الإدارة العمومية وسؤال الولوجية
*يونس مليح
كاتب وباحث بسلك الدكتوراه
تشكل الإدارة العمومية اليوم قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالحديث عن الإدارة كمفهوم يجرنا للحديث عن كونها علم وفن، أي أنها تواكب التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم من تطور تكنولوجي على شتى المستويات والأصعدة، وأيضا فن أي آليات وميكانيزمات تتيح لها لعب هذه الأدوار التنموية.
أما الإدارة المغربية، فهي حاولت ملائمة هذه التطورات والمستجدات العالمية من خلال تطوير ذاتها عبر مجموعة من الوسائل والآليات، وذلك من أجل إعطاء خدمة فعالة، جيدة ترقى لتطلعات المرتفق أي المواطن المغربي على وجه الخصوص. هذه التطورات عجلت كذلك ببروز إدارة مغربية ما بعد دستور 2011 تقطع مع كل أشكال التدبير العشوائي البيروقراطي المبني على الزبونية والمحسوبية والرشوة، نظرا لتنصيصه على مجموعة من المبادئ الحكماتية الجيدة من قبيل التدبير الجيد، والنجاعة في الأداء، وربط المسؤولية بالمحاسبة (الباب الثاني عشر من الدستور).
زيادة على تنصيص الدستور على هيئات ومؤسسات حكماتية تؤطر عمل الإدارات العمومية المغربية من قبيل مجلس المنافسة، مؤسسة الوسيط، والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها. هذه المبادئ والمؤسسات الحكماتية رأت النور من أجل تكريس أواصر الصلة والثقة بين الإدارة المغربية والمرتفقين. لكن،
رغم كل هذه المستجدات فالإدارة اليوم لازالت تعاني مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي تحد شيئا ما من فعاليتها في تقديم خدمة جيدة للمواطن المغربي. فما هو إذن واقع الإدارة المغربية الحالية؟ وما هي الإكراهات التي تعرفها؟ وكيف السبيل لتحسين عملية استقبال المواطن المغربي مستقبلا؟
أولا: واقع وإكراهات الإدارة المغربية
رغم تنصيص دستور 2011 على مجموعة من الآليات والمبادئ الحديثة في التدبير العمومي، والتي تصب في خانة تسهيل وتكريس مشاركة المواطن المغربي في عملية صنع السياسات العمومية سواء الترابية أو الوطنية في إطار الديمقراطية التشاركية، وأيضا إعطاءه الحق في الحصول على المعلومات الموجودة بحوزة الإدارات العمومية، ورغم إلحاحية الخطب الملكية على ضرورة التجسيد والتكريس لإدارة عمومية في خدمة المواطن المغربي، إلا أن واقع الحال لا يجسد هذا الطموح الملكي أو هذه النظرة الدستورية المستقبلية للإدارة العمومية، الأمر الذي لم تعمل على تطبيقه مجموعة من الوزارات الوصية على هذه القطاعات الإدارية التي لها واجهة مباشرة واحتكاك يومي مع المواطن المغربي.
فبلورة المملكة لمجموعة من الأوراش التي أطلقتها من أجل تسهيل الولوجية في وجه المواطنين، والذي يعد أبرزه كل من مخطط المغرب الرقمي والإدارة الإلكترونية الذي انخرط فيه المغرب بكل جدية، إلا أنه لم يستطع إيجاد حلول جذرية لمعضلة جودة الخدمة المقدمة للمواطنين.
لكن، في مقابل ذلك، نجد عددا قليلا من الإدارات العمومية تحاول الخروج من هذه البوثقة بحلول عملية من أجل استقبال المواطن المغربي في ظروف جيدة وأجواء من الثقة، وخير دليل على ذلك هو ما سارت على تكريسه وزارة الاقتصاد والمالية، التي عملت منذ سنوات على بسط نظام معلومياتي حديث يسهل الولوجية بالنسبة للملزم داف الضريبة (أي المواطن)، وذلك عبر سنها لخدمات إلكترونية من قبيل “Simple Services” التي تعمل بها الإدارة الضريبية المغربية من أجل تسهيل ملئ الإقرارات الضريبية، وأداء الضريبة عن طريق الأنترنت دون تكبد عناء التنقل إلى الإدارة، بالإضافة إلى خدمة “بدر” و”عادل” التي تعمل بها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
لهذا، فقد كانت وزارة الاقتصاد والمالية أول وزارة وإدارة عمومية تحاول تحقيق السبق فيما يخص تسهيل الولوجية بالنسبة للمرتفقين، ومازالت لحد الساعة تعمل على تحديث خدماتها، والرفع من قدراتها في هذا المجال الذي يهم بالدرجة الأولى خلق خدمة فعلية وفعالة في وجه المواطن المغربي. وخير مؤشر على ذلك هو تخصيص توصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية التي أقيمت بالصخيرات أيام 3 و4 ماي 2019 لحيز كبير منها للحديث عن تسهيل الخدمات المقدمة للمرتفقين.
ثانيا: إصلاح الإدارة المغربية في أفق تسهيل الولوجية