الإشكالات المطروحة بعد انتهاء العمل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الاسرة الخاصة بتوثيق عقود ‘ زواج الفاتحة ‘ وسماع «دعوى ثبوت الزوجية ‘
الإشكالات المطروحة بعد انتهاء العمل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الاسرة الخاصة بتوثيق عقود ‘ زواج الفاتحة ‘ وسماع «دعوى ثبوت الزوجية ‘
نبيل اعرارصة.
حاصل على ماستر في القانون المدني والأعمال بطنجة
وحاصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة.
إن قيام العلاقات الزوجية لا تثبت إلا بإبرام عقد الزواج وفق ما هو مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 16 من مدونة الأسرة ، غير انه ثمة حالات يتعذر فيها على الأزواج عقد زواجهم لأسباب وظروف قاهرة تحول دون ذلك، وفي ذلك نصت هذه المادة على أنه في حالة توفر هذه الظروف يمكن لطرفي هذه العلاقة ان يقومو برفع دعواهم قصد سماع دعوى الزوجية معتمدين في ذلك جميع الوسائل الممكنة لإثبات زواجهم من شهادة شهود وخبرة وغيرها من الوسائل ، وتأخد المحكمة بعين الاعتبار في هذه الحالة وجود اطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية المزعوم وجودها ، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين . وقد منح المشرع لمثل هؤلاء الأزواج فترة زمنية انتقالية حددت حسب آخر تعديل في 15 سنة لتصحيح وضعيتهم ابتداءا من دخول المدونة حيز التنفيذ، وحيت انه من المعلوم أن هذه المادة، وبالخصوص الفقرة الثانية منها قد انتهى العمل بها بتاريخ 3 فبراير 2019 ، وبه لم تعد هناك اي وسيلة لإثبات للزواج غير وثيقة او عقد الزواج نفسه مما يجعلنا نطرح الإشكال التالي :
ما مصير العقود التي لم توثق بعد؟ وما آثرها على العلاقات الزوجية المزعوم وجودها وعلى حقوق الأطفال؟
للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأيت تقسيم موضوعي هذا إلى مبحثين أساسيين هما:
المبحث الأول: مصير العلاقات الزوجية غير الموثقة بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الاسرة:
المبحث الثاني: وضعية الأطفال ما بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة:
المبحث الأول: مصير العلاقات الزوجية غير الموثقة بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الاسرة:
لعل الكل يتسائل ما مصير هذه العلاقات او بالأحرى ما طبيعتها القانونية، بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 32 من دستور 2011 فإننا نجده يتحدث عن مصطلح ” الزواج الشرعي ” ، وبتعريفنا لهذا الأخير فهو ذلك الزواج الذي ينعقد بإيجاب من احد عاقديه وقبول الطرف الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة وعرفا ، دون الحاجة إلى توفر شكلية معينة ، اي ان الأصل في هذه العقود الرضائية ، وباعتبار ان عقود الزواج غير الموثقة تتم وفق الشرع من قرائة الفاتحة وشهادة الشهود وحضور للعائلتين وغيرها.. فمن ثمة لا يمكن اعتبار هذا الزواج باطل او مختل إحدى أركانه باعتبار كل شروط الإيجاب والقبول متوفرة، كما ان كل الموانع منتفية ( المادة (المادة 57 م. أ) .
كما لا يمكن اعتبار هذا الزواج فاسد باعتبار حالات فساد عقد الزواج محددة على سبيل الحصر، ولا تتضمن تخلف شرط الشكلية في هذه العقود (المادتين 60 و 61)، بل والأكثر من ذلك أن المشرع عند صياغته للمادة 16 في فقرتها الأولى اعتبر شرط الشكلية هذا شكلية إثبات وليس شرطا من شروط انعقاد عقد الزواج، ولم يرتب أي جزاء لتخلفه، مما يجعل السؤال المطروح اي غاية للمشرع من وراء حذف هذه المادة ما دامت لا تطرح مشكل شرعية هذا الزواج ؟
في نظري المتواضع ان السبب وراء عدم تمديد المشرع للفترة الانتقالية للعمل بهذه المادة مرة اخرى، لا يتعلق بحالة عدم توثيق هذه العقود بحد داتها، بل لأجل الحد من التحايلات التي طالتها واخرجتها من الغاية التي جاءت من أجلها، واخص هنا استغلالها لأجل القيام بتعدد بطريق مخالف للمقتضيات القانونية الموضوعة له، وكذلك من اجل تسهيل زواج القاصرات دون سلوك المسطرة المتبعة لذلك. ولأجل ذلك نقترح أنه إذا ما تم تمديد العمل بهذه المادة مرة أخرى أخد هذه الاشكالات بعين الاعتبار وتقييدها بشكل يضمن فعاليتها وغاياتها.
المبحث الثاني: وضعية الأطفال ما بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة:
إن إشكالات حدف هذه المادة لا تتوقف فقط على مصير او طبيعة هذه العقود، بل تمتد حتى للأطفال الناتجة عن هذه العلاقات، حيث أن عدم توثيقهم لعقودهم وعدم توفر اي وسيلة لإثباتها من شانه أن يساهم في ضياع حقوقهم واخص هنا تسجيلهم بسجلات الحالة المدنية للاستفادة من بعض الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم باعتبار أن هذه الأخيرة كشرط للاستفادة منها تستوجب توفر وثيقة تتبث زواج الأبوين.
ولعل أخطر إشكال يمكن ان يطرح بخصوص حذف هذه المادة هو لحوق نسب هؤلاء الأطفال، فحتى وإن تبت حقا أنهم ولدوا في ظل العلاقة الزوجية المزعوم وجودها، فلا يمكن إلحاقهم او نسبهم إلى الأبوين بالفراش باعتبار ان الزوجية لم تتبث بعد، وان وثيقة الزواج هي الوسيلة الوحيدة لإثباته. وكذلك الحال بالنسبة للشبهة المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة، وإن تشابهت مقتضياتها بمقتضيات الفقرة المحذوفة من المادة 16 فيما يخص حصول الإيجاب والقبول والظروف القاهرة التي التي تحول دون توثيق عقد الزواج إلا أن شروطها تنطبق على الخطبة وليس الزواج باعتبار العلاقة غير الموثقة موضوع النقاش، فالزوج يعاشر زوجته معاشرة الأزواج لا المخطوبين، بالإضافة ان هذه العلاقة يمكنها ان تبنى مباشرة دون حصول خطوبة من الأصل.
ولا يبقى في الأخير إلا حل وحيد وهو المعمول به في غياب نص صريح وهي مسطرة الإقرار المنصوص عليها في المادة 160 من مدونة الأسرة، وإن كانت هي الأخرى تتوقف على إرادة طرفي العلاقة بمعنى تبقى دائما وضعية هؤلاء الأطفال معلقة وفي خطر دائما، ووجب إيجاد حل لهذه الاشكالية.
وفي الاخير تجدر الاشارة انه في حالة ما تم تعديل هذه المادة وجب على المشرع وضعها بشكل متقن يبعدها عن التحايلات، وبمصطلحات دقيقة غير فضفاضة لاستعمالها وفقا للغاية التي جاءت من اجلها.