حميد ملاح
باحث في العلوم القانونية
الأمن والجريمة
مقدمة :
ما من شك في أن الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة ظهرت في كافة المجتمعات، المتقدمة منها أو المتأخرة، فهي آفة اجتماعية خطيرة، ومفسدة عظيمة تؤدي إلـى فساد المجتمـع ، وتراجعـه وانحلاله من جميع المبادئ و القيم الإنسانية والأخلاقية، مما يجعل المجتمع عـاجزا عـن تحقيق أهدافه وغاياته في الأمن والاستقرار. وكانت أول جريمة في التاريخ هي قتل قابيل أخيه هابيل.
وقد أمرنا الله تعالى بالصلاة والصوم والزكاة والحج تهذيبا للنفس، ونهانا عن القتل وشرب الخمر، والزنا تنقية للروح البشرية وحماية الناس من السقوط في براثين الجريمة، وشدد العقوبة على مرتكب الجريمـة، فقال تعالى: ” إن المجرمين في عذابِ جهنم خالدون.” (1)
والملاحظ أن الجريمة تطورت مع التطور الذي شهده العالم بفضل التكنولوجيا والعولمة، وبوجود إمكانيات مادية وعلمية وتكنولوجيا لدى مجموعة من الأشخاص المنحرفين أو العصابات الإجرامية.
عرف الفقه الجريمة بأنها : ” كل فعل أو امتناع جرم المشرع اتيانه في نص من النصوص الجنائية ، وقرر له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي ويكون هدا الفعل أو الامتناع صادرا عن شخص أهل للمساءلة الجنائية”.
والمشرع المغربي يعرفها لنا انطلاقا من الفصل 110 من القانون الجنائي : ” عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي معاقب عليه بمقتضاه”.
والأمن كما يعلم الجميعهو الجهاز الأول الذي يبقى على عاتقه مكافحة الجريمة وحماية الانسان من كل ما من شأنه المساس بجسده وروحه وممتلكاته، فهو نعمة عظيمة لا توازيها نعمة من نعم االله عز وجل التي منَّ بها على عباده المـؤمنين، ولا يمكن أن تتحقق الحياة البشرية المستقرة إلا بها فكل ضروريات الحياة وكمالياتها مرهونة بالأمن، وجميع النشاطات تتوقف على توفر الأمن للناس حتى يستطيعوا أن يؤدوا واجباتهم على أفضل وجه، فقد قال تعالى: “فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” (2) ، وقال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام : “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه،فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها”.
وبالتالي فالأمن جزء لا يتجزأ من المجتمع يؤدي وظيفة إجتماعية بالغة الأهمية، من خلال الحفاظ على النظام العام، ومحاربة الجريمة، وحماية المواطنين، وصون مكتسبات الوطن، وترسيخ مبدأ سيادة القانون. فهم رجال ونساء جعلهم الله حماية لنا في أرضه، يسهرون على خدمتنا، ويضحون بأرواحهم من أجلنا، رغم ضعف الإمكانيات وقلة الموارد البشرية. وهذا ما أكد عليه جلالة الملك نصره الله في خطابه الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لإعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين : “وإننا نقدر الظروف الصعبة، التي يعمل فيها نساء ورجال الأمن، بسبب قلة الإمكانات. فهم يعملون ليلا ونهارا، ويعيشون ضغوطا كبيرة، ويعرضون أنفسهم للخطر أثناء القيام بمهامهم”.
ويجب على رجل الشرطة محاربة الجريمة مع الإلتزام بتنفيذ القانون وفى نفس الوقت يحترم الحقوق والحريات العامة للمواطنين. وإعتبر جلالة الملك في نفس الخطاب : ” أن مصداقية العمليات الأمنية تقتضي الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين، ومع دعاة التطرف والإرهاب، وذلك في إطار الإلتزام بالقانون وإحترام الحقوق والحريات، تحت مراقبة القضاء.”
ما طبيعة التأثيرات التي تفزها الجريمة على الأمن الإنساني ؟ وماهي الإستراتيجيات الممكنة لمكافحة هذه الظاهرة؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية :
أين تتجلى أسباب تفشي الجريمة ؟
هل محاربة الجريمة تقتصر فقط على الأجهزة الأمنية؟
كيف تتعامل للأجهزة الأمنية مع الجريمة ؟
وما هي نوعية وطبيعة الإستراتيجيات الملائمة فيما يخص مكافحة الجريمة ؟
للإجابة على الإشكالية والأسئلة الفرعية المطروحة ارتأينا تقسيم الموضوع على الشكل التالي :
المطلب الأول : الجريمة : أسبابها ودور الأمن في مكافحتها
الفقرة الأولى : أسباب الجريمة
الفقرة الثانية : دور الأمن في مكافحة الجريمة
المطلب الثاني : الأمن مسؤولية جماعية
الفقرة الأولى : دور المواطن و الأسرة والمدرسة في محاربة الجريمة
الفقرة الثانية : دور المجتمع المدني والإعلام في محاربة الجريمة
المطلب الثالث : إستراتيجيات مكافحة الجريمة
الفقرة الأولى : الدور الوقائي والدور الزجري
الفقرة الثانية : الحكامة الأمنية و محاربة الجريمة
الخاتمة
المطلب الأول : الجريمة : أسبابها ودور الأمن في مكافحتها
يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من الأشرطة يظهر فيها بعض الشباب يقومون بأعمال غير قانونية تتنافى مع تقاليدنا وديننا الحنيف، تجلت هذه الأفعال في السرقة واعتراض سبيل المارة، الفساد والخيانة الزوجية ، حمل السلاح بدون مبرر قانوني، القتل … الخ، وحسب القائمين على الأمور الأمنية تظل أغلب الجرائم المرتكبة في المغرب “جرائم بسيطة”، التي ينتمي أغلب المتورطين فيها الى المناطق الهامشية و الأحياء الشعبية الفقيرة، وتتنوع أسباب هذه الجرائم التي تجعل المواطن يشعر بانعدام الأمن (الفقرة الأولى ) مما يجعل المصالح الأمنية تتصدى لها وتحاربها بكل امكانياتها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : أسباب الجريمة
من بين التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية، هي تلك الناتجة عن القفزة الديمغرافية التي شهدتها بلادنا خلال العقود السالفة وما نتج عنها من تطور وتوسع عمراني، الشيء الذي انعكس سلبا على النظام العام وبخاصة الأمن، وأدى في أخر المطاف الى ظهور بعض الجرائم. ومن الأسباب التي أدت الى التوسع العمراني هو تنامي ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن، الذين يتوجهون نحو السكن بالأحياء الشعبية التي تفتقر غالبيتها للعيش الكريم، مما يؤدي ذلك الى انتشار الجريمة بشتى أنواعها.
الى جانب ذلك نجد الفقر الذي أكد من خلاله الفلاسفة وعلماء الاجتماع أنه يلعب دورا رئيسيا في دفع الفرد لممارسة الجريمة، و في هذا الاطار يقول سقراط ” أن الفقر أبو الثورة و أبو الجريمة “. ولا ننسى واقع البطالة المرتفعة مع واقع الأمية المتفشية، ومساهمتهم في تفشي الجريمة.
الفقرة الثانية : دور الأمن في مكافحتها
من بين الأدوار التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، حماية الانسان من كل ما من شأنه المساس بجسده وروحه وممتلكاته.واستجابة لرسائل جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه بمناسبة عيد العرش، التي دعا من خلالها رجال الشرطة إلى ” تبني الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين “، أعطى السيد المدير العام للأمن الوطني تعليماته لكافة المصالح الأمنية بالمملكة، للتعامل بحزم و صرامة مع ظاهرة الاجرام التي انتشرت في الأيام القليلة الأخيرة، وأصبحت تقلق راحت المواطن في جميع الأماكن، كما أكد على الالتزام و التقيد بالاحترام التام للقوانين الجاري بها العمل.
هذا ما جعل المصالح الأمنية تسارع في العملية، من خلال حملات تطهيرية روتينية يومية وعلى مدار الساعة تشارك فيها عناصر الشرطة بمختلف تخصصاتها، بدأت هذه الحملات بوضع دوريات في الشارع العام خصوصا الأماكن التي يتواجد بها المواطن، كما تم وضع خطط من أجل مداهمة كل النقاط الساخنة التي يتواجد بها المجرمين.
وقد أسفرت هذه الحملات التطهيرية، بتوقيف عدد من المشتبه فيهم الذين تم ضبطهم في حالة تلبس بارتكابهم أفعال إجرامية مختلفة منها حيازتهم للمخدرات بشتى أنواعها إضافة لأسلحة بيضاء، ومنهم من كانوا موضوع مذكرات بحث وطنية من أجل جرائم متعددة.
بسبب انتشار هذه الظاهرة، تعالت أصوات فعاليات المجتمع المدني و بعض الأصوات الفايسبوكية على ضرورة استعمال رجال الأمن السلاح الناري في تدخلاتهم لوقف المجرمين الذين يروعون أمن و استقرار الوطن و المواطن في اطار القانون، هؤلاء المجرمين الذين يقومون بأعمال اجرامية، يجدون دائما أمامهم رجال يضحون بأرواحهم وبكل ما لديهم من أجل حماية المواطن.
وبالتالي، فقد أبانت عناصر الأمن الوطني على أنها في خدمة المواطن وتسخر كل طاقاتها ومجهوداتها من أجل توفير الأمن للمواطنين، فقد نجحت في بسط سيطرتها على الوضع الأمني، وحتى إن حدث جريمة هزت الرأي العام، يتم فك لغزها في ظرف قياسي، وبالتالي فهي تقوم بعمل جد كبير في مكافحة الجريمة وحماية المواطنين رغم قلة العناصرالأمنية في مختلف تخصصاتها، هذه المجهودات التي تقوم به العناصر الأمنية لقيت استحسانا لدى المواطن المغربي الذي أصبح يحس بالأمن والأمان.
والمديرية العامة للأمن الوطني ستواصل دائما عملها الرامي لمكافحة الجريمة، والوقاية من مختلف صورها ومسبباتها، وذلك تحقيقا لخدمة أمن المواطنين وضمان سلامة ممتلكاتهم وأرواحهم.
المطلب الثاني : الأمن مسؤولية جماعية
ان تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع لم يعد مهمة تقتصر على جهود الأجهزة الأمنية، وإنما هو مسؤولية جماعية تتضافر فيها كافة الجهود، ولهذا ينبغي على المواطنين والمجتمع المدني ( الفقرة الأولى ) وكدا الأسرة والمدرسة والاعلام ( الفقرة الثانية ) تحمل المسؤولية الأمنية والتعاون مع الأجهزة الأمنية فيما يحقق أمننا وسلامة مجتمعنا وبذل كل ما في وسعهم لحماية المواطنين وللحفاظ على مكتسباتنا الوطنية.
الفقرة الأولى : دور الأسرة والمدرسة والمواطن في محاربة الجريمة
ان التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ومحاربتها، يجب اشراك كل المتدخلين ولا يوجد أحد معفيا من المسؤولية، فالأب، والأم، والأخ، والأخت لهم دور أساسي في إبعاد أبنائهم وأشقائهم عن براثين الجريمة، والمدرسة التي يقضي فيها الشاب غالبية أوقاته، لها دور لايقل عن دور الأسرة في تحصين الشباب، ومنعهم من الانحراف و ارتكاب الجرائم.
والمواطن بدوره يستطيع أن يسهم في تحقيق أهداف الشرطة في جعل المجتمع امن ومستقر وخالي من أي نوع من أنواع الجريمة، من خلال احترام القانون و اتخاذ الاجراءات الكفيلة لمنع وقوع الجريمة، والتبليغ عن الجرائم، والتشاور والتشارك والتعاون بينه وبين الشرطة.
الفقرة الثانية : دور المجتمع المدني والإعلام في محاربة الجريمة
بما أن الأمن من أهم ضروريات الحياة، قامت العديد من الدول المتقدمة بالبحث عن أساليب وطرق حديثة من أجل تعزيز الأمن وخفض نسبة الجريمة، وكانت الشرطة المجتمعية من أفضل الأساليب الحديثة، فهي تمثل أسلوبا جديدا في العمل الشرطي تستند على فلسفة جديدة في التعامل مع احتياجات ومشكلات المجتمع بالمشاركة والتعاون الجاد مع الشرطة، لمواجهة الجريمة ومكافحتها والوقاية منها.
وقد تم إشراك المجتمع المدني في عملية محاربة الجريمة، نظرًا لما أصبحت تلعبه هذه الفئة من أدوار أساسية وحاسمة داخل المجتمع كقوة إقتراحية وكمكون فعال على مستوى تفعيل السياسات العمومية المتعلقة بالمجال الأمني، وكذلك لقربها من شريحة عريضة من المواطنين.
وتعد وسائل الإعلام حسب نظرية العالم النفساني ألبرت باندورا من أهم مصادر اكتساب السلوكات العنيفة لدي الطفل حيث يتأثر الأطفال بما تبثه وسائل الإعلام من مشاهد عنيفة حيث يقوم بإعادة إنتاج ذلك السلوك العدواني إما على ذاته أو أصدقائه عن طريق التقليد.
والملاحظ أن بعض القنوات أصبحت تبث مجموعة من الأفلام والمسلسلات التي تتسم بالعنف وارتكاب الجرائم، تظهر من خلالها أبطال يتعاطون المخدرات ويحتالون ويسرقون ويقتلون. والحال ليس بغريب عن الصحافة التي تنشر قصصا وروايات عن بعض الجرائم في الجرائد والمجلات وظروف حدوثها وتنشرها في قالب درامي مشوق، وهذا ما من شأنه أن يزيد من انتشار الجرائم داخل المجتمع.
ولكي تساهم وسائل الإعلام بصفة عامة والإعلام الأمني بصفة خاصة في العمل على الحد من الجريمة والوقاية منها، عليها أن تقوم بواجباتها في التنشئة الاجتماعية، ونشر الوعي الأمني بين الجماهير والعمل على التصدي لثقافة الجريمة في المجتمع، من خلال الرسالة الإعلامية التي تبثها الى الجمهور من برامج واعية ومتطورة. (3)
المطلب الثالث : إستراتيجيات مكافحة الجريمة
ان الجريمة أصبحت من الموضوعات التي تشغل بال كافة دول العالم، والمغرب كباقي الدول قامت بمجموعة من الاصلاحات همت جميع ميادين الحياة، ومنها الميدان الأمني من خلال تحديت بنيات المديرية العامة للأمن الوطني على الصعيد المركزي والجهوي والمحلي، وتطوير هياكلها بغية تخليق الممارسة الشرطية، والقرب من المواطن والتواصل معه واشراكه في القرار الأمني، والتصدي لظاهرة الجريمة بشتى أنواعها والمساهمة في الجهود المبذولة للقضاء على الجريمة، من خلال الاعتماد على الدور الوقائي والزجري (الفقرة الأولى ) والحكامة الأمنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الدور الوقائي و الزجري لمكافحة الجريمة
ان الحديث على الدور الوقائي، يجرنا للحديث عن الشرطة الادارية التي تسهر على إستتباب الأمن والحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة واعادته الى نصابه اذا أختل. ويهدف هذا النظام الى تحقيق ثلاث عناصر مهمة، ألا وهي الأمن العام، الصحة العامة، والسكينة العامة.
ان الشرطة الادارية تتخد مجموعة من التدابير للحيلولة دون وقوع الجريمة، بالتواجد الأمني على مدار الساعة بالشوارع الرئيسية والمدارات والأزقة وكل الأماكن التي تتواجد بها الساكنة .
في هذا الاطار، راهنت مصالح الأمن الوطني على تحقيق الفعالية والجاهزية في تدخلاتها الميدانية، من خلال خلق قاعات للقيادة والتنسيق المصحوبة بالمجموعات المتنقلة لشرطة النجدة، بهدف تدبير التدخلات الأمنية في الشارع العام والاستجابة الفورية لنداءات المواطنين.
وعليه ومن أجل القيام بالوقاية من الجرائم يجب تكثيف برامج التوعية بكل الوسائل وفتح مجالات الترفيه واتاحة الفرصة للشباب للتعبير عما يخصهم وزرع احترام المرأة في نفوس الناشئة من الأمور التي قد تعين على الوقاية من الجريمة.
ولا يعتبر ضمان الأمن و الاستقرار مسألة أمنية تؤول اختصاصاتها إلى الأجهزة الأمنية، بل تعود المسؤولية كذلك فيها للحكومة و سياساتها العمومية ( الرامية مثلا إلى محاربة البطالة و الفقر و الهشاشة و الاختلالات السوسيواقتصادية)، الفقر مثلا يعتبر أحد العوامل المساعدة على الوقوع في الجريمة، فاذا عالجنا مشكلة الفقر نكون قد اغلقنا باباً تأتي منه الجريمة وكذلك الحال بالنسبة لمحاربة العنوسة بتيسير أمر الزواج والذي يساعد بدوره على التقليل من المشاكل الأخلاقية والسلوكية.
في ذات السياق، احترام حقوق الإنسان الذي يعد من أهم وسائل الوقاية من الجريمة، فاذا شعر الشخص بالظلم اندفع بغير وعي للتعبير عن رفضه لذلك الظلم، مما يجعله يختار السلوك الاجرامي لتعبير عن حالة نفسية تجسد معاناته، ولا يجد وسيلة للتعبير عن تلك المعاناة سوى الانحراف والاتجاه نحو ارتكاب الجريمة.
فيما يخص الدور الزجري، هنا سنتحدث عن دور التي تقوم به الشرطة القضائية لمحاربة الجريمة بكل أبعادها، والتي يبدأ عملها عندما تفشل الشرطة الإدارية في مهمتها، أي عند وقوع الجريمة، تتدخل الشرطة القضائية من أجل حل لغز الجرائم المرتكبة و الوصول إلى ظروف و ملابسات إرتكابها، وهي بذلك ملزمة بالتحرك الفعال تحت ضغط عامل الزمن و الرأي العام. وحسب الفصل 18 من ق.م.ج نجد أن الشرطة القضائية تقوم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والحجج عليها، والبحث عن الفاعلين وتقديمهم إلى النيابة العامة.
الفقرة الثانية : الحكامة الأمنية ومحاربة الجريمة
لا يخفى على أحد أن استمرار المجتمع والدولة والمؤسسات، يتوقف على الأمن بدرجة أساسية وتنظيم العلاقة بين مكونات الدولة الواحدة واحترام الحدود يتطلب وجود الأمن، الذي أصبح في وقتنا الراهن من المسلمات السياسية للدولة الديمقراطية الحديثة و شرطا أساسيا في مسلسل تحقيق التنمية البشرية و المستدامة بكل أبعادها، ولا يمكن تحقيق الانتقال الديمقراطي خارج مبدأ الحكامة الأمنية، التي أضحت ترتكزعلى ضرورة احترام الحقوق و الحريات العامة وتكريس مبدأ فصل السلط والاستجابة لاحتياجات المواطنين وفق معايير الكفاءة و الفعالية و المساءلة.
في ذات السياق، لكي يتم تحقيق الأمن والحريات يجب تبني اسلوب الشفافية والحكامة الأمنية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذا ما جاء في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة حيث دعت إلى ترشيد الحكامة الأمنية عبر مجموعة من الإجراءات نذكر منها :
المراقبة والتحقيق في مجال الأمن، والمراقبة للسياسات والممارسات الأمنية، والتكوين المتواصل لرجال الأمن في مجال حقوق الإنسان، وأيضا دعم المؤسسة الأمنية بالموارد البشرية والمالية والتقتية اللازمة، وتقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية، مع اخضاع الأجهزة الأمنية للرقابة البرلمانية، وتوسيع اختصاصه في مجال المساءلة. (4)
خاتمة :
فالذي لا شك فيه أن الإشراف على الأمن ليس بالمهمة السهلة، فإلى جانب الكفاءة والخبرة، يتطلب في المسؤول الأمني حسن تدبير الموارد البشرية واللوجيستيكية، لهذا يجب وضع الرجل مناسب في مكان المناسب، وذلك بإحترام المعايير الموضوعية التي يحددها القانون، تضمن تكافؤ الفرص وتكون الكفاءة هي وحدها السبيل في تعيين المسؤولين الأمنيين، ويجب ضرب بيد من حديد مسألة المحسوبية والزبونية التي تؤدي إلى تسرب عدد من الفاسدين لمواقع المسؤولية، مما يجعلهم يعملون لمصالحهم الشخصية وليس للمصلحة العامة. وكما هو معلوم فان إصلاح المجال الأمني في الغالب ينظر إليه من مقاربة تقوم على توفير التجهيزات والعتاد والزيادة في الموارد البشرية واللوجستيكية من أجل قيام رجال الأمن بمهامهم على أحسن وجه لمحاربة الجريمة.
ومن أجل مسايرة تطور الجريمة، يجب التوفر على مجموعة من الشروط ومنها :
التوفر على موارد بشرية مؤهلة علميا وأخلاقيا وبدنيا ونزيهة وذات إلمام واسع بقضايا حقوق الانسان وبكل الجوانب القانونية والمهنية، التي يبقى هدفها الأساسي هو خدمة الوطن والمواطن، ويكون عملها خالصا وخاضعا لما يمليه عليهم القانون والضمير.
كما يجب على الجهاز القضائي عدم التسامح مع هؤلاء المجرمين ومساعدة رجال الأمن والعمل جنبا لجنب من أجل معاقبة كل من خولت له نفسه المس بسلامة المواطنين.
تحفيز الشرطي بترقيات ومبالغ مالية استثنائية كلما قام بعمل جاد وبطولي، وتحفيزه بشواهد تقديرية، واستقباله من قبل المسؤولين الأمنيين وتقديم له الشكر.
حث المواطنين بالإبلاغ الفوري عن كل ما يتعرضون له من تهديدات وجرائم ، كما يجب عليهم مساعدة رجال الأمن في هذه المهمة وتقديم لهم يد المساعدة من أجل ايقاف كل خارج على القانون.
على المؤسسة الأمنية الاعتماد على دراسات ميدانية وبحوث متخصصة تساعدها على أداء دورها في التصدي للجريمة، والاعتماد على خبراء متخصصين بعلم النفس والاجتماع والعلوم الجنائية ، لكي يتمكنوا من اجراء البحوث التي تساعدهم على تطوير أساليب عملهم، كما يتطلب الأمر تحديث الاجهزة الأمنية بما هو جديد بصفة مستمرة، لكون المجرم يتطور ويستخدم أحدث ما توصلت اليه التقنية الحديثة في أعماله الاجرامية.
وضع برنامج خاص بالتكوين المستمر في مجال حقوق الانسان لفائدة المسؤولين والمكلفين بحفظ النظام، بالاستناد على المعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الانسان، وتحسيسهم بقواعد الحكامة الجيدة على المستوى الأمني.
ولا ننسى أن المساءلة و الشفافية تشكلان ركائز جد هامة للنجاح و الفعالية والمردودية.
المراجع المعتمدة :
1 – سورة الزخرف : الاية 74
2 – سورة قريش : الآية 4،3
3 – بن عودة محمد : دور الاعلام في الوقاية من الجريمة والانحراف، أنظر الموقع الالكتروني التالي : https://sites.google.com/site/socioalger1/lm-alajtma/mwady-amte/alalam-alwqayte
4 – أحمد الدرداري : مفهوم الحكامة الأمنية: الدلالات والمقاربات والأبعاد. أنظر الموقع التالي : http://www.presstetouan.com/news10056.html
حميد ملاح
باحث في العلوم القانونية