الاجتهاد القضائيبحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب – الباحث : محمد أحتيتيش – الدكتور عبد القادر لشقر

دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب - الباحث : محمد أحتيتيش - الدكتور عبد القادر لشقر
دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب – الباحث : محمد أحتيتيش – الدكتور عبد القادر لشقر

دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب
The role of Finance Organic Law No 130.13 in Modernizing finances public management in Morocco
الدكتور عبد القادر لشقر
أستاذ التعليم العالي، ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
Dr Abdelkader Lachkar
Senior professor, Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fes, Morocco
الباحث : محمد أحتيتيش
Mohamed Ahtitiche
طالب باحث بسلك الدكتوراه، الكلية متعددة التخصصات تازة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله
PHD Candidate, Polydisciplinary Faculty of Taza, Sidi Mohamed Ben Abd ellah University, Fes, Morocco

الملخص:
هدفت هذه الدراسة إلى رصد دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 لسنة 2015 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب؛ عبر تحديد فلسفة ومرتكزات هذا التشريع الميزانياتي الجديد؛ ثم الكشف عن دور المبادئ والميكانيزمات الجديدة التي جاء بها، وتحليل دورها في تحديث سيرورة صناعة القرار المالي بالمغرب؛ والمتمثل بالأساس في قوانين المالية، ثم دور مستجدات هذا القانون التنظيمي في تتبع وتقييم مخرجات السياسة الميزانياتية من خلال وثائق نجاعة الأداء التي ترافق مشاريع قوانين المالية، إضافة إلى وقع هذه المقتضيات الجديدة على وظيفة البرلمان في تقييم السياسات العمومية.
الكلمات المفاتيح: القانون التنظيمي للمالية، التدبير العمومي، نجاعة الأداء.

Abstract:
The study aimed to monitor the role of Finance Organic Law No. 130. 13 of 2015 in modernizing finances public management in Morocco, by defining the philosophy and foundations of this new financial regulatory law, then revealing the role of the new principles and mechanisms that it came in, and analyzing their role in modernizing the financial decision-making process in Morocco, represented mainly in the finance laws, and then the role of these developments in tracking and evaluating the outputs of the budget policy through performance efficiency documents that accompany the draft finance laws, in addition to These new provisions affect the function of parliament in evaluating public policies.
Keywords: The Organic Finance Law, Public Management, Performance Efficiency.

المقدمة:
تكتسي المالية العمومية أهمية خاصة بالنظر إلى ما تلعبه من أدوار حيوية في تحقيق التنمية بمختلف أبعادها، فالعمليات المالية العمومية تُحدث تأثيرا كبيرا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فهي تستعمل من أجل الاستجابة لحاجيات المجتمع وبلوغ أهدافه، وتزداد أهميتها بالنظر إلى كون نشاط أي مرفق عمومي يتوقف في وجوده أو استمراره على الجانب المالي . هكذا تعتبر ميزانية الدولة الركيزة الأساسية لجهاز الدولة، والعمود الفقري في بنائه وتكوينه؛ فهي الإطار الذي تنعكس فيه اختيارات الدولة وأهدافها، وهي في نفس الوقت أداة تحقيقها .
لقد مرت مناهج التدبير الميزانياتي بالمغرب من مرحلة التسيير المبني على الوسائل الذي كان سائدا في ظل القانون التنظيمي المالي السابق رقم 7.98 لسنة 1998 كما تم تعديله و تتميمه بالقانون التنظيمي المالي رقم 14.00 في مطلع الألفية الثالثة، وما قبله من قوانين تنظيمية للمالية لسنوات: 1963، 1970، 1972 إلى مرحلة التدبير المرتكز على النتائج، الذي تم إطلاقه سنة 2001 من خلال منشور الوزير الأول رقم 2001/12 حول برمجة الميزانية و تنفيذها مع اللاتركيز الصادر في 25 دجنبر 2001؛ وصولا لمحطة دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الذي أرسى مجموعة من القواعد والمبادئ الجديدة لتدبير المالية العمومية من قبيل المسؤولية المشتركة بين البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن ميزانية الدولة، البرمجة متعددة السنوات، دسترة قانون التصفية، وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة كالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم تقديم الحساب، وترسيخ البعد الجهوي في التدبير العمومي.
في خضم هذه السيرورة المشبعة بثقافة التدبير العمومي الجديد ، وروح دستور 2011، خرج إلى حيز النفاذ القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 سنة 2015 لتثبيت قيم ومبادئ الحكامة الجيدة في مجال المالية العمومية، وتكريس قواعد وميكانيزمات التدبير الميزانياتي الحديث المرتكز على النتائج ونجاعة الأداء. وقد عمل هذا القانون التنظيمي المالي على بلوة المقاربة الجديدة لتدبير المالية العمومية من خلال ثلاث محاور استراتيجية تتمثل في تحسين نجاعة أداء التدبير العمومي؛ مرورا بتعزيز المبادئ والقواعد المالية وتقوية الشفافية المالية، وصولا إلى تقوية دور البرلمان في الرقابة على المالية العمومية.
يستمد موضوع دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب أهميته بالنظر إلى أن القانون التنظيمي لقانون المالية هو أحد أهم القوانين التنظيمية في الكتلة الدستورية بالمغرب؛ فهو الذي يحدد مختلف جوانب تدبير قوانين المالية بأصنافها الثلاثة (قانون المالية السنوي، قوانين المالية التعديلية، قانون التصفية)، من خلال تحديد موضوع ومحتوى قوانين المالية، والتنصيص على مسطرة تقديمها وإجراءات دراستها والتصويت عليها، ثم قواعد تنفيذها وتصفيتها . كما أن القانون التنظيمي المالي لسنة 2015 شكل قطيعة منهجية وابستمولوجية مع طريقة التدبير الميزانياتي التي كانت سائدة في ظل القوانين التنظيمية المالية السابقة؛ من خلال التنصيص على الانتقال من ثقافة التسيير القائمة على الوسائل إلى مقاربة التدبير وفق منطق النتائج ونجاعة الأداء، وهذا المتغير مدخل أساسي لتحديث تدبير المالية العمومية.
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على موضوع دور القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 في تحديث تدبير المالية العمومية بالمغرب من خلال تبيان ما يلي:
– تحديد مرتكزات وتوجهات القانون التنظيمي المالي الجديد.
– الكشف عن دور المبادئ والميكانيزمات الجديدة التي جاء بها الإصلاح الميزانياتي لسنة 2015 في عصرنة سيرورة صياغة القرار المالي بالمغرب؛ والمتمثل بالأساس في قوانين المالية، ثم دور هذه المستجدات في تتبع وتقييم مخرجات السياسات العمومية من خلال وثائق نجاعة الأداء التي ترافق مشاريع قوانين المالية، إضافة إلى وقع هذه المضامين الجديدة التي أقرها هذا القانون التنظيمي على وظيفة البرلمان في تقييم السياسات العمومية.
ظل المشهد المالي العمومي بالمغرب لردح من الزمن رهينا لمقاربة تسييرية تقليدية للمالية العمومية مرتكزة على الوسائل، هدفها صرف الاعتمادات المالية دون مراعاة لآثرها على أفراد المجتمع؛ وبفعل تظافر مجموعة من العوامل الخارجية المتمثلة في السياق الدولي الذي انخرط في دينامية إصلاح المالية العمومية: أستراليا في الثمانينيات، والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الإسكندنافية في التسعينيات، دول منظمة التعاون والتنمية في بداية الألفية الثالثة، ثم انفتاح المغرب على دول العالم وانخراطه في سلاسل القيمة الدولية. وأخرى داخلية من قبيل: ارتفاع المديونية العمومية، انخفاض نمو الناتج الداخلي الإجمالي، بطء وتيرة تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية، الإصلاح الدستوري لسنة 2011 الذي جاء بمستجدات الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية، وتكريس الجهوية المتقدمة كقاعدة لتنزيل الاختيارات التنموية. إضافة إلى الارتباط الجدلي بين الإصلاحات الدستورية في المغرب وإصلاح القوانين التنظيمية للمالية. كل هذه المتغيرات استلزمت إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية من أجل ملاءمته مع المستجدات الدستورية والمتغيرات الوطنية والدولية من جهة، ومن جهة أخرى إخضاعه لمقاربة التدبير المرتكز على النتائج ونجاعة الأداء المنسجم مع حاجيات التدبير العمومي الحديث القائم على الفعالية والنجاعة والجودة.
على ضوء ما تقدم، تتمحور إشكالية هذه الدراسة حول تقييم مدى اعتبار القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 مدخلا لتحديث التدبير المالي العمومي بالمغرب؟ وذلك انطلاقا من الفرضيتين التاليتين:
الفرضية الأولى: أحدث القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 نقلة نوعية في تدبير المالية العمومية بالمغرب عبر الانتقال من مقاربة تسييرية تقوم على الوسائل هدفها صرف الاعتمادات المالية فقط، إلى مقاربة تدبيرية مبنية على النتائج ونجاعة الأداء غايتها نجاعة وفعالية السياسات العمومية.
الفرضية الثانية: أحدث القانون التنظيمي لقانون المالية لسنة 2015 تغييرا في منهجيات صناعة القرار المالي بالمغرب المتمثل أساسا في قوانين المالية بأصنافها الثلاثة: قانون مالية السنة، قوانين المالية التعديلية، قانون التصفية. كما أسهمت مستجدات الدستور المالي الجديد في تعزيز دور السلطة التشريعية في مراقبة المال العام والمشاركة في صناعة القرار المالي.
ستعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي من خلال وصف مستجدات القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 من أجل استخلاص المبادئ والقواعد والأدوات الجديدة التي جاء بها هذا التشريع الميزانياتي. ثم رصد وتحليل آثر مستجدات هذا القانون التنظيمي المالي على سيرورة صناعة القرار المالي بالمغرب، ثم على مستوى تتبع وتقييم نجاعة وفعالية أداء السياسات العمومية من خلال وثائق نجاعة الأداء المرافقة لقوانين المالية، والتي تحتضن استراتيجيات السياسات القطاعية لكل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية، والاعتمادات المرصودة لها وأهدافها ومؤشرات قياس فعاليتها وجودتها ونجاعتها، إلى جانب تقييم البرلمان لهذه السياسات العمومية.
بناء على ما تقدم، وبغية تفكيك إشكالية البحث المركزية سنقسم هذه الدراسة إلى المبحثين التاليين:
المبحث الأول: مرتكزات القانون التنظيمي للمالية
المبحث الثاني: انعكاسات مستجدات القانون التنظيمي للمالية على بلورة وتتبع وتقييم القرار المالي بالمغرب
المبحث الأول: مرتكزات القانون التنظيمي للمالية
سيتم الحديث في هذا المبحث عن المرتكزين الأولين للقانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 والمتمثلين في تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي وتقوية شفافية المالية العمومية (المطلب الأول)، ليتم بعد ذلك التطرق للمرتكز الثالث للقانون التنظيمي لقانون المالية، ألا وهو تقوية دور البرلمان في الرقابة على الأموال العمومية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي وتقوية شفافية المالية العمومية
أصبح تحسين نجاعة أداء التدبير العمومي أمرا لا مناص منه لتحقيق فعالية ونجاعة تدبير المالية العمومية في كل البلدان، حيث أضحت الحكومات في كل البلدان تعتمد على أساليب تقترب من المناهج المعتمدة في القطاع الخاص في تدبير ميزانياتها؛ من خلال الاتجاه نحو سياسات عمومية لها وقع على الساكنة، عبر توجيه النفقات العمومية نحو منطق النتائج عوض منطق الوسائل، وتحسين جودة خدمات المرفق العمومي المقدمة للمواطن، ثم تعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية (الفقرة الأولى). أسوة بتعزيز نجاعة الأداء في التدبير العمومي، عزز الإصلاح الميزانياتي لسنة 2015 جانب الشفافية في تدبير ميزانية الدولة عن طريق تحسين مقروئية الميزانية واعتماد مبادئ مالية جديدة كالصدق الميزانياتي والمحاسباتي إلى جانب قواعد أخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي
يمكن استجلاء أسس نجاعة أداء التدبير العمومي في القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13، من خلال عدة أوجه يتقدمها ربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج، عبر توجيه النفقات العمومية نحو منطق النتائج بدلا عن منطق الوسائل، وذلك بغية تقوية فعالية ونجاعة السياسات العمومية وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين، والتحكم في كلفتها، ثم تقوية مسؤولية المدبرين العموميين فيما يخص تحقيق الأهداف المرتبطة بالاعتمادات المرخص بصرفها، علاوة على تعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية .
تحقيقا لهذا التوجه أقر الدستور المالي الجديد إعداد قانون المالية استنادا إلى برمجة متعددة السنوات تغطي مدة زمنية قدرها ثلاث سنوات على أساس أن يتم تحيينها سنويا بغية مواكبة المستجدات الوطنية والدولية، كما يتطلب العمل وفق منهجية حسن الأداء إعادة هيكلة تبويبات الميزانية على أساس البرامج والمشاريع، وترسيخ البعد الجهوي في تبويب الميزانية، ثم التعاقد بين المصالح المركزية للوزارات ومصالحها اللاممركزة. ومن أجل توجيه ميزانية الدولة نحو نجاعة الأداء تضمن القانون التنظيمي الجديد للمالية تعريف وتحديد المسؤوليات مع شرح الأهداف العملية، والنتائج المنتظرة من تدخلات الفاعلين في مجال التدبير العمومي؛ وفي هذا السياق تم منح المدبرين مزيدا من الحرية في التصرف، مقابل التزامهم بإنجاز الأهداف المحددة، وتقديم الحساب حول النتائج .

 

 

الجدول رقم (1): الانتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج
ميزانية الوسائل ميزانية البرامج
الباب
الفصل
الفقرة البرنامج
– الجهة
المادة المشروع أو العملية
السطر
المصدر: مجهود شخصي
يتبين من الجدول رقم 1، تعديل هيكلة تبويبات الميزانية من خلال الانتقال من الفقرة إلى البرنامج وتعويض المادة بالمشروع أو العملية، مع ترسيخ البعد الجهوي. هذه التغييرات البنيوية في الميزانية تتيح إعادة توزيع الموارد وتخصيص النفقات حول السياسات العمومية، ثم تحديد الأهداف المرتقبة للخدمات العمومية، وتتبع كلفتها بصورة واضحة. كما أن إدراج البعد الجهوي في هيكلة الميزانية يبرز المجهود المالي لكل جهة من جهات المملكة المغربية الاثني عشرة، ويسمح بقراءة أفضل للمعطيات حول التوزيع الترابي للاعتمادات المالية المرصودة لكل برنامج. بالإضافة إلى ذلك، فهذا التبويب الجهوي يعزز سياسة التعاقد والشراكة مع الفاعلين المحليين، ويساهم في تفعيل سياسة اللاتمركز الإداري. وأخيرا، فإن تقديم الميزانية بهذه الشاكلة وسيلة لتوزيع الأهداف ومؤشرات قياس الأداء على المستوى الجهوي بالنسبة لكل برنامج على حدة.
ومن أجل تفعيل المحاسبة وتقييم المنجزات على ضوء أهداف النجاعة والفعالية والجودة، ستخضع القطاعات الوزارية مرة كل ثلاث سنوات على الأقل لافتحاص نجاعة أدائها من طرف المفتشية العامة للمالية، وستقدم تقارير هذه الافتحاصات للبرلمان. كما أن كل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية أضحى ملزما بإعداد المشروع الوزاري لنجاعة الأداء المتعلق به المرافق لمشروع قانون المالية، والذي سيوفر معطيات حول استراتيجية القطاع الوزاري أو المؤسسة العمومية والبرامج والأهداف ومؤشرات نجاعة الأداء. كما أضحى كل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية مطالبا بإعداد تقرير بعدي حول نجاعة الأداء يسمى تقرير نجاعة الأداء، على أساس أن يتم تجميع هذه التقارير في تقرير سنوي تركيبي حول نجاعة الأداء تعده وزارة المالية سيرافق مشروع قانون التصفية الذي يرصد الفرق بين التوقعات والمنجزات ويحال على البرلمان لدراسته والتصويت عليه .
الفقرة الثانية: تقوية شفافية المالية العمومية
فيما يخص تعزيز شفافية المالية العمومية ، فقد حرص القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 على مأسسة المبادئ المحورية الداعمة لشفافية التدبير المالي للدولة. وفي هذا السياق أقر الدستور المالي الجديد مبدأ الصدقية الميزانياتية والصدقية المحاسباتية؛ ذلك أن قانون المالية ينبغي أن يقدم جميع موارد وتكاليف الدولة بشكل صادق، مع الأخذ بالحسبان المعطيات الحقيقية المتوفرة أثناء مرحلة إعداد وتحضير الميزانية. بالإضافة إلى اعتماد نظام المحاسبة على أساس الاستحقاق. هذه المقتضيات المرتبطة بصحة الفرضيات وجودة التوقعات من شأنها أن تعطي صورة صادقة عن ميزانية الدولة. وما يعزز هذه الضوابط الرامية إلى صيانة مبدأ الشفافية، أنه في حالة وقوع تغييرات على صعيد فرضيات وأولويات قانون المالية السنوي، يمكن للحكومة المبادرة إلى تقديم قوانين مالية تعديلية .
كما تم تعزيز شفافية ميزانية الدولة من خلال صك مجموعة من المبادئ و القواعد الجديدة التي من شأنها جعل التدبير الميزانياتي للدولة أكثر وضوحا وخاليا من الغموض؛ وترتبط هذه القواعد بالتحكم في التوازن الميزانياتي، وعقلنة إحداث واستعمال مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة SEGMA، وتقليص عدد الحسابات الخصوصية للخزينة Les Comptes Spéciaux du Trésorوترشيد استخدامها، ثم مسك محاسبة عامة للدولة وأخرى تحليلية، على غرار المحاسبة الميزانياتية. ومن أجل التحكم في التوازن الميزانياتي تم منع إدراج نفقات التسيير بميزانية الاستثمار، وتحديد طبيعة النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة، إلى جانب تحديد سقف الاعتمادات المرحلة في 30 بالمائة من اعتمادات الأداء برسم نفقات الاستثمار، إضافة إلى تكريس محدودية الاعتمادات المفتوحة برسم فصول نفقات الموظفين .
الجدول رقم (2): تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من 6 إلى 5 أصناف
أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة في ظل القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98 لسنة 1998 الأصناف الجديدة في إطار القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13
1.الحسابات المرصودة لأمور خصوصية الصنف الأول: الحسابات المرصدة لأمور خصوصية
2.حسابات الانخراط في الهيئات الدولية الصنف الثاني: حسابات الانخراط في الهيئات الدولية
3.حسابات العمليات النقدية الصنف الثالث: حسابات التمويل
4.حسابات التسبيقات الصنف الرابع: حسابات العمليات النقدية
5.حسابات القروض الصنف الخامس: حسابات النفقات من المخصصات
6.حسابات النفقات من المخصصات
المصدر: مجهود شخصي
يتبين من الجدول رقم 2، حذف صنف “حسابات التسبيقات”، ثم تعديل صنف “حسابات القروض” الذي أضحى يطلق عليه في ظل القانون التنظيمي المالي رقم 130.13 صنف “حسابات التمويل”. وبالتالي فقد تم تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من 6 إلى 5 أصناف.
فيما يخص عقلنة إحداث واستعمال مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والحسابات الخصوصية للخزينة، فقد تمت عبر منع دفع مبالغ من حساب خصوصي للخزينة أو مرفق للدولة مسير بصورة مستقلة لفائدة حساب خصوصي للخزينة أو مرفق للدولة مسير بصورة مستقلة، ثم تحديد شروط صارمة لإحداث هذه الأخيرة. إضافة إلى ما تقدم، فقد أقر القانون التنظيمي المالي لسنة 2015 اعتماد ثلاثة أنماط محاسباتية، وهي المحاسبة الميزانياتية comptabilité budgétaire التي تتيح تتبع تنفيذ ميزانية الدولة، والمحاسبة العامة comptabilité générale التي تسمح بتقييم ممتلكات والذمة المالية للدولة، ثم محاسبة تحليل التكاليف comptabilité analytique التي تمكن من معرفة الكلفة الفعلية للسياسات العمومية .
المطلب الثاني: إعادة الاعتبار لدور البرلمان في مجال مراقبة المال العام
لقد أعاد القانون التنظيمي المالي الجديد الاعتبار للمؤسسة التشريعية في بعض الجوانب، ويتمظهر هذا الأمر في إغناء المعلومات المقدمة للبرلمان من لدن الحكومة، ثم تعديل الجدول الزمني لإعداد قوانين المالية، ومراجعة طريقة التصويت عليه؛ فالبرلمان أصبح يشارك منذ المراحل الأولى لإعداد مشروع قانون مالية السنة. كما تمت إعادة الاعتبار لقوانين المالية التعديلية انسجاما مع مبدأ الصدقية، من خلال تأطير الجدول الزمني لدراستها والمصادقة عليها في إطار زمني لا يجب أن يتعدى 15 يوما.
الجدول رقم (3): إغناء المعطيات المقدمة للبرلمان
التقارير المرافقة لمشروع قانون المالية السنوي التقارير المرافقة لمشاريع ميزانيات الوزارات التقارير المرافقة لمشروع قانون التصفية
– مذكرة تقديم مشروع قانون المالية؛
– التقرير الاقتصادي والمالي؛
– تقرير حول المؤسسات والمقاولات العمومية؛
– تقرير حول مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة؛
– تقرير حول النفقات الجبائية؛
– تقرير حول الدين العمومي؛
– تقرير حول ميزانية النوع الاجتماعي؛
– تقرير حول الموارد البشرية؛
– تقرير حول المقاصة؛
– مذكرة حول النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة؛
– تقرير حول العقار العمومي المخصص للاستثمار؛
– تقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العمومي. – البرمجة المتعددة للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية؛
– مشاريع نجاعة الأداء للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية. – الحساب العام للدولة؛
– ملحق حول الاعتمادات الإضافية المفتوحة؛
– التقرير السنوي حول نجاعة الأداء؛
– تقرير حول الموارد المرصدة للجماعات الترابية؛
– تقرير افتحاص نجاعة الأداء.
– تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ قانون المالية؛
– التصريح العام للمطابقة.
المصدر: مجهود شخصي
يتبين من خلال الجدول رقم 3، أن مشروع قانون مالية السنة أضحى يرفق بأربعة عشر وثيقة تتضمن معطيات تتمحور عموما حول تقديم معلومات وأرقام حول السياسيات الاقتصادية والاجتماعية والنقدية الوطنية والدولية، إضافة إلى تقديم البرمجة المتعددة السنوات ومشاريع نجاعة الأداء الخاصة بكل قطاع وزاري ومؤسسة عمومية إلى اللجان البرلمانية المعنية رفقة مشاريع الميزانيات القطاعية. ثم إرفاق مشروع قانون التصفية بسبع وثائق تتمحور حول رصد الفرق بين التوقعات والإنجازات الفعلية، ومعطيات أخرى. وبالتالي، فإن إغناء المعلومات والمعطيات المقدمة للبرلمان ستساعد هذا الأخير في ممارسة رقابة فعالة ونجاعة على المال العام، كما أنها تساهم في تبسيط مقروئية قوانين المالية التي تتسم عادة بتعقدها، الشيء الذي يغني مناقشة مضامينها.
كما لا يمكن إغفال دعم الوظيفة الرقابية البعدية للبرلمان أولا من خلال إسناد مهمة تقييم السياسات العمومية لهُ (الفصل 70 من دستور 2011)، وثانيا من خلال المستجدات التي طرأت على قانون تصفية الميزانية، فعلى غرار دسترة هذا الأخير بمقتضى الفصل 76 من دستور 2011، أصبحت الحكومة ملزمة سنويا بإيداع هذا القانون بالأسبقية لدى مجلس النواب، وفي أجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني، هذا بالإضافة إلى ارفاق هذا القانون هو الآخر بمجموعة من الوثائق في إطار تعزيز المعلومة المالية المقدمة للسلطة التشريعية والرأي العام.
المبحث الثاني: انعكاسات مستجدات القانون التنظيمي للمالية على بلورة وتتبع وتقييم القرار المالي بالمغرب
كان للمبادئ والميكانيزمات الحديثة في مجال تدبير المالية العمومية التي تضمنها القانون التنظيمي المالي الجديد، وقع متعدد الأبعاد على مستوى إعداد وتحضير ميزانية الدولة بالمغرب؛ وهذا ما ظهر جليا بالنسبة لمختلف أصناف قوانين المالية: قانون مالية السنة، قوانين المالية التعديلية، قانون التصفية، فقد غدت مسطرتها التشريعية أكثر فعالية ومقروئية وشفافية (المطلب الأول)، كما أن تتبع وتقييم وقع السياسات العمومية أضحى ممكنا عبر وثائق نجاعة الأداء التي تضم مشروع نجاعة الأداء، وتقرير نجاعة الأداء، والتقرير السنوي حول نجاعة الأداء، ثم تقرير افتحاص نجاعة الأداء التي تحال إلى البرلمان من أجل دراستها و التصويت عليها؛ إضافة إلى إمكانية قيام البرلمان نفسه بوظيفة تقييم السياسات العمومية عبر عدة آليات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الانعكاسات على صناعة التشريع المالي
أكد القانون التنظيمي لقانون المالية لسنة 2015 على أن قانون المالية ينبغي أن يكون الأداة الأساسية لتنزيل السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية؛ في هذا المضمار يعد قانون مالية السنة الآلية التي تلتمس الحكومة عبره الوسائل المالية لترجمة تعاقداتها السياسية، والإطار الذي يعبر عن الأولويات الحكومية ويعكس برنامجها، لهذه الاعتبارات والأهمية قام الإصلاح الميزانياتي بتجديد مناهج صياغة هذا التشريع المالي عبر وضعه في إطار أوسع هو البرمجة المتعددة السنوات، على غرار مستجدات أخرى أهمها إضافة مرحلة تشاورية مع البرلمان أثناء تحضيره (الفقرة الأولى). كما أن هذا الإصلاح الميزانياتي لم يغفل قوانين المالية التعديلية، بحيث عمل على تأطير الجدول الزمني لدراستها والتصويت عليها من لدن السلطة التشريعية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: قانون المالية السنوي وقوانين المالية التعديلية
أولا: قانون مالية السنة
حددت المادة الثالثة من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 المغربي مدلول قانون مالية السنة بكونه ” يتوقع قانون المالية للسنة، لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية المنصوص عليها في المادة 5 أدناه. تبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة”. وعليه فقد أصبح إعداد قانون المالية يتم على أساس برمجة متعددة السنوات محددة في ثلاث سنوات، على أساس أن يتم تحيينها سنويا لمواكبة المتغيرات الوطنية والدولية.
تتعدد المزايا التي تتيحها البرمجة الميزانياتية الثلاثية السنوات، ومنها قدرتها على خلق الانضباط المالي المطلوب، خصوصا على ضوء الاختلالات التي قد تشهدها دول العالم، نتيجة للتقلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتكررة ؛ وليس آخرها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والصحية التي خلفتها جائحة كورونا كوفيد-19 سنة 2020، ثم الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ مطلع سنة 2022 إلى الوقت الراهن؛ والتي كان من بين تداعياتها ارتفاع أسعار المواد الطاقية وبعض المواد الأولية كالقمح. فهذه البرمجة تساعد في درء وتخفيف الآثار السلبية لتقلبات الدورة الاقتصادية ثم التكيف مع المستجدات الدولية والوطنية، عن طريق قيود مالية صارمة لا يجب تجاوزها، ترتكز على ملاءمة تكاليف البرامج والنشاطات المخصصة مع سقوف الصرف المسموح بها.
كما تتيح البرمجة المتعددة السنوات رسم أهداف واضحة، تتجاوز النظرة الضيقة لمبدأ سنوية قانون المالية، وتجعل الفاعلين المعنيين أمام سياسات عمومية حقيقية، الهدف منها الحصول على الجودة والفعالية والنجاعة، بدل السياسات السنوية التي تبقى في الغالب استراتيجيات ترقيعية وموسمية تفتقد إلى الرؤية المستقبلية والديمومة . إلى جانب ما سبق ذكره، فإن هذه البرمجة، تساهم في توضيح الرؤية فيما يخص السياسات القطاعية التي يتم ترجمتها على شكل نفقات في برامج مختلف القطاعات الوزارية، وقرارات توزيع الموارد اللازمة لذلك، وتوظيفها على المدى المتوسط، مما يمكن من تعزيز انسجام السياسات العمومية مع أهداف التحكم في الإنفاق، واستقرار التوازنات الماكرو اقتصادية. كما يوفر المدى الزمني لهذه البرمجة، الأريحية للقطاعات الوزارية من أجل تفعيل سياساتها، والالتزام بالنتائج وتقديم الحسابات في إطار الشفافية، خاصة مع مصالحها اللاممركزة. علاوة على أنها تساهم في تحسين شروط إعداد قوانين المالية .
إن البرمجة الميزانياتية الثلاثية السنوات تقدم مزية وضوح الرؤية للمدبرين العموميين في مجال تدبير النفقات والموارد العمومية، بما يمكنهم من آليات تتبع فعالية ونجاعة النفقات العمومية، وتدعيم فعالية تحصيل الموارد العمومية، مع تعزيز الترابط بين الاستراتيجيات الوطنية والميزانية السنوية. هذا الأمر يعطي صورة أفضل لوضعية ميزانية الدولة، كما أنها تزيد من شفافية المالية العمومية أمام البرلمان والمواطنين والرأي العام، بالإضافة إلى أنها تمكن من تكييف البرامج مع الظروف المالية والاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
على صعيد إعداد مشروع قانون مالية السنة، فقد جرى إصلاح أساسي في هذا السياق، والذي تمثل في إشراك البرلمان في صناعة التشريع المالي، من خلال العرض الذي يقوم به الوزير المكلف بالمالية قبل 31 يوليوز من السنة المالية المعنية بالبرلمان، يقدم فيه الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية السنوي المقبل؛ ويتضمن هذا العرض تطور الوضعية الاقتصادية الوطنية، تقدم تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية إلى حدود 30 يونيو، وأيضا المعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية، ثم البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات. ويكون هذا العرض موضوع مناقشة بدون تصويت. هذا الإشراك التشاوري للمؤسسة البرلمانية في اتخاذ القرار المالي، وإن كان ذو طابع إخباري فقط، إلا أنه يعتبر مؤشر إيجابي على انفتاح الحكومة على المؤسسة التشريعية، كما أنه يقلص الطابع الانفرادي لبلوة قانون المالية السنوي، وذلك في أفق تعزيز مستوى هذا الإشراك إلى مستويات أخرى في مسار صياغة القانون المالي.
ثانيا: قوانين المالية التعديلية
حددت المادة الرابعة من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 المغربي مدلول قوانين المالية التعديلية باعتبارها تلك القوانين التي تغير خلال السنة أحكام قانون المالية السنوي. وتلجأ الحكومة عادة إلى هذا الأسلوب قصد تصحيح التقديرات السابقة، وذلك لعدة أسباب قد تكون اقتصادية كظرفية مفاجئة، أو سياسية كتغيير في الأغلبية البرلمانية نتيجة الانتخابات، أو لدواعي اجتماعية . وقد شهدت سنة 2020 عودة المغرب من جديد لاعتماد قانون المالية التعديلي، بعد أزيد من ثلاثين سنة عن آخر قانون مالية تعديلي في سنة 1990، وذلك بسبب التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا كوفيد-19 على الاقتصاد الوطني والمالية العمومية .
ويتمثل التأثير الإيجابي للقانون التنظيمي المالي على هذا الصنف من قوانين المالية في أنه قام لأول مرة بتأطير المسطرة التشريعية لدراسته والتصويت عليه، بخلاف القانون التنظيمي المالي السابق رقم 7.98 لسنة 1998 كما تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي 14.00 سنة 2000، الذي لم يقم بتحديد مدة وإجراءات مناقشته والمصادقة عليه. وفي هذا الإطار قام الإصلاح الميزانياتي لسنة 2015 بحصر الجدول الزمني للدراسة والتصويت على قوانين المالية التعديلية في خمسة عشر يوما، موزعة بين ثمانية أيام للدراسة والتصويت من لدن مجلس النواب، وأربعة أيام للدراسة والتصويت من طرف مجلس المستشارين، وثلاثة أيام للقراءة الثانية والبت النهائي بمجلس النواب .
الفقرة الثانية: قانون التصفية
يعد قانون التصفية أهم أداة لمراقبة مدى التزام الحكومة بالترخيص البرلماني أثناء تنفيذ القانون المالي ، وفي هذا السياق ينص الفصل السادس والسبعون من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه ” تعرض الحكومة سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون. ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفادها”. وتوضيحا للمقتضيات السابقة، أكدت المادة الخامسة والستون من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 على أنه “طبقا للفصل 76 من الدستور، يودع مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية سنويا بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني”.
وعليه، فإن مستجدات الدستور المالي ردت الاعتبار لدور قانون التصفية عبر تأطير آجال إيداعه لدى المؤسسة التشريعية والمحددة في الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني، بما معناه أن الحكومة أضحت ملزمة بإيداع مشروع قانون التصفية المتعلق بسنة مالية ما بعد خمسة عشر شهرا من نهايتها . فهذا المستجد الدستوري قطع العهد مع ممارسة حكومية كانت سائدة قبل دستور 2011، والمتمثلة في عدم تقديم قوانين التصفية إلا بعد مضي مدة طويلة على سنة تنفيذ قانون المالية المتعلقة بها؛ بحيث وصلت مدة التأخير في بعض الأحيان إلى 8 سنوات؛ الشيء الذي يعني أن العديد من قوانين التصفية عرضت في فترات لاحقة لانتهاء مهمة الحكومات التي تقدمت بقوانين المالية المعنية بها. وبالتالي، فإن هذه الممارسة الحكومية إزاء تقديم قوانين التصفية للبرلمان أفرغت هذا القانون من محتواه وأهدافه الرقابية .
بالعودة إلى التاريخ، نجد أن الحكومات المتعاقبة لم تقم باحترام الآجال المحددة لإيداع مشاريع قوانين التصفية لدى البرلمان بالنسبة لأغلب السنوات، حيث تراوحت مدة التأخير في الإيداع بالبرلمان بين ثمانية سنوات بالنسبة للسنة المالية 1984، وبضعة أشهر بالنسبة للسنة المالية 2015، في حين سجل تحسن في هذا الإطار بالنسبة للسنوات المالية من 2010 إلى 2013 التي لم يسجل خلالها أي تأخير، ونفس الشيء بالنسبة للسنتين الماليتين 2016 و2017 . كما تم تسجيل تأخير في السنتين الماليتين 2018 و2019 على التوالي، في حين لم يتم تسجيل أي تأخير بالنسبة للسنوات المالية الثلاث الأخيرة 2020 و2021 و2022.
ويرجع تأخر الحكومة في إيداع مشاريع قوانين التصفية لدى البرلمان في مختلف المحطات السابقة إلى عوامل مختلفة. وتتحدد هذه الأسباب في عدم دسترة قانون التصفية في دساتير المملكة المغربية السابقة: دساتير سنوات 1962، 1970، 1972، 1992، 1996، إلى أن تمت دسترة هذا القانون بموجب دستور 2011، وهذا الأمر أدى إلى تراكم العديد من قوانين التصفية .
إضافة إلى أن القوانين التنظيمية للمالية لسنوات: 1963 و 1970 و 1972 و 1998 لم تكن صارمة في إلزام الحكومة بإيداع مشروع قانون التصفية في آجال معقولة؛ مثلا المادة 47 من القانون التنظيمي رقم 7.98 لسنة 1998 كما تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي 14.00 سنة 2000 أقرت بأنه يودع مشروع قانون التصفية بالبرلمان في نهاية السنة الثانية الموالية لسنة تنفيذ قانون المالية على أبعد تقدير، بخلاف القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 لسنة 2015 الذي حدد آجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني من أجل إيداع مشروع قانون التصفية لدى البرلمان؛ هذا التأطير الزمني الذي أقره دستور المملكة المغربية لسنة 2011 ساهم في قيام الحكومات المتعاقبة بإيداع هذا القانون في آجاله المحددة بموجب الدستور، أو على الأقل أدى إلى تقليص مدة التأخير في حالة حصولها.
إلى جانب الأسباب السابقة، نشير إلى ضعف الأهمية التي يعطيها البرلمانيين إلى قانون التصفية، سواء من حيث حضور البرلمانيين ومشاركتهم في دراسة ومناقشة مضامينه، أو من حيث الوقت المخصص لدراسته؛ بحيث يلاحظ برمجته ضمن حزمة من مشاريع القوانين الأخرى يتم مناقشتها مجتمعة خلال الجلسة البرلمانية، وفي حيز زمني ضيق لا يتجاوز بضع ساعات .
على ضوء ما سبق، نستنتج أن دسترة آجال إيداع قانون التصفية لدى البرلمان، وتحديدا بالأسبقية لدى مجلس النواب بموجب دستور 2011، ثم تأكيد ذلك من خلال القانون التنظيمي للمالية الحالي ساهم في حل جزئي لإشكالية الآجل المتعلق بقانون التصفية.
ونظرا لأهمية هذا القانون، فإن الحكومة ملزمة بعرضه سنويا على البرلمان. إضافة إلى ذلك، فإن المادة السادسة والستين من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 نصت على إرفاقه بمجموعة من الوثائق، والتي تتمثل فيما يلي: الحساب العام للدولة مدعم بالحصيلة المحاسبية والبيانات المالية الأخرى وبتقييم للالتزامات الخارجة عن الحصيلة المحاسبية، ملحق يتعلق بالاعتمادات الاضافية المفتوحة مرفقا بكل الإثباتات الضرورية عند الاقتضاء، التقرير السنوي حول نجاعة الأداء، تقرير حول الموارد المرصدة للجماعات الترابية، تقرير افتحاص نجاعة الأداء.
المطلب الثاني: الانعكاسات على صعيد تتبع وتقييم فعالية القرار المالي
إن الفعالية، حسب وجهة نظر القانون التنظيمي المالي رقم 130.13، هي القدرة على الوصول إلى الأهداف المحددة مسبقا، سواء من خلال الفعالية السوسيو اقتصادية، أو جودة الخدمة المقدمة للمواطن، ثم فعالية التدبير . وبغية تتبع هذه الفعالية وتقييم الفعل العمومي ابتكر الدستور المالي الجديد وثائق نجاعة الأداء أو وثائق التدبير التي ترافق ميزانيات القطاعات الوزارية، بحيث تسمح مؤشرات نجاعة الأداء التي تتضمنها من القيام بمقارنة التوقعات بالإنجازات الفعلية، الشيء الذي يتيح رصد مواطن القوة و الضعف في السياسات العمومية (الفقرة الأولى)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى انسجاما مع دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الذي أضاف إلى اختصاصات البرلمان وظيفة تقييم السياسات العمومية، قام النص التنظيمي المالي بأجرأة هذه الوظيفة عمليا عبر مجموعة الأدوات، الشيء الذي قوى نظام قياس فعالية القرار المالي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التتبع والتقييم من خلال وثائق نجاعة الأداء
أولا: مشروع نجاعة الأداء
تقتضي منهجية نجاعة الأداء التي أرساها الدستور المالي الجديد تطبيق منهجية جديدة لتتبع وتقييم القرار المالي بالمغرب. على هذا الأساس أضحى كل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية ملزما بإعداد مشروع نجاعة الأداء الخاص به. يتضمن الجزء الأول من هذه الوثيقة التدبيرية استراتيجية القطاع المعني والبرمجة المتعددة السنوات المتعلقة به، ثم الاعتمادات المرصودة لهذا القطاع أو المؤسسة العمومية، وأيضا الأهداف المراد الوصول إليها، ومؤشرات قياس نجاعة أداء برامج هذا القطاع أو المؤسسة، مع ضرورة الأخذ بالحسبان معيار النوع الاجتماعي والبعد الجهوي في تحديد تلكم الأهداف والمؤشرات. في حين يحتوي الجزء الثاني من هذه الوثيقة على استراتيجية كل برامج على حدة، بمعية مسؤول البرنامج والمتدخلون في قيادته، ثم أهداف ومؤشرات قياس نجاعة أداء جميع البرامج، وأخيرا المشاريع أو العمليات المتعلقة بكل برنامج. وحسب المادة 39 من القانون التنظيمي المالي المغربي لسنة 2015 فبعد إعداد هذه الوثيقة يتم تقديمها للجنة البرلمانية المعنية رفقة مشروع ميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية من أجل دراستها.
الشكل (1): عناصر مشروع نجاعة الأداء

المصدر: منشور رئيس الحكومة رقم 2016/6 الصادر بتاريخ 23 ماي 2016، حول إطلاق المرحلة الرابعة للميزانية المهيكلة حول البرامج والمرتكزة على نجاعة الأداء في إطار تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية.
ثانيا: تقارير نجاعة الأداء
حددت المادة 32 من مرسوم رقم 2.15.426 الصادر في 28 رمضان 1436 الموافق لـ 15 يوليوز 2015 المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية كما تم تغييره وتتميمه بموجب المرسوم رقم 2.17.607 الصادر في 15 دجنبر 2017، وظيفة تقارير نجاعة الأداء في عرض “النتائج المحققة مع إبراز الفوارق المحتملة مقارنة مع التوقعات المقيدة بمشاريع نجاعة الأداء”. فبعد إعدادها يتم بعثها إلى الوزارة المكلفة بالمالية في أجل أقصاه متم شهر يوليوز من السنة التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني، بغية إعداد التقرير السنوي حول نجاعة الأداء الذي يرافق مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية.
ووفقا لمنطوق المادة 32 من المرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي المالي المغربي، فإن تقارير نجاعة الأداء التي تأتي للمقارنة بين ما ورد فيها وما سبق توقعه في مشاريع نجاعة الأداء تنقسم إلى صنفين:
تقارير نجاعة الأداء الوزارية: يتم إعدادها من لدن الوزارات القطاعية، وتتضمن الأهداف الاستراتيجية مرفقة بأهداف ومؤشرات قياس نجاعة أداء البرامج، وتبرز هذه التقارير التباينات المسجلة بين ما تم توقعه، وما تم تنفيذه فعلا بالنسبة لكل برنامج وزاري أو مؤسسة عمومية على حدة، خلال السنة المنصرمة .
التقرير السنوي حول نجاعة الأداء: يقوم هذا التقرير بتلخيص وتجميع تقارير نجاعة الأداء المعدة من لدن القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، ويتم إعداده من طرف الوزارة المكلفة بالمالية بمناسبة تحضير مشروع قانون التصفية.
الشكل (2): مكونات تقرير نجاعة الأداء

المصدر: منشور رئيس الحكومة رقم 2016/6 الصادر بتاريخ 23 ماي 2016، حول إطلاق المرحلة الرابعة للميزانية المهيكلة حول البرامج والمرتكزة على نجاعة الأداء في إطار تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية.
ثالثا: تقرير افتحاص نجاعة الأداء
تقوم المفتشية العامة للمالية بإعداد تقرير افتحاص نجاعة الأداء المتعلق بتنفيذ قانون المالية، مرة كل ثلاث سنوات على الأقل لكافة برامج القطاعات الحكومية. وهذا التقرير يتم إرفاقه بمشروع قانون التصفية، وإحالته على البرلمان بغية دراسته والتصويت عليه. ويكمن الهدف من هذا التقرير في افتحاص نجاعة أداء البرامج، والأهداف المحددة لها، والمؤشرات المرقمة لقياس النجاعة والنتائج المنتظرة، وأيضا التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجازات، إضافة إلى قيادة البرامج.
يتم إنجاز تقرير افتحاص نجاعة الأداء وفق قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 740.18 الصادر في 14 نونبر 2018 بشأن تحديد كيفيات إعداد تقرير افتحاص نجاعة الأداء. على ضوء ذلك، تتوصل المفتشية العامة للمالية بمشاريع نجاعة الأداء وتقارير نجاعة الأداء في أجل أقصاه متم شهر يوليوز من السنة التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني بالافتحاص. وإثر ذلك، ينجز الافتحاص السنوي لنجاعة أداء القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية بناء على عينة من البرامج المعنية، يتم انتقاؤها وفق المعايير التي تعتمدها المفتشية العامة للمالية لهذا الغرض.
بالنسبة لمسطرة إنجاز الافتحاص السنوي لنجاعة الأداء، تقوم المفتشية العامة للمالية بإنجاز تقارير مؤقتة لافتحاص نجاعة أداء القطاعات الوزارية و المؤسسات العمومية المعنية، وبعد ذلك تحليها على المعنيين بالأمر في إطار حق الرد؛ قصد الإجابة على الملاحظات التي أبداها مفتشو المالية في شأن نجاعة أدائها داخل أجل خمسة عشر يوما الموالية لتسلم التقارير، وبعد انصرام الأجل السالف الذكر، يقوم جهاز المفتشية العامة للمالية بإعداد تقرير افتحاص نجاعة الأداء الذي يتم إرفاقه بمشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، على أساس أن يتم افتحاص كل البرامج الوزارية داخل أجل ثلاث سنوات؛ مما يعني إخضاع كل برامج القطاعات الحكومية للافتحاص مرة كل ثلاث سنوات على الأقل، لتقييم المنجزات مقارنة مع الأهداف المتوقعة. وفي الأخير يتم تقديم تقرير هذه الافتحاصات إلى البرلمان من أجل دراستها والتصويت عليها، وهذا التقرير يساعد البرلمان في مراقبة استخدام الأموال العمومية.
الفقرة الثانية: التقييم البرلماني للسياسات العمومية
لقد حظي مصطلح السياسات العمومية باهتمام كبير من طرف الباحثين خاصة بعد الحرب العالمية الثانية مع ظهور علم السياسة الحديث، ومن أكثر التعاريف تداولا هو تعريف “جيمس أندرسون” الذي عرفها بأنها “اختيار حكومي للفعل أو عدم الفعل “. وعموما يقصد بالسياسات العمومية “حصيلة ما ينتجه النظام السياسي داخل مؤسسة الدولة، فهي مخرجات النظام السياسي التي تنتج عن مجموعة من الظروف. وباعتبار السياسات العمومية عبارة عن فعل، فهي تروم تقديم جواب ممأسس عن مشكلة معينة، فالسياسات العمومية لا تتعلق بالدولة في حد ذاتها، أي في حالة سكون، بل بما تفعله وتقوم به عبر مؤسساتها أي أنها تهتم بالدولة في حالة حركة، حيث تعتبر السياسات العمومية علما للفعل والعمل “.
أما مصطلح التقييم، فيقصد به “تحديد قيمة نشاط عمومي بالرجوع إلى معايير ومقاييس واضحة، ويستند هذا التقييم إلى معلومة تم جمعها وتفسيرها خصيصا لتحديد قيمة هذا النشاط “. هكذا تتحدد أهمية تقييم السياسات العمومية في كونه يتيح التعرف وقياس وتوصيف مشروع أو سياسة معينة والحكم على قيمة المشروع، ثم إصدار توصيات من أجل التحسين والتجويد أو الاستمرار أو التراجع بحسب النتائج المتوصل إليها .
من الوظائف التي أضحى يضطلع بها البرلمان المغربي في ظل دستور 2011، هي ممارسته لمهمة تقييم السياسات العمومية، وهو ما تشير إليه صراحة مقتضيات الفصل السبعون من الدستور الحالي بنصها على أنه “يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية”، وكذا مقتضيات الفصل 101 التي أكدت “تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها”. وعلى نفس المنوال نسجت مقتضيات المادة 288 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 بنصها على ما يلي: “يهدف التقييم الذي يقوم به مجلس النواب إلى انجاز أبحاث وتحاليل دقيقة بهدف التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس آثارها على الفئات المعنية وعلى المجتمع، كما يهدف إلى معرفة الإنجاز الذي تم تحقيقه قياسا بالأهداف المرسومة وتحديد العوامل التي مكنت من بلوغ تلك الأهداف. وذلك بغاية إصدار توصيات وتقديم اقتراحات بشأن التحسينات التي يمكن إدخالها على السياسة العمومية موضوع التقييم “.
وإذا كان الفضل في هذا التحول النوعي في دعم وظائف البرلمان يعود للوثيقة الدستورية لسنة 2011 التي دسترة وظيفة تقييم السياسات العمومية إلى جانب التشريع والمراقبة كاختصاصات تقليدية للمؤسسة التشريعية، فإن القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 يعد أحد أهم الميكانيزمات لأجرة هذا الدور. في هذا الاتجاه عزز الدستور المالي مستوى وجودة المناقشة البرلمانية عبر إرفاق مشروع قانون مالية السنة بأحد عشر تقريرا وثلاث مذكرات؛ وهو الشيء الذي يوفر المعلومات لأعضاء البرلمان، التي تعد أساس أية مشاركة في بلورة وتطوير مضمون السياسات العمومية فضلا عن تقييمها. ويتأكد هذا المنحى المكرس لمهمة تقييم السياسات العمومية من خلال ضرورة إعداد مشروع نجاعة الأداء من قبل كل قطاع وزاري ومؤسسة عمومية، وتقديمه رفقة مشروع ميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المذكورة إلى اللجنة البرلمانية المعنية. ثم يتم، بناء على حصيلة تنفيذ الميزانية خلال السنة المالية، إعداد التقرير السنوي حول نجاعة الأداء من لدن الوزارة المكلفة بالمالية؛ وهذا الأخير يقوم بتلخيص ومركزة تقارير نجاعة أداء القطاعات الوزارية والمؤسسات، ثم إرفاقه بمشروع قانون التصفية . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالمؤسسة التشريعية تستفيد من وثائق أخرى تساعدها في مهمة تقييم السياسات العمومية، ويتعلق الأمر بالوثائق المرافقة لمشروع قانون التصفية السابق المشار إليها سابقا.
خاتمة:
على ضوء التحليل أعلاه، سواء في الشق المرتبط بمستجدات القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13، أو في الجانب الذي سلط الأضواء على تجليات المقتضيات الجديدة لهذا للدستور المالي على صناعة القرار المالي بالمغرب وتتبعه وتقييمه، توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
ـ يشكل القانون التنظيمي المالي رقم 130.13 ركيزة قانونية أساسية للانتقال من نمط التسيير الميزانياتي التقليدي المرتكز على ميزانية الوسائل؛ والذي يهتم أكثر بالمنطق القانوني المحض ويركز على الشكليات والمساطر الإدارية، ولا يهتم كثيرا بالمخرجات، إلى نمط حديث للتدبير الميزانياتي قائم على النتائج ونجاعة الأداء، ينبني على التخطيط الاستراتيجي، والبرمجة المتعددة السنوات، وميزانية البرامج، ومبادئ الفعالية والنجاعة والجودة والشفافية، ويهتم بالبعد الجهوي، والنوع الاجتماعي. كما يكرس ثقافة التقييم، وتقديم الحساب، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم يعتمد محاسبة ثلاثية الأنماط هي المحاسبة الميزانياتية، المحاسبة العامة، والمحاسبة التحليلية، كما أنه يهتم بالمخرجات وأثر السياسات العمومية على الساكنة.
ـ أسهم القانون التنظيمي المالي بتقوية دور البرلمان عبر عدة مستويات؛ من جهة من خلال إشراكه في مرحلة تحضير قانون مالية السنة عبر تفعيل آلية الإخبار المسبق بالتوجهات الحكومية في مشروع قانون المالية المقبل، واطلاعه على الوضعية الاقتصادية والمالية الوطنية، وظروف تقدم تنفيذ قانون المالية الجاري، وكذا البرمجة الميزانياتية الثلاثية السنوات؛ ومن جهة أخرى، عبر تزويده بالعديد من التقارير والمذكرات التي تساعده في مرحلة دراسة ومناقشة مشروع قانون المالية.
ـ أرسى القانون التنظيمي المالي عدة مبادئ وقواعد جديدة لصياغة والمصادقة وتتبع وتقييم قوانين المالية، سواء قانون مالية السنة، مرورا بقوانين المالية التعديلية، وصولا لقانون التصفية. ولعل أبرز هذه المستجدات إعداد قانون مالية السنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات، ثم إرفاق القانون المالي السنوي بعدة وثائق، الشيء الذي يعزز المناقشة البرلمانية، ويبسط قراءة مضامين مشروع قانون المالية. وبالنسبة لقوانين المالية التعديلية فقد جرى ضبط أجل المصادقة عليه، والمحدد في خمسة عشر يوما، انسجاما مع الطابع الاستعجالي والطارئ لهذا الصنف من قوانين المالية. كما جرى أيضا تحديد آجل إيداع مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية بالبرلمان، والذي تم تحديده في أجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني، وساهم هذا الأمر في حل إشكالية التأخر في إيداع هذا القانون لدى قبة البرلمان، إضافة إلى إرفاقه بمجموعة من الوثائق شأنه شأن قانون مالية السنة، بما يساعد البرلمانين في مناقشة مضامينه من ناحية، وتنوير الرأي العام من ناحية أخرى. ولا تخفى أهمية قانون التصفية، باعتباره هذا القانون يرصد الفرق بين التوقعات والإنجازات الفعلية، وبالتالي فهو أداة أساسية بيد أعضاء البرلمان لتقييم السياسات العمومية.
ـ انسجاما مع فلسفة القانون التنظيمي المالي المرتكزة على ثقافة النتائج ومنهجية نجاعة الأداء، فقد تم إقرار مجموعة من الأدوات لتتبع وتقييم تدبير المالية العمومية؛ ويتعلق الأمر بوثائق نجاعة الأداء، التي تنقسم إلى عدة أصناف، وهي: مشروع نجاعة الأداء، تقرير نجاعة الأداء، التقرير السنوي حول نجاعة الأداء، ثم تقرير افتحاص نجاعة الأداء. بحيث يقدم كل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية هذه الوثائق التدبيرية رفقة ميزانياتها القطاعية، والتي تتضمن استراتيجية القطاع ككل، والبرمجة الثلاثية السنوات للقطاع، ثم استراتيجية كل برنامج على حدة، إلى جانب الاعتمادات المرصودة له، ثم باقي البرامج والمشاريع المرتبطة به، وأيضا أهداف ومؤشرات نجاعة الأداء التي تسمح بقياس النتائج مقارنة بالتوقعات، وأيضا مسؤولي البرامج وباقي الفاعلين في القيادة.
ـ إقرار مجموعة من الآليات التي تساعد البرلمان في وظيفة تقييم السياسات العمومية، والمتمثلة في التقارير والمذكرات والوثائق المرافقة لكل من مشروع قانون مالية السنة وقانون التصفية، وهو الشيء الذي يوفر المعلومة لأعضاء البرلمان التي هي أساس عملية التقييم. وبالنتيجة التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس آثارها على الفئات المعنية وعلى المجتمع ككل، علاوة على معرفة الإنجازات الذي تم تحقيقها قياسا بالأهداف المرسومة والوسائل المتاحة، وتحديد العوامل التي مكنت من بلوغ تلك الأهداف.
في ضوء الاستنتاجات السابقة توصي الدراسة بالتوصيات التالية:
ـ تعديل القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 لسنة 2015، والمرسوم المتعلقة بإعداد وتنفيذ قوانين المالية كما تم تعديله وتتميمه.
ـ تعديل التشريعات المرتبطة بالمالية العمومية، كمرسوم الصفقات العمومية، مرسوم المحاسبة العمومية، مدونة المحاكم المالية، المدونة العامة للضرائب، ثم ملاءمتها مع الفلسفة الجديدة للتدبير الميزانياتي المرتكزة على النتائج ونجاعة الأداء.
ـ إدراج مذكرة حول البرمجة المتعددة السنوات ضمن الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية؛ فمن شأن هذه الوثيقة أن توفر معطيات حول الوضعية الاقتصادية الراهنة وآفاقها، ثم التوجهات العامة متعددة السنوات، وأيضا استراتيجية تدبير المالية العمومية.
ـ توضيح مسطرة دراسة والتصويت على مشاريع قوانين المالية المعدلة، من خلال التنصيص على إرفاق مشروع قانون المالية المعدل بمذكرة تقديم تفسر أسباب اللجوء إليه والتعديلات الرئيسية التي جاء بها.
ـ تقليص آجال إيداع مشروع قانون التصفية بالبرلمان، إلى نهاية شهر يونيو من السنة الموالية للسنة المالية المعنية. ثم تأطير أجل دراسة والتصويت عليه على مستوى البرلمان، وذلك عن طريق حصره في ثلاثين يوما.
ـ تمديد الجدول الزمني للدراسة والتصويت على قانون مالية السنة من 58 يوما الجاري بها العمل حاليا، إلى 70 يوما، الشيء الذي سيمنح الوقت الكافي للبرلمان لمناقشة والمصادقة على مشروع قانون مالية السنة.
ـ تكريس نزع الصفة المادية عن عملية إيداع مشاريع قوانين المالية وسائر الوثائق المقدمة للبرلمان، ثم تطوير نظام معلوماتي مخصص لتتبع نجاعة الأداء.
ـ تفعيل منظومة المراقبة الداخلية على صعيد إدارات الدولة.
ـ مواصلة مواكبة مختلف الفاعلين في المسطرة الميزانياتية عبر برامج تكوين مخصصة للمدبرين العموميين على مستوى المصالح المركزية واللاممركزة التابعة للقطاعات الوزارية.
لائحة المراجع المعتمدة
المراجع باللغة العربية:
الكتب:
ـ المنتصر السويني، الدستور المالي والنموذج التدبيري الجديد بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة 2019.
ـ إسماعيل منصوري، تأثير الزمن البرلماني على الأداء التشريعي والرقابي، منشورات مركز الدراسات والأبحاث في انتاج القواعد القانونية، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2021.
ـ جيمس أندرسون، صنع السياسات العامة، ترجمة: عامر الكبيسي، دار المسيرة للنشر والتوزيع، سنة 1998.
ـ زهيرة الإدريسي، دور الدستور المالي في حل إشكال الآجال في قوانين التصفية وتكريس الرقابة السياسية مؤلف جماعي تحت عنوان مستجدات حكامة المالية العامة بالمغرب، تنسيق يوسف خنفور، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، سنة 2021.
ـ عبد القادر التعلاتي، المالية العامة المغربية والمقارنة: الجزء الأول: قانون الميزانية، دار نشر الجسور، الطبعة الثالثة، سنة 2002.
ـ عبد اللطيف لمناور، الرقابة السياسية على المال العام، مؤلف جماعي تحت عنوان: حكامة المالية العامة بالمغرب، تنسيق جواد لعسري وخالد مبروك، مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2019.
ـ محمد اتركين، الدستور والدستورانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة 2007.
ـ مراد بوعنان، منظومة مراقبة مالية الجماعات الترابية بالمغرب، جدلية القانون والتدبير، الطبعة الأولى، مطبعة شمس برنت، سلا، سنة 2021.
ـ محمد حركات، الحكامة الاستراتيجية والحلم العربي المضيع أي نموذج تنموي ما بعد جائحة كوفيد-19، مطبعة البيضاوي، سلا، سنة 2020.
ـ محمد حنين، تدبير المالية العمومية-الرهانات والاكراهات، مطبعة دار القلم للنشر والتوزيع، الرباط، سنة 2005.
ـ محمد حيمود، الإصلاح الميزانياتي بالمغرب دراسة على ضوء القانون التنظيمي للمالية 2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة 2017.
ـ هشام زوبير، ميزانية النتائج ورهان إصلاح المالية العمومية بالمغرب، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، سلسلة أبحاث ودراسات، العدد 31، مطبعة سجلماسة، الطبعة غير مذكورة، سنة 2023.
الأطروحات:
ـ طارق لباخ، إصلاح الميزانية العامة بالمغرب، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا، السنة الجامعية 2014-2015.
ـ عثمان مودن، تحديث آليات تدبير الميزانية بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، السنة الجامعية 2019-2020.
المقالات:
ـ المصطفى الكباص، نحو تدبير جديد للمالية العمومية: على ضوء قانون 130.13 المتعلق بالقانون التنظيمي لقانون المالية، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد 43، سنة 2016.
ـ حسن الحارس، وظيفة تقييم السياسات العمومية بالبرلمان المغربي: إجراءات التنزيل ومظاهر التعثر، ضمن البرلمان وتقييم السياسات العمومية، مجلة دفاتر برلمانية، المجلد 01، عدد مزدوج 1و2، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، سنة 2022.
ـ رضوان زهرو، مالية الدولة ومرتكزات الإصلاح، الحكامة، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، عدد مزدوج 61-62، سنة 2023.
ـ سميرة الراجب، ممارسة الرقابة اللاحقة على استعمال المال العام بالمغرب من خلال اعتماد قانون تصفية الميزانية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد المزدوج 144-145، يناير-أبريل 2019.
ـ عبد القادر لشقر وفهد فيلالي، حكامة الأداء المالي للدولة ورهان تفعيل المقتضيات الدستورية، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، العدد 12، سنة 2018.
ـ عبد الكريم النوحي، مرتكزات إصلاح القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 134-135، سنة 2017.
ـ مجلة المالية، القانون التنظيمي للمالية: رافعة من أجل تحديث التدبير العمومي، العدد 35، صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، سنة 2019.
ـ مهتدي بوزكري، وظيفة البرلمان في تقييم السياسات العمومية قراءة في حصيلة التجربة النيابية العاشرة 2016-2020، مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، عدد مزدوج 19 و 20، سنة 2016.
ـ محمد صدوقي، إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية العامة مدخل لإصلاح السياسات العمومية، مجلة دفاتر الحكامة، العدد 2، سنة 2015.
ـ هشام العقراوي، التدبير الحديث للنفقات العمومية المتمحور حول النتائج، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، العدد 5، سنة 2020.
النصوص القانونية:
ـ ظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر في 29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964، بتاريخ 30 يوليوز 2011.
ـ ظهير شريف رقم 1.15.62 الصادر في 2 يونيو 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13، الجريدة الرسمية عدد 6370 بتاريخ 18 يونيو 2015.
ـ القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.138 الصادر في 7 شعبان الموافق لـ 26 نونبر 1998، الجريدة الرسمية عدد 4644، بتاريخ 3 دجنبر 1998، ص. 329.
ـ القانون التنظيمي رقم 14.00 لقانون المالية، القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.95 بتاريخ 19 أبريل 2000، الجريدة الرسمية عدد 4788، بتاريخ 19 أبريل 2000، ص. 903.
ـ مرسوم رقم 2.15.426 الصادر في 28 رمضان 1436 الموافق لـ 15 يوليوز 2015 المتعلق بإعداد و تنفيذ قوانين المالية، الجريدة الرسمية عدد 6378 بتاريخ 29 رمضان 1436 الموافق لـ 16 يوليوز 2015.
ـ مرسوم ملكي رقم 330.66 بتاريخ 10 محرم 1387 (21 أبريل 1967) بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، الجريدة الرسمية عدد 2843، بتاريخ 15 محرم 1387 (26 أبريل 1967)، ص. 810.
ـ النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017.
منشور رئيس الحكومة رقم 2016/6 الصادر بتاريخ 23 يناير 2016، حول إطلاق المرحلة التجريبية الرابعة للميزانية المهيكلة حول البرامج و المرتكزة على نجاعة الأداء في إطار تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية.
ـ قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 740.18 صادر في 14 نونبر 2018 بشأن تحديد كيفيات إعداد تقرير افتحاص نجاعة الأداء.
الدلائل:
ـ دليل تقييم السياسات العمومية من أجل مأسسته في مجلس المستشارين بالمملكة المغربية، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، الرباط، 2017.
ـ دليل الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية، منشورات مجلس النواب، منشور في موقع مجلس النواب، تاريخ الزيارة 2024/07/18.
مواقع الكترونية:
الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي: www.chambrederepresentants.ma
المراجع باللغة الفرنسية:
George Edward et Ira Sharkansky, Les Politiques Publiques, élaboration et mise en œuvre, les éditions d’organisation, Paris.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى