تطبيقات الذكاء الاصطناعي ودورها في تحليل سلوك دافعي الضرائب – الدكتور يونس مليح
تطبيقات الذكاء الاصطناعي ودورها في تحليل سلوك دافعي الضرائب
يونس مليح
أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل مكناس
تعتبر عملية جمع وتحليل البيانات الضخمة من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك دافعي الضرائب، حيث تقوم إدارات الضرائب بجمع كميات هائلة من البيانات من مصادر متعددة، بما في ذلك الإقرارات الضريبية، المعاملات المالية، وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها. يستخدم الذكاء الاصطناعي تقنيات متقدمة لتنظيم وتحليل هذه البيانات بشكل فعال، مما يمكن من اكتشاف الأنماط والاتجاهات في سلوك دافعي الضرائب. على سبيل المثال، تشير دراسة أجرتها شركة IBM إلى أن 90% من البيانات العالمية تم إنتاجها في العامين الأخيرين، مما يعكس حجم البيانات الضخم المتاح للتحليل. إضافةً إلى ذلك، يمكن لتقنيات التجميع (clustering) المستخدمة في الذكاء الاصطناعي تصنيف دافعي الضرائب إلى مجموعات بناءً على سماتهم وسلوكهم المالي، مما يساعد في تقديم استراتيجيات مخصصة لكل مجموعة وتحسين الامتثال الضريبي بشكل عام.
مع التطور السريع للتكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أهم الأدوات في مختلف المجالات، بما في ذلك الإدارة الضريبية. يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الضخمة والتعلم الآلي لتقديم رؤى دقيقة حول سلوك دافعي الضرائب. إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على تحسين كفاءة عمليات إدارة الضرائب فحسب، بل تساهم أيضًا في الكشف عن الأنشطة غير القانونية وتقديم دعم مخصص لدافعي الضرائب. في هذا المقال، سنستعرض دور الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك دافعي الضرائب من خلال تقديم أمثلة وأرقام تعكس تأثير هذه التكنولوجيا على النظام الضريبي.
أولا: تحليل البيانات الضخمة والتنبء بالسلوك الضريبي
تجمع إدارات الضرائب كميات هائلة من البيانات من مصادر متعددة مثل الإقرارات الضريبية، المعاملات المالية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن للذكاء الاصطناعي تصنيف دافعي الضرائب إلى مجموعات بناءً على سلوكهم المالي. فاستخدام تقنيات مثل التجميع (clustering) يساعد في تحديد الأنماط المشتركة بين دافعي الضرائب.
كما تستخدم تقنيات التعلم الآلي لبناء نماذج قادرة على التنبؤ بالسلوك المستقبلي لدافعي الضرائب. على سبيل المثال، استخدمت مصلحة الضرائب الأمريكية (IRS) نماذج تعلم الآلة للتنبؤ بمدى احتمالية تقديم دافع ضريبي لإقراراته في الوقت المحدد، مما ساعد في تحسين جمع الإيرادات بنسبة 20%.
بالإضافة إلى أنه يتم استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى التهرب الضريبي. ففي إحدى الحالات، تمكنت مصلحة الضرائب في المملكة المتحدة (HMRC) من استخدام تقنية التعلم الآلي للكشف عن حالات تهرب ضريبي بقيمة 605 مليون جنيه إسترليني في عام 2020.
أيضا، تستخدم تطبيقات الدردشة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقديم الدعم لدافعي الضرائب. على سبيل المثال، استخدمت مصلحة الضرائب الكندية (CRA) تقنية الذكاء الاصطناعي لتطوير نظام مساعدة افتراضي ساعد في التعامل مع أكثر من مليون استفسار في عام 2021.
لذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل النصوص والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لفهم مشاعر وآراء الجمهور تجاه السياسات الضريبية. ففي دراسة أجرتها جامعة كامبريدج وجدت أن تحليل التغريدات ساعد في تحديد التوجهات العامة لدافعي الضرائب وتوقع ردود أفعالهم تجاه تغييرات السياسات.
ثانيا: الفوائد والتحديات
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة أكبر مما يمكن للبشر، مما يؤدي إلى اكتشاف أنماط دقيقة في سلوك دافعي الضرائب. ويساعد الذكاء الاصطناعي أيضا إدارات الضرائب في اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، مما يزيد من فعالية السياسات الضريبية والإجراءات الرقابية.
كما تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الأنشطة غير القانونية والتهرب الضريبي من خلال تحليل الأنماط المالية المشبوهة. وتحسين الامتثال الضريبي عبر تقديم توصيات مخصصة لدافعي الضرائب حول كيفية الامتثال للقوانين الضريبية، مما يقلل من حالات التهرب الضريبي ويزيد من الإيرادات الضريبية.
كما يتيح استخدام الذكاء الاصطناعي تعزيز الشفافية والنزاهة عبر تحليل البيانات الشفاف، مما يقلل من الفساد ويزيد من ثقة الجمهور في النظام الضريبي. زيادة على التعامل العادل من خلال تقديم توصيات مخصصة واستهداف الأنشطة غير القانونية بدقة، يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في نظام ضريبي أكثر عدالة. وتحسين تجربة دافعي الضرائب من خلال تقديم دعم مخصص لدافعي الضرائب عبر الدردشة الآلية وتقديم توصيات مخصصة، مما يسهل عليهم الامتثال للمتطلبات الضريبية. وتقليل التعقيد عبر تبسيط عمليات الإعداد الضريبي وجعلها أكثر سهولة ووضوحًا.
هناك مجموعة من التحديات التي تطرحها فكرة تطبيق الذكاء الاصطناعي في المعاملات الضريبية، بحيث يتطلب جمع وتحليل البيانات الضخمة من دافعي الضرائب ضمانات صارمة لحماية الخصوصية وأمن البيانات، لذلك يجب على إدارات الضرائب بناء ثقة الجمهور في أن بياناتهم تستخدم بطريقة آمنة ومسؤولة. إضافة إلى الحاجة إلى بنية تحتية تقنية متطورة، والاستثمار في التكنولوجيا، إذ يتطلب تطبيق الذكاء الاصطناعي في الإدارة الضريبية استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية. كما تحتاج الأنظمة الضريبية إلى التحديث المستمر لمواكبة التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي.
يحتاج استخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارة الضريبية إلى إطار قانوني ينظم استخدام هذه التقنيات ويضمن حقوق دافعي الضرائب. لذلك يجب على إدارات الضرائب مراعاة الجوانب الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل تجنب التحيز وضمان العدالة في التعامل مع البيانات.
ثالثا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي والعلاقة بين الملزم والإدارة الضريبية المغربية
بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن تبسيط الإجراءات الإدارية بالإدارة الضريبية المغربية وتحسين كفاءتها. مثال على ذلك هو تحسين عمليات التدقيق ومعالجة الإقرارات الضريبية بشكل أكثر فعالية وسرعة. والكشف عن التهرب الضريبي والغش، حيث يساهم الذكاء الاصطناعي في كشف الأنشطة غير الملتزمة بالضرائب والتهرب الضريبي. كما يستخدم التحليل الضريبي المتقدم للكشف عن الأنماط غير الطبيعية في التصرفات المالية، مما يساعد في حماية الإيرادات الضريبية للدولة.
ويساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضريبية بشكل دقيق وفعال، مما يتيح للإدارة الضريبية فهمًا أعمق لسلوك الملزمين وأنماطهم التصرفية. يمكن للتحليل الضريبي المتقدم تحديد الأنماط غير الطبيعية في الإقرارات الضريبية والتصرفات المالية.
كما يتطلب تطبيق التكنولوجيا الحديثة استثمارات كبيرة في البنية التحتية التكنولوجية وتدريب الموظفين. يجب على الإدارة الضريبية المغربية تقديم الدعم المالي والتقني لضمان نجاح مشاريع الذكاء الاصطناعي واستدامتها على المدى الطويل.
كما أن استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الإدارة الضريبية يتطلب تشريعات وإطار قانوني مناسب لضمان حماية حقوق الملزمين وسلامة بياناتهم الشخصية. يجب أيضًا تدريب الموظفين وتطوير قدراتهم للتعامل مع التقنيات الجديدة بطريقة ملائمة وفعالة. باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، يمكن للمغرب تحسين إدارته الضريبية بشكل كبير، مما يسهم في تحقيق أهدافه الضريبية بفعالية أكبر وتحسين الثقة في نظامه الضريبي.
توضح الأمثلة والأرقام المذكورة أعلاه، أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا كبيرًا في تحسين كفاءة وفعالية إدارات الضرائب. من خلال تحليل البيانات الضخمة، التنبؤ بالسلوك الضريبي، الكشف عن التهرب الضريبي، وتحسين خدمات الدعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم بشكل كبير في تحسين الامتثال الضريبي وتوفير بيئة ضريبية أكثر عدالة وشفافية.
كما تقدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي فوائد كبيرة في تحسين كفاءة وفعالية النظام الضريبي، وزيادة الإيرادات، وتعزيز الشفافية والنزاهة. ومع ذلك، يجب على إدارات الضرائب التغلب على التحديات المتعلقة بالخصوصية، وأمن البيانات، والبنية التحتية، والتغيير الثقافي لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وفعال.