في الواجهةمقالات قانونية

جدلية القانون والمجتمع في زمن كرونا كوفيد 19

 

بقلم

عبدالكبير بونعمان باحث في سلك الدكتراه القانون الخاص بالمحمدية.

 

جدلية القانون والمجتمع في زمن كرونا كوفيد 19

 

بداية قبل أن نبادر في تحليل الموضوع وجب بالضرورة استحضار البنية المفاهيمية له،لننطلق بمستهلها وهو القانون وكما هو معروف للقانون تعريفات عديدة لكن هناك إجماع على أنه يمثل مجموعة من القواعد القانونية التي يراد بها تنظيم العلاقات الإجتماعية بين الأفراد فيما بينهم ويمتد الأمر إلى تنظيم علاقتهم بالدولة بكل ما يتفرع عنها من أجهزة ومؤسسات،مما يستفاد معه أن للقانون سلطة بحيث يسري على الحاكم والمحكوم كما له قوة ضاربة للمخالفين لأحكامه وبنوده.

ومن هذا التعريف بإمكاننا أن نستقي أهمية القانون ودوره في المجتمع،هذا الأخير الذي يفيد تجمع مجموعة من الأفراد ارتضوا العيش معا في أرض معينة حتى باتت تربطهم روابط عرقية ،ثقافية، دينية ،سياسية ،اقتصادية وغيرها من الروابط الإجتماعية.

أما عن المفهوم الثالث وهو فيروس كرونا “كوفيد 19″ فالكل أصبح اليوم على علم بهذا المفهوم من خلال ما خلفه من ضحايا عبر العالم بحيث كشف عن ضعف البشرية جمعاء،هذا ويعرف الفيروس الآن بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة سارس ،وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها صنفت مرض فيروس كرونا كوفيد 19 كجائحة.

من الأهم أنه بعد رصد البنية المفاهمية للموضوع ما فتئ إلا الإعلان عن طريقة معالجته وكما هو مبين فالعنوان جاء جامع وشاسع ومانع بحيث يحوي العديد من المجالات والقطاعات التي تهم مختلف الشرائح الاجتماعية،مما يفيد معه صعوبة دراسته من مختلف أبعاده وامتداداته لاعتبارات عدة،أمام هذا المعطى حاولت أن أكون أكثر دقة بالاقتصار على بعض تجلياته التي أخدت صيتا و أخدا ورد من قبل المهتمين بالحقل الحقوقي وبالتالي فمقاربتي للموضوع ستكون على النحو التالي.

أي بالتركيز  على الفلسفة التشريعية في زمن كرونا” كوفيد 19 “وتأثيرات بعض القواعد القانونية على فئات معينة من المجتمع،وخصوصية هذه القواعد القانونية؟ ومدى تأثير المفهومين على بعضهم لبعض أي مفهوم القانون والمجتمع في زمن الجائحة؟ بمعنى هل المجتمع يساهم في صناعة وبلورة القواعد القانونية أم أنه يردخ لتطبيقها فقط ؟ على اعتبار أن من بين مميزات القاعدة القانونية صفة الإلزام وبالتالي عدم احترامها يرتب جزاءات.

 

 

سنحاول الاجابة على مختلف هذه الأسئلة وغيرها من خلال الاعتماد على التصميم التالي : المحور الاول: الفلسفة التشريعية في زمن كرونا “كوفيد 19”.

المحور الثاني: جدلية التأثير والتأثر بين القانون والمجتمع في زمن الجائحة.

 

المحور الأول: الفلسفة التشريعية في زمن كرونا” كوفيد 19″.

 

عادة الأصل في التشريع أنه من اختصاص جهات محددة مع اتباع خطوات معينة مسترسلة إذ تعتبر معه السلطة التشريعية من أهم الاختصاصات الموكولة إليها بموجب الفصل 70 من الدستور،مع بعض الاستثناءات المقر بها دستوريا،فالملك له أن يساهم في البنية التشريعية من خلال إصدار ضهائر، وعلى أوسع نطاق فالمجتمع أو المواطن بمنطق آخر له أن يساهم كذلك في التشريعات القانونية وذلك ما يستفاد من مدلول الفصل 14 من الوثيقة الدستورية والذي جاء فيه على أن ” للمواطنات والمواطنين،ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي،الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.”

ناهيك على أن الحكومة أيضا لها أن تساهم في مجال التشريع وهذا أمر له ما يبرره طالما أن بلادنا تعتمد الفصل المرن بين السلط،وتستقي الحكومة شرعية التدخل من خلال الفصل 81 من الدستور والذي جاء فيه أنه ” يمكن للحكومة أن تصدر،خلال الفترة الفاصلة بين الدورات،وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين،مراسيم قوانين،يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان،خلال دورته العادية والموالية.يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب،وتناقشه بالتتابع باللجان المعنية في كلا المجلسين،بغية التوصل داخل أجل ستة أيام،إلى قرار مشترك بينهما في شأنه.وإذا لم يحصل هذا الاتفاق فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.”

في هذا السياق تم ميلاد مولود جديد للساحة التشريعية وهو مرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ، لكن نحن كمهتمين بالشأن القانوني والحقوقي نكز على المعطى من صبغته وحمولته القانونية، ومدى احترامه للمكاسب التشريعية التي حصدتها بلادنا طيلة هذه الفترة.

جاء المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ مثيرا لنقاشات كبرى أهمها أن هناك تيار يقر له شرعية نسبية معتبرين أن الفصل 21 من الدستور في فقرته الأولى غير كافي لإضفاء الشرعية الدستورية الكاملة لهذا المرسوم، فالفصل المذكور تحدث على الحق في السلامة الشخصية وللأقارب،وحماية الممتلكات،وسلامة السكان والتراب الوطني ولكن دائما في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.

استنادا على الفقرة الثانية من الفصل المومأ له أعلاه فإن البعض يملي على أن هذا المرسوم المشار لمراجه سابقا جاء على حساب مكاسب دستورية بحيث عطل وجمد العديد من المبادئ والحقوق من أبرزها حرية التنقل المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 24 من الوثيقة الدستورية، كما أن هناك نقاش باختلال التوازن المعمول به بشأن تراتبية القوانين، بمعنى آخر كيف لمرسوم قانون أن يتطاول على أعظم وأسمى وثيقة في البلاد.

وبالتالي فوعيا بالوضعية الوبائية التي توجد عليها بلادنا والظرفية الاستثنائية الحرجة،التي فرضت صدور مثل هذا المرسوم.والذي يقضي باتخاد مختلف التدابير اللازمة التي فرضها خصوصية هذه الوضعية،من خلال بلاغات، قرارات، مناشير وذلك بهدف أسمى وهو الحيلولة دون تفاقم الوضعية الوبائية بالبلاد.وعليه فإن للمرسوم له ما يبرره مما يستفاد معه أنه من غير المعقول التدرع بممارسة حق من الحقوق التي يستفاد منها في الظرفية العادية مادمنا في الأصل في ظرفية استثنائية، خصوصا وأن هذه الأخيرة تجعل من المرسوم رقم 2.20.292 أيا كانت رتبته في السلم القانوني يتصف بطابع الإلزام.

الأمر الذي يمكن الحكومة الحق من اتخاذ مختلف التدابير التي تراها مناسبة من خلال السلطات الواسعة التي منحت لها بمقتضى هذا المرسوم لكن في الحدود المعقولة دائما والتي تفرضها السلامة الصحية وحماية للحق في الحياة بشكل عام المحمي دستوريا من خلال الفصل 20 منه والمادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،وذلك عطفا بما جاءت به الدباجة الدستورية التي تعلن وبشكل غير مسبوق سمو الاتفاقيات الدولية عن القوانين الوطنية.

نحن نعي الوضعية التي وجدت عليها هذه المراسيم لكن وبكل صراحة هذه الجائحة أوضحت وكشفت بالملموس أن المقاربات التشريعية في بلادنا للأسف تفتقد لرؤية استشرافية مستقبلية خصوصا في موجهة مثل هذه الأزمات.

لأن ما يتوجب أن يكون أن الجهاز التشريعي حالما يندر ويشرع ينبغي أن يبني تصوره على جملة من الإعتبارات وهي اعتبارات قبلية،اعتبارات آنية واعتبارات أخرى استشرافية مستقبلية، وما يلاحظ أن السياسي لا يشتغل بهذا المنطق وهذا أمر طبيعي لأنه ليس من اختصاصاته الأصيلة،بحيث يركز على الخروج من الأزمة بأقل مجهود وأقل تكلفة حتى ولو كان ذلك على حساب أشياء ومكاسب أخرى.

فالسطة التنفيذية اليوم أصبحت لها سلطة مطلقة بمقتضى المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ بحيث أصبح السياسي يتدخل فيما هو تشريعي لكن الخطير أن يؤثر فيما هو قضائي تحت لواء الحفاظ على السلامة الصحية التي باتت اليوم مطلب عالمي ووطني ومحلي كذلك.

هذا بخصوص ما جاء في هذه النقطة المتعلقة بالفلسفة التشريعية في زمن الجائحة و التي غيرت المستأثر بالإختصاص،كما أن لها تأثير بشكل مباشر على المجتمع،هذا ما سنعمل على توضيحه في النقطة الموالية والتي خصصنا لها عنوان جدلية التأثير والتأثر في زمن الجائحة.

 

المحور الثاتي: جدلية التأثير والتأثر بين القانون والمجتمع في زمن الجائحة.

 

لا أحد ينكر أن هناك علاقة تأثير وتأثر أخد ورد بين القانون والمجتمع فهذا الأخير هو من منح شهادة الميلاد للقانون،ووجود القانون هو الضامن لقيام واستمرار المجتمع.لكن اليوم في الظرفية الراهنة تم استحداث مجموعة من القوانين أو المراسيم إن صح التعبير لنرى معا مدى احترام المجتمع لهذه المراسيم؟ ومدى استجابتها هي الأخرى لحاجيات مختلف المواطنين دون استثناء؟ وهل القانون هذا يخاطب المجتمع ككل أم يقتصر على فئات معينة ،كما نعلم أن من خصائص القواعد القانونية أنها عامة ومجردة لكن يمكن أن يوجه لفئات محددة من المجتمع دون أخرى كما قد يوجه لشخص بعينه حسب الحالات،لكن أن يقتصر على جهات دون أخرى،فهذه نعتبرها خطوة مهمة ونشيد بها كمرحلة واضحة لرفع أو التخفيف من وطأة الحجر الصحي في العديد من المناطق التي لا تعرف نشاط مفرطا لفيروس كرونا المستجد.

الأمر الذي يزكيه البلاغ المشترك لوزارة الداخلية و وزارة الصحة وذلك حفاظا على المكتسبات التي حققتها بلادنا في السيطرة على الوباء،حماية للأمن الصحي للمواطنين والمواطنات،وبالتالي صادقت الحكومة على المرسوم رقم 2.20.406 الذي يقضي بتمديد حالة الطوارئ والتي يدخل ضمنها الحجر الصحي كتدبير إلى جانب مجموعة من  التدابير الأخرى والتي سنت الحكومة بشأنه مقتضيات تهم التخفيف منه بالنسبة للمنطقة رقم 1 والتي تضم 59 إقليم ،في المقابل الإبقاء على الوضع كما هو عليه بالنسبة للمنطقة رقم 2 والتي تضم 16 إقليم في انتظار البشرى المنتظرة كذلك لهذه المنطقة في التخفيف من حدة الحجر الصحي ولما لا رفع حالة الطوارئ،على اعتبار إن هذا المرسوم كما أشرت صنف جهات المملكة إلى منطقتين.

نحن نتمن هذا الإجراء ولو أنه جاء على حساب مبدأ المساواة في التمتع بالحقوق والحريات  المنصوص عليه دستوريا بموجب الفصل 19،غير أنه لا يجب تتخذ جملة من الإجراءات والتدابير هكذا بغتة وبشكل مفاجئ ،يكفي أننا فجئنا بالوضعية الوبائية والنصوص التشريعي الأولى لحلة الطوارئ.أما ونحن في ظل مواجهة الأزمة وعلى مشارف الخروج منها،يتوجب أن تتضح الصورة أكثر لدى عموم المواطنين بدون استثناء بالمرحل الآنية والقادمة.

وذلك ببساطة لكون المجتمع هو الحلقة الأكبر والمهمة في مواجهة الوباء، نحن نعلي ونتمن التوجيهات والخطوات الملكية في هذا الباب والتي أبانت عن بصيرة وتبصر مما لا يسعنا معه إلا أن نشيد بالمؤسسة الملكية التي كانت في الموعد إضافة إلى منطلق ومستهل التوجيهات الحكومية،وما دون ذلك تحومه الضبابية والإبهام.

فلو لا احترام المجتمع لحالة الطوارئ الصحية وانخراطه في محاربة الوباء وهذا أمر طبيعي ودلالة واضحة على وطنية عالية،لما حققت البلاد ما حققته من مكاسب ايجابية حتى الآن،وهنا جاء الدور على الإعلام في تعبئة المواطن ومجموعة من المتدخلات الأخرى من سلطات عمومية ،أطباء، مدرسين، وغيرهم .

 

في الأخير كمخرجات لهذا المقال نتمنى أن نكون قد استفدنا من هذا الدرس على الرغم من قساوته “جائحة كرونا كوفيد 19″ التي أوضحت بصراحة عجزنا في العديد من القطاعات الصحة ،التعليم، الإعلام ،أما في المجال التشريعي كشفت أن المقاربات التشريعية في بلادنا تفتقر لرؤيا استشرافية مستقبلية وهذا راجع لجملة من الاعتبارات لعل من بينها ” أطرنا “الذين نتمنى جميعا أن يكونوا على حزم وعزم وأكثر واقعية في المراحل القادمة لأن التكلفة باهظة سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي اللذان يؤطرهما نظام قانوني في نهاية المطاف.

 

المراجع المعتمدة.

الدستور المغربي لسنة 2011.

مرسوم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ.

مرسوم 2.20.406 المتعلق بتمديد حالة الطوارئ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى