التقادم في المسؤولية المدنية
من إعداد الطالب الباحث
امراني علوي حافظ
مقدمة:
يعتبر التقادم مؤسسة قانونية تهدف إلى استقرار المعاملات ووضع حد للمنازعات التي تثقل كاهل المحاكم، وقد حضي باهتمام مجموعة من التشريعات سواء الوطنية أو المقارنة نظرا لمكانته وسط الساحة القانونية ، فالتقادم هو مرور مدة من الزمن يحددها القانون على رفع دعوى قضائية وعدم استكمال إجراءاتها ، أو أن الدعوى قد تم رفعها لكنها سقطت بالتقادم ويمنع على القاضي سماعها بعد ذالك نظرا لكون المدعي ليس له عذر مقبول والتقادم من أسباب انقضاء الالتزام نظمه المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود من الفصل 371 إلى الفصل 392[1] بكيفية صريحة، إضافة إلى القانون المدني المصري الذي نظم التقادم في المادة 374 ويكتسي موضوع التقادم في المسؤولية المدنية أهمية بالغة تقتضي منا الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه الشيء الذي يؤدي بنا إلى طرح الإشكالية التالية : إلى أي حد استطاع المشرع تنظيم التقادم في المسؤولية المدنية ؟ .
إجابة على هذه الإشكالية محل الدراسة سنحاول تقسيم الموضوع إلى فقرتين:
الفقرة الأولى: التقادم في المسؤولية التعاقدية
الفقرة الثانية: التقادم في المسؤولية التقصيرية
الفقرة الأولى: التقادم في المسؤولية التعاقدية
لا أحد يجادل على أن التقادم في المسؤولية المدنية من النظام العام وتتقادم الدعوى في المسؤولية التعاقدية كقاعدة عامة بمرور15 سنة ابتداء من تاريخ إبرام العقد إلا أن هذا الأصل ترد عليه مجموعة من الاستثناءات التي يكون فيها التقادم متوسطا[2] في دعوى المسؤولية التعاقدية فطبقا لمقتضيات الفصل 388[3] فإنها تتقادم بخمس سنوات دعوى التجار والموردين وأرباب المصانع بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنهم وقد يكون التقادم قصيرا في بعض الحالات فمثلا تتقادم بسنتين دعوى الأطباء والجراحين والمولدين وأطباء الأسنان والبياطرة من أجل ما يقومون به من زيارات ويؤدونه من عمليات، وكذلك من أجل ما يوردونه من أشياء وما يقدمونه من نقود ابتداء من تاريخ حصوله وأيضا دعوى الصيادلة من أجل الأدوية التي يوردونها، ابتداء من تاريخ توريدها كما تتقادم أيضا دعوى المؤسسات الخاصة أو العامة المخصصة لعالج الأمراض البدنية أو العقلية أو لرعاية المرضى، من أجل العالج المقدم منها لمرضاها والتوريدات والمصروفات الحاصلة منها لهم، ابتداء من تاريخ تقديم العالج أو حصول التوريدات إضافة إلى دعوى المهندسين المعماريين وغيرهم من المهندسين والخبراء والمساحين من أجل مواصفاتهم أو عملياتهم والمصروفات المقدمة منهم ابتداء من تاريخ تقديم المواصفة أو إتمام العمليات أو إجراء المصروفات كما تتقادم بسنة دعوى المعلمين والأساتذة وأصحاب المؤسسات المخصصة لإقامة التلاميذ العامة منها والخاصة، من أجل أتعابهم المستحقة على تلاميذهم وكذلك من أجل التوريدات المقدمة منهم إليهم، وذلك ابتداء من حلول الأجل المحدد لدفع أتعابهم ودعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات وغير ذلك من الأداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل، وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم من أجل المبالغ التي يسبقونها لهم على أساس تلك الرابطة.
غير أنه يجب الإشارة إلى أن التقادم في المسؤولية التقصيرية يختلف عن التقادم في المسؤولية التعاقدية.
الفقرة الثانية: التقادم في المسؤولية التقصيرية
ينص الفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود على أن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات كأصل عام تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه وتتقادم في جميع الأحوال في حالة عدم العلم بالضرر بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر وهذا قبل تعديل الفصل السابق ذكره.
غير أنه بعد صدور مقترح قانون لتعديل الفصل [4]106 من قانون الالتزامات والعقود الذي صادق عليه مجلس المستشارين في جلسته العامة يوم الثلاثاء 08 يناير 2019 حدث تغيير مهم يتمثل في كون دعاوى التعويض التي يرفعها ضحايا الأضرار الناجمة عن انفجار الألغام تتقادم بمضي 15 سنة، تبتدئ من وقت حدوث الضرر ويأتي هذا التعديل في سياق حماية ضحايا الألغام وتجويد النصوص القانونية وتنفيذا للالتزامات الدولية لاسيما اتفاقية أوتاوا سنة [5]1997 التي تهدف إلى توفير الحماية وتقديم المساعدة لضحايا الألغام.
وفي سياق حديثنا عن التقادم في المسؤولية التقصيرية جاء في أحد حيثيات قرارات محكمة النقض[6]:
* تتقادم دعاوى التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة أوشبه الجريمة بمضي خمس سنوات تبتدئ من تاريخ علم المتضرر بالضرر وبالمسؤول عنه.
* العلم بالضرر وبالمسؤول عنه مسألة واقعية تختلف باختلاف ظروف كل نازلة يتعين على قضاة الموضوع بحثها دون التقيد في ذلك بتاريخ الحكم القاضي بالمسؤولية.
* يتعرض للنقض قرار المحكمة التي اعتبرت كقاعدة أن التقادم لا يبتدئ إلا من تاريخ الحكم الذي اثبت أن السائق هو المسؤول في حين أن العلم بالضرر والمسؤول عنه قد يقع قبل صدور الحكم الجنحي أوبعده أوخلال المسطرة.
كما جاء في حيثيات أحد القرارات الأخرى الصادرة عن محكمة النقض[7] أيضا ما يلي:
يبتدئ أمد التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 106 من ق.ل.ع من تاريخ العلم بالضرر والمسؤول عنه.
يجب على المؤمن الذي يدعي العلم بالمسؤول أن يثبت ذلك.
لا يكفي لإثبات العلم مجرد الاستماع إلى الضحية وهو بالمستشفى.
كل هذا إذن يبين على أن التقادم في دعوى المسؤولية التعاقدية، يختلق عن التقادم في دعوى المسؤولية التقصيرية سواء من حيث المدة أومن حيث الدعوى الناشئة.
خاتمة:
ختاما يمكن القول على أن المشرع المغربي عالج مفهوم التقادم في المسؤولية المدنية بشقيها التعاقدية أو التقصيرية بكيفية صريحة، نظرا لاعتبار التقادم مفهوما جوهريا وسبب من أسباب انقضاء الالتزام إضافة إلى كونه من النظام العام يهدف لتحقيق المصلحة العامة ويشكل فيه مرور الزمان مانعا لسماع الدعوى من جديد.
انتهى بحمد الله
لائحة المراجع
- كتب
- عبد القادر العرعاري: ” المسؤولية المدنية ” ، مطبعة الأمنية ، الرباط ، الطبعة الثالثة ، سنة 2014 ، ص : 26 .
- نصوص قانونية
ü قانون الالتزامات والعقود المغربي، ظهير9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة، بتاريخ 22سبتمبر2011.
- مقترح قانون: لتعديل الفصل 106 من ظهير قانون الالتزامات والعقود المغربي، الصادر في 9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة، بتاريخ 22سبتمبر2011.
- اتفاقية دولية
- اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتدمير تلك الألغام ، تم توقيعها سنة 1997.
- مواقع إلكترونية
- قرار محكمة الاستئناف بمراكش، عدد 51 ، الصادر بتاريخ 11 مارس 1977 ، ملف مدني عدد: 37224 ، المنشور في الموقع الالكتروني: mahkamaty.com ، تم الدخول في 12/04/2020 ، على الساعة : 23.16 .
- قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، عدد 1503، الصادر بتاريخ 11 يونيو1986 ، ملف مدني عدد: 1837/84، المنشور في الموقع الالكتروني: mahkamaty.com ، تم الدخول في 12/04/2020 ، على الساعة : 23.16.
الفهرس
الفقرة الأولى: التقادم في المسؤولية التعاقدية 3
الفقرة الثانية: التقادم في المسؤولية التقصيرية 5
لائحة المراجع…………………………………………………………9
[1] قانون الالتزامات والعقود المغربي، ظهير9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة، بتاريخ 22سبتمبر2011.
[2] عبد القادر العرعاري: ” المسؤولية المدنية ” ، مطبعة الأمنية ، الرباط ، الطبعة الثالثة ، سنة 2014 ، ص : 26 .
[3] قانون الالتزامات والعقود المغربي، ظهير9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة، بتاريخ 22سبتمبر2011.
[4] مقترح قانون: لتعديل الفصل 106 من ظهير قانون الالتزامات والعقود المغربي، الصادر في 9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة، بتاريخ 22سبتمبر2011.
[5] اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتدمير تلك الألغام، تم توقيعها سنة 1997.
[6] قرار محكمة الاستئناف بمراكش، عدد 51 ، الصادر بتاريخ 11 مارس 1977 ، ملف مدني عدد: 37224 ، المنشور في الموقع الالكتروني: www.mahkamaty.com ، تم الدخول في 12/04/2020 ، على الساعة : 23.16 .
[7] قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، عدد 1503، الصادر بتاريخ 11 يونيو1986 ، ملف مدني عدد: 1837/84، المنشور في الموقع الالكتروني: www.mahkamaty.com ، تم الدخول في 12/04/2020 ، على الساعة : 23.16 .