مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 وسؤال النجاعة القضائية – أيوب ايت إعيش
مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23
وسؤال النجاعة القضائية
Developments in the Project Civil Procedure Law and the Issue of Judicial Efficiency
أيوب ايت إعيش
طالب باحث بسلك الماستر –كلية الحقوق اكادير
الملخص:
يهدف مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد إلى تعزيز النجاعة القضائية عبر إصلاحات إجرائية لتسريع البت في النزاعات. أبرز هذه الإصلاحات هي إعادة تنظيم قواعد الاختصاص النوعي والمحلي، بحيث يصبح الاختصاص النوعي من النظام العام ويُثار تلقائيًا من قبل المحاكم في أي مرحلة من الدعوى. كما يتضمن المشروع تقليص آجال الطعون، خاصة في القضايا الاستعجالية، وتقنين آجال البت في الدعاوى للحد من بطء التقاضي.من جهة أخرى، تم تنظيم مؤسسة “قاضي التنفيذ” للإشراف على تنفيذ الأحكام القضائية والبت في الإشكالات المتعلقة بها، مما يعزز ضمان احترام تنفيذ الأحكام في آجال معقولة. كما شهدت مساطر التبليغ إصلاحات جوهرية وهامة، كما يهدف المشروع إلى رقمنة الإجراءات القضائية عبر منصة إلكترونية موحدة تتيح إيداع المقالات والمذكرات والطعون، مما يسهم في تقليل التعامل الورقي وتسهيل سير المساطر القضائية.لكن المشروع يطرح تحديات قانونية وتطبيقية تتعلق بجاهزية البنية التحتية الرقمية، وتأثير تقليص آجال الطعون على حقوق المتقاضين، ويبقى السؤال قائمًا حول توافق المشروع مع الضمانات الدستورية للحق في التقاضي والمحاكمة العادلة.
Abstract:
The new Project Civil Procedure Law aims to enhance judicial efficiency by simplifying procedures and speeding up dispute resolution. Key reforms include reorganization of subject-matter jurisdiction, allowing courts to raise it ex officio, and reducing appeal deadlines, especially for urgent matters. It also introduces the “Enforcement Judge” to oversee the execution of rulings and updates service of process procedures with electronic notifications.The law promotes digitalization through a unified platform for filing pleadings and appeals, reducing paperwork.However, concerns remain about the digital infrastructure’s readiness, the impact of shortened appeal deadlines on litigants’ rights, and its compatibility with constitutional guarantees of fair trial.
تقديم
يعتبر قانون المسطرة المدنية كقانون شكلي، المحرك الرئيسي للقواعد الموضوعية كما يعد الشريعة العامة للقوانين الإجرائية الأخرى، بحيث تكون قواعده واجبة التطبيق سواء في الميدان الإداري أو التجاري أو الجنائي حين يعوزنا النص ونفتقر إلى قاعدة قانونية تساعد على البت في الخصومة،[1] إذ لا يمكن للأفراد اقتضاء حقوقهم إلا بعد معرفة مختلف الشكليات والقواعد الإجرائية الواجب التقيد بها، للوصول إلى الحق في إطار قانوني سليم.
ويعد موضوع مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 من أهم المواضيع التي شغلت بال الكثير من المهتمين بشأن الحقوقي، من ممارسين وباحثين وكل من له اهتمام بالموضوع، حيث آثار نقاشا يبدو طبيعيا بالنظر لمكانته في الترسانة القانونية الإجرائية، ومما لا يخفى على أحد من المهتمين أن مشروع قانون المسطرة المدنية حمل في طياته مجموعة من المستجدات التشريعية، الرامية إلى مواكبة التطور التشريعي الإجرائي على المستوى الدولي، بالإضافة إلى تكريس ولوج فعال ومنصف للعدالة، والقضاء على كثير من الإختلالات التي أفرزتها الممارسة القضائية والتطبيق العملي لقانون المسطرة المدنية.
وتنزيلا لتوصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة[2]، بالإضافة إلى تجسيد الإرادة الملكية السامية التي عبر عنها صاحب الجلالة في خطابه التاريخي ل 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب، حيث دعا جلالته إلى ضرورة الرفع من النجاعة القضائية، للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وضمان شفافية المساطر والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام القضائية.
ولعلى موضوع حديثنا في هذه المداخلة، ينصب حول سؤال النجاعة القضائية في ظل مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية المرتقب المصادقة عليه في القريب العاجل، لما له من أهمية في توطيد ثقة المواطنين بمرفق القضاء بمختلف مكوناته، بحيث ينصرف مفهوم النجاعة القضائية إلى ضرورة السلوك الأيسر للمساطر القضائية والقانونية في أسرع الأجال، اختصارا للزمن القضائي لتحقيق العدالة وذلك من خلال مجموعة من التدابير التي ترمي إلى تسهيل ولوج فعال للمتقاضين، وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتجويد الأحكام القضائية وتنفيذها والرقي بالخدمات القضائية وتطوير نظام المساعدة القضائية ثم تعميم المعلومة القانونية، كل هذا في إطار شعار واحد، يتجلى في شعار “القضاء في خدمه المواطن”.[3]
ولا ريب أن مشروع قانون المسطرة المدنية نحى بشكل لا مراء فيه إلى الرفع من الجودة في التقاضي وتحقيق النجاعة والفعالية، بالإضافة إلى تحقيق الحكامة القضائية في إطار النهوض بالوضع الحقوقي وبمنظومة العدالة ببلادنا، لما لها من تأثير مباشر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، لكن ودون أن نغفل ما يعتري المشروع من اختلالات على مستوى الشكل والمضمون على أمل تداركها في صيغته الأخيرة، وآمالنا جميعا أن يستجيب للمتطلبات المجتمعية وخصوصيات القضاء بالمغرب وتجاوز الاختلالات المطروحة.[4]
فإلى أي حد يمكن لمستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية تحقيق نجاعة وفعالية قضائية وتجاوز الإختلالات والإكراهات التي أفرزها تطبيق قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ.
– فما تجليات النجاعة القضائية في ضبط الدفع بعدم الاختصاص النوعي وضبط الآجالات؟
– وما هي تجليات أفق تحقيق النجاعة في تقنين الطعون وإعادة تنظيم حق التصدي وضبط ممارسة حق التقاضي كحق دستوري؟
– وما مستجدات رقمنة الإجراءات والمساطر القضائية وفعاليتها في تصريف الخدمات القضائية؟
– وما أفق ضمان النجاعة القضائية من خلال المستجدات التشريعية لمساطر التبليغ والتنفيذ؟
– وما سبل بلوغ أهداف تحقيق النجاعة والفعالية القضائية من خلال مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية؟
وتبعا لذلك، سنحاول الإجابة عن الأسئلة أعلاه من خلال التركيز على منهجية تحليل موضوع سؤال النجاعة القضائية من خلال مشروع قانون المسطرة المدنية، وفق للعناصر التالية:
المحور الأول: تجليات أفق تحقيق النجاعة القضائية في مشروع قانون المسطرة المدنية
المحور الثاني: سبل تحقيق النجاعة القضائية في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية
المحور الأول: تجليات أفق تحقيق النجاعة القضائية في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23
بقراءة متأنية لمشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 يتبين لنا أته حمل في طياته جملة من المقتضيات التشريعية الهامة، تروم تكريس مبادئ الحكامة القضائية التي تعد ضرورة لضمان الفعالية والمردودية في الأداء، سواء على المستوى القضائي أو الإداري.[5] وتحقيق النجاعة والفعالية على مستوى القضاء لن يتأتى إلا بمبادرة تشريعية بناءة وجريئة في إطار الإحترام التام لمبدأ التشاركية والإنصات للأخر والانفتاح على مختلف الهيئات والمؤسسات الفاعلة داخل الدولة الواحدة.
ولعل مشروع قانون المسطرة المدنية كقانون إجرائي المرتقب المصادقة عليه، يعد الشريعة العامة للقوانين الإجرائية، جاء بعد مسار طويل من الإعداد والمناقشة والتعديل بما يتلائم وخصوصيات القضاء بالمغرب، كل ذلك من أجل بناء قضاء في خدمة المواطن والرفع من الجودة والنجاعة في تصريف الخدمات القضائية بما يحقق العدل والإنصاف على حد سواء.
وبناء على ما تقدم، سنحاول استجلاء بعض مظاهر وتجليات أفاق تحقيق النجاعة القضائية، من خلال قراءة تحليلية لبعض مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية، في أفق التدليل من حجم الاختلالات التي تعاني منها المنظومة القضائية لبلادنا، دون أن يفوتنا فرصة للتعليق وإبداء الرأي فيها.
أولا: سؤال النجاعة القضائية على مستوى ضبط مسطرة الدفع بعدم الإختصاص والآجال
يعتبر موضوع الاختصاص القضائي للمحاكم من بين المواضيع الهامة التي حظيت باهتمام من طرف المشرع، بعدما شهدت الفصول 16 و17 من قانون المسطرة المدنية السارية النفاذ اختلالات كبيرة على مستوى التطبيق وأدت إلى بطء وتيرة البت في النزاعات المعروضة أمام المحاكم وهدر الزمن القضائي وإطالة أمد النزاع.
وتعد المادة 27 من مشروع قانون المسطرة المدنية من بين الأمور التي تحسب للمشرع والتي تناولت موضوع الاختصاص النوعي للمحاكم وارتقت به إلى مصاف النظام العام،[6] وذلك في أفق تجاوز الإشكالات والإكراهات المطروحة في تطبيق الفصلين السابقين من قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ، وهذا وإن كان المشرع قد نسخ وألغى ضمنيا هذين الفصلين بالمادتين 12 و13 من قانون إحداث المحاكم الإدارية فيما يخص فقط تنازع الإختصاص النوعي الذي قد يقع بين المحكمة الابتدائية العادية والمحكمة الابتدائية الإدارية.[7]
وبالرجوع للمادة فإنها جعلت من الاختصاص النوعي للمحاكم من النظام العام، بحيث أوجبت على المحكمة المعروض عليها ملف النزاع إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من طرف محاكم الدرجة الأولى والأقسام المتخصصة لديها سواء القسم التجاري أو القسم الإداري كل في مجال اختصاصه، كما خولت للأطراف إمكانية إثارته في جميع مراحل الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى والأقسام المتخصصة لديها، كما ألزم المحكمة بالبت في الدفع بحكم مستقل دون ضمه إلى الجوهر بخلاف ما كانت عليه المادة 17 من قانون المسطرة المدنية.
وإذا ما قضت المحكمة أو القسم المتخصص بعدم الإختصاص بعد البت فيه، فإنها تكون ملزمة بإحالة ملف القضية إلى المحكمة المختصة داخل أجل أقصاه 8 أيام ويجب على المحكمة المحال عليها ملف القضية البت فيه وجوبا وبنص القانون.[8]
وبهذا يكون المشرع قد خطى خطوة للأمام للرفع من النجاعة والفعالية ومحاولة تجاوز حالات إنكار العدالة من طرف المحاكم -باعتباره يخدش من هيبة القضاء ومكانته -من خلال رفضها البت في الملفات المحالة عليها من محاكم أخرى، بالإضافة إلى تقليص هدر الزمن القضائي وتطويل أمد النزاع بما يساهم لا محالة في استعاده ثقة المواطن في القضاء وتوطيد أسس ودعائم النجاعة القضائية.
ولعل أهم بوادر نجاعة هذه المادة وفعاليتها هو ضبط المشرع للآجال على مستوى الدفع بعدم الاختصاص النوعي من خلال توحيد إجراءات الدفع في ثمانية أيام وهذا أجل في مستوى المعقول، سيساهم لا محالة في تسريع وتيرة البت في مثل هذه الدفوع الشكلية.
ونعتقد أن هذا المقتضى أيضا على صواب، وذك للقطع مع البطء وطول المسطرة وارتفاع النفقات والمصاريف اللازمة للحصول على حكم متعلق بالدفع بعدم الاختصاص النوعي وموضوع النزاع، كما أنها موفقة في تحديد أجل 8 أيام كحد أقصى للنظر في الدفع المذكور.[9]
أما بالنسبة للإختصاص المحلي فالمشرع قد حافظ على نفس المقتضيات المنظمة للإختصاص المحلي للمحاكم، حيث منح الإمكانية للأطراف بإثارة الدفع بعدم الاختصاص المحلي قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر في جميع مراحل الدعوى، بالإضافة إلى إعطاء الإمكانية للأطراف على اختيار المحكمة المختصة مالم ينص قانون على خلاف ذلك في إطار تقريب القضاء من المواطن كمستجد تشريعي على هذا المستوى.[10]
أما على مستوى تقنين الآجالات في بعض المساطر، فنجد المشرع قد حاول تقليصها على مستوى مجموعة من الإجراءات والمساطر القضائية لتفادي البطء في تصريف القضايا والملفات، خصوصا ما تعلق منها بتوجيه مقالات الاستئناف إلى محكمة ثاني درجة خلال أجل 15 يوما من إيداع المقال، وفي قضايا الأسرة داخل أجل 10 أيام من تقديم الاستئناف.
وبالنسبة للآوامر الإستعجالية فتتم داخل أجل سبعة أيام من تاريخ تقديم الطعن، وبالنسبة للأوامر المبنية على طلب فتتم داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ الإستئناف مع إلزامية البت فيه داخل أجل 15 يوما من تاريخ توصل كتابة ضبط المحكمة بالملف من طرف السيد الرئيس الاول لمحكمة الإستئناف، على اعتبار أن اختصاص الرؤساء الأولون لمحاكم الدرجة الثانية بالنظر في استئناف القرارات الصادرة عن رؤساء محاكم أولى درجة من مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية.[11]
وبخصوص محكمة النقض فيجب توجيه المقال داخل أجل 15 يوما من إيداع الطعن،الى غير ذلك من الاجالات الاخرى التي أتى بها مشروع قانون المسطرة المدنية.
ويشكل هذا التقنين بشكل لا مراء فيه أهم المستجدات الرامية لتسريع وتيرة البت في الملفات وتجاوز تراكمها وإطالة أمد النزاع، كما أنها ترجمة لإرادة المشرع الدستوري فيما يتعلق بضرورة بت القضاء داخل أجل معقول وفق ما هو مقرر في التوجهات الدولية لتجسيد تدبير أمثل للزمن القضائي، وتجنب الهدر الإجرائي لخدمة المتقاضين والعدالة بالتنصيص على تدابير تشريعية جديدة في مشروع قانون المسطرة المدنية، ترتبط بالأجل المعقول وتهدف إلى اختصار الزمن القضائي وذلك من خلال تقليص أمد البت في بعض القضايا لاعتبارات خاصة قدرها المشرع، بحيث نص المشروع في بعض المواد على أن المحكمة يتعين عليها البت على وجه السرعة أو فورا أو داخل أجل معلوم حدده بشكل صريح يوجب على المحاكم أن تبت فيه خلال نظرها في القضية.[12]
ثانيا: سؤال النجاعة القضائية على مستوى ضبط الطعون وضبط حق ممارسة التقاضي وإعادة تنظيم حق التصدي
أخذ موضوع الطعون على مستوى مشروع قانون المسطرة المدنية وممارسة الحق في التقاضي في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية حيزا كبيرا من النقاش بين المهتمين بشأن الحقوقي، وبالرجوع للمواد المنظمة لمواد الطعون نجد أن المشرع سلك توجها فلسفيا جديدا على مستوى ممارسة الطعون أمام المحاكم ولعله توجه سعى من خلاله المشرع تقليل حالات الطعن في الأحكام بالنسبة لبعض القضايا، وذلك بالنظر إلى نوع القضية ومتطلبات العدالة والاعتبارات خاصة يقدرها المشرع.[13]
حيث أنه بالرجوع للمادة 30 من مشروع قانون المسطرة المدنية نجدها تحصر الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية في 30,000 درهم بحيث أصبحت القضايا التي تقل عن هذا المبلغ ستصبح المحكمة الابتدائية مختصة فيها ابتدائيا وانتهائيا، اما الحالات التي تتجاوز هذا المبلغ فيمكن الطعن فيها بالاستئناف وكذلك بالنسبة للطلبات غير المحددة القيمة. كذلك نجد بالنسبة لقضايا القرب فقد حدد المشرع اختصاصه القيمي إلى غاية 10,000 درهم من خلال المادة 331 من المشروع.
وخول المشرع المغربي للأطراف المتضررة من الحكم الصادر انتهائيا سواء عن المحاكم الدرجة الأولى أو عن قضاء القرب طلب إلغاءه أمام رئيس المحكمة الابتدائية المختص استنادا على مجموعة من الحالات المحددة طبقا للمادة 32 من المشروع.
أما على مستوى محكمة النقض فبدورها عرفت تعديلات جوهرية على مستوى القضايا التي يمكن الطعن فيها بالنقص، وذلك بالرجوع إما لقيمتها أو لطبيعتها، بحيث حددت المادة 375 من المشروع القضايا التي يمكن الطعن فيها بالنقض والمحددة في القضايا التي تتجاوز قيمتها 80,000 درهم ولا تختص بالنظر في الطلبات المتعلقة باستيفاء الواجبات الكرائية والتحملات الناتجة عنه ومراجعة الوجيبة الكرائية وكذلك الطلبات التي تقل عن 80.000 درهم. وتختص كذلك محكمة النقض في إلغاء القرارات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة.
وبتقنين المشرع لحالات الطعن فقد قنن بدوره آجال الطعن في 15 يوم بالنسبة للطعن بالاستئناف كقاعدة عامة من تاريخ التبليغ أما الطعن بالنقض فحدد في بعض القضايا في 15 يوم من تاريخ التبليغ كقضايا الأسرة والجنسية والقضايا الاجتماعية اما بالنسبة للقضايا الاخرى فيتم الطعن فيها داخل اجل 30 يوم.
والسؤال مطروح هنا حول ماذا نجاعة تقنين المشرع للطعون بتقليص حالاته وتخفيض آجاله؟ هل نتصور نجاعة وفعالية قضائية فعلية وما تأثير ذلك على حق التقاضي المضمون دستوريا؟
إن المقتضيات الجديدة المنظمة لمسألة الطعون هي حد ذو سيفين من في اعتقادنا، فيمكن أن نحقق من خلال ذلك نجاعة قضائية على مستوى تصريف الملفات وتفادي تراكمها وإرهاق كاهل القضاء خصوصا أمام ضعف الموارد البشرية على مستوى القضاة ومساعدي القضاء، كما ستساهم في فك شفرة مجموعة من الأحكام العالقة لدى المحاكم، لكن في مقابل ذلك، قد نجد نتائج عكسية لا تخدم مصالح المواطن البسيط والضعيف الذي قد يترافع عن بعض القضايا الصغيرة والمتوسطة التي قد تعتبر رأس ماله إن صح القول.
إن النجاعة والفعالية القضائية لا يمكن كمفهوم وشعار طالما نادى به صاحب الجلالة وصهر على تنزيله الرئيس الاول لمحكمة النقض ومختلف المتدخلين في منظومة العدالة من خلال بعض الدوريات الرامية للتحسيس بأهمية الرفع من النجاعة وفعالية القضاء وجعله في خدمة المواطن،[14] بالإضافة إلى العديد من التقارير والتوصيات الصادرة عن بعض الهيئات والمؤسسات الدستورية، لا تتحقق من وجهة نظرنا إلا اذا كانت تسعى لتحقيق مصلحتين ربما قد تبدو متعارضتين، أولها تحقيق المصلحة الخاصة للمتقاضين سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا وذلك بضمان الحق في الولوج للعدالة واقتضاء حقوقهم بكل يسر وسهولة وضمان ممارسة كل الاجراءات القانونية المسموح بها، بعيدا عن التعقيد والاقصاء غير المباشر، في مقابل ذلك نجد المصلحة العامة والتي تصبو إليها الدولة لتحقيقها داخل المنظومة القضائية بشكل عام وهي الرفع من جودة الأحكام وصدروها في أجالها المعقولة وتفادي التخبط في كثرة الملفات التي ترهق كاهل القضاء، وإن الحل الأمثل لذلك لن يتأتى إلا من خلال التوفيق بين المصلحتين بما يخدم الصالح العام والنهوض بالوضع الحقوقي للبلاد.
وارتباطا بموضوع الطعون فقد أعاد المشرع في مشروع قانون المسطرة المدنية على إدخال تعديلات على مستوى حق التصدي، والذي يقصد به تعرض محكمة الطعن لجوهر النزاع وبتها فيه بصفة نهائية دون إرجاع الملف للمحكمة المصدرة للقرار وذلك بعدما ثبت للمحكمة العناصر الضرورية للفصل في النزاع، أو بشكل اخر هو الواجب أو الحق المخول لمحكمة الطعن بالبت في الموضوع إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم أو القرار حسب الأحوال وكانت الدعوى جاهزة للبت.[15]
وقد تم تنظيم نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية الحالي في الفصل 146 بالنسبة لمحاكم الإستئناف، أما بالنسبة لمحكمة النقض فبصدور القانون رقم [16]82.04 فقد تم سحب هذا الحق من محكمة النقض ولا يمكنها التصدي الاي نزاع للبت فيه، وليس لها إلا أن تحيل الملف للمحكمة المصدرة للقرار للبت فيه من جديد إذا ما قامت محمة النقض بنقض القرار.[17]
ومن حسنات المشروع أنه بالإضافة إلى إلزامية محكمة الدرجة الثانية للتصدي للحكم في حالة الإبطال أو الإلغاء، أصبح شرط جهوزية الدعوى للبت فيها ليس شرطا للتصدي للحكم المطعون فيه بالنسبة لمحاكم الدرجة الثانية، بحيث يمكن البت فيه بالرغم من ذلك ويحق لها سلوك إجراءات تحقيق الدعوى وجعلها جاهزة للحكم فيها.[18]
ومن المستجدات المهمة أيضا أن أعاد المشرع إعطاء الحق لمحكمة النقض للتصدي للقرار المطعون فيه بالنقض إذا ما تم نقضه لكن بشرط تحقق شرطين منصوص عليهما في المادة 391 من المشروع وهما:
-أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية
– أن تتوفر على جميع الناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع
إن عادة تنظيم المشرع لمسألة التصدي سواء لمحاكم الدرجة الثانية أو محكمة النقض وفي إطار النجاعة القضائية ينم عن اتجاه المشرع المغربي لتبني فلسفة جديدة ومغايرة لوظيفة الطعون، من الإنتقال بها من كونها وسيلة لإعادة طرح النزاع ونقله للمحكمة الأعلى درجة إلى جعلها وسيلة لإنهاء النزاع دون الحاجة لإرجاع الملف إلى محاكم الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية، كل ذلك من أجل اقتصاد الوقت والإجراءات والنفقات وتسريع وتيرة البت في الملفات والنزاعات تحقيقا لنجاعة قضائية فعالة وتفادي البطئ في العدالة باعتباره مرهقا للقضاء والمتقاضين على حد سواء.
وعلى صعيد آخر، نجد أن حق التقاضي في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية عرف نقاشا حادا داخل الساحة الحقوقية والسياسة، وأخذت الأصوات بالتنبؤ لمصير العدالة بالمغرب وحق الولوج إلى القضاء في ظل هذه المقتضيات الجديدة المرتقب المصادقة عليها.
ولعل أهم ما أثير مسألة الغرامات المنصوص عليها على مستوى المشروع في كل محطاته، بدءا بوضع المقال لدى كتابة ضبط المحكمة الى غاية محطة التنفيذ، مثلا المواد 62 و425 و340 و409 و194، ومهما يكن من أمر فإن موضوع الغرامات جاء بعدما شهدت الممارسة القضائية والعملية داخل المحاكم وجود حالات التقاضي بسوء نية والتعسف في استعمال حق التقاضي خروجا عن المبادئ والأخلاق حيث أن 30% من عدد الملفات الرائجة حسب بعض الممارسين داخل المحاكم هي ملفات ودعاوى كيدية.[19]
وهذا المقتضى لا نرده ولا نعتبره مما يمس بحقوق المتقاضين ولا بحق الولوج للعدالة في اعتقادنا، ما دام القضاء في خدمة المواطن والأصحاب الحقوق الجدية والمشروعة، فمسألة الغرامات مسألة وقائية بالدرجة الأولى في اعتقادنا ستساهم في التقليل من حجم الدعاوى الكيدية داخل المحاكم.
ثالثا: سؤال النجاعة على مستوى رقمنة الإجراءات والمساطر القضائية
يعتبر موضوع الرقمنة من المستجدات التي اقتحمت مجموعة من المجالات ومن ضمنها منظومة العدالة، بحيث نهج المغرب سياسة التحول الرقمي على عدة أصعدة بهدف الدفع بعجلة التنمية ومن ضمنها الرفع من مردودية الخدمات القضائية.
وإن التطورات التي يشهدها مغرب اليوم في المجالات القانونية والقضائية والحقوقية، والتحديات الكبرى التي تواجهها العدالة، أصبحت تفرض على الفاعلين في المنظومة مواكبة المستجدات والأنماط الحديثة والجديدة في مجال التقاضي، القائمة على استثمار التكنولوجيا الحديثة والثورة الرقمية التي يشهدها العالم.[20] حيث أصبح تقييم النجاعة القضائية يرتكز على مدى توفر التكنولوجيا الرقمية في الإجراءات القضائية داخل المحاكم.
هذا ويأتي مشروع قانون المسطرة المدنية للتنزيل الفعلي لرقمنة الإجراءات والمساطر القضائية من خلال القسم الحادي عشر من المشروع من خلال المواد 623 الى 639 وذلك في إطار اصلاح ورش منظومة العدالة وبناء مشروع المحكمة الرقمية.
وتتجلى هذه المستجدات التي من الممكن لا محالة أن تساهم في الرفع من النجاعة والفعالية القضائية من خلال إحداث منصة إلكترونية لدى محاكم الدرجة الأولى والدرجة الثانية، بحيث يطلق على هذه المنصة ” المنصة الإلكترونية لتدبير الملفات والقضايا والاجراءات القضائية ” ،حيث تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير هذه المنصة بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وسيتم إحداث حسابات إلكترونية للسادة المحامون والعدول والموثقين والمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة، يتم عبرها تبادل المعطيات بطريقة إلكترونية.
كما ألزم المشرع الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وهيئاتها ومجموعاتها وباقي أشخاص القانون العام بالإدلاء من خلال المنصة الإلكترونية بعناوينهم وأرقام هواتفهم كما أعطت الإمكانية للأفراد للإدلاء بعناوين إلكترونية لهم عبر المنصة، لاعتمادها في تبادل الإجراءات والمساطر إلى غيرها من المستجدات المهمة على هذا المستوى.
إذا فيمكن من خلال المنصة إيداع المقالات والطلبات والطعون والمذكرات والمستنتجات والإدلاء بالوثائق والمستندات واداء الرسوم القضائية والمصاريف وإجراءات التبليغ والتنفيذ بحيث يعتد بكل هذه الإجراءات التي تمت بطريقة إلكترونية.
وستساهم هذه المنصة من جهة، في تقليص هدر الزمن القضائي وتحقيق النجاعة القضائية وزرع ثقة المواطن في القضاء خدمة للصالح العام وتفادي مظاهر الرشوة والزبونية وتصريف الملفات داخل المحاكم بشفافية لأنها تتعامل مع الآلة وبعيدا عن الحضور المادي للمتقاضين والعاملين داخل المحاكم وستساهم لا محالة في تحسين مناخ الأعمال وزرع الثقة لدى المستثمرين من جهة أخرى، وسيتم تدليل الكلفة وربح الزمن القضائي وتسريع وتيرة البث في الملفات والقضايا.
رابعا: سؤال النجاعة القضائية على مستوى مساطر التبليغ والتنفيذ
التبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص على أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية طبقا للفصل 37 من قانون المسطرة المدنية، والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد بتبليغه،[21] وهو بذلك يسعى لحفظ حقوق المتقاضين وإطلاعهم علما بكل الإجراءات المتخذة في حقهم.
وتشكل مسطرة التبليغ من بين النقط السوداء في قانون المسطرة المدنية، والتي تعرف اختلالات كبيرة تساهم بشكل سلبي في بطء العدالة والبت في الملفات القضائية، خصوصا في الوسائل المعتمدة في التبليغ في ظل قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ، وبقراءة للمقتضيات التشريعية المنظمة للتبليغ في مشروع قانون المسطرة المدنية، نلاحظ أن المشرع أفرط نوعا ما في صياغة الأحكام المنظمة لإجراءات التبليغ ضمانا لحقوق الدفاع ومبدأ التواجهية وإحاطة المتقاضين علما بكل الإجراءات المتخذة في حقهم لاتخاذ ما يرونه مناسبا للدفاع عن حقوقهم.
علاوة على ذلك، نجد المشرع ولضمان النجاعة يعتمد التبليغ بواسطة أحد المفوضين القضائيين كقاعدة عامة بسعي من الطرف المعني مع منح الإمكانية للمحكمة باعتماد الوسائل الأخرى طبقا لظروف الحال والقضية،[22] كما استغنى المشرع عن مسطرة القيم باعتبارها نقطة سوداء في مسطرة التبليغ وما أظهرته من نتائج سلبية في الممارسة العملية.
ومن خلاله تضمن المشروع مقتضيات جديدة تنص على إمكانية اعتماد المعلومات المتوفرة بقاعدة المعطيات المتعلقة ببطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية في حالة تعذر التبليغ متى تبين أن المدعى عليه مجهول العنوان الوارد بالاستدعاء او انتقل منه بتغييره دون تحيين المعطيات ببطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، واعتبر العنوان الوارد ببطاقة التعريف الوطنية هو العنوان المعتمد في جميع الإجراءات القضائية، حيث يعتبر التبليغ صحيحا منتجا لآثاره القانونية ويعتبر في حكم التوصل القانوني المنتج في مواجهة المدعى عليه وتبت المحكمة عند تعذر التبليغ بعد استنفاذ جميع الإجراءات القانونية.[23]
كما أن المشرع أعطى الإمكانية للمكلف بالتبليغ عند عدم العثور على المطلوب تبليغه في موطنه الحقيقي أو محل إقامته أو الموطن المختار أن يسلم الاستدعاء إلى من يثبت بأنه وكيله أو يعمل لفائدته أو أنه من الساكنين معهم سواء للأزواج أو الأقارب أو الأصهار متى تبين من خلال ظاهرهم أنهم بلغوا سن السادسة عشر من العمر.
ولعل المقتضيات الجديدة الناظمة للتبليغ تحمل في طياتها العديد من المستجدات والأمور الإيجابية التي ستسهم لا محالة إلى حد بعيد في الرفع من جودة البت في القضايا المعروضة على المحاكم وتجاوز إشكالات التبليغ كل ذلك سيساهم في الرفع من النجاعة القضائية وفعاليتها.
وقد يثار تساؤل حول مدى نجاعة وفعالية هذه المقتضيات الجديدة المتعلقة بالتبليغ ومدى حرصها على حقوق المتقاضين وضمان حق الدفاع والتواجهية من بعض المهتمين بالشأن الحقوقي على أنه سيؤثر على ضمان حقوق الدفاع واتخاذ إجراءات قضائية في غيبة المعنيين بالتبليغ، وتبدو المعادلة صعبة عندما نحاول التوفيق بين مصلحة المتقاضي كمدعي الذي يطالب بحقه في أجل معقول كما نص على ذلك دستور المملكة من خلال الفصل 120، وبين مصلحة المعنيين بالتبليغ الذي يقتضي الأمر ضمان توصلهم وإطلاعهم علما بكل الإجراءات المتخذة في حقهم، وضمان حق الدفاع والتواجهية بين المتقاضين، بل إن هناك مصلحة أخرى عليا وهي المصلحة العامة داخل المحكمة، هذه الأخيرة التي تجند أجهزتها ومواردها البشرية لضمان الفعالية والنجاعة القضائية وتجاوز البطء والتعقيد في البث في الملفات والنزاعات المعروضة عليها مع الحجم الكبير من القضايا التي ترد على المحاكم.
هذه المتناقضات والمعادلات الصعبة ومحاولة التوفيق بينها تبدو صعبة المنال والبلوغ إلى حد معين، ولعل التأسيس للمتقاضي المسؤول وسد باب التحايل وسوء النية من شأنه اختصار إجراءات التقاضي كل هذا يقضي توافر الجرأة وتظافر الجهود بين مختلف الفاعلين ولا يعقل في زمن الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة أن نواجه إشكالات على مستوى الاجراءات في التقاضي على مستوى التبليغ، في الوقت الذي أصبحت النجاعة القضائية وتطور المنظومة القضائية يقاس بمستوى ومدى استخدام التكنولوجيا في الاجراءات والمساطر القضائية.[24]
وعلى غرار التبليغ ومن يثيره من إشكالات عملية، نجد بجانبه إشكالية التنفيذ للأحكام القضائية، الذي يشكل المعضلة الكبرى بدوره، والتي تعاني منه منظومة العدالة في بلادنا، ومن أبرز ما جاء به المشروع بهدف تدليل لإشكالات العملية للتنفيذ إحداثه لمؤسسة قاضي التنفيذ، حيث تم تحديد اختصاصاته بموجب المواد 476 والمادة 477 والمادة 478 من المشروع.
ويعد التنفيذ الأحكام أسمى مقاصد العدالة، فلا قضاء بدون نفاذ، وعدم تنفيذ الأحكام يمس بشعور الثقة والاطمئنان في العدالة، وقدرتها على إنصاف المظلوم وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. ومن أجل ذلك وسعيا لرفع كل التحديات التي تواجه تنفيذ الأحكام في أجل معقول نص المشروع على مقتضيات جديدة تتعلق بتعيين قاضي التنفيذ، وتحديد الإختصاصات المخولة له بإصدار الأوامر المتعلق بالتنفيذ والإشراف على عملياته وتدليل جميع الصعوبات المادية التي تعترضه ومراقبة سير إجراءاته من قبل مأمور التنفيذ، والبت في المنازعات والصعوبات الوقتية المثارة بشأن إجراءاته من قبل الأطراف أو الغير.
كما يختص باتخاذ كافة التدابير التي تقتضيها عملية التنفيذ، ومن ذلك الإذن بفتح أبواب المحلات والمنازل وإجراء خبرة لتحديد قيمة المنقولات والأصول التجارية والقيم المنقولة والعقارات، وما يراه مناسبا بشأن إجراءات الإعلان والإشهار للبيع بالمزاد العلني.[25]
ويتولى السيد قاضي التنفيذ بالأمر بتبليغ نسخة من السند التنفيذي مع إعذار المحكوم عليه بتنفيذ مضمون السند التنفيذي، ويأمر بجميع الإجراءات لسير العملية وكذا منحه للأجل الإسترحامي للمحكوم عليه، ومن خلاله يتم التنفيذ بواسطة أحد المفوضين القضائيين أو أعوان كتابة ضبط المحكمة المختصة،
وبقراءة للمواد المنظمة لمؤسسة قاضي التنفيذ والمقتضيات ذات الصلة، نجد أن المشروع جعل هذا الجهاز يهيمن على كل اجراءات التنفيذ ابتداء وما يتخلله من صعوبات وعراقيل إلى غاية التنفيذ الجبري ضد المدين وهي اختصاصات كانت لرئيس المحكمة فيما سبق، وذلك منطقي من خلال التخفيف على رئيس المحكمة من حجم الأعباء الملقاة على عاتقه ليطلع بمهامه كرئيس للمحكمة.
وبتخويل قاضي التنفيذ هذا الدور الهام والبارز في أطوار الدعوى على مستوى التنفيذ من شأنه تحقيق نجاعة وفعالية قضائية، حيث تتولى جهة خاصة تدبير ملفات التنفيذ لتفادي إكراهات وإشكالات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم المملكة وسيساهم لا محالة هذا المستجد في النهوض بالأدوار والمهام الفعالة لمؤسسة قاض التنفيذ بما يضمن النجاعة والفعالية القضائية.
المحور الثاني: سبل تحقيق النجاعة القضائية في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23
إن تحقيق النجاعة القضائية مطلب ينادي به الجميع ويأمل لتحقيقه كل الفاعلين داخل منظومة العدالة، من مكونات القضاء والمهن القانونية المساعدة للقضاء، وكذلك المتقاضين باعتبارهم قطب الرحى في هذه العملية، فهي استراتيجية مشتركة تبتدأ من المتقاضي لتمر بالمحامي ومساعدين القضاء لتصل إلى القاضي، ولذلك وضع جلالة الملك في خطاباته الملكية أسس هذه النجاعة قصد التصدي لما يعانيه القضاء من هشاشة وبطء العدالة، لذلك يأتي مشروع قانون المسطرة المدنية لتنزيل هذه الأهداف والمضامين الملكية في إطار إصلاح عميق وشامل لمنظومة العدالة بعد مخاض تشريعي طويل ما زال إلى حد الآن محط نقاش ودراسة لكل المقترحات والتوصيات الواردة على مشرع المشروع، بما يتماشى والوضع الحقوقي والقضائي بالمغرب.
ولعل النصوص التشريعية تعتبر التقعيد الأساسي لتحقيق النجاعة القضائية ويعتبر منطلقا لتحقيقها، إلا أن ذلك لا يكفي لوحده لتحقيق هذه الاهداف والمرامي، بل تحتاج لمجموعة من الإجراءات العملية واتخاذ المبادرة بكل جرأة وثقة لتحقيق قفزة نوعية لذلك نعرض لبعض من المقترحات:
_ ندعو لضرورة تظافر الجهود بين مختلف مكونات العدالة من إدارة مركزية مرور بمكونات المحاكم ومساعديها مرورا بالمواطنين.
_ ثم ضرورة اتخاذ المبادرة لتنزيل مضامين المشروع على أرض الواقع خصوصا ما تعلق منه برقمة الإجراءات والمساطر القضائية لما له من أهمية كبيرة في النهوض بالمنظومة القضائية.
_كما ندعو لضرورة مراعاة الخصوصية المجتمعية والاقتصادية والاجتماعية للمتقاضي المغربي.
_ توفير الآليات اللوجستية والحرص على التكوين المستمر للقاضي ومكونات المحكمة في مجال التكنولوجيا الرقمية والتدريب على التعامل بطرق رقمية في تصنيف القضايا والملفات.
_ثم ندعو لضرورة تفعيل دور القاضي في تفعيل المقتضيات المتعلقة بالتغريم لمواجهة حالات التقاضي الكيدي.
_ التقنين من حالات الحكم بعدم القبول نظرا لتخلف شكليات بسيطة قد تؤدي بضياع حقوق المتقاضين لأسباب بسيطة.
_ ضرورة تعزيز ثقة المواطن في القضاء من خلال تيسير الولوج للمحاكم وتعزيز المساعدة القضائية والقانونية من خلال التوجيه والإرشاد للوافدين إلى المحاكم.
_ ضرورة تقنين مسألة الطعون من خلال الرفع من مدد ممارسة الطعون بشكل يمكن مساعدين قضاء من ممارسة وأداء مهامهم بأكمل وجه.
_ضرورة التقليص من المبلغ المحدد لممارسة الطعون خاصة الإستئناف والنقض بما يتلائم والوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمتقاضين لضمان حق التقاضي لكل مواطن باعتباره حقا دستوريا طبقا للفصل 118 من الدستور.
_ندعو كذلك لمراجعة مسألة التنفيذ ضد أشخاص القانون العام والدولة والمؤسسات العمومية وضرورة وضع ضوابط تحقق توازن بين المصلحة العامة لسير المرفق والمصلحة الخاصة للمواطنين لضمان حقوقهم بما يكفل العدالة والإنصاف للجميع.
المراجع المعتمدة
الكتب
– محمد العلمي، المختصر في قانون المسطرة المدنية، وفق اخر مستجدات القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد، معزز ببعض مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23، دار الطبع والنشر والتوزيع: مطبعة سومي برنت حي الداخلة اكادير، الطبعة الرابعة.
– عبد الكريم الطالب الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية دراسة في ضوء مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، مكتبة المعرفة مراكش، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة التاسعة 2019.
الرسائل
– المنصور مصطفى، نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض، السنة الجامعية 2018-2019.
التقارير
– تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حــــول مشروع قانون رقم 23.02 يتعلق بالمسطرة المدنية، الجزء الأول ـ دورة أبريل 2024.
الدوريات
– الدورية عدد 62/21 بتاريخ 29 ديسمبر 2021 الصادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول النجاع القضائية.
القوانين المعتمدة
– مشروع قانون المسطرة المدنية صيغة 23 يوليوز 2024.
– ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 11 رمضان )1974 شتنبر 28شتنبر1394) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية كما تم تعديله.
اللقاءات العلمية
– اللقاء الدراسي للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية في موضوع ” الفعالية والنجاعة القضائية في مشروع قانون المسطرة المدنية” يوم الخميس 16 ماي 2024 بمجلس النواب.
– كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة المشاركة في المؤتمر الدولي حول: “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”. طنجة، الخميس 08 فبراير 2024.
- – محمد العلمي، المختصر في قانون المسطرة المدنية، وفق اخر مستجدات القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد، معزز ببعض مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23، دار الطبع والنشر والتوزيع، مطبعة سومي برنت حي الداخلة اكادير، الطبعة الرابعة. ص4. ↑
- – يهدف الميثاق إلى تعزيز استقلالية القضاء ورفع المستويات الأخلاقية داخل منظومة العدالة وتقوية وسائل حماية حقوق الإنسان والحريات. بالإضافة إلى تحسين فاعلية وكفاءة الآلة القضائية وتوسيع الصلاحيات المؤسسية للنظام القضائي وتحديث إدارة العدالة. ↑
- – وهو شعار تم التأسيس له من طرف صاحب الجلالة في الخطاب الذي ألقاه خلال ترأسه افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة، ” وعلى غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة، الهادف لحسن تدبير الشأن العام، فقد قررنا أن نؤسس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة، ألا وهو “القضاء في خدمة المواطن“. ↑
- – وهذا في انتظار عرض المشروع على المحكمة الدستوري للبت في مدى تلائم وتطابق مقتضياته مع نص وروح الدستور باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الامة. ↑
- – تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حــــول مشروع قانون رقم 23.02 يتعلق بالمسطرة المدنية، الجزء الأول ـ دورة أبريل 2024 ص 102. ↑
- – تنص الفقرة الأولى من مشروع قانون المسطرة المدنية في صيغته الأخيرة ل 23 يوليوز 2024 على ما يلي:
” تثير محكمة الدرجة الأولى، أو القسم المتخصص بالمحكمة الابتدائية، عدم الإختصاص النوعي، تلقائيا.” ↑
- – محمد العلمي، م.س.ص 42. ↑
- – هذا بخلاف ما هو كائن في قانون المسطرة المدنية الحالي حيث يمكن للمحكمة المحال عليها ملف القضية سلطة الدفع بعدم الاختصاص ورفض الإحالة للبت فيه وهذا فيه إنكار واضح وصارخ للعدالة ويمس بهيبة القضاء وقوة الاحكام القضائية. ↑
- – عبد الكريم الطالب الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية دراسة في ضوء مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، مكتبة المعرفة مراكش، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة التاسعة 2019، ص70. ↑
- – تنص الفقرة الأخيرة من المادة 28 من مشروع قانون المسطرة المدنية في صيغته الأخيرة على ما يلي:
” يمكن للأطراف أن يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة المختصة محليا، ما لم ينص قانون على خالف ذلك”. ↑
- – انظر المادة 230 من المشروع. ↑
- – تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حــــول مشروع قانون رقم 23.02 يتعلق بالمسطرة المدنية، الجزء الأول ـ دورة أبريل 2024 ص 104. ↑
- تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حــــول مشروع قانون رقم 23.02 يتعلق بالمسطرة المدنية، الجزء الأول ـ دورة أبريل 2024 ص 103. ↑
- – خصوصا الدورية عدد 62/21 بتاريخ 29 ديسمبر 2021 ↑
- – المنصور مصطفى، نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض، السنة الجامعية 2018-2019.ص30. ↑
- – القانون رقم 82.04، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 16.87.1 بتاريخ 22 من ربيع الاول 1414(10 سبتمبر1993)؛ الجريدة الرسمية عدد 4225 بتاريخ 4 جمادى الاولى 1414(20 أكتوبر 1993،) ص 2037؛ ↑
- – لكن إذا ما تعلق الامر بدعوى إلغاء قرار إداري فمحكمة النقض طبقا للمادة 17 من قانون 80.03 تظل مختصة للبت فيه إذا كانت الدعوى جاهزة. ↑
- – يمكن أن نعرف جاهزية الدعوى امام إحجام المشرع عن تعريفها أنها الدعوى التي يكون أطراف النزاع قد أدلو بما لديهم من وثائق ومستندات وأدلة وحجج سواء ابتدائيا او استئنافيا وتخضع للسلطة التقديرية للمحكمة. ↑
- – بسالم أوديجا خلال اللقاء الدراسي للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية في موضوع ” الفعالية والنجاعة القضائية في مشروع قانون المسطرة المدنية” يوم الخميس 16 ماي 2024 بمجلس النواب. ↑
- – كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة المشاركة في المؤتمر الدولي حول: “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”. طنجة، الخميس 08 فبراير 2024 ↑
- – محمد العلمي، م.س.ص 108. ↑
- – المادة 83 من المشروع:
يبلغ الاستدعاء بواسطة أحد المفوضين القضائيين.
يمكن للمحكمة أن تأمر عند الاقتضاء، بتبليغ الاستدعاء بواسطة أحد موظفي كتابة
الضبط أو بالطريقة الإدارية أو عن طريق البريد المضمون.
إذا كان المرسل إليه يقيم خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية أو عن طريق البريد المضمون، عدا إذا كانت الاتفاقيات الدولية المصادق
عليها من قبل المملكة المغربية والمنشورة في الجريدة الرسمية تنص على خلاف ذلك. ↑
- – تنص المادة 86 من المشروع على ما يلي:
يمكن للمحكمة عند الاقتضاء، أن تطلب من المدعي الإدلاء بالعنوان الصحيح
للطرف المدعى عليه.
إذا تعذر التبليغ وتبين أن المدعى عليه مجهول بالعنوان الوارد بالاستدعاء أو انتقل
منه، يتم اعتماد المعلومات المتوفرة بقاعدة المعطيات المتعلقة بالبطاقة الوطنية للتعريف
الإلكترونية. ويعتبر التبليغ صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية.
يعتبر الاستدعاء الموجه إلى هذا العنوان في حكم التوصل القانوني ومنتجا
لآثاره القانونية في مواجهة المدعى عليه.
يحرر محضر بالإجراءات التي تم القيام بها يتضمن رقم الملف وطبيعة الطي ونتيجة الإجراءات المتخذة.
إذا بقي التبليغ متعذرا بعد استنفاذ الإجراءات السابقة، بنت المحكمة. ↑
- – كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة المشاركة في المؤتمر الدولي حول: “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”. طنجة، الخميس 08 فبراير 2024.
– لكن الإشكال المطروح ما مدى استعداد المواطن المغربي للاستجابة لهذه التحولات والمستجدات التشريعية في المساطر والإجراءات القضائية عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، في ظل الانتشار الكبير لمظاهر الأمية لدى شريحة كبيرة في المجتمع المغربي. ↑
- – تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حــــول مشروع قانون رقم 23.02 يتعلق بالمسطرة المدنية، الجزء الأول ـ دورة أبريل 2024 ص 105. ↑