في الواجهةمقالات قانونية

رهانات الحكامة العقارية بالمغرب الباحث : محمد قنديل

رهانات الحكامة العقارية بالمغرب
CHALLENGES OF REAAL ESTATE GOVERNANCE IN MOROCCO
الباحث : محمد قنديل
باحث بسلك الدكتوراه جامعة ابن طفيل القنيطرة
Dr. MOHAMED KANDILA
Doctoral Resercher at Ibn Tofail University, kenitra

الملخص:
إن التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يعرفه العالم بشكل عام والمغرب على وجه الخصوص، أدى إلى اعتماد آليات ومقاربات ومفاهيم جديد تهدف إلى مواكبة المستجدات التي يعرفها المغرب على مستويات متعددة، في العهد الجديد للمغرب، من خلال إقرار الحكامة في تعاطيها مع الإدارة العمومية التي ترتكز بالأساس على الشفافية والنزاهة…، ومن بين الأهداف الأساسية للحاكمة العقارية تحقيق التنمية التي تعتبر حركة ديناميكية تتوخى تحقيق المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية لأي مجتمع، وتحفيز الاستثمار المنتج للدخل والموفر لفرص الشغل، فإن الحكامة العقارية من متطلبات مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية، وتساهم الحكامة العقارية من الرفع من فعالية تنظيم الرصيد العقاري بالمغرب وتبسيط مساطر تدبيره لتمكينه من القيام بدوره التنموي، في ظل ما تعرفه البنية العقارية بالمغرب من الإشكالات وإكراهات تجعله يواجه العديد من الرهانات على الصعيد الهيكلي أو المؤسساتي وعلى الصعيد القانوني أو التشريعي.

SUMMARY :
The economic, political, and social development observed globally and particularly in Morocco has led to the adoption of new mechanisms, approaches, and concepts aimed at keeping up with the updates experienced by Morocco at various levels. In the new era for Morocco, governance has been established in public administration, which is primarily based on transparency and integrity. One of the main objectives of real estate governance is to achieve development, which is a dynamic movement seeking to meet the social and economic needs of any society and to stimulate income-generating investment and job creation.
Real estate governance is crucial for various industrial, agricultural, tourism, and service sectors. It contributes to enhancing the efficiency of organizing the real estate stock in Morocco and simplifying its management procedures to enable it to play its developmental role. This is against the backdrop of the structural, institutional, legal, and legislative challenges that the real estate sector in Morocco faces.
مقدمة
تعد الحكامة هي فن تدبير الشأن العام في مجالاته وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية، حيث يتدخل في تدبير وتنظيم الشأن العام جميع المكونات الأساسية داخل المجتمع من القانون والسلطة والإدارة والإنسان والمجتمع المدني برمته الكل يساهم في تدبير من أجل تحقيق المصلحة العامة للمواطن .
وقد دخل مصطلح الحكامة إلى المجالات المعرفية في السنوات الأخيرة وبالضبط ابتداء من سنة 1989 إلى جانب مصطلحات أخرى كالعولمة والخصخصة والتنمية المستدامة و المجتمع المدني والمقاربة التشاركية والتدبير الجد، والشفافية والشجاعة والشراكة والهشاشة، حيث استعملت هذه المصطلحات من طرف منظمات دولية نافذة كصندوق النقد الدولي والبك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولقد أضحت الآن هذه المصطلحات في صلب دساتير دول عديدة ومنها الدستور المغربي ، كما أنها أصبحت لصيقة بتشجيع الاستثمار والتنمية العقارية .
فإن الحكامة هي مجموعة من المناهج تهدف إلى تحقيق تنمية مجتمعية في الدول النامية نتيجة لقصور الإدارات الحكومية عن تحقيق ذلك بفعالية وكفاءة كما أن الأمر أصبح ملحا على هذه الدول نتيجة للتحديات العالمية والإقليمية والمحلية، لذا فإن الحكامة أصبحت حلا واجب التنفيذ نظرا لما تنطوي عليه من تكامل بين أدوار الإدارة الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع مما يكرس المواطنة بين مختلف الفاعلين .
ولاعتبار الحكامة أسلوب الإدارة المجتمع تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة وهي:
– البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثلها.
– البعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفعاليتها.
– البعد الاقتصادي والاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالس الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة وكذا نوعية العلاقات التي تربطها مع الاقتصادات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية .
إن للحكامة الجيدة دور فعال في تدبير الشأن العقاري، ويمكن الحد من نطاقها وتطبيقها بموجب القانون كلما اقتضت التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ذلك، حيث انه على سبيل المثال يمكن نزع الملكية في حالات معينة ولا يمكن نزعها إلا وفق الاجراءات التي ينص عليها القانون لما في ذلك من تحقيق التنمية التي على إثرها تضمن الدولة الحق في الملكية وحرية المبادرة والتنافس الشريف الحر، وتحقيق التنمية البشرية التي هي أساس كل عدالة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق يمكن طرح الإشكالية التالية :
إلى أي حد يمكن القول بأن المجال العقاري بالمغرب يكرس مبادئ الحكامة العقارية التي من شأنها تنعكس على كل الرهانات الاقتصادية والاجتماعية الادارية والسياسية لحقيق التنمية المستدامة ؟
للإجابة عن هذه الاشكالية سنقسم هذه المقالة وفق المحاور الآتية:
المحور الأول: الرهان الاقتصادي و الاجتماعي للحكامة العقارية
المحور الثاني: الرهان الإداري والسياسي للحكامة العقارية
المحور الأول: الرهان الاقتصادي و الاجتماعي للحكامة العقارية
يطلع العقار بدور محوري في النهوض بمختلف السياسات القطاعية، وتعزيز النمو، وتقليص الفوارق المجالية وترسيخ قيم المواطنة. وتكتسي الرهانات المرتبطة بالعقار طبعا هاما ومعقدا في الآن ذاته، ذلك أنها تحدد طبيعة العلاقات القائمة بين مكونات المجتمع بشأن الولوج إلى الأراضي والموارد الطبيعية، سواء في ما يتعلق بالولوج إلى العقار العمومي أو الخاص .
وتتمثل الرهانات الاقتصادية والاجتماعية، من أبرز الأهداف الاستراتيجية المتوخاة من الحكامة العقارية باعتبارها مقاربة استراتيجية لتنفيذ مسلسل الاصلاح في المجال العقاري وتحقيق الأهداف المتوخاة من الثروة العقارية، ومن تم فإن معالجتنا لهذه الرهانات سيكون من خلال نقطتين أساسيتين، الأولى نخصصها للحديث عن الرهان الاقتصادي، والثانية نفردها للحديث عن الرهان الاجتماعي.
أولا: الرهان الاقتصادي
تعتبر الوضعية العقارية في مختلف البلدان من أهم المجالات التي تحظى بالأولوية في كل المخططات القانونية والاقتصادية وتعزى، هذه الأهمية إلى الدور الذي يؤديه العقار داخل منظومة التنمية باعتباره الفضاء الذي تتفاعل فيه مختلف وسائل الإنتاج والاستثمار، الأمر الذي يجعل من المحافظة عليه والرفع من قدرته الاقتصادية واستقرار المعاملات و التصرفات التجارية عليه، شرطا أوليا لكل إقلاع اقتصادي وتنموي. ولقد أصبح للعقار وظيفة اقتصادية واستثمارية، مما جعله يشكل مناخا اقتصاديا عالي القيمة .
بما أن العقار يشكل الأرضية الأساسية لانطلاق المشاريع الصناعية والتجارية والسياحية المنتجة على المستوى الاقتصادي، فلابد من وجود إطار قانوني يوفر للملكية العقارية أرضية صلبة تمكن الجميع من التعامل به بكل ثقة واطمئنان .
ويعتبر قانون التحفيظ العقاري إحدى الركائز الأساسية لتثبيت الملكية العقارية بأثره المباشر على استقرار المعاملات العقارية وإشعاع الثقة والاطمئنان بين الأفراد. فاستقرار المعاملات العقارية عن طريق تعبئة الملكية العقارية، وتوظيفها ضمن الدورة الاقتصادية في مجالات الحيوية والمنتجة يؤديان بكل فعالية إلى تنمية شاملة ومستدامة تغطي مربعات الإقليم والجهة والوطن، وهو استقرار يتمخض عن مؤسسة التحفيظ العقاري الذي يعتبر الفاعل الرئيس في تحريك دواليب الدورة الاقتصادية في آفاقها المالية والتجارية والمصرفية .
فالاستثمار في المشاريع الاسكانية والزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والخدماتية وغيرها يعتمد على العقار كبنية أولى تشكل نقطة الانطلاق بالنسبة لكل الإنجازات الأخرى . فعلى سبيل المثال لو أراد مستثمر إقامة مشروع اقتصادي فإنه بحاجة لأرض لأنها أساس انطلاق المشروعات .
ولكي يقوم العقار بدوره الطلائعي على المستوى الاقتصادي لابد من إخضاعه لنظام يتميز باليقظة والشفافية والعلنية فتعبئة الملكية العقارية وتوظيفها ضمن الدورة الاقتصادية، تتجلى في مدى مصداقية الرسم العقاري الذي يشخص ويضمن حقوق المتعاملين به، وهذه المصداقية لا يمكن تأمينها إلا إذا كان الرسم العقاري مطابقا في كل وقت وحين للمركز القانوني والفعلي للعقار ولمالكه أو المتعامل به.
حقيقة إن نظام التحفيظ العقار يساهم بكيفية فعالة في تسهيل حركة تداول العقار ويسهل في تكوين الضمانات، والزيادة في قيمة العقارات المحفظة وتسهيل عملية البناء والتعمير والسكن وتحسين ظروف عيش المواطنين تكريسا لقيم المواطنة. فلا يمكن تصور أي سياسة عمومية دون ضبط مجال العقار وترشيد استعمالاته.
فإن تحصين الحقوق العقارية، لاسيما من خلال التحفيظ العقاري، قد يكون هو الحل الأمثل لتحقيق جل الرهانات والرهان الاقتصادي على الخصوص، غير أن الإشكالات التي تحول دون ضمان الفعالية الكاملة لمنظومة التحفيظ العقاري تشير إلى صعوبة تقديم حلول وفق هذه المقاربة. ورغم أن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية تمارس مهامها في إطار واحدا من أكثر التشريعات ملاءمة لهذا النوع من المؤسسات، وتتوفر على موارد مالية مهمة، إلا أنها تواجه صعوبات في تعميم عملية التحفيظ في الوسط القروي، وضمان تحين الرسوم العقارية، والتصدي للتجاوزات المرتبطة بالاستلاء على الأملاك العقارية. وفي الوقت نفسه فإن المعاملات العقارية التي كان معمولا بها في الماضي ، والتي كانت تبدو محصنة بناء على الاعتراف الاجتماعي بها، أصبحت موضع تساؤل في ظل الديناميات القائمة وفي ضوء تطور موازين القوى داخل المجتمع .
عموما فإذا كان العقار هو حجر الزاوية في كل التنمية، فالحكامة في حاجة ماسة ومتزايدة في اقتنائه والاستثمار فيه، وهذا يقتضي نهج سياسة محكمة وتدبير عقلاني للوعاء العقاري حتى يكون رهن إشارة المجتمع وخاصة المستثمرين الأجانب، ولعل هذا هو الدافع الأساس الذي جعل الدولة تتبنى مجموعة من القوانين الحماية للنظام التحفيظ العقاري وتشجيعا للاستثمار.
ثانيا: الرهان الاجتماعي
تعمل الدول وفق للتوجهات الدستورية على تحقيق التنمية بشرية مستدامة من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية وعلى حقوق الأجيال القادمة غايتها في ذلك إعطاء كل مواطن ما يستحقه وتوزيع المنافع الوطنية بين مختلف أفراد المجتمع المغربي بتوفر متساوي للاحتياجات الأساسية اليومية. معتبرة في ذات التوجه الثروات الطبيعية الوطنية عنصرا أساسيا في التنمية البشرية المستدامة، لكن استغلالها يتطلب ترشيد قصد الحفاظ عليها، كما تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا، هو ما يسمح لكل فرض من الأفراد المجتمع المغربي لديه الفرصة في الصعود والترقي الاجتماعي .
ومن أجل بلوغ حكامة عقارية قائمة على البعد الاجتماعي، يدفعنا على إبراز الدور الحيوي الذي يشكله العقار في منظومة التنمية، على اعتباره عامل إنتاج استراتيجي لكل القطاعات الحيوية ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعدها، فهو الوعاء الرئيس لتشجيع الاستثمار المنتج للدخل والموفر للفرص الشغل كما أنه يعتبر أرضية انطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات.
هذا بالإضافة إلى أن العقار هو الوسيلة الدولة في مجال التعمير، والتخطيط العمراني وهو آلية في تنفيذ السياسة العمومية الرامية إلى تحسين ظروف عيش المواطنين ومحاربة الفقر والإقصاء، كما يساهم في الحركية التنموية وذلك على ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي يعرفها المغرب .
وعلى هذا النحو يمكن القول على أن العقار هو بمثابة علاقة اجتماعية ويمثل عاملا أساسيا بالنسبة للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين والدولة في اتخاذ أي قرار استثماري يهم مصالحهم الراهنة والمستقبلية وتعزيز الاندماج الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية.
وبناء على كل هذه المعطيات ينبغي العمل على وجه الاستعجال على وضع استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد والقطاعات في مجال العقار، قادرة على رفع التحديات المرتبطة على تنوع الأنظمة العقارية وندرة الوعاء العقاري والاستجابة لمتطلبات التنمية المستدامة، ولتحقيق هذه الغاية، يتعين أن ترتكز هذه الاستراتيجية على سياسات عقارية ملائمة تشكل إطارا يضمن الاتقائية بين مبادئ الانصاف والإدماج الاجتماعي والعدالة المجالية والأداء والنجاعة، مع الأخذ بالمحددات الاجتماعية بعين الاعتبار .
ويتمثل الهدف الأسمى لهذه المقاربة الاجتماعية في تلبية حاجيات المواطنين أفرادا وجماعات وجميع الفاعلين المعنين، ليس فقط لفائدة الأجيال الحالية، ولكن أيضا لفائدة أجيال المستقبل، ويعد البعد المتعلق بالنوع الاجتماعي وتحقيق المساواة بين الجنسين في التشريعات والممارسات المتعلقة بتدبير العقار بالمغرب وكذا الإشكالات المرتبطة عنها محورا أساسيا ينبغي مراعاته من أجل تحقيق أهداف الاستراتيجية الجديدة للدولة في مجال تدبير المنظومة العقار، ومنها الهدف المتعلق بالإنصاف .
وفي هذا الصدد وما يعيق رهانات الحكامة العقارية وتعزيز روح المواطنة في المجال العقاري ورهان الاجتماعي على الخصوص جملة من الاكراهات:
– صعوبة الولوج إلى سكن لائق بسب ارتفاع تكلفته خاصة الفئات المعوزة والطبقة الوسطى، تضطر الأسر المعوزة إلى اللجوء إلى احتلال العقارات بصورة غير قانونية، ترقبا للاستفادة من برامج لتسوية الوضعية أو إعادة الإسكان.
– استمرار انشار السكن العشوائي على الرغم من وجود برامج من قبيل مدن بدون صفيح، والتي لم تمكن من ضمان الاندماج الأمثل للأسر التي تمت إعادة إسكانها في أحياء بعيدة عن وسط المدينة مما يزيد من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية .
– مظاهر التميز الاجتماعي وضياع الأراضي الفلاحية وتدهور الأنظمة الإيكولوجية جراء انعكاسات ظاهرة التعمير القائمة على منطق انتهاز الفرص العقارية المتاحة والتوسع العشوائي لضواحي المدن.
– هشاشة بعض الفئات لاسيما النساء في الوسط القروي وصغار الفلاحين خاصة في ضواحي المدن.
– عدم استكمال عملية تصفية الوضعية القانونية للأملاك الدولة وهو ما من شأنه أن يعيق تعبئة العقار لفائدة مشاريع التنمية الاجتماعية.
وبعد تجاوز كل هذه الاكراهات يمكن القول على أن العقار يحتل مكانة اجتماعية وتحقيق الرهانات الاجتماعية وتعزيز قيم المواطنة، من خلال مجموعة من التدابير التي تهدف إلى محاربة الهشاشة والفقر عن طريق محاربة السكن غير اللائق بشتى أنواعه السكن صفيحي، السكن الصلب، وذلك بوسيطة برامج متعددة تتجلى في برامج مدن بدون صفيح وبرامج السكن الاجتماعي، وكذا برامج السكن المنخفض التكلفة الذي يقدر ب 140 ألف درهم، وبرنامج السكن المهدد بالانهيار.
المحور الثاني: الرهان الإداري والسياسي للحكامة العقارية
من غير الممكن الحديث عن الحكامة العقارية حقيقة وفاعلة، بعيدا عن الجانب الاداري باعتبار المجال الإداري فضاء للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكريس التدبير الإداري الجيد على المستوى الجهوي والوطني(أولا)، من أجل احتواء المشاكل الوطنية ومشاكل المجتمع والحد من الفوارق الاجتماعية يتطلب ذلك إرادة سياسية هادفة قادرة لتجاوز الإكراهات المرتبطة بالمجال العقاري التي قد تشكل عرقلة للتنمية(ثانيا).
أولا: الرهان الاداري
فالأفراد المجتمع والمواطنين لهم انتظارات وطموحات كبيرة تزداد يوما بعد يوم ومن هنا تبقى الإدارة ملزمة بتحقيق طموحاتهم وانتظاراتهم، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بشكل قوي بمدى فعالية الادارة وشفافيتها. وفي وقتنا الحالي وفي بلدنا المغرب فالإدارة في صلب اهتمام الجميع والكل ينتظر من الادارة العمومية تحقيق أهدافها وغيتها التنموية المنشودة على اعتبار أنها إحدى الآليات لتنزيل السياسة العمومية على أرض الواقع.
ويرى بعض المتخصص في الدراسات العقارية ، أن أسباب والعوائق التي تقف في وجه تحقيق تنمية عقارية شاملة وتخلق حكامة جيدة إلى مجموعة من العوامل كتعقد المساطر الادارية وعدم تعميم نظام التحفيظ العقاري وتنوع الملكية ، هذا بإضافة إلى انتشار الرشوة والفساد الاداري بكل أنواعه وهي عوائق تحول دون تحقيق التنمية .
ومن هذا المنطلق يطرح التساؤل ما هي أهم معالم الحكامة العقارية من خلال مقتضيات قانون 14.07 المغير والمتمم لنظام التحفيظ العقاري ، بما ينسجم مع انتظارات وطموحات المواطنين الادارية؟
ما يجب ملاحظته أن المشرع من خلال قانون 14.07 عمل على تبسيط المساطر وتسهيلها لمسايرة الواقع الراهن الذي يعرفه المغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإداري وكذا السياسي لأن العقار هو حجر الزاوية في التنمية والنهوض الاقتصادي والاستقرار المجتمعي، فلابد إذن من تطبيق الحكامة فيه تطبيقا يتلاءم مع السياسة العامة للدولة من حيت تسهيل المساطر وتبسيط الإجراءات، فمنح للمحافظ العقاري في هذا الصدد سلطات واسعة في تطليق القانون والسهر على تنفيذ واتخاذ ما يلزم في ذلك من الحيطة سواء أثناء مسطرة التحفيظ، أو أثناء التعرضات، وهذه الاجراءات المنصوص عليها من خلال الفصول 17/24/27 قد تساهم في تبسيط مسطرة التحفيظ وتخفيف النزاعات العقارية بضبط الوعاء العقاري وتسهيل عملية التحفيظ .
ولعل أهم مقتضى في هذا القانون هو إمكانية المحافظ على تقديم طلب إلى الوكيل الملك لتسخير القوة العمومية انسجاما مع تطبيق الحكامة الجيدة وتحقيق الأمن العقاري بحماية الملكية العقارية التي هي من صميم دستور 2011.
من أجل التحكم في العقار، وتحسين حاكمته، لم تكتف الدولة بإحداث وإنشاء مؤسسات عمومية ذات طابع مركزي مكلفة بتدبير الثروة العقارية العامة منها والخاصة، بل سارعت إلى إحداث وإنشاء مؤسسات عمومية على المستوى الترابي، من أجل القيام بتدبير مختلف العقارات جهويا أو محليا، فالتدبير الترابي للعقار لا يمكن فصله عن نظام الجهوية الموسعة التي تقوم عليه الدولة ولا عن سياسة للاتركيز الإداري، وما يتبعها من سياسة عمومية أخرى من أهمها التدبير اللامتمركز للاستثمار .
لقد استأثر موضوع الاستثمار باهتمام كافة المكونات المجتمع، وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 09 يناير 2002 رسالة ملكية سامية إلى الوزير الأولى آنذاك، تعتبر بمثابة حجر الزاوية في مسلسل إنعاش الاستثمار والرقي به، باعتباره المحفز المحوري للبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، والتي دعى فيها جلالته إلى إحداث المراكز الجهوية للاستثمار وتفعيلها على مستوى الواقع، في سبيل التأصيل الفعلي لرؤية جديدة لتدبير الاستثمار، قوامها عدم تمركز الاستثمار، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
وفي هذا الإطار، لقد تم إحداث المراكز الجهوية للاستثمار، هي عبارة عن مصالح خارجية لوزارة الداخلية موضوعة تحت وصاية الولاة، وتطلع بثلاثة مهام رئيسة تسهيل العقبات الإدارية عند إنشاء المقاولات باعتبارها بمثابة الشباك وحيد لإنشاء الشركات التي يقل رأسمالها 200 مليون درهم، والمساعدة المقاولات الراغبة في الاستثمار داخل الجهة .
وعلى هذا الأساس تضمنت رؤية الإصلاح الخاصة بالمراكز الجهوية للاستثمار، وإعادة النظر في المجال القانوني والمالي، ووضع آليات فعالة وناجعة لإنعاش الاستثمار، وتبسيط المساطر الادارية، بالإضافة إلى تأهيل المراكز لتصبح جاذبة للاستثمار على المستوى الترابي.
وبخصوص دور المراكز الجهوية للاستثمار في تدبير العقار، فإن المعلومات العقارية التي من المفروض أن تكون متاحة لهذه المراكز الجهوية لكي تزود بها المستثمرين ، فإنها تتوفر لدى جهات إدارية ومؤسسات عمومية أخرى، مثل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، إضافة إلى الوكالات الحضرية، وباقي القطاعات الوزارية المدبرة للعقار العمومي خاصة ، لذلك فالأكيد أن ذلك سوف يكون عائقا أمام اضطلاع هذه المراكز بأدوارها كما يجب وتكون في حاجة للولوج إلى قاعدة المعطيات المتعلقة بالعقار، وهو ما يعبر عنه بالتضخم المؤسساتي، الذي لا يوجد له أي حل، سوى نهج سياسة التوحيد المؤسساتي .
وما يمكن قوله في هذا الإطار، لا يمكن تحقيق حكامة عقارية وتحقيق التنمية بشرية شاملة إلا بربط المسؤولية بالمحاسبة هذا ما كرسه دستور المغربي لسنة 2011، في الفصل 154. بحيث، هذا الفصل يحدد الالتزامات والوجبات الملقاة على عاتق أي مسؤول كيفما كان حتى لا يخل بذلك في إطار ممارسته لمهامه.
ثانيا: الرهان السياسي
إن تنفيذ الأوراش الكبرى التي عرفتها بلادنا مند اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وكذا تفعيلا للإصلاحات السياسية والاجتماعية التي توجب بدورها بإصدار دستور 2011، يستلزم إلتزام جميع المؤسسات الوطنية بمواصلة إنجازاتها وفقا لبنود الدستور، وكذا تفعيل العديد من الاصلاحات على المستوى السياسة العامة بما فيها السياسة العقارية، بهدف ترشيد النظام العقاري لجعله أكثر فعالية ونجاعة.
في هذا الصدد إن السياسة العقارية هي سياسة عرضانية تؤثر بشكل مباشر على باقي استراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، سواء على المستوى بلورتها أو تنزيلها، كما أن لها تأثير مباشر على تنمية المجالات الترابية وتهيئها وكذا على حركية المواطنين والمواطنات. لذا ينبغي أن تكون السياسة العقارية منسجمة مع التوجهات العامة لدينامية تنمية البلاد، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما يتعين أن تكون متجانسة مع السياسات الأخرى التي ترتبط بها. ويجب أن تمكن السياسة العقارية من تعبئة العقار بتكلفة معقولة لفائدة المستثمرين ولصالح المشاريع التي تنفذها الدولة، سواء تعلق الأمر بإحداث مناطق صناعية جديدة، أو تدبير التوسع والتحول العمراني أو مواكبة السياسات الفلاحية .
ومن من بين مظاهر أزمة السياسة العقارية التي تعتبر العامل التشريعي من أهم العوامل المتسببة فيها، هناك انعدام سياسة واضحة لتكوين الرصيد العقاري الاستراتيجي للدولة، الذي يمكنها من تنفيذ سيادتها العمومية في شتى المجالات المرتبطة بالعقار وتوفير مختلف الخدمات العمومية للمواطنين، حيث لاحظ المهتمون والباحثون، على انعدام وجد مخطط أو توجه، أو تجربة عامة وشاملة وملموسة وواضحة للاحتياط العقاري، وهو ما يجعل الدولة تلجأ إلى الآليات البديلة أو الاستثنائية التي تكون مكلفة ماليا وعقاريا واجتماعيا .
لقد بات معروفا، أن المغرب لا يتوفر على سياسة عقارية لإصلاح وتوجيه نظام العقاري ، والرسالة الملكية حول السياسة العقارية للدولة، خير دليل على ذلك، وما أسفرت عنه مخرجات دراسة المجلس الاقتصادي والبيئي، فالعقار لا زال يفتقد إلى السياسة قطاعية حقيقة خاصة، ويفتقد إلى مرجعية وطنية شاملة وفعالة وملزمة للمخططات التنموية العقارية، ويعتمد على توجهات تنموية مغلبه للاختيارات التنظيمية، المصبوغة بطابع الارتجالية والآنية، ويبقى العامل القانوني المتمثل في تراكم وتشتت القوانين العقارية من بين أهم العوامل التي تسببت في انعدام هذه السياسة .
وقد ساهم التضخم التشريعي المتمثل في تعدد أشكال الأنظمة العقارية وتقسيماتها وتعدد النصوص القانونية العقارية وتشتتها، هذا له انعكاس مباشر على تضخم المؤسسات المسؤولة على تدبير القطاع العقاري، فهما وجهان لعملة واحدة، لذا يمكن جزمها على وجود علاقة سببية بين التضخم المؤسساتي والأمن العقاري، حيت تضيع السلطة وتهدر المسؤوليات، عندما تتعدد مراكز القرار، وهو ما يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي ضياع الحقوق، الذي هو عنوان لانعدام الأمن العقاري .
لقد نجم عن هذا الإطار الحالي لتدبير الأنظمة العقارية الذي يتسم بتعددية الأنظمة القانونية، العديد من الثغرات والممارسات غير السليمة، تحصين غير مضمون للحقوق، السطو على العقارات، المعاملات غير النظامية، المضاربة، التوزيع غير العادل، وتدهور النظم الإيكولوجية.
فإن السياسة التشريعية العقارية لم تعد تتلاءم مع التغيرات ورهانات الاجتماعية والاقتصادية، فإن هذه الساسة التي كانت تهدف في الأصل إلى حماية أصناف معية من الأراضي، الملك الغابوي، والأراضي الجماعية، والملك العام…، لم تعد تستجيب لمتطلبات التنمية.

خاتمة
تعتبر الوضعية العقارية في مختلف البلدان من أهم المجالات التي تحظى بالأولوية في كل المخططات القانونية والاقتصادية، وتعزى هذه إلى الدور الذي يؤديه العقار داخل منظومة التنمية باعتباره الفضاء الذي تتفاعل فيه مختلف وسائل الانتاجية والاستثمار الأمر الذي يجعل من المحافظة عليه والرفع من قدراته الاقتصادية واستقرار المعاملات، شرطا أوليا لكل إقلاع اقتصادي وتنموي. فلا يمكن تصور نجاح أي تنمية الاجتماعية أو سياسة عمومية دون ضبط العقار وتنظيمه بشكل يتلاءم مع مبادئ الحكامة الجيدة عامة والحكامة العقارية خاصة، وينتج عن هذه الأخيرة جملة من نتائج، من آجل إرساء حكامة عقارية فعالة تتوفر على المستويين الوطني والجهوي يجب الأخذ بعين الاعتبار إلى بعض المقترحات :
• تعزيز آلية تنسيق تدبير المجال العقاري على المستوى الوطني والجهوي، من خلال إحداث مؤسسة على الصعيد الوطني لتنسيق العمل في المجال العقاري، مع تخويلها الصلاحيات والمكانة المؤسساتية وآلية الحكامة اللازمة.
• تحسين الاتقائية السياسة المتعلقة بإعداد التراب الوطني، وذلك بهدف تحسين فعالية السياسة العقارية وضمان تجانس عملية التخطيط في المناطق القروية والحضرية.
• تسير حل المنازعات العقارية من خلال إحداث غرق متخصصة في القضايا العقارية داخل المحاكم.
• تطبيق الإمكانات التي توفرها الرقمنة لمواصلة تطوير منظومة التحفيظ العقاري، وتحصين الحقوق العقارية.
• ممانعة اللوبيات التي اغتنت من العقار مستغلة التباينات والثغرات التي تعتري نظام التحفيظ.

لائحة المراجع:
– سعيد جفري، الحكامة وأخوتها، مقاربة في المفهوم ورهانات الطموح المغربي، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة الأولى 2010.
– إدريس اجويلل، الحكامة العقارية وتحقيق التنمية، أشغال الندوة الوطنية المنظمة 25 و 26 نونبر 2016 بعنوان العقار والتعمير والاستثمار، الجزء الأول.
– أشن وائل، سياسة إعداد التراب الوطني والتعمير بالمغرب ورهانات التنمية المجالية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، وحدة القانون العام والعلوم السياسية، مختبر البحث حول الانتقال الديمقراطي المقارن، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية، 2016-2017.
– أشغال ندوة ” العقار و الاستثمار”، اليوم الدراسي المنظم من طرف عمالة إقليم الحوز والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للحوز بتعاون مع مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق، 19 يونيو 2003
– إدريس الفاخوري ، الوسيط في نظام التحفيظ العقاري، الطبعة الأولى سنة 2018، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
– نجيم أهتوت، المنازعات المثارة بصدد مسطرة الحجز التنفيذي العقاري ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعة 2012-2013.
– عبد القادر بوحامد، الاستثمار العقاري في قطاع الاسكان بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2005-2004.
– أستاذتنا حنان سعيدي، الوسيط في شرح القانون رقم 39.08 المتعلق بالحقوق العينية- الحقوق العينية الأصلية- الجزء الأول، المطبعة، مكتبة وراق زاكيو إخوان، الطبعة، سنة 2021، الناشر، مركز النسخ المعرفة، القنيطرة.
– تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي، العقار في المغرب رافعة أساسية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي، إحالة رقم 25/2019.
– كريم لحرش، الدستور الجديد للمملكة المغربية، شرح وتحليل، الطبعة الثانية 2016، توزيع مكتبة الرشاد سطات.
– الهادي مقداد، السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.
– حميد بلمكي، صناعة التشريع العقاري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة مولاي اسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد والتدبير، مختبر البحث، القانون والتنمية، السنة الجامعية، 2020-2021 .
– محمد بنعليلو، القرار الاستثماري بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، السنة الجامعية، 2016-2017 .
– محمد الراقي، الاستلاء على عقارات الأجانب والمتغيبين بالمغرب، زعزعة للأمن العقاري، مجلة الأطلس للدراسات الفقهية والقانونية والاقتصادية والقضائية، العدد الأول، 2017، ملف خاص، ظاهرة الاستلاء على العقارات الغير.
– محمد زعاج، آثار تعدد التشريعات والأنظمة العقارية والتوثيقية على السياسة العقارية بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجده السنة الجامعية، 2015-2016.
– A. DURAND-LASSERVE et É. Le ROY, 2012, La situation foncière en Afrique à l’horizon 2050, AFD.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى