الحماية المدنية للمستهلك من الشروط التعسفية-عقد القرض العقاري نموذجا-
الحماية المدنية للمستهلك من الشروط التعسفية
-عقد القرض العقاري نموذجا-
من اعداد:
- مبارك الهرد: طالب باحث بسلك ماستر قانون العقار والتعمير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر-اكادير
- ليلى الجيد: طالبة باحثة في القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر-ايت ملول
مقدمة:
يعتبر القانون تلك القواعد التي تنظم تصرفات الانسان داخل المجتمع، تلك التصرفات التي تتطور بتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشخص، الامر الذي يجعل من الضروري أن تسعى القاعدة القانونية إلى مواكبته بشكل يمكن معها خلق نوع من الحماية القانونية لمصالح الاشخاص داخل المجتمع بشكل يخلق نوع من التوازن والاستقرار ولما لا خلف التنمية.
فالتصرفات القانونية كان مبدأ سلطان الارادة هو الذي يحكمها بحيث تكون للإنسان الحرية في التعاقد مع من شاء وتحديد بنود العقد بحرية بشكل يحقق المساواة بينه وبين الطرف الاخر في العقد، إلا أن تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية أفضى في نهاية المطاف إلى تفوق أحد أطراف العقد الذي يسمى بالمهني على حساب الطرف الأخر الذي هو المستهلك بشكل كاد معه أن تنعدم ارادة هذا الاخير، حيث إن الاخذ بمبدأ سلطان الارادة بمفهومه الكلاسيكي لم يعد في صالح المستهلك باعتباره طرف ضعيف في العلاقة التعاقدية لدرجة لا يرتقي معها إلى مستوى يكون معه قادر على المساومة والاتفاق مع المهني كطرف قوي اقتصاديا وتقنيا على الشروط العقدية، وإنما يكتفي هذا الاخير بتحديد شروط العقد بما يخدم مصالحه الاقتصادية بعض النظر عن مصالح المستهلك، الامر الذي نتج عنه تأزم العلاقات التعاقدية خصوصا إذا علمنا أن المستهلك بأمس الحاجة إلى التعاقد من آجل الحصول على حاجياته الضرورية، وبالتالي لا يكون أمامه سوى التعاقد بشكل يظهر وكأنه تحققت ارادته إذا نظرنا إلى الامر نظرة كلاسيكية تؤمن بمبدأ سلطان الارادة بمفهومه التقليدي، أما إذا نظرنا إليه بنظرة شمولية تحاول استكناه متون حقيقة إرادة المستهلك نستكشف أنه فقط قام بالإذعان للشروط العقدية المحددة سلفا من لدن المهني في إطار ما يصطلح عليه بالعقود النموذجية التي تغيب فيها المساومة.
ويدخل في هذه العقود النموذجية عقد القرض العقاري باعتباره عقد يتجلى محله في خدمة التمويل العقاري الذي تقدمه البنوك ومؤسسات الائتمان لكل من المنعشين العقاريين وكذا لأفراد العاديين، فموضوع بحثنا سوف يركز بالدرجة الأساسية على هذه الفئة الاخيرة نظرا لكونها هي التي تمثل المستهلك الذي هو انسان في جميع الاحوال، الأمر الذي يجعل المجتمعات والدول عامة تؤمن إيمانا جما بمبدأ حمايته حماية قانونية لأن الانسان يعتبر مستهلك بطبيعته.
ونظرا للقيمة المقدسة التي يتحلى بها العقار في أي بلد كان حيث يعتبر وعاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى فإن ذلك يعزز مدى أهمية حماية مستهلك القرض العقاري خصوصا إذا علمنا أن المستهلك يسعى في حصوله على هذا القرض إلى أن ينعم بحق يعتبر من بين أهم حقوق الانسان، ألا وهو الحق في السكن اللائق، ونظرا للإمكانيات المادية الضعيفة التي يتميز بها المستهلك كان لابد له للحصول على هذا الحق اللجوء الى القروض العقارية من خلال الاقتراض من مؤسسات الائتمان.
أما بالنسبة لكرونولوجيا التأطير التشريعي للقروض العقارية بالمغرب نلاحظ أن المشرع المغربي وإلى حدود 2011 لم ينظم القروض العقارية بتشريع خاص يراعي الطابع الخصوصي للوضعية التعاقدية الشاذة بين المستهلك والمقرض، حيث كان هذا النوع من القروض خاضع في فترة ما بعد الحماية للمرسوم 17 دجنبر 1968 الذي ألغى ظهير 5 نونبر 1962، ليكون معه أول تنظيم قانوني للقرض للعقاري بالمغرب يحدد العلاقة بين المقرض والمقترض بما تفتضيه مصالح مختلف الاطراف لكن أمام التطورات السريع الذي عم المجال السياسي والاقتصادي الاجتماعي الذي شهدته الساحة الوطنية والدولية تم تجاوز مقتضيات المرسوم الأنف الذكر وكان معه لزاما على المشرع التفكير حول إحداث ترسانة تشريعية تلائم هذه التطورات، وذلك هو الذي تحقق مع اصدار قانون رقم 31.08 الخاص بتدابير حماية المستهلك الذي خاص به باب خاص بالقرض العقاري وهو الباب الثاني من القسم السادس من المواد 112 إلى 141 في حين تناول في الأقسام الأخرى كل من نطاق التطبيق، وثانيا اعلام المستهلك وثالثا حماية المستهلك من الشروط التعسفية، ورابعا الممارسات التجارية، وخامسا الضمان القانوني والتعاقدي، وسادسا الاستدانة التي تناول فيها بابين يتعلق الأول بالقروض الاستهلاكية والثاني بالقروض العقارية وهذا ما يبين أن المشرع خصص حيزا لا يستهان به لعملية القرض العقارية مما يدل على سعيه الجدي الى تحقيق أمن قانوني في مجال القروض العقارية وهذا انما يدل على وعيه التام بمدى أهمية هذا النوع من القروض الاقتصادية والاجتماعية.
أولا: أهمية الموضوع:
إن موضوع الحماية القانونية للمستهلك المقترض في عقد القرض العقاري يكتسي أهمية بالغة، خصوصا أن عملية الائتمان العقاري عملية حساسة محفوفة بالمخاطر التي قد تضر بحقوق المستهلك المقترض.
فتتجلى أهمية الموضوع من الناحية القانونية في كون المشرع قد أولى اهتمام كبيرة بالقروض العقارية في قانون 31.08 بحيث أفرد لها العديد من النصوص القانونية التي تعبر دون شك على سعي المشرع المغربي إلى تحقيق الأمن القانوني في مجال الائتمان العقاري ورد التوازن العقدي بشكل يحمي المستهلك.
أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية فإن القروض العقارية لها ما لها من أهمية على مستوى إنعاش لاقتصاد كما أنها رافعة للتنمية حيث أن فئة عريضة من المجتمع المغربي لا يتوفرون على سكن لائق بتزامن مع ضعف الامكانيات المادية الأمر الذي يجعل القروض العقارية وسيلة مهمة للتمويل العقاري
ثانيا: دوافع اختيار الموضوع
إن من الدوافع التي جعلتنا نختار الموضوع هو ما له من الاهمية السالفة الذكر، بالإضافة إلى كون البحوث العلمية المرتبطة بالحماية القانونية للمستهلك القرض العقاري في ضوء قانون 31.08 قليلة نوعا ما، الأمر الذي جعلنا نود البحث حول الاليات القانونية في اطار القانون حماية المستهلك، حيث دراستنا لهذا الموضوع سوف تنطلق دائما من القواعد العامة الى القواعد الخاصة
سواء من ناحية القواعد القانونية الموضوعية كذلك الإجرائية محاولين استكشاف أسباب قصور النص العام وحدود الحماية القانونية في المجال المدني المقررة في ضوء النصوص الخاصة بحماية المستهلك.
ثالثا: إشكال الموضوع
يتجلى إشكال هذا الموضوع في مدى استطاعة المشرع المغربي من خلال قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك على توفير آليات تحقيق الامن القانوني المنشود وتستطيع التصدي للكم الهائل من الممارسات العقدية التي تضر بالمستهلك المقترض والتي تتفنن مؤسسات الائتمان في ابتداعها؟
وانطلاقا من هذا الاشكال تتفرع الاسئلة التالية:
-
ما هو القرض الإطار القانوني للقرض العقاري بالمغرب؟
-
الا أي حد استطاع المشرع المغربي توفير نصوص قانونية تحمي المستهلك المقترض من الشروط التعسفية؟
-
ما هو دور القضاء في إعادة التوازن العقدي في عقد القرض العقاري؟
-
ماهي الحماية الاجرائية للمستهلك المقترض في المجال المدني؟
رابعا: منهجية البحث
ان للخوض في أي موضوع قانوني مهما كان نوعه يقتضي من الباحث أن يختار لنفسه منهجا علميا يسير عليه لكي يتصف بحثه بالعلمية، ففي بحثنا المتواضع اعتمدنا منهجين أساسيين لا غنى عنها بالنسبة للباحث في العلوم القانونية، يتجلى المنهج الأول في المنهج الوصفي من خلال وصف الإشكالات التي يثيرها الموضوع بشكل علمي من اجل محاولة الوصول الى تفسيرات منطقية لها، ويتجلى المنهج الثاني في المنهج التحليلي كمنهج يساعدنا في تفكيك الإشكالات التي يثيرها الموضوع ودراستها بأسلوب تحليلي يجعلنا في نهاية المطاف نستنبط النتائج.
خامسا: تصميم الموضوع
سوف نتناول موضوع بحتنا من خلال
المبحث الاول: الحماية المدنية للمستهلك في عقد القرض العقاري من الشروط التعسفية
المبحث الثاني: الحماية الاجرائية لمستهلك القرض العقاري
المبحث الاول: الحماية الموضوعية للمستهلك في عقد القرض العقاري من الشروط التعسفية
مما لا شك فيه أن ما شهده العالم من تطورات عدة عمت بالدرجة الأساسية المجال الاقتصادي أثرت على العلاقات التعاقدية بشكل جعلت هذه الاخيرة تشذ عن ما كان عليه الامر فيما مضى، ويتجلى ذلك في كون التطورات الاقتصادية والاجتماعية انبثقت منها وضعية جديدة مفادها ظهور عقود يكون فيها أحد الاطراف في مركز قوة والطرف الأخر في مركز ضعف بشكل يجعل هذا الأخير غير قادر اطلاقا على المساومة والاتفاق على شروط العقد في ما يسمى بالعقود النموذجية في حين يتفرد الطرف الأخر الذي يوجد في مركز قوة اقتصادية وتقنية في تحديد الشروط العقدية بما يخدم مصالحه الخاصة، هذا الأمر أثر على مفهوم مبدأ سلطان الإرادة الموسوم بالحرية المطلقة في التعاقد، حيث أن في الوقت الراهن لم يعد هذا المبدأ يحمي المتعاقدين بقدر ما هو وسيلة للأضرار بهم، هذا ما دفع التشريعات الوطنية إلى التدخل لإعادة تنظيم العلاقات التعاقدية وعادة ذلك التوازن العقدي المفقود من خلال تقنين مبدأ سلطان الإرادة وملاءمته مع متطلبات النظام العام في المجال التعاقدي من أجل حماية حقوق المتعاقدين وكذا المعاملات.
ولما كان عقد القرض العقاري الذي هو موضوع دراستنا في هذا البحث من العقود النموذجية التي حضت بدورها باهتمام المشرع المغربي لما له من أهمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ارتأينا أن نتناول في هذا المبحث الحماية الموضوعية للمستهلك في عقد القرض العقاري، أولا ما يتعلق بماهيته، [المطلب الاول] احتراما منا لقواعد البحث العلمي التي تفرض علينا أن نحدد ماهية هذا العقد من خلال تحديد مفهومه وطبيعته القانونية، إضافة إلى نطاقه الموضوعي والشخصي لكي نستجلي بذلك الغموض الذي قد يعتري القارئ وهو يدرس موضوع الحماية القانونية للمستهلك في إطار هذا العقد من خلال جعله منذ بداية البحث يعرف حق المعرفة ماذا نعني بعقد القرض العقاري.
تم بعدها نتطرق في [المطلب الثاني] للحماية القانونية للمستهلك المقترض من الشروط التعسفية وذلك من خلال الانطلاق دائما من القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود باعتباره الشريعة العامة للقانون التي لن يتأتى لنا فهم موجبات اصدار القانون الخاص بمحاية المستهلك الى من خلال معرفة القصور التي طالت القواعد العامة ودراسة حدود الحماية القانونية التي يوفرها النص الخاص.
المطلب الأول:
ماهية القرض العقاري
تشكل القروض العقارية أحد أهم أنواع القروض التي تقدمها مؤسسات الائتمان لعملائها، وتلعب هذه القروض دورا مهما في تحريك وتسريع شريط التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال مجموعة من القطاعات الحيوية لتمويل قطاع السكن، بحيث بات هذا الأخير ضالة على المستهلك والغاية التي يسعى إليها بشتى أنواع الوسائل، وذلك في ظل عجز التمويل الذاتي عن إشباع رغبات الافراد في توفير سكن قار ومستقل، وبالتالي غالبا ما يلتجأ الأفراد إلى التمويل العقاري من خلال قروض بنكية مقابل ضمانات لاستفاء الديون.
وبذلك يتوجب علينا تحديد مفهوم وخصائص عقد القرض العقاري وذلك في [الفقرة الأولى]، ولا يمكن الحديث عن مفهوم القرض العقاري بشكل واضح إلا من خلال دراسة نطاق تطبيقه من حيت الموضوع ومن حيث الأشخاص [الفقرة الثانية].
الفقرة الاولى: مفهوم وخصائص عقد القرض العقاري
أولا: مفهوم عقد القرض العقاري
كما هو معلوم أن القرض العقاري من أهم الأدوات المستخدمة للحصول على الممتلكات العقارية باعتباره عملية مالية ائتمانية، ولا يمكن الحديث عن مفهوم القرض العقاري إلا من خلال التعريف به من الناحية اللغوية والقانونية وذلك لتحديد ملامح القرض المذكور وصفاته.
أ: تعريف القرض العقاري من الناحية اللغوية
ويعرف القرض في اللغة ما تعطيه لغيرك من مال على أن يرده إليك بعد أجل معلوم كما قال الله تعالى “وأقرضوا الله قرضا حسنا”.
وتوجد لكلمة القرض في اللغة العربية العديد من المرادفات أهمها الائتمانcrédit ، مشتقة من الفعل اللاتيني crédère، معناه وضع الثقة، و السلفة prêt و تعني المال المقترض و جمعها سلف .
والمقصود بالعقار، كل ملك له أصل وقرار ثابت كالأرض والدور والشجر والنخل، وهو مأخوذ من عقر الدار، وجمعه عقارات، ويقابله المنقول، كما يعرفه الحنفية بأنه الثابت الذي لا يمكن نقله من محل إلى آخر كالدور والأراضي.
ب: التعريف القانوني للقرض العقاري
لم تتطرق مدونة التجارة إلى هذا النوع من العقود إلى جانب العقود البنكية الواردة في القسم السابع من كتابها الرابع، إلا أن ظهير 17 دجنبر 1968 في الفصل 19 عرف لنا أن عقد القرض العقاري ” هو القرض الذي يمنح إلى مالك عقار مقابل ضمان هذا العقار برهن، دون اعتبار للغرض الذي تستعمل فيه الأموال المقترضة”.
ومن خلال تعريف القرض العقاري المذكور نلاحظ أن المشرع لم يحدد لنا غرض هذا القرض، وإنما اقتصر فقط على القروض بصفة عامة المضمونة بالرهن عقاري.
إلا أن الجزء الرابع من نفس القانون تطرق فيه المشرع للسلفات الخاصة ببناء المساكن واقتنائها لكنه لم يعرف لنا هذه السلفات باستثناء ما جاء في الفصل 21 من القانون السالف الذكر حيث جاء فيه” تمنح مؤسسات القروض المقبولة سلفات للبناء معدة للمساعدة على تشييد أو توسيع بنايات تستعمل خصيصا للسكن.
ولا يمكن أن تتجاوز هذه السلفات 75 في المائة من القيمة التقديرية للرهن الحيازي التي تحددها مؤسسة القرض المقبولة مع مراعاة مقتضيات الفصل الثاني والعشرين”.
وما يعاب على التعريف الذي جاء به كل من الفصل 19 في كونه لم يحدد تعريفا دقيقا للقرض والغرض منه، والفصل 21 الذي بدوره لم يحدد لنا تعريفا لهذه السلفات باستثناء ما تم الإشارة إليه من قروض المخصصة للبناء من أجل المساعدة على تشييد أو توسيع بنايات تستعمل خصيصا للسكنى، دون ان نجد أي اشارة إلى القروض المخصصة للاقتناء سكن جاهز، أو شراء قطعة أرضية تخصص لبناء السكن والتي تعتبر من صميم القروض العقارية.
لذلك نلاحظ أنه حبذ لو أن المشرع أن يقوم بتعديل المقتضيات المنظمة للقرض العقاري، حتى تتناسب وتتماشى مع ما هو معمول به في عصرنا الحالي وتخدم بذلك مصلحة المقترض.
وأمام غياب تعريف قانوني للقرض العقاري، فإن الفقه حاول من جانبه إعطاء بعض التعريفات، حيث عرفه الأستاذ ثروت عبد الحميد بأنه: “إلى عملية قانونية تهدف إلى أن يضع شخص أو مؤسسة مالية تحت تصرف أحد الأشخاص، مبالغ مالية تخصص بصفة أساسية لتملك أحد العقارات، في مقابل ضمان يقدمه المدين، أو هو المركز القانوني الناشئ عن ذلك، ويطلق على هذا التمويل ” اسم التمويل العقاري” أو على ذلك الضمان اسم الضمان العقاري، وعلى العقار الضامن، وعلى العقار بحق الامتياز أو بالرهن، أو بغير ذلك من الضمانات اسم العقار الضامن، وعلى المشتري- أو من حصل على التمويل في غير حالة الشراء- اسم المستثمر”.
كما عرفه الأستاذ قدري عبد الفتاح الشهاوي بكونه وضع إطار قانوني عملي وواقعي لعملية إقراض الأموال لاستثمارها في شراء المساكن الخاصة بضمان رهن تلك العقارات، بما ييسر الإجراءات المتصلة بهذا النشاط ويقيم توازن بين مصالح كافة الأطراف المشتركة.
ومن خلال التعاريف التي أوردناها، يتبين لنا أن بالرغم من تحديد المقصود بالقرض العقاري إلا انها أغفلت عنصر مهم ألا وهو حماية مصلحة الطرف الضعيف في ظل هذه العلاقة التعاقدية.
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون القاضي بتدابير حماية المستهلك 31.08، نجد أن المشرع لم يقم بإعطاء أي تعريق للقرض العقاري، وإنما اقتصر فقط في المادة 112 بتحديد مفهوم كل من المقترض والمورد، وحدد نطاق تطبيقه من خلال المادة 113 مما يجعل الطرف المعني أي المستهلك على بينة من العمليات التي خصها المشرع بالحماية والمشرع هنا قد سلك نفس التوجه الذي اعتمده نظيره الفرنسي.
ثانيا: خصائص عقد القرض العقاري
يتميز عقد القرض العقاري بالعديد من الخصائص منها ما يشترك فيها مع سائر العقود باعتباره من العقود المسماة وعقود المعاوضة وهي خصائص عامة، إلا أننا سنقتصر على بعض الخصائص الخاصة، بحيث يتسم عقد القرض العقاري بالطابع الإذعان (أ)، كما أنه يتميز بالخصوصية الاستهلاكية (ب)، ويعتبر من العقود الشكلية (ج)، ومن العقود الزمنية (د).
أ: عقد القرض العقاري من عقود الاذعان
يعتبر عقد القرض العقاري من عقود الإذعان، ويظهر ذلك بشكل فعلي من خلال الطريقة التي يتم بها التعاقد، حيث تلجأ مؤسسات الائتمان في غالب الأحيان، إلى إعداد عقود نموذجية يتم فيها إدراج جميع الشروط و مختلف البيانات التعاقدية المناسبة للمؤسسة المقرضة وذلك دون أن تلتفت إلى ارادة المقبل على الاقتراض، عوض التفاوض مع كل متعاقد على حدة وكتابة العقد بمناسبة كل عملية تعاقدية، حيث لا يبقى للعملاء إلا الإدلاء بالبيانات العادية و التوقيع بعد ذلك على نموذج العقد المعد مسبقا .
ب: عقد القرض العقاري من العقود الاستهلاكية وقائمة على الاعتبار الشخصي
ان اعتبار عقد القرض العقاري من العقود الاستهلاكية يخلق انتقاد من طرف بعض الفقهاء، بحيث يعتبرون أن هذه الأخيرة من خصائصها عنصر الإتلاف في حين أن امتلاك العقار لا يؤذي إلى ذلك، إلا أن ذلك لا يعتبر سببا كافيا لعدم اعتبار عقد القرض العقاري من عقود الاستهلاك، لقيام هذا الأخير لابد من التوفر على عدة عناصر تتمثل في الاقتناء أو الاستعمال الأموال والخدمات ثم عنصر الغرض غير مهني، وبالتالي هذه لعناصر تتطابق مع طبيعة القرض العقاري خصوصا في العنصر الغرض غير مهني بحيث حسم المشرع في هذا الأمر في المادة 114 و التي داء فيها ” تستثنى من نطاق تطبيق هذا الباب :
-
القروض الممنوحة لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام،
-
القروض المخصصة، كيفما كان شكلها، لتمويل نشاط مهني، ولاسيما نشاط الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين يقدمون، …”.
وكما هم معلوم أن من أهم الأسس التي يقوم عليها عقد القرض العقاري من الناحية القانونية والاقتصادية الائتمان والثقة، فلا يمكن للمؤسسة البنكية منح القروض إلا بعد التأكد من سلامة الوضعية القانونية والمالية للزبون، وهذا ما يسمى بفترة التحقيق والتي تقع على عاتق البنك، فلهذه الأخيرة كامل الحق في قبول أو رفض التعاقد مع من لا تتوفر فيه شروط الثقة الضرورية الكافية.
ج: عقد القرض العقاري من العقود الشكلية
تحتل الشكلية جانبا مهما في الأحكام المنظمة للقرض العقاري، ويرجع ذلك إلى رغبة المشرع في توفير الحماية اللازمة لمصالح المقترض والمقرض، وذلك في حالة انعدام الكتابة والاعلام بالعرض المسبق، قد يؤدي إلى تسرع المستهلك في ابرام العقد دون ان يعي ما هو مقبل عليه وعلى الالتزامات التي ستقع على عاتقه، لذلك أوجب المشرع الكتابة لتفادي كل الأضرار التي قد تلحق بأحد الأطراف.
وتتجسد هذه الشكلية من خلال مقتضيات القانون 31.08 في العرض المسبق الذي يتعهد المقرض بتقديمه إلى العميل متضمنا مجموعة من البيانات والشروط وهذا ما سنتطرق إليه بشكل مفصل في المبحث الثاني.
كما تظهر شكلية الكتابة أيضا في أن عقد القرض العقاري من العقود المعدة سلفا من طرف الموجب على شكل عقود نموذجية مطبوعة تحرر سلفا وبصيغ فنية مدروسة يعرض فيها الموجب على المذعن المحتمل الشروط التي على ضوئها سيتعاقدان.
هذا بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى التي تظهر فيها شكلية القرض العقاري كالضمانات، والكتابة في اشتراط الفائدة بحيث لا تستحق إلا إذا كانت قد اشترطت كتابة حسب الفصل 871 من قانون التزامات والعقود.
د: عقد القرض العقاري من العقود الزمنية
يعتبر عقد القرض العقاري من قبيل العقود الزمنية أو المستمرة، فغالبا ما تكون الفترة الزمنية للقرض طويلة قد تصل إلى أكثر من خمس وعشرين سنة وذلك من خلال الأخذ بعين الاعتبار سن المقترض ودخله.
وحماية للمقترض من ضغوطات المقرض والالتزامات التي ترهق كاهله، ألزم المشرع المقترض ألا يصدر إعلانه بالقبول في مدة تقل عن 10 أيام من تاريخ تسلمه للإيجاب، بحيث القبول الذي يتم قبل انصرام 10 أيام لا يعتد به، إلى جانب لمدة الزمنية التي حددها المشرع قبل ابرام العقد فقد خول أيضا للمقترض امكانية الأداء المسبق وهذا ما سنتطرق إليه في المبحث الثاني بشكل مفصل.
إلا أن عقد القرض العقاري بالرغم أنه من العقود الزمنية إلا أنه يختلف عن سائر العقود الزمنية في حالة الفسخ، حيث يقتصر آثار فسخ العقود الزمنية على المستقبل ولا تنتصب إلى الماضي بأثر رجعي، أما بخصوص القرض العقاري على عكس من ذلك، بحيث يقوم الأثر الرجعي للفسخ ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل ابرام العقد، بحيث يجب على المقترض رد جميع المبالغ والفوائد المترتبة عليها للمقرض التي تعهد أن يدفعها إليه فعلا.
الفقرة الثانية: نطاق تطبيق عقد القرض العقاري
إن لدراسة موضوع الحماية القانونية للمستهلك المقترض في عقد القرض العقاري لا يمكن أن نحيط بها دون معرفة نطاق تطبيق هذا القرض وذلك لمعرفة النطاق الذي تشمله الحماية القانونية، لذلك وجب علينا أن نتطرق في هذا المطلب بداية إلا نطاق عقد القرض العقاري من حيث الموضوع أولا، تم من حيث الاشخاص ثانيا من خلال بيان نطاقه من حيث العميلات التي يمولها وكذا الاطراف المتدخلة في هذا العقد.
اولا: نطاق تطبيق القرض العقاري من حيث الموضوع
تجدر بنا الاشارة إلى أن كل عقد نظمه القانون إلا وله نطاق موضوعي يشمله، وبالتالي فلبيان النطاق الموضوعي لعقد القرض العقاري كنطاق يتعلق بالعمليات التي يمولها سوف نتناول أولا نطاقه في إطار مرسوم 17 دجنبر 1968 الخاص بالقرض العقاري والفندقي، تم ثانيا نطاقه الموضوعي من خلال قانون 31.08 الخاص بتدابير حماية المستهلك
أ: نطاق تطبيق القرض العقاري بناء على مرسوم 17 دجنبر 1968
عند استقرائنا لفصول المرسوم الملكي 17 دجنبر 1968 يتضح أنه قد قام بتحديد نطاق تطبيق عقد القرض العقاري من حيث الموضوع، إذ حدده في القروض العقارية الخاصة ببناء مساكن أو اقتنائها بالإضافة إلى القروض الخاصة ببناء أو اقتناء مساكن اقتصادية، فالأول يتعلق أساسا بالقروض المتعلقة بشراء أو بناء مساكن أو توسيعها، ولا يمكن في هذه الحالة أن تتجاوز قيمة القرض العقاري ٪75 من القيمة التقديرية للرهن الحيازي الذي تحددها المؤسسة المانحة للقرض مع إمكانية أن يقوم وزير المالية باتخاذ قرار تحديد قيمة أكثر من ٪75، أما الثاني فهو متعلق باقتناء المساكن الاقتصادية وهي الموجهة بالأساس إلى الفئات التي لها دخل محدود إذ تمنح للمقترض في هذه الحالة ميزة تخفيض الفائدة على القرض بتوفر الشروط التالية:
-
ألا تتجاوز المساحة الإجمالية للعقار 100 متر مكعب.
-
ألا تتجاوز قيمته 200.000 درهم.
-
ألا يزيد دخل المقترض عن 43.000 درهم في السنة.
وبالتالي الذي يمكن أن نستنتجه من خلال نطاق تطبيق القرض العقاري من حيث الموضوع في ضوء هذا المرسوم هو أن المشرع المغربي قد حدد مجموعة من المعايير التي تتمثل أولا في نوعية العقار محل القرض وطبيعة العملية التي يراد تمويلها بهذا القرض، إذ حدد نوعية العقار محل القرض في العقارات السكنية والعقارات الاقتصادية، أما طبيعة العملية الممولة فتتجلى في الاقتناء أو البناء، أما المعيار الثاني فهو ذو طابع كمي قيمي ويتعلق أساسا بالنوع الثاني من العقارات المتمثل في العقارات الاقتصادية، إذ حدد المساحة التي لا يجب أن يتجاوزها وكذا قيمة الدخل السنوي للمقترض، وبالتالي فالذي نتساءل عنه هو ما يلي :
هل المشرع المغربي في إطار قانون 31.08 الخاص بتدابير حماية المستهلك قد وسع من النطاق الموضوعي لتطبيق القرض العقاري أم قلص منه؟ وهل أحال على مقتضيات المرسوم الانف الذكر أم أنه قد أتى بمقتضيات جديدة؟
ب: نطاق القرض العقاري وفق قانون 31.08
نص المشرع على نطاق تطبيق القرض العقاري في قانون 31.08 من خلال الباب الثاني من القسم السادس في فرع خاص موسوم بنطاق التطبيق، حيث تناول في المادة 113، من هذا القانون النطاق الموضوعي للقرض العقاري، فعندما نقرأ هذه المادة نستنتج أن القرض العقاري بمفهوم هذا القانون يشمل كل عملية كيفما كانت تسميتها تهدف إلى تمويل عملية تستهدف اقتناء عقارات سواء كانت عقارات مشيدة أو أرضا، وكذا إدخال إصلاحات أو تحسينات وما يرتبط بذلك من أعمال الصيانة، غير أنه لابد من التنبيه إلى أن هذه العقارات محل القرض العقاري وفق هذا القانون يجب أن تكون مخصصة للغرض السكني أو المختلط، بمعنى الغرض السكني والمهني معا.
كما أن المشرع المغربي قد شمل هذه الحماية كذلك على المكتتبين في الحصص والاسهم بشركات أو شراؤها إذا كان الغرض منها هو امتلاك هذه العقارات بصريح الفقرة الاولى من المادة 113 السالفة الذكر.
ويرى أحد الباحثين في هذا الصدد أن المشرع المغربي يعني هنا بالاكتتاب وشراء الحصص أو الأسهم إنشاء شركة بين مجموعة من الاشخاص من أجل بناء أو اقتناء مسكن، وهو الذي لا وجود له من التشريع المغربي وإنما هو اقتباس من المشرع الفرنسي دون محاولة تكييفه بشكل ينسجم مع القانون والواقع المغربيين ويدخل كذلك في النطاق الموضوعي لهذه الحماية الايجار المفضي إلى تملك العقار،والايجار المقرون بخيار الشراء في إطار ما يسمى بالوعد بالبيع كعقد يلتزم بمقتضاه البائع تجاه المكتري بنقل ملكية العقار أو جزء منه للانتفاع به مقابل أداء الوجيبة الكرائية وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار.
وبناء على ذلك فإن الملاحظ هو أن المشرع المغربي من خلال قانون 31.08 فيما يتعلق بالنطاق الموضوعي الذي يطبق عليه القرض العقاري هو نفسه الموجود في قانون الاستهلاك الفرنسي إلا أن هناك بعض الفوارق بين القانونين المتمثلة في كون المشرع الفرنسي قد حدد المبلغ الادنى للقرض العقاري عكس ما هو عليه الأمر في القانون المغربي المتعلق بتدابير حماية المستهلك المغربي، زد على ذلك أن هذا القانون الأخير قد خالف نظيره الفرنسي في تخويل ذوي الدخل المنخفض إمكانية تملك المسكن عن طريق القروض المساعدة دون أن تترتب عليها فائدة بشرط أن يكون المسكن محل القرض الاقامة الرئيسية للمقترض.
هذا في حين نجد بعض التشريعات المقارنة كالقانون الأردني يميز بين ما إذا كان القرض العقاري مخصص لغرض سكني أو تجاري، فإذا كان مخصص للغرض السكني فيجب أن يتعلق الامر هنا بالقروض المخصصة لشراء أو بناء عقار أو صيانته أو لغرض توسيعه ضمن شروط محددة يضعها البنك، في حين حدد القانون المصري هذا النطاق في المادة الاولى من قانون التمويل العقاري رقم 148 لسنة 2001، حيث جاء فيها أن النطاق الموضوعي للقرض العقاري يتعلق بشراء أو بناء أو ترميم عقارات السكن والوحدات الادارية والمنشآت الخدمية والمباني المخصصة للنشاط التجاري، هذا على خلاف المشرع المغربي الذي رأينا سابقا على أنه خصص الحماية في القانون الجديد رقم 31.08 للقروض العقارية المخصص لغرض تمويل عقارات من أجل السكن أو المختلط دون العقارات المخصصة للغرض التجاري.
فالذي نعتقد هو أن المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما أشمل الحماية القانونية فقط لهؤلاء الذين يقترضون القروض العقارية الأجل العقارات السكنية أو المختلطة، وذلك لأن قانون حماية المستهلك جاء لحماية المستهلكين لأنهم أولى بالحماية ذات الطبيعة الخاصة التي يوفرها هذا القانون من التجار الذين هناك نصوص قانونية حمائية خاصة تلائم طبيعة العمل التجاري وخصوصياته.
ثانيا: نطاق تطبيق القروض العقاري من حيث الأشخاص
إن دراسة موضوع القرض العقاري يتطلب بداية تحديد مفهوم أطراف العلاقة التعاقدية الطرف الضعيف في هذه العلاقة رغم اختلاف الفقهاء في تحديد مفهوم المستهلك وما سنتناوله في أولا، لأنتقل لتحديد مفهوم المؤسسة المقرضة في ثانيا.
أ: مفهوم مستهلك القرض العقاري
بالنظر إلى النظام القانوني المغربي نجد انه لم يعرف لنا المستهلك سواء في قانون الالتزامات والعقود وفي بعض القوانين الخاصة المرتبطة بحماية المستهلك كقانون 5 أكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع أو قانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، فيما يخص مرسوم 17 دجنبر 1968 فإنه هو بدوره أيضا لم يقوم بتعريف المستهلك، لذلك فقد شكل مفهوم المستهلك منذ أن برز في أوساط رجال القانون محط جدل بين العديد من الفقهاء الذين اختلفوا في إيجاد تحديد دقيق لمفهوم المستهلك.
بالنسبة الاتجاه الأول الذي تبنى التفسير الضيق لمفهوم المستهلك في اطاره اعتبره بعض الفقه بأنه كل شخص يتعاقد بهدف اشباع حاجاته الشخصية او العائلية وبالتالي لا يكتسب صفات المستهلك من يتعاقد لأغراض مهنته أو مشروعه.
أما الاتجاه الثاني فقد ذهب الى ادراج فئات أخرى من المتعاقدين وذلك بغية توسيع الحماية القانونية للمستهلكين في مواجهة المهنيين يعتبر المستهلك كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك.
من خلال هذه التعاريف نلاحظ بأن المشرع المغربي قد ذهب إلى محاولة الجمع بين الاتجاهين في تفسير المستهلك بحيث يعتبر مقترضا كل شخص يقتني عقار مختلط يتجسد في السكن ولغرض مهني في نفس الوقت وفي هذا الإطار نجد المشرع من خلال هذا التعريف ذهب إلى تحديد ذلك بغرض السكن أو لغرض مهني خلافا لما ذهب إليه المرسوم الملكي 1968 الذي عرف القرض دون تمييز بين الغرض المهني وغير المهني كما جاء في الفصل 19.
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 31.08 خصوصا البند الأول في المادة 113 حيث عطف المشرع غرض مهني على غرض السكن بحيث يستفاد من هذا البند أن القروض إما أن تكون لغرض السكن فقط أو ممارسة نشاط مهني وللسكن ، اما اذا تعلق الامر بغرض مهني فقط فان ذلك لا يدخل ضمن نطاق هذا القانون وبالتالي يمكن القول أن المشرع نهج نفس توجه الذي سار عليه المشرع الفرنسي بحيث حسم ذلك في عنصر غير المهني بصريح العبارة حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 312.2 Lعلى أنه يخرج من نطاق الحماية القروض الممنوحة تحت أي شكل كان لتمويل نشاط مهني .
ب: المؤسسة المقرضة
كما هو معلوم انا حاجيات الفرد تتنوع وتتغير حسب الظروف المعيشية وتطور الحياة اذ نجد ان الحاجة للحصول على السكن اصبح امرا مهما، الأمر الذي دعى إلى توفير مصادر التمويل والتي تتجسد في شركات التمويل والمؤسسات الائتمانية في العقد القرض العقاري بحيث نجد أن البعض عرفه بأنه ذلك “الشخص الذي يزاول النشاط التمويل العقاري عن طريق تقديم قروض لطالبي التمويل العقاري مقابل تقديمهم لضمان”.
وهذا ما ذهب إليه كل من التشريع الفرنسي والمصري بحيث اعتباران أن صفة المقترض يمكن أن تكون مؤسسة طبيعية أي شخص طبيعي وقد تكون مؤسسة معنوية أي شخص معنوي وذهبا أيضا إلى اعتبار الشخص المعنوي يمكن ان يكون احدى البنوك العادية ويمكن أن تكون الدولة في حد ذاتها.
لكن بالرجوع الى مقتضيات المرسوم الملكي لسنة 1968 فإنه استعمل مصطلح مؤسسة القرض والمتمثلة في المؤسسات المقبولة من طرف الدولة في منح القروض والسلفات، لكن بصدور قانون الاستهلاك الجديد نجده قد منح صفة المقرض كل شخص يمنح القروض العقارية بصورة اعتيادية وهذا من نستشفه من المادة 74 من قانون 31.08 .
وبالتالي يمكن القول أن كل شخص كيفما كانت طبيعته وممارسة عملية التمويل العقاري بأن يمنح القروض للأشخاص بصورة اعتيادية من أجل تمويل العمليات التي نص عليها المشرع المغربي في المادة 113 ويتعلق الأمر هنا العقارات المعدة للسكن فقط أو تلك المعدة لنشاط مختلط وأقصد هنا المعدة للسكن والممارسة نشاط مهني ايضا .
فمن خلال توجه المشرع المغربي في هذا الأمر نلاحظ أنه وسع -شأنه شأن المشرع الفرنسي- من نطاق الحماية التي يستفيد منها المستهلك حتى وإن اقترض من أحد الأشخاص الطبيعية رغم أنه في الواقع العملي لا نجد إلا المؤسسة البنكية ومؤسسات التمويل هي التي تمنح هذه القروض.
المطلب الثاني: حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقد القرض العقاري
يعتبر الشرط التعسفي كل شرط يفرض على المستهلك من طرف شخص مهني له سلطة اقتصادية وتقنية يهدف إلى الحصول على ميزة مجحفة في حق المستهلك باعتباره يوجد في مركز ضعف مقارنة مع المقترض
أو على حد تعبير بعض الفقه «تلك الشروط المعدة سلفا من طرف المتعاقد القوي بمقتضاها يستطيع جني منفعة فاحشة، ويخل في حكمه بشروط الإعفاء من المسؤولية أو المحدد لها الشروط الجزائية وشروط الاختصاص»
كما يرى عبد الحق الصافي أنه للحديث عن تواجد الشروط التعسفية لابد من تحقق مجموعة من الشروط نجملها في ضرورة كون أحد أطراف العلاقة التعاقدية مستهلكا وآخر موردا سواء أكان العقد شفويا أو مكتوبا، أو مبرما بشكل الكتروني، بالإضافة إلى وجود شرط في العقد يثقل كاهل المستهلك، أما مسألة اعتبار هذا الشرط تعسفيا من عدمه فهو موكول للسلطة التقديرية للقضاء.
لكن الذي نلاحظه هو أنه رغم كون مسألة إعطاء التعريفات من اختصاص الفقه إلا أن هذا لم يمنع العديد من التشريعات من إعطاء تعريف للشرط التعسفي كما هو الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي سار المشرع المغربي على خطاه عندما عرف بدوره الشرط التعسفي في الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون رقم 31.08 التي جاء في منطوقها ما يلي»يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك».
أما عندما نعود إلى المادة 18 من نفس القانون نلاحظ أن المشرع المغربي أورد مجموعة من الحالات التي يمكن أن تكون موضوعا للشروط التعسفية إذا توفرت فيها الشروط المحددة في الفقرة الاولى من المادة 15 التي اشرنا اليها اعلاه، لكن الذي يجب أن نسلم به هو أن هذه الحالات أوردها المشرع على سبيل المثال لا الحصر، وحسنا فعل، حيث لو أوردها على سبيل الحصر من شأنه تكبيل سلطة القضاء وإقفال باب الاجتهاد خصوصا إذا علمنا أن اعتبار شرط معين شرطا تعسفيا من عدمه يعتبر من الأمور الواقعية التي تتأثر بالتطورات التي تطال مختلف المجالات التي لها صلة بهذا النوع من العقود، لذلك من الصعب بل من المستحيل على المشرع تحديد هذه الشروط في شروط معينة دون أخرى.
فأمام التباين الجلي بين مكانة المستهلك المقترض من جهة والمؤسسات المانحة للقروض من جهة ثانية المؤدي إلى اختلال التوازن العقدي، كان لزاما علينا سبر أغوار القواعد العامة للقانون المدني من أجل البحث في مدى قدرتها على حماية المستهلك من الشروط التعسفية، [الفقرة الاولى] خصوصا أمام القصور الذي أبانت عليه هذه القواعد الكلاسيكية -فيما لا يدع مجالا للشك-في إضفاء نوع من الحماية القانونية الشاملة للمستهلك في عقد القرض العقاري. هذا الأمر هو الذي دفع المشرع المغربي كما أسلفنا الذكر إلى إصدار قانون 31.08 المتعلق بقانون حماية المستهلك كنص خاص يواكب الطابع الخصوصي لهذا النوع من العلاقات التعاقدية، لذلك ارتأينا الوقوف مع مظاهر الحماية القانونية للمستهلك في ضوء هذا القانون ودور القضاء في إعادة التوازن العقدي [الفقرة الثانية].
الفقرة الاولى: مدى قدرة القواعد العامة على تحقيق التوازن العقدي في عقد القرض العقاري
إن ما يهمنا نحن في هذا الإطار ليس الوقوف مع مختلف النظريات العامة بنوع من التفصيل الدقيق لمختلف جوانبها، وذلك افتراضا منا أن القارئ على دراية تامة بها، بل إن ما يهمنا نحن هو التطرق إلى مكامن قصور هذه النظريات في حماية المستهلك، ولما كان من الصعب علينا كذلك الوقوف مع كافة جوانب قصورها، ارتأينا التطرق إلى
نظرية الغلط والغبن كعيبين من عيوب الرضا، بالإضافة إلى نظرية السبب ونظرية التعسف في استعمال الحق محاولة منا الكشف عن مدى قدرتها على حماية المستهلك المقترض في عقد القرض العقاري، ولعل ذلك نابع من يقيننا التام بأن ما سوف نقول عن هذه النظريات يمكن إسقاطه على الأخرى مادامت تنضوي تحت لواء النظرية العامة للعقد مع ما يرتبط بها من آثار واضحة.
اولا: دور التمسك بعيوب الرضا في تحقيق التوازن العقدي -الغلط والغبن أنموذجا-
يعتبر الغلط والغبن من عيوب الرضا المنصوص عليها في ق.ل.ع إلى جانب العيوب الأخرى، لذلك من الأجدر بنا أن نبحث في مدى نجاعة التمسك بهما في حماية المستهلك من الشروط التعسفية الواردة في عقد القرض العقاري.
أ. دور نظرية الغلط في تحقيق التوازن العقدي
يعرف الغلط على أنه ذلك الوهم الذي يشوب ذهن الإنسان فيصور له الواقع على غير حقيقته، مما يؤدي به إلى الاعتقاد بوجود واقعة غير موجودة أو العكس، بحيث لولا هذا الوهم لما تعاقد، أو كما عرفه الأستاذ عبد الرزاق السنهوري على أنه حالة تقوم بالنفس تحمل على توهيم غير الواقع، وغير الواقع هنا إما أن يكون واقعة صحيحة توهم الإنسان عدم صحتها، أو واقعة غير صحيحة يتوهم الإنسان صحتها فدون الخوض في الجدل الفقهي القائم بخصوص نظرية الغلط بين ناصر للنظرية التقليدية ومؤيد للنظرية الحديثة، حري بنا أن نشير إلى أن المشرع المغربي قد وفق بين كلتا النظريتين، حيث أخذ بالنظرية التقليدية عندما ميز بين الغلط المؤثر والغلط غير المؤثر كالغلط في الحساب الذي يوجب التصحيح دون الفسخ بصريح الفصل 43 من ق.ل.ع، كما أخذ بالنظرية الحديثة التي تجاوزت التقسيمات التقليدية للغلط، حيث لا تأخذ بهذا الأخير إلا في حالة كونه هو الدافع الجوهري إلى التعاقد الذي يرتب عليه في جميع الأحوال قابلية العقد للإبطال كما هو الحال بالنسبة للغلط في القانون، وهذا الذي نستشفه عند قراءتنا للفصل 40 من ق.ل.ع.
ومن هذا المنطلق نتساءل حول مدى فعالية الغلط في حماية المستهلك المقترض من الشروط التعسفية؟ فالذي نراه فيما تمت الإشارة إليه أن المستهلك سوف لن يفضل الإبطال الكلي للعقد بل سوف يقبل بالإبطال الجزئي المتمثل هنا في إبطال الشرط التعسفي لأن ذلك هو الذي سوف يضفي عليه حماية أكثر مقارنة مع الإبطال الكلي للعقد خصوصا إذا علمنا أن المستهلك المقترض في أمس الحاجة إلى العقار محل القرض وبالتالي إبطاله بمجرد وجود شرط تعسفي سيحول دون تحقيق الهدف الجوهري لهذا النوع من القروض، ولعل ذلك ما فطن إليه المشرع المغربي في قانون حماية المستهلك كما سوف نراه فيما بعد، كما أنه من غير المتصور وقوع المستهلك في الغلط إذا احترم المقرض الاتزام بالإعلام الذي لا يجد أساسه القانوني في قانون حماية المستهلك فقط، بل حتى في قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وهذا ما سوف نعرج عليه في حينه.
ثانيا. دور التمسك بالغبن في تحقيق التوازن العقدي
يعرف الأستاذ مأمون الكزبري الغبن على أنه ذلك التفاوت وانتفاء التوازن بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذه، وغالبا ما تقع هذه التفاوتات نتيجة تدليس أو غلط.
فهذه النظرية عرفت بدورها نقاشا فقهيا عريضا انبجست منه نظريتان فقهيتان، إحداهما تسمى بالنظرية التقليدية والأخرى تسمى بالنظرية الحديثة، فلا يهمنا نحن استكناه متون هذه النظريات، بل ما يجدر بنا الإشارة إليه هو موقف المشرع المغربي بخصوص نظرية الغبن.
فالمشرع المغربي حقيقة قلص من نطاق الغبن بشكل كاد معه أن ينعدم في قانون الالتزامات والعقود المغربي، ويتمظهر لنا ذلك جليا عند استقرائنا للفصلين 55 و56 من ق.ل.ع حيث يلاحظ أن المشرع لا يأخذ بالغبن المجرد ما لم يكن مقترنا بالتدليس أو كان أحد أطرافه قاصرا أو ناقص أهلية وزاد الغبن عن الثلث، لذلك من الصعب تصور التمسك بالغبن في إطار هذا التضييق أن يحمي المستهلك المقترض في عقد القرض العقاري.
ونساند بدورنا هذا الرأي مضيفين أنه حقيقة من الصعب علينا حتى تصور قاصر يلتجئ إلى الحصول على القروض العقارية لاسيما هذا النوع من القروض الذي ينصب في إطار شراء عقارات من أجل الاستغلال السكني أو المختلط.
ثالثا: نظرية السبب والتعسف في استعمال الحق ورهان حماية المستهلك من الشروط التعسفية
لا شك أن الالتزامات التي لا سبب لها تعد كأن لم تكن في نظر القانون باعتبار السبب ركنا أساسيا من أركان العقد الذي يجعل انتفاءه يقابله البطلان، زد على ذلك أنه لا أحد يجادل في أن كل صاحب حق منحه له القانون ثم استعمله بوجه يضر بالغير يؤدي إلى إثارة مسؤوليته. فبما أن نظرية السبب ونظرية التعسف في استعمال الحق تعتبران من النظريات التي حظيتا باهتمام كبير من لدن التشريعات، فإن هذا الأمر هو الذي قادنا إلى دراسة مدى قدرة هاتان النظريتان على حماية المستهلك المقترض وإعادة التوازن العقدي المفقود في عقد القرض العقاري.
أ. نظرية السبب ورهان التوازن العقدي
إن نظرية السبب بدورها لم تسلم من الجدل الفقهي -على غرار النظريات الأخرى-، ذلك ما دفع جانبا من الفقه ليسميها بالنظرية المعقدة التي يشوبها الغموض، ذلك الغموض الذي أدى في نهاية المطاف إلى الانقسام الفقهي حول تحديد نطاقها إلى اتجاهين؛ اتجاه ينتصر للنظرية التقليدية التي تأخذ بالسبب المباشر المجرد الذي يصبو الملتزم من خلاله إلى بلوغه وراء التزامه، واتجاه ينضوي تحت لواء النظرية الحديثة التي ترى أن السبب هو ذلك الباعث الذي يدفع المتعاقد إلى الالتزام وليس فقط السبب المباشر.
أما موقف المشرع المغربي بخصوص هذه النظريات فيرى بعض الفقه المغربي أنه قد أخذ بكلتا النظريتين، ولعل ذلك ما يفهم من الشق الأول من الفصل 62 من ق.ل.ع الذي جاء فيه «الالتزام الذي لا سبب له …» ويفهم من هذا الشق بمفهوم المخالفة أن هناك إمكانية للالتزام بدون سبب، كما أن النظرية الحديثة يمكن استخلاصها من الشق الثاني من نفس الفصل الذي جاء فيه «… والمبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن».
فالسؤال الذي يطرح هنا هو مدى نجاعة الأخذ بنظرية السبب لمقاومة الممارسات العقدية التي تؤدي إلى اختلال التوازن العقدي بين المقرض والمقترض؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نفترض وجود شرط تعسفي مفاده اشتراط المقرض على المقترض تحمله كافة تكاليف مسطرة الحصول على القرض ولو لم يبرم العقد، ففي هذه الحالة لا تحمي النظرية الحديثة المقترض، وذلك أولا لأن العقد لم يبرم بعد لتنشأ عنه التزامات متبادلة بين الأطراف علما أن السبب وفق هذه النظرية هو الباعث والدافع وراء التعاقد. ثانيا، أن السبب بمفهومه في القواعد العامة يعزى إلى سبب العقد ككل وليس سبب الشرط، أما بالنسبة للسبب وفق النظرية التقليدية التي تنظر إلى السبب المباشر الموضوعي للعقد الذي هو تلك الالتزامات المتبادلة بين المتعاقدين ففي هذه الحالة متى كانت شروط العقد صحيحة ومشروعة فلا يمكن له التمسك بعدم وجود سبب للعقد كما لا يمكنه التمسك بانعدام سبب الشرط، اللهم إلا إذا اختل سبب العقد ككل كما قلنا سابقا.
ب. دور نظرية التعسف في استعمال الحق في حماية المستهلك المقترض من الشروط التعسفية
يعنى بنظرية التعسف في استعمال الحق استعمال هذا الحق من طرف شخص خوله له القانون بشكل يضر بالغير خصوصا إذا كان ما سوف يجنيه من هذا الاستعمال لا يتناسب والضرر الذي سوف يلحق بالغير، أو على حد تعبير أحد قرارات محكمة التمييز الأردنية الصادر بتاريخ (2017/11/04) أنه من حق الشخص استعمال حق استعمالا مشروعا إلا أن ذلك مشروط بعدم الاضرار بالغير.
فأمام عدم اتساع المجال للوقوف مع جميع جوانب نظرية التعسف في استعمال الحق خصوصا أن التشريع المغربي يعج بمواقف تبين مدى تأثره بهذه النظرية أسوة بالتشريعات
الأخرى قررنا الاكتفاء بالمثال المنصوص عليه في الفصل 94 من ق.ل.ع الذي جاء فيه ما يلي: «لا محل للمسؤولية المدنية، إذا فعل شخص بغير قصد الإضرار ما كان له الحق في فعله. غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير، وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق، فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه».
