى كتابة ضبط المحكمة داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ تبليغ المقرر القضائي، ما لم يوجد مقتضى مخالف لذلك في هذا القانون. يسري الأجل في مواجهة السنديك، في الأحوال التي يحق له الطعن فيها بالاستئناف، والنيابة العامة ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر.

يبلغ المقرر تلقائيا فور صدوره من طرف كتابة الضبط.

 

 

[21] بحيث نصت المادة 652 على ما يلي: إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، جاز للمحكمة أن تأذن بذلك لمدة تحددها إما تلقائيا أو بطلب من السنديك أووكيل الملك

[22] يسرى الصاط، مرجع سابق، ص56.

([23])مرسوم رقم 2.96.906 صادر في 9 رمضان 1417 (18 يناير 1997) لتطبيق الباب الثاني المتعلق بالسجل التجاري بالقسم الرابع من الكتاب الأول من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الجريدة الرسمية عدد 4449 بتاريخ 20/01/1997 الصفحة 135

([24])Article 7,du Loi n° 85-98 du 25 janvier 1985 relative au redressement et à la liquidation judiciaires des entreprises Version consolidée au 30 septembre 1994.

Le tribunal compétent est le tribunal de commerce si le débiteur est commerçant ou artisan ; le tribunal de grande instance est compétent dans les autres cas. S’il se révèle que la procédure ouverte doit être étendue à une ou plusieurs autres personnes, le tribunal initialement saisi reste compétent.

Un décret en Conseil d’Etat détermine dans chaque département le tribunal ou les tribunaux appelés à connaître des procédures de redressement judiciaire applicables aux personnes autres que celles mentionnées au troisième alinéa de l’article 2, ainsi que le ressort dans lequel ces tribunaux exercent les attributions qui leur sont dévolues.

Lorsque les intérêts en présence le justifient, la cour d’appel, saisie sur requête du président du tribunal compétent ou du ministère public, peut décider de renvoyer l’affaire devant une autre juridiction de même nature compétente dans le ressort de la cour pour connaître des procédures de redressement judiciaire en application de l’alinéa précédent.

([25])عبد الصمد شني، حكامة النيابة العامة في نظام صعوبات المقاولة، مداخلة ضمن أشغال ندوة: أي حكامة قضائية للمقاولات المتعثرة، المنعقدة برحاب كلية الحقوق بوجدة يومي 05 و06 ماي 2017.

([26])محمد قدار، دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية في صعوبات المقاولة، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية (مجلة إلكترونية) على الموقع: http://www.droitentreprise.comتمت الزيارة بتاريخ 20/05/2020.

 

([27])وذلك اعتمادا على الصيغة العامة التي جاءت بها المادة 559 من م.ت. التي جاء فيها ما يلي : “باستثناء السلطة القضائية التي يمكن أن تبلغ بالاتفاق وبتقرير الخبرة ، لا تطلع على الاتفاق سوى الأطراف الموقعة ، ولا يطلع على تقرير الخبرة سوى رئيس المقاولة” باعتبار النيابة العامة جزء  من السلطة القضائية ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى