سبل الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية خلال انتشار جائحة كوفيد 19 – الباحثة : مريم الحيداوي
سبل الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية خلال انتشار جائحة كوفيد 19
Les voies d’exonération de responsabilité résultant de la rupture d’exécution des contrats commerciaux internationaux lors de la propagation de la pandémie de Covid-19
الباحثة : مريم الحيداوي
طالبة باحثة في صف الدكتوراه تخصص قانون خاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية
جامعة القاضي عياض مراكش
ملخص:
من خلال دراستنا لموضوع “سبل الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية خلال انتشار جائحة كوفيد 19″، يتضح أن هذا الأخير تطرق إلى مجموعة من النقاط القانونية الأساسية والتي يمكن تلخيصها في محورين أساسيين، الأول يرتبط بشروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا لقانون الالتزامات والعقود المغربي.
حيث تطرق هذا المحور إلى الشروط اللازمة للإعفاء من المسؤولية نتيجة الاخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية (تكييف جائحة كورونا كقوة قاهرة أو تكييفها كظرف طارئ)، مع ضرورة تبيان شروط تحقق القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.
أما بخصوص المحور الثاني والمتعلق بشروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا للاتفاقيات الدولية، فهذا الأخير حاولنا من خلاله التطرق إلى كل من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع، وكذا مبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010 كشرط من شروط تحقق المسؤولية.
Abstract:
Through our study of the topic “Ways to exempt from liability resulting from the breach of the implementation of international trade contracts during the spread of the Covid-19 pandemic”, it is clear that the latter touched on a set of basic legal points, which can be summarized in two main axes, the first is related to the conditions for achieving exemption from liability resulting from breach of the implementation of international trade contracts in accordance with the Moroccan Code of Obligations and Contracts.
This axis dealt with the conditions necessary for exemption from liability as a result of breach of the implementation of international trade contracts (adapting the Corona pandemic as force majeure or adapting it as an emergency circumstance), with the need to clarify the conditions for achieving force majeure or sudden accident.
With regard to the second axis, which concerns the conditions for the realization of exemption from liability resulting from the breach of the performance of international trade contracts in accordance with international conventions, the latter has tried to address both the United Nations Convention on the International Sale of Goods and the Unidroit Principles of International Trade Contracts of 2010 as a condition for the realization of liability.
مقدمة:
إذا كانت القوانين الوطنية قد وضعت حدودا لكافة التصرفات التي تكون محلا لإبرام العقد بحيث إذا ما خالف أحد أطرافه هذه الحدود ونتج عن هذه المخالفة ضررا بالطرف الآخر جاز له الرجوع عليه، للحصول على التعويض الذي يساعده في التغلب عليه وتخطيه وهو ما يعرف بالمسؤولية العقدية، فإن الاتفاقيات الدولية تبنت ما سارت عليه القوانين الوطنية في نطاق عقود التجارة الدولية، إذ يلتزم كلا من أطرف العقد (المشتري، البائع) بتنفيذ تعهداتهم من خلال الوفاء بالتزاماتهم المتقابلة، ومنه فأي تقصير في التنفيذ ينشأ الحق لأحد الأطراف أن يلجأ إلى القضاء لإلزام الطرف المخالف في التنفيذ بالتعويض حتى وإن لم يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطرف الآخر.
لكن لا يمكن الاعتداد على ما سبق كمبدأ عام يطبق على كافة حالات عقود التجارة الدولية التي تتميز بالاتساع وطول فترة تنفيذها مما يمكن معه الحديث عن تعرضها لأحداث مفاجئة وغير متوقعة محل اعتبار، بحيث يصبح معه تنفيذ العقد غير ممكن بل مستحيلا باعتبارها قوة قاهرة حالت دون تنفيذه كما هو في حالت انتشار جائحة كورونا، الذي اجتاح العالم وما تبع ذلك من إجراءات احترازية من حظر التجوال الكلي وتوقف حركة الملاحة بين الدول وإغلاق الحدود، وهو ما كان له أثر بالغ على قيام العقد واستمراره بين أطرافه بل وعلى قدرة الأطراف على تحمل المسؤولية القانونية عن إخلالهم في الوفاء بالتزاماتهم تجاه بعضهم البعض نتيجة توقف الحياة الصناعية والتجارية، مما قد ينشأ عنه الزامه بتعويض الطرف الآخر رغم استعداده لتنفيذ بنودها، إذ أدى فرض حظر التجوال إلى توقف حركة التنقل والإنتاج وهو ما يشكل عائق يحول دون تنفيذ العقود المبرمة خلال الفترة السابقة على انتشار جائحة كوفيد 19.
الشيء الذي دفع كل من المشرعين الوطني والدولي منذ زمن ليس بالقريب التدخل لوضع شروط لإعفاء الأطراف المتعاقدة من تحمل مسؤولية التعويض عن عدم تنفيذ عقود التجارة الدولية حال حدوث قوة قاهرة وهو ما تحقق بانتشار جائحة كوفيد 19 وثبوتها بما يحول دون تنفيذه بقوة القانون.
ولهذا وضع المشرعين الوطني والدولي شروطا قاسية لتطبيقها على عملية التوقف أو الامتناع عن التنفيذ العقدي أو أحد بنوده الجوهرية باعتبارها سياج يحمي طرفا العقد.
ومنه اشترطا المشرعين الوطني والدولي أن يمثل عائقا خارج عن إرادة طرفي العقد مما يحول دون تنفيذه ويستوي في ذلك أن يكون العائق مؤقتا أو مطلق، كما اشترطا استحالة دفع الحدث وعدم توقعه عند إبرام العقود وإلا كان بمقدور الطرفين تخطيه والبحث عن حل له في مرحلة المفاوضات، وبالتالي ينتفي عامل المباغتة التي لم تكن في حسبان طرفي العقد بما يمنحهم الوقت الكافي لإمكانية دفعه، على أن ينشأ عن ذلك خللا في التوازن العقدي لعقود التجارة الدولية المبرمة.
وعليه فالإشكالية المحورية لهذا الموضوع يمكن طرحها على شكل سؤال كالتالي: كيف يمكن للطرف المخالف لتنفيذ عقود التجارة الدولية بسبب جائحة كوفيد 19 التحلل أو الإعفاء من مسؤولية أداء التعويض للطرف المتضرر؟؟
من أجل الجواب على هذه الإشكالية لا بد من التطرق إلى نقطتين قانونيتين أساسيتين وفق التصميم التالي:
المطلب الأول: شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا لقانون الالتزامات والعقود المغربي
المطلب الثاني: شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا للاتفاقيات الدولية
المطلب الأول: شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا لقانون الالتزامات والعقود المغربي
منخلال هذا المطلب سنتطرق إلى ثلاث نقاط قانونية أساسية، ولهما التكييف القانوني لجائحة كورونا كقوة قاهرة أو ظرف طارئ (الفقرة الأولى)، تانيهماشروط تحقق القوة القاهرة (الفقرة الثانية)، وثالتهما تأثير جائحة كورونا على مكان وزمان اختلال العقود التجارية الدولية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: التكييف القانوني لجائحة كورونا كقوة قاهرة أو ظرف طارئ
أولا: تكييف الجائحة كقوة قاهرة
بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي يتبين أن المشرع عرف القوة القاهرة force majeure من خلال الفصل 269 الذي جاء فيه ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد)وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، ولايعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، مالم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه، وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
من خلال استقراء مضمون الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي أعلاه، يتبين أن القوة القاهرة كواقعة مادية في حالة تحقق شروطها تصبح سببا من الأسباب القانونية الكافية لوحدها من تحلل وإعفاء المدين من تنفيذ التزاماته العقدية دون تحمل أي مسؤولية مدنية بسبب عدم تنفيذه الالتزامات الملقاة عل عاتقه بسبب القوة القاهرة.
وبالرجوع إلى التعريف الذي أعطاه الفقيه الروماني البيان للقوة القاهرة نجده يتماشى إلى حد كبير مع التعريف الذي جاء به المشرع المغربي ف إطار الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، حيث عرف الفقيه اليوناني القوة القاهرة على أنها: “كل مالم يكن في وسع الآدمي أن يتوقعه وإذا أمكن توقعه فإنه لا يمكن مقاومته”.
والقوة القاهرة أو الحادث الفجائي حدث منبت الصلة عن نشاط المدين يمكنه أن يحتج به لطلب الإعفاء من تنفيذ الالتزامات.
وقد اختلف الفقه في التفرقة بين المصطلحين إلا أن الراجح هو أنه لا فرق بينهما والأمر نفسه سواء على مستوى نصوص القانون الفرنسي التي لا تعطي أي تلميح للتفرقة بينهما أو على مستوى القضاء الفرنسي الذي لم يقم هو الآخر بالتفرقة بينهما.
ثانيا: تكييف الجائحة كظرف طارئ
يمكن تعريف نظرية الطارئة بصورة عامة أنه في حال طرأت تغيرات في الظروف لم يكن في وسع طرفي العقد توقعها أثناء التعاقد وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام العقدي وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا لطرفي العقد (أي اختلال التوازن الاقتصادي للعقد)، تحمل بين طياتها خسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة طرفي العقد بصفة عامة والعقد التجاري الدولي بصفة خاصة، أن ير الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وبالتالي لنظرية الظروف الطارئة شروط أربعة لإمكانية إعمال آليتها:
أ/ أن يكون التغير في الظروف تغيرا استثنائيا أثناء تنفيذ الموجب،
ب/ أن يكون التغير في الظروف غير متوقع عند إبرام العقد،
ت/ وجوب ألا يكون أحد أطراف العقد قد قبل سلفا تحمل تبعة تغير الظروف،
ث/أن تجعل هذه الحوادث تنفيذ الالتزام مرهقا لا مستحيلا.
كما عرف الفقه الحادث الاستثنائي أو ما يسمى بالظرف الطارئ بأنه كل حادث عام لاحق على تكوين العقد وغير متوقع الحصول أثناء التعاقد ينجم عنه اختلال بين المنافع المتولدة عن العقد يؤدي إلى تراخي تنفيذه إلى أجل أو آجال، بحيث يصبح تنفيذ المدين لالتزامه كما أوجبه العقد يرهقه إرهاقا شديدا، يتهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في خسارة تجارة.
وهنا يثار التساؤل حال حصول الجائحة فمتى يمكن للمدين أن يحتج بالظرف الطارئ ليحق له المطالبة بتعديل بنود العقد، فمثلا تبرم شركة عقد توريد بضاعة لفندق، فالعقد سيراعي الظروف الاقتصادية لحظة إبرام العقد ثم تأتي الجائحة الغير المتوقعة فتؤدي لتعذر استيراد البضاعة محل الالتزام فترتفع أسعارها بصورة فادحة، وهنا لا مجال للمطالبة بفسخ العقد بحجة القوة القاهرة، فمازال بإمكان الشركة تنفيذ العقد لكنها تدعي أنها ستتعرض لخسارة فادحة تتجاوز المألوف، بمعنى حصول اختلال بالتوازن يتطلب تدخل القاضي، مع وجوب ملاحظة أن تأتي آثار الظروف الطارئة بسبب الجائحة، ففي مثالنا السابق يفترض مراعاة حصول الإرهاق واختلال الأسعار خلال مدة الجائحة.
الفقرة الثانية: شروط تحقق القوة القاهرة
من خلال الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي يتضح أن شروط تحقق القوة القاهرة ثلاثة وهي: عدمالتوقع، استحالةالدفع، انعدام خطأ المدين.
1/عدم التوقع
يعد عدم التوقع من بين الشروط الجوهرية لتحقق القوة القاهرة، لهذا يجب على المدين ألا يتوقع حدوث هذا الفعل أثناء مرحلة التعاقد.
2/استحالة الدفع
دائما بالاعتماد على مضمون الفصل 269 السالف الذكر، يتبين لنا أن المشرع أخد باستحالة الدفع كشرط ومكون أساسي في قيام القوة القاهرة.
واستحالة الدفع تتمثل هنا في كون المدين لايملك القدرة والطاقة اللازمة لمواجهة ومقاومة الوقائع التي تشكل خطرا يهدد مصالحه من جهة ومن جهة أخرى سيرهقه بتحمل عبئ تعويض الأضرار الناشئة عن هذا الخطر للمتعاقد الثاني.
3/انعدام خطأ المدين
تناول المشرع هذا الشرط من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
والمقصود بانعدام خطأ المدين ألا يكون لهذا الأخير دخل وعلاقة بوقوع الفعل كأن يصدر عنه خطأ أدى أو ساهم في وقوع الواقعة المشكلة للقوة القاهرة.
وتأسيسا على ما سبق ذكره، فإن قيام الشروط الثلاث المكونة للقوة القاهرة وتحققها يؤدي إلى استحالة تنفيذ المدين لالتزاماته الواردة في العقد التجاري الدولي بسبب القوة القاهرة.
وبما أن جائحة كورونا تم تكييفها على أنها قوة قاهرة، يصبح معه القول أن هذه الجائحة تدخل في إطار القوة القاهرة مادامت تتحقق شروطها وتنطبق على هذا الوباء.
وهذا الاتجاه هو الذي تبناه القضاء المقارن وبالخصوص القضاء الفرنسي حيث اعتبر جائحة كورونا قوة قاهرة, وهذا ما أخذت به أحد المحاكم الفرنسية حينما “اعتبرت أن المستأنف الذي يطالب بتأجيل تنفيذه مستندا إلى توافر القوة القاهرة ليس على حق وذلك تأسيسا على العرض المقدم منه بالتعاقد قد تم بتاريخ لاحق على 30 يناير 2020 الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية عن جائحة كورونا وكذا إعلان كل من ايطاليا وفرنسا عن إجراءات قسرية تتعلق بالجائحة، غير أن هذه الإجراءات القسرية لم تمنع من إمكانية تأسيس الشركة التي تم الاتفاق على شرائها لأصول الشركة المستأنف ضدها”.
كما صدر قرار عن الغرفة السادسة بمحكمة الاستئناف “كولمار” الفرنسية بتاريخ 12/مارس/2020 رقم 80/2020 وقد اعتبرت المحكمة مصدرة القرار الأنف ذكره أن فيروس كورونا المنتشر عالميا يتصف فعليا ب “القوة القاهرة”، وأن الأوضاع التي يشهدها العالم هي استثنائية ولا يمكن مقاومتها.
حيث جاء في مضمون ما خلص إليه القرار المذكور أعلاه، بأن فيروس كوفيد19 يشكل في ظرفه قوة قاهرة مع ما تستتبعه هذه الأخيرة من مفاعيل وآثار قانونية.
وورد في حيثيات القرار لاستئنافي المذكور، أن المستأنف تعذر عليه حضور الجلسة أمام محكمة الاستئناف كولمار-الغرفة السادسة بسبب الظروف الاستثنائية التي لا يمكن مقاومتها والتي تتكيف بطبيعتها مع حالة القوة القاهرة المتصلة بالوباء المنتشر عالميا كوفيد19.
وصفوة القول يمكننا اعتبار بأن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة مادامت شروط تحققها قائمة، كما حددها المشرع المغربي في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود.
واعتمادا كذلك على ما ذهب إليه القضاء الفرنسي من خلال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف كولمار بتاريخ12/مارس/2020.
أما القضاء المغربي لم تسمح له الفرصة في بداية انتشار فيروس كورونا بإصدار أحكام وقرارات قضائية على اعتبار أن جلسات المحاكم كانت معلقة طيلة فترة الحجر الصحي الذي تم اتخاذه في إطار الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بالمملكة.
لكن بعد رفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية انكب كم هائل من القضايا والمنازعات بمختلف أشكالها وأنواعها، الشيء الذي دفع القضاء المغربي بإتباع ما سلكه القضاء المقارن وإصدار أوامر وأحكام قضائية تثبت أن جائحة كورونا بمثابة قوة قاهرة متى استطاع المدين إثبات تحقق شروطها أي القوة القاهرة.
وفي هذا السياق نجد حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش هو الآخر اعتبر جائحة كورونا قوة قاهرة.
الفقرة الثالثة: تأثير جائحة كورونا على مكان وزمان اختلال العقود التجارية الدولية
ما يلزم بيانه هو أن مطالبة الأطراف بتعديل الالتزامات العقدية بسبب الجائحة يلزم تحديد عدة مسائل، فالعقود التجارية الدولية التي حصلت قبل ظهور جائحة كورونا وكانت مرتبطة بالمناطق التي ظهرت بها يمكن المطالبة بتعديل الالتزامات العقدية، أكانت قوة قاهرة أو ظرفا طارئا، أما العقود التجارية الدولية التي أبرمت بعد ظهور الجائحة، فلا يمكنها بأي حال الاستفادة من القوة القاهرة والظرف الطارئ لأن إعلان الحكومة الصينية أنه وباء يجعلها جائحة متوقعة.
وتبقى العقود التي أبرمت وكانت بعيدة عن منطقة ظهور الجائحة ولا ترتبط بها بأي حال، فيمكن الاحتجاج بالجائحة إن حصلت في مكان إبرام العقد وأعلن عنها لاحقا، لكن بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أنها جائحة تهدد دول العالم جميعا فيفترض ألا يحتج المتعاقدون بها لتعديل بنود العقد لاسيما أن أغلب المطارات وطرق النقل البري والجوي والبحري قد تأثرت بجائحة كورونا، لذا يكون أمرا متوقعا عدم القدرة على تنفيذ الالتزامات أو حتى التأخر في التنفيذ.
المطلب الثاني: شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية الناجمة عن الإخلال بتنفيذ عقود التجارة الدولية طبقا للاتفاقيات الدولية
من خلال هذا المطلب سنتناول شروط الإعفاء من المسؤولية طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع (الفقرة الأولى)، ثم شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية طبقا لمبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط الإعفاء من المسؤولية طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع
وتجدر الإشارة في بداية هذه الفقرة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع استخدمت لفظ “عائق” أي مانع يحول دون تنفيذ العقد التجاري الدولي طبقا للمادة 79 من هذه الاتفاقية، على خلاف قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي استعمل لفظ “القوة القاهرة أو الحادث الفجائي” طبقا للفصل 95 منه الذي نص على أن:(لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي أو إذا كان الضرر قد نتج عن حادث فجائي أو قوة قاهرة).
وبالرجوع إلى المادة 79 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع نجدها تنص على أن:(لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا أتبث أن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وأنه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد وأن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب عليه أو على عواقبه).
إذن من خلال قراءة مقتضيات المادة أعلاه يتضح أن الاتفاقية نصت على ثلاثة شروط لإعفاء الطرف المخالف لتنفيذ عقود التجارة الدولية بسبب وجود عائق حال دون القدرة على الوفاء بالالتزامات الواقعة على عاتقه، وهي نفس الشروط التي نص عليها الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود السالف الذكر أعلاه وهي: وجود عائق، استحالة الدفع، عدم التوقع.
غير أن هذه الاتفاقية أضافت شرطا آخر وهو المنصوص عليه في الفقرة 4 من المادة 79 (يجب على الطرف الذي لم ينفذ التزاماته أن يوجه إخطارا إلى الطرف الآخر بالعائق وأثره في قدرته على التنفيذ).
كما نصت نفس المادة أعلاه على أنه: (إذا لم يصل الإخطار إلى الطرف الآخر خلال مدة معقولة بعد أن يكون الطرف الذي لم ينفذ التزاماته قد علم بالعائق أو كان من واجبه أن يعلم به فعندئذ يكون مسؤولا عن التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم استلام الإخطار المذكور).
من خلال قراءة نص المادة أعلاه يتضح أن الاتفاقية اشترطت أن يتم هذا الإخطار خلال فترة معقولة من تاريخ علمه بوجود فيروس كورونا باعتباره عائقا أو كان بمقدوره أن يعلم بانتشاره ويتحقق العلم بمجرد إعلان حالة الطوارئ الصحية من منظمة الصحة العالمية.
وعليه فان الطرف الذي ينفذ التزامه يسأل عن عدم التنفيذ إذا لم يتخذ الإجراءات التي تناولتها الاتفاقية وفي الوقت المحدد، ولعل ذلك مرجعه هو اختلاف مفهوم العائق من مكان لآخر قد ينتشر الفيروس في دولة ليس لها علاقة بتنفيذ العقد وقد ينتشر بالدولة المتفق على أنها ستكون محط للبضائع موضوع العقد، وبالتالي فإن عدم إخطار الطرف الآخر يحمل في طياته معنى عدم تعرض البلاد لفيروس كورونا بما يصبح معه تنفيذ العقد ممكنا بما ينتفي معه توافر العائق في التنفيذ، لذا يلتزم بتعويض الطرف الآخر عن كافة الأضرار التي تلحق به نتيجة عدم تنفيذه، كما يعد ذلك تنازلا من الطرف الملزم بالإخطار عن حقه الذي منحته له الاتفاقية في الاستفادة من المكنات التي منحتها لطرفي العقد عند مواجهتهم لعائق يحول دون التنفيذ وهو ما يظهر بوضوح في نص الفقرة 4 من المادة 79 من الاتفاقية السالفة الذكر(.. وإذا لم يصل الإخطار إلى الطرف الآخر خلال مدة معقولة بعد أن يكون الطرف الذي لم ينفذ التزاماته قد علم بالعائق أو كان من واجبه أن يعلم به فعندئذ يكون مسؤولا عن التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم استلام الإخطار المذكور).
هذا فيما يتعلق بالبضائع أما فيما يتعلق بباقي أنواع عقود التجارة الدولية والتي تنطبق على البضائع أيضا فقد تناولتها بالمعالجة المبادئ التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي والمعروفة بمبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010 والتي تناولت مصطلح الظروف الشاقة، وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: شروط تحقق الإعفاء من المسؤولية طبقا لمبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010
أول ما يمكن الإشارة إليه في هذه الفقرة هو أن مبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010 أطلقت على لفظ المانع تسمية “الظروف الشاقة” وذلك طبقا للمادة 6-2-2 من مبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية.
وهكذا نصت المادة 6-2-2 من مبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010على أنه: (تتوافر الظروف الشاقة إذا وقعت أحداث تخل بصورة جوهرية بتوازن العقد إما بدفع تكاليف التنفيذ على أحد الأطراف وأما بخفض قيمة ما يتلقاه أحد الأطراف ويتعين توافر ما يلي:
1/أن تقع هذه الأحداث أو يعلم بها الطرف الذي تعرض لها بعد إبرام العقد
2/ألا يمكن أخذ هذه الأحداث في الحسبان بصورة معولة من قبل الطرف الذي تعرض لها عند إبرام العقد
3/أن تكون هذه الأحداث خارجة عن سيطرة الطرف الذي تعرض لها
4/ألا يكون الطرف الذي تعرض لهذه الأحداث قد تحمل بخطر وقوع هذه الظروف).
إن عدم التنبؤ أو التوقع بحدوث وباء ما يعد من ضمن الشروط التي تطرقت إليها كل من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع السالفة الذكر وكذا مبادئ اليونيدروا لعقود التجارة الدولية لعام 2010,بالإضافة إلى القوانين الوطنية التي نظمت شروط القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.
ولعل ذلك راجع أن الطرفين إذا كان بمقدورهم التنبؤ بوقوع فيروس كورونا باعتباره حدث غير متوقع لكان باستطاعتهما طرح كافة التساؤلات والحلول أثناء المفاوضات التي تمكنهم من البحث بشأنه للوقوف على الحل المناسب للطرفين لمواجهته دون الإخلال بالتوازن العقدي الذي من أجله تدخل المشرع لمعالجة ما يعتريه من خلل عند حدوث قوة قاهرة والتي قد تتمثل في انتشار فيروس كورونا لإعادته إلى طبيعته في الأوقات العادية وهو ما ينطبق على الحدث المتوقع حدوثه في المستقبل بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه.
ومنه فأي حدث يقع في الفترة السابقة على إبرام العقد أو التالية لانتهائه وفقا بالنسبة لتحقق القوة القاهرة من عدمه لا تخضع لبنوده فالفترة التي يسأل عنها هي الفترة التالية لإبرامه والسابقة على انتهائه.
وهو ما كان محلا للمعالجة أيضا من قبل اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع اتفاقية فيينا 1980 إذ لم تغفل هي الأخرى شرط عدم توقع حدوث فيروس كورونا وتحوله إلى وباء عالمي، بحيث تناولت هذه الاتفاقية هذا الشرط في المادة79 السالفة الذكر وجعلت منه شرطا لانتفاء المسؤولية لأنه لو كان متوقعا لكان بالإمكان تفاديه عند إجراء المفاوضات.
وإلى جانب شروط التحلل من مسؤولية أداء التعويض في حالة عدم تنفيذ عقود التجارة الدولية السالفة الذكر، نذكر شرط آخر في غاية الأهمية ويتعلق الأمر ب الإخلال بالتوازن العقدي.
ووفقا لذلك يجب أن ينشأ عن تحقق العائق أو القوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو الظروف الشاقة إخلال بالتوازن العقدي، والذي يعد هو الجوهر والأساس والفيصل في الاستفادة من الإعفاء من المسؤولية المترتبة عن حدوث العائق من عدمه، لذا يكون من غير المجدي البحث عن الإعفاء من المسؤولية عن عدم التنفيذ في عقود التجارة الدولية حال تحقق العائق وشروطه دون أن ينتج آثاره من استحالة التنفيذ فقد تتحقق الشروط دون أن ينتج عنها إخلال بالتوازن العقدي وبالتالي يمكن الاعتماد على التوازن العقدي كمعيار يمكن الارتكاز عليه بعد البحث في توافر الشروط في العائق فإذا نتج عن العائق إخلالا بالتوازن العقدي فان للأطراف الخيار بين أمرين إما أن يلجأ إلى إعادة التفاوض ويكون هذا الإخلال محلا للنقاش والبحث عن حل بما يعيد إلى العقد توازنه، أو اعتباره مخالفة جوهرية يتم بموجبها إنهاء العقد بغض النظر عن درجة الإخلال الذي لحق بالتوازن العقدي فقد يكون بسيطا أو جسيما.
لائحة المراجع:
• محمد الكشبور: نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظرف الطارئ دراسة مقارنة بالمغرب وفي حرب الخليج، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1413-1993.
• محمد حسين علي الشامي: ركن الخطأ في المسؤولية المدنية دراسة مقارنة بين القانون المدني والمصري واليمني والفقه الإسلامي دار النهضة العربية القاهرة 1990.
• عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد مصادر الالتزام، المجلد الأول، منشورات الحلبي بيروت الطبعة الثالثة الجديدة.
المواقع الإلكترونية:
www.fes-lebanon.org
https//www.maroclaw
https//saintlouisavocats.com
القرارات القضائية للمحاكم الوطنية والفرنسية:
C.cass.civ.4 Aout 1915 ; Dpremieres partie ;1916.22 ; civ.2esect ;30 octobre1957 ; Dalloz 1958
Cass 1ére civ 3 octobre 1967-jcp 1968-II-15365
Cass ;2éeme civ ;10 octobre 1973 ; Bull n252
Cass ;2éme civ 10 octobre 1973 Bull n252 ; civ 6 mars 1959 G.P 1959 édition G.
حكم قضائي صادر عن المحكمة التجارية بمراكش رقم4020 صادر بتاريخ 21/12/2020 ملف رقم 1716/0782/2020.