وقفة مع مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي
وقفة مع مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي
بقلم : احمد اولادعيسى
باحث في القانون
اعلنت الحكومة المغربية بشكل رسمي عن نيتها تقنين زراعة القنب الهندي، وذلك من خلال مشروع قانون 13/21 والذي تقدمت به وزارة الداخلية عقب اجتماع المجلس الحكومي بتاريخ 04 مارس 2021، والذي تم المصادقة عليه مؤخرا ،ويهدف هذا الأخير الى الترخيص من اجل الاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي، عبر تحويلها وتنظيم مجالات استعمالاتها خصوصا في الميدان ( الطبي/ الصيدلي / الصناعي ) ،وذلك من خلال مقتضيات تنظيمية ومؤسساتية، هذه المبادرة لا يمكن فصلها عن السياق الدولي، لاسيما التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية حيث حذفت القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص الشديدة الخطورة ،ناهيك عن التقارير الصادرة عن لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة والتي تؤكد تنامي نشاط انتاج ونقل المخدرات عبر المجال الترابي المغربي، بالموازاة مع التحذيرات المتزايدة من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي، حيث دعت الى ضرورة إيجاد حلول جدرية للحد من المشاكل المتأتية من زراعة نبتة القنب الهندي ، وفي نفس السياق كان للنقاش المحتدم على المستوى الداخلي ،والذي يصب في اتجاه ضرورة التقنين باعتباره معطى تاريخي اباحه ظهير 2 دجنبر 1922 ،اذ كان يتيح لبعض المناطق ممارسة نشاط زراعة القنب الهندي ،حيث سرعان ما نسخ بمقتضى الظهير 4 ابريل 1954 الذي حضر ذلك الحق واضحى من الأنشطة المحضورة. هذه الأوضاع في مجملها فتحت الباب على مصراعيه وساهمت في تنامي وانتشار تلك الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي، سواء من ناحية الإنتاج او التسويق او الاستهلاك.
من هذا المنطلق سارعت الدولة الى صياغة اطار قانوني كمحاولة منها الى وضع حد لهذا المشكل، حيث اضحى مثار نقاش بل صراع داخلي اتخذ مستويات عدة ( السياسي / الاقتصادي / الحقوقي )، غير ان هذا النقاش ومما لا شك فيه انه سيرخي بتأثيراته ولو بشكل غير مباشر على جودة النص القانوني، وسيفقده عمقه وغاياته اذا ما تم التعاطي مع الموضوع بسطحية ،الشيء الذي يدعوا الدولة الى اعتماد مقاربات اكثر فعالية واكثر انفتاحا حتى تتمكن من تقديم إجابات حول ماذا نريد من سن قانون يهتم بتقنين زراعة القنب الهندي ؟؟ ان الإجابة عن هذا التساؤل تظل في جزء منها مقترنة بالمنهجية المعتمدة في بلورة فلسفة الدولة إزاء هذا الموضوع ، حيث يتطلب الامر الالمام بجوانب اخرى و ان لا يظل الاهتمام منصبا على النسق القانوني بشكل مجرد ،بل لابد وان تشمل مقاربات أخرى حتى تستطيع تشخيص كل المدخلات بغية الوصول الى الصيغة الأمثل للتصدي للمشكل في شموليته، ولعل دراسة البنية العميقة كمرحلة أولية/ تحضيرية يعد أولوية تسبق الصياغة القانونية للنص، اذ تتخذ مكانة جوهرية ، اعتبارا ان الوسط الذي سيطبق فيه القانون يعد مجالا مركبا ،وهو ما سنحاول من خلال هذا الموضوع ابرازه عبر التطرق الى المداخل البنيوية للتأسيس لاطار قانوني متكامل في المحور الأول ،كما سنتناول في المحور الثاني الى المؤاخذات المسجلة بخصوص تعاطي بعض الأحزاب مع هذا الموضوع.
- المداخل البنيوية لمقاربة موضوع تقنين زراعة القنب الهندي
اذا كان القانون في تعريفه المبسط هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم سلوك الافراد داخل المجتمع، فانه من المنظور العملي أداة للضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات ومصالح الافراد ،من هذا المنطلق تتضح مركزية المجتمع ضمن هذه الثنائية، بحيث لا يمكن ان نتصور وجود قانون دون حاضنة وهي المجتمع، لذلك كانت الحاجة الى دراسة بنية هذا الاخير والغوص فيها و فهم مستوايات تركيبتها( الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ) ،والطبيعة التي تحكم العلاقات داخلها بمختلف تمثلاتها ،باعتباره محدد أساسي، لان التمكن من فهم عمق البنية يساعد في طرح الصيغ الممكنة للتصدي لأي مشكل نود معالجته ، هذه المنهجية تبقى هي الأنسب لمقاربة موضوع تقنين زراعة القنب الهندي ،فالمقاربة القانونية المجردة لا يمكن ان تكون فعالة دون الاعتماد على ارضية مبنية على تشخيص يستند على ادوات التحليل العلمي ،هذا الطرح وحسب رؤية العالم السوسيولوجي الكبير بول باسكول المختص في السوسيولوجيا القروية، والذي خلص من خلال دراسات ميدانية انجزها في مناسبات سابقة، الى ان بنية المجتمع القروي في المغرب تعد بنية مركبة، لذلك ففهم هذه الانساق من داخل هذه البنية يعد مساءلة دقيقة ، وهو ما يدعوا الى التفكير مليا وبحث العناصر التي تعتمل داخلها كشرط اولي قبل الشروع في صياغة أي اطار قانوني، ولعل المقاربة التي اعتمدتها الدولة من خلال تشكيل لجن بخصوص بعض القضايا المجتمعية ( لجنة اعداد الدستور/ لجنة الجهوية الموسعة / لجنة النموذج التنموي ..) تظل هي الأنسب، لاسيما اذا تعلق الامر بموضوع له أهمية خاصة ويهم فئات عريضة من المجتمع، لدى كان من المفيد تشكيل لجنة مختلطة في مجالات (الاقتصاد /السيسيولوجيا / الأنثروبولوجيا/ القانون / ) قصد اعداد تصور شمولي يشخص كل الجزئيات المرتبطة بالمجال الجغرافي/ السكاني الذي تنتشر فيه أنشطة زراعة القنب الهندي، وسيسهم هذا العمل بما لا يدع مجال للشك في تجويد النص القانوني ويكسبه مزيدا من الفعالية ،خصوصا وان المعول عليه ليس خلق تشريع اجوف بل الرهان هو إيجاد اطار قانوني يمتح من روح القانون وفلسفته .
وفي نفس السياق، اذا كانت ارادة الدولة بخصوص تقنين زراعة القنب الهندي قد عبرت عنها في هذه الظرفية من خلال طرح مشروع قانون 13/21 ، فإنها عمليا شرعت عبر مجموعة من البرامج في فترات سابقة، والتي هدفت الى إيجاد حلول بديلة لزراعة القنب الهندي ، الشيء الذي لا يمكن فصله عن هذا الموضوع ،اعتبارا ان الحلول المواكبة لتنزيل النص القانوني لها أهميتها كذلك، وهو ما يجب التنويه به وتشجيعه، علما ان مخطط المغرب الاخضر في مرحلة سابقة ومخطط الجيل الأخضر في الوقت الراهن التي ترعاه وزارة الفلاحة، قد اعلن ضمن مجموعة من البرامج الى تقديم مساعدات لفائدة الفلاحين في المناطق التي تعرف انتشارا لزراعة القنب الهندي، من خلال التشجيع على التشجير خصوصا الأشجار ذات القيمة النوعية ،ناهيك عن تقديم المساعدة التقنية ، بالإضافة الى مشاريع فك العزلة ( الطرق والمسالك القروية )، وتقديم الدعم اللوجستيكي فيما يخص السقي بالتنقيط، كما تجدر الإشارة الى ان البعد التنموي بدوره سيظل حاضرا وبقوة في معالجة هذا الموضوع، من خلال تعزيز الخدمات في مجالات ( التعليم / الخدمات /الإدارة / الصحة …) وهو ما ينبغي التركيز عليه، علما ان الوضعية الاجتماعية داخل هذه المجالات الجغرافية والتي تنشط في مجال زراعة القنب الهندي تعاني من الفقر والهشاشة، حيث تعد هذه الاوضاع من اكبر الدوافع الرئيسية التي تشجع على ممارسة هذا النشاط نظرا لمردوديته، فمن هذا المنطلق فجهود الدولة تعد واضحة من خلال هذه المدخلات ،الا ان الأحزاب بدورها مطالبة بالتدخل إزاء هذا الموضوع وبسط رؤيتها ،وهو ما سنتناوله في المحور الموالي.
- مسؤولية الأحزاب اتجاه موضوع تقنين القنب الهندي
احتل موضوع تقنين القنب الهندي مساحة من النقاش داخل أروقة بعض المؤسسات الحزبية، خصوصا ابان المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي داخل المجلس الحكومي ، اذ يعد هذا النقاش استمرارا للمرافعات التي سبق لتلك الأحزاب ان خاضتها بخصوص هذا الموضوع في مناسبات سابقة ، في حين ان الاحاطة بهذا الموضوع ينبغي التطرق اليه من جميع الجوانب المتداخلة فيه ،بيد ان معظم النقاش يصب في اتجاه التعجيل بإخراج النص القانوني في اقرب وقت، بغض النظر عن فعاليته وجدواه، هذا الامر يدعو الى التساؤل عن أي اطار قانوني نريد لأجل تقنين زراعة القنب الهندي ؟؟
لقد كان من المنطقي ان تسعى المؤسسات الحزبية الى اطلاق نقاش موسع، وإبراز اطروحاتها بخصوص مشروع هذا القانون، واشراك الهيئات العلمية/ الاكاديمية داخلها او خارجها ، والاستعانة بخبراتها وكفاءتها في المجالات المعنية، من اجل بناء صيغ معقولة وذات فعالية ،كما ان الانفتاح على كل قوى المجتمع ومقاربة وجهات النظر داخلها يظل مطلوبا كذلك ، فقوة النص القانوني وفعاليته تتأتى من البناء القويم للنص، الشيء الذي يتطلب تهيئ أرضية صلبة تنهل من خصوصية المجتمع وتركيبته وتواكب مستوى الوعي داخله ، فهذه المقاربة ينبغي اعتمادها في شموليتها كمدخل اساسي نحو إرساء اطار تشريعي متماسك ومنسجم، تسمه الفعالية والنجاعة .
ان الوضع لم يعد يسمح بإهدار الفرص ، كما ان الرهان ينبني على مراكمة المزيد من المكاسب، في اتجاه الرقي بالممارسة السياسية، وإعطاء النموذج للأداة الحزبية المواطنة التي تجعل من قضايا الوطن هي الأفق، دون الاكتراث بما هو هامشي ،والتي تحكمه حسابات مرحلية ضيقة محددة في الزمان وتفتقد الى الواقعية، وفي نفس المنحى يظل الالتزام بقضايا المجتمع وحاجاته والانتصار لتلك المطالب بتجرد ومسؤولية هو المعول عليه ، بعيدا عن تلك القرارات التي يحكمها رد الفعل والسرعة في بناء المواقف ،ولعل موضوع تقنين زراعة القنب الهندي واحد من القضايا التي اضحت تحظى بأهمية بالغة في المجتمع، ولها رهنيتها بالنظر الى المنحى التي اتخذته ،خصوصا بعد التعاطي البناء مع هذا الموضوع بشكل رسمي.
وتأسيسا على ذلك، فالرهان معقودا على المؤسسات الحزبية، ومن باب مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية، فهي مطالبة ببدل قصار الجهود بتجرد و طرح رؤيتها بخصوص هذا الموضوع بدون أي خلفية سياسوية / نفعية ، كما عليها ان تستحضر مكانتها و تقدر حجمها الدستوري في علاقتها بالمجتمع ككل ،وممارسة هذا الدور سواء عبر مؤسسة الحكومة او البرلمان كأغلبية او كمعارضة ، فالخوض في هذا الموضوع من زاوية المقدس/ المدنس، او التلويح باختلاق أزمة تنظيمية كرد فعل، وممارسة الضغط في اتجاه افشال المشروع ،اعتبارا ان هذه المواقف من الثوابت داخل الحزب، فهو امر لا يخدم قيم المجتمع ولا يسهم في الرقي بالممارسة الحزبية ،ويتنافى ومبادئ الخيار الديموقراطي الذي وقعت عليه الدولة كأساس للممارسة السياسية ،فلا يعقل ان نقحم الشأن المجتمعي في معتركات البولميك السياسوي العقيم ،ومفردات قاموسه المبتذل، فالمجتمع في امس الحاجة للمؤسسة الحزبية المتشبعة بالقيم الإنسانية ، والفاعلة عبر تدافعها ووقوفها الى جانب قضاياه الملحة .