في الواجهةمقالات قانونية

الحق في الصمت  دراسة مقارنة

 

الحق في الصمت  دراسة مقارنة

أيوب الدهدوه

طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية طنجة

 

مقدمة :

تستأثر حقوق الإنسان كما كرستها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية باهتمام المواطن والدولة على السواء باعتبارها هدفا أسمى تسعى الشعوب قاطبة إلى تحقيقه كي ينعم أفرادها بالطمانينة والسلام، فلا يهدر حق ولا تنتقص حرية .

وإذا كانت حقوق الإنسان تحتل مكانتها ضمن دراسة القانون العام والحريات العامة إلا أن جزءا هاما مما ورد في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية تعتبر بمثابة مبادئ عامة ضمن القانون الجنائي وما يتضمنه من إجراءات

وذلك لكي يحقق للمتهم الحماية مما يمكن أن يتعرض له من انتقاص من الحرية أو مساس بحقوقه من إجراء الإجراءات الجنائية وما يرافقها من مخاطر على حريته وكرامته أمام هذا الاحترام الحقوق الإنسان. كان لا بد أن يمنح المتهم، وهو في صدد توجيه الاتهام إليه، ضمانات وحقوق تحفظ له حقه في درء التهم المنسوبة إليه، والدفاع عن نفسه بأي طريق كان

لأن الأصل في الإنسان البراءة، ومن حقه أن يتمتع بحريته وسائر حقوقه المقررة في القانون، ويتعين على الدولة بكافة أجهزتها تبعا لذلك احترام هذه الحرية وتلك الحقوق لذلك كله، وأمام تطور وسائل الاستجواب الحديثة، راح البعض ينادي بضرورة إعطاء المتهم مزيدا من الحقوق انطلاقا من قاعدة مفادها إن الشخص المتهم دائما أضعف من سلطة التحقيق فسلطة التحقيق تلك العديد من الوسائل التي تمكنها من أداء وظيفتها على أكمل وجه لذلك فإنه لا بد من تزويد المتهم بأسلحة إضافية يستطيع من خلالها أن يواجه المبتكرات الحديثة في الاستجواب

ومن أهم تلك الأسلحة ضرورة تمتع المتهم بحق دائم في الصمت، أي أن يملك الحق في الإجابة على الأسئلة أو التزام الصمت حيالها دون أن يُضغط عليه ليستخلص منه ما يضر به .

و بهذا نرى ان الفقه انقسم الى قسمين حول حق الصمت المتهم اثناء استجوابه بحيث اتجهت اغلبية الاراء الفقهية الى اقرار حق الصمت المتهم و لكن في نفس الوقت ظهرت بعض الاراء الفقهية التي تعترض على وجود هذا الحق .

    فالاتجاه الفقهي المؤيد لحق المتهم في الصمت يجمع أصحاب هذا الاتجاه على أنه لا يجوز إجبار المتهم على الكلام إن هو اختار الصمت اتجاه الأسئلة الموجهة إليه

ولا يمكن بأي شكل تفسير رفضه الإجابة أو صمته على أنه قرينة ضده ذلك لأن الموضوع فقط أنه لا يريد الكلام ويفضل الصمت بالإضافة إلى أن التفسير في هذه الحالة يعتبر وسيلة غير مباشرة من وسائل الإكراه، فصمت المتهم لا يفسر على أنه مدان؛ لأن ذلك إكراه غير مباشر للوصول إلى القرينة التي تدينه

وكما يقول ” ألتافيلا”: إنه يجب استبعاد الفرض الذي يقول بأن المتهم لا يصمت إلا عندما يجد أن كل وسائل الدفاع عنه مستحيلة

فالصمت قد يكون وليد أسباب عديدة أخرى، مثل الرغبة في إنقاذ شخص عزيز على المتهم، كصمت الابن عندما توجه إليه تهمة ارتكبها والده أو في حالة الزنا والصمت قد يكون من منهم لا يريد أن يظهر شخصيته، لأن هذا الإظهار قد يترتب عليه معاقبته بعقوبة أشد، كما قد يكون أيضا نتيجة مرض نفسي

ومن ناحية أخرى فإن إجبار المتهم على الكلام لا يفي بالغرض المطلوب من التحقيق أو المحكمة وهو الوصول إلى قرينة يمكن الاستناد عليها في الحكم. ذلك أن المتهم أمام هذا الإرغام قد يقول غير الحقيقة، وبذلك تتأذى العدالة

ويؤكد الدكتور محمود مصطفى – رحمه الله – هذا الرأي “من السهل إرغام شخص على الكلام، ولكن من العسير إجباره على قول الحق

وذهب بعض الفقهاء المؤيدين لحق الصمت إلى أبعد من ذلك فقالوا بأنه يجب الموازنة بين حقين: الحق الأول هو حق سلطة التحقيق في البحث عن الحقيقة والثاني هو حق المتهم في الصمت ولا يجوز على أية حال إهمال او تفضيل أحد الحقين على الآخر، حيث أن كل منهما يرتبط بمصالح تهم المجتمع كوحدة وكمجموعة أفراد وبذلك يترتب على سلطة التحقيق الممثلة الحق العام المجتمع التزام يقابل حق المتهم في الصمت، وهو ألا يكره المتهم على الكلام بالالتجاء إلى الوسائل المادية أو المعنوية، أو حتى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تؤثر عليه، لكي يعدل عن صمته، مثل إطالة مدة حبسه الاحتياطى في حالة امتناعه عن الكلام، أو اعتبار صمته جريمة ووضع عقوبة جنائية لها

ويقتضي منه عدم معارضة المحقق إذا ألقي عليه بعض الأسئلة فما دامت له الحرية في ألا يجب عليها كلها أو بعضها، فليس له الادعاء بأنه قد تضرر من اتخاذ إجراءات التحقيق في مواجهته، أيا كانت النتائج التي تؤدي إليها، حتى ولو وصل الأمر إلى توقيع أشد عقوبة عليه ا والأمر يتلخص في أن المجتمع يجب أن يحترم حق الصمت المقرر للمتهم، الذي عليه بدوره أن يخضع لما يتخذ في مواجهته على الوجه المشروع، فكل منهما عليه التزام بعدم التعرض لحق الآخر

وهناك جانب من الفقه أيد حق المتهم في الصمت لكن لم ينصح المتهم به فقال إنه في ظل النظام الحر للاقناع الشخصي الذي بمقتضاه لا يحكم القاضي إلا بما ترتاح إليه نفسه وفقا لتقديره الخاص، وليس لأي دليل مهما كان أن يلزمه بان يصدر قراره على وجه معين.

وهنا لا يمكن منع القاضي أن يضع في اعتباره موقف المتهم الذي رفض كل تعاون معه وليس هناك أدنى شك في أنه لن يفسر ذلك لمصلحته، خاصة إذا لم يوجد هناك سبب آخر لمسلكه، وكان مركزه في الدعوى يستدعي أن يتقدم ببعض الإيضاحات لكي يرد بها على الاتهامات الموجهة ضده.

لذلك يقول الفقيه “جارو” إنه رغم عدم التجاء القانون لطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإلزام المتهم بالإجابة على الأسئلة التي توجه إليه، فإن النتيجة المنطقية لرفضه الكلام يمكن أن تؤكد لدى القضاة شعورا معاديا له

ويجمع في النتيجة فقهاء هذا الاتجاه المؤيد إلى أن حق الصمت ينطلق من مبدأ أساسي يفرض نفسه على جميع الإجراءات في الدعوى الجنائية، وهو النظر إلى المتهم على أنه بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي فيه، ونتيجة لهذا لا يطلب منه الدليل على نفي التهمة الموجهة إليه، لأن عبء الإثبات لا يقع على المتهم، فهو غير ملزم بالدفاع عن نفسه

وذلك ما دعا بعض الفقهاء إلى المطالبة بإلغاء الاستجواب على أساس أن وجوده في ظل النظم القانونية القديمة التي كانت تبيح التعذيب لحمل المتهم على الكلام كان له ما يبرره، أما الآن وقد أصبح من أهم القواعد المقررة عدم جواز إكراهه على الإجابة بالنسبة للأسئلة التي توجه إليه، وأن له الحق في رفضها والتزام الصمت بشأنها دون إمكان عقابه على هذه المسالك، فإن الإجراء يصبح في تلك الحالة عديم القيمة

على الرغم من ذلك لم يسلم هذا الرأي من النقد ذلك أن الاستجواب بالإضافة لكونه أداة تحقيق فهو أساسا أداة للدفاع، يستطيع المتهم من خلاله نفي التهم الموجهة إليه، وإيضاح موقفه، والدفاع عنه بكافة وسائل الدفاع لهذا فإن التطبيق النموذجي الحق الصمت، يعطي مرحلة الاستجواب طابعا حيويا بوصفها أداة للدفاع. واستنادًا الحق الصمت فإن للمتهم وحده تقرير بدء مرحلة الاستجواب أو عدم بدئها[1]

اما بالنسبة للاتجاه الفقهي المعارض لحق المتهم في الصمت عارض جانب من الفقه الجزائي حق المتهم في الصمت وقالوا بأنه لا يجوز للمتهم الصمت حيال ما يوجه إليه من أسئلة فليس له ما يسمى بحق الصمت، واستندوا في اعتراضهم على وجود حق الصمت بعدة حجج أهمها

  • أولاً: ليس هناك ما يسمى بحق الصمت،

استنادا إلى أن القانون لم ينص عليه، ولم يتضمن أي حكم بحجيته، وعليه فإن ما لا ينص القانون عليه يعني عدم الاعتراف به، والقانون لم ينص على حق الصمت فمن غير العدل أن نقر به، وفي ذلك مخالفة واضحة لنص القانون

ويرد أصحاب الاتجاه الأول على هذه الحجة بأن التشريع عادة لا ينص على جميع الحقوق صراحة، ولا يرتب لكل منها حماية خاصة فليس كل ما لم يقنن في قاعدة يعتبر غير قائم، كما أن عدم ترتب جزاء على مخالفة الحكم، لا يدل على أن القانون أو القضاء يتجاهل احترامه

  • ثانيا : أن المتهم ليس له حق الصمت،

وأنه لا يتمتع في النهاية إلا بمنحة من المجتمع، تتجلى بعدم معاقبته، إذا ما التزم الصمت و علم الإجابة وإن إعطاء المتهم الحق في الصمت اتجاه أسئلة القاضي، يعني أن العدالة لا يكون لها حق كشف الكذب، أو الوصول إلى الحقيقة، فإذا وجد مثل هذا الحق، فإنه سيصطدم حتما بحق المجتمع والعدالة في الإثبات وإظهار الحقيقة وحق المجتمع هو حق عام، فلا يجوز تجاوزه للإقرار بوجود حق خاص بشخص من هذا المجتمع

ويرد أصحاب الاتجاه المؤيد مرة أخرى، بأنه لا يوجد أي تناقض بين حق المجتمع في إظهار الحقيقة وبين حق المتهم في الصمت، لأن حقه في الصمت هو أحد مظاهر حرية المتهم في الدفاع عن نفسه فالمجتمع الذي يكفل للمتهم حرية الدفاع، لا يستطيع أن يسلبهم باليسار ما أعطاهم باليمين. ومن حق المجتمع أيضا إثبات الحقيقة، وإظهارها بكل وسيلة مشروعة في قدرته وقدرته عظيمة جذا، تتجاوز بكثير قدرات الأفراد

  • ثالثا : يجب عدم الاعتراف بهذا الحق للمتهم إلا بالقدر الذي يعترف فيه الجميع أطراف الدعوى

ولكن ما دام المشرع يتجاهل امتياز الصمت بالنسبة الشاهد، ولا يعفيه من ضرورة الإدلاء باقواله إلا في بعض الحالات الاستثنائية فإنه من الواجب أيضا أن تسري تلك القواعد على المتهم أيضا باعتبار أن استجواب كل من المتهم والشاهد يكون بهدف الوصول إلى الحقيقة. لذلك يجب أن يكلف المتهم أسوة بالشاهد بالإدلاء بجميع الأقوال التي تفيد في كشف الحقيقة .

ومن ناحية أخرى فإن الصمت ليس له ما يبرره في هذا العصر، لعدم تجاوبه مع الأفكار التقدمية المتعلقة بالأخلاق التي تقتضي ضرورة التوقف عن تأليه الفرد، والامتناع عن تغليب حقوقه على حقوق الجماعة .

ويرد أصحاب الاتجاه الأول على هذا الرأي، بان وضع المتهم يختلف عن وضع الشاهد اختلافا جوهريا وهو أن أقوال الأول تعتبر وسيلة للدفاع، فهي حق له وليست فرضا عليه، ذلك لأن حق الدفاع في القضاء من أهم الحقوق المعونة بالقانون والدستور وعليه فالمتهم وحده الحق في أن يقرر إذا كان سيستعمل حق الصمت أم لا.

فإذا رأى المتهم أن الصمت أحسن وسيلة الدفاع عن نفسه أمام الاتهامات الموجهة إليه كان له الحق المطلق في علم الإجابة و التزام الصمت حيالها. والقانون يمنع تفسير سكوت المتهم سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة على أنه قرينة ضده، تثبت إدانته بالإضافة إلى أن القانون لا يؤاخذ المتهم على أقواله الكاذبة باعتبارها من قبيل الشهادة الزور.[2]

إذن تمشيا مع تحقيق العدالة في أحسن صورها يجب أن يكون للمتهم الحق في الصمت ، فالمتهم قد يفضل أحيانا الصمت، اتجاه الأسئلة الموجهة إليه.

فهل يجبر المتهم في هذه الحالة على الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه؟ والنقطة الأهم هي إذا ما التزم الصمت هل يعتبر هذا الصمت قرينة ضده؟ وما مركزه في المؤتمرات الدولية؟ وأخيرا ما هي وجهة نظر مشرعنا المغربي لهذا الحق هذا ما سنحاول الإجابة عليه بعونه تعالى في هذه الدراسة، وللإحاطة بكل ما يتعلق بحق المتهم في الصمت والتعمق في دراسته لمعرفة أهميته

 

   المبحث الاول :  الطبيعة القانونية للحق في الصمت و مشروعيته

يعتبر حق المتهم في الصمت، “من حقوق الدفاع والتي تعد حجر الزاوية بالنسبة للمحاكمة العادلة وضمانة أساسية ومهمة لحماية حرية الأفراد وحقوقهم، كما أنه لصيق الصلة بمبدأ البراءة، وهو حق لازم التحقيق التوازن بين المصلحة العامة والحقوق والحريات الفردية.

وقد اختلف الفقه حول هذا الحق فالبعض ايده والبعض عارضه ، وكان لكل منهما أسبابه المختلفة، كما نجد أن التشريعات اختلفت ايضا فيما بينها بخصوص ذلك الحق ومدى الاعتراف به من عدمه.

  المطلب الأول : حق المتهم في الصمت في القانون المقارن و القانون المغربي

حق الصمت اهتمام أغلب تشريعات الدول الغربية المختلفة منها من نص عليه وأخذ به ومنها من لم يأخذ به، ولمعرفة موقف كل من هذه التشريعات، نقسم دراستنا في هذا الفصل إلى فقرتين: نبحث في الأولى: حق الصمت في التشريعات الاجنبية وفي الثانية: حق الصمت في التشريع المغربي

      الفقرة الاولى :  الحق في الصمت في التشريعات المقارنة

ان هذه الفقرة سنتناولها من خلال ثلاث فروع

     الفرع الاول : الحق في الصمت في التشريعات اللاتنية

اتجهت أغلب التشريعات اللاتينية إلى الإقرار بهذا الحق  ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى التشريعات في سويسرا وسنستعرض تباعا كل من هذه التشريعات

  • أولاً: حق الصمت في التشريع الفرنسي:

كان صمت المتهم في ظل قانون (1670) يفسر على أنه بمثابة اعتراف منه بحقيقة تلك الوقائع  كما أنه كان يعامل باعتباره أخرس وتستمر إجراءات الدعوى ضده، فيتحمل أخطر النتائج دون أن يتمكن من إعداد دفاعه، فإذا عدل عن موقفه فإن جميع ما تم من تصرفات يكون ساريا في حقه، دون أن يسمح له حتى حلول تلك اللحظة بمساعدة المحامي، التي قد يكون لها أثر في مقاومة البواعث الكامنة وراء مسلكه

وأيضا كان القانون الفرنسي يعتبر رفض المتهم الإجابة أمام محكمة الجنح بمثابة غياب عن الحضور رغم وجوده بالجلسة ويعتبر الحكم الصادر هذا كحكم غيابي وقد استمر هذا الوضع سائدا في فرنسا حتى صدور قانون عام 1798 الذي نص عليه في المادة (12) على إلغاء تكليف المتهم بحلف اليمين قبل استجوابه، ورغم عدم تعرضه صراحة لحقه في الصمت فإن هذا كان مستفادا ضمنيًا من حكم تلك المادة.[3]

ثم جاءت المادة 1/114 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسية التي تلزم قاضي التحقيق بتنبيه المتهم عند حضوره لأول مرة، إلى أنه حر في عدم الإدلاء باي إقرار، ويثبت ذلك التنبيه بمحضر التحقيق، وعدم تنبيه المتهم إلى هذا الحق يترتب عليه بطلان التحقيق.[4]

على الرغم من ذلك فإن للقضاء الفرنسي أحكام تعترض على حق المتهم بالصمت، ففي عام 1849 قضت محكمة النقض القرنية بان حق الصمت لا أثر له في التزام المحاكم الجنائية بالحكم في الدعوى، وقضت المحكمة ذاتها سنة 1973 بأن حق الصم يؤدي إلى تعطيل سير الدعوى الجنائية .

  • ثانيا: حق الصمت في التشريع الايطالي

بادئ الأمر لم يقر المشرع الإيطالي حق الصمت، ويستفاد ذلك من خلال نص المادة (236) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر عام 1865م، التي تنص على أنه إذا رفض المتهم الإجابة على القاضي تنبيهه إلى أنه سيستمر في إجراءات التحقيق رغم صمته ولكن في مشروع سنة 1905م أقر المشرع الايطالي حق الصمت وذلك من خلال المادة (269) التي تنص على )يجب على القاضي تنبيه المتهم إلى أنه غير ملزم بالإجابة). وفي قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي لسنة 1930 نصت المادة (367) ، على أنه إذا رفض المتهم الإجابة يذكر هذا في المحضر، ويستمر القاضي في التحقيق .

وبذلك يكون القانون الإيطالي قد اعترف بحق المتهم في الصمت، ولكن مع استبعاد التنبيه لذلك اتجه الرأي في إيطاليا إلى أن هذا الامتياز يعتبر من الضمانات الهامة المقررة للمتهم، بمقتضاه تكون له الحرية التامة في علم الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه، لكي يتجنب الوضع الذي يدفعه إلى الإقرار بخطئه أو التورط في تصريحاته أثناء محاولته نفي المسؤولية، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة عبء الإثبات ضده .[5]

وجاء قانون الإجراءات الجنائية لعام 1969م ليؤكد في المادة (78) منه بحق المتهم بالصمت ولكن المشرع الإيطالي أورد الاستثناء على هذا الحق خاصة بإجراءات التحقيق الشكلية حسب نص المادة 1/333 كما نص المشرع الايطالي على حق المتهم في الصمت الذي يسمع كشاهد، ولحظة بدء توجيه الاتهام إليه في المادة (304)

والجدير بالذكر أن القضاء الإيطالي، واكب التشريع في اعترافه بحق الصمت، فقد أصدرت محكمة النقض الايطالية سنة 1959م حكما، قالت فيه: بانه ليس للقاضي حمل المتهم على الإجابة بأية كيفية أو أن يجعله يتصرف على غير إرادته[6]

  • ثالثا: حق المتهم في الصمت في التشريع الألماني

لم يكن القانون الألماني القديم ينص على حق الصمت، ولكن الفقه والقضاء أرسيا هذا المبدأ وفقا للقواعد العامة في القانون ووفقا لقرينة البراءة، فقد استقر الفقه والقضاء في ألمانيا على أن المتهم لا يكره على الكلام، ومن ثم لا يوجد ما يلزمه بالإدلاء بأقواله التي تتعلق بالظروف الخاصة بالجريمة أو المعلومات المتعلقة باتهامه

وعاد المشرع الألماني بعد ذلك، وأقر حق الصمت، وذلك في قانون الإجراءات الجنائية الألماني الصادر سنة 1968م، فنصت المادة (136) على أنه:( لا يوجد أي التزام على الشخص في أن يساعد على إدانته، ولا يصح إجباره بان يشارك في إثبات الاتهامات القائمة ضده، ويسال عن رغبته في الإجابة .

ولكن في نفس الوقت فإن المتهم ملزم بان يدلي بكافة البيانات التي تثبت شخصيته، وإلا يعاقب بالمادة ( 8/360) من قانون العقوبات الألماني، على أنه: يشترط أن يصرح للمتهم بالتزام الصمت بالنسبة لأية بيانات على شخصيته إذا كان ذلك سيؤدي إلى اعتراف منه بالإدانة

  • رابعا: حق المتهم في الصمت في التشريع السويسري

تأخذ مجموعة القوانين السويسرية بفكرة الإكراه القانوني لحمل المتهم على الكلام، ولكن ذلك ليس بقصد انتزاع السر الذي يريد الاحتفاظ به، بل الهدف منه هو القيام بإجراءات معينة تذكره بواجبه نحو العدالة[7]

فتلزم المادة (104) من قانون الإجراءات الجنائية لولاية Genevois المتهم بان يدلي بمعلوماته عن الوقائع المنسوبة له، لإظهار الحقيقة، بل هناك بعض القوانين السويسرية الأخرى التي تضعف مركز المتهم الذي يرفض أن يدلي بإقرارات، بتبصيره بالعواقب، وأن رفضه الكلام سيثبت في المحضر، وستعتبره المحكمة قرينة الإدانة.

وحسب المواد (139-132) من قانون ولاية Valaision فإن المتهم الذي يرفض الإجابة يعاقب بعقوبة جزائية.

وكذلك تنص المادة (130) من قانون إجراءات ” نيو شاتل” على أنه إذا رفض المتهم الكلام يمكن للقاضي أن يأمر بمنعه من الاتصال باحد، بصورة مطلقة بالنسبة للحالات الجائز فيها القبض عليه، أو إذا اقتضت مصلحة التحقيق. كما هو وارد في نص المادة (147) من القانون المذكور واتبعت تلك السياسة أيضا قوانين الإجراءات الجنائية في جنيف المادتان (152-155) وفي Woudiose المواد ( 205،207 ، 111)، وتنص المادة (241) من قانون ولاية Argovien على تنبيه المتهم إلى أن تمسكه بالسكوت سيحرمه من أحسن الوسائل لتبرئة نفسه [8].

وتنص المادة (128) إجراءات في Scbwy على أنه: يجب على المحقق تنبيه المتهم الذي يرفض الإجابة بأن موقفه سوف يثبت بالمحضر وأن المحكمة لها أن تعتبره كقرينة على إدانته، إلى جانب تعرضه لبعض الجزاءات ، واتبع نفس السياسية قانون الإجراءات الجنائية الخاصة لولاية زيورخ ، فالتشريع السويسري لم يأخذ بحق المتهم في الصمت بأي شكل كان

       الفرع الثاني: حق الصمت في التشريعات الإنجلو أمريكية

كان المتهم في ظل التشريعات الإنجلو أمريكية القديمة الذي يظل صامتا أمام الاتهام الموجه له، يعتبر مذنبا ويحكم عليه، ولكن صدرت بعد ذلك تشريعات انكليزية وأمريكية، أقرت للمتهم بالحق في رفض الإجابة، واعتبرت صمته كإقرار منه بعدم الإدانة إلا أنه ليس هناك شك في أن الحق في الصمت هو حق أصيل وقديم في النظام الإنجلو أمريكي كما هو بالنظام اللاتيني

  • أولاً: حق المتهم في الصمت في التشريع الانكليزي

كان القانون الانكليزي القديم يضع عقوبة مشددة للشخص الذي يرفض الإجابة على السؤال الموجه إليه، عند بدء الجلسة سواء كان مذنبا أو غير مذنب، ولكن بمجرد أن يرد بالإيجاب أو النفي، ينتهي التزامه المتعلق بهذا الشأن، ويصبح حرا في سلوكه سواء استمر في الكلام أو امتنع عنه، وظلت هذه النظرة إلى حقوق الدفاع حتما قرب نهاية القرن الثامن عشر، ثم تبدلت وفقا لأحكام القانون الشائع The Common Law ، حيث أصبح لا يترتب أي ضرر على المتهم أو على حقوقه، إذا ما رفض الإجابة على السؤال المتعلق بالإدانة الذي يوجه إليه، عند بدء الجلسة، كما أنه حرم على هيئة الادعاء بموجب قانون 1898م أن يفسر صمت المتهم في غير صالحه، ومنع كذلك من توجيه الأسئلة التي يمكن أن تحرجه لاتخاذ هذا الموقف، أو أن يفسره على وجه يتعارض مع مصلحة الدفاع، فأصبح المتهم غير مضطر للشهادة ضد نفسه، على أن تبني الأدلة على دليل مستقل عنه، يتكون من عناصر أخرى غير أقواله، وذلك استنادا إلى غريزة المحافظة على النفس التي تفرض على القانون الوضعي أن يترك لها مكانا في اعتباراته [9].

وقد نصت القواعد التي وضعها قضاة المحكمة العليا في انجلترا سنة 1912م على أنه يجب على الشرطة أثناء البحث والتحقيق مع المتهم أن يوجهوا إليه التحذير بحقه في الصمت، وقد سميت هذه القواعد[10] ( Judge’s Rules).

وحديثا أكد القانون الانكليزي الصادر عام 1986م، والخاص بتنظيم العلاقة بين الشرطة وحقوق المتهم على حق المتهم المطلق في الصمت، والاحتفاظ بسكوته ولا تستطيع المحكمة أو القاضي أن يعاقبه على ذلك، ما دام الصمت هو استعمال الحق مقرر بمقتضى القانون، كما أنه لا يمكن استخلاص أو استنتاج نتائج ضده بسبب هذا الصمت ومع ذلك لم يسمح القانون الانكليزي بهذا الحق فيما يتعلق بجرائم إفشاء أسرار الدولة ، ولكن البعض يشير إلى أنه بالرغم من أن القانون الانكليزي قرر حق الصمت إلى أبعد مدى في مرحلة البحث الأولي أو التحقيق الابتدائي، حتى أنه لم يقرر مرحلة الاستجواب، متاثرا بفكرة أنه يسعى إلى الحصول على إقرارات من المتهم لكي يدينه عن طريقها

فإن حق الصمت، حسب هذا الرأي هو موضع شك أثناء المحاكمة والسؤال التقليدي الذي يوجهه القاضي المتهم، عقب افتتاح الجلسة عند المحاكمة بشان الموقف الذي سيتخذه بالنسبة للادعاءات القائمة ضده، باعتباره مذنبا أو غير مذنب، يقصد به ناحية إجرائية فحسب ولا يهدف إلى الحصول على اعتراف تفصيلي بالجريمة، ولكن في واقع الأمر لا يخلو من بعض التحريض له لكي يدلي بأقواله حتى لا يحرج نفسه، بل إنه في أغلب الحالات يضطر إلى أن يحلف اليمين القانونية لكي يدلي بشهادته في دعواه، فيتعرض لقوة استجواب الأطراف، الذي لايخلو من أثر قد يدفعه إلى الاعتراف، وتعريض نفسه لعقوبة شهادة الزور، إذا ما انحرفت أقواله عن الصدق.

ويرى أصحاب هذا الراي، بان الموقف لا يقل خطورة عندما يفضل المتهم الصمت، فوفقا لأحكام القانون الإنكليزي، تعتبر الاتهامات أو الأقوال التي تصدر في مواجهة المتهم دليلا ضده، إذا تمت في مناسبة يتوقعها لكي يدلي فيها بملاحظات أو إيضاحات، أو حتى بإنكار، ولكنه امتنع عن الكلام، على اعتبار أن عدم دفاعه عن نفسه في هذه الحالة يكون بمثابة تسليم بها [11]، أي أنه وفقا لما تقدم، فإن رفض المتهم الإجابة، سيجعل القضاة لا يثقون به، ومن ثم يبنون قرار الإدانة على أساس عدم تصديقهم إياه، حيث أنهم كقاعدة عامة، يكونون فكرة في غير صالح الشخص الذي يرفض الشهادة في قضية، وخصوصا في الحالات التي يتوقع منه فيها الإدلاء بتصريحات معينة.

أما بالنسبة للقضاء الإنكليزي، فقد اتجه عموما إلى الإقرار بحق المتهم في الصمت، فقد قضت المحكمة العليا الإنكليزية عام 1966م بأنه وإن كان واضحا أن المتهم بتمسكه بالصمت، جعل مهمة الشرطة أكثر صعوبة إلا أنه من الممكن إدانته بجريمة تعطيل عمل الشرطة، إذا كان تصرفه قد اتسم بسوء النية فسوء النية، ليس معناه فقط أن يكون التصرف مقصودا، ولكنه يجب أيضا أن يكون بدون عذر قانوني، وللمتهم عذر قانوني في رفضه الإجابة على أسئلة الشرطة، ولو أن عليه واجيا أدبيا واجتماعيا في مساعدة الشرطة، غير أنه ليس واجبا قانونيا ويكون الأسر عكسيا إذا كان المتهم قد أجاب الشرطة برواية كاذبة لتضليلها، فهناك اختلاف بين ذلك وبين التزام الصمت.[12]

  • ثانيا: حق المتهم في الصمت في التشريع الأمريكي

نص التعديل الخامس من الدستور الأمريكي على أنه لا يجوز إجبار أي شخص على الشهادة ضد نفسه في القضايا الجنائية كما أن حق الصمت مفروض بمقتضى التعديل الدستوري الرابع عشر، سواء بالنسبة للمحاكم الفيدرالية أو محاكم الولايات.

وقد أقر القضاء الأمريكي بحق المتهم في الصمت، والتزام الشرطة بتبصير المتهم بهذا الحق قبل استجوابه، وهذا ما أكدته المحكمة العليا الأمريكية سنة 1965م ، في قضية Grifein حيث أكدت بأن المتهم بمرحلة الأستدلال والتحقيق والمحاكمة حق في الصمت ولا يعتبر ذلك الصمت دليلا على الإدانة       ثم عادت المحكمة العليا التأكيد هذا الاتجاه في قضية ” ميراندا” سنة 1966م، حيث أعلنت بان الإجراءات التي اتبعت في القضية رمت إلى الحصول على اعترافات المتهم دون تنبيهه إلى حقه في التزام الصمت وإلى ما سيقوله يمكن أن يكون سندا لإدانته، ويضيف القرار أنه منذ دخول المتهم مخفر الشرطة يجب أن ينبه وأن يُعلم بصورة واضحة وصريحة وقبل أي سؤال يوجه إليه، أنه غير ملزم بالكلام، وأن أي كلام يصدر عنه، يمكن أن يستعمل ضده في القضية وأن له الحق في استشارة وكيله قبل الاستجواب وأثناءه، فإذا لم يوجه إليه هذا التنبيه يكون الاستجواب باطلا، لأنه يمس حقا دستوريا لا يجوز خرقه، وقد كان من رأي القضاة الذين عارضوا قرار ” ميراندا” بأن قاعدة عدم الشهادة ضد النفس لا تمتد إلى الاستجواب الحاصل لدى الشرطة، وأن من شأن هذه القاعدة الحد من إمكان إدانة المتهمين، وأنها مبنية على افتراضات غير ثابتة، بأن جو الاستجواب لدى الشرطة هو ضاغط، أو يرافقه التخويف، ولكن الرأي الذي عاد القضاء الأمريكي آنذاك بان احترام هذه القاعدة لا يتم فقط لمصلحة المتهم، ولكن أيضا الحماية وصيانة العدالة الجنائية[13] .

وفي قرار لاحق أكدت المحكمة العليا الأمريكية في قضية “مالوي[14] بأن الحق في الصمت، حق فيدرالي، أي أنه محمي بالقانون الفيدرالي، ولكن في قرار آخر للمحكمة العليا الأمريكية، اتجهت اتجاها مخالفا للاتجاه السابق حيث اعتبرت سنة 1975م ، أن الصمت في أغلب الأحيان يمكن أن يحتمل تأويلات متناقضة وبالتالي لا يتمتع بقوة ثبوته كبينة. إذ لا يمكن التمييز بسهولة، إذا كان حاصلا تأييدا أو رفضا، لأقوال واردة على لسان آخرين في الدعوى.

ولكن يمكن القول بأن الصمت يمكن أن يكون له مدلول في حال استمر بتوجيه اتهامات، في ظروف ينتظر عادة، ممن توجه إليه، أن يرفضها، ويعلن عدم صحتها، ويدفعها، وبالتالي يمكن تأويل الصمت، بأنه موافقة على أقواله، إذا اعتبر أنه تجاه مثلها من الأقوال يكون طبيعيا الاعتراض عليها، وتنتهي المحكمة في قرارها السابق إلى أنه لا يجوز السلطة التحقيق أن تشير أثناء المحاكمة إلى صمت المتهم أثناء توقيفه لدى الشرطة كدليل إدانة يساق ضده، لأنه لا يمكن منح المتهم الحق في الصمت والاستناد في نفس الوقت إلى هذا الصمت كدليل إدانة ضد المتهم.

  الفرع الثالث: حق الصمت في التشريعات العربية

معظم التشريعات الجنائية العربية، نصت على أن المتهم لا يعاقب على امتناع عن الإجابة، وهذا استعراض لبعضها

  • أولاً: حق الصمت في التشريع المصري:

لم يتعرض المشرع المصري، في أي نص الحق المتهم المتعلق بالصمت أثناء مرحلة الاستدلال أو التحقيق الابتدائي ومنحت المادة ( 1/274) من الإجراءات الجنائية المصري حق الصمت للمتهم في مرحلة المحاكمة حيث جاء فيها ما يلي: لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ونصت الفقرة التالية من نفس المادة على انه: إذا امتنع المتهم عن الإجابة، أو إذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، جاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله الأولى).

وأيد القضاء المصري حق الصمت في العديد من قراراته التمييزية، ومنها : (أن سكوت المتهم لا يصح أن يتخذ قرينة على ثبوت التهمة ضده.

وقد الجمع الفقهاء المصريون على وجود هذا الحق[15] ، وأن المتهم الحرية الكاملة في عدم إبداء أقواله، وله الامتناع متى شاء عن الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه كما أنه من المتفق عليه، أنه لا يصح في جميع الحالات، أن يزول صمته على وجه يضر بمصلحته، أو أن يستغل باية كيفية ضده في الإثبات[16] .

وأنه من حق المتهم أن يقول ما يشاء دفاعا عن نفسه وأن يمتنع عن الكلام، أو يؤجل كلامه إلى وقت آخر، أو أن يجيب عن بعض الأسئلة دون الأخرى، ولا يجوز أن يؤخذ سلوكه هذا قرينة ضده .

  • ثانيًا: حق المتهم في الصمت في التشريع العراقي

تنص المادة (179) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أنه: للمحكمة أن توجه للمتهم ما تراه من الأسئلة لكشف الحقيقة قبل توجيه التهمة إليه أو بعدها ولا يعد امتناعه عن الإجابة دليلا ضده

وتنص المادة (180) من نفس القانون على أنه: إذا امتنع المتهم عن الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه أو كانت أجوبته تخالف أو تتعارض مع أقواله السابقة فللمحكمة أن تأمر بتلاوتها وتسمع تعقيبه عليها

  • ثالثا: حق الصمت في التشريع الكويتي:

تنص المادة (98) وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية على حق المتهم في الامتناع أو رفض الكلام، و عدم الإدلاء بأي تصريح أمام المحقق

  • رابعا: حق الصمت في التشريع الجزائري:

نصت المادة (114) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ويتعين أن يذكر بمحضر التحقيق أن المتهم قد نبه إلى أنه حر في علم الإدلاء بأي تصريح

  • سادسا: حق الصمت في التشريع التونسي:

نص الفصل (74) من قانون المرافعات الجنائية التونسي على أنه: إذا امتنع ذو الشبهة عن الجواب أو أظهر
عيوبا تمنعه وليست فيه فإن حاكم التحقيق ينذره بان البحث في القضية لا يتوقف على جوابه و ينص على هذا الإنذار بالتقرير

  • سابعا: حق الصمت في التشريع الليبي:

نصت المادة (247) من الإجراءات الليبي على أنه لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك وجاء في الفقرة الثانية من نفس المادة بانه: ( إذا امتنع المتهم عن الإجابة، أو إذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، جاز للمحكمة أن تامر بتلاوة أقواله الأولى.

  • ثامنا: حق الصمت في التشريع السوري واللبناني:

لم ينص المشرع السوري صراحة على حق المتهم في الصمت، ولكن جاء في نص المادة ( 1/69) من قانون أصول المحاكمات الجزائية : عندما يمثل المدعى عليه أمام قاضي التحقيق يثبت القاضي من هويته ويطلعه على الأفعال المنسوبة إليه ويطلب جوابه عنها منبها إياه أن من حقه أن لا يجيب عنها إلا بحضور محام وبدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فإذا رفض المدعى عليه إقامة محام أو لم يحضر محاميا في مدة اربع وعشرين ساعة جرى التحقيق بمعزل عنه .وجاءت المادة (70) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني لسنة 1948 بنص مشابه للنص السوري سابق الذكر

  • تاسعا: حق الصمت في التشريع الأردني:

نصت الفقرة الأولى من المادة (63) من الأصول الجزائية على أنه عندما يمثل المشتكى عليه أمام المدعي العام يثبت من هويته ويتلو عليه التهمة المنسوبة إليه ويطلب جوابه عنها منبها إياه أن من حقه أن لا يجيب عليها إلا بحضور محام، ويكون هذا التنبيه في محضر التحقيق، فإذا رفض المشتكى عليه توكيل محام أو لم يحضر محاميا في مدة أربع وعشرين ساعة يجري التحقيق بمعزل عنه

من قراءة النص السابق نجد أنه يتشابه وإلى حد كبير جدا مع نص المادة (69) من الأصول السوري والمادة (70) من القانون اللبناني، وبالتالي نستنتج بان المشرع الأردني نص على حق المتهم في الصمت في التحقيق الابتدائي لكن بصورة غير مباشرة[17]

         الفقرة الثانية :  الحق في الصمت في التشريع المغربي

بمقتضى ظهير 10 فبراير 1959 حيث لم يكن المشرع يخرج عن صرامة النظام التفتيشي الذي يعطي الشرطة مطلق الحرية في تقدير معطيات بحثها والحرص على عدم إخراجها للعلن إلا من خلال ما تتعامل به مع النيابة العامة إلى حد أن الفصل 59 من ق م ج كان يأمر ضابط الشرطة القضائية بأن ( يقوم بحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجناية و التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ترتب عن هذه الجناية و له أن يقدم الأشياء المحجوزة إلى الأشخاص المظنون مشاركتهم في الجناية قصد الاعتراف بها .

وهو ما قد يثير كثيرا من النقد إلى محاضر الضابطة القضائية من أنها مصنوعة نتيجة الأمر الصادر إليها تشريعيا قصد عرض الحجج على المتهم ليعترف بها وليس ليتعرف عليها ولم يكن في تلك المسطرة أية إشارة إلى ضرورة حضور جهة محايدة لمعاينة معاملة الشرطة القضائية مع المشتبه فيه وقد تفادت المسطرة الجنائية الحالية هذا الغبن في حق المتهم و أمرت ضابط الشرطة القضائية بأن يعرض المحجوزات على المتهم قصد التعرف عليها وله أن يتخذ بشأنه الموقف الذي يناسبه[18].

و بمقتضى القانون رقم 22.01 الصادر الصادر بظهير 3 أكتوبر 2002 بشأن قانون المسطرة الجنائية الحالي قبل أن تلحقه التعديلات الذي كانت فيه المادة 66 تقترب على استحياء من فكرة إمكانية الاطلاع على وضعية المشتبه فيه وهو رهن إشارة الضابطة القضائية وتقديم مساعدة قانونية له في وضعيته الحرجة و أهم ما جاءت به هذه المادة قبل التعديلات هو إمكانية تلقي المحامي البوح من موكله فيما يختلج في صدره و إمكانية المحامي المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد .

غير أن المشرع المغربي اضطر إلى أن يتدخل على عجل بشأن مكافحة الإرهاب فيمنح في القضايا الجنائية للشرطة القضائية سلطات أوسع من تلك التي كان قد أتاحها بمناسبة الصدور الأول لقانون المسطرة الجنائية الحالي ومن ذلك قانون القيود التي الحقت بالمادة 66 بشأن إمكانية مساعدة المحامين للمعتقل خلال مسطرة البحث التمهيدي.

بمقتضى التعديل الحالي قد أنيطت بضباط الشرطة القضائية بموجب التشريع الجنائي المسطري جملة من المهام والاختصاصات من قبيل تلقي الشكايات والوشايات واجراء الأبحاث التمهيدية وممارسة السلطات المخولة لهم في إطار حالة التلبس بجناية أو جنحة وبالتالي مؤسسة الضابطة القضائية تقوم بأدوار متعددة الأوجه فيما يتعلق بمحاربة الجريمة بمختلف مستوياتها ، وعملها يشكل المدخل الأساس للمحاكمة العادلة.

فعلا مستوى واقع الممارسة، تجد هذه الضابطة القضائية نفسها أمام معطيين إثنين: أولا ضرورة تعميق الأبحاث والتحريات بشأن القضايا المعروضة عليها لمساعدة القضاء في الوصول إلى الحقيقة ،

ثانيا ضرورة الالتزام بصيانة الحقوق التي يتمتع بها المشرع الأشخاص المقبوض عليهم أو الموضوعين رهن تدبير الحراسة النظرية وعدم المساس بها وفي طليعتها الحق في التزام الصمت وهؤلاء الأشخاص يختلفون حسب المستويات الاجتماعية والاقتصادية، إذ يمكن أن نميز فيها بين عديم السوابق العدلية وبين من اعتاد على الجريمة ،بين المثقف وغير المثقف، بين المشتغل والعاطل، بين الموظف العادي والموظف الإطار ،بين المستخدم و مدير الشركة ، بين العامل والمهندس و بين الممرض والطبيب …

وبالتالي وفي ظل هذا الاختلاف، قد يتأثر ضابط الشرطة القضائية بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمشتبه فيه – الماثل أمامه – في إطار قضية من القضايا الجنحية أو الجنائية ، مما قد ينعكس على منهجية تعامله مع الحقوق القانونية للمعني بالأمر ومن ضمنها حقه في التزام الصمت ، وهنا يطرح التساؤل هل كل ضباط الشرطة القضائية يقومون بتفعيل مقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق باطلاع المشتبه فيهم بكافة حقوقهم القانونية ومن ضمنها حقهم في التزام الصمت ، بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية ؟ أم أن تطبيق مقتضيات هذه المادة تتحكم فيه عدة اعتبارات من قبيل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمشتبه فيه وضغط القضايا وهاجس احترام مدة الوضع تحت الحراسة النظرية والتقديم إلى العدالة ، وطبيعة الفعل الجرمي المقترف من قبيل جرائم الإرهاب وتبييض الأموال وغيرها، والتي تحتل فيها المعلومة المصرح بها أهمية بالغة ، وهكذا مدى جرأة ضابط الشرطة القضائية في تطبيق النص القانوني وما يقتضيه من إجراءات مسطرية ( الحق في تعيين محام ) أوما قد تترتب عنه من آثار من شأنها التاثير على مسار البحث (الحق في التزام الصمت.

وبغض النظر عن الكيفية التي تنزل بها الحقوق القانونية على مستوى واقع الممارسة، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الحق يعطي للمشتبه فيه إمكانية قانونية لالتزام الصمت وبالتالي عدم الرد على الأسئلة الموجهة إليه ، وهو في ذات الأن يمس بحقوق أخرى من ضمنها حق الضحية في الوصول إلى الحقيقة وادانة الطرف الجاني المشتبه فيه وحق القضاء بدوره في الوصول إلى الحقيقة والتي على ضوئها يتم تحديد الجزاء الذي يتناسب ودرجة الفعل المقترف ، وقبل هذا وذاك يمس بصميم عمل الضابطة القضائية ويغل يدها فما يتعلق بالأبحاث والتحريات التي تباشرها في إطار القضايا المعروضة عليها ، ذلك أن ضابط الشرطة القضائية إذا تجاوز الحق في الالتزام بالصمت” واكتفي فقط بتضمينه بمحضر الاستماع كإجراء شكلي ، فهذا لن يثير أي إشكال من الناحية المسطرية، لكن في حالة إذا ما قرر المشتبه فيه “الالتزام بالصمت” بعد اطلاعه أن ذلك يبقى حقا قانونيا ، فهذه الوضعية قد تضع ضابط الشرطة القضائية في المحرك، مما يعرقل مجريات البحث والتحري ويقلص من فرص التوصل إلى الحقيقة، مثلا إذا قرر المشتبه فيه الإجابة عن أسئلة والتزم بالصمت في أسئلة أخرى، أو إذا شرع في إبداء تصريحاته ولما تخابر مع محاميه قرر الالتزام بالصمت بشكل كلي، أو إذا صمم منذ البداية على الالتزام بالصمت بما في ذلك عدم الإفصاح عن البيانات المتعلقة بهويته الكبرى، ففي أي حالة من الحالات المذكورة إما يستقبل ضابط الشرطة القضائية تصريحات جزئية لا تسعفه في التعرف على درجة تورط الشخص المقبوض عليه وكذا الأشخاص المتورطين بمعيته في القضية (مشاركون، مساهمون) ، أو يواجه بالتزام “كلي” مما يضيق من هوامش البحث، ويؤثر بالتالي على جودة المحاضر خاصة تلك المنجزة في إطار الجنح والتي يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأية وسيلة من وسائل الإثبات (المادة 290 من ق م ج) خصوصا إذا كانت وسائل الإثبات محدودة أو غير كافية لإدانة المشتبه فيه ملتزم الصمت .

وعليه فإذا كان هذا الحق تدعيما لحقوق الإنسان وضمانا قويا للمحاكمة العادلة، فهذا الحق قد يستغل من طرف بعض الأشخاص المشتبه فيهم لتقييد عمل الضابطة القضائية في الوصول إلى الحقيقة كما هو الشأن بالنسبة لقضايا الاتجار الدولي في المخدرات التي تقتضي نوعا من السرية والكتمان ، حيث يمكن استثمار هذا الحق القانوني إما لإبعاد الفعل الجرمي أو للتغطية على أفراد الشبكة، ومع ذلك لا يمكن لضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى وسائل الإكراه لكسر حاجز الصمت وارغام المشتبه فيه عن التصريح سواء كان الإكراه مادي (العنف، الحرمان من النوم والطعام والإرهاق …) أو معنوي التهديد، والتخويف، الإغراء، الخداع …) واستنادا إلى مبدأ القرينة البراء في الشخص المشتبه فيه، لا يمكن عموما مطالبته بأي دليل لنفي الأفعال المنسوبة إليه، أي أنه غير مطالب بإثبات براءة” قائمة أصلا كما أن صمته لا يصح أن يفسر على نحو يضر بمصلحته ، وفي ظل هذا الواقع، عبء الإثبات يبقى على ضابط الشرطة القضائية المكلف بمباشرة البحث ، من خلال البحث عن كل وسائل الإثبات التي من شأنها إدانة المشتبه فيه الملتزم بالصمت (معاينة، حجز أدوات الجريمة أو مستندات، شهود، خبرات، شهود ، مبلغين ….

وكما أن هذا الحق سينعكس على أداء النيابة العامة، التي ستجد نفسها مجبرة على مطالبة الشرطة، في كل ملف التزم فيه المتهم الصمت، تعميق البحث ، أو أن يقوم ممثلي النيابة بهذا الدور. وستكون النتيجة إثقال كاهل قاضي التحقيق، من خلال إحالة كل الملفات عليه من أجل البحث فيها والوصول إلى نتائج عجزت الشرطة والنيابة العامة عن تحقيقها[19] .

         المطلب الثاني : اساس حق المتهم في الصمت

إذا كان الحق في الصمت يستمد أساسه من مبدأ قرينة البراءة, وحق المتهم في الدفاع عن نفسه, فإن هذا يقتضي منا الوقوف على أساسه الدستوري باعتباره أسمى القوانين، والذي أخذ بهذا الحق على أنه من الحقوق الأساسية وضمان من ضمانات المحاكمة العادلة.

     الفقرة الأولى: الأساس الدستوري لحق المتهم في الصمت

يتناول الدستور تنظيم السلطة القضائية باعتبارها سلطة عامة تملكها الدولة وتعبر بها عن نظامها في الحكم. [20]

وتشير معظم الدساتير في دول العالم إلى السلطة القضائية بوصفها إحدى السلطات في الدولة وتحدد مهامها, وعلاقاتها بغيرها من السلطات كما تحدد الضمانات اللازمة لاستقلالها وترسم كذلك المرحلة التي يلزم فيها تدخلها لفض النزاع. واضعا بذلك التزاما على القضاء بفض النزاع وه ومحددا النطاق المشروع لنشاطها و موازنة بين اقتضاء العدالة و بين حماية حريات الأفراد وحقوقهم[21] وينص على الضمانات التي يكفلها ؛ لأن الدستور لا ينشئ الحريات والحقوق بل يقررها.

وإن الحق في الصمت باعتباره من الحقوق الأساسية وضمان من ضمانات المحاكمة العادلة, فقد تمت دسترة هذا الحق من خلال الفصل الثالث والعشرون بجعل الحق في الصمت من الضمانات الأساسية أولا في الباب الثاني من الدستور والمدعمة في الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية من خلال الفصل 120 الذي يؤكد على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة

ولم يتوقف المشرع الدستوري عن هذا الحد بل صان السلامة الجسدية والمعنوية للشخص من خلال الفصل 22 ومنع المساس بها في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة. وكذا التنصيص على عدم جواز معاملة الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو إطاحة بالكرامة الانسانية معتبرا أن ممارسة التعذيب بكافة أشكاله جريمة يعاقب عليها القانون[22] .

ويترتب على الحق في الصمت والتنصيص عليه سراحه التزام الدولة باحترام هذا الحق بشكل كلي، وعدم خرقه وإتاحة الفرصة كاملة لممارسته دون عوائق ، ومن ثم فإن أي انتهاك او اعتداء على هذا الحق وهو في ذات الوقت يشكل اعتداء على أصل البراءة يستوجب المسؤولية ويترتب البطلان على كل إجراء لم يحترم الحق في الصمت كحق من حقوق الدفاع.

ويعتبر البطلان إحدى المظاهر الطبيعية الالزامية للقواعد الإجرائية الجنائية فهو بذلك آلية للقضاء لبسط رقابته على سلامة إجراءات التحقيق وهو أكبر ضمان لحماية الحقوق والحريات من خلال انواعه و الجهات المختصة و آثاره[23].

وتبعا لهذا فقد أصدر القضاء المغربي حكما حديثا يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية التي كرست حق المتهم في الصمت، بحيث أن الحكم القضائي يقر بان “عدم  إعلام المتهم بحقه في التزام الصمت يبطل محضر الاستماع. وهو قرار متميز من شأنه أن يدعم الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة ويستفيد – منه القضاء المغربي والقضاء المقارن.

      الفقرة الثانية: الأساس القانوني في حق المتهم في الصمت

يقتضي الإقرار بحق الصمت وجود اساس تبرره، ولعل أبرز ما يستند إليه دعاة الأخذ بحق الصمت في تبرير اقراره هو قرينة البراءة وحق الدفاع.

        الفرع الأول :قرينة البراءة

إذا كان الدور التقليدي القانون المسطرة الجنائية الذي يتمثل في إدخال العقوبات فيما يتضمنه من نصوص التجريم والعقاب حيز التطبيق، إلا أن الهدف الأسمى لذلك القانون يظل تقرير حماية للبريء من إدانة ظالمة، بحماية الحرية الشخصية التي كفلتها الدساتير والمواثيق لا يتسني بلوغها إلا إذا افترضت براءة من خضع لاتهام جنائي إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتوافر فيها كافة ضمانات القضاء العادل. [24]

وتعد قرينة البراءة من الضمانات الدستورية الاساسية لحماية الحرية الشخصية للمتهمين في مواجهة سلطات الدولة حيث أقرتها الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، وكرسته معظم التشريعات الإجرائية المعاصرة ومن بينها قانون المسطرة الجنائية المغربي الذي خصص لها الباب الأول من الكتاب التمهيدي في مادته الأولى “كل منهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن نشت ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.

كما جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة على أن الشك يفسر لفائدة المتهم” واعتبر المشرع المغربي قرينة البراءة من وسائل الإثبات، وبالتالي أعفي من يتمتع بها من إقامة الدليل على براعته وهو ما أدى إلى قلب عبء الإثبات الذي أصبح على عاتق النيابة العامة و الطرف المتضرر.

و إعمالا لمبدأ البراءة فهنا يتم الموازنة بين مصلحتين متعارضتين وهي حق الفرد في الحرية وحق الدولة في العقاب، وتفادي الأضرار التي قد تحصل نتيجة الخطا القضائي[25] من جراء المساس بحريات الأبرياء الشيء الذي يزعزع الثقة في أحكام القضاء.

وإن صح القول بأنه من العدالة أن يفلت العشرات من المجرمين من العقاب من أنا دان بريء واحده لأن مجرم طليق خيرا من رؤية بريء في السجن.

       علاقة مبدا الأصل في المتهم البراءة والحق في الصمت

وقد تشكل الإقرار بأصل البراءة ضمانة لحرية المدعى عليه في اختيار الصمت كوسيلة للدفاع، لكونه يتطلب استبعاد الدليل الناقص أو غير المشروع فعلى الرغم من أن المدعى عليه يكون في هذه المرحلة بين البراءة والإدانة، فليس على القاضي أن يتخذ من صمته قرينة سلبية تغلب احتمال الإدانة على منطق البراءة، فصمت المدعى عليه لا يشبكل دليلا يقينيا، وإنما يضع مجموعة احتمالات بعضها يؤدي إلى الإدانة في حين يؤدي بعضها الآخر إلى البراءة، مما يترتب على القاضي استبعاد صمت المدعى عليه من الأدلة لوجود الشبهة. أي أن الشك يفسر لمصلحة المتهم

وبالتالي أسهم الإقرار بقرينة البراءة في تكريس حق المدعى عليه في الصمت، فلم يعد المدعى عليه ملزما قانونا بإثبات براءته، كون يقع على عاتق الإدعاء ، وللمدعي عليه الحرية المطلقة في أن يختار الصمت إيمانا منه ببراءته اصلا لعدم استطاعة المدعي إثباته إدانته، اما اذا استطاع المدعي إثبات إدانة المتهم بالطرق والوسائل المشروعة فلن يجدي مع المتهم الكلام أو الصمت إذا اقتنع القاضي بهذه الأدلة.

القاعدة العامة “إن الأصل في الانسان البراءة “تتبعه في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة، فليس بوسع المحقق أو القاضي أن يفسر صمت المدعى عليه على انه دليل كاف لإدانته بالجرم المسند إليه، ففي ذلك ضرب لمبدأ افتراض البراءة الذي يشكل أحد أبرز ركائز المحاكمة العادلة.

      الفرع الثاني: جق الصمت من حقوق الدفاع

حق الدفاع أمام القضاء الجنائي اجمعت عليه كافة الشرائع ؛ ولعل أصله مستمد من } حق الإنسان الطبيعي في الدفاع عن نفسه ضد كل اذى يتهدده في حياته أو في صحته أو في ماله أو في حريته

عرف حق الدفاع بأنه “مجموعة امتيازات خاصة أعطيت لمن يوضع في دائرة الاتهام أثناء مراحل الدعوى الجزائية[26] وحسب نص الفصل 120 من الدستور 2011 “أنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”

وبهذا الفصل أكد الدستور المغربي حقوق الدفاع من شروط المحاكمة العادلة وهذا  الحق سبق وأن أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

حيث أنه قبل النطق بالحكم يقوم قضاء الموضوع بمجموعة من الإجراءات التي تهدف معرفة الحقيقة الاجراميه ومعرفة مدى براءة المتهم من إدانته وهو ما يسمى بالحقيقة القضائية وان القاضي الجنائي وهو في صدد تكوين قناعته الوجدانية يقوم بنوع من الموازنة بين فعل الاتهام وفعل الدفاع وهو في ذلك يتخذ موقف الحياد، ويعتبر الفاصل والحكم بين ادعاءات النيابة العامة باعتبارها ممثلة المجتمع و بين المتهم الذي يعتبر بريء حتى تثبت إدانته بمقتضى محاكمة عادلة تؤمن له فيها ضمانات الدفاع طبقا للقانون وفق المقولة القائلة “أن القانون الذي يحقق الاحترام للمتهم إنما يدفع المتهم نفسه لاحترام القانون والقائمين على تمثيله  أي أنه لا يمكن أن يأتي ذلك إلا من خلال الحق في محاكمة عادلة تعتبر بمثابة الدرع الواقي من تلفيق التهم و سياجا منيعا يروض سلطة النيابة العامة في الادعاء ،من منطلق أن الظلم أينما كان يهدد العدل في كل مكان .

وبالتالي فعندما يمثل الشخص أمام القاضي الجنائي متهما بارتكاب فعل جرمي يكون قد واجه آلية الدولة بعدتها الكاملة انطلاقا من الوضع تحت الحراسة النظرية لدى ضباط الشرطة القضائية مرورا للاستنطاق من طرف ممثل النيابة العامة وصولا إلى استنطاق الأولي والتفصيلي لقاضي التحقيق ومن ثم تبقى الطريقة التي يعامل بها المتهم من طرف المحكمة هي التي تدل على مدى احترام حقوق الدفاع لأنه لا قيمة لحق الدولة في العقاب على مذبح حرية الأفراد لأن إساءة استخدام العقوبة لتشويه أهدافها .

ومن جهة أخرى فان الاستماع إلى النيابة العامة وحدها ليست كافية لإدانة المتهم وإنما يلزم فضلا عن ذلك حتى تحقق القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي لابد من الدفاع عن نفسه وإقرار مجموعة من الحقوق لفائدته حتى لا يدان البريء.

إذا فحقوق الدفاع ما هي في نهاية المطاف إلا امتيازات خاصة[27] ، تخول للمتهم الرد على كل من شأنه إدانته [28] وهو ما يجعلنا نقول على أن غياب حقوق الدفاع يؤدي حتما بطريقة لا محيد عنها إلى تزييف الحقائق فالدفاع هو الضرورة المنطقية للاتهام هناك من يرى بأن حق الدفاع هو حق أصيل ينشأ منذ اللحظة الأولى التي يواجه فيها الشخص ضباط الشرطة القضائية وذلك من خلال تمكينه من درء الاتهام عن نفسه إما بإثبات فساد دليله أو بإقامة الدليل على نقيضه[29]

وترتكز حقوق الدفاع المخولة الأظناء الممثلين أمام هيئة المحكمة على مجموعة من الدعائم التي تضمن سير إجراءات الدعوى العمومية بصفة سليمة و صحيحة متمثلة في مبادئ عامة مخولة للدفاع ومستندة من روح قواعد المسطرة الجنائية باعتبارها كما يقال قانون الشرفاء.

وقد نصت المواد “316 , 315 , 317 , 385 , 66 , 88 ” من ق.ج على أنه يحق للشخص الذي القي عليه القبض أو وضع تحت الحراسة النظرية الاستفادة من المساعدة قانونية وله الحق في تعيين محامي وكذا الحق في طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية بحيث يتم الاتصال بالمحامي قبل انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية وهذا الأمر يتعلق بحالة التلبس اما أثناء البحث التمهيدي فإنه لا يحق لشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية الاتصال بمحامي الا في حاله تمديد مدة الحراسة النظرية

اما اثناء المحاكمة فيمكن لكل منهم أوممثله القانوني الاستعانة بمحام في سائر مراحل مسطرة ، ويحق لهذا المحامي الاتصال بموكله بكل حرية

ويعد صمت المدعى عليه في مواجهة أي اجراء من اجراءات التحقيق أو المحاكمة احد ابرز الحقوق المقررة للأفراد، والتي لا يجوز المساس بها، لما تشكله من حصانه تحمي نطاق خصوصية الفردية، لاسيما في الحالات التي يكون فيها صمت المدعى عليه نابعا عن جهل او خوف أو ريبة حيث يتعرض المدعى عليه عند خضوعه لعملية الاستجواب من قبل قاضي التحقيق، إلى مجموعة من الأدلة التفصيلية والأسئلة الهادفة إلى الكشف عن الوقائع الجريمة، مع استخدام بعض أساليب الترهيب والترغيب، والتي تستهدف بمجملها الضغط عليه، مما يضفي هالة من الخوف على تفكيره قد تدفعه إلى الاعتراف بأفعال يقترفها [30]

وعلى الرغم من أهمية الاستجواب كإجراء ضروري، يهدف إلى جمع اكبر قدر من المعلومات التي ترتبط بوقائع الجريمة ويوفر للمدعى عليه هامشا معقولا للرد على استفسارات المحقق ودحض أدلة الاتهام، إلا أن ظروفه وما يشوبه من ضغط كبير على المدعى عليه خصوصا لمن كان حديثة العهد بذلك الموقف، دفعت العديد من التشريعات الى احاطة المدعى عليه بالعديد من الحقوق والضمانات في مواجهة هذا الإجراء.

المدعى عليه في استعانته بمحام في إطار حقوق الدفاع الإيجابية ، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن حق الدفاع هو مجموعة من الأنشطة الإجرائية يباشرها المدعى عليه بنفسه أو بواسطة من يمثله، من أجل كفالة حقوقه ومصالحه في الدعوى سواء تسجدت تلك الانشطة في صورة سلبية (الحق في الصمت) أو ايجابية (الاستعانة بالمحامي)

وعلى الرغم من التعارض القائم بين حق الدفاع عن جهة وحق الصمت جهة ثانية،لما يتطلبه حق الدفاع من القيام بفعل ايجابي في الوقت الذي يجسد به حق الصمت موفقا سلبيا، إلا أن هذا التعارض لا يتعدى تعارضا نظريا، في إعطاء المدعى عليه الحرية الكاملة لاتخاذ ما يلزم في سبيل تحقيق براءته يشكل أحد أبرز حقوق الدفاع، ويجعل صمت المدعى عليه صورة الطبيعية من صور حقه في الدفاع.

او من خلال ما سبق يستمد حق الصمت أصله الشرعي من افتراض البراءة و حق المدعى عليه في الدفاع، وقد أسهم ذلك في جعله مانع لكل من سلطات التحقيق والحكم من اقتحام الحياة الخاصة للفرد أو إرغامه على الإفضاء بما يختزنه في ذاكرته.

 

 

 

المبحث الثاني: نطاق تطبيق الحق في الصمت

في ظل ما سبق فقد تم الاقرار بحق الصمت واسند الى اسس تتمثل اما في قرينة البراءة او حقوق الدفاع، وفي هذا المبحث سوف نبرز نطاق هذا الحق من خلال مختلف مراحل الدعوى الجنائية.

المطلب الاول: تطبيق الحق في الصمت خلال مراحل الدعوى الجنائية

من خلال هذا المطلب سنقسمه الى ثلاث فقرات

الفقرة الاولى:الحق في الصمت خلال مرحلة البحث التمهيدي

تثير مسألة البحث التمهيدي من خلال مراحلها المختلفة و الاجراءات المرتبطة بها قانونيا وواقعيا الكثير من الملاحظات وعلامات الاستفهام، لا سيما عندما يتعلق الامر بمدى توفر الاجواء التي تطبع البحث على ضمانات حقوق الانسان التي من شأنها التغلب على التجاوزات والخروقات، او على الاقل التقليل منها ومحاصرتها. [31]

حاول المشرع المغربي استحضار[32] ذلك في تعديله لمجموعة من مواد المسطرة الجنائية ومنها المقتضيات الخاصة بالمادة 66 التي تعززت بالفصل 23 من الدستور الجديد، والتي تشكل مكتسبات من شأنها بعث الاطمئنان في نفسية المشتبه فيه، خاصة عندما أوجب مجموعة من الحقوق، كحق المتهم في أن يطلع على سبب أو بدواعي اعتقاله، وهو ما يمثل نوع من حصر الجريمة المتابع بها، إذ ألزم القانون الضابطة القضائية بأن تدون في سجل الاعتقال هذا السبب تفاديا لتغييره وهو يسجل يتم تحت رقابة النيابة العامة وهذه ضمانة جوهرية أوكل المشرع الى النيابة العامة مراقبتها، ومزيدا من تهييئ المعتقل للدفاع عن نفسه بعيدا عن المباغتة، وحقه في اتصال بأحد اقربائه، وحقه في الاستفادة من المساعدة القانونية والاتصال بالمحامي مع ضمان سرية هذا الاتصال، وحقه في عرضه على الطبيب، بالاضافة الى المسألة حق الصمت وعدم البوح بأي اعتراف وانكار المتهم لضباط الشرطة القضائية وهذا الحق يمكن للمحامي عند زيارته للمشتبه فيه أن ينصح بالاستمرار على الاصرار عليه او أن يعدل عنه، ما دام انه لم يعد بالامكان إكراه المتهم على الجواب عن الاسئلة الشرطة القضائية . بل يجب استخدام تقنيات البحث الجنائي عبر إعداد اطار الاستجواب يعتمد الذكاء والمباغتة والمحاصرة بالاسئلة المنصبة حول وقائع الجريمة وعناصرها التكوينية.

وبالرجوع الى مقتضيات المادة 65 من ق.م.ج أن لضابط الشرطة القضائية أن يمنع أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة الى ان تنتهي تحرياته، بل وله ان يحتفظ بهم ووضعهم تحت الحراسة النظرية اذا كانت ضرورة البحث تقتضي ذلك، وانه ملزما بإخبار كل شخص تم القبض عليه أو ثم ضعيه رهن الحراسة النظرية في حقه في التزام الصمت. وهنا يطرح سؤال هل من حق هؤلاء التزام الصمت؟[33]

إن حقوق الاطراف تختلف باختلاف مراكزهم في الدعوى العمومية وضعية المتهم ليست هي وضهية المشاهد. فإذا كان المتهم لايجبر على الجواب عن الاسئلة التي توجه اليه السوائل اثناء البحث التمهيدي والتحقيق الاعدادي او المحاكمة مادامت تتعلق بالاتهام باعتبار حق الصمت من حقوق الدفاع؛ فإنه وضعية الشاهد تختلف تماما عن وضعية المتهم. فالشهادة هي الاخبار من طرف شخص معين بان شخص آخر قام بعمل معين أو صرح بقول معين فالشاهد الذي يحضر أمام قاضي التحقيق او امام المحكمة، ويرفض الادلاء بشهادته يمكن الحكم عليه بغرامة تتراوح ما بين 12000 1200 درهم ،كما انه في حاله الادلاء بأقوال غير مطابق للحقيقة سواء لفائدة المتهم او ضده فانه يعلقب بشهادة الزور؛ بينما المتهم لا يعاقب في حالة الادلاء باقوال كاذبة.

. وعليه فان الشاهد لا يحق له التزام الصمت بل يتعين عليه قول الحقيقة، وحتى المتهم يتعين عليه الاخبار عما يعرفه بخصوص الجريمة المنسوبة لغيره تحت طائلة العقوبة المقررة في الفصل 378 من ق.ج[34] فرغم ان حق الصمت هو حق شخصي فان هذا لايمنع ان يلزم شخص في المساعدة في استفتاء الدليل على ادانة شخص اخر، كما لا يمكن التمسك بهذا الحق لمنع من الادلاء بشهادته امام العدالة .

ونصت المادة 57 من ق.م.ج على انه يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الانتقاء الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة لا يقف الحق في الصمت عائقا امام استعمال الوسائل الزجرية بهدف جمع المعلومات من(تفتيش، وحجز لرفع البصمات او اخذ عينه من الدم….)

جزاء خرق الحق في الصمت في مرحلة البحث التمهيدي

بالرجوع الى مقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية نجد ان المشرع المغربي لم يرد اي جزاء على خلق المقتضيات المضمنة فيه، مما يطرح اشكالية الجزاء المترتبة في حالة خرق هذه القتضيات ومن ضمنها الحق في الصمت. فلا يوجد نص صريح يقرر بطلان لخرق الحق في الصمت، ولا وجود لنظرية عامة يتناها المشرع صراحة من خلالها البطلان كجزاء لخلق القواعد الاجرائية الجوهرية على غرار ما هو موجود في العديد من التشريعات التشريع المصري الذي ينص في المادة 331 من ق.إ.ج على انه يترتب على عدم مراعاة احكام القانون المتعلقة باي اجراء جوهري او على غرار ما اورده المشرع المغربي في التحقيق الاعدادي حيث رتب البطلان صراحة على خلق المقتضيات الجوهرية المتعلقة بالتحقيق اذا ترتب عن خرقها المس بحقوق الدفاع المفروض ان يقرر المشرع المغربي صراحة البطلان كجزاء لخرق قةاعد الحراسة النظرية والحق في التزام الصمت على اعتبار انها قواعد جوهرية ارتباطها بحقوق الدفاع[35] التي أصبحت حقوق دستورية بمقتضى الفصل 120 من الدستور.

وانه من منطلق القياس الذي يمكن اللجوء اليه بالنسبة القواعد الاجرائية فان المادة 212 من ق.م.ج رتبة اثار البطلان على عدم اشعار قاضي التحقيق المتهم بحقه في عدم الادلاء باي تصريح، وانه من باب اولى ان يتم ترتيب الاثر عن عدم اشعار ضابط الشرطة القضائية لحق المقبوض عليه او الموضوع رهن الحراسة النظرية بحقه في التزام الصمت، فضلا عن كون المادة 211 من ق.م.ج رتبة البطلان عن المقتضيات الجوهرية للمسطرة اذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع.[36]

وحيث انه اذا ثبت ان الضابطة القضائية خرقت المادة 66 ق.م.ج، وتغاضت عن اشعار الظنين بحقوقه المنصوص عليها في تلك المادة، فانه البحث التمهيدي المنجز في حق الظنين المذكور يكون قد استهل بخرق القانون وخلل شكلي وعليه فان المحضر المنجز في ظل هذه الوضعية يكون باطلا وعدم الاثر لان مابني على باطل فهو باطل ويمكن القول بان محاكم الموضوع قد سايرت بمواقفها الداعمة للجزاء البطلان من خرق الحق في الصمت. [37]

فقد قضت متابع بتزوير امتحانات البكالوريا <br> بحيث قضت المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، اخيرا، ببطلان محاضر الفرقة الوطنية الخاصة بالاستماع الى القاضي السابق المتابع في ملف تزوير امتحانات البكالوريا الذي اطاح بمجموعة من الاساتذة وموظفين بثانوية البارودي ، بعد اكتشاف دس اوراق هيئت بالخارج وسط اوراق الامتحانات، ومكنت ابن القاضي السابق من الحصول على نقاط مرتفعة.

ان عبد اللطيف بوعشرين;، دفاع القاضي السابق، تقدم بدفع طالب من خلاله ببطلان محاضر الاستماع الى موكله امام الفرقة الوطنية، بعد ان اغفل الضابط المكلف بالبحث الاشارة فيها الى اخبار موكله بحقه في الصمت، حسب ما نصت عليه التعديلات التي اجريت على قانون المسطرة الجنائية.

وقالت المصادر ذاتها إن عناصؤ الفرقة الوطنية لم تحترم ماجاء في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، الذي ينص على انه يتعين على ضابط الشرطة القضائية اخبار كل شخص تم القبض عليه او وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت كما تنص المادة نفسها على انه  يحق للشخص الذي أُلقي القبض عليه او وضع تحت الحراسة النظرية الستفادة من مساعدة قانونية ومن امكانية الاتصال باحد اقاربه وله الحق في تعيين محام وكذا الحق في طلب تعيينه غي اطار المساعدة القضائية”.

بموجب هذا الحكم، الذي يعد سابقة في القضاء المغربي، اصبحو اقوال المتهم امام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية باطلة، كما ستتحمل النيابة العامة عبء اثبات التهم المنسوبة الى القاضي السابق، وهذا ما دفع هيئة المحكمة الى اعادة استدعاء مسرحي المحضر، واغلبهم من المتورطين في الملف، وخاصة الحارس العام الذي سبق ان اكد فيه انه وضع خطة عمل مع والد التلميذ مقابل تمكينه من بعض اوراق المتحان المهيأة بالخارج.

   الفقرة الثانية: الحق في الصمت في مرحلة التحقيق الاعدادي

ان التحقيق الاعدادي مرحلة من مراحل القضية الجنائية تتوسط البحث التمهيدي الذي تباشره الشرطة القضائية والتحقيق النهائي الذي تباشره المحكمة في الجلسة وحسب رأي الفقه والقضاء تعد هذه المرحلة دعامة اساسية لحقوق الانسان وركيزة مهمة واساسية في تحقيق العدالة الجنائية القائمة على قرينة البراءة.

واثناء مرحلة التحقيق الاعدادي تقدم النيابة العامة ملتمس لاجراء تحقيق في مواجهة المتهم ومثوله امام قاضي التحقيق لينتقل من مشتبه به الى متهم وفي اطار مسطرة قضائية وافره من الضمانات تبتدى بحضور المحامي الى جانب المتهم من اول لحظة بمجرد مثوله وذلك لتجنب انتزاع الاعتراف بالاكراه ودليلا للشفافية التحقيق وايضا ضمانات التي جاء المشرع من تعزيز الدفاع خلال مرحلة البحث الى جانب الاحداث والاشخاص المصابين العاهات اثناء الاستماع اليهم طرف الشرطة القضائية.[38]

ويعتبر المتهم هو الحلقة الاساسية في مسلسل التحقيق الاعدادي، ولهذا فأول ما يبدأ به قاضي التحقيق عادة إذا هويته الضنين معروفة هو الشروع في استنطاقه استنادا الى مقتضيات المادة 134 ق.م.ج.

بناء على الاهداف التي يسعى التحقيق التوصل اليها، وخاصة الوصول الى الحقيقة التي تعتبر استنطاق المتهم من ضمن اهم الاجراءات على الاطلاق ، ولكون هذا الاجراء على درجة قصوى من الاهمية، فان الإشكال الذي يطرح بخصوص هذا الموضوع يتمثل في المفهوم الذي يعتد عيه قاضي التحقيق في التعامل مع الضنين، هل هو مفهوم اتهامي مسايرا بذلك نهج سياسة النيابة العامة المتمثلة في تدعيم خطورة المتهم واعتباره عدوا لها يجب التصدي له، او الاعتماد على اهم مبدأ اسست عليه المسطرة الجنائية القائمة على ترسيخ المحاكمة العادلة والقائمة ايضا على اساس ان اصل الانسان البراءة.

وان قاضي التحقيق يتولى قيام بعملية الاستنطاق الأولى وذلك بحضور كاتب الضبط فقط الذي يسهر على تحرير محضر الاستنطاق ، علاوة على مؤازرة المتهم عندما يختار المتهم تتصيبه و حضوره حالا ، و يستمع إليه دون أداء مسطرة الإنابة القضائية، لا يمكن استنطاق المتهم إلا من طرف قاضي التحقيق، ويقتصر دور هذا الأخير فقط على توجيه التهمة إلى المتهم لا غير ولا يحثها على الكلام تحت أي ظرف كان فإذا امتنع عن الإدلاء بأي تصريح فلا يسمح بمناقشته في التهمة في هذه المرحلة ،وهو في ذلك يكون في وضع المتلقي فقط لتصريحات المتهم سواء بالإقرار أو الإنكار .[39]

وحرص المشرع المغربي على أن يتم الاستنطاق الأولي باقصى ما يمكن من السرعة ،إلا أنه يمكن إجراء الاستنطاق الفوري طبقا للمادة 135 ق.م.ج إذا دعت لذلك حالة الاستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يهدده خطر الموت، وإما لأن علامات موجوده أصبحت على وشك الاندثار مع وجوب التنصيص في المحضر على أسباب الاستعجال، وكذلك حالة التلبس المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 75 من ق.م.ج والتي تتطرق للحاله التي يحضر فيها قاضي التحقيق و ممثل النيابة العامة معا الى مسرح الجريمة ويلتمس فيها هذا الأخير مباشرة تحقيق قانوني يكلف باجرائه قاضي التحقيق الحاضر، غير أنه يتعين التنصيص على أسباب الاستعجال ضمن محضر الاستنطاق المنجز على ضوء القضية.[40]

وأن ما يميز الاستنطاق في مرحلة التحقيق هو طابع السري و الكتابية التي نص عليها المشرع بحث تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك و دون الإضرار بحقوق الدفاع، فسرية الاستجواب التي كانت في السابق تهدف إلى تسهيل عملية قمع المتهم صارت اليوم وسيلة لضمان حقوق دفاع، ذلك أن سرية التحقيق بصفة عامة وسريه الاستنطاق بصفة خاصة تحفظ الكرامة والشرف المتهم بمنع نشر الأخبار التي من شأنها الإساءة إلى سمعته ووضعه الاجتماعي، وتمنع عنه محاكمة سابق الأوانها ، وهي محاكمة الرأي العام كما أنها تكفل عدم إعاقة التحقيق حتى نهايته باستبعاد كل ما من شأنه أن يؤثر على المتهم وعلى الشهود. [41]

أما الطابع والكتابي لإجراءات التحقيق في تجسد في وجوب حضور كاتب الشهر الذي يدون كل ما يدور في الاستجواب، وإثبات مرحلة في محضر رسمي وقد استلزمه المشرع كحجة بين الأطراف واساسا تستند إليه المحكمة عند النظر في الدعوى.

    بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي

رتب المشرع المغربي بطلانا قانوني كجزاء على خرق إجراءات التحقيق الإعدادي الضامنة لحقوق الدفاع للمتهم وذلك من خلال المادة 210 من ق.م .حيث رتب على مخالفة مقتضيات المادة 134135 المنظمتين للحضور الأولي للاستنطاق و المادة 39 المتعلقة بحضور المحامي اثناء الاستنطاقات والمواجهات والمواد 59 60 62 101 المنظمة والتفتيشات، بطلان إجراءات المعيب والإجراءات الموالية له

كما أخذ المشرع المغربي ببطلان الجوهري في المادة 212 من قانون المسطرة الجنائية وذلك عند خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة اذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع ، كما أن هذا البطلان لا يتقرر إلا من طرف الجهات المخولة لها ذلك اثناء التمسك به ممن له مصلحة في ذلك.

وان أسباب البطلان التي أتت بها المادة 210 ق.م. ج ، محدد على سبيل الحصر في النص و تعود بالاساس الى عدم احترام الضمانات التي أقرها المشرع للمتهم او المطالبة بالحق المدني خلال سير عملية التحقيق الإعدادي في المادة 134 من ق.م. ج ، عدم إحاطة قاضي التحقيق بوجه صريح على المتهم بالأفعال المنسوبة اليه ، او عدم اشعاره بحقه في الصمت ،و عدم النص على هذا الإشهار في المحضر.

عدم إشعار قاضي التحقيق المتهم بمجرد مثوله بحقه في الصمت وعدم النص على هذا الشعار في المحضر يجعل إجراءات قاضي التحقيق معرضة للبطلان بقوة القانون أكثر من هذا يمكن أن يمتد البطله الى باقي الإجراءات الموالية له، بل إن إرغام أو اكراه المتهم أو شخص على الكلام اثناء التحقيق معه او البحث يؤدي الى بطلان اجراءات والاجراءات الموالية له[42]

أما البطلان الجوهري أو القضائي[43] يعتبر أكثر حماية للمتهم من نظيره القانوني على اعتبار أنه يفسح المجال لهم للبطلان العديد من الإجراءات الجوهرية، التي تضر بمصالح المتهم، وتفتح الباب على مصراعيه أمام الاجتهاد القضائي ليدلو بدلوه في هذا الإطار.

وهذا البطلان قد نصت عليه المادة 212 من ق.م.ج في فقرتها الأولى” يترتب كذلك البطلان عن خلق المقتضيات الجوهرية للمسطرة اذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف”

هذا النوع من البطلان يضم أسباب، وإن كان القانون هو الذي يؤطرها إلى أن القاضي وهو الذي يعطيها الحركية، لذلك يسميها البعض الفقه “أسباب البطلان القضائي بسبب أنه هو الذي يتعرض وتطبيقاته المختلفة.

    الفقرة الثالثة: حق الصمت في مرحلة المحاكمة

تعتبر مرحلة المحاكمة هي آخر مرحلة تبلغها الدعوى الجنائية فمن خلالها يتحدد وضع المتهم في القضية عبر الحكم الذي يصدره القاضي سواء بالإدانة أو بالبراءة، * فيشترط في بلوغ هذه المحطة الأخيرة وحصول المحاكمة العادلة التي تكفل حقوق الدفاع كامله غير منقوصه ، وان تكون الترتيبات التي تمت في المراحل السابقة لها قد تمت في إطار سليم من العيوب الانتقاص من شريعية و قرينة البراءة حيث تقوم المحكمة بحسب موضوع النزاع المتعلق باقتضاء حق الدولة في العقاب قبل المتهم ، فتقوم باجراء التحقيق النهائي، ثم تصدر حكمها بالإدانة أو بالبراءة.[44]

و من أهم ضمانات الحقوق هي توفير محاكمة عادلة للمتهم وأهم عناصر هذه المحكمة ” المحكمة المختصة ومحايدة ومستقلة وعلنية المحاكم و افتراض البراءة، وتوفير حقوق الدفاع له، وتقيد بمبدأ الشرعية و عدم رجعية القوانين، وفصل سلطة الحكم عن سلطتي التحقيق والاتهام، وبطلان الدليل المحصل عليه بوسيلة غير مشروعة وعددت أي نتيجة عليه، وقابلية الأحكام للطعن أمام الجهات القضائية أعلى

وبحكم أن القضية صارت في المرحلة الحاسمة لها، أي مرحلة الفصل بين خيارين سيرجح القاضي أحدهما في النهاية سواء بالإدانة أو بالبراءة فلم يعد هناك داع لاخفاء كل أو بعض التحقيق، الإ إذا قضت الضرورة المحافظة على النظام العام والآداب العامة ذلك، وهذا ما يطلق عليه مبدأ علانية المرافعات اول جلسة المحاكمة[45]، وامكانياته حضور الجمهور لأطوار المحاكمة إلى غاية صدور الحكم النهائي، على أن تكون المرافعة شفهيا و بحضور الخصوم وسماع أقوالهم في القضية ومناقشتهم في كل دليل مقدم في معرض المرافعة وذلك تمكينا لكل طرف من الدفاع عن نفسه بكل حرية في مواجهة شهادة الشهود والطرف الأخر ، فيبدو في هذه الحالة أن حق المتهم في الصمت وأن كان يتمتع به في جميع المراحل الدعوى الجنائية استنادا لقرينة البراءة، فإن العلنية و الشفهيةوالمواجهة وحضور الخصوم وتدوين كل ما يدور في جلسة عن طريق كاتب الضبط الذي يحرر محضر الجلسة في المحكمة تحت إشراف رئيس المحكمة، والتزام المحكمة في حدود الدعوى المعروضة أمامها هي في حقيقة الأمر ضمانات لحماية حقوق المتهم تجعل من احتماله هذا الحق في غير مصلحته لاحق المتهم في الصمت شرع لمنع الاعتداء عليه ودفعه الادلاء بتصريحات قد تضره في المراحل السابقة للمحاكمة، ولكن الخصائص التي تتميز بها مرحلة المحاكمة تجعل المتهم في وضع مناسب ومهيأ للإدلاء بأقواله بكل حرية خصوصا أن المبدأ الأساسي الذي يحكم عمل القاضي في هذه المرحلة هو عدم اعتماده كليا على محاضر التحقيقات الابتدائية، وإنما يبني اقتناعه أساسا على التحقيقات التي تمت في الجلسة كأصل عام إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك

وبالرجوع الى الشق المتعلق بالحكم في الجرائم من قانون المسطرة الجنائية المواد 251 الى 457 يتضح أن المشرع المغربي كما هو الحال عليه في مرحلة البحث التمهيدي لم ينص على حق المتهم في الصمت. ورغم ذلك يعتبره من حقوق الدفاع المخولة للمتهم.

فالتزام الصمت وسيلة من وسائل الدفاع أمام المحكمة تولتها بعض التشريعات أهمية خاصة، فتمنع صراحه استنطاق المتهم إلا إذا قبل ذلك، حفاظا على حقوقه في الدفاع وحتى لا يندفع إلى الاعتراف أو الإدلاء بأقوال قد تسيئ الى مركزه.

والمفروض إذا فضل المتهم الصمت- لا تجبره المحكمة على الجواب والا فإن الاستنطاق والدليل الناتج عنه يقع باطلاً، إذ من الواجب أن تكون الأدلة التي يستند إليها القاضي في إصدار حكمه قد تم الحصول عليها بالمراعاة لحقوق الدفاع.[46]

ولكن ايداء الأقوال وسيلة ثانية من وسائل الدفاع أمام المحكمة قد يفضلها المتهم بل غالبا ما يفضلها وذلك لاكثر من سبب، من بينها محاولة التأثير على القاضي او طمعا في أن يكون القاضي رحيما به لكونه يتعاون معه ويسهل مهمته و يعتبر حق المتهم في إبداء اقواله وسيلة من وسائل الدفاع، بل يعتبر جوهر حقوق الدفاع يمارسه بنفسه أو بواسطة محاميه و المشرع المغربي الفصول 305315 -316-322 من ق.م.ج يسمح للمحكمة استنطاق المتهم كما يسمح لها بعرض الحجج على المتهم وأن ننسأله حول الاعتراف بها، ولا شك أن الاستنطاق الذي يريد به المشرع مناقشة المتهم تفصيلا حول وقائع التهمة وظروفها وأن مواجهته بالأدلة القائمة ضده قصد اعترافه بها من شأنه أن يقحم المتهم وان يفقده الأمل في الدفاع عن نفسه.

وأيضا لان الصمت من حقوق الدفاع المتهم الحق في أن يرفض الإجابة على ما بوجه إليه من أسئلة ولا يجوز للمحكمة أن تستخلص من ذلك الصمت قرينة ضده أو أن يؤثر على حكم المحكمة والا كان في ذلك أطاحة بقرينة البراءة وما تولد منها من حقة الدفاع.

وهو نفس الموقف الذي سار عليه المشرع المصري بحث نص على حق الصمت في مرحلة المحاكمة في المادة 274 والتي نصت على أنه “لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك .واذا ظهر أثناء المرافعة والمناقشة بعض وقائع يرى لزوم تقديم إيضاحات عنها من المتهم لظهور الحقيقة. يلتفت القاضي إليها ، ويرخص له بتقديم تلك الإيضاحات واذا امتنع المتهم عن الإجابة، أو اذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر جمع الاستدلالات أو التحقيق ، جاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله الأولي”.

ومن خلال ما تقدم من هذا المبحشد وما تم عرضه من مدى توافر حق المتهم في الصمت من عدمه في المراحل المختلفة للدعوى الجنائية أن المشرع المغربي صار مع غالب الفقه الذين يؤيدون ويؤكدون على حق المتهم في الصمت وفي جميع مراحل الدعوى

    المطلب الثاني: انتهاك الحق الصمت

كفل المشرع حق المدعى عليه في الصمت ، من خلال إلزام الجهة المكلفة بالتحقيق وجمع الأدلة بكافة الطرق السليمة التي تنص عليها القانون ، والابتعاد عن أسلوب الضغط والإكراه، سواء أكان ذلك اللجوء إلى التعذيب أو باستخدام الأساليب العلمية الحديثة، العقاقير المخدرة، أو التنويم المغناطيسي، أو أجهزة كشف الكذب، في سبيل التأثير في إرادة المدعي عليه

الفقرة الأولى : الأساليب التقليدية الماسة بمشروعية الحق في الصمت

الإكراه المادي

يجب ألا يتم اللجوء إلى الوسائل المادية غير المشروعة للحصول على اعتراف المتهم، والا ترتب على استخدام تلك الأساليب البطلان، ومن تلك الوسائل التعذيب، والاستجواب المطول

أولا : التعذيب كانت تعذيب في العصور الوسطى أمرا طبيعيا حتى انه كان يسمى “الاستجواب القضائي” و كان الدافع اليه هو الحصول على اعتراف في ظل نظام الأدلة القانونية ال كان يشترط الحصول على الاعتراف كدليل للحكم ببعض العقوبات.[47]

حيث كان الاعتراف سيد الأدلة ولذلك كان من المألوف استخدام العديد من الوسائل القاسية والوحشية للوصول إليه [48]ومن أجل استباح القضاء كل سبل الإكراه وصولا إليه كسند الادانة[49].

ونتيجة التطور الذي عرفه مفهوم حقوق الإنسان فقط صدرت العديد من الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تحظر تعذيب المتهم وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1945. وعلى صعيد المواثيق الدولية فقد نصت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الانسانية او المهينة على حظر كافة أنواع التعذيب . ويعتبر حق المتهم في السلامة الجسدية حق دستوري في العديد من التشريعات مما يتطلب إحاطته بعناية خاصة.

كما أن المغرب وفي إطار التزامه بالمواثيق الدولية أقر بجريمة التعذيب بمقتضى قانون رقم 04-43 وقد عرف المشرع المغربي التعذيب في الفصل 231 من ق. ج.م التعذيب بانه كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي او يحرض عليه او يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف.

وقد ايد الاجتهاد القضائي الاتجاه التشريعي والفقهي في استبعاد كل أثر للاكراه وعدم الاعتماد على الاعتراف الناجم عن الاكراه وما يترتب عليه من ادلة اخرى، واعتبارها كأن لم تكن ، خاصة التعديلات التي شملت ق.م.ج ألزمت إحالة. المتهمين على الخبرة الطبية كلما ثبت للنيابة العامة أو المحكمة أنهم تعرضوا للعنف أثناء البحث معهم .

كما جمعت النظم القانونية العربية على اعتبار اللجوء الى العنف والشدة بقصد الحصول على اعتراف المتهم جريمة يعاقب عليها القانون، كالتشريع الجزائري والمصري واردني واليمني والفلسطني.. واستقر القضاء المصري والفرنسي الأنجلو أمريكي على استبعاد الاعترافات الناتجة عن استعمال العنف مع المتهم مهما كان قدره ولو كانت الإعترافات صادقة ومطابقة للحقيقة[50]

وبالتالي فان التعذيب بجميع صوره وأشكاله وأيا كان مقداره لا يجوز اللجوء إليه واستخدامه لانتهاك حق المتهم في الصمت و الحصول على اعتراف منه.

       ثانيا : ارهاق المتهم بالاستجواب المطول

الاستجواب يعتبر من اخطر اجراءات التحقيق لأنه قد يجر الى اعتراف او اضطراب المتهم في دفاعه بما يسيء إليه وتبقى أدلة الاتهام قائمة قبله.

الا ان الاستجواب في حد ذاته إجراء مشروع من إجراءات التحقيق، ومن ثم فإن كل ما يترتب عليه يكون مشروعا إذا ما بوشر وفقا لأحكام القانون فلا يوجد معيار زمني لطول استجواب المتهم، وإنما العبرة بما يؤدي إليه من تأثير في قواه الذهنية على اثر إرهاقه.

فقد يمارس المحقق الاستجواب بطريقة شاذة، كما لو اختار مواعيد غير المناسبة لإجراء الاستجواب، أو تعمد استجواب المتهم في وقت متأخر من الليل دون مقتضى، او لم الاستجواب رغم الارهاق الواضح على المتهم ،أو حرصه على إرهاق التهم بإطالة الاستجواب وجعله على مرات عديدة ومثاليه دون مبرر، فاستمرار الاستجواب لفترات طويلة في الليل والنهار دون انقطاع يؤدي الى اصابة المتهم بالإرهاق وفقدان السيطرة على اعصابه ويضرب فيقر بما هو منسوب اليه للخروج من ذلك المأزق[51]

وهذا يمثل نوع من الضغط النفسي و الاكراه على المتهم ويؤدي إلى تعذيبه نفسيا و الى إضعاف معنوياته ، ويقلل من حدة انتباهه أثناء الإجابة ويحمله على الاعتراف والإدلاء بقول ليس بصالحه[52] وحيث جاء في المادة 64 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، إلى أنه وضمان عدم إرهاق المتهم باستجوابه المطول الى إلزام جهات الضبط القضائي أن يذكر مدة الاستجواب و فترات الراحة التي تخللت الاستجواب ويجب أن يوقع على هذه البيانات. وهذا ما أغفل عليه المشرع المغربي في المادة 24 من ق.م. ج.

وعليه فإن الاستجواب المطول وان كان لا يستعمل فيه عنف مادي إلا أنه يعتبر من وسائل التعذيب التي تضعف إرادة المتهم ويكون الاعتراف المترتب عليه غير صحيح جدير بالبطلان.

ثانيا :الإكراه المعنوي

ان الاكراه المعنوي يتمحور دوره حول عوامل ووسائل لا تستهدف بالضرورة جسد المتهم كما في الإكراه المادي، بل مصدرها التأثير على قدرات الشخص النفسية، قصد إضعاف إرادته حتى يستجيب الإرادة المحقق، حيث نجد له صورا مختلفة أهمها ، الوعد ، التهديد، تحليف المتهم اليمين ، واستعمال وسائل حيلة والخداع ، بحيث تكون هذه الوسائل لها تأثير على إرادة المتهم فيتوجه للوجهة التي أرادها المحقق.

    أولا: الوعد كثيرا ما يتعرض المتهم للإغراء والوعد من قبل المحقق، بحيث ينصحه أن يتكلم بشيء من التهمة المنسوبة اليه او ان يذل أقوال غير صحيحة من اجل ان يساعده  ويخرجه من المازق الموجود فيه ، وأن يتعمد على بعث الأمل لدى المتهم في شيء يتحسن به مركزه ويكون له أثر على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار، وهو لذلك سبب للريبة في الاعتراف بهدد قوته، كدليل .[53]

فالاعتراف الصادر نتيجة الوعد يكون باطلا، ولو كان اعترافا حقيقيا طالما صدر نتيجة تأثير هذا الوعد ، وعلى المحكمة أن تبين مدى تأثير ذلك الوعد على إرادة المتهم وأن تجد الرابطة بين ذلك الوعد والاعتراف . أما المشرع المغربي لم يتدخل بنص صريح يتناول مسألة التخلي عن حق الصمت بالاغراء.[54]

    ثانيا : التهديد يتم من خلال تهديد المتهم في تلفيق تهم خطيرة إليه أو إفشاء أسراره  فيفقد السيطرة على اعصابه و يعترف، وهو يمثل ابرز صور الإكراه المعنوي والذي تبطل بموجبه جميع الإجراءات التي تتخذ مع وهو عبارة عن ضغط شخص عن إرادة اخر .لتوجيهها إلى سلوك معين عن طريق فول، بجعل، تحت وطأة الخوف من أمر معين يجعله يتصرف على غير رغبته، ويستوي أن يكون التهديد بإيذاء المهدد في شخصه أو في مال أو إيذاء غيره من أعدائه كما يستوي أن يكون التهديد مباشرة أو غير مباشر، (مثال التهديد غير المباشر تعذيب المتهم امام[55]

وايضا من صور التهديد بإنزال ظرف مشدد في القضية أو الحجز في أماكن غير مناسبة مع الطبيعة البشرية أو التهديد بحرمانه من حقوقه بوصفاة سجينا.

وقضت محكمة النقض المصرية من المقرر أن الاعتراف الذي يعول عليه يجب أن يكون اختياريا ولا يعتبر كذلك إذا حصل تحت تأثير الاكراه أو التهديد أو الخوف الناشئين عن أمر غير مشروعة ولو كان صادقا كائنا ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه

وعاقب المشرع المغربي على الإغراء والتأثير على الأشخاص عند الإدلاء بأقوالهم في الفصل 373 من ق. ج. ويشترط في الوعد الذي يبطل الاستجواب شرطين [56]

  • اولا صدور الوعد بناء على سبب غير المشروع:

في أن يكون التهديد والخوف بناء على سبب غير مشروع ، ويرجع ذلك إلى أن بعض إجراءات الاستدلال والتحقيق تتسم بطبيعتها بالقهر والعنف ،كما انه إذا شعر المتهم من تلقاء نفسه بالرهبة والخوف من المحقق متأثرا بقوته وسلطته واعترف تحت تاثير تلك الرغبه فهو اعتراف غير صحيح.

  • ثانيا أن يؤدي الوعيد مباشرة إلى اعتراف المتهم:

أن مجرد حصول تهديد غير مشروع مع المتهم لا يكفي لبطلان اعتراف بل يشترط أن يكون ذلك التهديد قد أدى مباشرة إلى حمل المتهم على الاعتراف، فإذا رفض المتهم الخضوع تحت تأثير ولم يصدر منه اعتراف بناءا على ما تعرض له من أنواع التهديد ، ثم اعترف بعد ذلك في مناسبة أخرى فلا يجوز له الادعاء بان ذلك الاعتراف قد جاء في أعقاب التهديد، فالعبرة هي بكون الاعتراف أثر التهديد. وبالتالي إذا توافر شرطان سابقان ذكرهما في التهديد و نتج عنه الاعتراف فإن ذلك الاعتراف يكون باطلا؛ لأنه صدر عن إرادة غير حرة، و لأنه تم انتهاك حق المتهم في الصمت.

ثالثا:تحليف المتهم اليمين وهو أن يلزم المحقق المتهم بأداء اليمين حسب صيغة معينة تكون محددة مسبقا في القانون كاليمين التي يؤديها الشاهد قبل الإدلاء بشهادته، والخبير قبل أن يقوم بمهمته بعد تعيينه من طرف القاضى، للقيام بتحليل أو تشريح مسألة ذات طابع فني، غير أن القانون يعفي المتهم من اداء اليمين لأنه بريء بحسب الأصل الثابت فيه من جهة، كما أنه غير ملزم بتقديم أي دليل على براءة، وإن سعى إلى ذلك فانه من باب الاختيار لا من باب الإجبار من جهة ثانية، كما أنه حر في اختيار أي طريق يراه مناسب للدفاع، ومنها حقه في الصمت من جهة ثالثة، وعلى الرغم من عدم وجود نص تشريعي صريح في القانون المغربي يحظر تحليف المتهم اليمين فإن هناك إجماع على تحريمه وبطلان الاعتراف المترتب عليه ، وهذا البطلان من النظام العام يمكن التمسك به في أي مرحلة من مراحل الدعوى. [57]

وقضى القضاء الفرنسي بإبطال هذا الإجراء في إحدى القضايا قام قاضي التحقيق في اتهام من قبيل الخطأ كان يعتقد أنه شاهد وكان قد تولى التحقيق في تلك القضية بدلا من القاضي الأصلي الذي تغيب، ورفضت محكمة الاستئناف حكم ببطلان الإجراءات مستندة إلى أن المتهم تنازل عن الدفع ببطلان الإجراءات أمام قاضي التحقيق بحضور محاميه، و قد قضت محكمة النقض بنقض ذلك الحكم أن البطلان هنا متعلق بالنظام العام.

     رابعا : استعمال الأساليب المخادعة والحيل  الاستعمال المحقق الطرق المخادعة و الأسئلة الإيحائية يتنافى مع الأمانة في التحقيق، فقد اصبح المحقق ملزم بمراعاة الأمانة بالنسبة لما يقوم به من إجراءات، فهي تنبع من الضمير و تفرضها العدالة، و ينتج الخروج عنها البطلان دونما الحاجة للنص عليها، لأنها تعتبر مخالفة جوهرية مقررة لمصلحة الدفاع ، التي تفرض على المحقق التزام الحياد والموضوعية في البحث عن الحقيقة، وعدم اللجوء إليها حتى ولو كانت الوسيلة الوحيدة لذلك، لأنها توقع المتهم حتى يقول الحقيقة وبذلك تكون إرادته معيبة ، ومن ثم تستبعد الادلة المتحصلة منها، وان المحقق في هذه الحالة لا يريد إثبات الحقيقة وانما يفرض ما يتفق مع أهوائه، التي تكون غالبا الميل نحو اثبات الادانة ، وفي هذا الإهدار القرينة البراءة و إسقاط لحق من حقوق الدفاع بدفع المتهم للتكلم بواسطة من الوسائل المغشوشة ، و انتهاك الحرية خاصة في تعارض واضح مع مبدا الشرعية ، ومن أمثلة التحايل الغير المشروع أن يوهم المحقق المتهم أثناء استجوابه بان شريكه في الجريمة قد اعترف، او شخصا معينا شاهده وهو يرتكب جريمة أو إبهامه وجد في أدلة معينة.

و بالرغم من عدم وجود نص في التشريع المغربي يحرم اللجوء إلى هذه الأسئلة الخاضعة فإن ذلك لا يعني السماح لرجال البحث باستعمالها

 الفرع الثاني : الوسائل العلمية المستحدثة وأثرها على التصريحات

تضاعف الاهتمام بالوسائل العلمية الحديثة المستخدمة في كشف الحقيقة بسبب ما تنطوي عليه من مساس بالحرية الشخصية  ولا يستطيع أحد أن يشكك في قيمتها العلمية وصدق نتائجها لكن يبقى السؤال المطروح ما مدى مشروعية استخدامها في استجواب المتهم[58].

    أولا :جهاز كشف الكذب

يمكن تعريف جهاز كشف الكذب بانه جهاز ألى يعمل بالكهرباء ذو قدرة عالية على قياس بعد التغيرات الجسدية للإنسان كمعدل النبض وافراز العرق وحركة العضلات والضغط الدموي و حركة التنفس ونبرة الصوت ودرجة مقاومة البشرة للتيار الكهربائي خفيف، والتي تصاحب الإجابات الكلامية لمن يستخدم عليه الجهاز خلال الاختبار، بقصد الكشف عن خبايا النفس و خلجاتها من ناحية ردود الأفعال التي تظهر عليها أمام بعض الكلمات الموجهة للشخص الخاضع للجهاز ويؤثر في أعماقه، وتبدو أثر الانفعالات في تأدية أعضاء الجسم ووظائفها ،”[59]

وتعتبر أجهزة كشف الكذب إحدى نتائج التقدم الكبير الذي تحقق في علم وظائف الجسم، فقد أثبت هذا العلم أن الانفعالات الداخلية للإنسان تنعكس على وظائف جسمه في صورة تغيرات في نمط ادائها، كما أن الانسان في جنوحه إلى الكذب إلى تغيير الحقيقة يبذل جهدا غير عادية للسيطرة على حواسه.[60]

وفي حالة استخدام ذلك الجهاز يتم وضع المتهم على كرسي مزود برقائق معدنية يضع عليها المتهم كيفية القياس افراز العرق، و جهاز يوضع حول عضده لقياس ضغط الدم، وآخر حول صدره لقياس سرعة التنفس. [61]

وبالنظر إلى ماهية جهاز كشف الكذب و كيفية عمله، يتبين لنا جليا الخطر المحدق بحق المتهم في الصمت إدانة حتى ولو تمسك المتهم بحقه في الصمت فانه يتم التحايل على هذه الارادة الحرة باستعمال الجهاز الذي يقوم باستنطاق الوظائف الحيوية للجسم، التي تعبر بدورها على اشياء أحجم المتهم عن تصريح بها، وقد تؤدي إلى الاعتراف بالجريمة بدلا عن المتهم، وهو ما يمثل اعتداء صارخا على حق آخر من حقوق المتهم ألا وهو حق في ألا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه وذلك بواسطة حواسه و بعض الوظائف في الفسيولوجيا لجسده، لتحرمه من أن يدافع عن نفسه بأية وسيلة كانت ولو بالكذب[62] والأمر لا يقتصر وعده هذا الحد في استخدام الجهاز في حد ذاته اعتداء يشكل اعتداء على السلامة الجسدية للمتهم في حالة رفضه استخدام الجهاز ومع ذلك يتم إجباره على الخضوع لهذا الاختبارات التي عادة ما تترك أثرا على جسم المتهم مما يتنافى مع مبدا احترام السلامة الجسدية للمتهم.

وأخيرا نشير بأن موقف المشرع والقضاء المغربي من استعمال هذه الوسيلة لا يزال مجهولا لعدم تضمن التشريع المغربي نصا يحدد موقفه منها، وعدم سبق عرض حالات عملية على القضاء.

ثانيا : التنويم المغناطيسي

التنويم المغناطيسي هو نوع من النوم لبعض ملكات العقل الظاهر يمكن إحداثه صناعيا عن طريق الإيحاء بفكرة النوم، وهو يستخدم منذ زمن بعيد في علاج الأمراض النفسية الحمل المريض بعد تنويمه على ذكر أسباب مرض نفسي، ورده الى وعيه وشعوره والتأثير المباشر في عقله الباطن.

وعلى هذا الأساس فان عملية التنويم المغناطيسي ينصب على عنصر الإرادة لدى المتهم فتقوم بتعطيلها على نحو ينعدم معه حق المتهم في الامتناع عن الكلام، فتطوع بذلك إرادته بحيث تصبح قابلة لتنفيذ كل ما يوجه اليه من اوامر. ومن خلالها يتم توجيه الأسئلة الى المتهم و تلقي الاجابات التي كان يرفض الرد عليها هو بكامل إرادته أثناء ممارسة الحق في الصمت، وهو ما يمثل اعتداء على الكيان النفسي الإنسان، وذلك من قبل القائم على استخدام هذه الوراة. بواسطة السيطرة على العقل الباطن للحصول على المعلومات التي يمكن أن تستخدم لاحقا كدليل ضده وهذا ما يشكل خطورة بالغة على سلامة الدليل إذا استخدم على هذا النحو . [63]

ثالثا : استخدام العقاقير المخدرة

العقاقير المخدرة أو ما يسمى ب مصل الحقيقة، هي عبارة عن مواد من شانها أن تجعل متعاطيها يستغرق في نوم عميق لمدة تتراوح ما بين 5 إلى 20 دقيقة ومن اشهرها” الصوديوم البونناتال” ويترتب على تعاطي تلك المواد أن الشخص يفقد اثناء نومه القدرة على التحكم والاختبار والى عدم استطاعة المتهم الدفاع عن نفسه والاحتفاظ بما يدور فيها من أسرار و مشاعر مكبوتة..

وللحصول على أفضل النتائج من عملية حقن العقار المخدر يجب مراعاة خطوات الثلاثة الأولى إعداد الشخص محل الاختبار نفسيا، وثانيا: أن يتم حقن العقار المخدر في مجرى الدم بسرعة متوسطة ثم تزداد سرعة الحق تدريجيا  والثالثة: بعد اتمام عملية الحق حيث يقترب الشخص الخاضع للحق من حالة اللاوعي إلى حالة تصف الوحي ون بيندا الشخص في البوح بأسرار [64].

ويمكن القول بأن تأثير المواد المخدرة يشبه الى حد ما تأثير الكحول وان كان الفرق بينهما يتمثل في أن متعاطي العقاقير المخدرة يفقد السيطرة على الكلام، بينما يتعلق تاشير الكحول بالافعال اكثر من الأقوال وهو أشبه ما يكون في حالة المريض قبل اجراء عشية جراحية له حينما يدخل الفترة الإقاقة من تأثير التخدير.

حيث ينطلق عقله الباطن التحرر من الرقيب، و تتفوه بأمور ما كان ليفصح عنها في الحالة العادية فيؤثر بذلك على التحكم الإرادي، فتحل هذا إرادة القائم على الاستجواب محل إرادة المستجوب مما يؤدي به إلى الاعتراف بالجريمة او الى ادلة ادانة أخرى وهذا يكمن الخطر المحدق بأهم الحقوق الأساسية للمتهم إلا وهو حريته في الإجابة على ما يواجه إليه من اسئله او التزام الصمت، والأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوز العباس بالسلامه المعنوية والجسدية الشخص المستجوب وذلك لما تتركه المادة المخدرة من أثار على حرية الإدراك وحرية الاختيار إذ تقوم بتعطيل ملكات الحس لدى الشخص المستجوب فيخاطب فيها الجانب اللاشعوري باستعمال كافة أنواع التحليل النفسي، هذا فضلا عن  الألم الذي تتركه وخز الإبرة في جسم الشخص و الآثار التي تركها المادة المخدرة باعتبارها من المواد الضارة بجسم الإنسان على النحو يعرض سلامته الجسدية للخطر[65]

وبالنسبة للمشرع المغربي فلم يكن له موقف معلن من هذه المواد المخدرة، ولكن انسجاما مع الاتجاه الغالب في الفقه والتشريعات المقارنة و مع ما أقرته العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ، والتي تحرص على السلامة الجسدية والنفسية، وضمان عدم الاعتداء على القوى العقلية للأفراد، فيمكن التأكيد أن هذه الوسيلة محرمة في التشريع المغربي

 

المطلب الثالث:مظاهر سقوط حق المتهم في الصمت

إذا كان جوهر المخاطر العملية ينصب على الممارسات التي يقوم بها رجال القضاء بمعرض قيامهم بمهامهم التي أوكلها إليهم القانون فإن بعض المخاطر ،لم تكرسها الممارسات القضائية، وإنما كرسها الواقع التشريعي من خلال ما منحه لأطراف الخصومة من صلاحيات بموجب القانون للوصول إلى الحقيقة على حساب حقوق المتهم.

الفقرة الأولى :مبدأ حرية الإثبات والإقتناع الشخصي القاضي الجنائي

من خلال هذه الفقرة سنعمل على تقسيمة الى فرعين نتناول فيهما مبدأ حرية الإثبات و الإقتناع الشخصي للقاضي الجنائي بينما سنخصص الفقرة الموالية تأثير التكنولوجي على الحق في الصمت و تأويل صمته في غير صالح المتهم .

الفرع الاول :مبدأ حرية الإثبات

نظرية الإثبات من أهم النظريات القانونية و أكثرها تطبيقا في الحياة العملية، بل هي النظرية التي لا تنقطع المحاكم عن تطبيقها كل يوم، فيما يعرض لها من قضايا و الإثبات في الميدان الجنائي، يعني محاولة لإعادة صياغة و بناء الوقائع والأحداث في عملية تركيبية، يقصد منها التعرف على الحقيقة، و من ثم فان الإثبات يتسم بالصعوبة و التعقيد، نظرا لكونه يتوجه نحو إعادة إنتاج الواقعة التي انقضت في الزمن الماضي.

و حرية الإثبات هي إحدى خصائص نظرية الإثبات في المسائل الجنائية، وذلك على عكس الحال في المسائل المدنية حيث يحدد القانون وسائل الإثبات وقواعد قبولها وقوتها، ومرجع الاختلاف أن الإثبات المدني ينصب في الغالب على أعمال قانونية، بينما يتجلى الإثبات الجنائي بوقائع مادية ونفسية مما جعل المشرع في أغلب التشريعات المبدأ العام في لإثبات في الشق الجنائي هو الحرية، و مع ذلك نجد أنه هناك استثناء على مبدأ حرية الإثبات ،بحث أن المشرع المغربي في المادة الجنائية أخذ بالنظام المختلط في الإثبات. فرغم اعتماده المبدأ العام في حرية الإثبات بكافة الوسائل وبالتالي السلطة التقديرية في الاقتناع، فانه تارة أخرى يقيد الإثبات على مستوى هذا الشق على وسائل محددة في الإثبات، وذلك راجع لما تفرضه خصوصيات بعض القضايا الجنائية، لما في ذلك من احترام الضمانات حقوق الأفراد بشكل أساسي. كما أنه حينما تقرر هذا المبدأ نقررت معه مجموعة من المبادئ الجوهرية وأهم مبدأ هو “بقرينة البراءة”. [66]

وعليه فيجوز إثبات الجرائم بكافة طرق الإثبات ما عدا ما قيده المشرع بنص وتكون القاضي كامل السلطة التقديرية في تقدير وسائل الإثبات، فيجوز له أن يجزأ الأدلة و يأخذ بنظام تساند الأدلة أو أن يقوم بتفريقا لأدلة فيأخذ جزء من دليل و جزء آخرمن دليل آخر، و يكون حقيقة جديدة، إلا أن الجدير بالذكر أن هذه الحرية التي منحها المشرع اللقاضي ينبغي ألا تخرج عن إطارها القانوني إذ يجب أن تتقيد بالضوابط القانونية التي حددها المشرع من كون الدليل مشروع وأن يستخلص بطريقة قانونية ،و من ثمة فلا يجوز التأثير على إرادة المتهم من أجل انتزاع اعتراف منه تحت وطأة الإكراه بنوعيه المادي والمعنوي، أو حتى التعذيب كما لا يجوز أن يأخذ منه ما يدينه وهو مبدأ مكرس في القانون الجنائي. “مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.

كما أن القضاة في سعيهم للبحث عن الحقيقة، يجب أن يتقيدوا بمبدأ الشرعية الجنائية، فيقع تحت طائلة البطلان كل دليل استخلص بإجراء غير شرعي. فكل هذه الضوابط وضعت من أجل حماية حقوق المتهم بما فيها الحق في الصمت من تعسف رجال القضاء في استعمال السلطات المخولة لهم في الإثبات بحثا عن الحقيقة.

الفرع الثاني : الاقتناع الشخصي للقاضي الجنائي

المقصود بالاقتناع الذاتي أن يتوفر للقاضي من الأدلة المطروحة أمامه ما يكفي لتسبب ما اعتقد جازما بثبوت الوقائع كما أوردها في حكمه ، وينسبها إلى المتهم وفي هذا المعنى يكون الاقتناع عبارة عن اعتقاد جازم قائم على أدلة موضوعية، وهو يقوم على استقراء الأدلة التي تطرح أمامه وتمحيصها حتى يصل إلى الاقتناع بها .

ولعل من أشد المخاطر القانونية وطأة على حقوق المتهم بصفة عامة والحق في الصمت بصفة خاصة مسألة القناعة الشخصية للقاضى الجنائي الذي من المفروض أن يبني على اسباب موضوعية وليست شخصية، فعندما امتنع المتهم عن الإجابة عن السؤال المطروح من طرف القاضي فإن ذلك سيترك انطباع لذا القاضي بأن المتهم لا يملك الاجابة،مما يضع قناعة لذا القاضي بإدانة هذا الأخير لذلك ينبغي أن تبني قناعة القاضي على عناصر موضوعية مبنية على أدلة طرحت في الجلسة و نوقشت بحضور الأطراف[67]

 الفقرة الثانية : تأثير التطور التكنولوجي على الحق في الصمت وتأويل صمته في غير صالحه

سنعمل على تقسيم هذه الفقرة الى فرعين

 الفرع الاول : تأويل صمت في غير صالح المتهم

       من خلال الإقرار بمبدأ قرينة البراءة فإن المتهم لا يكلف إثبات براءته فيقع ذلك عبئ على جهاز النيابة العامة التي عليها تقديم أدلة جازمة و قاطعة على ادانة المتهم،وما على هذا الأخير إلا التزام الصمت و إذا أراد أن يدافع عن نفسه فله ذلك ولا يشترط أن يقدم أدلة قاطعة وجازمة كما هو الحال بالنسبة للنيابة العامة فيكفي فقط أن يثير الشك في وسائل الإثبات والشك يفسر لصالح المتهم كما هو مقرر بالقانون.

إلا أنه في بعض الحالات يقوم المشرع بنقل عبء الإثبات من النيابة إلى عاتق المتهم لأن المشرع في هذه الحالات يفترض الخطأ في المتهم وتعتبر الجريمة ، حينئذ جريمة شكلية مثل حوادث المرور، أو أن المشرع يفترض العلم في الإنسان وينتقل عبء الإثبات إليه مثل الجرائم الجمركية ، أو أن المشرع في بعض الجرائم، صعبة الإثبات يقوم بتكليف المتهم بإثبات براءته مثل جرائم الامتناع، فالمشرع في هذه الحالات من الجرائم يفترض سوء النية في المتهم ويطالب بإثبات العكس مما يقع عبء الإثبات من عاتق النيابة العامة إلى عاتق المتهم ففي كل هذه الحالات إذا مارس المتهم حقه في الصمت فإنه سيترك لا محال الى قناعة القاضي بالإدانة.

الفرع الثاني : تأثير التطور التكنولوجي على الحق في الصمت.

إن التطور الحاصل في ميدان التكنولوجيا له الأثر البالغ على حقوق المتهم بصفة عامة والحق في الصمت بصفة خاصة إذا أصبح مجال تمتع المتهم بهذا الحق ضيقا جدا وإن لم نقل منعدما في بعض الأحيان، إذ أن الوسائل التكنولوجية تتولى الإجابة عن المتهم إذا مارس حقه في الصمت مما يضطره في حالات عديدة إلى التنازل عن هذا الحق محاولا إثبات العكس، ومن هذه الوسائل مثلا نظام تحديد الموقع الجغرافي الذي ظهر لأول مرة في التشريع الألماني سنة 2013 وهو يقوم على تتبع تحركات المشتبه فيه في مختلف الأماكن عن طريق شبكة الهاتف النقال أو عن طريق وضع شريحة في المركبة التي يستعملها المتهم، وهذه الوسيلة تعطي المحققين معلومات دقيقة في الوقت الحقيقي عن تواجد المجرمين في أماكن الجريمة، ونظرا فعالية هذه الوسيلة في الكشف عن الجريمة فقد قننها المشروع الفرنسي بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية في 28 مارس 2014.

كذلك من الوسائل الحديثة المستعملة في الإثبات نجد أجهزة كاميرات المراقبة التي تقدم أدلة بالصوت والصورة على إدانة المتهم، أيضا العينات الجينية، الملفات الإلكترونية وغيرها من وسائل الإثبات الحديثة، وتبقى العقبة الوحيدة هي إسباغ تلك الوسائل بالصفة الشرعية عن طريق تقنينها وإلا فإنها سترفض تحت طائلة عدم مشروعية الدليل، فقد قامت محكمة النقض الفرنسية بإبطال جميع الإجراءات التي جاءت مخالفة قانون بشان استعمال شريحة نظام تحديد المواقع كدليل للإثبات وهذا لكون هذه الوسيلة لم ينص عليها المشرع الفرنسي كاجراء قانوني في التحري و التحقيق ، إذ يتصف هذا الاجراء بكونه مخالف للقانون[68]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة :

تناولنا في هذا البحث دراسة تفصيلية الحق المتهم في الصمت، وتشعبنا فيه إلى جزئيات هذا الموضوع ثم موفق كل من الفقه والقضاء و القانون المقارن منه وفق ما تقضيه أساليب البحث القانوني المقارن ويكتنف حق المتهم في الصمت كثير من المشاكل والصعاب التي يظهر صداها في غموض نصوصه القانونية هذا ان وجدت تلك النصوص التي تنص عليه وفي تضارب آراء الفقه وأحكام القضاء وقد انحصر موضوع البحث، في بيان مواقف كل من الفقه، و عدد من التشريعات المختلفة من حق الصمت، واستضهار أحكام القضاء في هذا الموضوع. فمنهم من كان صريحًا، ونص على هذا الحق، ومنهم من أهمله ولم ينص عليه، فبقي هذا الحق بين التأييد، في بعض القوانين والرفض في البعض الأخر والغموض في اكثرها

لذلك أجد في نهاية هذا البحث ضرورة الإشارة إلى بعض القضايا الهامة منها: يجب على جميع القوانين أن تأخذ موقفا صريحا وواضحا من حق المتهم في الصمت ، و ذلك لأن هذا الحق هو من الحقوق الطبيعية للمتهم التي يجب أن يتمتع بها

هذا الحق القائم على القواعد العامة في القانون، و على روح التشريع الجنائي، فالاعتراف المتهم بهذا الحق، ما هو إلا تطبيق لتلك القواعد العامة وفي صحيح لها. كذلك يجب عدم تأويل صمته، ليكون قرينة ضده، وعلى أساسه يصدر حكم الإدانة، لأن الأصل في الإنسان البراءة، والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤذي العدالة  لذلك يجب أن يكون الحكم أو القرار الذي أصدر بحق المتهم بناء على صمته معيبا ومحلا النقض.

و هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هذا المتهم إنسان كرمه الله، فجعله أسمي مخلوقاته، ثم جاءت التشريعات السماوية التي هذا السمو للإنسان وامتد هذا الأحترام إلى العلوم القانونية، وخاصة الجنائية منها لتعترف له بالحقوق التي تضمن له صيانة كرامته وحريته ومن أهم هذه الحقوق، هي حريته في الكلام أو عدمه عند استجوابه، ولا سيما أن وسائل الاستجواب في تطور مستمر ولتكريس هذا الحق للمتهم، يجب في كل مرة يستجوب المتهم أن تتحقق أعلى درجات تطبيق العدالة

وخلاصة القول إن حق المتهم في الصمت، هو من الحقوق الطبيعية للمتهمة التي يجب أن تصان بنصوص قانونية واضحة وصريحة، ليكون ضمانة أساسية له تجاه تطور وسائل الاستجواب، وحتى لا يكون هذا الصوت دليل إدانة للمتهم

ولعله من المفيد بلورة موقف مؤيد الحق المتهم الدائم في الصمت من قبل مشرعنا المغربي بشكل واضح، ويقص علية صراحة، وحتي يتسني له، مواكبة التطور القانوني

لاسيما أن معظم التشريعات الحديثة في العالم، أولت هذا الحق أهمية خاصة، تتناسب وخصوصيته من ناحية وحساسيته من ناحية أخرى باعتباره يتعلق بشخص المتهم نفسه، وحقه في الحرية. هذا الحق الذي هو أحد المبادئ الدستورية

وأخيرا، لا يفوتني أن أشير إلى أن حق المهتم في الصمت هو من حقوق  العامة في الشريعة الإسلامية، التي تضل – وإن طال بها الزمن- منبعا للرأي والفكر والقانون، لا ينصب ولا يجف لذلك فالنص عليه صراحة، دون أن يكون له آثار سلبية على المتهم، هو من صميم أحكام الشريعة الإسلامية العراء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

 

  • مجلة منظمة العفو الدولي دليل المحاكمة العادلة الطبعة الثانية
  • علي حسن الطواليه كتاب حق المتهم في الامتناع عن الكلام  طبعة  الاولى
  • سامي صادق الملا اعتراف المتهم دراسة المقارنة دار النهضة العربية القاهرة
  • محمد سامي النبراوي استجواب المتهم دار النهضة العربية القاهرة
  • مبدر الويس ضمانات الحرية الشخصية في النظم السياسية
  • محمود نجيب حسني شرح قانون الاجراءات الجنائية
  • أحمد الدنا او النقيب عبد الوهاب مطيش “قراءة أولية في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية الجديد” مقال نشر في الموقع أجيال بريس بتاريخ 2012/02/21
  • عبد اللطيف بوحموش ،دليل الشرطة القضائية في تحرير المحاضر و توثيق المساطر ، مطبعة الامنية ، الرباط الطبعة الاولى 2010
  • وداد العيدوني “التنظيم القضائي المغربي دراسة وفق أخر المستجدات التشريعية” الطبعة الأولى 2016
  • د. عبد الجليل مفتاح “مبادئ المحاكمة العادلة في دساتير المغرب العربي، ص 393 نشر في دفاتر السياسة والقانون العدد الثالث عشر يناير 2015
  • د عبد العزيز العويسي الحق في الصمت امام الضابطة القضائية بين النظرية و الواقع مقال تم نشره في مجلة القانون و الاعمال
  • احمد فتحي سرور ، الشرعية الدستورية و حقوق الانسان في الاجراءات الجنائية ، دار النهضة العريية
  • أحمد لطفى السيد الشرعية الاجرائية و حقوق الانسان مطبوعات جامعة المنصور 2004
  • هلالي عبد الله (أحمد) المركز القانوني للمتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي، دراسة مقارنة في الفقه الجنائي الإسلامي، ط الأولى ، دار النهضة العربية، القاهرة 1989 ،
  • صالح محمد العادلي محمود: حق الدفاع أمام القضاء الجنائي ، دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الإسلامي رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة القاهرة
  • رجب عبد الغني (حمدي) نظام الاتهام وحقوق الفرد والمجتمع في الخصومة الجنائية رسالة دكتوراه نوقشت بكلية الشريعة والقانون 1986
  • عبد المجيد خشيع البراءة و التعويض عن الاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي مقال جريدة الصباح الالكترونية
  • د. محمد مصباح القاضي حقوق الانسان في محاكمة عادلة دار النهضة العربية
  • د. نبيل شديد فضل رعد الدفوع الشكلية في اصول المحاكمات الجزائية ج.الاول .ط،الاولى .المؤسسة الحديثة للكتاب ، بيروت 2005
  • احمد حامد البدري محمد ، الضمانات الدستورية لمتهم في مرحلة المحاكمة الجنائية، منشأة المعارف، الاسكندرية
  • حسن جو خدار، شرح قانون اصول المحاكمة الجزائية الاردني، ط1 مطبعة الصفدي، عمان، الاردن، 1993
  • عزيز محمد نظرية بطلان الاجراءات الجنائية مذكرة نهاية الدراسة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الفيزيائية كلية الحقوق الرباط
  • محمد احداف نظرية بطلان اجراءات التحقيق الاعدادي بين المنطق الانتقائي ومطلب ملائمتها لمبادئ المحاكمة العادلة ،المجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية ع، 12014،
  • محمد احذاف شرح قانون المسطرة الجنائية الجديدة الجزء الاول
  • مقال حول الحق في التزام الصمت، منشور بموقع الاعلام الامني ، ص21،22 ، تاريخ التصفح : 02 دجنبر 2017
  • عبد العزيز البعلي اجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية على ضوء التعديلات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية_المجلة المغرببة لنادي القضاة الدار البيضاء _ع.الثالث 2014
  • محمد العرصي حق المتهم في الصمت في قانون المسطرة الجنائية مقال في مجلة الزيتونة ع.3_2007
  • عمر ازوكار بطلان اجراءات التحقيق في الضوء قانون المسطرة الجنائية ، رسالة المحاماة ، ع.25 2005
  • انوار عشيبة طالب باحث في القانون الخاص بكلية الحقوق _ فاس “الوضع تحت الحراسة النظرية في قانون المسطرة الجنائية المغربي وضرورة الاصلاح – دراسة مقارنة
  • الصديق بوكزول الحق في الصمت يطيح بمحاضر الشرطة مقال في جريدة الصباح 30 نوفمبر2015
  • شندالي زكرياء ” واقع ضمانات المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية وتصوراتها في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية
  • محمد عياط دراسة في المسطرة الجنائية المغربية ، الجزء الثاني ، ط الاولى شركة بابل للطباعة والتوزيع والنشر الرباط 1991
  • نعيم السبيك، ضمانات الاستنطاق المرتبطة بحقوق الدفاع امام قضاة التحقيق مجلة الملف ، العدد 7 اكتوبر 2007،
  • محمد محدة، ضمانات المتهم اثناء التحقيق ج3
  • أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1985،
  • أمينة سلطان، تقرير حول ممارسة التعذيب في التحقيق، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن ،سلسلة التقارير القانونية 14،رام الله 2000
  • مراد احمد فلاح العبادي اعتراف المتهم و اثره في الاثبات دراسة المقارنة دار ثقافة للنشر و التوزيع ، عمان طبعة 2005
  • محمود محمود مصطفي شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ط 3
  • عدلي خليل: استجواب المتهم فقها وقضاء ، المكتبة القانونية ، القاهرة، ط أولى 1986
  • محمد رشاد الشايب الحماية الجنائية لحقوق المتهم وحرياته، دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2012
  • عمر الفاروق الحسني ،تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف بدون نشر ، 1994، ط الأولى
  • خديجة عاشور الحماية القانونية المقومات المادية والمعنوية لحقوق الشخصية الإنسانية، اطروحة الدكتوراة الدولة في القانون الخاص بكلية الحقوق الرباط 1995
  • عبد الفتاح محمود رياض: الأدلة الجنائية المادية كشفها وفحصها، دار النهضة العربية 2000،
  • ساهر ابراهيم الوليد”الأحكام العامة في قانون العقوبات الفلسطيني الجزء الاول بدون نشر ط الثانية 2011
  • رمزي رياض عوض مشروعية الدليل الجنائي في مرحلة المحاكمة وما قبلها ، دار النهضة العربية، القاهرة 1997
  • عبد الرزاق تومي مقال: حق المتهم في الصمت بين القانون والممارسة القضائية نشر بمجلة دراسات وابحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية
  • الجوهري كمال عبد العزيز تأسيس الاقتناع القضائي و المحاكمة الجنائية العادلة بدون ناشر و سنة النشر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

مقدمة : 1

المبحث الاول :  الطبيعة القانونية للحق في الصمت و مشروعيته. 5

المطلب الأول : حق المتهم في الصمت في القانون المقارن و القانون المغربي.. 5

الفقرة الاولى :  الحق في الصمت في التشريعات المقارنة. 5

الفقرة الثانية :  الحق في الصمت في التشريع المغربي.. 12

المطلب الثاني : اساس حق المتهم في الصمت.. 15

الفقرة الأولى: الأساس الدستوري لحق المتهم في الصمت.. 15

الفقرة الثانية: الأساس القانوني في حق المتهم في الصمت.. 16

المبحث الثاني: نطاق تطبيق الحق في الصمت.. 20

المطلب الاول: تطبيق الحق في الصمت خلال مراحل الدعوى الجنائية. 20

المطلب الثاني: انتهاك الحق الصمت.. 27

المطلب الثالث:مظاهر سقوط حق المتهم في الصمت.. 33

خاتمة. 37

 

[1] علي حسن الطواليه  كتاب حق المتهم في الامتناع عن الكلام  طبعة  الاولى صفحة 5

 

[2] علي حسن الطواليه  كتاب حق المتهم في الامتناع عن الكلام  طبعة  الاولى صفحة 7

 

[3] محمد سامي النبراوي استجواب المتهم دار النهضة العربية القاهرة صفحة 151

[4] سامي صادق الملا اعتراف المتهم دراسة المقارنة دار النهضة العربية القاهرة صفحة188

[5] مبدر الويس ضمانات الحرية الشخصية في النظم السياسية صفحة 450

[6] مبدر الويس ضمانات الحرية الشخصية في النظم السياسية صفحة461

[7] محمد سامي النبراوي مرجع سابق ص156

[8] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص200

 

[9] محمد سامي النبراوي مرجع سابق ص 157

[10] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص198

 

[11] محمد سامي النبراوي مرجع سابق ص166

[12] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص197

[13] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص198

[14] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص199

 

[15] محمود نجيب حسني شرح قانون الاجراءات الجنائية ص586

[16]محمد سامي النبراوي مرجع سابق ص156

 

[17] علي حسن الطواليه  كتاب حق المتهم في الامتناع عن الكلام  طبعة  الاولى صفحة 18

[18] أحمد الدنا او النقيب عبد الوهاب مطيش “قراءة أولية في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية الجديد” مقال نشر في الموقع أجيال بريس بتاريخ 2012/02/21

[19] عبد اللطيف بوحموش ،دليل الشرطة القضائية في تحرير المحاضر و توثيق المساطر ، مطبعة الامنية ، الرباط الطبعة الاولى 2010 ص 175

[20] دالوداد العيدوني “التنظيم القضائي المغربي دراسة وفق أخر المستجدات التشريعية” الطبعة الأولى 2016 ص 40 إلى 54

[21] د. عبد الجليل مفتاح “مبادئ المحاكمة العادلة في دساتير المغرب العربي، ص 393 نشر في دفاتر السياسة والقانون العدد الثالث عشر يناير 2015

[22]. د عبد العزيز العويسي الحق في الصمت امام الضابطة القضائية بين النظرية و الواقع مقال تم نشره في مجلة القانون و الاعمال

 

[23] احمد فتحي سرور ، الشرعية الدستورية و حقوق الانسان في الاجراءات الجنائية ، دار النهضة العريية ص 11

[24] أحمد لطفى السيد الشرعية الاجرائية و حقوق الانسان مطبوعات جامعة المنصور 2004 ص 11

[25] عبد المجيد خشيع البراءة و التعويض عن الاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي مقال جريدة الصباح الالكترونية

[26] د. محمد مصباح القاضي حقوق الانسان في محاكمة عادلة دار النهضة العربية ص 9

[27] هلالي عبد الله (أحمد) المركز القانوني للمتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي، دراسة مقارنة في الفقه الجنائي الإسلامي، ط الأولى ، دار النهضة العربية، القاهرة 1989 ، ص 138

[28] انظر صالح محمد العادلي محمود: حق الدفاع أمام القضاء الجنائي ، دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الإسلامي رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة القاهرة

[29] رجب عبد الغني (حمدي) نظام الاتهام وحقوق الفرد والمجتمع في الخصومة الجنائية رسالة دكتوراه نوقشت بكلية الشريعة والقانون 1986 ص من 30 الى 40

[30] د. نبيل شديد فضل رعد الدفوع الشكلية في اصول المحاكمات الجزائية ج.الاول .ط،الاولى .المؤسسة الحديثة للكتاب ، بيروت 2005 ص23

 

[31] مقال حول الحق في التزام الصمت، منشور بموقع الاعلام الامني ، ص21،22 ، تاريخ التصفح : 02 دجنبر 2017

[32] محمد احذاف شرح قانون المسطرة الجنائية الجديدة الجزء الاول

[33] محمد العرصي حق المتهم في الصمت في قانون المسطرة الجنائية مقال في مجلة الزيتونة ع.3_2007 ص 36

 

[34] عبد العزيز البعلي اجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية على ضوء التعديلات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية_المجلة المغرببة لنادي القضاة الدار البيضاء _ع.الثالث 2014 ص34

[35] انوار عشيبة طالب باحث في القانون الخاص بكلية الحقوق _ فاس “الوضع تحت الحراسة النظرية في قانون المسطرة الجنائية المغربي وضرورة الاصلاح – دراسة مقارنة

 

[36] عمر ازوكار بطلان اجراءات التحقيق في الضوء قانون المسطرة الجنائية ، رسالة المحاماة ، ع.25 2005 ص 40

[37] الصديق بوكزول الحق في الصمت يطيح بمحاضر الشرطة مقال في جريدة الصباح 30 نوفمبر

[38] شندالي زكرياء ” واقع ضمانات المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية وتصوراتها في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية

[39] محمد عياط دراسة في المسطرة الجنائية المغربية ، الجزء الثاني ، ط الاولى شركة بابل للطباعة والتوزيع والنشر الرباط 1991 ص 112

[40] نعيم السبيك، ضمانات الاستنطاق المرتبطة بحقوق الدفاع امام قضاة التحقيق مجلة الملف ، العدد 7 اكتوبر 2007، ص 63

[41] محمد محدة، ضمانات المتهم اثناء التحقيق ج3

[42] عزيز محمد نظرية بطلان الاجراءات الجنائية مذكرة نهاية الدراسة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الفيزيائية كلية الحقوق الرباط

[43] محمد احداف نظرية بطلان اجراءات التحقيق الاعدادي بين المنطق الانتقائي ومطلب ملائمتها لمبادئ المحاكمة العادلة ،المجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية ع، 12014، ص45

[44] حسن جو خدار، شرح قانون اصول المحاكمة الجزائية الاردني، ط1 مطبعة الصفدي، عمان، الاردن، 1993 ص119

[45] العلانية وتعني الاعلان والمجاهرة والعلانية خلاف السر وهو ظهور الامر

[46] احمد حامد البدري محمد ، الضمانات الدستورية لمتهم في مرحلة المحاكمة الجنائية، منشأة المعارف، الاسكندرية ص79

 

[47] سامي صادق الملا،م.س،ص2

[48] أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1985، ص 319

[49] أمينة سلطان، تقرير حول ممارسة التعذيب في التحقيق، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن ،سلسلة التقارير القانونية 14،رام الله 2000ص347

[50] مراد احمد فلاح العبادي اعتراف المتهم و اثره في الاثبات دراسة المقارنة دار ثقافة للنشر و التوزيع ، عمان طبعة 2005ص 83

[51] علي حسن الطواليه  كتاب حق المتهم في الامتناع عن الكلام  طبعة  الاولى صفحة 22

[52] مراد احمد فلاح العبادي اعتراف المتهم و اثره في الاثبات دراسة المقارنة دار ثقافة للنشر و التوزيع ، عمان طبعة 2005ص 84

[53] محمود مصطفي شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ط 3، ص 305 مراد أحمد فلاح العبادي م. س، ص410

[54] مراد احمد فلاح العبادي اعتراف المتهم و اثره في الاثبات دراسة المقارنة دار ثقافة للنشر و التوزيع ، عمان طبعة 2005ص 450

[55] محمد العرصي حق المتهم في الصمت في قانون المسطرة الجنائية مقال في مجلة الزيتونة ع.3_2007 ص46

[56] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص94

[57] سامي صادق الملا  مرجع سابق ص98

[58] عدلي خليل: استجواب المتهم فقها وقضاء ، المكتبة القانونية ، القاهرة، ط أولى 1986

[59] خديجة عاشور الحماية القانونية المقومات المادية والمعنوية لحقوق الشخصية الإنسانية، اطروحة الدكتوراة الدولة في القانون الخاص بكلية الحقوق الرباط 1995_ 1،ص 256

[60] محمد رشاد الشايب الحماية الجنائية لحقوق المتهم وحرياته، دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2012 ص 627

[61] عمر الفاروق الحسني ،تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف بدون نشر ، 1994، ط الأولى ص 148

[62] ساهر ابراهيم الوليد”الأحكام العامة في قانون العقوبات الفلسطيني الجزء الاول بدون نشر ط الثانية 2011

[63] رمزي رياض عوض مشروعية الدليل الجنائي في مرحلة المحاكمة وما قبلها ، دار النهضة العربية، القاهرة 1997 ص 213

[64] عبد الفتاح محمود رياض: الأدلة الجنائية المادية كشفها وفحصها، دار النهضة العربية 2000، ص49

 

[65] أنظر إحسين محمود ابراهيم ، الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات، بدون ص152

[66] اعبد الرزاق تومي مقال: حق المتهم في الصمت بين القانون والممارسة القضائية نشر بمجلة دراسات وابحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية

[67] الجوهري كمال عبد العزيز تأسيس الاقتناع القضائي و المحاكمة الجنائية العادلة بدون ناشر و سنة النشر

[68] اعبد الرزاق تومي مقال: حق المتهم في الصمت بين القانون والممارسة القضائية نشر بمجلة دراسات وابحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى