بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

الفصــل الجمـــــاعي لــــلأجـــراء لأسبــــاب اقتصــــادية-دراسة على ضوء القانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة- – هشـــام السنــاح

الفصــل الجمـــــاعي لــــلأجـــراء لأسبــــاب اقتصــــادية

-دراسة على ضوء القانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة-

Collective dismissal of workers for economicreasons

-A study in light of Law No. 73.17 relating to procedures for contractingdifficulties-

هشـــام السنــاح

طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –فاس

 

لتحميل الاصدار كامل 

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

الملخص

تعد المقاولات فاعلا أساسيا ورئيسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة، وذلك من خلال النشاط والأدوار التي تقوم بها وما تشغله من يد عاملة مهمة تساهم في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، غير أنه بالنظر إلى الإكراهات الاقتصادية التي أصبح يشهدها العالم في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى أصبحت تواجه هذه المقاولات صعوبات كثيرة تؤثر بشكل أساسي على حقوق الأجراء بها، من خلال تسريحهم وفصلهم من مناصب شغلهم.

إن موضوع فصل الأجراء لأسباب اقتصادية في القانون المغربي تؤطره عدة نصوص قانونية تجدها سندها الأساسي في مدونة الشغل، بالإضافة إلى بعض الأحكام الخاصة المنصوص عليها ضمن مدونة التجارة، حيث حاول المشرع المغربي من خلال مجمل الأحكام الناظمة لهذا الموضوع التوفيق بين حقوق الأجراء وضمانها وبين حق المقاولة في المعالجة من الصعوبات التي تعترضها.

Summary

Enterprises are a fundamental and major factor in the economic and social development of any country, through the activities and rolestheyperform and the important workforcetheyoccupythatcontribute to maintaining social stability. However, given the economicconstraintsthat the world iswitnessingnow more thaneverbefore, In the past, thesecompanies are facingmanydifficultiesthatfundamentally affect the rights of theiremployees, throughtheirterminationthenfromwork and their positions.

The topic of lay off workes due to economicreasons in the Moroccanlawisframed by severallegaltextsthatfindtheir basic support in the Labor Code, in addition to somespecial provisions stipulated in the Trade Code, where the Moroccanlegislatortried, through all the provisions regulatingthissubject, to reoncile and garantee of workes and between the rights of the entreprise to theat the difficulties face it.

مقدمة

أضحت المقاولات في الوقت الراهن في قلب دواليب الاقتصاد وفاعلا أساسيا في ترسيخ دعائم الاستقرار الاجتماعي، ووعيا بهذه الأهمية فقد عملت شتى التشريعات على الاهتمام بهذه الوحدة من خلال سن نصوص قانونية تهدف إلى الحفاظ عليها وضمان ممارستها نشاطها داخل النسيج الاقتصادي.

لكن بالنظر إلى البيئة التي تزاول فيها المقاولة نشاطها وبالنظر أيضا إلى تغير الظروف الاقتصادية والتطورات الحاصلة على مستوى وسائل الإنتاج، فإن أمر تعرضها لصعوبات مالية أو اقتصادية أو هيكلية أو تكنولوجية يبقى واردا جدا، قد يؤدي معها إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات بغية الحد من تلك الصعوبات وعدم استفحالها داخل المقاولة.

يعد الفصل الجماعي للأجراء من أبرز الحلول التي قد يلجأ إليها المشغلين بهدف التخفيف من الالتزامات المالية للمقاولة، كما قد يكون هذا الإجراء أحيانا الحل السهل بالنسبة للمشغل يتخذه دون تفكير ودون بذل أدنى جهد ضمن الحلول الممكنة لإنقاذ المقاولة، ووعيا بخطورة هذا الإجراء وأهميته فقد عمل التشريع المغربي إسوة بباقي التشريعات المقارنة وكذلك إسوة بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، التدخل وتنظيم عملية فصل الأجراء لأسباب اقتصادية من خلال سن مجموعة من الأحكام التي تضبط هذه العملية وعدم ترك الأمر بيد المشغلين الذين قد يتعسفوا في ممارسة هذا الحق.

لقد توخى المشرع المغربي من خلال إقراره لمختلف الإجراءات الواجب اتباعها من قبل المشغل قبل اللجوء إلى الإغلاق أو الإعفاء الجماعي، إيجاد قدر من التوازن بين حق المشغل في ممارسة سلطته في الإغلاق والذي ينبع من حقه في الملكية وبين مبدأ الحق في التشغيل.

إن موضوع الفصل الجماعي للأجراء يكتسي أهمية بالغة، ويمكن لنا ربط هذه الأهمية بنظامين قد يناقض أحدهما الآخر، الأول يجد أساسه في مدونة الشغل التي تشكل الحد الأدنى من الحقوق التي يتمتع بها الأجراء لا يجوز النزول عنها، والثاني في الكتاب الخامس من مدونة التجارة التي تحدد مساطر وإجراءات تهدف إلى الحفاظ على المقاولة وإنقاذها من الصعوبات التي تعترضها، وبين هذين النظامين قد تضيع حقوق الأجراء وضماناتهم خاصة في الحالة التي يتم فيها تقرير فصلهم لأسباب اقتصادية إذ قد يجدون أنفسهم في مواجهة مساطر لا تستهدف حماية حقهم في التشغيل بالمفهوم الضيق وإنما تستهدفه بالمفهوم الواسع من خلال الحفاظ على النظام العام الاقتصادي وتغليب ضمان استمرارية المقاولة على حقهم.

لقد ظل موضوع فصل الأجراء يثير العديد من الإشكاليات خاصة على مستوى الواقع العملي، غير أن هذه الإشكاليات ازدادت أكثر حدة في الحالة التي يتم فيها ربط هذا الموضوع بالمقاولة الخاضعة لنظام مساطر المعالجة، إذ أن التوفيق بين موضوعين لكل واحد منه أهمية لا تقل عن الآخر تزداد أكثر صعوبة وتعقيدا على مستوى الواقع.

ارتباطا بما سبق، فإن الإشكال الرئيسي الذي سيشكل المنطلق في تناولنا لهذا الموضوع يتمثل أساسا في إبراز مجمل الضوابط والأحكام التي يخضع لها فصل الأجراء لأسباب اقتصادية على ضوء القانون رقم 73.17 وما هي الحقوق التي يتمتعون بها في هذا الإطار؟

إن الإجابة عن هذا الإشكال المحوري وباقي الأسئلة المرتبطة به، حتم علينا ضرورة تقسيم الموضوع إلى محورين رئيسيين وفق التصميم الآتي:

المبحث الأول: الأحكام العامة للفصل الجماعي للأجراء لأسباب اقتصادية

المبحث الثاني: الحقوق الثابتة للأجراء في مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية

المبحث الأول: الأحكام العامة للفصل الجماعي للأجراء لأسباب اقتصادية

يخضع الفصل الجماعي للأجراء الواقع لأسباب اقتصادية لمجموعة من الأحكام والضوابط المحددة قانونا، حيث أن هذا الفصل لا يخضع لأهواء ورغبات المشغلين وإنما عمل التشريع المغربي على تأطيره وتحديد مختلف الضوابط التي تحكمه (المطلب الثاني)، لكن قبل سعينا إلى تحديد هذه الأحكام ارتأينا بداية أن نقف عند ماهية هذا الفصل (المطلب الأول) وذلك بتحديد المقصود به والتنظيم القانوني الذي خصه به المشرع.

المطلب الأول: ماهية الفصل الجماعي للأجراء لأسباب اقتصادية

إن الانطلاق بالحديث عن ماهية الفصل الجماعي للأجراء لأسباب اقتصادية سيكون من تحديد مفهوم هذا الفصل (الفقرة الأولى)، وذلك قبل التطرق إلى التنظيم القانوني له في القانون المغربي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الفصل الجماعي لأسباب اقتصادية

إن المشرع المغربي عمل على تنظيم مختلف الأحكام المتعلقة بفصل الأجراء لأسباب اقتصادية سواء في الحالات العادية وفق ما هو منصوص عليه ضمن مدونة الشغل، أو في الحالة التي تكون فيها المقاولة خاضعة لنظام مساطر صعوبات المقاولة، إلا أنه بالرغم من هذا التنظيم المحكم فإننا نسجل غياب تعريف تشريعي للفصل لأسباب اقتصادية، وهذا أمر بديهي على اعتبار أن مسألة التعريفات ليست من اختصاص التشريع إذ نادرا ما نجد تدخل المشرع لتقديم تعريفات للمفاهيم التي يتولى تنظيمها.

من منطلق ما سبق، فقد عمد الفقه في هذا الجانب إلى التدخل ومحاولة تغطية هذا النقص وتعريف فصل الأجراء لأسباب اقتصادية، حيث ذهب البعض إلى القول بأن الأسباب الاقتصادية تتمثل في الصعوبات المالية أو الاقتصادية التي قد تمر منها المقاولة أو المؤسسة المشغلة بكيفية طارئة فتؤثر على نشاطها العادي وتجعلها غير قادرة على مواجهة وضعها، إلا بالتقليص من نفقاتها وأعبائها ومن ضمن ذلك إعفاء كل أو جزء من أجرائها، حتى تتمكن من تقويم وضعها المالي والاقتصادي وتجاوز أزمتها وبالتالي مواصلة نشاطها.

فيما ذهب البعض الآخر إلى اعتباره مجموع الصعوبات والأزمات المالية التي تتعرض لها المقاولة نتيجة الظروف الاقتصادية كحالة الكساد وبالتالي لا تبقى المقاولة في حاجة إلى نفس العدد من العمال.

أما جانب آخر من الباحثين فقد اعتبر بأن المقصود بالأسباب الاقتصادية هي الصعوبات المالية التي تعترض سير النشاط داخل المقاولة والتي قدد تهدد وجودها، إذا ما بلغت الحد الذي يجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، مما يؤدي حتما إلى فصل الأجراء كليا أو جزئيا.

وهذه الصعوبات التي قد تواجه المقاولات قد يكون مصدرها خارجي مرده وضعية السوق، وبالتالي لا دخل لإرادة المشغل فيها، وهذا ما عبر عنه بالأسباب الاقتصادية الظرفية.

وهكذا فإن الأسباب الاقتصادية فهي مجموعة من العوامل التي تُعَرِّضُ المنشأة إلى صعوبات مالية تتجلى في عدة مظاهر غير محددة على وجه الحصر من شأنها أن تؤدي إلى الانخفاض الحاد في نشاط المقاولة أو التوقف التام عن ممارسته.

وعلى العموم فإن الحديث عن فصل الأجراء لأسباب اقتصادية لا يمكن ربطه بعدد الأجراء المفصولين للقول بخضوع هذا الفصل لأسباب اقتصادية من عدمه، وقد اعتبر البعض من الفقه بأن العنصر الموضوعي الذي يستوجب احترام مسطرة الفصل الجماعي هو اعتماد الفصل على الأسباب الاقتصادية وليس عنصر العدد، إذ أن فصل أجير لسبب اقتصادي أو هيكلي مثلا يقتضي اتباع مسطرة الفصل الجماعي، لأن هذا الأخير النابع أساسا عن أسباب اقتصادية هو الذي دعم تدخل الإدارة لكي تتوفر على الدور الراجح في تقدير أسباب الإذن أو الرفض.

الفقرة الثانية: التنظيم القانوني للفصل الجماعي لأسباب اقتصادية

يرجع ظهور نظرية الفصل الجماعي للأجراء في فرنسا إلى الاجتهاد القضائي الإداري، حيث صدرت مذكرة بتاريخ 24 ماي 1945 المتعلقة بمسألة التشغيل، التي كانت تستلزم الحصول على رخصة إدارية عند كل طرد يقوم به المشغل، أما في المغرب كان يرجع السبب وراء التنظيم القانوني لهذا الفصل بالأساس إلى أن اقتصاد المغرب في ذلك الوقت كان اقتصادا زراعيا، وحتى المؤسسات الصناعية والتجارية التي كانت موجودة كانت صغيرة ولا تشغل إلا عددا قليلا من الأجراء.

وفي ظل غياب تنظيم قانوني خاص للفصل الجماعي للأجراء في تلك المرحلة، فإنه كان يخضع للقواعد العامة المطبقة على إنهاء عقد الشغل.

وأمام التطورات والتحولات التي عرفها المغرب في المجال الاقتصادي والاجتماعي، عمل المشرع المغربي على تنظيم عملية الفصل الجماعي للأجراء تنظيما دقيقا ومحكما يتماشى والأهمية التي تحظى بها مصالح الأجراء في مواجهة أرباب العمل، وعلى العموم فإن التنظيم القانوني للفصل الجماعي للأجراء يحظى بالتنظيم ضمن نصوص مدونة الشغل خاصة المواد 66 إلى 71.

إذ عمل المشرع المغربي ضمن هذه المواد وكما سنرى، على تنظيم مختلف الأحكام المؤطرة لعملية الفصل وذلك لتجنب تعسف المشغلين في الإقدام على اتخاذ قرارات أحادية تضر بحقوق الأجراء، وما نثيره في هذا الإطار هو أن عملية الفصل المنظمة من قبل المشرع ضمن أحكام هذه المواد تتعلق بالحالات العادية التي تكون فيها المقاولة في وضعية عادية لم تخضع بعد إلى نظام مساطر المعالجة من الصعوبات التي تؤطره أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة، لأجله فإننا نتساءل حول ما إذا كان التنظيم الوارد ضمن أحكام مدونة الشغل هو الوحيد الموجود في القانون المغربي ويطبق على كل المقاولات أم توجد نصوص أخرى تطبق في بعض الحالات الخاصة؟

ارتباطا بالسؤال أعلاه، نجيز القول في أن المشرع المغربي لم يكتفي بالتنظيم المجمل لعملية الفصل المنصوص عليها ضمن مدونة الشغل، وإنما خصص ضمن أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة بعض الفقرات ضمن مواده إلى تنظيم هذه عملية الفصل، غير أن ذلك التنظيم لم يأتي موجزا ومفصلا وإنما هي فقط إشارات من المشرع إلى عملية فصل الأجراء ضمن المقاولة الخاضعة لنظام مساطر المعالجة من الصعوبات.

وهكذا فقد جاءت المادة 624 من م ت لتنص ضمن فقرتها الخامس والسادسة بشكل صريح على أنه “إذا كانت القرارات المصاحبة للاستمرارية المذكورة أعلاه، ستؤدي إلى فسخ عقود الشغل، فإن هذا الفسخ يعتبر واقعا لأسباب اقتصادية بالرغم من كل مقتضى قانوني مخالف.

غير أن هذا الفسخ لا يصبح ساري المفعول إلا بعد توجيه إشعار بذلك من قبل السنديك إلى كل من المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم ويحتفظ الأجراء المفصولون بكل الحقوق المخولة لهم قانونا.”

ختاما لا يسعنا إلا التأكيد بأن فصل الأجراء لأسباب اقتصادية يجد أساسه ضمن أحكام مدونة الشغل التي تعتبر الشريعة العامة لهذا الفصل، حيث عمل المشرع من خلالها على تحديد مختلف الضوابط والأحكام المتعلقة بهذا الفصل كما سيتبين معنا بمناسبة تحليلنا لهذا الموضوع، لكن إلى جانب هذا فقد أشارت مدونة التجارة ضمن كتابها الخامس إلى هذا الموضوع واعتبرت بأن فسخ عقود الشغل في إطار مخطط الاستمرارية واقعا لأسباب اقتصادية وهو ما يفهم معه ضرورة العودة إلى أحكام مدونة الشغل والأخذ بالضوابط التي حددها المشرع لفصل الأجراء مع مراعاة القواعد الخاصة ضمن مدونة التجارة.

المطلب الثاني: ضوابط الفصل الجماعي للأجراء

إن الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية يعد من أعقد وسائل إنهاء عقود الشغل، لأجل هذا عمل المشرع المغربي على تنظيم الأحكام العامة لهذا الفصل ضمن مقتضيات مدونة الشغل وألزم المشغل -الذي يعتزم فصل الأجراء أو بعضهم- لإجراءات خاصة يتعين عليه اتباعها وإلا اعتبر الفصل تعسفيا.

لكن الإشكال الذي يثار بهذا الخصوص يتعلق أساسا هل فصل الأجراء الذين يشتغلون في مقاولة خاضعة لنظام مساطر صعوبات المقاولة، يخضع لنفس الضوابط والأحكام العامة المنصوص عليها ضمن مدونة الشغل؟ أم أن فصلهم يتميز ببعض الخصوصيات نظرا لمركز المقاولة التي تطبق في مواجهتها أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة.

تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي اعتبر بمقتضى المادة 624 من مدونة التجارة أن فسخ عقود الشغل الذي يقتضيه طبيعة مخطط الاستمرارية يعتبر فصلا لأسباب اقتصادية، ومن خلال استقراء مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة، الملاحظ بأنها تتضمن مقتضيات هامة وجديدة لم يكن منصوص عليها في المادة 592، إذ حاول المشرع من خلال هذه المقتضيات الجديدة الاستجابة للأصوات التي كانت تنادي بضرورة مسايرة مسطرة فصل الأجراء لأسباب اقتصادية لخصوصية نظام صعوبات المقاولة، وإيجاد مسطرة خاصة غير تلك المنصوص عليها في مدونة الشغل، خاصة في الجانب المتعلق منها بالرقابة الإدارية على هذه المسطرة والمتمثلة حسب المادة 67 من مدونة الشغل في ضرورة الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم وإلا اعتبر الفصل تعسفيا يستوجب التعويض عنه.

ارتباطا بالمذكور يمنته، وقبل الانتقال وتحديد ما إذا كان فصل الأجراء لأسباب اقتصادية في إطار مساطر معالجة صعوبات المقاولة يخضع لنفس الأحكام والضوابط المحددة ضمن مدونة الشغل، سيكون لزاما علينا أن نعود إلى مقتضيات هذه المدونة ونحدد المسطرة الواجب اتابعها لمباشرة عملية الفصل، لنكتشف من خلالها مدى قابليتها للتطبيق على فصل الأجراء في المقاولة الخاضعة لنظام المساطر الجماعية.

أولا: تبليغ المشغل لمندوبي الأجراء أو ممثليهم بعزمه على مباشرة مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية

طبقا للفقرة الأولى من المادة 66 من مدونة الشغل، فإنه يجب على المشغل الذي يشغل بصفة اعتيادية عشرة أجراء أو أكثر والذي يعتزم فصل الأجراء كلا أو بعضا لأسباب اقتصادية إخطار الهيئات التمثيلية للأجراء بمشروع الفصل، ويجب أن يتم هذا الإشعار قبل شهر على الأقل من مباشرة المسطرة، ولم يكتفي المشرع هنا بالنص على ضرورة إشعار هؤلاء وإنما ألزم الجهة التي تعتزم مباشرة إجراءات الفصل أيضا في تزويد الهيئات التمثيلية للأجراء بكل المعلومات الضرورية المتعلقة بالموضوع.

إن إطلاع الجهات التمثيلية للأجراء بمباشرة إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية، هو إجراء شكلي تقوم به الجهة المعنية التي تعتزم مباشرة عملية الفصل، والهدف منه يكمن في الإشراك الفعلي للأجراء في مصير المقاولة، وتقريبهم أكثر من وضعيتها خاصة إذا كانت تعاني من صعوبات اقتصادية أو مالية أو غيرها.

أما بخصوص مضمون التبليغ فقد حددت المادة 66 العناصر التي يجب أن يتضمنها مشروع الفصل المبلغ لممثلي الأجراء في المقاولة، ويمكن إجمالها وفق الآتي:

  • أسباب الفصل، والمقصود بها الدوافع المؤدية إلى الإقدام على الإعفاء الجماعي أو الجزئي للأجراء، وتحديد نوعية هذه الدوافع هل هي دوافع مالية أو هيكلية أو اقتصادية أو غيرها.
  • عدد وفئات الأجراء المعنيين بالفصل، والمشغل في هذه الحالة غير ملزم حسب المادة 66 من مدونة الشغل بتحديد أسماء الأجراء المعنيين بالفصل وتبليغ هذه الأسماء لممثليهم.
  • تاريخ الشروع في الفصل، وهو أيضا من المعلومات الواجب تبليغها لممثلي الأجراء.

    ارتباطا بهذا فالملاحظ بأن الاتفاقية 158 نصت على نفس المقتضيات في المادة 13 منها التي ألزمت المشغل الذي يريد فصل الأجراء لأسباب ذات طابع اقتصادي تزويد ممثليهم بالمعلومات الضرورية واستشاراتهم من أجل اتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من آثار الفصل.

    ثانيا: التشاور مع مندوبي الأجراء أو ممثليهم النقابيين وتحرير محضر بذلك

    إن المشرع من خلال المادة 66 من م ش لم يكتفي بالنص على تبليغ مندوبي الأجراء أو الممثلين النقابيين، بل ألزم المشغل بضرورة التشاور معهم والتفاوض من أجل الوصول إلى الإجراءات التي تحول دون الفصل أو التخفيف من الآثار السلبية له.

    إن هذا الإجراء، لا شك أنه سيمكن من مد جسور التواصل والحوار وتبادل وجهات النظر بين الأطراف المتدخلة في عملية الفصل لأسباب اقتصادية، ومساعدتهم في الوصول إلى أنجع الحلول الممكنة للخروج من الوضعية الصعبة التي تواجهها المقاولة.

    وفي الختام يتم تحرير محضر من طرف إدارة المقاولة، يتم تدوين فيه نتيجة المشاورات التي تمت بين الأطراف وتوقيعه بينهم مع تسليم نسخة منه لمندوبي الأجراء، وتوجه نسخة أخرى إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل.

    ثالثا: إحالة الطلب على المندوب الإقليمي للشغل

    يتعين على المشغل الذي يعتزم فصل الأجراء لأسباب اقتصادية العمل على إرفاق طلبه بالإضافة إلى محضر المشاورات والتفاوض مع الأجراء، بكل الوثائق الضرورية المتعلقة بفصل كل أو بعض الأجراء، مع تقديم إثبات لجوئه إلى هذه المسطرة، وحسب المادة 67 من مدونة الشغل فالملاحظ بأن المشرع قد حدد الإثباتات التي يتعين على المشغل الإدلاء بها ويمكن إجمالها فيما يلي:

  • تقرير يتضمن الأسباب الاقتصادية التي تستدعي تطبيق مسطرة الفصل.
  • بيان حول الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة.
  • تقرير يضعه خبير في المحاسبة أو مراقب الحسابات.

    وباستقراء المادة 67 المذكورة أعلاه، الملاحظ بأن المشرع المغربي لم يحدد أجل للمشغل من أجل توجيه طلبه على عكس الأجل الذي حدده لإبلاغ مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين في حالة وجودهم بشهر واحد على الأقل قبل التاريخ الذي يعتزم فيه الشروع في مسطرة الفصل.

    وبعد إحالة الطلب على المندوب الإقليمي للشغل والتوصل به، هنا تبدأ مرحلة جديدة إذ يكون ملزما حسب مقتضيات المادة 67 من مدونة الشغل إجراء الأبحاث الضرورية للوقوف على الوضعية الحقيقية للمقاولة من أجل التأكد من صحة البيانات المرفقة بطلب المشغل وضمها للملف قصد إحالتها على اللجنة المحلية المختصة.

    رابعا: إحالة المندوب الإقليمي للشغل الطلب على اللجنة

    بعد توصل المندوب الإقليمي للشغل بالملف وقيامه بكافة التحريات التي ألزمه المشرع بها، يعمل على تجهيز الملف المذكور وإحالته داخل أجل لا يتعدى شهرا واحدا من تاريخ توصله بطلب الفصل من قبل المشغل على اللجنة الإقليمية المكلفة بالبت في طلب الفصل.

    خامسا: البت في الطلب

    بعد أن تتوصل اللجنة الإقليمية المشار إليها أعلاه فإنها تعمل داخل أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب للمندوب الإقليمي المكلف بالشغل بالبت فيه وإصدار عامل العمالة أو الإقليم قراره باعتباره رئيس اللجنة، وهذا القرار يكون بعد عدة مباحثات وجلسات تقوم بها اللجنة، وهو لا يخرج عن حالتين، إما الموافقة على الطلب أو رفضه وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون قراره حسب الفقرة الأخيرة من المادة 67 معللا ومبنيا على الاقتراحات والخلاصات التي توصلت إليها اللجنة.

    في حالة موافقة العامل على طلب الفصل فإن المشغل يبادر إلى مباشرة إجراءات الفصل وما يتبع ذلك من مستحقات للأجراء طبقا لأحكام مدونة الشغل.

    وإذا كانت الموافقة على الفصل تهم جزءا من الأجراء فإن سلطة المشغل مقيدة باحترام تراتبية الأجراء في الفصل، وهو لا يملك السلطة المطلقة لفصل من شاء من الأجراء والإبقاء على من شاء، والإخلال بذلك يجعل الفصل موصوفا بالتعسف رغم الحصول على موافقة العامل على الفصل الجزئي للأجراء.

    وفي حالة إقرار العامل لرفض الاستجابة لطلب الإذن بالفصل فإن المشغل ملزم باحترام هذا القرار وبالتالي التوقف عن متابعة إجراءات الفصل.

    إن المقتضيات المتعلقة بفصل الأجراء لأسباب اقتصادية في التشريع المغربي والتي فصلنا فيها الحديث أعلاه أثارت العديد من النقاشات بين الفقهاء، كما ثار بخصوصها جدل كبير، لكن حدة هذا الجدل والنقاش ازداد كلما تعلق الأمر بمباشرة هذه المساطر في مواجهة أجراء يشتغلون في مقاولة خاضعة للمساطر الجماعية، وهنا أثيرت عدة إشكالات خاصة وكما أشرنا أعلاه بأن المشرع المغربي من خلال المادة 592 من مدونة التجارة قبل تعديلها في حديثه عن فصل الأجراء لأسباب اقتصادية أحال على مقتضيات مدونة الشغل، إلا أن أبرز إشكال أسال مداد الفقهاء وأثار حفيظتهم وهو المتعلق بالرقابة الإدارية والمتمثلة في ضرورة الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم من أجل الفصل لأسباب اقتصادية، إذ أن هذا الإذن فيه نوع من التداخل بين السلطات، إذ أن إسناد سلطة منح الإذن من عدمه لجهة إدارية خارجة عن الأجهزة المتدخلة في مساطر معالجة صعوبات المقاولة يفرغ الدور العلاجي الذي تقوم به المحكمة من أيمحتوى، وفيه أيضا إضعاف لدور الجهاز القضائي الذي يخوله القانون مجموعة من الصلاحيات والسلطات لحماية المصالح المرتبطة بالمقاولة ومنها مصلحة الأجراء.

    تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أثناء تعديله لأحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة كان واعيا بالإشكالات التي تطرحها مسألة حصول الإذن من عامل العمالة أو الإقليم لفصل الأجراء لأسباب اقتصادية في مواجهة المقاولة الخاضعة لمساطر المعالجة، وقد حاول أن يكون تدخله إيجابيا وإيجاد حل توافقي ينسجم مع خصوصية مساطر صعوبات المقاولة.

    إن أهم ملاحظة نسجلها بخصوص التعديل الذي أدخله المشرع المغربي بموجب المادة 624 من م ت، وهي النقطة المتعلقة بتوجيه إشعار من قبل السنديك لكل من المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم المعني، كما هو واضح بأن المشرع المغربي من خلال مقتضيات هذه المادة تحدث عن الإشعار، واعتبر بأن فسخ عقود الشغل لا يعتبر ساري المفعول إلا بعد توجيه الإشعار إلى المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم، وبمقارنة هذا المستجد بما هو منصوص عليه في مدونة الشغل خاصة المادة 67 الملاحظ بأن هناك مقتضى تشريعي مستحدث.

    من خلال المقتضيات المذكورة أعلاه فإن المشرع المغربي أخذ بعين الاعتبار خصوصية نظام مساطر صعوبات المقاولة وحاول أن يتدخل بإيجابية هذه المرة وإحداث تغيير يتماشى مع الخصوصيات المذكورة، محاولة منه للفصل في التداخل الذي كان حاصلا بين السلطة القضائية والسلطة الإدارية، لكن على الرغم من هذا المكسب فإننا نثير تساؤلا آخر يتمثل عن جدوى الإشعار المذكور، وما الفائدة منه إذا كان مجرد إشعار المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم المعني يعتبر كافيا لترتيب آثار فسخ عقود الشغل؟ وما هو الدور الذي تقوم به الجهة الموجه إليها الإشعار؟

    في الختام فإن المشرع المغربي خول للمحكمة التجارية سلطات واسعة لإنهاء عقود الشغل وذلك لأجل التخفيف من الالتزامات المالية للمقاولة كتدبير لتسوية وضعيتها، فبالإضافة إلى الحماية التي توفرها مدونة الشغل جاءت مقتضيات أكثر خصوصية لحماية المصالح الاقتصادية للمقاولة، وهكذا فإن الفصل الذي يتم في إطار مساطر صعوبات المقاولة يجب أن تصاحبه بالمقابل تدابير أكثر حماية للأجراء، وإقرار تعويض عادل لهم، وهذا ما نتساءل عنه في ختام هذه النقطة عن مدى فعالية التعويضات المقررة للأجراء في حالة الفصل لأسباب اقتصادية؟

    المبحث الثاني: الحقوق الثابتة للأجراء في مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية

    إن الحقوق الناشئة للأجراء المعنيين بقرار الفصل لأسباب اقتصادية حظيت باهتمام تشريعي، حيث عمل المشرع على تأطيرها والنص على التعويضات المستحقة لهم في هذه الحالة، وانطلاقا من المادة 624 من م ت فإن المشرع المغربي نص على استفادة الأجراء من كل حقوقهم القانونية، لكنه لم يحدد ضمن مقتضيات الكتاب الخامس هذه الحقوق، الأمر الذي يجب معه الرجوع إلى الأحكام العامة المنصوص عليها في مدونة الشغل لتحديد مختلف الحقوق والضمانات التي يستفيد منها الأجراء في حالة الفصل لأسباب اقتصادية سواء قبل مباشرة عملية الفصل (الفقرة الأولى) أو تلك الناشئة بعد مباشرة عملية الفصل (الفقرة الثانية).

    المطلب الأول: الحقوق الناتجة للأجراء قبل مباشرة عملية الفصل

    تسبق مسطرة فصل الأجراء لأسباب اقتصادية العديد من الإجراءات، والملاحظ من خلالها بأن المشرع المغربي أوجد ضمن الأحكام العامة في مدونة الشغل العديد من الضمانات الرامية إلى الحفاظ على حقوق الأجراء المعنيين بهذه العملية، يمكن لنا إجمالها وفق الآتي:

    الفقرة الأولى: إعادة الإدماج:

    من خلال الرجوع إلى المادة 66 من مدونة الشغل، فقد نص المشرع في الفقرة الثانية على أنه “ويجب عليه أيضا استشاراتهم والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل، أو تخفف من آثاره السلبية، بما فيها إمكانية إعادة الإدماج في مناصب شغل أخرى.”

    انطلاقا من هذا المقتضى التشريعي فإنه يكون من الأولى على المشغل أن يعمل على إعادة إدماج الأجراء في مناصب شغل أخرى متى أمكن له ذلك على أن يعمل على فصلهم حتى تمنح لهم حظوظ أكثر للاستقرار في شغلهم، وهو نفس التوجه الذي اعتمده التشريع الفرنسي ضمن قانون الشغل خاصة من خلالالمادةL1233-4.

    تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن المشرع المغربي رتب جزاء قانوني على خرق هذا المقتضى، ويجد هذا الجزاء سنده في المادة 78 من مدونة الشغل في فقرتها الأخيرة التي تنص على أنه “يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 20.000 درهم عن عدم التقيد بأحكام المواد 66 و67 و69.”

    غير أن ما نثيره من إشكال بخصوص الجزاء المحدد في المادة أعلاه، هل هذا الجزاء كاف لردع المشغلين الذين تكون لهم إمكانية إدماج الأجراء ولا يحترمون ذلك ويلجؤون مباشرة لمسطرة فصلهم؟

    على خلاف هذا الوضع في القانون المغربي، فقد عمد التشريع الفرنسي على ترتيب جزاء بطلان مسطرة الفصل بموجب المادة L1233-4، وهذا الجزاء فيه حماية وضمان لحق الأجراء في إعادة إدماجهم، لأجله نرى أنه كان على المشرع المغربي أن يأخذ بهذا الجزاء أيضا إلى جانب الغرامة المالية، خاصة وأن البعض من المشغلين قد تكون هذه الغرامة بالنسبة إليهم غير مكلفة مقارنة مع ما تكلفه أجور العمال والتعويضات الناتجة لهم.

    الفقرة الثانية: احترام ضوابط ترتيب الأجراء

    ارتباطا بضابط ترتيب الأجراء المعنيين بعملية الفصل، فإننا نشير إلى أن هذه العملية لا تثير أية صعوبة ولا تلقى لها مجالا للتطبيق في الحالة التي يتم فيها فصل جميع الأجراء، لكن الإشكال يثار في الحالة التي يتم فيها تقرير فصل جزء منهم والاحتفاظ بالبعض الآخر، إذ في هذه الحالة بالضبط تبدو خطورة وضع اللائحة السوداء من خلال عملية اختيار الأشخاص المقرر التخلي عنهم للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعترض سير النشاط العادي للمقاولة، وهو ما يعني حرمانهم من أداء عملهم مع انعكاسات هذا الوضع واحتمالات فقدان الأجر.

    تجدر الإشارة في هذا المقام، إلى أن المشرع المغربي لم يترك أمر اختيار الأجراء الذين سيتم فصلهم لرغبات وأهواء الجهة المكلفة بالاختيار، وإنما حدد ضوابط موضوعية يجب احترامها أثناء وضع اللائحة المتعلقة بالأجراء المراد فصلهم، وهذه الضوابط منصوص عليها بموجب المادة 71 من مدونة الشغل، وقد جاء في المادة المذكورة على أنه “يباشر الفصل المأذون به بالنسبة إلى كل مؤسسة في المقاولة تبعا لكل فئة مهنية، مع مراعاة العناصر الواردة أدناه:

  • الأقدمية
  • القيمة المهنية
  • الأعباء العائلية”

    نشير في هذا الإطار إلى أن التوصية رقم 166 الصادرة عن منظمة العمل الدولية بتاريخ 1988 هي الأخرى تطرقت لمسألة الاختيار لإنهاء الاستخدام، ونصت في البند 23 منها على أنه “ينبغي أن يقوم اختيار صاحب العمل للعمال الذين يعتزم إنهاء استخدامهم لأسباب ذات طابع اقتصادي أو تكنولوجي أو تنظيمي أو مثيل على أساس معايير موضوعة مسبقا بقدر الإمكان، وتراعي بصورة كافية مصالح المؤسسة أو المنشأة أو الهيئة، كما تراعي مصالح العمال…”

    الفقرة الثالثة: إخطار الأجراء بواقعة الفصل لأسباب اقتصادية:

    من خلال الرجوع إلى مدونة الشغل المغربية الملاحظ بأن المشرع قد نظم مهلة الإخطار وما يرتبط بها من أحكام بموجب المواد من 43 إلى 51، لكنه بالمقابل لم يعطيها أي تعريف.

    تجب الإشارة في هذا المقام، إلى أن مدونة الشغل ألزمت المشغل بضرورة الالتزام باحترام مهلة الإخطار لما لها من أهمية بالغة في تدبير نتائج الفصل، حيث تعتبر حقا من الحقوق المخولة للأجراء والتي تبقى على عاتق المشغل، ولا يجوز الاتفاق على إسقاطها أو التنازل عنها وكل تجاوز أو عدم احترامها ترتب أداء تعويض للأجير يعادل الأجرة المستحقة عن هذه المهلة والتي من الممكن أن يبقى العقد قائما من خلالها، وهو ما أكده القضاء المغربي في عدة أحكام.

    وباستقراء النصوص القانونية المنظمة للإخطار، الملاحظ بأن المشرع المغربي لم يشترط شكلا معينا في تبليغ قرار الفصل، الشيء الذي يترك لرئيس المقاولة أو السنديك اختيار الكيفية المناسبة لتبليغ قرار الفصل إلى الأجراء المعنيين به، هذا ما لم توجد مقتضيات أخرى لصالح الأجراء منصوص عليها في النظام الداخلي أو في اتفاقيات الشغل الجماعية، إذ يتعين في هذه الحالات احترامها والعمل بها.

    ارتباطا بشكليات تبليغ قرار الفصل للأجراء فإننا نرى أن التبليغ يجب أن يكون عن طريق رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، إذ هي أنسب وسيلة بالنسبة للأجراء وأيضا بالنسبة للجهة الموجهة للتبليغ، وذلك لما لها من حماية للطرفين وأيضا باعتبارها أنجع الوسائل المعتمدة.

    في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة وتطبيق مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية، هنا نتساءل هل المشغل أو السنديك يكون ملزما بمهلة إخطار الأجراء المعنيين بعملية الفصل؟ أم أنه يمكن الاستغناء عنها والاكتفاء بالتعويض المنصوص عليه في هذا الإطار؟

    علاقة بالمثار أعلاه، فإننا نرجع لما تنص عليه المادة 70 من مدونة الشغل التي جاء في فقرتها الأولى على أنه “يستفيد الأجراء عند فصلهم في حالة حصول المشغل على الإذن أو عدمه طبقا للمواد 66 و67 و69 أعلاه من التعويض عن أجل الإخطار…” كما هو واضح من هذه المادة فإن المشرع المغربي ينص على التعويض المستحق للأجراء عن أجل الإخطار وذلك في حالة الفصل لأسباب اقتصادية، دون إشارة إلى التقيد بالمهلة القانونية من عدمه، لكن بالرجوع إلى المادة 43 فإنها تنص على أنه ” يكون إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة مبنيا على احترام أجل الإخطار ما لم يصدر خطأ جسيم عن الطرف الآخر…”، فهذه المادة تفيد ضرورة التقيد بأجل الإخطار، وهذا ما يعني بأن الأجل المذكور في المادة 70 منظم بموجب هذه المادة (المادة 43) وبالتالي فإنه يبقى من اللازم التقيد به إلا في حال ثبوت خطأ جسيم في حق الأجير.

    من وجهة نظرنا فإننا نرى أن إخطار الأجراء في المقاولة الخاضعة للمساطر الجماعية، والتي تقرر إعفاء بعض من أجرائها لأسباب اقتصادية سيزيد من تمديد الأجل، على اعتبار أن الوقت يعد عاملا مهما بالنسبة للمقاولة التي تعترضها صعوبات، إذ أن التأخر في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحد من هذه الصعوبات في الوقت المناسب يؤدي إلى تفاقم وضعيتها، لهذا فإننا نرى بأنه ليس من اللازم على السنديك إعادة توجيه إخطار جديد للأجراء المعنيين بالفصل ويمكن تجاوزه في هذه الحالة والمرور مباشرة لعملية تنفيذ الإجراءات الموالية له، لكن مع الحرص على أداء التعويض الخاص للأجراء عن مهلة الإخطار المنصوص عليه قانونا، وذلك كله لأجل تيسير عملية إنقاذ المقاولة وضمانا لحقوق الأجراء في نفس الوقت.

    المطلب الثاني: الضمانات الحمائية بعد عملية الفصل لأسباب اقتصادية

    يتمتع الأجراء بمجموعة من الضمانات بعد مباشرة عملية الفصل لأسباب اقتصادية، وهذه الضمانات والحقوق عمل المشرع المغربي على تكريسها بمقتضى القانون وهي تعد من الأولويات التي يجب الحرص على ضمان استفادة الأجراء بها.

    الفقرة الأولى: شهادة الشغل

    إن حق الأجير في الحصول على شهادة العمل تعد من أبرز الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل، ولها أهمية بالغة تتجلى أساسا بما حظيت به من تنظيم قانوني على مستوى القانون الوطني وأيضا القوانين المقارنة، وتتحدد أهميتها أيضا بالنظر لما تحققه من أهداف باعتبارها أيضا وسيلة إثبات يستطيع من خلالها الأجير إثبات عمله داخل مقاولة معينة لمدة محددة لمساعدته على البحث في إيجاد عمل جديد في مقاولة أخرى وإثبات قدراته ومؤهلاته من خلالها.

    وفي هذا الإطار نصت المادة 72 من مدونة الشغل على أنه “يجب على المشغل عند انتهاء عقد الشغل، تحت طائلة أداء تعويض، أن يسلم الأجير شهادة شغل داخل أجل أقصاه ثمانية أيام.

    يجب أن يقتصر في شهادة الشغل، على ذكر تاريخ التحاق الأجير بالمقاولة، وتاريخ مغادرته لها، ومناصب الشغل التي شغلها، غير أنه يمكن باتفاق الطرفين، تضمين شهادة الشغل بيانات تتعلق بالمؤهلات المهنية للأجير، وبما أسدى من خدمات…”

    انطلاقا من المادة أعلاه، الملاحظ بأن المشرع المغربي كان صريحا بخصوص ضرورة تسليم شهادة الشغل للأجير، وحدد أجلا للمشغل يتعين عليه الالتزام به من أجل تسليم الشهادة المذكورة وهو ثمانية أيام كحد أقصى وذلك تحت طائلة التعرض للتعويض.

    وقد نص المشرع أيضا ضمن نفس المادة على البيانات الواجب تضمينها في شهادة الشغل والمتمثلة أساسا في تحديد تاريخ التحاق الأجير بالمقاولة وتاريخ مغادرته لها ومناصب الشغل التي سبق وأن اشتغل بها وتقلدها، وفتح إمكانية الاتفاق بين الطرفين لأجل تضمين بيانات أخرى قد تكون فيها فائدة للأجير مثل مؤهلاته المهنية.

    بالمقابل فقد عمد المشرع إلى إقران هذا المقتضى بجزاء قانوني يتمثل في غرامة من 300 إلى 500 درهم وهو ما تقضي به المادة 78 من مدونة الشغل.

    في نفس الإطار نصت التوصية رقم 166 الصادرة عن مؤتمر العمل الدولي بتاريخ 1988 في البند 17 منها على أنه “ينبغي أن يكون للعامل المسرح الحق في تسليمه بناء على طلبه، شهادة من صاحب العمل لا يوضح فيها سوى تاريخ التحاقه بعمله وتاريخ تركه له، وكذلك نوع أو أنواع العمل التي كان مكلفا بها، على أنه يجوز أن تتضمن هذه الشهادة نفسها أو شهادة أخرى مستقلة، بناء على طلب العامل، تقييما لسلوكه وأدائه.”

    الفقرة الثانية: الأولوية في التشغيل

    يتمتع الأجير الذي تم فصله لأسباب اقتصادية بحق آخر يتمثل في أولوية إعادة التشغيل أو حق الأسبقية، ويعد هذا الحق من بين مظاهر الحماية التشريعية التي أكدتها مدونة الشغل فهو استثناء من أصل الحرية في عملية التشغيل، حيث من الواجب على المشغل أن يعطي الأولوية في التشغيل للأجراء الذين فقدوا عملهم إما بسبب اضطرار المقاولة إلى النقصان من عدد أجرائها أو بسبب مرورها بأزمة اقتصادية.

    لقد كرس المشرع المغربي حق الأولوية في التشغيل بمقتضى المادة 71 من مدونة الشغل في فقرتها الأخيرة التي جاء فيها على أنه “يتمتع الأجراء المفصولون بالأولوية في إعادة تشغيلهم، وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 508 أدناه”، ومن خلال الرجوع إلى المادة 508 التي أحالت عليها المادة 71 نجدها تنص على أنه “يجب على المشغل أن يعطي لقدماء الأجراء الدائمين، أو المؤقتين عند عدم وجود الدائمين، أسبقية في تشغيلهم في تخصص معين، سواء منهم الذين فصلوا من شغلهم منذ أقل من سنة، بسبب تخفيض عدد المناصب التي يشملها ذلك التخصص، أو لتوقف مؤقت في نشاط المقاولة كلها، أو بعضها، أو الذين دعت الضرورة إلى تعويضهم بسبب مرضهم.

    يجب على الأجراء في جميع الأحوال، أن يلتحقوا بمناصب شغلهم في التاريخ الذي حدده لهم المشغل.”

    انطلاقا من هذا المقتضى التشريعي وحماية لحق الأجراء فإن المشغل يكون ملزما باحترام حق الأجير في إعادة التشغيل كلما ظهر ما يستدعي تطبيق هذا الحق، وإلا ترتب عليه الجزاء المحدد ضمن المادة 78 من مدونة الشغل.

    تجدر الإشارة إلى أن هذا هو نفس التوجه الذي نصت عليه توصية مؤتمر العمل الدولي، إذ جاء في البند 24 منها على أنه “ينبغي أن يكون للعمال الذين ينهى استخدامهم لأسباب ذات طابع اقتصادي أو تكنولوجي أو تنظيمي أو مثيل بأولوية معينة في إعادة التعيين إذا ما استخدم صاحب العمل من جديد عمالا ذوي مؤهلات وظيفية مماثلة، شريطة أن يبدي هؤلاء العمال رغبتهم في إعادة التعيين في غضون مهلة محددة اعتبارا من تاريخ إنهاء استخدامهم.

    يجوز قصر أولوية إعادة التعيين على فترة زمنية محددة.

    ينبغي تحديد معايير أولوية إعادة التعيين، ومسألة الحفاظ على الحقوق، وخاصة حقوق أقدمية الخدمة –في حالة إعادة التعيين وكذلك الأحكام الناظمة لأجور العمال المعاد تعيينهم- وفقا لطرائق التنفيذ المذكورة في الفقر 1 من هذه التوصية.”

    انطلاقا مما سبق فإن حق الأسبقية في التشغيل الملاحظ فيه أنه حظي باهتمام من قبل جل التشريعات وهو ما تجلى أساسا في التنظيم الذي حظي به، وهو من الحقوق الثابتة للأجراء الذين تم فصلهم لأسباب اقتصادية في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة، أو تم إيقاف نشاطها مؤقتا لصعوبات اعترضتها، إذ يتعين على المقاولة التي استطاعت تجاوز صعوباتها واستعادة استغلال نشاطها بشكل عادي أن تعطي الأولوية في التشغيل للأجراء الذين سبق وأن تم فصلهم نتيجة الصعوبات التي واجهتها، ولا يستطيع المشغل في هذه الحالة التملص من هذا الحق وتشغيل أجراء جدد غير الذين سبق فصلهم، وفي حالة وقوع ذلك وعدم احترامه لذلك فإنه يكون ملزما بتعويض الأجراء.

    قبل ختم الحديث عن حق الأولوية في التشغيل وجب علينا أن نشير إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي تتعلق أساسا بطريقة دعوة الأجير إلى استفادته من حق الأسبقية في العمل، في هذا الصدد فالملاحظ بأن المشرع قد أشار في المادة 508 من مدونة الشغل إلى أن الأجير يكون ملزم بالالتحاق إلى منصب شغله داخل الأجل الذي حدده له المشغل، وفي هذا فإننا نتساءل عن كيفية دعوة هذا الأجير إلى الالتحاق بمنصبه؟

    إجابة عن هذا الإشكال اعتبرت محكمة النقض بأن دعوة المشغل للأجير من أجل الالتحاق بعمله يجب أن تكون كتابية، حيث جاء في قرار لها “لكن حيث إن الثابت لقضاة الموضوع إقرار الطاعنة بتوقف نشاطها مؤقتا بتاريخ 05.09.19 لظروف خارجة عن إرادتها وهو ما أدى إلى إيقاف المطلوبة عن عملها فتبقى هي المطالبة بدعوتها للرجوع حال استئناف نشاطها الصناعي بعد زوال المانع، وما صرحت به على لسان ممثلها بمحضر محاولة التصالح الذي تم أمام مفتش الشغل من أنها ستستأنف نشاطها ابتداء من 01.01.2006 وهي بذلك تطالب الأجيرة بالالتحاق بالعمل بالتاريخ المذكور لا يعتبر دعوة حقيقية للرجوع ما لم تثبت مكاتبتها في الموضوع ورفضها استئناف العمل وهو ما ذهب إليه القرار مطبقا بذلك قواعد الاثبات تطبيقا سليما”.

    الفقرة الثالثة: الحقوق المالية

    إلى جانب الحقوق والضمانات المذكورة أعلاه، فإن الأجير يتمتع بحقوق أخرى ذات طابع مالي، والمتمثلة في الأداء له تعويضات مالية تختلف حسب مدى مراعاة الإجراءات المتعلقة بالفصل لأسباب اقتصادية من عدمه.

    من خلال الرجوع إلى مدونة الشغل باعتبارها تشكل الأحكام العامة لفصل لأجراء لأسباب اقتصادية، فإن هناك العديد من الحقوق المالية التي نظمها المشرع المغربي والتي يستحقها الأجراء المفصولون لأسباب اقتصادية في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة، لأجله فإننا نجمل هذه الحقوق وفق الآتي:

  1. الحقوق المستحقة في حالة احترام إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية

    تجدر الإشارة إلى أن هذه الحقوق هي منظمة بمقتضى القانون نظرا لأهميتها ولارتباطها بمصلحة الأجير الذي يعد الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، ونظرا لأهميتها فقد نص عليها المشرع المغربي بمقتضى المادة 70 من مدونة الشغل التي جاء فيها على أنه “يستفيد الأجراء عند فصلهم في حالة حصول المشغل على الإذن أو عدمه طبقا للمواد 66 و67 و69 أعلاه من التعويض عن أجل الإخطار، وعن الفصل، المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 51 و52 أعلاه…”

    باستقراء المادة المذكورة أعلاه، الملاحظ بأنه تتحدث عن فصل الأجراء لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية والتي يتطلب ضرورة اللجوء إلى استصدار إذن من عامل العمالة أو الإقليم المعني وهذا يكون في الحالة التي تكون فيها المقاولة غير خاضعة لأحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة، لكن الأمر يختلف في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة ويتم اللجوء إلى فصل بعض الأجراء أو كلهم لأسباب اقتصادية، إذ في هذه الحالة فإن الأمر لا يتطلب ضرورة استصدار الإذن المذكور في المادة 66 من مدونة التجارة إذ يتوقف الفصل على مجرد إشعار العامل والمندوب الإقليمي للشغل بقرار الفصل.

    في هذه الحالة فإن الأجراء يستفيدون من التعويضات المنصوص عليها في المادة 70 في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة، ومن الحقوق التي يستحقها الأجراء حسب المادة المذكورة هناك التعويض عن الإخطار والتعويض عن الفصل.

    فيما يخص التعويض عن الإخطار، فإنه منظم بموجب المادة 51 من مدونة الشغل التي أحالت عليها المادة 70 إذ جاء في المادة 51 على أنه “يترتب عن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة، دون إعطاء أجل الإخطار، أو قبل انصرام مدته، أداء الطرف المسؤول عن الإنهاء تعويضا عن الإخطار للطرف الآخر يعادل الأجر الذي كان من المفروض أن يتقاضاه الأجير لو استمر في أداء شغله، ما لم يتعلق الأمر بخطأ جسيم”

    انطلاقا من المادة أعلاه الملاحظ بأن الأجير يحتفظ بحقه في التعويض عن الإخطار، ذلك أن حالة الفصل لأسباب اقتصادية لا تشكل قوة قاهرة، فالمشغل أو السنديك ملزم باحترام أجل الإخطار عن الفصل.

    وقد نصت المادة 43 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية على أنه “ينظم أجل الإخطار ومدته بمقتضى النصوص التشريعية أو التنظيمية أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي أو العرف…”، وفي هذا صدر المرسوم رقم 2.04.469 حدد فيه أجل الإخطار التي يتعين احترامها.

    أما فيما يتعلق بالتعويض عن الفصل، فهو منظم بمقتضى المادة 52 من مدونة الشغل التي جاء فيها على أنه “يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة تعويضا عن فصله بعد قضائه ستة أشهر من الشغل داخل المقاولة نفسها، بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها أجره، وعن دورية أدائه” فيما عملت المادة 53 على تنظيم طريقة التعويض عنه.

    إضافة إلى التعويضات المشار إليها أعلاه، الملاحظ بأن المشرع المغربي نص في الفقرة الأخيرة من المادة 53 على تعويض جديد وهو التعويض عن فقدان الشغل، على الرغم من أن المادة 70 لم تتحدث عنه عند تعدادها للتعويضات المستحقة للأجراء المفصولين لأسباب اقتصادية، لكن جاءت الفقرة الأخيرة من المادة 53 ونصت على أنه “ويحق للأجير أن يستفيد أيضا، وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، من التعويض عن فقدان الشغل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية”، وفي واقع الأمر فإن هذا التعويض من التعويضات الجديدة التي استحدثتها م ش.

    ويدخل هذا التعويض في إطار الحماية التشريعية للأجراء المفصولين لأسباب اقتصادية، بعدما كان يرفض القضاء الاستجابة إلى طلبات التعويض عنه لعدم تحديد كيفية ذلك من قبل المشرع، وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض في قرار لها جاء فيه ” إن التعويض عن فقدان الشغل حتى وإن كان مستحقا لفصل الطالب من عمله لأسباب اقتصادية أو هيكلية فإن عدم تحديد المشرع طريقة احتسابه والجهة الملزمة بأدائه خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لباقي التعويضات المترتبة عن إنهاء علاقة الشغل في ظل المدونة يحول دون الحكم به”.

    وارتباطا بالتعويض عن فقدان الشغل فإن هذه الآلية تعد بمثابة شبكة أمان اجتماعي تحمي الأشخاص من الوقوع الفجائي في الفقر، وهكذا فإنه على الأجراء الذين تتوفر فيهم الشروط المحددة قانونا التقدم بطلباتهم داخل الأجل القانوني، من أجل حصولهم على التعويض عن فقدان الشغل.

  2. الحقوق المستحقة للأجراء في حالة عدم احترام إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية

    إن لجوء المشغل أو السنديك حسب الأحوال إلى فصل الأجراء لأسباب اقتصادية يبقى رهين بجدية السبب الاقتصادي الذي يمكن اعتماده لأجل مباشرة إجراءات الفصل، والأمر لا يقتصر عند هذا الحد وإنما يكون من اللازم احترام ضوابط وإجراءات الفصل وإلا اعتبر الفصل تعسفيا واستحق معه الأجراء تعويضات عن ذلك بسبب عدم احترام الضوابط القانونية لذلك.

    يعد أهم تعويض مقرر للأجير في حالة عدم احترام إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية، هو تعويضه عن الضرر الناتج عن ذلك، وفقا لما تقضي به المادة 41 من م ش التي جاء فيها على أنه “يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر للعقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر”.

    التعويض عن الضرر هو جبر ضرر لاحق بالأجير ناتج عن فصله تعسفيا، وهذا طبقا لما تقتضيه القاعدة العامة التي تلزم كل من أحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير بتعويض ذلك الضرر، والأجير يستحق هذا التعويض كلما عمد المشغل إلى إنهاء عقد الشغل دون احترام مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية المنصوص عليها قانونا.

    أما فيما يتعلق بطريقة تقدير التعويض في حالة ثبوته فقد تطرقت إليه المادة 41 من مدونة الشغل التي حددته على أساس أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على أن لا يتعدى سقف 36 شهرا، إذ الملاحظ بهذا الخصوص أن المشرع المغربي قلص من السلطة التقديرية للقضاء في تقدير التعويض وحددت مقداره.

    في ختام الحديث عن التعويضات المستحقة للأجراء، فإننا نثير إشكالا له أهميتهّ، يتمثل أساسا في التناسب بين التعويضات التي يستحقها الأجراء في حالة الفصل لأسباب اقتصادية مع إمكانيات المقاولة وقدراتها المالية خاصة في ظل الوضعية الصعبة التي تواجهها والتي قد تكون ذات طبيعة اجتماعية، إذ في هذه الحالة من شأن تقرير كل التعويضات المذكورة أعلاه إثقال الذمة المالية للمقاولة بديون أخرى بدل إيجاد الحلول الكفيلة بتسوية وضعيتها.

    بالمقابل من شأن عدم استفادة الأجراء من التعويضات المستحقة لهم نتيجة عملهم بالمقاولة، ضربا لهم وإجحافا في حقهم، لأجله فإننا نرى بأن التعويضات التي يستحقها الأجراء في إطار مساطر صعوبات المقاولة تدرج ضمن قائمة الديون وينطبق عليها المقتضيات المتعلقة بتاريخ نشأتها.

    خاتمة

    لقد عمل المشرع المغربي إسوة بالقوانين المقارنة ووفق نهج الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، على تنظيم عملية الفصل الجماعي للأجراء وتبنى في ذلك مسطرة خاصة تتسم بالوضوح من حيث الإجراءات وبالدقة من حيث التنظيم، وقد ألزم بها كل المشغلين الذين يريدون إنهاء عقود شغل الأجراء وليس هذا فقط وإنما هي ملزمة أيضا حتى للسنديك والأجهزة المشرفة على المسطرة في حالة خضوع المقاولة لمساطر المعالجة من الصعوبات.

    لكن على الرغم من حسنات مساطر وإجراءات الفصل الجماعي للأجراء لأسباب اقتصادية، فإنه نتساءل عن مدى فعاليتها في مواجهة الأهداف العامة التي يرمي إليها الكتاب الخامس من مدونة التجارة، فإذا كان هاجس الأجراء هو ضمان حقوقهم كاملة فإن هاجس الأجهزة المشرفة على مساطر المعالجة هو محاولة إنقاذ المقاولة والحفاظ عليها ضمن النسيج الاقتصادي، ولا شك في أن إثقال كاهلها بتعويضات قد تنشأ للأجراء نتيجة فصلهم سيؤثر لا محالة على فرصة الإنقاذ، لأجله فإننا نرى بأن الدور ملقى على عاتق القضاء الذي يجب عليه أن يراعي مختلف المصالح المحيطة بالمقاولة دون محاولة تغليب مصلحة على أخرى وتحقيق التوازن بين هذه المصالح على الرغم من صعوبته.

    لائحة المراجع:

  • محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردي، الجزء الثاني، المجلد الثاني، مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء، طبعة يناير 2007.
  • عبد اللطيف خالفي،الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2004.
  • وفاء جوهر، قانون الشغل بالمغرب عقد الشغل الفردي بين النظرية والتطبيق، مكتبة المعرفة -مراكش، الطبعة الأولى 2018.
  • أمينة رضوان، حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة، مطبعة الأمنية –الرباط، دون ذكر سنة الطبع.
  • أحمد حميوي، الوسيط في قانون الشغل، الجزء الأول: علاقات الشغل الفردية (على ضوء مدونة الشغل وآراء الفقه وأحكام القضاء)، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع –الرباط، الطبعة الأولى 2013.
  • حكيمة أنفة، الحماية القانونية للأجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة -دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –وجدة، السنة الجامعية 2008-2009.
  • حسن صغيري، الوضعية القانونية للأجراء في حالة صعوبات المقاولة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس –أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –الرباط، السنة الجامعية 2014-2015.
  • نبيل الكط، أثر التحولات اللاحقة بالمقاولة على وضعية الأجراء، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2016-2017.
  • زهير الخليفي، ضمانات حقوق الأجراء خلال مساطر صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سلا، السنة الجامعية 2015-2016.
  • عبد الله جدة، تدخل القضاء التجاري في حياة المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الأول بوجدة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالناظور، السنة الجامعية 2018-2019.
  • وفاء لمطاغري، “الفصل الجماعي للأجراء”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –وجدة، السنة الدراسية 2007-2008.
  • عواطف بلخضر، أحمد أفكار، حدود سلطة المشغل عند تعديل وإنهاء عقد الشغل، مجلة القانون والأعمال، العدد 29 غشت 2020.
  • بوبكري عبد القادر، مسطرة فصل الأجراء لأسباب اقتصادية ومدى كفايتها في حماية الأجراء من الفصل التعسفي، مجلة الأبحاث والدراسات القانونية، العدد السادس نونبر –دجنبر 2015.
  • هجر شوقي، استمرارية المقاولة، مجلة القانون والأعمال، العدد 18، السنة 2018،
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إحالة رقم 32/2021.
  • الندوة الثالثة للقضاء الاجتماعي، سلسة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية دار السلام الرباط، مارس 2004.
  • ندوة صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، الندوة الجهوية الثامنة، قاعة عمالة الفحص أنجرة –طنجة، يومي 21 و22 يونيو 2007.

    Marie KOEHL, la négociation en droit des entreprises en difficulté, thèse en vue de l’obtention du doctorat de droit privé et sciences criminelles de l’université paris Nanterre, année 2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى