تقرير حول ندوة ” السياسة القضائية على ضوء المستجدات التشريعية “
تقرير حول ندوة ” السياسة القضائية على ضوء المستجدات التشريعية “
نظم مركز الكفاءات للأبحاث و الدراسات ندوة علمية عن بعد في موضوع : “السياسة القضائية
على ضوء المستجدات التشريعية “، و ذلك بتاريخ 6 مارس 2021 على الساعة الخامسة مساء،
بمشاركة ثلة من الأساتذة الجامعيين و الأطر المتخصصين.
ويأتي اختيار هذا الموضوع في سياق التوجهات الجديدة للمملكة المغربية في مجال السياسة
القضائية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله و رعاه، و انسجاما مع
ما تعرفه الساحة القضائية من مستجدات تشريعية و تنظيمية، والتي جاءت في ظل انخراط الدولة في
ورش استراتيجي يروم اصلاحا عميقا و شاملا لمنظومة العدالة.
استهلت أشغال هذا اللقاء بكلمة مسير الندوة الدكتور عبد الكريم مصباحيالذي تقدم بالشكر الجزيل
للمنظمين والمؤطرين والمتتبعين، منوها بأهمية الموضوع و حسن اختياره في ظرفية تعرف
مجموعة من المستجدات في الساحة القضائية، و معتبرا انعقد ندوة بحضور أساتذة متخصصين من
شأنه أن يعمق النقاش و يزيل اللثام عن موضوع يعتبر من أكثر المواضيع حساسية في الوقت
الراهن.
لتفتتح بعد ذلك المداخلات الدكتورةإيمان الصروخ أستاذةجامعية بكلية الحقوق بطنجة بعرض
أكاديمي قيم في موضوع : “الوسائط الإلكترونية : أي دور في تحقيق النجاعة القضائية”، وقد استهلت
الدكتورة مداخلتها للتأكيد على أن موضوع الندوة يحمل في طياته الكثير من الدلالات، و يعكس مدى
التفاعل الإيجابي للأسرة القضائية مع الأوراش الإصلاحية ذات الأبعاد المختلفة. مشيرة إلى مجموعة
من الحقائق التي تتجلى أساسا في الوضعية المعقدة التي تعيشها المنظومة القضائية ببلادنا، رغم كل
الجهود التي تقوم بها الدولة في إطار اصلاح منظومة العدالة.
لتنتقل تبعا لذلك للتأكيد على الأهمية التي يحظى بها موضوع النجاعة القضائية باعتباره أحد
المحاور الاستراتيجية للميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، حيت اعتبرت الدكتورة أن المغرب
تجاوز مرحلة التشخيص و أصبح مطالبا بالحسم في الخيارات ذات الأولوية نحو إرساء دولة الحق و
المؤسسات، و تكريس عدالة ناجعة تحقق الأمن القانوني و القضائي بشكل ملموس. مؤكدة أن التعامل
مع الوسائط الإلكترونية في شتى المجالات بما فيها القضاء أصبحت حاجة ملحة تفرض نفسها تماشيا
مع التطورات التي يعرفها العالم. حيث نوهت الدكتورة بالخطوة المحمودة التي قامت بها وزارة العدل
بخصوص مسودة قانون استعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، لتشير في الأخير إلى
أن الأمر في عمقه لا يتعلق فقط باستعمال وسائط إلكترونية لتدبير مرفق عمومي من أجل تطوير
آليات اشتغاله، بل إن استعمال هذه الوسائط يستلزم النظر في الوسيلة الناجعة لتحقيق الغاية المنشودة.
أما المداخلة الثانية فكانت من نصيب الدكتورة هند الوهابي أستاذة جامعية بكلية الحقوق بطنجة و
التي عنونتها ب : “الوسائل البديلة لحل المنازعات، الوساطة الجنائية نموذجا”، حيث استهلت مداخلتها
بعرض أهم الأوراش الإصلاحية الكبرى التي عرفها المغرب و التي تروم بالأساس إلى تعزيز الثقة
بالمؤسسة القضائية و الارتقاء بالمنظومة القضائية كمنظومة مستقلة و ناجعة و فعالة. و سجلت
الدكتورة أن المغرب تبنى رؤية جديدة للإصلاح تتجلى في الوسائل البديلة لحل المنازعات نظرا
لقصور الوسائل التقليدية. و الوساطة الجنائية باعتبارها وسيلة من الوسائل البديلة تشكل تصورا جديدا
لبدائل الدعوى العمومية، وتعد أحد الوسائل المستحدثة من ناحية الإجراءات القانونية التي أفرزتها
السياسة الجنائية المعاصرة، مضيفة أن المشرع المغربي نظم هذه الوسيلة في المادة 41 من مسودة
مشروع قانون المسطرة الجنائية، و أنه عليه التسريع بإخراج هذا القانون لتفعيل المادة المذكورة لما
لها من إيجابيات خصوصا على مستوى التقليل من القضايا المرفوعة إلى المحاكم.
و من جانبه، تناول الأستاذ محمد البغدادي باحث في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة و رئيس
مركز الكفاءات للأبحاث و الدراسات مداخلته المعنونة ب:”السياسة الجنائية بين السلطة التشريعية و
السلطة التنفيذية”، من منظور الدساتير المغربية محاولا تسليط الضوء على السياسة الجنائية ما قبل
دستور 2011 و المتغيرات الحاصلة بعد صدور هذا الأخير، ليؤكد على أن السياسة الجنائية هي
سياسة عمومية معتبرا في هذا السياق أن دستور المملكة في فصله 117 أشرك في تركيبة المجلس
الأعلى للسلطة القضائية مؤسسات خارجة عن الجسم القضائي، حيت استحضر الأستاذ كل من
المجلس الوطني لحقوق الإنسان و مؤسسة الوسيط، ليخلص إلى كون العمل القضائي أصبح شأنا
مجتمعيا و ليس شأنا فئويا أو مهنيا مرتبط بالجسم القضائي. و في معرض حديثه عن السياسة الجنائية
تساءل الباحث عن من يضع هذه السياسة، معتبرا أن النصوص الدستورية و التنظيمية المنظمة
لاختصاصات وزارة العدل عرفت نوعا من الارتباك و القصور التشريعي في تحديد من يضع
السياسة الجنائية. حيت أكد الباحث أن السياسة الجنائية هي سياسة تتدخل فيها جميع الأطراف سواء
من خلال وضعها أو تنفيذها أو تقييمها، نظرا لوجود سياسة جنائية وطنية و أخرى محلية.
و قد سجل المتحدث أن الإشكال العويص الذي لا زال مطروحا لحد الأن يتمحور حول ربط
المسؤولية بالمحاسبة، قائلا : “كيف يمكن مساءلة الوكيل العام للملك على سياسة جنائية ينفذها و لا
يضعها، و كيف سيساءل وزير العدل على سياسة جنائية يضعها و لا ينفذها”. مؤكدا في الأخير على
ضرورة توضيح الاختصاصات استحضارا للمفهوم الجديد للسلطة بكيفية تمكن من الفصل بين السلط
و ضمان استقلالية السلطة القضائية و المحافظة على مبدأ التعاون و التوازن المشترك.
وفي مداخلة الأستاذ عبد المغيث مرون بصفته باحثا في قضايا الإعلام و التواصل تناول
موضوع “القضاء و الإعلام و حماية الديموقراطية و العدالة و الإصلاح” حيت استهل عرضه
بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 30-07-2007 بمناسبةعيدالعرشالمجيد و الذي أكد فيه
جلالته على مكانة الإعلام و دوره في ترسيخ المواطنة الإيجابية و تنوير الرأي العام، ليؤكد الباحث
تبعا لذلك على الأدوارالإيجابية التي يقوم بها الإعلام باعتباره المرآة الحقيقية التي تعكس وضعية
المجتمع من جميع النواحي.
لينتقل للحديث عن العلاقة بين الإعلام و القضاء مبرزا أوجه التعاون بينهما باعتبارهما ركيزتان
أساسيتان لقيام دولة الحق و القانون، مؤكدا على أنهما يشتركان في حماية القيم “الديموقراطية و العدالة
و الإصلاح” و أيضا خدمة المواطن. وقال الباحث أنه لا يمكن كسب ثقة المواطن في العدالة إذا لم
يلمس عن قرب الصورة الحقيقية للمجهودات الكبرى التي يتم بذلها من قبل السلطة القضائية. مشيرا
إلى كون القضاء يبقى ضامنا لحرية الإعلام، تلك الحرية المسؤولة و المنضبطة لقواعد القانون و
أخلاقيات المهنة و البعيدة عن الانزلاقات و التجاوزات، في ظلما اصبح يعرفه الإعلام في الآونة
الأخيرة من انحدار خطير خاصة مع تدفق التكنولوجيا الجديدة و تعدد مصادر المعلومة.
ليختم في الأخير بضرورة التعاون المشترك بين الإعلام و القضاء عبر تفعيل آليات التخليق و
التكوين و اعتماد الحوار المستمر في سبيل تجاوز كل المعيقات التي من شأنها الإساءة للمهنة
سواء تعلق الأمر بالصحافة أو بالقضاء، بالإضافة إلى تعزيز سبل التقارب من خلال وجود قضاء
متخصص في الإعلام و إعلام متخصص في شؤون القضاء.
أما المداخلة الخامسة و الأخيرة فقد عرضها الأستاذ عبد العالي الخردوش بصفته باحثا في المجال
القانوني و السوسيولوجي و التي خصص لها عنوان “السياسية القضائية في ظل المتغيرات
الاجتماعية، أسئلة و رهانات” حيث حاول بداية تسليط الضوء على بعض المصطلحات المرتبطة
بالموضوع رغبة منه في تبسيط الفهم لموضوع اعتبره من المواضيع الثقيلة في الساحة القانونية،
لينتقل للحديث عن مسارات الإصلاح التي عرفها المغرب، معتبرا أن صدور دستور 2011 يعد
تقدما غير مسبوق ساهم بشكل كبير في النهوض بقطاع العدالة ببلادنا، ليؤكد أن كل الإصلاحات
التي عرفتها منظومة العدالة إنما جاءت رغبة من المشرع في تحقيق العدالة بمفهومها الواسع.
و قد ناقش الأستاذ مسألة وجود 85.395 سجينا في السجون المغربية و الذين يخصص لهم مبلغ 70
درهما لكل سجين، قائلا : ” كان بالإمكان تفادي هذه الخسارة التي تعتبر إهدار للمال العام عن
طريق إعطاء الأولوية للنظم التعليمية و تمكين الأسرة للقيام بوظائفها “، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في سياستنا سواء الجنائية أو المدنية أو المالية … إلخ.
و قد عرج الأستاذ كذلك على مسألة مهمة و هي الاعتقال الإحتياطي، مشيرا إلى خطورة هذا
الإجراء و مشددا على نهجتدابيربديلة خصوصا في الجنح العادية. و مؤكدا على ضرورة اعتماد
مقاربة وقائية و تأطيرية عوض الإفراط في المقاربة الزجرية.
مباشرة بعد انتهاء المداخلات،تم فتح باب المناقشات أمام المتتبعين،والذين أبانوا عن تتبعهم الدقيق
لأشغال الندوة واهتمامهم الكبير بالموضوع القيم من خلال تفاعلاتهم وأسئلتهم الرصينة، بحيث
عملت مداخلاتهم على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه.
كما خلصت الندوة،التي لقيت استحسان الحضور،إلى طرح مجموعة من المقترحات والتوصيات
القيمة و التي يمكن إجمالها فيما يلي :
- التعجيل بإخراج القوانين المرتبطة بالحقل القضائي (المسطرة المدنية – المسطرة الجنائية – التنظيم القضائي)
- التدرج في استعمال الوسائط الإلكترونية بدء من المحاكم المتخصصة.
- العمل على تفعيل الطرق البديل لحل المنازعات و خصوصا مسطرة الصلحتعزيزا للثقافة تصالحية و رضائية.
- عقد ندوات و لقاءات من أجل التحسيس بأهمية الوسائل البديلة في فض النزاعات.
- إحداثمرصدوطنيللإجراميقومبرصدالظاهرةالاجراميةوالاهتمامبالإحصاءالجنائي.
- ضرورة التسريع بتنزيل المخطط التوجيهي المرتبط بالتحول الرقمي.
- إرساء سبل التعاون المشترك بين الإعلام و القضاء عبر تفعيل آليات التخليق و التكوين.
- بناء جسور التقارب من خلال وجود قضاء متخصص في الإعلام و إعلام متخصص في شؤون القضاء.
- رفع سن الراغبين في الولوج للقضاء إلى 45 سنة.
- تفعيل سياسة التدابير الوقائية القبلية و البعدية المرتبطة بالسياسة الجنائية.
- إعادة النظر في قرارات الأمر بالاعتقال الإحتياطي.
- إدخال علم الاجتماع إلى كليات الحقوق المغربية و جعله إلزامية لطلبة الحقوق.
وفي الختام لابد أن نشيد بالجهود الجبارة التي بدلها أعضاء اللجنة التنظيمية في جميع مراحل
إعداد الندوة وتنظيمها، و نشكر السادة الأساتذة المشاركين على مداخلاتهم القيمة.
|