في الواجهةمقالات قانونية

حالة الطوارئ الصحية وتأثيرها على ممارسة الحقوق والحريات

 

موضوع حول ” حالة الطوارئ الصحية وتأثيرها على ممارسة الحقوق والحريات .”

من إعداد : الحسين دكاير.

طالب بسلك الماستر تخصص قانون الاعمال واليات تسوية المنازعات.

 

حالة الطوارئ الصحية وتأثيرها على ممارسة الحقوق والحريات.

توطئة :
يشكل موضوع الحقوق والحريات العامة، من بين المواضيع التي حظيت ببالغ الأهمية في الشريعة الإسلامية ومختلف الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، وكذا الدساتير الداخلية للدول، كما نال تثمينا ودعما قويين من قبل فئة عريضة من الباحثين والنشطاء الحقوقيين في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.
وترتبط حقوق الإنسان والحريات العامة بشكل متصل بكرامة الإنسان، وبعضها يتسم بطابعها الفطري، يتمتع بها الفرد منذ ولادته، كنتيجة طبيعية لطبيعته البشرية التي كرمه بها الخالق سبحانه وتعالى. وبالنظر لذلك أكدت مختلف التشريعات السماوية والوضعية على قداسة الحريات والحقوق العامة، كونها أساسية للإنسان ولا يحق لأي كان القيام بأعمال قد تؤدي إلى انتهاك حقوق الآخرين، كما لا يجوز تقييدها إلا للاعتبارات التي يحددها القانون.
واعتبارا لما سبق، فحق التمتع بالحقوق والحريات العامة مكفول للجميع، غير أن ممارسته ليس بشكل مطلق، بل ترد عليه قيود مختلفة، كإعلان حالة الطوارئ كمثال نظرا لما تقتضيه بعض الظروف الاستثنائية حفاظا على النظام العام والمصلحة العامة، مما يكرس بذلك خاصية النسبية التي تتميز بها الحقوق والحريات العامة.
وبعد هذا المدخل المقتضب، ارتأيت معالجة الموضوع عبر نقطتين أساسيتين، سأخصص الأولى للحديث عن الإطار القانوني لممارسة الحقوق والحريات العامة، والثانية للحديث عن حالة الطوارئ الصحية كقيد على ممارسة الحقوق والحريات العامة.

النقطة الأولى : الإطار القانوني لممارسة الحقوق والحريات العامة.
أخذت المواثيق والاتفاقيات الدولية على عاتقها مهمة إقرار حقوق الإنسان والحريات العامة، وهو الأمر الذي تحقق بفضل صدور مجموعة من الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية، بالإضافة لتكريس المشرع المغربي لما أقرته المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولمقاربة ذلك، سنعرج بداية على إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (أولا)، وبعد ذلك نتطرق للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ثانيا)، وأخيرا نلمس تكريس المشرع المغربي لحقوق الإنسان والحريات العامة في دستور 2011 (ثالثا).

أولا : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تحملت الجمعية العامة للأمم المتحدة عناء وتعب إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما تحقق في 10 ديسمبر 1948، ومن خلال تفحصنا له، يتضح لنا أنه على مستوى الشكل يتكون من ديباجة وثلاثون مادة.
وعلى مستوى الموضوع، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أقر مجموعة من الحقوق والحريات، كالحق في الحياة والأمن والتجول، والتي تجد أساسها في مواد الإعلان.

ثانيا : العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
صدر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، وبخلاف الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقواعد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لها طبيعة ملزمة إذا صادقت عليه الدول.
بالتالي فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تبنى القواعد الواردة في الاعلان العالمي وجعلها قواعد ملزمة، وجاء على مستوى الشكل متضمنا 53 مادة موزعة على ست أجزاء، مضمونها مجموعة من الحقوق والحريات العامة

ثالثا : الدستور الجديد لسنة 2011.
من المعلوم أن المغرب طرفا في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ومن أجل ملائمة التشريعات الداخلية للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبالعودة للدستور المغربي لسنة 2011 نجده ينص في المادة 19 على ما يلي : ” يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.” كما خصص الباب الثاني من الدستور للحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها الأفراد على قدم المساواة، كالحق في الحياة والتقاضي والصحة والتنقل …
من خلال ما سبق يتضح جليا تكريس المشرع المغربي لحقوق الانسان والحريات العامة، معتبرا ذلك حقا دستوريا مكفولا للأفراد.

النقطة الثانية : حالة الطوارئ الصحية كقيد على ممارسة الحقوق والحريات.
مع تطور الدول، صارت الحقوق والحريات خاضعة للتنظيم والتقييد، وهذا حسب المصلحة العامة التي تدركها المجتمعات، لذلك أوجدت قيود مختلفة تقيد بها ممارسة الحقوق والحريات، وغالبا ما يكون ورائها عنصر من عناصر النظام العام، بإعتباره يشكل ظاهرة قانونية تهدف الى المحافظة على القيم والمبادئ الاساسية التي يقوم عليها المجتمع. فمتى كان هناك ما يهدد عنصر من عناصر النظام العام، الإ وتدخلت سلطة الدولة لتفرض قيود على الحريات الفردية للإنسان من أجل ضمان وعدم المساس بالنظام العام.
إذ يمكن للحكومة بموجب السلطة الممنوحة لها بموجب الدستور أن تعلن عن حالة       الطوارئ، قصد درء الخطر والمحافظة عن النظام العام الصحي، رغم ما ينتج عن ذلك من تقييد للحريات الفردية، خصوصا حرية التنقل، والتي تقوم عليها سائر الحقوق والحريات الأخرى.

 

فكلما كان عنصر من عناصر النظام العام الصحي مهددا، كحالة انتشار وتفشي مرض معين، الا وتسارعت الدولة لتعلن حالة الطوارئ لوقف انتشار الأمراض على المستوى الوطني، وهو الوضع الذي يعرفه العالم اليوم بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.
وفي إطار اتخاذ الدولة المغربية لمجموعة من الإجراءات الوقائية الاستباقية لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، أعلن عن حالة الطوارئ الصحية، وذلك بسائر التراب الوطني ابتداء من يوم 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء.
إذ من خلال ذلك، يتم تقييد حرية الافراد لمدة محددة، كما تقوم الدولة بحرمان المواطنين في هذا الوضع الاستثنائي من بعض حقوقهم الأساسية، كحق التقاضي، وحق التنقل والتجول، حيث يتم حظر التجوال وهو تدبير يلزم الناس على البقاء في منازلهم وأماكن إقامتهم خلال مدة معينة، وذلك لتفادي انتشار الوباء كتدبير احترازي من طرف الدولة.

وفي الختام، نخلص إلى أن حالة الطوارئ الصحية تشكل قيدا على ممارسة بعض الحقوق والحريات العامة، إلا أنها تعتبر وسيلة ناجعة لتفادي انتشار الأوبئة، الأمر الذي يفرض على الجميع الامتثال لتوجيهات السلطات المختصة، والانخراط بشكل تضامني كل على قدر استطاعته في سبيل تدبير وإيجاد الحلول المناسبة للوضعية الحالية، والخروج بأقل الأضرار الممكنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى