مقالات قانونية

العلاقة بين المسائل الإنسانية البيئية و قضية التنمية المستدامة

téléchargement (3)

من إعداد :

  • علي شريف الزهرة :أستاذة
    بالمركز الجامعي غليزان –
    باحثة دكتوراه بجامعة عبد الحميد ابن باديس .كلية الحقوق و العلوم السياسية – مستغانم تخصص قانون العلاقات الاقتصادية الدولية،عضوة في مخبر القانون الدولي و التنمية المستدامة
    .

مقدمة

كانت علاقة الإنسان في فجر تاريخه متوازنة مع بيئته ، لأن أعداده و معدلات استهلاكه و ما يستخدمه من وسائل تقنية كانت في حدود قدرة البيئة على العطاء.

فمشكلة البيئة تندرج ضمن إطار المسائل الإنسانية الشاملة ، فالقدرة على الاستدامة تضع حدودا للطموح الإنسان و أحلام الإنسان المادية لأنها تحتم ألا يسبب الإنتاج إلا أقل القليل من الضرر للمنظومة العالمية . و ما هو متعارف عليه أنه حيث وجد الإنسان وجدت التنمية و حيث غاب الإنسان تغيب بالضرورة التنمية فهذه الأخيرة تعتبر إحدى الوسائل للارتقاء بالإنسان و ذلك لأن التنمية بوصفها مشروعات و آليات و توجيهات هي من خصائص الإنسان وحده ، أي أن الأنساق التي تتجه إلى تعظيم الإمكانات أو تنمية القدرات لا يقوم بها إلا الإنسان.

و إن أي مشروع يسقط من حساباته إنسانية الإنسان أو لا يعمل على تعزيز حقوقه ، فان هذا المشروع مهما أوتي من إمكانات و قدرات فانه لن يستطيع بناء تنمية مستدامة و متوازنة .

فالتنمية لا يحققها إلا الإنسان الذي يشعر بعمق حريته و حقوقه و يمارس إنسانيته ، هذا هو الإنسان القادر على تنمية القدرات و تعظيم الطاقات والإمكانيات فإبداع البدائل الصناعية و المخططات التنموية و الأنشطة الاقتصادية الموالية للبيئة يظل قاصرا دون تحقيق مصالحة بين الإنسان و البيئة فمشاكل هذه الأخيرة لا يعرف الحدود و هذا العصر يشهد تحديات بيئية مختلفة أخذت تهدد الأجيال بسبب قيم و مثل و أعراف و أخلاقيات تؤصل في النفس أهمية التقدم الاقتصادي و الإثراء المادي على حساب الاستغلال السليم للموارد الطبيعية ، فان التحسين في مستويات المعيشة الذي تجلبه التنمية قد يضيع بسبب التكاليف التي قد يفرضها التردي البيئي على الصحة و نوعية الحياة فمن واجب كل فرد المحافظة على البيئة و تحسينها لمصلحة عامة الناس ز في إطار التنمية المستدامة حتى يتحقق له العيش في بيئة تتفق مع حقوقه و كرامته الإنسانية .فلابد من العمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة و حماية البيئة و استدامتها من جهة أخرى .

و على ضوء ما تقدم ما العلاقة بين الطابع الإنساني للبيئة و قضية التنمية المستدامة؟

من خلال الإشكالية يمكن التركيز على النقاط التالية:

أولا :
استعراض مفهوم الحداثة و النتائج السلبية المترتبة على تبنيه في مجال البيئة .

كان ينظر إلى البيئة على مر التاريخ بأنها كيان منفصل متميز عن الجنس البشري ، و هذه النظرة الانفصالية مسئولة – جزئيا – عن الحالة المتدهورة لكوكب الأرض.

إلا أن الإنسان بدأ يتنبه إلى أن الجنس البشري لا يمثل سوى جزء صغير جدا من المنظومة البيئية العملاقة على وجه الكرة الأرضية. فبالرغم أن الإنسان قد وظف قدراته الفائقة في تسخير البيئة ، إلا أنه بدأ يدرك أن كل أثر يحدثه في البيئة له أيضا أثر عليه ، و أن البيئة عنوان شخصيته و عطاء حضارته.

كما أن المعتقدات القديمة بأن إلقاء النفايات المشعة في المحيطات أو دفنها في الأرض أو إلقاء أطنان من الملوثات في المياه أو على الأرض ، أو بيع المبيدات إلى الدول الأجنبية لن يؤثر على الإنسان بأي حال قد بدأت تتلاشى و أصبحت المحافظة على سلامة البيئة هي المعيار الذي يقاس به تقدم الدول.

فالبيئة لا تكون سليمة في بلد بدون البلدان الأخرى ، فالتضامن و الترابط هنا لا مفر منهما ، فسلامة البيئة شرط يقع في جملة شروط استمرار العالم المتقدم –عالم الشمال – و في جملة شروط تنمية عالم الجنوب اللاهث على درب الخروج من التخلف و الفقر و الجهل و المرض.

و ان حماية البيئة تطرح تحديات في طليعتها الملائمة بين الإبداع التكنولوجي و انجازاته التي لا رجوع عن مواصلتها و الحد من التلوث.

فالإنسان القديم كان كائنا ضعيفا اتجاه الطبيعة ، كانت معارفه أولية و إمكانياته محدودة ، و كانت متطلباته بسيطة ، ولم يكن تأثيره واضحا أو ذا أثر في البيئة المحيطة به ، حيث يمكن القول أن الإنسان كان خاضعا للبيئة الطبيعية.

غير ان التقدم العلمي و التقني الذي حققه الإنسان ، و مع توسع معارفه ، تعدد إمكانياته ، و ازدياد متطلباته ، فقد أخذ الإنسان يحاول السيطرة على الطبيعة و يحاول تسخير كافة إمكانياتها لخدمته .

فأخذ يتعامل مع البيئة بشكل قاس ، و ربما يمكن القول بصورة عدوانية و طائشة ، فأصبح يستنزف خيرات و موارد الطبيعة بكافة الوسائل و أسرعها ساعده في ذلك شعارات التنمية الضاغطة ، و امتلاكه التقنية الحديثة ووقوعه تحت تأثير نمط الحياة الاستهلاكي .

فالبيئة ليست مجالا معزولا عن الأفعال و الطموحات و الحاجات البشرية ، فهي المجموع الكلي و محصلة كامل العوامل الخارجية التي تؤثر في حياة الكائن الحي.

فالتدهور البيئي الذي حدث معظمه خلال القرن الماضي يشير إلى أن النموذج الاقتصادي المهيمن (الليبرالية الرأسمالية) هو “اقتصاد استخلاصي” يستنفذ الموارد غير المتجددة، ويستغل الموارد المتجددة بدرجة أكبر من قدرتها على البقاء، ويتسبب في تغيير كيمائية الأرض وتشويه النظم البيئية عليها متسببا في حدوث أضرار لا يمكن إصلاحها لكل من الأرض والماء والهواء.
ولذا يمكن القول أن الاستغلال المفرط والتدمير المصاحب للتنمية هما نتاج للمجتمع الصناعي الحديث، وبخاصة منظومة قيمه ومعتقداته وبناءه السياسي. فبرغم أن لهذا النسق الاعتقادي “الحداثة” إنجازات عديدة إلا أن له جانبه المظلم أيضا متمثلا في الظلم الاجتماعي وإفساد البيئة، إلا أن معظم الناس منغمسون جدا في نموذج الحداثة هذا إلى درجة أنهم غير قادرين على إدراك أن “البناءات والعمليات التي تقوم عليها الحياة اليومية هي السبب في الدمار البيئي والظلم الاجتماعي”.

ويبدو أن الأسباب الرئيسة وراء قلة الاهتمام أو التصرف تنبع من ترسخ مجموعة معينة من القيم والمعتقدات والافتراضات القوية جدا ضمن نموذج الحداثة المهيمن والتي تحدد وتوجه الفعل الفردي والعام وتقف في طريق تطوير الناس والحكومات، وخاصة في الدول المتقدمة لاستجابات فعالة لتعزيز العدالة الاجتماعية والسلامة البيئية والانخراط فيهما. حيث يضع هذا النسق الاعتقادي المعروف “بالحداثة” ثقة مطلقة في التقنية والعلم، ولديه ثقة لا تتزحزح في النمو الاستهلاكي واقتصاد السوق. وقد عبر بول هاوكن Hawken عن هذا الأمر جيدا عندما صرح بأن الحداثة قد “أنتجت و بشكل طبيعي ثقافة تجارية مهيمنة تعتقد بأن كل حالات انعدام المساواة سواء الاجتماعية أو في الموارد يمكن حلها من خلال التنمية، والابتكار، والتمويل والنمو – النمو دائما” .

وفي هذا السياق قدمت شارلين سبرتناك Spretnak وصفا لخصائص هذه الحداثة يتضمن ما يلي:

1- Homo Economicus / أي أن الأولوية فيه تكون للرفاهية الاقتصادية التي ستقود إلى تحقيق الرفاهية في مجالات الحياة الأخرى.

2- النزعة التقدمية/ أي أن التقنية ستجد حلولا لكل المشاكل وأن الحالة الإنسانية سوف تتحسن بالتدريج من خلال الوفرة.

3- النزعة التصنيعية/ أي أن الإنتاج على نطاق واسع سيؤدي إلى تحقق الوفرة والتي بدورها ستؤدي إلى خلق نزعة استهلاكية.

4- النزعة الاستهلاكية/ إي أن استهلاك السلع المادية هو مصدر السعادة البشرية.

5- النزعة الفردية/ التي تشير إلى التنافس على المنفعة الفردية وإعطاء المصالح الفردية أولوية على المصالح العامة .

ويعكس هذا التحيز المتأصل المعتقدات التي دفعت نحو الاستعمار، والتنمية الصناعية والاقتصادية، فضلا عن طريقة الاستجابة للمشاكل الاجتماعية والبيئية الناتجة عن ممارساتها. وضمن هذا النموذج المتمركز حول الإنسان (الأوربي غالبا) نظر إلى الأرض على أنها مجرد مصدر وافر وغير ناضب للسلع، وركزت عملية التقدم بشكل أعمى على تحويل الموارد الطبيعية (بوساطة التقنية) إلى سلع استهلاكية تتحول بشكل سريع جدا إلى نفايات. وبالفعل فإنه ينظر للاقتصاد المزدهر على أنه “اقتصاد متوسع” ينتج سلع مادية كثيرة لتستهلك ومن ثم يتخلص منها. وأعتبر الإبداع الإنساني من خلال التقنية قادرا على حل كل المشاكل مما يمكن التقدم من الاستمرار بدون توقف.

وقد هيمن هذا التركيز على دور الاقتصاد والنمو الاقتصادي على صناعة القرار الاقتصادي والسياسي، حيث أصبح الاقتصاد أساس المعنى والعلاقة في المجتمع الحديث. فالنزعة الاقتصادية قوية جدا إلى حد النظر للاقتصاد كحقيقة ثابتة بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق حال أفضل. وضمن هذا النسق الإعتقادي تصبح النقود ومالكيها هي السلعة الأسمى، وتطغى معايير الحياة المترفة المسرفة المدفوعة بالنزعة الاستهلاكية الواسعة على كل الاعتبارات الأخرى، ويصبح السوق هو المحدد الأساسي لما يحدث في المجتمع، ويتعزز الاعتقاد بأن الوفرة (من خلال الإنتاج والاستهلاك الواسعين) ستحل كل المشاكل. ومن جانبها ساهمت وسائل الإعلام، وبخاصة التلفاز، الذي أصبح الأداة الرئيسة للتنشئة الاجتماعية في المجتمع الصناعي الحديث في التأكيد على أولوية الثروة والنقود في تحديد مكانة الفرد في المجتمع.ونتيجة لهذا الوهم المضلل الذي نشأ من خلال هذا الاعتقاد في التقدم والتنمية وخرافة التطور الإنساني يؤكد رسل Russell “أننا نستهلك الآن في سنة واحدة أكثر مما أستهلكه الإنسان في كل الفترة الممتدة منذ ميلاد المسيح وحتى فجر الثورة الصناعية”.

وبالرغم من حدة وكثافة الانتقادات لذلك النموذج وتنامي الاهتمام الشعبي بالقضايا البيئية إلا أن الناس بشكل عام وكذلك الشركات والحكومات مازالوا يفتقرون لأي دافع لأخذ تلك القضايا على محمل الجد ومن ثم لم ينخرطوا في عمل فعال باتجاه ممارسات مستدامة. وفي ظل غياب رؤية بديلة فإن الاعتقاد في التميز والتقدم والإبداع التقني الإنساني يسهم في خلق مجتمع راض عن/ أو يقبل بالاستغلال البيئي والاجتماعي.

ولذا فمن الضروري الاعتراف بأن القضايا البيئية هي قضايا اجتماعية وثقافية وأنه في ظل غياب التحليل النقدي للمعتقدات الأساسية والأطر السياسية الاجتماعية للمجتمعات الصناعية لن يكون هناك مبادرات ناجحة تجاه العدالة الاجتماعية والبيئية، ولن يصبح المجتمع الحديث في وضع يسمح له بالتكيف مع رؤية عالمية بديلة وبناء سياسي وثقافي واجتماعي قادر على دعم بروز مجتمع مستدام بيئيا وتنمويا.

ومن الواضح أنه لا يمكن إيجاد مجتمع عادل بيئيا واجتماعيا عندما تكون الحياة الاجتماعية فيه واقعة تحت هيمنة وتأثير قوى السوق، والربح، والنمو الاقتصادي، ومعايير الرفاهية المتنامية، كما أن النزعة الاستهلاكية غير المقيدة تؤدي إلى استغلال غير مقيد. وبناء عليه فإن معالجة تلك القضايا يتطلب تفكيرا جديدا يعترف بالعلاقة المتداخلة بين الإنسان والبيئة في ظل التنمية المستدامة التي توازن بين التغير الإبداعي والتقدمي، والمحافظة على البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز سعادة الأفراد، والمجتمع، وتستطيع المعايير والمؤسسات العامة فيها الحفاظ على نوع من التضامن الاجتماعي الذي يمكن من خلاله المساهمة في سعادة وخير الجميع.

باختصار يمكن القول أن الاهتمام المتنامي بتلك التحديات لنموذج الحداثة التنموي قد أدى إلى قبول واسع النطاق لمفهوم جديد – التنمية المستدامة- يؤكد على حماية البيئة وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية مما حدا بالكثير من المشتغلين بالفكر التنموي إلى عده بمثابة نموذج إرشادي جديد new paradigm للتنمية. ولكن ما المقصود بمصطلح التنمية المستدامة؟

ثانيا :
التعريف بمفهوم التنمية المستدامة.

ان التنمية عملية اقتصادية و اجتماعية و سياسية شاملة ، تستهدف التحسين المستمر لرفاهية الشعوب ، و هي عملية متكاملة ، لذا فان الإسهام في إيجاد ظروف مواتية لتنمية جزء كبير من الإنسانية .

فيبدو أن التنمية المستدامة هي التي تصبغ اليوم الجزء الأكبر من السياسة البيئية المعاصرة وقد كان للعمومية التي اتصف بها المفهوم دورا في جعله شعارا شائعا وبراقا مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبنى التنمية المستدامة كأجندة سياسية حتى لو عكست تلك الأجندات التزامات سياسية مختلفة جدا تجاه الاستدامة، حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجهات نظر متناقضة كليا حيال قضايا بيئية مثل التغير المناخي والتدهور البيئي اعتمادا على زاوية التفسير، فالاستدامة يمكن أن تعني أشياء مختلفة، بل متناقضة أحيانا، للاقتصاديين وأنصار البيئة، والمحامين، والفلاسفة. ولذا يبدو أن التوافق بين وجهات النظر تلك بعيد المنال.

لا تقتصر التنمية المستدامة على الوعي البيئي، و لكن تهدف إلى إقامة أفضل توازن بين الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية و البيئية.

  1. مفهوم التنمية:

هو توفير عمل منتج و نوعية من الحياة الأفضل لجميع الشعوب و هو ما يحتاج إلى نمو كبير في الإنتاجية و الدخل و تطوير للمقدرة البشرية، و حسب هذه الرؤيا فان هدف التنمية ليس مجرد زيادة الإنتاج بل تمكين الناس من توسيع نطاق خياراتهم و هكذا تصبح عملية التنمية هي عملية تطوير القدرات و ليست عملية تعظيم المنفعة أو الرفاهية الاقتصادية فقط بل الارتفاع بالمستوى الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي، و يبين ذلك أن حاجات الإنسان كفرد ليست كلها مادية و لكن تحتوي أيضا على العلم و الثقافة و حق التعبير و الحفاظ على البيئة و ممارسة الأنشطة و حق المشاركة في تقرير شؤون الأفراد بين الأجيال الحالية و المقبلة.

لكن تعريف التنمية يظل مرتبطا دائما بالخلفية العلمية و الإستراتيجية النظرية، فعلماء الاقتصاد مثلا يعرفونها بأنها الزيادة السريعة في مستوى الإنتاج الاقتصادي عبر الرفع من مؤشرات الناتج الداخلي الخام.في حين عرفها علماء الاجتماع على أنها تغييرا اجتماعي يستهدف الممارسات و المواقف بشكل أساسي، و هذا ما يسير على دربه المتخصصون في التربية السكانية، وبذلك فانه لا يوجد تعريف موحد للتنمية و هذا الاختلاف الذي يبصم مفهومها هو الذي سيدفع بعدئذ إلى عملية استدراج مفاهيمي يلح على أن التنمية هي كل متداخل و منسجم و انه تكون ناجعة وفعالة عندما تتوجه في تعاطيها مع الأسئلة المجتمعية إلى كل الفعاليات المعبرة عن الإنسان و المجتمع عبر مختلف النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية…الخ.

 

 

  1. مفهوم الاستدامة:

يعود أصل مصطلح الاستدامة في علم الايكولوجي و في المفهوم التنموي استخدم مصطلح الاستدامة للتعبير عن طبيعة العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم الايكولوجي على اعتبار أن العاملين مشتقين من نفس الأصل الإغريقي، حيث يبدأ كل منهما بالجذرEco الذي يعني في العربية البيت أو المنزل و المعنى العام للمصطلح ecology هو دراسة مكونات البيت، أما في المفهوم اللغوي للاستدامة تعني ديمومة الشيء أي تأني الشيء و طلب دوامة

و بذلك فالاستدامة هو ضمان ألا يقل الاستهلاك مع مرور الزمن و لكن ماذا يلزم لتحقيق ذلك؟تبين أن قدرة بلد ما على الاستدامة بمعنى أن تدفق الاستهلاك و المنفعة يتوقف على التغيير في رصد الموارد أو الثروة و ارتفاع الرفاهية بين الأجيال يأتي مع ازدياد الثروة مع مرور الوقت و في ظل وجود بدائل و إحلال محتمل بين الموارد على مر الزمن .

  1. مفهوم التنمية المستدامة:

إن الذي يتحدث عن التنمية المستدامة كمفهوم فإنه يعود الفضل في نحته إلى الباحث الباكستاني “محبوب الحق “و الباحث الهندي “أمرتاياس” و ذلك من خلال فترة عملهما في إطار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فالتنمية المستدامة بالنسبة إليهما تنمية اقتصادية اجتماعية وليست تنمية اقتصادية فحسب تجعل الإنسان منطلقها و غايتها، و نتعامل مع الأبعاد البشرية أو الاجتماعية للتنمية باعتبارها العنصر المهيمن و ننظر للطاقات المادية كشرط من شروط تحقيق التنمية المستدامة.كما أن الوزير النرويجي كروهارلم برينتلاندGRO HARLEM BRUNTLAND لعب دورا هاما في ترسيخ هذا المفهوم و تحديد ملامحه الكبرى، ففي سنة1987 يصدر تقرير الأمم المتحدة حاملا اسم برونتلاند يلح على أن التنمية يفترض فيها تلبية الحاجات الملحة الحالية دون التفريط في الحاجيات المستقبلية وهذا كله يقضي بنا إلى التأكيد على أن التنمية المستدامة تمثل التنمية استنادا إلى منطق التوزيع العادل للثروات وتحسين الخدمات و مناخ الحريات و الحقوق، و ذلك في توازن تام مع التطوير دونما اضطرار بالمعطيات و الموارد الطبيعية و السياسية بشكل عام.إنها بهذه الصيغة تنمية موجهة لفائدة المجتمع بشكل عام,حيث تعطي الاعتبار إلى حاجيات المجتمع الحالي مع الأخذ بعين الاعتبار حق الأجيال القادمة و هذا ما يبصمها بطابع الاستدامة.

 

  1. أبعاد التنمية المستدامة:
  • البعد الاقتصادي: للتنمية المستدامة أبعاد اقتصادية نذكر منها:
  • تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
  • تحسين و رفع مستوى المعيشة و تغيير أنماط الإنتاج و الاستهلاك غير المستدامين.
  • إيقاف تبديد الموارد الطبيعية و المساواة في توزيعها.
  • التقليص من تبعية الدول النامية وضرورة تبني هذه الأخيرة برامج تنموية تقوم على الاعتماد على القدرات الذاتية و تأمين الاكتفاء الذاتي.
  • التقليص من الإنفاق العسكري وتخويله إلى الإنفاق على احتياجات التنمية.
  • مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث نتيجة استهلاكها المتراكم من الموارد الطبيعية مثل البترول و الفحم و العمل على معالجته باستخدام التكنولوجيا النظيفة.
  • البعد الاجتماعي: من بين الأبعاد الاجتماعية للتنمية المستدامة نذكر:
  • تثبيت النمو الديمغرافي وجعله يتوازن مع النمو الاقتصادي.
  • تحقيق المساواة في التوزيع (كالدخل الوطني مثلا).
  • المشاركة الشعبية و تفعيل دور المرأة و الاستخدام الكامل للموارد البشرية.
  • توفير الحاجات الأساسية للسكان و ضمان استمراريتها للأجيال المقبلة و من بينها :الغذاء,السكن,التعليم و الصحة,محاربة البطالة…الخ.
  • مكافحة الفقر.
  • البعد البيئي:
  • الإدارة المتوازنة للموارد الطبيعية.
  • حماية الغلاف الجوي و العمل على التحول من نظام عالمي مرتكز على الوقود الأحفوري إلى نظام مرتكز على طاقة أكثر نظافة واستدامة.
  • حماية المناخ من الاحتباس الحراري.
  • إدارة المخلفات الخطرة و النفايات الصلبة و المياه المستخدمة.
  • مكافحة التصحر و الجفاف.
  • حماية وإدارة المياه العذبة.
  • المحافظة على التنوع البيولوجي.
  • مكافحة القطع الجائر للغابات وتحقيق تنمية مستدامة.
  • البعد التقني و الإداري:
  • استخدام تكنولوجيا أنظف.
  • الحد من انبعاث الغازات .
  • استخدام قوانين البيئة للحد من التدهور البيئي.
  • إيجاد وسائل بديلة أو طاقة بديلة للمحروقات مثل الطاقة الشمسية و غيرها.
  • الحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون.

و يمكن اعتبار التطور التكنولوجي في صالح البيئة و الاقتصاد بشكل دائم إذا:

  1. العمل على خفض تكاليف التلوث البيئي بشكل كبير.
  2. إحراز تقدم تقني هام يعمل على تقليل النفايات الناتجة.

3-أن تكون التكنولوجيا قابلة للتطبيق في المرحلة التي تسبق المنافسة.

4-أن تسفر الابتكارات التكنولوجية عن فوائد اقتصادية و اجتماعية.

ثالثا:
الاهتمام الدولي بالبيئة و تبني أجندة التنمية المستدامة

يعتبر مؤتمر الحكومات حول البيئة الإنسانية الذي انعقد في مدينة ستوكهولم في عام 1972م بداية اهتمام حكومات العالم بهذا الموضوع حيث تمخض عنه وثيقتان هما: إعلان ستوكهولم للمبادئ البيئية الأساسية التي ينبغي أن تحكم السياسة، وخطة عمل مفصلة فضلا عن إنشاء برنامج الأمم المتحدة البيئي كأول وكالة بيئية دولية .

وبرغم أن المؤتمر قد اعترف (في البند 21) بالحقوق السيادية للدول لاستغلال مواردها وفقا لسياستها البيئية الخاصة بها، إلا أنه طلب من الدول عند استغلال مواردها ضمان عدم استنزاف الموارد غير المتجددة، وحماية الموارد الطبيعية من خلال التخطيط الحذر لصالح الجيل الحالي والأجيال القادمة كما ورد في (البندين الثاني والخامس). ولتحقيق ذلك التغير وجهت الدول نحو “تبني اقتراب متكامل ومتناسق لتخطيطها التنموي لكي تضمن توافق التنمية مع الحاجة إلى حماية وتحسين البيئة” (البند 13). ولذا كان إعلان استوكهولم أول محاولة لتقييد حق الدول في استغلال مواردها الطبيعية وخاصة تلك المتسمة بطبيعة غير متجددة، بطريقة غير معيقة.

وتبرز أهمية مؤتمر استوكهولم في أنه حدد علاقة مشتركة بين استنزاف الموارد بهدف التنمية وحماية البيئة، وهي علاقة تم تبنيها لاحقا في إستراتيجية الحماية البيئية الدولية التي بلورت ولأول مرة مفهوم “التنمية المستدامة”، عندما أكدت على أنه “لكي تكون التنمية مستدامة فلابد أن تأخذ في الحسبان العوامل الاجتماعية والبيئية فضلا عن الاقتصادية.” وقد مثلت تلك الإستراتيجية بدورها الخلفية الإطارية لتقرير بروندتلاند الذي منح المفهوم شعبية واسعة ومهد الطريق أمام تبنيه بإجماع دولي منقطع النظير في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية البيئية ثم من خلال إعلان ريو.

ومع أن استجابة غالبية الحكومات لنداءات المهتمين بحماية البيئة كانت بطيئة جدا خلال العقد الذي أعقب مؤتمر ستوكهولم فضلا عن التقدم الضئيل الذي حدث في مجال البيئة، عندما تمت الموافقة في عام 1972م على المعاهدة الدولية للاتجار بالأحياء البرية النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، إلا أن قضية البيئة شهدت انتكاسة غير متوقعة في عام 1974م عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الوثيقة المتعلقة بحقوق وواجبات الدول التي أكدت على “حقوق” الدول في التنمية، لكنها تحاشت أي إشارة للمعايير البيئية. ومما زاد الطين بلة أن نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات قد شهدت تجاهلا واضحا للقضية البيئية في الدول الأكثر تقدما مع تأكيد حكوماتها المتزايد على “حلول” السوق الحرة، بالتزامن مع تخلي تلك الدول عن مسئوليتها عن النتائج البيئية السلبية للعمليات الاقتصادية. ولذا يمكن القول بأن الاتجاه السائد في تلك المرحلة كان بعيدا عن أي إجماع دولي تجاه قضايا البيئة.

وبقي الأمر هكذا حتى جاءت نقطة التحول الحاسمة في عام 1983م عندما طلب الأمين العام للأمم المتحدة من رئيسة وزراء النرويج آنذاك، جرو هارلم بروندتلاند تشكيل لجنة للبحث عن أفضل السبل التي تمّكن كوكبنا الذي يشهد نموا سكانيا متسارعا من أن يستمر في الإيفاء بالاحتياجات الأساسية من خلال صياغة افتراضات عملية تربط قضايا التنمية بالعناية بالبيئة والمحافظة عليها، وترفع من مستوى الوعي العام بالقضايا ذات الصلة بالموضوع. ومع نشر الوكالة (التي أصبحت تعرف بالوكالة العالمية للبيئة والتنمية، والمعروفة اختصارا WCED ) لتقريرها ” مستقبلنا المشترك في عام 1987م، الذي جاء متزامنا مع الصدمة البيئية الأكبر للرأي العام العالمي المتمثلة في اكتشاف ثقب الأوزون “ozone hole” فوق القارة المتجمدة الجنوبية والتي دفعت إلى الاتفاق في نفس العام على بروتوكول مونتريال لمعاهدة فينا حول حماية طبقة الأوزون بهدف تنظيم استخدام وإطلاق المواد المستنفدة للأوزون مثل غازات الكلوروفلوروكربون (CFCs) والهالون Halons، أصبح مفهوم “التنمية المستدامة أو المتواصلة مفهوما محوريا للتفكير المستقبلي. ومن ثم يمكن القول أن هذه التطورات المقلقة والشعور بأن بقاء البشر ومصيرهم مرتبطان ببقاء ومصير الكائنات الحية الأخرى وكذلك باستمرار كوكب الأرض ومنظوماته مكاناً صالحاً للحياة، فضلا عن الإدراك العالمي بمدى ما وصلت إليه الأمور من سوء منذ عام 1973م قد أسهمت بشكل مباشر في انعقاد أول قمة بيئية عالمية من نوعها هي قمة الأرض في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992م.

وتكمن أهمية أول قمة للأرض في ريو في أنها قد وضعت حجر الأساس لرؤية عالمية جديدة عن البيئة محولة الأجندة الكونية إلى التنمية المستدامة من خلال إثارة اهتمام الرأي العام العالمي بالعلاقة المتبادلة بين الأبعاد البيئية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للتنمية، كما مهدت الطريق أمام مفهوم التنمية المستدامة لاختراق الخطاب الاقتصادي والسياسي. ففي تلك القمة ألزم المجتمع الدولي نفسه بمفهوم التنمية المستدامة وقام بالفعل بصياغة قانون دولي بيئي، فمثلا تلزم مادة 27 من إعلان ريو حول التنمية والبيئة الدول والشعوب بتطوير “قانون دولي في مجال التنمية المستدامة”، كما تنعكس الخطوط العريضة لطبيعة ومحتوى القانون الدولي في مجال التنمية المستدامة بشكل واضح في اتفاقيتين تم تبنيهما في مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية UNCED، وهما اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي واتفاقية التنوع البيئي اللتان تمثلان أدوات قانونية دولية لمعالجة المسائل الاقتصادية والبيئية بأسلوب متكامل.

فقد تم الاعتراف بأهمية التنمية المستدامة وعلاقتها بالتغيرات المناخية ضمن الاتفاق الإطاري للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي الذي يهدف أساسا إلى العمل على استقرار تركز الغازات الدفيئة GHGs في الغلاف الجوي.

ومع أن البروتوكول يتضمن آليات قضائية واقتصادية من أجل مواجهة موضوع إيقاف أو لجم انبعاث الغازات إلا أن تقديمه لأدوات اقتصادية مثل تبادل الانبعاث وعدد أخر من الوسائل المرنة قد تسبب في ظهور مقايضات عالمية من أجل الحصص التبادلية، وحقوق الانبعاث، ونشوء سوق جديدة بالكامل للتلوث. فنظرا للعواقب الاقتصادية لنظام التغير المناخي تتفاوض البلدان وفقا لمصلحتها الذاتية بحيث أن كلا منها يميل إلى افتراض المؤشرات الأكثر فائدة لمصالحها الذاتية.

وتعتبر الآثار الاقتصادية للمناخ المرتبطة بالتنظيم حاسمة نظرا لأن الخفض الكوني للغازات الدفئية يمس جوانب حساسة مثل الصناعة، والطاقة، والمواصلات في كل من الدول المتقدمة والنامية. ومع أن خفض مستويات التلوث والحفاظ على الرواسب الكربونية الطبيعية مرتبطان معا بالإطار الأوسع للتنمية المستدامة، إلا أن التركيز على مستويات الانبعاث كان أكثر حضورا نظرا لهيمنة مصالح البلدان الصناعية. وبرغم أن الروابط بين التنمية المستدامة والتغير المناخي قد استقطبت اهتماما متزايدا إلا أن هناك قيودا وعقبات متأصلة فيما يتعلق بتطوير اقتراب عملي يدمج بين إيقاف التغير المناخي وتعزيز التنمية المستدامة. وبرغم أن كل المحاولات التي تمت في هذا المجال قد أدعت أنها متطابقة مع الهدف الأساس للميثاق إلا أنه أصبح واضحا أنه حتى السؤال الأكثر أساسية والمتعلق بكيفية التوفيق بين التنمية الاقتصادية وحماية الغلاف الجوي للأرض بقي دون إجابة إلى حد كبير.

ويمكن القول بأن هناك عائقان في طريق إيجاد نظام فعال للتحكم في التغير المناخي. يتمثل أولهما في أن إيجاد مثل ذلك النظام يتطلب حدوث تغيير ما في المفهوم التقليدي لسيادة الدولة إلا أنه كان واضحا في المفاوضات خلال المؤتمرات أن مبدأ سيادة الدولة لا يزال مهيمنا وهذا يعني أنه لا يلزم أن تعلن أي دولة صراحة التزامات محددة بل أن الدول حرة في رفض أو قبول التزامات المعاهدة.

أما العائق الثاني فيتمثل في الخلاف العميق في الآراء بين الدول المشاركة فيما يتعلق بالمعايير المطلوبة والطريقة التي من خلالها يتم توزيع المسئولية. ويعكس اتفاق الإطار هذه الاختلافات من خلال استهداف كل من الحماية البيئية وتشجيع التنمية الاقتصادية. فمن خلال السعي لتحقيق الهدف الجوهري للاتفاق الإطاري تدفع الفقرة الثالثة من المادة الثانية من بروتوكول كيوتو بهذا الاختلاف قدما ، فمع أن البروتوكول يهدف إلى الحد الكمي لانبعاث الغازات الدفيئة إلا أنه يؤكد من جهة أخرى على الحاجة لتقليص الآثار السلبية لتلك السياسة على التجارة الدولية فضلا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

وتبعا لهذه الطبيعة الواسعة وغير المحددة لاتفاقية الإطار وهدف البروتوكول فقد منحت الدول المعنية قدرا واسعا من الحرية فيما يتعلق بكل من التفسير والتطبيق. فمع أن الامتثال لاتفاق الإطار يتطلب من الحكومات الوطنية أن تجري بعض التعديلات على سياساتها الوطنية وخاصة في مجالي الطاقة والمواصلات إلا أن الغموض المحيط بمفهوم التنمية المستدامة يفتح الباب واسعا لاحتمالات المزاعم الاقتصادية حول التكلفة، والفعالية، والتفاؤل التي توظف بشكل مهيمن لرفض أو تأجيل تطبيق سياسات الحد من الانبعاث. وهذه هي الذريعة التي دفعت الكونجرس الأمريكي لرفض المصادقة على بروتوكول كيوتو مما جعل البرنامج البيئي العالم يبكامله في مهب الريح. وحتى في الحالات التي يتم فيها التطبيق ضمن النظم القضائية الوطنية فإن القوانين تبقى ضعيفة، مع منحها الأجهزة الإدارية الوطنية المختلفة، مثل الوزارات ووكالات السيطرة على التلوث ووكالات مقايضة التلوث قدرا واسعا من حرية الاختيار فيما يتعلق بالتفسير أو التطبيق.

ومع أن مفهوم التنمية المستدامة كان يمثل المحور الأساس للنقاش في قمة الأرض الثانية حول التنمية المستدامة التي انعقدت في جوهانسبرج في أغسطس من عام 2002م وحضرها ممثلون لأكثر من 160 بلدا، بهدف إزالة التناقضات بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة فضلا عن تطوير مزيد من الاتفاقيات في مجال التنمية المستدامة، إلا أن التوقعات منها كانت، وبعكس قمة ريو التي عقدت في 1992م، أقل من المتوقع ثم جاءت النتائج مخيبة للآمال. حيث لم يقتصر الإخفاق على الفشل في التوفيق بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة بل تجاوزه إلى تأكيد عدد كبير من الدول المشاركة، صراحة أو ضمنا، باستحالة تجنب حدوث المزيد من التدهور في الأنساق البيئية للأرض والماء وارتفاع مستويات انبعاث الغازات الدفئية والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية. ويلاحظ، في هذا السياق، أنه برغم الالتزام الكوني بالعمل على استقرار تركز تلك الغازات في الجو إلا أن جزءا ضئيلا فقط من إنتاج الطاقة العالمي اليوم يستند إلى استخدام مواد غير عضوية. ومن ثم يمكن القول أن تزايد وتيرة التدهور البيئي الكوني فضلا عن تزايد معدلات الفقر وتفاقم حال فقراء العالم تشير جميعها إلى حالة ركود في ممارسة أنماط إنتاجية واستهلاكية مستدامة.

ولا يزال الجدال مستمرا. ففي الوقت الحاضر تهيمن الاعتبارات الاقتصادية على أجندة الاستدامة الدولية والوطنية على حد سواء، مما يجعل مسألة حماية البيئة تحتل موقعا هامشيا. فبينما تستمر معدلات صافي الدخل القومي للبلدان الصناعية في النمو وتستمر الشركات عبر القومية في التوسع تتفاقم الضغوط على الأنساق البيئية الطبيعية والموارد. وبدلا من مواجهة تحدي تطوير أسلوب مستدام للحياة يستطيع تلبية احتياجات الناس الأساسية في كل مكان دون القضاء على الأنساق البيئية، يتركز الاهتمام في الوقت الحاضر على تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي دون الاعتراف بمحدودية الموارد الطبيعية. إن هيمنة المصالح الاقتصادية و “النمو من أجل النمو فقط”، كما يؤكد ليستر براون، قد تغلغل في كل أنحاء الكرة الأرضية.

ويمكن القول باختصار أن العالم قد بدأ بالفعل وبصعوبة طريقه تجاه التنمية المستدامة خلال العقد الأول بعد قمة ريو، كما باشر عدد من الحكومات بحماس التزاماتها تجاه توصيات القمة وتنفيذ ما ورد في إعلان ريو وأجندة 21، إلا أن الإنجازات التي تحققت كانت بشكل عام غير كافية ولا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به لمواجهة التحديات المختلفة والمتعددة التي تواجه الحياة المستدامة على كوكب الأرض.

الخاتمة
يمر المجتمع البشري بمرحلة خطيرة من مراحل الحياة الإنسانية فهو ينشد التنمية بخطى حثيثة ويواجه في ذات الوقت التردي البيئي الناجم عن التقدم التكنولوجي والأنشطة الإنسانية المتعلقة بالجوانب المختلفة للتنمية
.
لقد أخذ العالم منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين يشهد ثورة تكنولوجية وقد تولد عن هذه الثورة تغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة وهذا حمل معه مخاطر بيئية وتدهور بيئي حيث أن التنمية المبنية على الاستنزاف السريع للموارد هي تنمية غير قابلة للاستمرار ومن الثابت أيضا آن التنمية القابلة للإدامة تتطلب تكنولوجية مناسبة لأحوال البيئة ولأحوال المجتمع .
هذه الحقائق وغيرها كانت نقطة انطلاق لجهود دولية لوضع تنظيمات قانونية للحفاظ على البيئة والتنمية وهنا يجب التعاون بين جميع الدول المتقدمة والمتخلفة ونقترح هنا بعض التوصيات المفيدة في هذا المجال
– إدماج معطيات البيئة ضمن برامج التنمية .
– توعية الدولة للمواطنين وتوجيههم إلى الممارسات الأقل ضررا للبيئة .
– استحداث وسائل وطرق علمية فنية تقنية في جميع الميادين أقل ضررا بالبيئة .
– وضع ميثاق حقوق وواجبات بيئية متعلق بالتنمية المستدامة ملزمة للأفراد والمنظمات .
– التأكيد على قانونية حق الإنسان والشعوب في بيئة سليم وملائمة للتنمية .
وهكذا نرى أن الأرض والبيئة هي بيت الجميع وعلى الإنسان أن يحافظ على البيئة دون تخريبها وأن يحفظ للأجيال القادمة حقها في العيش فليس من المنطق وليس من المقبول آن تستنزف الأجيال الحالية الثروات وتموت من التخمة وتترك الأجيال القادمة تموت من الجوع وعلينا زرع وخلق ثقافة الاهتمام بالأخر وبالبيئة والإقلاع عن ثقافة وفلسفة آنا وليكن بعدي الطوفان .

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى