اللقب : غلاي
الاسم : حياة
التخصص : متحصلة على شهادة الماجستير في القانون العام المعمق ، مسجلة في قسم الدكتوراه.
الدولة : الجزائر
رقابة المشروعية على أعمال الإدارة العامة
الرقابة القضائية هي الرقابة التي تقوم بها السلطة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة لها ضماناتها و استقلالها عن السلطة التنفيذية و ذلك عن طريق ما يرفع إليها من دعاوى للطعن في مشروعية ما تصدره الإدارة من قرارات أو المطالبة بالتعويض عما نتج عنها من أضرار لتصدر بشأنها أحكاما قضائية.
و تعد الرقابة القضائية من أهم صور الرقابة على أعمال الإدارة إذ يعد القضاء أكثر الجهات القادرة على حماية مبدأ المشروعية و الدفاع عن الحقوق و الحريات الفردية إذا ما توافرت له الضمانات الضرورية التي تكفل له الاستقلال لأداء وظيفته .
و الرقابة القضائية على أعمال الإدارة قد تتولاها المحاكم العادية فتنظر في كافة المنازعات الإدارية و غيرها و تختص بالفصل فيها و هذا ما يسمى بنظام القضاء الموحد، و قد يعهد بهذا النوع من الرقابة إلى جهة قضائية متخصصة تقوم إلى جانب القضاء العادي فتفصل هذه الجهة في المنازعات الإدارية في حين يتولى القضاء العادي الفصل في المنازعات الجنائية و المدنية و التجارية و غيرها و هذا ما يعرف بنظام القضاء المزدوج .
عملية الرقابة على أعمال الإدارة العامة حماية المصلحة العامة من الفساد و التلاعب و الاستغلال فمهمة الأعوان العموميون هي مهمة ذات طابع نفعي ووجود امتيازات السلطة العامة لا يجد مبررا له سوى في تحقيق الإغراض ذات المنفعة العامة ، كما تهدف الرقابة على أعمال الإدارة العامة هو التأكد من مشروعية الأعمال الإدارية و الحرص على خضوعها للقانون
.
إن رقابة المشروعية تجد أساسها في مبدأ المشروعية الذي يعد صمام أمان بالنسبة لحقوق و حرية الأفراد ، فهو الحصن الذي يكفل صيانتها و حمايتها من كل اعتداء ، ذلك أن مبدأ المشروعية يمثل الضابط العام للدولة في علاقتها المختلفة مع الأفراد فلا يجوز لها طبقا لهذا المبدأ أن تأتي سلوكا مخالف للقانون بإصدار قرار غير مشروع و إن بادرت إلى فعله تعين على القضاء بعد رفع الأمر إليه التصريح بإلغاء هذا القرار محافظا على دولة القانون.
يقصد برقابة المشروعية الخضوع التام للقانون سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة و هو ما يعبر عنه بخضوع الحاكمين و الحكوميين للقانون و سيادة هذا الأخير و علو أحكامه و قواعده فوق كل إدارة ، إذ لا يكفي أن يخضع الأفراد و حدهم للقانون في علاقاتهم الخاصة بل من الضروري أن تخضع له الهيئات الحاكمة في الدولة على نحو تكون تصرفات هذه الهيئات و أعمالها متفقة مع أحكام القانون و ضمن إطاره حيث تسعى الدولة إلى ضبط اختصاصات الجهات الإدارية المختلفة محاولة منها إجبارها على احترام مبدأ المشروعية و حتى لا تتخذ الإدارة من وسيلة القرار الإداري ذريعة لتحقيق مقاصد غير مشروعة مستغلة بذلك الطابع التنفيذي له.
إن فعالية مبدأ المشروعة تجد أساسها في :
-
تحديد الاختصاص: يعرف بأنه القدرة أو الصفة القانونية على ممارسة وإصدار قرار إداري معين باسم و بحساب الإدارة العامة و عيب عدم الاختصاص يكون بصفة غير شرعية إذا صدر من شخص غير مؤهل لذلك و الأصل أن المشرع هو الذي يحدد اختصاص أعضاء الإدارة و في غياب النص فان القاضي بالاستناد إلى المبادئ العامة للقانون و النظام الإداري في الدولة هو الذي يتكفل بالتحديد و ذلك حسب موضوع الاختصاص و السلطة الإدارية الأقرب لمباشرته .
فقواعد الاختصاص من النظام العام الذي يمتنع على الإدارة تعديلها أو التنازل عنها أو الاتفاق على عكسها كما يتعين على القاضي أن يثير عدم الاختصاص من تلقاء نفسه ، كما أن حالة الاستعجال لا تبرر مخالفة الاختصاص إلا في الظروف الاستثنائية كالحرب و الاحتلال.
فالاختصاص واجب يلزم صاحبه بان يمارسه بنفسه و لا يسوغ أن يعهد به لسواه إلا بتفويض قانوني مكتوب مستند إلى نص قانوني.
-
الشكل و الإجراءات: يقصد بالشكلية في الأعمال الإدارية مجموعة الإجراءات و القوالب التي يجب على الإدارة مراعاتها عند إصدار العمل الإداري و عدم مراعاة هذه الشكليات يعرض القرار الإداري للإلغاء إذا ما حدد القانون شكلية أو إجراء معين فقد يكون القرار الإداري مكتوب أو غير مكتوب بتحديد النص، كما لا يمكن استبدال إجراء بإجراء أخر.
-
الغاية : يجب أن لا تحيد القرارات الإدارية عن الهدف العام لها و هو تحقيق المصلحة العامة فإذا استهدفت الإدارة تحقيق غاية تبتعد عن المصلحة العامة يكون القرار مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة في هذه الحالة و قابلة للإلغاء إذا ما طعن فيه أمام القضاء الإداري لذلك على الإدارة أن تلتزم بما قد يحدده لها المشرع من أهداف خاصة عند اتخاذ قراراتها .
فالرقابة القضائية هي رقابة قانونية في إجراءاتها ووسائلها و أهدافها ومن هنا يتبادر السؤال التالي : ما هي
الأعمال التي تندرج ضمن رقابة المشروعية ؟ . ستتم الإجابة على هذا السؤال من خلال تقسيم الدراسة إلى مبحثين حيث نخص المبحث الأول إلى الرقابة على سلطات الإدارة ، أما المبحث الثاني فنخصصه إلى الرقابة في الظروف الإستثنائية و أعمال الحكومة .
المبحث الأول : الرقابة على سلطات الإدارة .
إن الرقابة على سلطات الإدارة تتضمن الرقابة على كل من السلطة المقيدة و السلطة التقديرية للإدارة و ذلك من خلال ما يلي :
المطلب الأول : السلطة المقيدة .
سنتعرض فيما يلي الى تعريف السلطة المقيدة و الاستثناءات الواردة عليها من خلال ما يلي:
الفرع الأول : تعريف السلطة المقيدة .
تتجلى السلطة المقيدة إذا ما فرض القانون على الإدارة اتخاذ قرار معين و تحديد مسلكها مسبقا إذا ما توافرت شروطه ،مما يقيد سلطتها و يفرض عليها اتخاذ القرار بصورة إليه ، فمثلا حين يلزم القانون الراغب في الحصول على رخصة بناء الاتجاه و التقرب من جهة إدارية حددها النص كما تكفل تبيان الملف المطلوب و شروط الاستفادة من قرار الإدارة و الزمها التصريح بموقفها بشان الملف المقدم إما قبولا أو رفضا فانه يكون بذلك قد قيد إرادتها مما يسهل على القاضي عند رفع الأمر إليه إخضاعها للرقابة من منطلق أن إرادتها مقيدة و بالتالي فإن الإرادة المقيدة هي الوضعية التي تكون فيها الإدارة ملزمة بالتصرف أو رفض التصرف عندما تتوفر بعض الشروط ذات الصلة بالواقع أو القانون.
الفرع الثاني : الاستثناءات الواردة على السلطة المقيدة.
إن هذا التقييد غير متصور و غير مقبول من الناحية العملية ، فخضوع الإدارة العامة لمبدأ المشروعية لا يعني تجريدها من أي هامش في التقدير حيت يبقى لها الحرية أو السلطة التقديرية في :
-
اختيار وقت التدخل:يبقى للسلطة الإدارية الحرية في اختيار وقت التدخل لممارسة اختصاصها مثال ذلك أن النص يقول أن كل مواطن بلغ سن الرشد و سوابقه العدلية نظيفة يمنح له جواز سفر فهنا النص مقيد لكن يرد عليه سلطة التقدير من حيث الوقت الذي يمنح فيه الجواز.
-
الوسيلة المستعملة: من ناحية أخرى تظهر السلطة التقديرية في الوسائل التي تتدخل بها الإدارة مثلا حالة الإخلال بالنظام العام يجب استعمال التدخل بالقوة (اختصاص مقيد) و لكن الوسيلة التي تتدخل بها الإدارة تكون تقديرية.
المطلب الثاني : السلطة التقديرية للإدارة.
سيتم التعرض فيما يلي إلى تعريف السلطة التقديرية ثم إلى الاستثناءات الواردة عليها من خلال ما يلي:
الفرع الأول : تعريف السلطة التقديرية .
ابتداء نقول أن نمط التمييز بين الإرادة الحرة للإدارة ( السلطة التقديرية) و الإرادة المقيدة( سلطة مقيدة) تحددها النصوص القانونية أو التنظيمية فقواعد القانون أو التنظيم هي التي تبرز لنا متى نكون أمام إرادة حرة أو إرادة مقيدة.
حيث نكون بصدد السلطة التقديرية عندما يترك للإدارة قدر معين من الحرية من حيث الاختيار بين اتخاذ القرار من عدمه رغم توافر شروطه مراعاة للظروف و المعطيات و المقتضيات السائدة بالإدارة من أمثلة ذلك قرار منح الأوسمة أن تتمتع الإدارة المختصة بتقدير مدى استحقاق الشخص للتكريم ،و من ثم فان للسلطة التقديرية اعتبارات عملية تمنح للإدارة عدة اختيارات لمواجهة الواقع الذي لا يستطيع المشرع أن يتصوره مسبقا و لا يمكن للقاضي معايشة ملابساته و تفاصيله.
الفرع الثاني :الاستثناءات الوارد على السلطة التقديرية .
إن السلطة التقديرية لا تعني تخويل الإدارة الحرية المطلقة في اتخاذ قراراتها، إذ أنها تبقى ملزمة باحترام عناصر التقييد من ذلك:
-
السلطة المختصة : لا يجوز لغير السلطة التي حددها النص أن تباشر ذلك الاختصاص ،من ذلك الوالي له السلطة التقديرية في منح رخصة الصيد فهو الوحيد صاحب الاختصاص، حيث يتعين على الإدارة و هي تمارس اختصاصها التقديري أن تضع نفسها في أحسن الظروف لإجراء هذا التقدير و أن تجريه بروح موضوعية بعيدا عن البواعث الشخصية .
-
الهدف: بالإضافة إلى الاختصاص نجد الهدف الذي يجب أن تحترمه الإدارة و تسعى إلى تحقيقه و الذي هو بشكل عام تحقيق المصلحة العامة.
المبحث الثاني: الظروف الاستثنائية و أعمال الحكومة .
يقتضي مبدأ المشروعية التزام الإدارة بالخضوع للقانون في كل ما تقوم به من أعمال و في ذلك ضمان حقيقي لحماية حقوق و حريات الأفراد، غير انه هناك ما يعرف بحدود مبدأ المشروعية و الذي ينقص من ذلك المبدأ لذلك نجد ما يسمى بالظروف الاستثنائية و أعمال الحكومة و هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال ما يلي:
المطلب الأول: الظروف الاستثنائية.
سنتعرض فيما يلي إلى تعريفها ثم تبيان دور القاضي في الرقابة عليها.
الفرع الأول : تعريفها .
القاعدة العامة انه يجب على الإدارة احترام القواعد القانونية القائمة إلا أن الدولة قد تمر بظروف أزمة من شانها أن تهدد النظام العام فهنا تستطيع الإدارة أن تخرج عن قواعد المشروعية العادية فتتحرر من الخضوع لها .
و بالرجوع إلى الدستور الجزائري نجد أن لرئيس الجمهورية أن يتخذ في حالة تهديد الأمن الاستقرار الوطني التدابير المناسبة و الإجراءات الكفيلة بدرء ذلك الخطر و بالتالي الحفاظ على النظام العام ، حيث نجد ظروف استثنائية منظمة بنصوص قانونية و هذا ما نجده في المادة91 و المادة 93 من الدستور و التي تتمثل في حالة الحصار، حالة الطوارئ، الحالة الاستثنائية .
و نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بإمكان الإدارة أن تتحرر من بعض الشكليات و الإجراءات الواجب مراعاتها في الظروف العادية عند إصدارها لقراراتها بالإضافة إلى إمكانيات مخالفة قواعد الاختصاص.
الفرع الثاني : مسؤولية الإدارة في الظروف الاستثنائية أمام القضاء.
على الرغم من وجود ظروف استثنائية إلا أن الرقابة القضائية تبقى قائمة وهنا يقوم القاضي بالتأكد من :
-
وجود الظرف الاستثنائي: معنى ذلك وجود حالة واقعية تتمثل في فعل أو مجموعة أفعال تشكل خطر يتهدد قيام الإدارة بوظائفها كنشوب غزو أو عدوان أو كوارث طبيعية أو ما شابه ذلك من الظروف و الأوضاع التي لا يمكن حصرها مسبق.
-
تناسب الإجراء المتخذ مع الظرف الاستثنائي: يتعين أن تتناسب السلطات المستعملة من جانب الإدارة لمواجهة الظرف الاستثنائي الذي وقع و بمعنى آخر يجب أن تستخدم الإدارة من الوسائل و الإجراءات ما يتناسب مع القدر لمواجهة الظرف الاستثنائي ، إذ أن القاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يضحى بمصالح الأفراد في سبيل المصلحة العامة إلا بقدر و تقتضي الضرورة ومن ثم فعليها الحرص لتختار انسب الوسائل و اقلها ضررا بالأفراد طالما كانت هذه الوسائل توصل جميعها إلى تحقيق الهدف المنشود.
و على أي حال فان مسالة تعذر دفع الخطر بالوسائل العادية و ضرورة تناسب الإجراءات مع الخطر تكون مسالة واقع فتخضع الإدارة لرقابة القضاء ليقدر في كل حالة على حدى مدى تعذر الإدارة عن رد الخطر بالوسائل العادية.
المطلب الثاني: أعمال الحكومة ( أعمال السيادة).
سيتم التعرض فيما يلي إلى تعريفها ثم ننظر إن كانت تخضع لرقابة القضاء عليها أم لا من خلال ما يلي:
الفرع الأول : تعريفها.
يمكن القول إن أعمال السيادة هي طائفة من القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة الإلغاء و بالتالي فهذه الطائفة تمثل استثناءا حقيقيا على مبدأ المشروعية ، و قد ظهرت هذه النظرية في فرنسا و اتخذ منها مجلس الدولة الفرنسي حلا وسطا بحل الخلاف بينه و بين السلطة التنفيذية و قد وجدت عدة معايير للتعرف عليها حيث نجد:
-
معيار الباعث السياسي: هذا المعيار يقوم على أساس الباعث بسلطة التنفيذية في إصدار أعمالها فهذه الأعمال لا يمكن المطالبة بإلغائها أو التعويض عن الأضرار المترتبة عنها، و انتقد هذا المعيار لأنه يوسع من أعمال الحكومة .
-
المعيار الموضوعي: هذا المعيار يبحث في طبيعة العمل حيث أن استندت الإدارة إلى الدستور، كذلك يتم التمييز باعتبار أن التصرف هو عمل حكومي أم تصرف إداري غير أن هذا المعيار صعب التطبيق لأن هيئة واحدة تقوم بنفس العمل.
-
معيار القائمة القضائية لأعمال الحكومة: بالنظر إلى هذه القائمة نجدها تضم الأعمال المتعلقة بعلاقة البرلمان بالحكومة مثل الأعمال و التصرفات التي تجريها أعمال الحكومة في إعداد مشاريع القوانين و عرضها على البرلمان بالإضافة إلى الأعمال التي تقوم بها في علاقاتها الدولية مثل الأعمال المتعلقة بإعداد المعاهدات.
الفرع الثاني : الرقابة القضائية على أعمال الحكومة .
يتميز النظام القانوني لأعمال السيادة بعدم خضوعها للرقابة القضائية سواء أمام هيئات القضاء الإداري أو العادي حيث لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء و مع ذلك يقبل مجلس الدولة الفرنسي دعوى التعويض المتعلقة بهذه الأعمال و الرامية إلى ترتيب مسؤولية الجهة التي أصدرتها.
من خلال ما سبق يتضح لنا ضرورة خضوع جميع تصرفات الإدارة إلى رقابة المشروعية ، مع إعطاء الحرية للإدارة في التصرف من عدمه في بعض التصرفات حيث لا يمكن للقاضي إجبار الإدارة على إتخاذ قرار ما و ذلك بوجود نصوص قانونية تشير إلى ذلك و تسمح للإدارة حرية التصرف من عدمه . أما في الظروف الإستثنائية فيجب على القاضي التأكد من و جود بعض الشروط المرتبطة بالظرف الإستثنائي و التي تمكن الإدارة إتخاذ إجراءات جديدة تتلاءم مع الظرف القائم .