في الواجهةمقالات قانونية

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة ( قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 ) يسرا دوليم 

 

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة

( قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 )

يسرا دوليم 

باحثة بسلك الدكتوراه ، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية – المحمدية –

 

تقديم :

نتيجة للتحولات الْإقتصادية الكبرى عمل المغرب على إدخال عدة إصلاحات همت على الخصوص المجالات التي لها إرتباط بميدان المال و الأعمال ، و ذلك بهدف تحسين الأسس التي تساعد على بناء اقتصاد قوي و ترسيخ مبادئ الحكامة في الميدان الإجتماعي ، ومن ثمة كان لزاما على المغرب أن يعمل على توفير الأرضية المناسبة عن طريق وضع آليات تهدف إلى إقرار مناخ قانوني و إقتصادي ، قادر في نفس الوقت على تشجيع الإستثمارات الوطنية  وجلب الإستثمارات الأجنبية.

وكان لزاما لتحقيق هذه الأهداف الإهتمام بالمقاولة التجارية و بالمحيط الذي تحيا فيه ، وذلك من خلال وضع قواعد قانونية قادرة على  حمايتها من كل الصعوبات التي يمكن أن تعرقل إستمراريتها ، على إعتبار أن المقاولة التجارية تعد أهم آلية للإقلاع الإقتصادي  و هو ما حدا بالمشرع المغربي إلى إعادة تأهيل منظومته القانونية من خلال تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة و المتعلق بمساطر معالجة صعوبات المقاولة بمقتضى القانون رقم [1]73.17 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 667 بتاريخ 23 أبريل 2018 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95، و يتضمن القانون الجديد عدة مستجدات ، فالكتاب الخامس لم يكن يتضمن أي مقتضى خاص ينظم مساطر صعوبات المقاولة المفتوحة خارج التراب الوطني باستثناء ما ورد في الفصل 20 من الظهير المنظم لوضعية الأجانب في المغرب.[2]

وإذا كانت لا توجد في المغرب أية مقتضيات قانونية تحكم هذا الموضوع الذي يخضع للإجتهاد القضائي ، ونظام المعاملة بالمثل و الإتفاقيات الدولية ، فإن القانون رقم 73.17 القاضي  بتغيير وتتميم الكتاب الخامس من مدونة التجارة في قسمه التاسع جاء ببعض المقتضيات مماثلة لتلك التي تضمنها القانون النموذجي الدولي ،  سواء من خلال قواعده المسطرية أو أهدافه ، كل ذلك من أجل توفير وتعزيز الأمن القانوني والأمن القضائي لدى الأطراف المعنية بفتح مساطر المعالجة الدولية ، والحفاظ على النظام العام الإقتصادي و الإجتماعي و المحلي و الدولي على حد السواء.

    إشكالية الموضوع

ما مدى توافق احكام  القسم التاسع من قانون 73.17 مع قواعد القانون النموذجي للأونسيترال ؟

     خطة البحث

تقتضي معالجة الإشكالية التي يطرحها الموضوع والاجابة عن مختلف الأسئلة القانونية التي يثيرها تقسيم هذه الدراسة الى مطلبين اثنين، حيث نخصص المطلب الأول للحديث عن الاحكام العامة للمساطر العابرة للحدود على ان نتناول في المطلب الثاني التعاون والتنسيق في المساطر الأجنبية .

 

 

  الأحكام العامة للمساطر العابرة للحدود:       المطلب الأول

لقد إنشغل الفقه و القضاء كثيرا بمسألة الآثار الدولية لحكم فتح مساطر المعالجة و بمعنى آخر هل يمتد أثر الحكم الى كل دولة تملك فيها المقاولة المدينة أموالا أو يكون لها فيها دائنون أو على العكس ، فإن آثاره تقتصر على الأموال و الدائنين الموجودين في الدولة التي صدر الحكم بإسمها فقط إنها معركة فكرية و قانونية تختزن كما هائلا من التناقضات و المصالح الداخلية و الخارجية أو الدولية.

ولقد إقترح البعض تلطيفا لمبدأ الإقليمية أن تقبل مختلف الدول بفكرة “وحدة المسطرة” و ذلك بإعطاء بعد دولي لأحكام المسطرة الجماعية متى كانت هذه الأخيرة صادرة في محكمة لدولة معينة تستقر فيها المؤسسة الرئيسية للمقاولة المدينة  إلا أن هذا الأمر في رأي هؤلاء يتطلب الثقة المتبادلة و المعاملة بالمثل التي تفرض إبرام إتفاقيات إما ثنائية أو دولية .[3]

وبإستقرائنا لمواد هذا القسم من القانون يلاحظ أنه ثمة مقتضيات جديدة تنظم نطاق وحدود تطبيق المساطر العابرة للحدود(الفقرة الأولى) و الإعتراف بالمساطر الأجنبية (الفقرة الثانية).

  نطاق وحدود تطبيق المساطر العابرة للحدود:الفقرة الأولى

عمل القانون 73.17 على تحديد حالات و نطاق تطبيق المقتضيات الخاصة بالمساطر العابرة للحدود (أولا) كما أنه عمل على تنظيم شروط وكيفية الولوج إلى المساطر الأجنبية من قبل الممثل الأجنبي .

    أولا نطاق وحدود التطبيق

أ – نطاق التطبيق

تم تحديد هذا النطاق بمقتضى المادة 770 من م ت التي جاء فيها تطبق مقتضيات هذا القسم في الأحوال التالية :

ـ عندما تطلب محكمة أجنبية أو ممثل أجنبي المساعدة داخل تراب المملكة فيما يتصل بمساطر صعوبات المقاولة .

عندما تطلب في دولة اجنبية المساعدة فيما يتصل بمسطرة مفتوحة و فقا لمقتضيات القانون المغربي –

عندما تكون مسطرتين متعلقتين بنفس المدين مفتوحتين في آن واحد داخل المغرب و في دولة أجنبية.-

ـ عندما يكون للدائنين أو لأطراف معينة في دولة أجنبية مصلحة في طلب فتح المسطرة أو المشاركة   فيها وفقا للقانون المغربي .

وتجدر الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة 770 من م ت قد إستثنت من تطبيق مقتضيات هذا القسم المقاولات التي تخضع  لنظام خاص بمعالجة صعوبات المقاولة وفق مقتضيات التشريع المغربي ، والتي نذكر منها شركات التأمين ومؤسسات الإئتمان حيث نصت المادة 113 من قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الإئتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها على عدم خضوعها لمساطر الوقاية ومعالجة صعوبات المقاولة .

ب –  حدود التطبيق

إذا كانت المواد 775 و 789 و 790 قد وسعت من نطاق تطبيق مقتضيات الباب التاسع فإنه في نفس الوقت نجد أن المشرع المغربي قد رسم حدودا لهذا التطبيق و ذلك في المواد 771 و 773 و 774 من م ت والتي تتمثل أساسا في وجوب مراعاة المعاهدات و الإتفاقيات الدولية و كذا مراعاة النظام العام . وأيضا في وجوب مراعاة المصدر الدولي لهذه المساطر عند تفسير مقتضياته من طرف المحكمة .

– أولوية المعاهدات و الإتفاقيات الدولية في التطبيق.

نصت المادة 771 على أولوية تطبيق المعاهدات و الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية و المنشورة بالجريدة الرسمية عند تطبيق مقتضيات الباب التاسع وهذا ما نصت عليه كذالك المادة الثالثة من قانون الأونيسترال النموذجي. [4]

– مراعاة النظام العام .

نصت المادة 773 من م ت على أنه تطبق المحكمة المختصة مقتضيات القسم التاسع  ما لم يكن الإجراء المطلوب مخالفا بشكل جلي للنظام العام[5]. كما أنه يراعى في تفسير مقتضيات هذا القسم مصدره الدولي[6] ،  و ضرورة تشجيع التوحيد في تطبيقه و إحترام قواعد حسن النية .[7]

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة السادسة من قانون  الأونسيترال النموذجي نصت على أنه ليس في هذا القانون ما يمنع المحكمة من رفض إتخاذ إجراء منصوص عليه في هذا القانون إذا كان واضحا أن ذلك الإجراء مخالف للسياسة العامة بوضوح .

وفي تفسير الدليل القضائي للقانون النموذجي للمادة السادسة من هذا الأخير إعتبر أنه بالنظر إلى أن مفهوم السياسة العامة يختلف من دولة إلى أخرى فإن هذا القانون تجنب تضمينه تعريفا موحدا له بحيث يعطى له في بعض الدول معنى واسعا يشمل أي قاعدة إلزامية من القانون الوطني. في حين أن أغلب الدول يقتصر فيه على مبادئ القانون الأساسية وخصوصا الضمانات الدستورية و لهذا إعتبر الدليل أنه يتعين بالنظر لإعتبارات سياق قانون الأونسيترال النموذجي التفرقة بين مفهوم السياسة العامة كما يطبق في الشؤون المحلية ومفهوم السياسة العامة كما يستخدم في مسائل التعاون الدولي ومسألة الإعتراف بالآثار المترتبة عن القوانين الأجنبية. [8]

  الولوج الى المساطر الأجنبية   :        ثانيا

عمل المشرع المغربي في القانون رقم 73.17 على تنظيم شروط وكيفية الولوج الى المساطر الوطنية من قبل الممثل الأجنبي (ا) كما بين وضعية الدائنين(ب).

أ- كيفية الولوج الى المساطر الأجنبية

خول المشرع المغربي بمقتضى المادة 776 للمثل الأجنبي[9] أن يتقدم بطلبه مباشره إلى المحكمة المختصة داخل التراب الوطني من أجل فتح إحدى مساطر صعوبات المقاولة طبقا لأحكام المادة 575 وما يليها من مدونة التجارة (المادة 778).

وهكذا فقد وسع نسبيا القانون من قاعدة الأشخاص الذي يحق لهم طلب فتح مسطرة المعالجة تجاه المقاولة وقد خول للمثل الأجنبي إمكانية أن يطلب الحكم بفتح مساطر صعوبات المقاولة طبقا لأحكام المادة 575 من مدونة التجارة .

ويجدر بنا إبداء ملاحظة أساسية في هذا الإطار حيث أن مجرد تقديم طلب طبقا لأحكام هذا القانون لا يجعل الممثل المذكور و لا أصول المدين أو أعماله التجارية الأجنبية خاضعة لإختصاص محاكم المملكة إلا في حدود الملتمسات الواردة في طلبه (المادة777).

ب –  وضعية الدائنين

فيما يتعلق بالدائنين القاطنين في بلد اجنبي فقد منحهم المشرع نفس حقوق الدائنين القاطنين داخل التراب الوطني فيما يخص مباشرة إجراءات المسطرة أو المشاركة فيها (المادة 779) و أهمها حقهم في الأولوية المنصوص عليها في التشريع الوطني الجاري به العمل ، كما أنه و بموجب المادة 780 فإنه حينما يتوجب إشعار الدائنين القاطنين داخل تراب المملكة يوجه نفس الإشعار إلى الدائنين بالخارج و المعروفين لدى المحكمة و الذين ليس لهم عنوان داخل تراب المملكة و يمكن لها أن تتخذ التدابير المناسبة قصد إشعار الدائنين الذين لا تتوفر على عناوينهم و يوجه الإشعار إلى الدائنين كل على حدة ما لم تعتبر المحكمة أنه من الأنسب تبعا للظروف اللجوء إلى شكل آخر من أشكال الإشعار دون الحاجة الى إنابة قضائية أو غيرها من الشكليات  المماثلة (المادة 780 ف2).

 

          الاعتراف بالمسطرة الأجنبية و آثاره:    الفقرة الثانية

نظم المشرع المغربي شروط الإعتراف بالمسطرة الأجنبية (أولا) كما ميز بين الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية و بين الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية (ثانيا) .

 

 

 

         شروط الإعتراف بالمسطرة الأجنبية :   أولا

أ- الشروط الموضوعية والشكلية

نصت المادة 782 على أنه يمكن الإعتراف بالمسطرة الأجنبية إما بوصفها مسطرة أجنبية رئيسة[10] في حالة ما إذا كانت مفتوحة في دولة يوجد بها مصالح المدين الرئيسية أو بوصفها مسطرة أجنبية غير رئيسية إذا كان للمدين فقط مؤسسة بالمعنى المقصود في  الفقرة الأخيرة من المادة 769 . كما أنه يعتبر المقر الإجتماعي  للشخص الإعتباري أو محل الإقامة المعتاد بالنسبة للشحص الذاتي هو مركز المصالح الرئيسية للمدين ما لم يثبت خلاف ذلك.

كما يمكن للمحكمة تعديل الإعتراف أو إنهائه إذا تبين لها أن مبررات الإعتراف غير متوفرة كليا

أو جزئيا لم تعد قائمة.

أما فيما يخص الشروط الشكلية فقد نصت المادة 781 من م ت على أنه يجوز للمثل الأجنبي أن يتقدم بطلب الى المحكمة المختصة يرمي إلى الإعتراف بمسطرة أجنبية لصعوبات المقاولة و بكونه معين فيها بهذه الصفة  و يرفق طلبه وجوبا بما يلي :

– نسخة مصادق عليها من قرار المحكمة الأجنبية القاضي بفتح المسطرة الأجنبية أو شهادة صادرة عنها  تفيد فتح المسطرة و تعيين الممثل الأجنبي .

– تصريح يعده الممثل الأجنبي يتضمن الإشارة إلى جميع المساطر الأجنبية المعروفة لديه و المتعلقة بشخص المدين .

يمكن للمحكمة أن تطلب ترجمة للوثائق المرفقة بطلب الإعتراف إلى اللغة العربية و تبت المحكمة في طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية في أقرب الآجال .

ب-  آثار تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية

نصت المادة 783 على أنه و إبتداءا من تاريخ تقديم طلب الإعتراف ، يتعين على الممثل الأجنبي تبليغ المحكمة فورا بأي تغيير جوهري في المسطرة أو في تعيينه كممثل لها ، وكذا بكل مسطرة أجنبية أخرى قد تصل إلى علمه .

وحسب مقتضات المادة 784 فإنه يمكن للمحكمة  خلال الفترة الفاصلة بين تقديم طلب الإعتراف والبت فيه ، وكلما إقتضت ضرورة مستعجلة حماية أصول المقاولة أو مصالح الدائنين ، أن تأمر بصفة مؤقتة، وبناء على طلب الممثل الأجنبي بإتخاذ أحد التدابير التي يجيزها الكتاب الخامس ولاسيما منها وقف أو منع المطالبات القضائية و الإجراءات التنفيذية على أصول المدين المنصوص عليها في المادة 686 ، وإسناد مهمة إدارة وتحقيق كل أو بعض أصول المدين إلى الممثل الأجنبي أو سنديك تعينه المحكمة ، وذلك من أجل حماية هذه الأصول التي قد تكون بطبيعتها أو بسبب الظروف المحيطة بها قابلة للتلف أوعرضة لتدن محسوس في قيمتها ، أو تهددها مخاطر أخرى ، وإتخاذ التدابير المنصوص عليها في البند الثاني و الثالث من المادة 786 ، هذه التدابير التي ينتهي مفعولها بمجرد البت في طلب الإعتراف .

  آثار  الإعتراف بمسطرة أجنبية   :        ثانيا

ميز المشرع المغربي بين الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية و بين الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية .

ا – الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية

يترتب عن الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية الآثار القانونية التالية :

– وقف أو منع الدعاوى الفردية و كذا الإجراءات التحفظية و التنفيذية طبقا للمادة 656.

– منع المدين من التصرف في أمواله بنقلها أو تفويتها أو تأسيس أي ضمان عليها المادة (758).

– بمجرد الإعتراف بالمسطرة الأجنبية يجوز للمثل الأجنبي أن يتخذ كافة الإجراءات و يمارس كافة الدعاوى التي بإمكان السنديك ممارستها حماية لأصول المدين و لحقوق الدائنين طبقا للقانون المغربي  كما يحق له التدخل في المساطر التي يكون المدين طرفا فيها (المادة 788 ) .

ب- الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية

اذا تعلق الأمر بمسطرة أجنبية غير رئيسية فيتعين على المحكمة التأكد من كون الدعوى تتعلق بأموال يستلزم القانون تسييرها أو إدارتها في إطار مسطر ة أجنبية غير رئيسية أو أن الإجراء يرتبط بمعلومات تتطلبها المسطرة (المادة 788) .

  التعاون والتنسيق في المساطر الأجنبية:      المطلب الثاني

يدخل إضفاء البعد الدولي على مساطر صعوبات المقاولة حسب ما جاءت به المادة 786 من م ت في إطار تسهيل تعاون المحاكم المغربية مع المحاكم الأجنبية المعنية بمساطر صعوبات المقاولة ولذلك سنتطرق في هذا المطلب لغايات وآليات التعاون (الفقرة الأولى) وحالة تزاحم المساطر (الفقرة الثانية).

 غايات وآليات التعاون :           الفقرة الأولى

تتمثل الأهداف الأساسية للقانون النموذجي للأونسيترال في تعزيز التعاون بين المحاكم فيما يخص المساطر العابرة للحدود و حماية أصول المدين و كذا مصالح الدائنين الأجانب و تعزيز الأمن القانوني و القضائي و حماية الإستثمار و تيسير إنقاذ المؤسسات التجارية المتعثرة ماليا و إقتصاديا .

             أولا –  غايات التعاون

لم يتم التنصيص في الباب الرابع من القسم التاسع المتعلق بالتعاون مع المحاكم الأجنبية و الممثلين الأجانب على الأهداف و الغايات التي يتم تحقيقها من إرساء آليات التعاون المنصوص عليها في هذا الباب ، و بالتالي لا مناص من الرجوع إلى الباب الأول من هذا القسم المؤطرة لأهدافه والتي يتضح من خلالها أن غايات التعاون تتمثل في إدارة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة ، إدارة منصفة و ناجحة بالشكل الذي يحمي الدائنين والأطراف الأخرى ، بما فيهم المدين ، وفي حماية        و تعيين أصول المدين ، وفي تسهيل إنقاذ المقاولات المتعثرة ماليا ، بما يوفر الحماية للاستثمار         و يحافظ على فرص الشغل .

في المقابل جاء في الدليل القضائي لقانون الأونسيترال النموذجي أن المقصود بالمواد 25 الى 27 من هذا الأخير هو تعزيز التعاون بين ممثلي الأغيار و المحاكم في الدول المختلفة من أجل ضمان التعاون مع إجراءات الإعسار التي تمس مدينا واحد على نحو يلبي إحتياجات جميع دائنيه . و أن الهدف المنشود هو تحقيق أكبر قدر من الزيادة من عائدات و منافع الدائنين(في المساطر التصفية و التسوية )، لتيسير حماية الإستثمار و المحافظة على فرص الشغل ، من خلال إدارة حوزة الإعسار بعدل و كفاءة.

والتعاون و التنسيق بين المحاكم هما من أركان القانون النموذجي الأساسية. وغالبا ما يكون التعاون هو السبيل الواقعي الوحيد لمنع تبديد الموجودات أو لزيادة قيمتها بأكبر قدر أو لإيجاد أفضل الحلول لإعادة تنظيم المنشاة. ويؤدي التعاون إلى تحسين تنسيق مختلف إجراءات الإعسار و تبسيطها بهدف تحقيق أكبر المنافع للدائنين.

  آليات التعاون    :          ثانيا 

لتحقيق الأهداف المسطرة بمقتضى المادة 768 يتعين على المحكمة التعاون مع المحاكم الأجنبية       و الممثلين الأجانب إما مباشرة أو بواسطة السنديك[11] ويمكن لها على الخصوص الإتصال مباشرة    أو بواسطة السنديك بالمحاكم المذكورة لطلب المعلومات أو المساعدة وقد نصت المادة 790 من القانون أن هذا التعاون قد يتم بأية وسيلة مناسبة لاسيما  :

– تعيين شخص أو جهاز للتصرف تبعا لتعليمات المحكمة.

– التزويد بالمعلومات بكل طريقة تعتبرها المحكمة ملائمة.

– التنسيق بين المحاكم فيما يخص إدارة و مراقبة أموال و شؤون المدين.

– التنسيق بين مساطرصعوبات المقاولة المفتوحة في آن واحد في حق نفس المدين داخل المغرب      و خارجه.

يشير دليل إشتراع القانون النموذجي[12] إلى إستحسان تمكين المحاكم في سياق إجراءات الإعسار عبر الحدود من الإتصال مباشرة بالمحاكم الأجنبية و ممثلي الإعسار بغية إجتناب إتباع إجراءات تقليدية تستنزف الكثير من الوقت مثل إلتماسات التفويض القضائي أو غير ذلك من القنوات الدبلوماسية       أو القنصلية و الإتصالات عبر المحاكم العليا. وهذه القدرة تكون ذات أهمية حاسمة حينما ترتئي المحاكم أنه يجدر بها أن تتصرف على نحو عاجل إجتنابا لإحتمال حدوث منازعات أو حفاظا على قيمة الممتلكات أو لأن المسائل المراد النظر فيها تتسم بالحساسية بالنسبة إلى عنصر الزمن .

وفي هذا الإطار جاء في الدليل القضائي لقانون الأونسيترال النموذجي أنه يمكن إستعمال العديد من وسائل الإتصال بما في ذلك  الهاتف و وصلات الفيديو والفاكس و البريد الإلكتروني كما يمكن إعتماد تقنية تبادل المراسلات المتضمنة لطلبات الحصول على معلومات أو على المساعدة ،  فان ذلك يمكن من تحقيق منافع كبيرة للمعنيين بالإعسار عبر الحدود .

  التنسيق في حالة تزاحم المساطر و وضعية الدائنين :        الفقرة الثانية

سنتطرق في هذه الفقرة لحالة التزاحم بين مسطرة أجنبية و مسطرة وطنية (أولا) كما سنبين وضعية الدائنين (ثانيا).

  حالة تزاحم المساطر:              أولا

أ ـ التزاحم بين مسطرة وطنية و أجنبية :

حماية لكل ما من شأنه أن يعرقل سير هاته المسطرة و لاسيما في حالة تزاحم المساطر المفتوحة في وجه نفس المدين ، فإن المشرع سن مقتضيات خاصة بالتنسيق بين المسطرة الوطنية و الأجنبية ،

حيث نصت المادة 792 على أنه عند تزاحم مسطرة أجنبية و مسطرة وطنية مفتوحة طبقا للمادتين 575 و 651 بخصوص نفس المدين تعمل المحكمة على تحقيق التعاون و التنسيق حسب الشروط التالية :

– في الحالة التي تكون مسطرة صعوبات المقاولة مفتوحة في المملكة المغربية عند تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية يتعين أن يكون كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه موافقا للمسطرة المفتوحة و إذا تم الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية لا تطبق مقتضيات المادة 758 أعلاه .

– في الحالة التي فتحت فيها مسطرة صعوبات المقاولة بعد الإعتراف بالمسطرة الأجنبية أو بعد تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة يتعين على المحكمة أن تعيد النظر في كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 786 أو إنهائه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة التي ستفتح.

– إذا تم الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية يتعين تعديل أو إنهاء الوقف أو المنع المنصوص عليهما في المادة 785 أعلاه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة التي ستفتح لاحقا .

ب ـ التزاحم بين مسطرتين اجنبيتين

في حالة تزاحم بين مسطرتين أجنبيتين بخصوص نفس المدين تعمل المحكمة على تحقيق التعاون

و التنسيق حسب الشروط التالية :

– في الحالة التي تكون فيها المسطرة المعترف بها رئيسية يتعين أن يكون كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه في إطار مسطرة أجنبية غير رئيسية لاحقة موافقا للمسطرة الأجنبية الرئيسية .

– في الحالة التي يكون فيها الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية لاحقا للإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسة أو بعد تقديم طلب الإعتراف بهذه الأخيرة يجب على المحكمة  أن تعيد النظر في كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه بتعديله أو بإنهائه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة الأجنبية الرئيسية .

– في حالة الإعتراف بمسطرتين أجنبيتين غير رئيسيتين فإنه على المحكمة عند إتخاذ أو تعديل أو إنهاء أحد التدابير المذكورة مراعاة التنسيق بين المسطرتين وفيما يتعلق بالمساطر المتزامنة أو المتزاحمة فإن هناك قواعد معينة تتعلق بسداد الديون و تعتبر القاعدة المنصوص عليها في المادة 32 من قانون الأونسيترال النموذجي و التي يشار إليها أحيانا باسم قاعدة الخلطة أي مزج الممتلكات من أجل قسمتها بالتساوي ضمانا مفيدا في النظام القانوني الخاص بالتنسيق و التعاون في إدارة إجراءات الإعسار عبر الحدود . والمقصود بهذه القاعدة إجتناب الحالات التي قد يحظى فيها دائن بمعاملة أفضل من معاملة سائر الدائنين المنتمين إلى الرتبة نفسها بحصوله على سداد المبلغ نفسه الذي يطالب به في مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ولايات قضائية مختلفة.[13]

         ثانيا-  وضعية الدائنين

 

عمد المشرع المغربي على حماية الدائنين الأجانب و الدائنين داخل الوطن من جهة و الذمة المالية للمقاولة المدينة من جهة أخرى فنص في المادة 793 على أنه ومع الأخذ بعين الإعتبار لحقوق الدائنين أصحاب الضمانات لا يحق للدائن الذي إستخلص جزءا من دينه بموجب مسطرة مفتوحة خارج المملكة أن يستخلص أي مبلغ إضافي بموجب مسطرة ثانية مفتوحة طبقا لمقتضيات المادتين 575     و 651 أعلاه إذا كان المبلغ المدفوع لباقي الدائنين من نفس الرتبة بالتناسب مع ديونهم أقل من المبلغ الذي توصل به فعليا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

             خاتمة

 

جاء  القانون رقم 73.17 ببعض المقتضيات مماثلة لتلك التي تضمنها القانون النموذجي الدولي سواء من خلال قواعده المسطرية أو أهدافه و ذلك في عدة حالات تضمنتها المادة  770 و التي إستوجبت

ها ضرورة الإنفتاح على المساطر الأجنبية .

وإذا كانت مساطر معالجة صعوبات المقاولة المحلية لم تعرف النجاح المتوخى منها ذلك أن أغلب

مساطر التسوية القضائية تؤول إلى التصفية فإن الإشكال المطروح في هذا الإطار ما مدى إمكانية نجاح هذه المساطر في بعدها الدولي بعد محدودية تحقق أهدافها في بعدها المحلي [14].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

 

– أحمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة

و مساطر معالجتها .ج 2 .دار نشر المعرفة ط 1 .2000

– علال الفالي مساطر معالجة صعوبات المقاولة ، الطبعة الثالثة.

– عبد الكريم عباد ، البعد الدولي في مساطر صعوبات المقاولة المغربية ، قراءة في القسم التاسع من القانون رقم 73.17.

– مصطفى بونجة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة وفقا للقانون 73.17 ، مجلة المحامي عدد 71 .

 

1ـ جاء في مذكرة تقديم القانون رقم 73.17 مايلي ويندرج هذا التعديل في اطار مسلسل  الإصلاحات الكبرى التي شرع  المغرب في القيام بها كمحطة رئيسية لإقرار مناخ ملائم و محفز قادر على الرفع من جاذبية بلادنا للاستثمار الذي يعرف تغييرا مستمرا و نموا [1]سريعا يحتم تحسين الاطار القانوني المرتبط به من اجل مسايرة النمو الاقتصادي الوطني والدولي والتنافسية.

2- اما على المستوى الدولي فقد تمخضت الجهود الدولية على اعتماد قانون نموذجي هذا القانون الذي تبنته الاونسيترال سنة 1997 و انطلاقا من مواد القانون النموذجي للاونسيترال فان الغاية المرجوة من وراء هذا القانون لا تتمثل في توحيد القوانين وإنما الغاية من هذا القانون تتمثل في التنسيق والتعاون بين القوانين الوطنية لحل معضلة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة.

 

 

 

 

 

 

 

-احمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج 2 .دار نشر المعرفة ط 1 .2000 ص 278 .[3]

4-نصت المادة الثالثة من قانون الاونسيترال النموذجي على انه عندما يتعارض هذا القانون مع التزام ناشئ عن معاهدة او في شكل اخر من اشكال الاتفاق تكون هي طرفا فيه مع دولة او دول أخرى يكون الرجحان لمقتضيات تلك المعاهدة او ذلك الاتفاق

5- صدر قرار لمحكمة النقض التجارية بتاريخ 20 ماي 1967 يقضي انه لا يعتبر مخالفا للنظام العام الحكم الأجنبي القاضي بفتح مسطرة المعالجة تجاه غير التجار-لان هناك دولا تطبق الإفلاس على التجار وغير التجار – على اعتبار ان اهتمام المحكمة المحلية يجب ان ينصب على الاثار الاقتصادية و الاجتماعية لتلك المسطرة اكثر من شروط افتتاحها .

 

[6] -Léna Gannagé « l’ordre public international à l’épreuve du relativisme des valeurs » , in travaux du comité français de droit international privé , années 2006-2008 ,Pedone ,2009 ,p.205.

-نصت المادة 774 على ما يلي يراعى في تفسير مقتضيات هذا القسم مصدره الدولي و ضرورة تشجيع التوحيد في تطبيقه واحترام قواعد حسن النية[7]

-علال الفالي مساطر معالجة صعوبات المقاولة الطبعة الثالثة ص532 [8]

[9]9-يقصد بالممثل الأجنبي كل شخص او هيئة مأذون لهما في مسطرة اجنبية بإدارة أموال المدين و شؤونه عن طريق المعالجة او التصفية او التصرف كممثل لمسطرة اجنبية .

– المادة 769 [10]

:يقصد في مدلول هذا القسم ب

المسطرة الأجنبية كل مسطرة لصعوبات المقاولة مفتوحة ببلد اجنبي سواء كانت قضائية او إدارية بما في ذلك المساطر المؤقتة وخاضعة للمقتضيات المنظمة  لصعوبات المقاولة في هذا البلد وتكون فيها أموال المدين و اعماله خاضعة لرقابة او اشراف محكمة اجنبية بغرض المعالجة او التصفية .

-المسطرة الأجنبية الرئيسية كل مسطرة تتم في دولة الدولة التي يوجد فيها المركز الرئيس لمصالح المدين .

-المسطرة الأجنبية غير الرئيسية كل مسطرة تتم في الدولة التي يوجد فيها مؤسسة للمدين بمدلول البند الأخير من هذه المادة .

الممثل الأجنبي كل شخص او هيئة ماذون لهما في اطار مسطرة اجنبية بإدارة أموال المدين وشؤونه عن طريق المعالجة او التصفبة او التصرف كممثل لمسطرة اجنبية.

المحكمة الأجنبية كل سلطة قضائية او غير قضائية مختصة بمراقبة المسطرة الأجنبية او الاشراف عليها.

المؤسسة كل محل اعمال يمارس فيه المدين نشاطا اقتصاديا غير عارض بوسائل بشرية و بسلع او خدمات .

11-نصت المادة 789 على ما يلي يتعين على المحكمة التعاون مع المحاكم الأجنبية و الممثلين اما مباشرة او بواسطة السنديك وفق التشريع الجاري بها العمل ولهذا الغرض يمكن لها طلب معلومات او مساعدة.

-دليل اشتراع قانون الاونسيترال النموذجي بشان الاعسار عبد الحدود الفقرة 189[12]

-علال الفالي مرجع سابق ص 557 .[13]

 

-عبد الكريم عباد البعد الدولي في مساطر صعوبات المقاولة المغربية (قراءة في القسم التاسع من القانون رقم 73.17) ص 444.[14]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى