في الواجهةمقالات قانونية

خصوصية الزمن القضائي في الدعوى الأسرية بعد صدور الحكم:  “دراسة في الاستثناءات والفعالية” الباحثة : نادية جبال

 

خصوصية الزمن القضائي في الدعوى الأسرية بعد صدور الحكم:
 “دراسة في الاستثناءات والفعالية”
The Specificity of Judicial Time in Family Litigation After the Issuance of the Judgment: “A Study on Exceptions and Effectiveness”
الباحثة : نادية جبال
باحثة بسلك الدكتوراه، الكلية متعددة التخصصات بتازة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
Nadia Jabal
PhD student, Multidisciplinary Faculty of Taza, Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fez.
    الملخص:
شهد المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة مجموعة من التطورات، شملت مختلف المجالات، على رأسها مؤسسة الأسرة من حيث وظائفها وأدوار أفرادها. وباعتبار الأسرة الخلية الأساسية للمجتمع، عمل المشرع المغربي على تعديل قانون أحواله الشخصية، ما تجسد في صدور مدونة الأسرة سنة 2004 تحت الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بهدف مواكبة مضامين المدونة مع مبادئ الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، وفي حدود ما تسمح به قواعد الشريعة الإسلامية، مما جعلها حدثًا تاريخيًا مهمًا في تاريخ المنظومة القانونية المغربية.
   غير أن الواقع العملي أبان عن مجموعة من الإشكالات المتعلقة بالزمن القضائي، خاصة أثناء مسطرتي الطعن والتنفيذ، مما يبرز الحاجة الملحة إلى التدخل التشريعي لتعديل الإطار القانوني بما يحقق أهداف المدونة، المتمثلة أساسًا في حماية استقرار الأسرة وتماسكها وضمان عدالة فعالة تواكب التحولات المجتمعية والدولية.
    الكلمات المفتاحية: الأسرة-الزمن القضائي-الطعن-التنفيذ.
Abstract:
 Moroccan society has experienced significant changes in its economic, social, and cultural aspects, impacting family roles. The Family Code was introduced under King Mohammed VI to align Islamic principles with international agreements. However, its implementation faces challenges, especially delays in judicial timelines for appeals and execution, affecting the effectiveness of family justice. These delays highlight the need for legislative reforms to speed up procedures. Addressing these challenges is essential to strengthen the legal framework and enhance the efficiency of family justice.
Keywords: Family-Judicial Timeline-appeals-execution.
مقدمة:
شهد المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة مجموعة من التطورات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فرضت على المشرع تنظيم مجموعة من القوانين في نصوص خاصة، وتعتبر مدونة الأسرة  من بين القوانين الخاصة التي تضمنت مجموعة من الإجراءات المسطرية المتعددة بالنظر إلى طبيعة وخصوصية قواعد الدعوى الأسرية لارتباطها بشخصية الإنسان وبكل ما يتعلق بالأسرة، مع ما صاحبها من تغييرات معدلة ومتممة لعدة فصول في قانون المسطرة المدنية وقانون التنظيم القضائي وذلك بهدف ملاءمة القواعد الإجرائية مع القواعد الموضوعية بشكل يضمن التطبيق الجيد لمضامين المدونة.
والدعوى الأسرية هي الدعوى التي يكون موضوعها حق متعلق بالزوجية وما يترتب عنها من نسب وحضانة ونفقة، أو حقا مرتبطا بانفصام الزوجية فضلا عن مسائل الولاية والإرث.
     والواضح من خلال إضفاء المشرع المغربي الصبغة الشكلية على مدونة الأسرة رغم اعتبارها قانون موضوع بالدرجة الأولى هو مراعاة خصوصيات النزاعات الأسرية وما تتطلبه من مبادئ المرونة والتيسير في اقتضاء الحقوق وعدم التطويل والتأخير في الإجراءات المتبعة لتحقيق الهدف المطلوب لكل صاحب مصلحة على حق معين، عكس ما كان عليه الحال بالنسبة لمدونة الأحوال الشخصية المنسوخة، التي كانت مساطرها تتسم بالبطء والتأخير، إلى جانب تعقد هذه الإجراءات وتشدد القضاء في التعامل معها مما كان يفقد هذه القواعد مغزاها ويجعلها سببا في التطبيق غير السليم للقواعد الموضوعية، ويؤثر سلبا على حقوق المتقاضين.
ولما كانت الدعاوى في الأحوال العادية تنتهي بصدور أحكام تفصل في النزاع، وهي بذلك الخاتمة الطبيعية للتقاضي، والهدف الذي يسعى إليه أطراف الدعوى عند مباشرتهم لها، لكن مادام أن العصمة لله وحده، فإن الحكم القضائي قد يعتريه القصور أو الخطأ، على غرار العمل البشري بوجه عام، لذلك مكنت مختلف التشريعات الحديثة المتقاضي من الطعن في الأحكام والقرارات التي يرى أنها قد جانبت الصواب والعدل، ومن ثم فإن طرق الطعن تعتبر ضمانات مهمة للمتقاضين.
ومن المعلوم أن موضوع الطعن يرجع اختصاص البت فيه لقواعد المسطرة المدنية، والدعاوى الأسرية كغيرها من القواعد تخضع لهذه الإجراءات، إلا أن المشرع أفردها ببعض أوجه الخصوصيات التي تقتضيها طبيعتها الاجتماعية والإنسانية.
وبعد مرور الآجال القانونية الممنوحة للطعن، يصبح الحكم قابلا للتنفيذ، مع ما يكتسيه من خصوصية في الدعاوى الأسرية سواء تعلق الأمر بتنفيذ الأحكام الوطنية أو الأحكام الأجنبية.
    انطلاقا مما سبق يتضح أن موضوع الدراسة يكتسي أهمية بالغة على المستويين العلمي والعملي.