وانطلاقا من الفصل أعلاه يتضح أن كل من تعسف في استعمال حق خوله له القانون يؤدي إلى إثارة مسؤوليته المدنية، وحيث إن الآثار المترتبة عن الضرر هي جبره نتساءل عن مآل “قاعدة القوة الملزمة للعقد” المنصوص عليها في الفصل 230 من ق.ل.ع التي سوف تحمي المقرض خصوصا في الحالة التي تكون فيه كافة شروط العقد صحيحة، الأمر الذي يفضي إلى الحيلولة دون تحقق الحماية القانونية المنشودة من القواعد العامة حيث أثبتت بشكل لا ريب فيه محدوديتها في حماية المستهلك عامة، الأمر الذي حدا بالمشرع المغربي إلى إصدار قانون حماية المستهلك مجاراة منه للتشريعات التي فطنت لهذا القصور لنتساءل مرة أخرى حول مظاهر حماية المستهلك المقترض في عقد القرض العقاري من الشرو.ط التعسفية
الفقرة الثانية: مظاهر حماية المستهلك المقترض من الشروط التعسفية في ضوء قانون 31.08 ودور القضاء في إعادة التوازن العقدي
لا ريب أن عقد القرض العقاري يعد من العقود النموذجية التي تعتبر المجال الخصب لانتشار الشروط التعسفية نظرا لتفرد المقترض المتمثل في المؤسسات البنكية في تحديد الشروط العقدية بنفسه، في حين يكتفي المقترض بالتوقيع على العقد دون أن تكون له أدنى إمكانية لمناقشة بنوده، الأمر الذي أدى بالمشرع المغربي إلى تنظيم هذا العقد تنظيما دقيقا في قانون 31.08 الخاص بحماية المستهلك، وبناء على هذا سوف نتطرق في هذه الفقرة (أولا) إلى مظاهر الشروط التعسفية في عقد القرض العقاري في ضوء القانون السالف الذكر ثم (ثانيا) دور القضاء في إعادة التوازن العقدي.
اولا: مظاهر حماية المستهلك من الشروط التعسفية في ضوء قانون 31.08
تتعدد مظاهر الشروط التعسفية في عقد القرض العقاري بشكل يصعب معه حصرها في شروط معينة دون أخرى، ولا أدل على ذلك من أن المشرع المغربي أشار فقط إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر، وذلك في المادة 18 من قانون 31.08، لذلك سوف نتطرق إلى أبرز مظاهر هذه الشروط مع بيان الحماية القانونية التي أقرها المشرع في هذا القانون للتصدي لها فمن هذه الشروط نذكر شرط الانتفاء التحكيمي للزبناء وشرط الفصل بين عقد القرض العقاري والعمليات الممولة به، بالإضافة كذلك إلى المبالغة في اشتراط الضمانات التي تخل بالتوازن العقدي وتجحف المستهلك.
فدواعي اختيارنا لهذه الشروط دون غيرها راجع بالدرجة الأساسية إلى اعتبارين أساسيين، أولهما يتجلى في كون حصر كافة الشروط التعسفية في هذا البحث له من الصعوبة ما له نظرا لما تمليه علينا بعض الظروف البحثية التي جعلتنا نركز بالدرجة الأساسية على الجوانب المهمة دون التعمق في بعض النقط الثانوية، وثانيهما يتمخض من كون هذه الشروط التي سوف نتطرق إليها تعتبر من بين أهم الشروط التعسفية الشائعة في مجال هذا النوع من العقود وما يؤكد ذلك أن أغلبية الباحثين – بحسب ما اطلعنا عليه من بحوث- يولون لها اهتماما كبيرا مقارنة مع الشروط الأخرى.
أ. شرط الانتفاء التحكيمي للزبناء
يتجلى شرط الانتفاء التحكيمي في عقد القرض العقاري في كون المؤسسات المانحة للقروض هي التي تكون لها الحرية التامة في تحديد بنود العقد، الأمر الذي يجعل هذه المؤسسات تتفنن في تحديد تلك الشروط بوجه يخدم مصالحها بصرف النظر عن حقوق المستهلك المقترض الذي تعاقد معها، ولعل خير مثال على ذلك تلك الشروط التي تمنح الحرية التعاقد من عدمه لمؤسسة المقرض الذي يختار التعاقد مع من يشاء بحسب ما تمليه عليه مصالحة الاقتصادية الصرفة، ويطرح الإشكال خصوصا عندما يفرض المقرض على المقترض شرطا يلزم هذا الأخير على التعاقد في حين يمنح المقرض لنفسه مهلة كافية للتفكير، الأمر الذي يحد بشكل مطلق من الدور التحكيمي للزبون المقترض.
فبالرجوع إلى المادة 18 من قانون 31.08 التي حددت أمثلة عن الشروط التعسفية نلاحظ أن المشرع المغربي تعرض من ضمن ما تعرض له من شروط تعسفية إلى شرط مهم جدا يعكس بشكل أو بآخر الطابع الغيابي لتحكيم الزبون المستهلك وذلك في البند الخامس من هذه المادة التي جاء في منطوقها على أنه يعتبر شرطا تعسفيا ما يلي: «التنصيص على الالتزام النهائي للمستهلك في حين أن تنفيذ التزام المورد خاضع لشرط يكون تحقيقه رهينا بإرادته وحده»، مع رد الاعتبار بطبيعة الحال إلى كون هذا الشرط يبين تواجد اختلال واضح بين الحقوق والواجبات بصريح ما جاء في المادة 15 من هذا القانون التي -في نظرنا- تعتبر المبدأ العام الذي يقاس عليه، حيث لا يمكن اعتبار شرط معين شرطا تعسفيا ما لم تتوفر فيه الشروط المومأ إليها في هذه المادة.
والذي لا يجب أن تفوتنا الإشارة إليه هو أن المشرع المغربي على عكس ما رأيناه مع القواعد العامة لم يرتب الإبطال أو البطلان الكلي للعقد وإنما رتب فقط البطلان على ذلك الشرط التعسفي مع إبقاء العقد صحيحا، ولعل ذلك ما يستفاد من قراءتنا للمادة 19من نفس القانون.
ب. اشتراط الفصل بين عقد القرض العقاري والعمليات الممولة به
إن ما يتمتع به البنك -باعتباره المؤسسة المانحة لهذا النوع من القروض-من قوة اقتصادية وتقنية وقانونية جعلته يفرض بعض الشروط التعسفية من قبيل شرط الفصل بين عقد القرض العقاري والعمليات الممولة به، حيث أن عقد القرض العقاري في طبيعته يتدخل فيه ثلاثة أطراف، يتجلى الطرف الأول في المقترض الذي هو المستهلك والثاني في المقرض المتمثل في المؤسسة البنكية، وكذا الطرف الثالث المتمثل في المنعش العقاري أو المقاول أو مالك العقار بحسب الأحوال. وبالتالي تكون العلاقة التعاقدية من الناحية العملية تنقسم إلى عقدين:
-العقد الأول هو عقد البيع الذي يكون بين المورد والمقترض الذي يتجلى محله في العقار.
–العقد الثاني متمثل في عقد القرض المبرم بين البنك والمقترض.
وتتجلى مظاهر التعسف في هذه الحالة في كون العقد الرابط بين المقترض والمورد المتمثل في عقد البيع إذا لم يتم إبرامه أو تنفيذه لسبب من الأسباب في حين أن عقد القرض العقاري مبرم، فإن المقترض يكون ملزما بأداء أقساط القرض دون وجود سبب لأن عملية الاقتراض منفصلة عن عملية شراء العقار بحيث لا تأثير لسبب كل من العقدين على الأخر، فبعدما كان المشرع المغربي يخضع عقد القرض العقاري للقواعد العامة التي تتعامل مع كل من العقدين بصفة مستقلة عن الآخر رغم ما بينهما من ارتباط، فطن في نهاية المطاف إلى هذه المسألة في قانون حماية المستهلك مجاراة منه للمشرع الفرنسي الذي أقر الطابع الموحد لعقد القرض العقاري مع العمليات الممولة به بعد تردد طويل منه. وللحد من هذا الشرط فقد نص المشرع المغربي في المادة 122 من قانون 31.08 على ما يلي: «يعلق قبول العرض على الشرط الفاسخ المتمثل في عدم إبرام العقد المطلوب القرض من أجله داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ قبول العرض.
يجوز للطرفين الاتفاق على أجل أطول من الأجل المحدد في الفقرة السابقة».
والملاحظ من خلال قراءتنا لهذه المادة أنها رتبت شرطا فاسخا على عدم إبرام العقد المطلوب القرض لأجله وذلك خلال انصرام أجل أربعة أشهر من تاريخ قبول العرض، كما أن أجل الأربعة أشهر السالفة الذكر ليست من النظام العام، وعليه جاز لأطراف العقد أن يتفقوا على آجال أطول مادامت هذه الآجال بدورها ليست تعسفية،
كما أن الآثار المترتبة عن هذا الفسخ نص عليها المشرع في المادة 124 من هذا القانون، وتتمثل في رد المقترض للأموال المدفوعة من طرف المقرض بالإضافة إلى الفوائد المترتبة عنها زد على ذلك إمكانية المطالبة بمصاريف دراسة الملف التي تحدد بنص تنظيمي.
كما لا يفوتنا أن المشرع المغربي وتكريسا منه لمبدأ توحيد عقد القرض العقاري مع العمليات الممولة به قد رتب شرطا واقفا يوقف نفاذ العقد الأصلي على الحصول على القرض بحيث أن العقد المرتبط بالعملية الأصلية يستوجب فيه وجود شرط مفاده أن الثمن يسدد عن طريق قرض أو عدة قروض، الأمر الذي يجعل العقد الأصلي دون جدوى حال عدم الحصول على القرض، كما أن المشرع أكد على ضرورة إفراغ هذا العقد في محرر ثابت التاريخ.
أما بخصوص مدة هذا الشرط الواقف قد نصت عليها المادة 127 من القانون 31.08 التي لا يجب أن تقل عن شهر
ج. المبالغة في اشتراط الضمانات
من الواضح أن مسألة الضمانات التي تطلبها المؤسسات المانحة للقروض ضمانا لاسترجاع أموالها أحيانا قد تتسم بنوع من المغالاة، زد على ذلك ما يتعلق برهن العقار محل القرض الذي يلزم المقترض بالانضمام إلى عقد التأمين من الحريق والتأمين على الحياة،بالإضافة إلى شرط الالتزام بتحويل مبلغ التأمين إلى المقرض في حالة وفاته دون موافقة خلفه، ومن المبالغة في اشتراط الضمانات كذلك _وبالدرجة الأولى_ نجد شرط إلزام المقترض بالتوقيع على الكمبيالة أو السند لأمر المتضمنة لكامل مبلغ الدين وتكون بذلك تلك الأوراق التجارية بمثابة اعتراف بدين، بحيث عندما يتأخر المقترض عن سداد الأقساط لسبب من الأسباب تتوجه المؤسسة البنكية المانحة للقرض إلى سلوك مسطرة الأمر بالأداء مباشرة
ومن هنا نتساءل إذا: عن أي حماية يتمتع بها المقترض في ظل هذه المغالاة في الاشتراط، خصوصا ما يتعلق منها بالتوقيع على الأوراق التجارية المتضمنة لكافة مبلغ الدين نظرا لشيوع هذا الشرط من الناحية الواقعية، وخصوصا كذلك عندما يكون المقترض قد أدى أقساط مهمة من القرض في حين أن الورقة التجارية تحمل كامل مبلغ الدين.
كما نورد كذلك إشكالا متعلقا بالحماية القانونية للمستهلك كطرف مدني من قواعد القانون التجاري إذا علمنا أن الأوراق التجارية تعتبر من الأعمال التجارية الشكلية التي يطبق بشأنها القانون التجاري بغض النظر عن الأطراف المتعاملين بها. فمن المسلم به أن البنك من حقه اشتراط الضمانات على زبنائه ضمانا لاسترجاع أمواله لكن شريطة عدم المغالاة في ذلك بشكل يؤدي بنا إلى معضلة أخرى ترتبط بعدم تواجد نوع من التوازن بين الحقوق والواجبات بين البنك والمقترض،ولمعالجة هذه الوضعية تدخل المشرع المغربي ليقر ببطلان الضمانات التي تثقل كاهل المستهلك ولعل ذلك ما نستشفه عند استقرائنا للمادة 150 من قانون 31.08 التي نصت على ما يلي : «دون المساس بأحكام المادة 164 من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة تعتبر باطلة الكمبيالات والسندات لأمر الموقعة أو المضمونة احتياطيا من لدن المقترض، عند القيام بعمليات القرض الخاضعة لأحكام هذا القسم». وقد عزز كذلك المشرع هذه الحماية بمقتضيات زجرية متمثلة في غرامة تتراوح بين 30.000 إلى 200.000 درهما أساسها القانوني المادة 188 من نفس القانون، مما يشكل نوعا من الردع للمؤسسات البنكية التي تشترط مثل هذه الشروط المجحفة.
وتأسيسا على ما سبق ذكره من بعض أوجه الحماية التشريعية للمستهلك المقترض من الشروط التعسفية نلاحظ أن المشرع قد تصدى للممارسات العقدية المرتبطة بالشروط التعسفية والان سنقف عند دور القضاء في إعادة التوازن العقدي في عقد القرض العقاري.
ثانيا: دور القضاء في إعادة التوازن العقدي
على الرغم من كون التشريع المغربي من التشريعات المدنية التي أخذت بمبدأ سلطان الإرادة الذي تترتب عنه مجموعة من الآثار نجملها في القوة الملزمة للعقد وحرية التعاقد بالإضافة إلى نسبية آثار العقد، إلا أنه يحمل في طياته إلى جانب ذلك مقتضيات قانونية تمنح للقاضي سلطة التدخل بهدف تحقيق التوازن العقدي من خلال الحد من الشروط التعسفية المجحفة في حق المتعاقد، سيما إذا تم إقحامها في العقد بسوء نية بهدف الإضرار بالمتعاقد الأخر.
بيد أن القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود المغربي قد ضيقت من نطاق تدخل القضاء لي تأويل بنود العقد، الأمر الذي دفع المشرع للمغربي إلى منح القضاء سلطات واسعة للتدخل في تفسير وتأويل بنود العقد سواء كانت واضحة أو غامضة(أ) بالإضافة إلى مراجعة الشروط الجزائية (ب) التي يقحمها الطرق القوي في العقد بصورة مجحفة في حق المقترض.
أ. حدود تدخل القضاء في تفسير بنود العقد
إن الذي تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن مؤسسة التفسير تختلف ما إذا كانت بنود العقد واضحة، وإذا كانت هذه الأخيرة يشوبها نوع من الغموض أو إذا كانت واضحة لكن بينها نوع من التناقض، ذلك التناقض وبالتالي سوف ترى كل من الحالتين بنوع من التفصيل بين ما جرب به العمل في إطار القواعد العامة، وكذا الخصوصيات التي جاء بها قانون 31.08 لحماية المستهلك المقترض في عقد القرض العقاري.
1: تفسير القاضي للعقد الواضح العبارة
إن مفهوم العقد الواضح أثار جدلا فقهيا عريضا بين من يرى أن العبرة بالإرادة وليس باللفظ وبين من يرى أن العبرة باللفظ الواضح وليس بالارادة2، ولعل هذا الرأي الأخير هو الذي أخذ به التشريع والقضاء المغربيين. فبالنسبة للتشريع فإن المشرع المغربي كان واضحا من خلال الفصل 461 من ق.ت.ع الذي نص على أن إذا كانت ألفاظ العقد صريحة امتنع البحث عن قصد صاحبها، ونفس الأمر يفهم من منطوق الفضل 230 من نفس القانون. ولعل ذلك ما كرسه القضاء المغربي في العديد من للمناسبات من بينها قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا والذي جاء فيه «إن قضاة الموضوع مكلفون بتطبيق الاتفاقات المبرمة وليس من الجائز لهم تغييرها متى كانت واضحة وبينة»
كما جاء في قرار آخر له ما يلي «إن مهمة قضاة الموضوع هي تطبيق اتفاقات الأطراف، وهم لا يملكون حق تحريف البنود الواضحة والدقيقة، وذلك تحت ستار التفسير».
وذهب المجلس الأعلى كذلك إلى أن تفسير القاضي للشروط العقدية الواضحة يعد تحريفا لها مما يتعين نقضها وذلك في قرار آخر له جاء فيه «تحريف المحكمة للاتفاق الصادر من طرفين عما تعاقد عليه موجب لنقض حكمها».
لكن هذا الإشكال لا يطرح في حالة وجود عبارات واضحة لكن يوجد تناقض فيما بينها، بحيث تكون هذه الحالة موجبا لتدخل القضاء بصريح المادة 461 من ق.ل.ع المغربي وكذا توجه العمل القضائي لمحكمة النقض المغربية التي أكدت ذلك في العديد من قراراتها التي نورد قرار لها جاء فيه «عند تفسير العقد يجب على القضاة البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين بدل الوقوف عند المعنى الحقيقي للفظ».
كما أن هناك قرار آخر لمحكمة النقض سار على نفس التوجه حينما قضت في أحد قراراتها على أن «لمحكمة الموضوع الحق في أن لا تعتبر في الموضوع إلا معناها، لا مبناها، وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين عقد كراء لا عقد شركة، تصحح الوضع بالنسبة للتعبير الفاسد»
أما فيما يتعلق بالقانون الخاص بتدابير بحماية المستهلك رقم 31.08 فقد ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك عندما أقر في المادة 16 منه على أن هذه الشروط وإن كانت صحيحة فإن القاضي يقدر مدى إمكانية اعتبارها تعسفية قياسا على الأمثلة المنصوص عليها في المادة 16 من نفس القانون هذا الأمر إذا يؤكد توجه المشرع المغربي إلى منح القاضي سلطات ولسعة من اجل إعادة التوازن العقدي والحد من الشروط التعسفية
2 : تفسير العقد الغامض العبارة
إن العقد الغامضيعتبر المجال الخصب لتدخل القضاء للحد من الشروط التعسفية خصوصا إذا علمنا أن هذا الغموض كثيرا ما نجده في عقود الإذعان التي يكتفي فيها طرف واحد بتحديد الشروط العقدية. وقد تصدى للمشرع المغربي من خلال القواعد العامة لهذه المسألة حيث نص في الفضل 462 على ما يلي « يكون التأويل في الحالات الآتية-
: 1 إذا كانت الألفاظ المستعملة لا يتأتى التوفيق بينها وبين الغرض الواضح الذي قصد عند تحرير العقد.
: 2 إذا كانت الألفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها، أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها.
3: إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة بحيث تثير المقارنة الشك حول مدلول تلك البنود
وعندما يكون للتأويل موجب، يلزم البحث عن قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، ولا عند تركيب الجمل».
وقد اختلف الفقه المغربي بخصوص هذه الحالات بين من يرى أن المشرع ذكرها على سبيل الاستئناس وبين من يرى أن المشرع ذكرها على سبيل الحصر. لكن نحن الذي يهمنا هو مدى حماية تدخل القضاء في إعادة التوازن العقدي في العقد الغامض البنود للمستهلك المقترض.
فبالرجوع القواعد العامة نلاحظ أن المشرع قد نص في الفصل 473 من ق.ل.ع أنه «عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم»، فعندما نتمعن في عقد القرض العقاري نلاحظ أن المقرض بدوره يعتبر ملتزما الأمر الذي يجعله هو الأخر يستفيد من مقتضيات هذه المادة، وبالتالي فإن المقتضيات العامة لا توفر حماية كافية المفترض الأمر الذي دفع المشرع المغربي إلى سن قواعد خاصة لحماية المستهلك المقترض في عقد القرض العقاري، وذلك تماشيا مع التوجهات المعاصرة التي جاءت بها الاتفاقية الأوربية رقم 13.93 لسنة 1993 في مادتها 5 التي جاء فيها ما يلي : « في حالة الشك في معنى شرط ما، يفسر لصالح المستهلك »، ويؤكد لنا ذلك في قانون حماية المستهلك رقم 31.08 المادة 9 منه التي جاء فيها» فيما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على المستهلك كتابة، يجب تقديم هذه الشروط وتحريرها بصورة واضحة ومفهومة. وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط، يرجح التأويل الأكثر فائدة بالنسبة إلى المستهلك «.
3. دور القضاء في مراجعة الشرط الجزائي
يعرف الشرط الجزائي على أنه اتفاق مسبق بين المتعاقدين على تقدير التعويض في حالة عدم تنفيذ الالتزام والتأخر في ذلك، وهذا الشرط الجزائي لا يعتبر شرطا تعسفيا إلا إذا كان على درجة تجعله مجحفا في حق الطرف الأخر، ويستمد الشرط الجزائي مشروعيته من الفصل 264 من ق.ل.ع بعد تعديله بقانون 27.95 الذي جاء في فقرته الثالثة ما يلي «…يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق
عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي ..» غير أن المشرع المغربي لم يحدد درجة المبالغة التي تقتضي ضرورة التعديل.
ويرى الأستاذ فؤاد معلال في هذا الصدد على أن ذلك مقرون بمقدار النفع الذي عاد على الدائن من خلال التنفيذ الكلي للشرط الجزائي حيث إذا عاد عليه نفع مقداره الثلث خفض الشرط الجزائي إلى حدود الثلث، أما بخصوص القانون 31.08 فقد حدد حدود القيمة التي لا يجب أن يتعداها الشرط الجزائي في مادته 133 في فقرتها الثانية التي جاء فيها «…إذا اضطر المقرض لطلب فسخ العقد، جاز له أن يطالب المتوقف عن الأداء بالتسديد الفوري لرأس المال المتبقي المستحق بإضافة الفوائد الحال أجلها وغير المؤداة. وتترتب على المبالغ المتبقية إلى تاريخ التسديد الفعلي فوائد عن التأخير على ألا يتجاوز سعرها الأقصى 2 % من رأس المال المتبقي المستحق«، وذلك لحماية المقترض خصوصا أن عقد القرض العقاري كما قلنا سابقا كثيرا ما تنتشر فيه مثل هذه الشروط المبالغ فيها.
المبحث الثاني: الحماية الإجرائية للمستهلك المقترض في المجال المدني
إن للحديث عن الحماية الاجرائية لا يجب معه أن يفوتنا التطرق إلى مسطرة الإنذار العقاري كمسطرة خاصة تستدعي منا الوقوف عند النصوص التشريعية المنظمة لها باحثين عن أوجه الحماية المنشودة، كما سنتناول إلى جانبها دور الإمهال القضائي في حماية المستهلك، [المطلب الأولى] باعتباره إذا نظرنا إليه من زاوية القانون المدني لا يعدو أن يكون سوى استثناء عن المبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 128 من ق.ل.ع الذي نص على عدم إمكانية القاضي منح هذه المهلة دون اتفاق أو قانون يقضي بها، وسنقف أيضا عند الاختصاص القضائي في نزاعات القرض العقاري وكذا اثبات الدعوى وتقادمها [المطلب الثاني] .
المطلب الاول: الإنذار العقاري والإمهال القضائي ودورهما في حماية المستهلك المقترض
سوف نتناول في هذه الفقرة الإنذار العقاري باعتباره إجراء مرتبط بمسطرة تحقيق الرهن العقاري [الفقرة الاولى]، ثم بعدها نعرج على الإمهال القضائي أو ما يصطلح عليه في قانون الالتزامات والعقود المغربي بمهلة الميسرة [الفقرة الثانية]
الفقرة الاولى: الإنذار العقاري
يعتبر الإنذار العقاري أول خطوة يخطوها البنك لاسترجاع ديونه الناشئة عن عقد القرض العقاري، لذلك تجد دراسة هذا الإجراء أهميتها أولا في كون الملكية العقارية ملكية سامية خصوصا في نظر المستهلك الذي من دونها لن ينعم بالاستقرار، وثانيا أن الاقتصاد الوطني قائم بالدرجة الأساسية على المؤسسات الاقتصادية ويعتبر البنك من أهم هذه المؤسسات، وبالتالي حري بالمشرع المغربي حماية المصلحتين المتناقضتين من خلال خلق توازن بينهما بشكل لا يضر بالمستهلك ولا بالبنك كمؤسسة مانحة للقرض العقاري.
فالإنذار العقاري يعرف بكونه إشعار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن بواسطة عون التبليغ-المفوض القضائي- يطالب فيه بأداء الدين المضمون بالرهن تحت طائلة نزع ملكية العقار المرهون، وبيعه بالمزاد العلني لتسديد مبلغ الدين وفوائده ومصارفه، فالذي يظهر لنا ونحن نقرأ هذا التعريف هو أن هناك تشابه -إلى حد ما- بين الإنذار العقاري والحجز العقاري المعروف في إطار المسطرة العادية لتنفيذ الاحكام العقارية، غير أن ما يميز هذه المسطرة أنها لا تكون بناء على حكم قضائي وإنما بناء على الرهن الرسمي الذي تم تأسيسه ضمانا للقرض العقاري، كما أن هذا الإنذار يكون بمثابة تنبيه للمقترض بأداء ما بدمته من دين مستحق الأداء في حالة كان المقرض قد تماطل أو تقاعس عن أداء أقساط القرض، فقي هذه الحالة إذا لم يستجب لهذا الإنذار ولم يعبر عن نواياه بوشرت مسطرة التنفيذ على عقاره محل الرهن الرسمي.
وقد ضمن المشرع المغربي المقتضيات الخاصة بالإنذار العقاري في مرسوم 17 دجنبر1968، المتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء، والقرض الفندقي حيث يمكن تلخيص هذه المسطرة فيما يلي:
– توجيه الإنذار إلى المدين وتبليغه إلى المحافظة العقارية لتقييده في الرسم العقاري أو بإيداعه إذا كان العقار في طور التحفيظ ويعتبر العقار في هذه الحالة في طور مسطرة النزع الأمر الذي يمنع عليه أي تقييد جديد، كما يبلغ هذا الانذار إلى الكفيل والحائز.
– إذا مر الأجل المتمثل في 15 يوم من تاريخ التبليغ ينشر 6 مرات طيلة الاسابيع الموالية لتقييده في إحدى الجرائد واستيفاء جميع الاجالات دون إقدام المدين على الأداء يقوم البنك بالبيع الجبري للعقار بالمزاد العلني بعد تعليق إعلان البيع مرتين تفصل بينهما 15 يوما
إن الإشكال الذي يطرحه بعض الباحثين في هذا الإطار هو أن مرسوم 17 دجنبر 1968 من خلال ما جاء به من مقتضيات تهم الإنذار العقاري تجعل هذا الأخير بمثابة الحجز التنفيذي، الأمر الذي يجعل هذا المرسوم لا يخدم مصلحة المستهلك المقترض للقرض العقاري مقارنة مع مقتضيات الحجز العادي الذي نظمه قانون المسطرة المدنية، بحيث أن هذا القانون لا يعتبر الإنذار العقاري سوى مقدمة من مقدمات التحصيل إلى حين تحويل الحجز التحفظي إلى الحجز التنفيذي بناء على مقتضيات الفصل 469 من ق.م.م، ولعل ذلك ما يجعل هذه المسطرة في نظرنا لا تخدم المستهلك المقترض خصوصا إذا كان في حالة استدانة مفرطة، ذلك أن سرعة مسطرة الانذار العقاري لا تعطي له المهلة الكافية لتسوية أوضاعه الاقتصادية ليكون معه قادرا على تسديد الأقساط من جديد فماذا عن الإمهال القضائي ؟
الفقرة الثانية: الإمهال القضائي
إن الإمهال القضائي ليس بالأمر الجديد الذي أتى به قانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك وإنما كان هذا الإمهال معروفا وفق القواعد العامة فيما يصطلح عليه بمهلة الميسرة، وقد عرفها الفقه على أنها ذلك الأجل الممنوح من طرف القضاء للمدين أستحق دينه وأصبح خاضعا للملاحقة.
والذي يظهر لنا ونحن نتقفى أثار هذه النظرية باحثين عن موقعها في إطار القواعد العامة وجدنا أنها لا تعدو أن تكون سوى استثناء عن المبدأ المعروف في القانون المدني ألا وهو مبدأ القوة الملزمة للعقد، بل أكثر من ذلك أن الشرع المغرب قد ضيق من نطاق استعمال هذا الاستثناء وذلك من خلال الفقرة الثانية من الفضل 243من ق.ل.ع الذي جاء فيها «… ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها.«
وبالتالي فلمنح هذا الآجال لابد من تحقق مجموعة من الشروط نجملها في ضرورة توفر ظروف اقتصادية واجتماعية حالت دون استطاعة المدين أداء دينه المستحق وذلك مع ضرورة إثباته لهذه الظروف، ويجب على القاضي أن يمنح أجلا كافيا ينسجم والفترة المعقولة للتخلص من تلك الظروف، كما أن مهلة الميسرة تعتبر من النظام العام لا يمكن الاتفاق على استبعادها.
فعلى الرغم من تضييق المشرع المغربي من نطاق تطبيق نظرية الإمهال القضائي في القواعد العامة فإن في الوقت الراهن أضحى إعمال هذه النظرية أمرا ضروريا لا محيد عنه، خصوصا أمام ما أبانت عليه تطورات العلاقات التعاقدية فيما يصطلح عليه بأزمة العقد، الأمر الذي دفع المشرع المغربي من خلال قانون 31.08 ليفرد قواعد خاصة بالإمهال القضائي فطونا منه بالوضعية السالفة الذكر، فهذا التدخل التشريعي لا شك أنه سوف يوفر حماية خاصة للمستهلك المقترض أكثر من تلك المقررة في إطار القواعد العامة، بل أكثر من ذلك وردا على بعض الآراء الفقهية التي تقدس –إلى حد ما- مبدأ سلطان الإرادة ومبدأ القوة الملزمة للعقد نساند رأي الأستاذ محمد شيلح الذي يرى أن منح المدين مهلة الميسرة ما هو في حقيقة الأمر إلا تكريسا لنظرية سلطان الإرادة وليس تضييقها مادام أن الإمهال القضائي يهدف إلى الاستمرار الحقيقي للرابطة التعاقدية من خلال تخويل القاضي إمكانية تعديل العقد وإمكانية تعديل العقد هنا هو منح المدين باعتباره الطرف الضعيف في العقد مهلة ميسرة مراعاة لظروفه الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي نتساءل عن ضوابط تمكين المستهلك المقترض من المهلة القضائية وكذا الأثار الحمائية المترتبة عن هذه المهلة في إطار قانون 31.08.
اولا. ضوابط تمكين المقترض من المهلة القضائية
جاء في المادة 149 من قانون 31.08 «بالرغم من أحكام الفقرة 2 من الفصل 243 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، يمكن ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة أن يوقف تنفيذ التزامات المدين بأمر من رئيس المحكمة المختصة. ويمكن أن يقرر في الأمر على أن المبالغ المستحقة لا تترتب عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية. يجوز للقاضي، علاوة على ذلك أن يحدد في الأمر الصادر عنه كيفيات أداء المبالغ المستحقة عند انتهاء أجل
وقف التنفيذ، دون أن تتجاوز الدفعة الأخيرة الأجل الأصلي المقرر لتسديد القرض بأكثر من سنتين. غير أن له أن يؤجل البت في كيفيات التسديد المذكورة إلى حين انتهاء أجل وقف التنفيذ».
فعندما نقرأ هذه المادة نستشف أن المشرف المغربي لم يقيد سلطة القاضي بقدر ما هو فسح المجال أمامه للاجتهاد فيما يتعلق بتحديد الظروف التي تستدعي منح المهلة القضائية، ذلك أن استعمال المشرع لعبارة «ولاسيما في حالة..» دليل على أن ذكر تلك الحالات على سبيل المثال لا الحصر، فرغم أن النقاش يثار حول القضاء المختص في إعطاء الامهال القضائي بين من يرى أنه اختصاص حصري لقضاء الموضوع وآخرون يضيفون القضاء الاستعجالي كقضاء مختص في اعطاء هذه المهلة، إلا أن الواقع قد أخذ بالرأي الاخير رغم ما يندد به الرأي الاول، ولعل ذلك ما نلاحظه إذ أن كثيرا ما يطبق رؤساء المحاكم مقتضيات المادة 149 الأنفة الذكر كما هو الحال بالنسبة للأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس عدد 13/150 ملف عدد 12/8/996، بتاريخ 2013/2/12 الصادر بإيقاف تنفيذ التزام المدعي المتمثل في أدائه لباقي الأقساط المستحقة في عقد القرض العقاري الذي أبرمه مع المدعى عليها مع ما يمكن أن ينصرف عن ذلك من أثار قانونية، وذلك إلى حين تنفيذه لحكم متعلق بالتعويض عن الفصل عن العمل، أما بالنسبة لمدة الامهال القضائي فقد حددها المشرع في نفس المادة أعلاه وفي فقرتها الأخيرة في سنتين في حين لم يكن يحددها فيما مضى في إطار القواعد العامة.
ثانيا. الأثار الحمائية المترتبة عن الإمهال القضائي
يترتب عن منح المهلة القضائية وقف التزامات المدين إلى حين انتهاء المدة المقررة، وتأسيسا على ذلك لا يسوغ للبنك المانح للقرض العقاري أن يجبر المدين على أداء المبالغ المستحقة ولا الفوائد التي تكون موقوفة طيلة مدة المهلة القضائية، كما لا يمكن لهذا البنك فسخ عقد القرض العقاري ولا المطالبة بالتعويض. ومن الناحية الإجرائية يترتب عن المهلة القضائية مجموعة من الأثار تتمثل فيما يلي:
–وقف إجراءات التنفيذ التي سبق للبنك مباشرتها ضد المقترض تحت طائلة البطلان.
– المهلة القضائية لا تمنع البنك المقرض من القيام بالإجراءات التحفظية من قبيل الحجز التحفظي أو الحجز لدى الغير.
وكل هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المهلة القضائية في إطار المادة 149 من قانون 31.08 قد وفرت مقتضيات تحمي المدين المستهلك للقرض العقاري وذلك لأن هذه المهلة تمنح للمقترض الوقت الكافي للبحث عن سبل تحسين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية بشكل يكون قادرا معه أداء أقساط القرض من جديد كما لا تضر بمصالح البنك الذي يحق له القيام بالإجراءات التحفظية ضد مدينة.
المطلب الثاني: الحماية الاجرائية أثناء ممارسة الدعوى
يختلف الاختصاص بخصوص المحكمة المختصة في النزاعات المتعلقة بالقرض العقاري من حيث الاختصاصين النوعي والمحلي [الفقرة الاولى]، كما أن هناك نوع من الخصوصية كذلك على مستوى إثبات الدعوى وتقادمها [الفقرة الثانية].
الفقرة الاولى: المحكمة المختصة
يرجع سبب إثارتنا لمسألة الاختصاص القضائي في هذا البحث إلى الاختلاف الذي يكون فيما يتعلق بالاختصاص النوعي الذي يتأثر بطبيعة العقد ما إذا كان تجاريا أو مدنيا أو مختلطا، كما أن الاختصاص المحلي بدوره يختلف بين ما هو منصوص عليه في إطار القواعد العامة وما هو منصوص عليه في القواعد الخاصة.
اولا. الاختصاص النوعي
إن الاشكال لا يطرح على مستوى الاختصاص النوعي إذا تعلق الأمر بعلاقة تعاقدية بين طرفين مدنيين، حيث يعود اختصاص البت في القضية والحالة هذه إلى المحكمة الابتدائية صاحبة الولاية العامة، كما لا يطرح كذلك هذا الاشكال في العلاقات التعاقدية بين طرفين تجاريين بخصوص عملهم التجاري حيث تكون في هذه الحالة المحكمة التجارية صاحبة الاخصاص بناء على مقتضيات المادتين 5 و 61 من قانون 53.95، بيد أن التساؤل يطرح عندما يكون العقد مختلطا أحد أطرافه مدنيا والأخر تجاريا، ففي هذه الحالة عندما نعود إلى المادة الرابعة من مدونة التجارة المغربية نلاحظ أن ما يفهم منها هو أن الطرف التجاري لا يسوغ له فرض قواعد القانون التجاري على الطرق المدني مالم يكن اتفاق بخلاف ذلك بطبيعة الحال.
أما بالنسبة للعمل القضائي فقد كان يعيش نوع من عدم الاستقرار بخصوص هذه النقطة بالذات، حيث ذهبت محكمة النقض إلى التوجه الذي قلنا عليه أنفا والمستنبط من المادة 4 من مدونة التجارة، ولعل ذلك ما يستفاد من قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 29 مارس 2003، حيث قضت بما يلي: «بالنسبة للعقود المختلطة التي تعتبر تجارية بالنسبة لأحد أطرافها ومدنية بالنسبة للطرف الأخر كما هو الشأن بالنسبة لقرض منح من أجل السكن، فإن التاجر لا يمكنه رفع دعواه في مواجهة غير التاجر سوى أمام المحكمة الابتدائية بينما غير التاجر له الخيار بين رفع دعواه أمام المحكمة التجارية أو أمام المحكمة الابتدائية «.
وبخلاف هذا التوجه القضائي هناك توجه آخر يرفض قاعدة الخيار حيث ذهبت محكمة النقض في قرار آخر لها بتاريخ 30 شتنبر 2009 إلى ما يلي «الحساب البنكي يعتبر عقدا تجاريا حسب الكتاب الرابع من مدونة التجارة والأطراف الذين يستخدمونه يقبلون الخضوع لأحكامه مهما كانت صفة العميل وكيفما كانت طبيعة العقد بالنسبة إليه وبالتالي فإن المحكمة المختصة نوعيا بالنظر في هذا النوع من النزاعات هي الحكمة التجارية «.
والذي نلاحظه أن هذا القرار ينسجم مع القاعدة المنصوص عليها في الفقرة ما قبل الاخيرة من المادة الخامسة من قانون 53.95 الخاص بإحداث المحاكم التجارية والتي فسحت المجال للتاجر وغير التاجر للاتفاق حول تحديد المحكمة المختصة بالبت في النزاع الذي يشوب بينهما، لكن الذي نلاحظه كذلك أن الاخذ بهذا المنطق وإن كان ينتصر لمبدأ سلطان الارادة بمفهومه المطلق إلا أنه لا يستقيم والوضعية التعاقدية الشاذة بين أطراف عقد القرض العقاري، حيث يتفرد بموجبها البنك بتحديد شروط العقد بنفسه، الأمر الذي سوف يدفعه إلى تحديد المحكمة المختصة فيما يخدم مصاله دون رد الاعتبار إلى مصالح المقترض، لكن ومع ذلك نرى أن قانون 31.08 قد تصدى إلى ذلك على الأقل فيما يتعلق بقدرة المستهلك المقترض على التمسك بأي شرط يكون بالنسبة له تعسفيا.
ثانيا. الاختصاص المحلي
يخضع الاختصاص المحلي وفق المبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 27 من ق.م.م للموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه مع مراعاة الاستثناءات الواردة في الفصل 28 والاستثناءات النصوص عليها في نصوص خاصة.
ولما كان الاختصاص المحلي ليس من النظام العام فإن ذلك يمنح للبنك المجال لأدراج شرط في العقد يمنح الاختصاص لمحكمة دون أخرى، وهذا ما تبنته محكمة الاستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي :«وحيث إن الاتفاق على تعيين المحكمة المختصة محليا للنظر في النزاع هو المبدأ الذي كرسه المشرع المغربي بمناسبة إحداث المحاكم التجارية بالمغرب… « أما بالعودة إلى المادة 202 من قانون 31.08 فقد جاء فيها ما يلي: « في حال نزاع بين المورد والمستهلك، ورغم وجود أي شرط مخالف، فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير« .
وحسنا فعل المشرع، حيث جاء صريحا في هذه المدة بشكل يجعل المؤسسة المقرضة على بينة من أمرها، وكذا القضاء الذي يعرض عليه النزاع، ومن تطبيقات هذه المادة على مستوى العمل القضائي جاء في حكم للحكمة التجارية بالدار البيضاء ما يلي: «…حيث إنه عملا بمقتضيات المادة 202 من القانون علاه فإن المحكمة المختصة في حالة وقوع نزاع بين المورد والمستهلك ورغم وجود أي شرط تكون هي محكمة موطن أو محل اقامة المستهلك « فهذا التوجه التشريعي توجه سليم إذا نظرنا إليه من زاوية حماية المستهلك خصوصا أمام ما يتميز به هذا الاخير من ضعف الامكانيات الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون قدرته على الانتقال إلى محكمة المدعى عليه لإقامة دعواه.
الفقرة الثانية: إثبات الدعوى وتقادمها ورهان حماية المستهلك المقترض
لا أحد يجادل في أن الأصل العام هو أن عبء الاثبات يقع على من يدعيه بصريح الفصل 399 من ق.ل.ع، غير أن هذه القاعدة العامة ترد عليها استثناءات، ومن ضمن هذه الاستثناءات ما نص عليه المادة 34 من قانون 31.08 التي جاء فيها «في حالة حدوث نزاع بين المورد والمستهلك، يقع عبء الإثبات على المورد خاصة فيما يتعلق بالتقديم المسبق للمعلومات المنصوص عليها في المادة 29 وتأكيدها واحترام الآجال وكذا
قبول المستهلك. يعتبر كل اتفاق مخالف باطلا وعديم الأثر «، وبهذا المقتضى يكون المشرع-إلى
حد ما-قد خفف على المستهلك عبء الاثبات بما يخدم مصلحته مراعاة منه لحساسية وعدم توازن العلاقة التعاقدية.
وبما أن الطرف المهني المتمثل في البنك الذي يعتبر طرفا تجاريا في عقد القرض العقاري فإنه سوف يخضع لقواعد القانون التجاري التي تقر مبدأ حرية الاثبات كمبدأ أصيل نظرا لما تقتضيه المعاملات التجارية من سرعة ومضاربة وثقة.
وبالرجوع إلى أهم الوسائل التي يعتمدها البنك كوسيلة لأثبات المديونية بينه وبين عميله نجد كشف الحساب الذي نصت عليه المادة 492 من مدونة التجارة وكذا المادة 156من قانون 103.12 الخاص بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، فلما كان المبدأ المعروف يقول بعدم جواز الشخص صناعة دليل على نفسه فإن المشرع أحاط كشف الحساب بمجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر فيه كي يعد وسيلة للأثبات، وتتمثل هذه الشروط في ضرورة أن تكون هذه الكشوفات معدة من طرف مؤسسات الائتمان وأن تكون وفق الشكليات التي يحددها القانون ومحترمة للمناشير والدوريات الصادرة عن بنك المغرب، وهذا ما أكدت عليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرار لها جاء فيه ما يلي: «يجب أن يدلي من ينازع بكشف الحساب بأي حجة لأثبات ما يخالف ما جاء في لكشف المدلى به، ولذلك فإن الكشف المنشئ بصورة قانونية يعتبر حجة ما لم ينازع فيه «كما ذهبت المحكمة التجارية بمراكش إلى كون كشف الحساب الذي لم يحترم دورية بنك المغرب عديم الاثار ولا يكون وسيلة لأثبات المديونية بين البنك وعميلة حيث جاء فيه ما يلي «وحيث إن كشف الحساب وبيان صادر عن بنك المغرب بمخالفة للدورية المحال عليها بموجب المادة 106 من القانون البنكي يجعله عديم الاثار في الاثبات القضائي، وحيث أنذرت المحكمة المدعي للأدلاء بكشف نظامي وما يقيد المعاملة بين الطرفين دون أن يتقدم بذلك رغم إعلامه في الشكل يعدم قبول الطلب«، فمادام البنك المقرض يخضع لمراقبة صارمة من طرف أجهزة مختصة فلا مانع من اعتماد كشوفات الحساب المحترمة للشروط الانفة الذكر كوسيلة للأثبات.
أما فيما يتعلق بالتقادم فقد نص ق.ل.ع من خلال فصله 387 على ما يلي «كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة« وبما أن عقد القرض العقاري عقد مختلط بين طرف تجاري وآخر مدني فإنه سوف لن يخضع للتقادم المدني بل للتقادم التجاري، حيث جاء في المادة الخامسة من مدونة التجارة ما يلي : «تتقادم الالتزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار، بمضي خمس سنوات، ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة» مما يجعل المشرع يسوي بين التقادم في العقود التجارية والعقود المختلطة، لكن جاز للأطراف الاتفاق على آجال اكثر من 5 سنوات شريطة عدم تجاوز الأجل العادي الذي يتمثل في 15 سنة إعمالا بالقاعدة المنصوص عليها في الفصل 75 من ق.ل.ع.
خاتمة:
وفي الختام يمكننا القول أن هذا البحث المتواضع والذي لا ندعي فيه الكمال حاولنا فيه قدر المستطاع إبان دراستنا للقانون 31.08 المتعلق بتدابير لحماية المستهلك، أن نخلص إلى ماهية القرض العقاري و خصائصه و التي تميزه عن باقي العقود، وما يتضمنه القانون من ضمانات ترمي الى حماية المستهلك من الشروط التعسفية وتنوير بصيرته بتخويله مجموعة من الحقوق وميزتها أنها تلازمه قبل وأثناء إبرام وحتى بعد تنفيذ العقود الاستهلاكية، نظرا لمكانته الضعيفة مقابل المورد المتمتع بمكانة اقتصادية كبيرة جدا مقرونة بخبرة تقنية وفنية وقانونية في مجال عمله، وخص المستهلك المقترض بعناية خاصة حيث خصص الباب الثاني من القسم السادس المتعلق بالقروض العقارية وهو موضوع دراستنا، بعدما كانت القواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود والمبادئ التي يأخذ بها المشرع قاصرة في تحقيق هذه الحماية والتي غالبا ما تخول إمكانية إبطال العقد ككل، وهذا لا يتماشى مع إرادة المستهلك الذي هو في حاجة ماسة لذاك القرض لتلبية حاجياته الاستهلاكية، بالتالي هو بحاجة لإبطال الشروط التعسفية التي تثقل كاهله حيث تعتبر عقود القروض عقود إذعان غالبا ما تدرج من طرف المقرض من قبل، ويكون المستهلك المقترض ملزم بقبولها أو رفضها فقط دون إمكانية مناقشتها ولا التفاوض بشأنها، وهنا يكمن اللاتوازن في هذا النوع من العقود وبالتالي كان لابد للمشرع التدخل لمرافقة حمائية للمقترض في كل مراحل العقد للحد من تعسف المقرض، إضافة لإدراجه مجموعة من نماذج الشروط التعسفية التي من شأنها أن تحدث خللا في التوازن العقدي بين المقترض المستهلك لتلبية حاجاته الماسة والمهني المقرض وذلك في المادة 18 من ق 31.08، والتي من شأن القضاة القياس عليها، بطريق تفسيرها لتعديلها أو إبطالها حسب خطورتها، فبالرغم من أن مقتضيات القانون 31.08 التي استجاب فيها المشرع لانتظارات المعنيين بمجال الاستهلاك إلا أن المشرع لم يأتي بحماية واضحة فيما يتعلق بسعر الفائدة حيث تم الابقاء على ما هو معمول به في القوانين الجاري بها العمل، و بما فيها ربط الأداء المسبق بتعويض المقرض في حالة الاتفاق على ذلك دون تضمين مقتضيات من شأنها حماية المستهلك في هذا المجال.
أضف الى ذلك أن المشرع خول للقاضي السلطة لإعادة التوازن رغم تقييد سلطته في بعض الحالات وهو ما يجب إعادة النظر فيه، كما تجدر الإشارة إلى العقوبات التي تقع على المهنيين عند خرقهم لقواعد القانون 31.08 لكونها من النظام العام وأغلب هذه العقوبات منصوص عليها بشكل خاص في القسم التاسع تحت عنوان العقوبات الزجرية وهو ما يدخل في الحماية الجنائية التي خولها المشرع للمستهلك دائما لحماية رضاه وإعادة التوازن إلى العقود الاستهلاكية عامة والقروض العقارية خاصة.
ويبقى الأمل معلقا على القانون الجديد من أجل تفعيل الحماية الواجب أن يتمتع بها المقترض، سواء في المرحلة ما قبل التعاقد أو بعدها خاصة إذا ما تعرض المقترض للاستدانة المفرطة والعجز عن الأداء، وبالتالي يمكن القول على أن يجب على المستهلك أن تكون له جرأة من أجل للدفاع على حقوقه من خلال سلوك السبل القانونية التي تناولناها في هذا البحث، وألا يجلس في ركن التشاؤم مستسلما لإرادة المهني حبيس اعتقاد لا أساس لها مفاده عدم وجود أمن قانوني، غير أن هذا لن يتأتى وعدم وجود وعي لدى المستهلك، ذلك الوعي الذي يعزى عدم وجوده الى العديد من الفاعلين منها الدولة بالدرجة الأساسية وكذا تنظيمات المجتمع المدني كفاعلين تقع على عاتقهما مهمة توعية المواطنين بحقوقهم.
قائمة المراجع
- لائحة الكتب
- عبد الحق صافي، الوجيز في القانون المدني، الجزء الاول، المصدر الارادي للالتزامات، الجزء الاول، تكوين العقد، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2029
- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار احياء التراث العربي، بيروت-لبنان.
- عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة جديدة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثيرها بالمفاهيم الحديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الأول، الطبعة السادسة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2019.
- مصطفى الخطيب، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، انواعه مصادره، مطبعة حي السلام، أكادير.
- عبد الرحمان الشرقاوي، دور القضاء في إعادة التوازن العقدي، مطبعة دار القلم،2008.
- عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2018، الطبعة السابعة2019، مكتبة المعرفة.
- عالي منينو وهشام البخفاوي، القانون التجاري-دراسة على ضوء العمل القضائي- سلسلة مجلة قانون وأعمال، الطبعة 2020، مطبعة اكادير SO-ME PRINT
- عبد القادر العرعاري، نظرية العقد، مصادر الالتزامات، الكتاب الاول، الطبعة السادسة2018، دار الأمان، الرباط.
- لائحة الرسائل والاطاريح
- عبد اللطيف أحيتاف، حماية المستهلك المقترض في القرض العقاري، رسالة لنيل الماستر في قانون الأعمال، كلية متعددة التخصصات، جامعة عبد المالك السعدي، سنة 2016-2015.
- هاجر هروس، اشكالية حماية المستهلك فس قانون 31.08 القروض العقارية
نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة القانون المدني والأعمال، جامعة عبد المالك السعيدي، كلية العلوم القانونية ة الاقتصادية بطنجة،2011/2012.
- – سجى صاحب هذال، نحو تنظيم قانوني لعقد القرض العقاري، دراسة مقارنة، رسالة نيل درجة ماجيستر في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة الشرق الاوسط، حيزران 2021.
- أسماء العلمي، القرض العقاري على ضوء قانون 31.08 المتعلقة بتحديد تدابير لحماية المستهلك ، رسالة لنيل دبلوم ماستر المتخصص في الاستشارة القانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، جامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 2014،2015.
- عبد العالي الحمداوي، حماية المستهلك في العقود الخاصة المتعلقة بالإنعاش العقاري، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، أكدال، جامعة محمد الخامس.
- مأمون الكوبري، نظرية الالتزامات في قانون الالتزامات والعقود المغربي، المجلد الأول، مصادر الالتزامات، الطبعة الثانية.
- يهاب علي محمد بن عبد العزيز، نظرية التعسف في استعمال الحق في حقل الملكية العقارية، Abuse Of Right Theory In Real Estate، رسالة نيل درجة ماجيستر في القانون الخاص، جامعة الشرق الاوسط، 2011-2012.
- عبد الغني سلامة، الإنذار العقاري- في ضوء التشريع العقاري المغربي- رسالة نيل دبلوم الماستر في القانون المدني المعمق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكادير، جامعة ابن زهر، 2017.2018.
- حسناء جبران، حماية مستهلك القرض العقاري في ضوء قانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، جامعة الحسن الأول 2011/2012.
- لائحة المقالات
- بن الدين فاطمة، مفهوم القرض العقاري، مجلة دراسات الوظيفة العامة، عدد الثالث، 2015.
- عبد المهيمن حمزة، تبصير المستهلك المقترض عبر تقنية العرض المسبق في القرض العقاري على ضوء القانونين المغربي والفرنسي، المجلة العربية للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مؤلف جماعي حول حماية المستهلك، مطبعة فارير سطات، الطبعة الأولى 2020.
- محمد السطي، حماية المستهلك من الشوط التعسفية في القرض العقاري، مجلة المتوسط للدراسات القانونية والقضائية، عدد2 دجنبر2016.
- عز الدين ايت موسى، المهلة القضائية في ضوء القانون المغربي، مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة، العدد 34، 2020.
- لائحة المواقع الالكترونية
- الدكتور مسفر بن سعيد الغامدي، كتاب مجلة البحوث الاسلامية، العدد الخامس والسبعون، منشور بموقع https://al-maktaba.org/book/34106/35031
- موقع https://www.marocdroit.com