   فعلى المستوى العلمي: تبرز أهمية الموضوع من خلال الخطابات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ، التي أكدت على ضرورة تقليص الفترات الزمنية لتحقيق عدالة ناجعة، سواء في إصدار الأحكام أو في تنفيذها.
     كما يتجلى ذلك في الدراسات الفقهية التي تناولت أهمية معالجة الطعون والتنفيذ ضمن الآجال المعقولة، إلى جانب التعديلات التشريعية التي أدخلها المشرع المغربي على نصوص مدونة الأسرة، رغم كونها قانونًا موضوعيًا بالأساس، وذلك لمواكبة خصوصيات الدعاوى الأسرية وضمان سرعة البت وبساطة الإجراءات، سواء تعلق الأمر بطرق الطعن أو تنفيذ المقررات القضائية.
      أما عن أهمية الموضوع العملية: فهي تظهر في ما يفترض أن تحققه التعديلات التي جاءت بها المدونة في التخفيف من حدة الآثار السلبية للقواعد العامة المعتمدة في قانون المسطرة المدنية،خاصة تلك المرتبطة ببطء الإجراءات وطول الآجال على مستوى طرق الطعن والتنفيذ، حيث تسهم سرعة البت في الطعون وتنفيذ الأحكام في حماية حقوق الأطراف المتقاضين ومنع تراكم الأضرار، مما يدعم تحقيق الأمن الأسري وضمان التوازن العادل بين الحقوق والواجبات.
      في ضوء ما تقدم تتبلورالإشكالية الجوهرية لهذه الدراسة البحثية فيما يلي: إلى أي حد ساهمت القواعد القانونية الواردة في كل من مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية المنظمة لمساطر الطعن والتنفيذ في تحقيق فعالية ونجاعة الزمن القضائي الأسري؟
    هذه الإشكالية الأساسية تتفرع عليها مجموعة من التساؤلات الفرعية يمكن التعبير عنها بما يلي:
1. كيف يمكن تحقيق التوازن بين تسريع الإجراءات القضائية في الدعاوى الأسرية بعد صدور الحكم وحماية حقوق الأطراف المتقاضية؟
2. ما هي الآثار القانونية المترتبة على الطعن في الأحكام الأسرية، وكيف تؤثر على الاستقرار الأسري؟
3. كيف يمكن تحسين فعالية الزمن القضائي في تنفيذ الأحكام الوطنية للأسرة بما يضمن تحقيق العدالة الناجزة؟
4. ما هي الصعوبات والتحديات التي تواجه القضاء في تنفيذ الأحكام الأجنبية في الدعاوى الأسرية، وكيف يمكن تجاوزها؟
       تتطلب الإجابة عن هذه الإشكالية اعتماد المنهج الوصفي الذي يسعى لوصف موضوع البحث وإبراز معالمه العامة، إضافة إلى المنهج التحليلي الذي يهدف لتحليل أبرز الإشكالات التي تطرحها مسطرتي الطعن والتنفيذ في الواقع العملي، ثم كذلك المنهج المقارن من خلال القيام بدراسة مقارنة بين نصوص كل من المدونة وقانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بموضوع الدراسة.
    وسيتم معالجة الموضوع من خلال مطلبين، يتطرق المطلب الأول إلى الاستثناءات الواردة على طرق الطعن في المقررات القضائية الأسرية والمطلب الثاني لحدود فعالية الزمن القضائي في تنفيذ هذه المقررات القضائية.
        المطلب الأول: الاستثناءات الواردة على طرق الطعن في المقررات القضائية الأسرية
 تتجلى خصوصية طرق الطعن العادية وغير العادية في الدعاوى الأسرية في تحديد آجال قصيرة للطعن، مما يسهم في تسريع الفصل في النزاعات الأسرية. يعكس هذا الأمر أهمية استقرار الأسرة وحماية الحقوق المتنازع عليها، حيث تساهم هذه الآجال المحددة في تقليص فترات الانتظار لاسيما ذلك المتقاضي الذي لا يتوفر على النفس القانوني للتقاضي، وتعزيز فعالية الإجراءات القانونية، بما يتماشى مع الطبيعة الخاصة لهذه القضايا .وبناء عليه سيتم التطرق لكل من خصوصية الزمن القضائي في طرق الطعن العادية وغير العادية(أولا) وأيضا ما يميزها على مستوى الآثار القانونية المترتبة عنها(ثنيا).
        أولا: تقليص آجال الطعن في المقررات الصادرة في الدعاوى الأسرية
       من المقتضيات القانونية المهمة لتوفير الثبات والاستقرار للمقررات القضائية الصادرة في الدعاوى الأسرية التعجيل بالبت في خصومة الطعن، ومن الأدوات المسطرية المساعدة على ذلك تقليص آجال الطعون، وفي هذا الإطار عمل المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية على سن آجال معقولة لطرق الطعن بصفة عامة ونص على آجال خاصة أخرى تتناسب مع الأحكام والقرارات الصادرة في الدعوى الأسرية ، وهكذا فقد حدد المشرع أجل الطعن بالتعرض على الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الابتدائية وكذا القرارات الغيابية الصادرة عن محكمة الاستئناف داخل عشرة أيام( الفصل 130 و 352 من ق.م.م)، وجعل أجل الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة في الدعاوى الأسرية داخل أجل خمسة عشر يوما على أن تقوم كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية برفع مقال استئناف هذه الأحكام مع المستندات المرفقة إلى كتاب الضبط بمحكمة الاستئناف خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الاستئناف(الفصل 134 من ق.م.م)، ويحسب الأجل في هذين الطعنين من تاريخ التبليغ كما في القواعد العامة لقانون المسطرة المدنية.
       أما بالنسبة لأجل الطعن بالطرق غير العادية وخصوصا الطعن بإعادة النظر والطعن بالنقض فقد ظل خاضعا للقواعد العامة التي تجعلها في ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه، باستثناء ما نص عليه الفصل 367 من قانون المسطرة المدنية من تخفيض آجال تقديم المذكرات الجوابية والمستندات ومستنتجات النيابة العامة داخل أجل خمسة عشرة يوما من يوم تقديم المقال أو من أمر التبليغ بالنسبة لتقديم مستنتجات النيابة العامة، ولعل الغاية التي حكمت المشرع المغربي من وراء تقليص الأجل في هذه الإجراءات الأخيرة هو تسريع المسطرة بالنظر إلى الطابع الخاص والحساس الذي تتميز به لارتباطها الوثيق بالجانب الشخصي للأفراد، ولذلك فقد كان لزاما على المشرع المغربي تعميم هذه الاستثناءات على مستوى جميع طرق الطعن، بما سيساهم في تبسيط الإجراءات وتحقيق عدالة أسرية سريعة وفعالة لمختلف مكونات الأسرة.
ثانيا: الآثار الاستثنائية  للطعن في المقررات الأسرية
       كقاعدة عامة تتمثل أهم الآثار القانونية التي تترتب عن تقديم الطعن بالطرق العادية في ق.م.م في أثرين أساسيين: أثر موقف لتنفيذ الحكم المطعون فيه وأثر ناقل للنزاع أمام المحكمة المرفوع إليها طلب الطعن أو ما يسمى بالأثر الناشر للنزاع ، مع ما يكتسيانه من خصوصيات متى تعلق الأمر بالنزاعات الأسرية غير أنه ارتباطا بموضوع الدراسة سيتم التركيز فقط على خصوصية الأثر الواقف كأثر من الآثار القانونية المترتبة عن الطعن بالاستئناف والطعن بالتعرض(أ)، بخلاف طرق الطعن العادية فإن طلب النقض يترتب عنه أثرين اثنين هما: عدم إحداث أثر ناشر، وعدم إيقاف التنفيذ(ب).
        أ: الآثار القانونية لطرق الطعن العادية
       فيما يتعلق بالطعن بالاستئناف، فقد نص المشرع المغربي صراحة على هذا الأثر الموقف لتنفيذ الحكم المطعون فيه حيث ينص الفصل  134من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأخيرة على أنه: “يوقف أجل الاستئناف، والاستئناف نفسه داخل الأجل القانوني، التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ المعجل ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 147 من نفس القانون”.
       أو تعلق الأمر بالطعن بالتعرض وفقا لما يقرره الفصل 132 من ق.م.م والذي جاء فيه ما يلي:” يوقف التعرض التنفيذ ما لم يؤمر بغير ذلك في الحكم الغيابي. وفي هذه الحالة، فإذا قدم المحكوم عليه الطلب بإيقاف التنفيذ بتت غرفة المشورة مسبقا في طلب إيقاف التنفيذ المعجل طبقا لمقتضيات الفصل 147″.
فالملاحظ من خلال هذين النصين أنه إذا كان الطعن بالاستئناف أو التعرض وأجلهما يوقفان التنفيذ كقاعدة عامة، فإن الأمر يختلف بالنسبة للأوامر الاستعجالية لأنها مشمولة بالنفاذ المعجل سواء كان قانونيا أو قضائيا. وتعتبر قضايا النفقة من بين القضايا التي جعلها المشرع مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني وفقا لما تقرره الفقرة الأولى من الفصل 179 مكرر من ق.م.م والذي جاء فيه ما يلي: ” يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن”.
ويوصف هذا النوع من النفاذ المعجل بالقانوني أو بقوة القانون لأن المقرر يستمد قوته التنفيذية من نص القانون مباشرة، وهكذا فإذا كانت الدعوى تتعلق بالنفقة سواء للزوجية أو القرابة أو الالتزام، بت فيها بشكل استعجالي، وينفذ الحكم الصادر فيها معجلا، وإذا تأخرت القضية لأي سبب للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها، مما يعني أن الطعن بالاستئناف أو التعرض لا يمكن أن يوقف تنفيذ المقررات الصادرة في مادة النفقة لأنها مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني.
إلا أن التساؤل المطروح في هذا الصدد هو ما إذا كان من الممكن وقف تنفيذ النفقة بناء على طلب إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى الأصلية أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو الاستئناف وفقا لما تقرره الفقرة الثالثة من الفصل 147 من ق.م.م؟
باستقراء الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور الملاحظ أن المشرع المغربي قد حسم في الأمر حينما نص صراحة على أنه: ” لا تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ المعجل بقوة القانون”.
غير أنه بالرغم من وضوح الفصل المذكور في عدم قابلية القضايا المشمولة بالنفاذ المعجل القانوني لإيقاف تنفيذها بناء على طلب مستقل عن الدعوى الأصلية، فبالرجوع إلى ما استقر عليه العمل القضائي يتضح خلاف ذلك حيث أن القاضي قد يوقف التنفيذ ولو أن الأمر يتعلق بالنفاذ المعجل بقوة القانون وذلك متى تعلق الأمر بأسباب قاهرة وتفاديا لأضرار لا يمكن تعويضها أو إصلاحها وعموما متى تعلق الأمر بالنظام العام، وفي هذا الإطار يمكن استحضار الحكم  الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الذي جاء في حيثياته ما يلي : ” ….حيث أن الأحكام الصادرة في النفقة تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، تطبيقا للفصلين 179 من قانون المسطرة المدنية والمادة 191 من المدونة، وأن الحكم المستأنف هو من قبيل هذه الأحكام، لا يمكن إيقاف تنفيذه إلا لأسباب قاهرة، وتفاديا لأضرار لا يمكن تعويضها أو إصلاحها، مما يكون معه الطلب غير مستند على أساس، وينبغي رفضه”.
أما فيما يتعلق بحالات النفاذ المعجل القضائي فحالاته كثيرة من بينها أساسا ما يتعلق بقضايا الحضانة التي غالبا ما يتقدم فيها المدعى عليه  أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو الاستئناف بطلب عدم إيقاف تنفيذ حقه في الزيارة إلى حين صدور حكم نهائي في النزاع، ويبقى للقضاء السلطة التقديرية في القبول أو الرفض بكفالة أو بدونها وفقا للإجراءات المسطرية العامة المنصوص عليها في ق.م.م. ولا يمكن قطعا للطعن بالاستئناف أو التعرض إيقاف تنفيذ المقررات القاضية بالتطليق أو الفسخ أو الخلع أو الطلاق أو المقرر القاضي بالتعدد ولا حتى المقرر القاضي بالإذن بزواج القاصر، وذلك طبعا راجع إلى فلسفة المشرع في تحديد الوضعية العائلية للأزواج بدل حمل أوضاع متعددة في كل مرحلة قضائية، إضافة إلى تجاوز إطالة المسطرة التي قد تدوم لسنوات وما يترتب عن ذلك من عدم استقرار عائلي.
        ب: الآثار القانونية للطعن بالنقض
فيما يتعلق بالطعن بالنقض في الدعاوى الأسرية الملاحظ أن المشرع المغربي قد أفردها ببعض الخصوصيات والاستثناءات على مستوى الآثار القانونية المترتبة عن هذ االنوع من الطعون خاصة منها الأثر المتعلق بعدم إيقاف التنفيذ، فإذا كانت القاعدة العامة المنصوص عليها في الفصل 361 من ق.م.م أن طلب النقض لا يوقف التنفيذ، فإنه خلافا لهذه القاعدة يكون له أثر موقف للتنفيذ في حالات خاصة ومن بينها الأحوال الشخصية، وذلك وفقا لمقتضيات نفس الفصل المذكور الذي جاء فيه ما يلي:
” لا يوقف الطعن أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الأحوال الآتية:
1- في الأحوال الشخصية،
2- في الزور الفرعي،
3- التحفيظ العقاري،
يمكن علاوة على ذلك للمجلس بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء”.
من الواضح أن الغاية التي حكمت المشرع في عدم إيقاف التنفيذ في الأحوال الشخصية حماية مراكز الأطراف مما قد يصيبهم من آثار سلبية إذا ما تم نقض الحكم بعد تنفيذه وإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل تنفيذ الحكم. إلا أنه بالرغم من أهمية هذا المقتضى فهو يطرح إشكالية أساسية تتعلق بما هو المقصود بالأحوال الشخصية؟
 بالرجوع  إلى الفقه، هناك من يعرفها بأنها مجموعة من القواعد التي تنظم علاقات أفراد الأسرة بوصفهم هذا أي أعضاء في أسرة واحدة تجمعهم علاقات النسب والمصاهرة.
 في حين هناك من يعرفها   بمجموع القواعد القانونية التي تحكم الزواج والطلاق والولادة ونتائجها والأهلية والنيابة الشرعية والوصية والميراث مع إضافة قانون الأحوال الشخصية.
 إلا أن محكمة النقض -المجلس الأعلى سابقا- كان لها رأي آخر بخصوص تحديد مفهوم الأحوال الشخصية الوارد في الفصل 361 من ق.م.م، حيث جاء في أحد قراراته   ما يلي:
“لكن حيث إن المقصود في قضايا الأحوال الشخصية المنصوص عليها في الفصل 361 من ق.م.م هي القضايا التي يكون فيها نزاع جوهري في الحالة الشخصية كادعاء الزوجية أو الأولاد من أحد الطرفين وإنكاره من الطرف الآخر….وحيث إن النزاع في هذه النازلة مقتصر على النفقة وتوابعها وأن الطاعن لا ينكر الزوجية ولا الأولاد المطالب بنفقتهم، مما تكون معه القضية غير متعلقة جوهريا بالأحوال الشخصية وبالتالي غير خاضعة لتطبيق الفصل التاسع من ق.م.م، بحيث يكون السبب الوحيد المستدل به على النقض غير مرتكز على أساس”.
هذا التوجه القضائي عرف انتقادا من طرف مجموعة من الفقه المغربي  الذي اعتبر أن العلاقات الشخصية ذات الطابع المالي جزء لا يتجزأ من مجال الأحوال الشخصية، كالنفقة والصداق، وقضايا الإرث والوصية.
 لكن كما سبقت الإشارة في كل ما سبق من مختلف طرق الطعن فإن مقتضيات المواد 20 و45 و128 من م.أ لا يمكن إيقاف تنفيذها لأنها تكتسي قوة الشيء المقضي به خلافا لما كان عليه الأمر في ظل مدونة الأحوال الشخصية المنسوخة خاصة ما يتعلق بوقف التنفيذ في مقررات الطلاق والتطليق وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تتجلى أساسا في معاناة الزوجة التي تحصل على حكم ابتدائي بالتطليق لتفاجئ مثلا بالطعن بالنقض ضد هذا الحكم، فتبقى بذلك معلقة لا هي من المتزوجات ولا هي من المطلقات، وبذلك تكون مدونة الأسرة قد أحسنت صنعا من خلال ما جاءت به من مستجدات مهمة في هذا الخصوص وهو ما تؤكده مقتضيات المادة 128 من المدونة التي تنص صراحة على عدم قابلية المقرر القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
وإذا كان المشرع المغربي قد نص صراحة على أن أجل الاستئناف والاستئناف نفسه يوقف التنفيذ داخل الأجل القانوني وفقا لما تقرره الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من ق.م.م. فإنه على العكس من ذلك لم ينص على أن أجل الطعن بالنقض يوقف التنفيذ أيضا ،لكن عموما ودون الخوض في المواقف الفقهية بهذا الخصوص يمكن القول بأن آجال الطعن بالنقض هي كذلك توقف التنفيذ، لأن هدف المشرع واحد سواء تعلق الأمر بالنقض نفسه أو آجال النقض.
أما بالنسبة للأثر المتعلق بعدم إحداث الطعن بالنقض للأثر الناشر للحكم، فهو واضح ذلك أن محكمة النقض هي محكمة قانون وليست محكمة موضوع كما هو الشأن بالنسبة للمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، وبالتالي فمهمتها الأساسية تتجلى في التأكد من مدى تطبيق القانون بشكل سليم من طرف محاكم الموضوع من عدمه.
       المطلب الثاني: حدود فعالية الزمن القضائي في تنفيذ المقررات القضائية الأسرية
     إن تسوية وضعية الأسرة تتطلب أن تسير كل الإجراءات بالسرعة اللازمة، فبمجرد صدور الحكم القضائي يلزم الشروع في تنفيذ كل الإجراءات والتدابير المقررة فيه حتى يتم الحفاظ على بعض المصالح الحساسة، ومتطلبات السرعة في التنفيذ هذه لا تنسجم مع الأثر الواقف لطرق الطعن العادية كالتعرض والاستئناف، فبحسب القواعد العامة للمسطرة المدنية لا يمكن الشروع في تنفيذ الحكم غير الانتهائي طيلة أجل الطعن، ما لم يكن مشمولا بالتنفيذ المعجل بأمر القضاء أو بقوة القانون، ولما كان التنفيذ المعجل بأمر القضاء لا يوفر قوة تنفيذية كاملة للحكم القضائي ما دام يمكن التماس إيقاف تنفيذه ، لهذه الغاية قرر المشرع التنفيذ المعجل بقوة القانون، وتتمثل أهم هذه القضايا نظرا لحساسيتها الشديدة في النفاذ المعجل للأحكام المتعلقة بالنفقة،(أولا) في المقابل لا يخفى ما يتميز به تنفيذ الأحكام الأجنبية من خصوصيات، تقتضي الوقوف عليها في هذا الشق من الدراسة(ثانيا).
       أولا:النفاذ المعجل لأحكام النفقة
      نظرا للطابع الاجتماعي لقضايا النفقة فإن المشرع المغربي أحاطها باهتمام بالغ خصوصا فيما يتعلق بالشق التنفيذي، من خلال التأكيد على ذلك سواء على مستوى قانون المسطرة المدنية أو على مستوى القواعد الموضوعية في مدونة الأسرة، وحتى قبل صدور هذه الأخيرة من خلال نصوص قانون الأحوال الشخصية، تتدعم هذه المقتضيات عندما حدد المشرع مجموعة من الإجراءات لضمان تنفيذ الأحكام القاضية بالنفقة، ومن منطلق ما تم إيراده سيتم العمل على توضيح طبيعة حكم النفقة (أ) ثم التطرق إلى الوسائل والضمانات الزمنية الكفيلة بالتنفيذ (ب).
       أ: طبيعة الحكم القاضي بالنفقة
      القاعدة العامة بالنسبة لتنفيذ الأحكام هو أنه لا يتم تنفيذها إلا بعد حيازتها لقوة الأمر المقضي به أي عدم قابليتها للطعون العادية وهي التعرض والاستئناف، إلا أن هذه القاعدة يرد عليها استثناء يتمثل في إمكانية تنفيذ الحكم تنفيذا معجلا على الرغم من قابليته للطعن فإذا كان الوقت الطبيعي لتنفيذ الحكم هو وصوله إلى الدرجة النهائية فإن الحالة الاستعجالية تقتضي التعجيل بتنفيذ الحكم قبل أوانه، وهو مناط وصفه بالنفاذ المعجل، وفي هذا قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بأن “الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل تحوز بمجرد صدورها حجية يمكن التمسك بها أمام القضاء” .
      وتبدو الحكمة من إشمال أحكام النفقة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، أن صدور الحكم قائم على حالة استعجاليه تقتضيها الظروف المعيشية، وبالتالي فمن الضروري أن ينسجم الحكم مع هذه الحالة والتي يراعى لتنفيذها السرعة والعجلة، وإلا لما كان لوصف هذه الأحكام بكونها تستدعي الاستعجال أية أهمية أو فائدة، ولما أدت الوظيفة التي قررت من أجلها، ولذلك قررت الفقرة الثانية من المادة 191من المدونة أن “الحكم الصادر بتقدير النفقة، يبقى ساري المفعول إلى أن يصدر حكم آخر يحل محله أو يسقط حق المحكوم له في النفقة”، وما يفهم من هذه الفقرة أن المشرع المغربي حدد حجية الحكم القاضي بالنفقة عندما قرر أن الاستئناف لا يؤثر في إيقافها حتى يصدر حكم آخر يحل محله، وبصيغة أخرى فالمشرع هنا قرر إشمال هذا النوع من الأحكام بالنفاذ المعجل وإن لم يستعمل دلالات عليه اصطلاح التنفيذ المعجل.
      وهكذا فإذا تعلق موضوع الدعوى بطلب النفقة سواء أكانت للزوجة أو الأولاد وجب على المحكمة البت فيها بشكل استعجالي وينفذ الحكم تنفيذا معجلا على الأصل، والذي يقتضي الإعفاء من إجراءات التسجيل والإعفاء من طبع الحكم واستصدار نسخة منه والاكتفاء بالإدلاء بأصله، ومن ذلك يتضح أن النفاذ المعجل هو صورة من صور الحماية المؤقتة والذي يحمي الحق الظاهر ومن ذلك يتقرر أن كل حكم صادر بالنفقة يصلح سندا للتنفيذ ولو كان ابتدائيا .
      وفي هذا السياق قررت محكمة النقض أن “الأوامر الصادرة في طلبات النفقة تنفذ بقوة القانون الأمر الذي يجرد محكمة الاستئناف من سلطة البت في طلبات إيقاف النفقة”. وفي السياق نفسه صدر قرار استئنافي قضى بإيقاف تنفيذ حكم النفقة على الرغم من إشمال المشرع هذا النوع من الأحكام بالنفاذ المعجل القانوني بصريح الفصل 179 من ق.م.م (ف 179 مكرر من ق.م.م حاليا) والذي ينص على أنه : ..يتم تنفيذ الأوامر في هذه القضايا رغم كل طعن ..
      ليتجلى بوضوح تصادم هذا الاتجاه القضائي مع النص القانوني الصريح، فالمسالة تفرض التقيد بالضوابط القانونية دون تجاوزها أو إغفالها، كما ينبغي أن يتضمن الحكم وبشكل صريح على السند القانوني وتحديد نوعية الصعوبة المثارة تفاديا لكل خلط، ومن المعلوم كذلك أن الأحكام وإن كانت مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني فإنها لا تخلو من صعوبات وقتية قد تعترض تنفيذها وهو ما يجعل الاختصاص ينعقد لقاضي المستعجلات للبت في الصعوبة المثارة بمقتضى ف 149 من ق.م.م .
      لذا يستوجب التأكيد على طبيعة هذه الأحكام والتي تستمد وصفها التنفيذي بقوة القانون على اعتبار أن التراخي في تنفيذها يفوت الغرض المقصود من إصدارها .
      ب : الضمانات الزمنية لتنفيذ حكم النفقة
      تماشيا مع السرعة المؤكد عليها من خلال المدونة للبت في قضايا الأسرة، أكد المشرع المغربي على ضوابط لتنفيذ الأحكام الصادرة في شأنها، ومن بين ما تم تضمينه لتحقيق هذه الغاية ما نصت عليه المادة 191 من مدونة الأسرة حيث جاء فيها ” تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة وتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه أو اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه، وتقرر عند الاقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة …”.
      وبذلك أصبحت سلطة القضاء بمقتضى هذه المادة مهمة عند إصدار أحكامهم من خلال إتاحة الإمكانية لتضمين مضمون الحكم الوسائل التي تمكن من اقتضاء الحق، ومنها اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه المحكوم عليه، خصوصا وأن الواقع العملي أثبت بأن المتقاضي المغربي لا يرضخ للأحكام بسهولة وقلما يمثل طواعية لتنفيذ الحكم الصادر ضده ويسلك كل الطرق الممكنة لعرقلة تنفيذ الحكم .
      وقد أفرز الواقع العملي لتطبيق مقتضيات هذه المادة عدة إشكاليات على سبيل المثال ما تم إيراده من طرف أحد الأساتذة عندما أوضح أن الأحكام توضح في منطوقها وتقرر إجراء الاقتطاع من المنبع بصفة دورية إلى غاية انقضاء الالتزام شرعا، حيث تباشر العملية بفتح ملف تنفيذي، ليتم توجيه الإنابة إلى المحكمة الابتدائية بالرباط، لتوجه الإشارة إلى الخازن العام للمملكة لاقتطاع المبلغ المحكوم به، وتستغرق هذه العملية على حسب قوله ما لا يقل عن ثمانية أشهر، لتتخلد في ذمة المحكوم عليه مبالغ مهمة يتعذر اقتطاعها لكونها تفوق الجزء القابل للاقتطاع ليرجع تصريح المحجوز لديه سلبيا.
      من خلال ما قيل يتبين أنه بدلا من أن تكون هذه الضمانة وسيلة لتسريع التنفيذ أصبحت معيقا له، فإن كان المشرع قد حث على السرعة من أجل البت في قضايا الأسرة، فإنه يجب أن يوازي هذا التوجيه سرعة في التنفيذ.” .
     ومن كل ما ذكر يتضح أن المشرع أولى لمسألة تنفيذ حكم النفقة عناية كبيرة نظرا لما تتسم به من طابع معيشي من خلال تكريس مبادئ صريحة لتنفيذها وهو أمر يتسع ليشمل حتى الأحكام التي صدرت في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، إذا ما التمست الطالبة ذلك .
      وإن كان الأمر كذلك فإن مقتضيات المادة 191 من م.أ تبقى محددة في جزء منها وعامة في المتبقي منها تستدعي التفعيل والتجديد نظرا للمساحة المهمة التي تعطيها للقضاء، ليبقى الدور الأساسي والفاعل ممنوح لهم، لتوضيح مدلول الإجراءات والتفصيل فيها حتى يوجد لها السبيل إلى التنفيذ.
     سيكون من المفيد لو تم إبداع مقتضيات إجرائية تفصيلية توازي هذه المادة، وتضع حدا لكل جدال و خلل في التطبيق للوصول إلى الغاية التي وجدت منها آلية الاقتطاع من المنبع.
ثانيا: خصوصية تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في الدعوى الأسرية
يخضع التنفيذ في تنظيمه القانوني للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالدعاوى الأسرية فالملاحظ أن المشرع المغربي قد أفردها بقواعد خاصة على مستوى التنفيذ لا في نصوص قانون المسطرة المدنية ولا في نصوص المدونة ولا بمقتضى نصوص خاصة، سواء تعلق الأمر بتنفيذ الأحكام الوطنية أو تنفيذ الأحكام الأجنبية، إلا أنه بالنظر لأهمية هذه الأخيرة وما تكتسيه من خصوصيات زمنية مسطرية تميزها عن تنفيذ الأحكام الوطنية، فإنه سيتم التركيز في هذه الدراسة على إبراز خصوصية الإجراءات المسطرية لتذييل الأحكام الأجنبية في الروابط الأسرية، هذه المسطرة منصوص عليها في الفصلين 430 كما عدل وتمم بمقتضى القانون رقم 61.19  و431 من ق.م.م، فبمقتضى هذين الفصلين يتعين تقديم الطلب في شكل مقال افتتاحي طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في الفصل 32 من ق.م.م، تؤدى عنه الرسوم القضائية،   إلى رئيس المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان تنفيذ الحكم أولمحل إبرام عقد الزواج، بعد أن كان الاختصاص قبل تعديل الفصل 430 من ق.م.م بالقانون المذكور-61.19- من اختصاص المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما .
على أن يبت رئيس المحكمة أو من ينوب عنه في هذا الطلب داخل أجل أسبوع من تاريخ إيداعه، ومنح الاختصاص لرئيس المحكمة خلافا لما كان عليه الوضع قبل التغيير يضفي طابعا استعجاليا على البت في هذا النوع من القضايا نظرا لما تتطلبه من سرعة البت، ويكون حكمه هذا غير قابل لأي طعن في الجزء المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، ما عدا من لدن النيابة العامة، أما في باقي الأجزاء فالحكم يكون قابلا للاستئناف داخل أجل 15يوما، حيث ينعقد الاختصاص للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه للبت في هذا الطعن، وذلك داخل أجل 10 أيام من تاريخ توصل كتابة الضبط بالملف، كما لا يقبل القرار الصادر الطعن بالتعرض.
وما دام الخصوم في دعوى التذييل هم نفس الخصوم في الدعوى الأصلية التي صدر فيها الحكم الأجنبي المطلوب تذييله، فإن المقال يمكن أن يرفع من أحد الطرفين أو من ينوب عنه، بل يمكن أن يرفع حتى من كليهما، أو من النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في القضايا الأسرية طبقا للمادة 3 من المدونة، على أنه ينبغي توجيه الدعوى ضد الطرف الآخر، خاصة وأن محكمة النقض دأبت في الكثير من قراراتها على اعتبار دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية كأي دعوى لا بد فيها من استدعاء المدعى عليه، وما يترتب عن هذا الإجراء من تطويل أمد الدعوى، خاصة إذا ما تم استحضار أن إقامة المدعى عليه تكون غالبا خارج المغرب واستنفاد درجات التقاضي، وأن الحكم الصادر بالتذييل يوقف التنفيذ.
 وفي هذا الإطار يمكن استحضار القرار الصادر عن محكمة النقض  بتاريخ21/04/2004، الذي جاء فيه: ” حيث إنه بمقتضى الفصول 32 و36 وما بعده من قانون المسطرة المدنية يجب أن يتضمن مقال الدعوى الأسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة كل من المدعي والمدعى عليه، ويستدعي القاضي الطرفين إلى جلسة يعينها، وإنه يتضح من المقال الافتتاحي للدعوى أعلاه أن المدعية المطلوبة في النقض قد اقتصرت فيه على ذكر اسم المدعى عليه زوجها (ع محند) بدون ذكر موطنه أو محل إقامته ونتيجة لهذا تم إغفال توجيه مقالها إليه قصد جوابه عنه واستدعائه للجلسة التي أدرجت فيها القضية، وأن المحكمة المطعون في قرارها حينما أيدت الحكم الابتدائي الذي قبل الدعوى رغم ما ذكر وقضى بتذييل الحكم الأجنبي القاضي بالطلاق بين الطرفين بالصيغة التنفيذية دون استدعاء الزوج المدعى عليه الذي هو المعني مباشرة بطلبها وجوابه عنه إن شاء، تكون قد خرقت الفصول 32 و36 وما بعده من ق.م.م مما يجعل قراراها معرضا للنقض”.
وتجدر الإشارة إلى الغاية والهدف الذي حكم المشرع المغربي من وراء تعديله وتغييره مقتضيات الفصل المذكور، التي تتمثل أساسا في تيسير ولوج الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى الخدمات العمومية بما يتلاءم وخصوصية وضعهم الاجتماعي الذي يتميز بضيق الوقت أثناء إقاتهم بالمغرب خلال العطلة، واعتبارا للارتفاع الملحوظ لعدد الطلبات التي تتقدم بها هذه الفئة أمام المحاكم المغربية لتذييل الأحكام الأجنبية المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية، خاصة بعدما أبانت مقتضيات الفصول من 430 إلى 432 من ق.م.م عن ما يعتري مسطرة التذييل من تطويل في الإجراءات واستغراق الوقت الذي عادة ما يكون طويلا.
خاتمة:
      ختامًا، يتضح أن الزمن القضائي في الدعاوى الأسرية يظل من المواضيع الحيوية التي تستوجب مزيدًا من البحث والتطوير، نظرًا لما لهذه القضايا من تأثير مباشر على استقرار الأسرة، باعتبارها خلية المجتمع باستقامتها يستقيم وبانحلالها يختل توازن المجتمع وبوصلته.
ورغم الجهود التشريعية المبذولة في إطار مدونة الأسرة والمسطرة المدنية، إلا أن غياب التوافق والانسجام بين النصوص الموضوعية والإجرائية يفرز العديد من الإشكالات التي تعيق تحقيق السرعة والفعالية المطلوبة خاصة في مسطرتي الطعن والتنفيذ. ولتجاوز هذه الإشكالات، يمكن وضع مجموعة من الاقتراحات التي تتناسب مع خصوصية المنازعات الأسرية:
1. إصدار قانون إجرائي خاص بالدعاوى الأسرية: يُنظم بشكل مستقل إجراءات التقاضي في هذا المجال، بما يعالج الإشكالات العملية الناتجة عن اعتماد النصوص العامة في قضايا ذات طبيعة خاصة.
2. تعزيز التنسيق بين مدونة الأسرة والمسطرة المدنية: من خلال مراجعة النصوص القانونية لإزالة التعارض واللبس، وضمان توحيد الإجراءات بشكل يخدم نجاعة التقاضي.
3. تحديد آجال واضحة ومُلزِمة لمساطر الطعن والتنفيذ: بما يضمن حماية حقوق الأطراف وضمان تسريع إصدار الأحكام وتنفيذها.
4. الرقمنة الشاملة للإجراءات القضائية: لاعتماد أنظمة إلكترونية تتيح تقديم طلبات الطعن، متابعة الملفات، وتنفيذ الأحكام بسهولة وسرعة، مما يحد من التعقيدات الإدارية.
5. تفعيل الوساطة الأسرية في المجتمع المغربي: مما يقتضي تدخل المشرع من أجل النص عليها بشكل صريح وواضح في مدونة الأسرة لإضفاء طابع الشرعية عليها وإزالة أي لبس أو غموض يكتنف عملها، كما أن الحديث عن الوساطة الأسرية يقتضي خلق هيئة خاصة بالوسطاء تتولى القيام بمساعي الوساطة، في إيجاد الحلول لها حتى لا تتفاقم الأمور وتؤدي إلى انهيار كيان الأسرة، فنجاح الوساطة الأسرية متوقف على أن تتم داخل أجل معقول، وحتى يتحقق ذلك لابد من اعتماد نظام إدارة الدعوى كما هو معمول به في العديد من التشريعات المقارنة.
6. إشراك المجتمع المدني والجمعيات المعنية بشؤون الأسرة: لدورها في التوعية القانونية وتوفير الدعم للأطراف المعنية، بما يعزز حماية حقوق الأسرة ومكوناتها.
    إن تحقيق هذه الإصلاحات لن يُسهم فقط في تحسين الزمن القضائي في الدعاوى الأسرية، بل سيمكن من تحقيق العدالة الناجعة وحماية الأسرة المغربية، مما يعزز استقرارها ودورها المحوري في تحقيق الأمن الأسري.
    من هنا، يجب أن نواصل التفكير في كيفية تطوير الزمن القضائي في هذه القضايا لتكون أكثر توافقًا مع متطلبات العصر وحاجات المجتمع، فالتحدي يكمن في إيجاد التوازن المثالي بين السرعة والعدالة، بما يضمن حماية حقوق الأفراد واستقرار الأسرة، كما يجب أن تظل التعديلات التشريعية والآليات القضائية في مسار مستمر من التطوير، لتواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، وتحقق الأهداف المرجوة منها.
    وفي الأخير يمكن القول، إن موضوع الزمن القضائي في الدعوى الأسرية ليس مجرد قضية قانونية تقنية، بل هو مسألة اجتماعية وإنسانية عميقة تمس كيان الأسرة وأدوارها في المجتمع. ولذلك، يتطلب الأمر استمرار التعاون بين المشرع، القضاء، والمجتمع لتوفير بيئة قانونية تحترم حقوق الأفراد وتعزز استقرار الأسرة، مما يساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي في المغرب.
لائحة المراجع:
المصادر:
القوانين:
• قانون رقم 61.19 بتتميم الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 6807، 24 ذو الحجة 1440،( 26 أغسطس 2019،ص:5897.
• ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394( 28 شتنبر 1974) الصادر بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 30 شتنبر 1974 كما تم تعديله وتغييره بمقتضى قانون رقم 30.72 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.04.23 بتاريخ 3 فبراير 2004 الجريدة الرسمية عدد 5148 بتاريخ 05-02-2004 ص: 453.
• ظهير شريف رقم 1-04-22 صادر في 12 ذي الحجة ( 3 فبراير 2004 ) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، جريدة رسمية عدد 5184 بتاريخ 14 من ذي الحجة 1424 ( 5 فبراير 2004 )، ص: 418.
• عبد المجيد غميجة، مميزات دعوى الأحوال الشخصية، على ضوء تعديلات ظهائر 10/09/1993 مجلة القسطاس، سنة 1997، العدد الأول.
  المراجع باللغة العربية:
  الأطروحات والرسائل الجامعية:
• نادية جبال، المقاربة الإجرائية في القضايا الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تخصص الأسرة والقانون، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة مولاي اسماعيل بمكناس، السنة الجامعية 2019-2020.
• هجيرة بن عزي، الخصوصيات المسطرية في القضايا الأسرية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، تخصص قانون الأسرة والهجرة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2013-2014.
• لبنى عابد، الخصوصيات المسطرية للنزعات الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، تخصص: الأسرة والهجرة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، بوجدة، السنة الجامعية: 2008-2009.
• ليلى بردو، الطعن في الأحكام الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، تشريعات الأسرة والهجرة ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2007-2008.
• سناء بوعرورو، الطعن بالاستئناف في الأحكام الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، تخصص الأسرة والهجرة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية 2008-2009.
• محمد بن الطيب، محمد بن الطيب، تنفيذ الأحكام في المادة الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، تخصص الأسرة والهجرة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية: 2007-2008.
  الكتب العامة:
• عبد الرحمان الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية- دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية- الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، سنة 2017.
• أحمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية الزواج والطلاق، الجزء الأول، الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة الرباط.
• محمد الكشبور،الوسيط في شرح مدونة الأسرة-الزواج- الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006.
• أحمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية الزواج والطلاق، الجزء الأول، الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 1987.
  المقالات:
• محمد المهدي، تذييل الأحكام الأجنبية القاضية بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية مقاربة في ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي، مجلة استشراف للدراسات والأبحاث القانونية، سنة 2018، العدد الأول.
• عبد القادر قرموش، حدود الدور الإصلاحي للقضاء في مجال قانون الأسرة، منشور في مجلة القضاء المدني، سنة 2011، العدد الثالث.
  مقرر قضائي:
قرار صادر عن المجلس الأعلى في الملف الاجتماعي، تحت عدد: 55661، بتاريخ: 16/03/1977، ملف رقم: 20، منشور في مجلة القضاء والقانون، السنة: 1978، عدد 20.
موقع إلكتروني:
https://espaceconnaissancejuridique.com/2024/02/25

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى