في الواجهةمقالات قانونية

تأثير فيروس كورونا COVID19 على الزمن في قانون المسطرة المدنية 

 

تأثير فيروس كورونا COVID19 على الزمن في قانون المسطرة المدنية 

جلال الحريشي

حاصل على ماستر قانون الأعمال-تطوان

مقدمة

مما لا شك فيه أن وباء كورونا COVID19 قد أرخى بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين وللدول أجمعين، حيث عطل مجموعة من الاستحقاقات العلمية والخدمات الإدارية والمعاملات الاقتصادية الدولية والداخلية، كما أودا بأرواح الألاف من الأشخاص في العالم وضاق مرارتها جميع الأجناس، ومن أجل مواجهتها والحد منها اجتهد العلماء من أجل إيجاد دواء  لهذا الوباء[1].

كما أثر بشكل مباشر على حرية التنقل والتجوال وطنيا ودوليا، بسبب إجراءات الحجر الصحي، التي سلكتها مختلف دول العالم من بينها المغرب، من أجل تطويق المرض والحد من سرعة انتشاره بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا بات وباء عالمي داعية بذلك مختلف الدول إلى اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية للحد من تفاقمه.

ومن أجل ذلك أضحى من الضروري بسط النظر على بعض تأثيراته على الجوانب القانونية خاصة الإجرائية منها، وتبيان مدى تأثير هذا الفيروس على عنصر الزمن في قانون المسطرة المدنية، بحيث يعتبر عنصر الزمن أحد المقومات الرئيسية للعدالة الناجعة، مما يجعلنا نتساءل عن مدى تأثير وباء كورونا  COVID 19على آجال الطعون بالمسطرة المدنية؟ وما هو تأثيره أيضا على آجال التبليغ؟

ومن أجل الاجابة عن التساؤلات السابقة،  كان من اللازم النظر إلى ما يخلفه هذا الوباء العالمي من آثار قانونية على آجال الطعون المدنية (المطلب الأول) ومدى تأثيره أيضا على آجال التبليغ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تأثير فيروس كورونا على آجال الطعون بالمسطرة المدنية

لما كان الهدف الأسمى الذي ترمي إليه جل التشريعات والقوانين، هوتحقيق العدالة والإنصاف وضمان احترام المتقاضين لمؤسسة القضاء، فإن المشرع المغربي أوجد عدة وسائل كفيلة بتحقيق هذا الهدف، ومن هذه الوسائل طرق الطعن في الأحكام، والتي تتمثل في طرق طعن عادية تشمل التعرض والاستئناف، وطرق طعن غير عادية تشمل تعرض غير الخارج عن الخصومة، وإعادة النظر والنقض[2].

ويقصد بالطعون تلك الوسيلة التي تعطي إمكانية النظر في الدعوى مرة ثانية وتصحيح الأخطاء القضائية وتفاديها، وذلك من أجل حماية حقوق المتقاضين عن طريق مبدأ التقاضي على درجتين، غير أن هذه الاجراءات محكومة بآجلات يجب مراعاتها من طرف المتقاضين وإلا ضاعت حقوقهم، وقد نص المشرع على آجالها في نصوص مختلفة من قانون المسطرة المدنية المغربي .

الفقرة الأولى: آجال الطعون بالمسطرة المدنية

يعتبر كل إجراء من إجراءات الطعن محكوم بفترة زمنية، والتي حددها القانون للقيام بذلك الإجراء تحت طائلة سقوطه، بحيث أن انقضاء آجال الطعون يسقط الحق في الطعن في المقررات القضائية[3]، وهو ما ينص عليه الفصل 511 من قانون المسطرة المدنية “تحترم جميع الآجال المحددة بمقتضى هذا القانون لممارسة أحد الحقوق، وإلا سقط الحق”.

وآجال الطعون لا مساس بالنظام العام، ولهذا يمكن التمسك بعدم مراعاتها في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ولو للمرة الأولى أمام محكمة النقض، ولا يمكن للقاضي أن يعفي المعني بالأمر منه ولو بموافقة الخصم، وكل ما يمكن أن يحصل في مثل هذه الحالات الاستثنائية هو تطبيق نص قانوني يقضي بتمديد وتوقيف هذه الآجال، غير أن مدة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة لا مساس لها بالنظام العام لأنها من قبيل مدد التقادم[4].

وباعتبار آجال الطعون آجال سقوط فإنها كقاعدة لا تخضع للتوقف ولا للانقطاع مطلقا، كما تعتبر آجالا كاملة.

الفقرة الثانية: تأثير فيروس كورونا المستجد على آجال الطعون

ألزم تفشي جائحة كورونا إلى صدور بلاغ مشترك بين وزارة العدل والحريات والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة ابتداء من يوم الثلاثاء 17 مارس 2020 إلى إشعار أخر، باستثناء القضايا المتعلقة بالبث في قضايا المعتقلين والقضايا الاستعجالية وقضاء التحقيق، وذلك في إطار التدابير الوقائية الرامية إلى الحد من تفشي وانتشار وباء كورونا  COVID19 وحرصا على سلامة العاملين بمحاكم المملكة، قضاة وموظفين ومساعدي القضاء، وكذا المتقاضين والمرتفقين[5].

وهذا ما يجعل المهتمين بالشؤون القانونية يتساءلون حول أثر هذا التوقيف على الزمن الإجرائي الذي يعتبر أجل الطعون العادية وغير العادية من أهم محاوره.

بصدور مرسوم القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، وإجراءات الإعلان عنها[6]، قد أزيل اللبس حول مصير الدعاوى التي لم تحترم الآجال المنصوص عليها قانونيا، وذلك باعتبار فيروس كورونا COVID19 قوة قاهرة، حيث نص في المادة السادسة منه على إيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية التنظيمية الجاري بها العمل خلال الفترة المعلن فيها حالة الطوارئ الصحية، ويدخل في هذه الآجال آجال الطعون، على أن يتم استئناف تلك الآجال من تاريخ رفع حالات الطوارق الصحية.

وبالتالي يكون المشرع قد خرج عن القاعدة العامة وأقر بإيقاف آجال الطعون حماية لحقوق المتقاضيين في هذه الظرفية الصعبة التي تمر بها بلادنا، ونظرا لعدم إمكانية مواصلة تلك الإجراءات خلال الفترة المعلن فيها حالة الطوارئ، على أن يتم استئنافها مباشرة بعد رفع حالة الطوارئ.

وقد استثنت المادة السادسة سابقة الذكر أجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وهو أمر بديهي على اعتبار أن البلاغ الصادر عن السلطة المختصة القاضي بتعليق الجلسات لم يشمل الجلسات المتعلقة بالبت في قضايا الاعتقال مما يجعلها لا تتوقف، وبالتالي لا يجب إيقاف استئناف الأحكام الصادرة بشأنها، ويشمل ذلك أيضا الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي اللذان يعتبران من الإجراءات التي تتخذ في نفس القضايا.

المطلب الثاني: تأثير فيروس كورونا المستجد على مؤسسة التبليغ

فإذا كانت جميع الطعون التي حدد لها المشرع آجالا معينة سواء كانت عادية أو كانت ضمن زمرة الطعون غير العادية  -كقاعدة عامة- لا يبدأ في السريان إلا ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار القضائي، فإن الأمر بدوره يدعو إلى التساؤل عن مصير آجال التبليغ أثناء فترة الطوارئ الصحية.

مما يدفعنا إلى بسط النظر على مؤسسة التبليغ وعلى الآثار التي خلفتها جائحة كورونا على هذه الأخيرة.

الفقرة الأولى: مؤسسة التبليغ

إن التبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية، أو بالطريقة الدبلوماسية أو عن طريق القيم.[7]

وتبليغ الاستدعاء أو بصفة عامة تقنية تبليغ الإجراء تعتبر شرطا ضروريا لإصدار الحكم على الخصم، لذلك تستوجب أهم النزاعات أمام المحكمة مواجهة أطراف النزاع أو ما يسمى بتحقيق مبدأ التواجهية وإلا كان مآل الحكم البطلان.

وتتجلى أهمية التبليغ كذلك في اعتباره آلية مهمة لاحترام حقوق الدفاع وهذا ما دفع القضاء المغربي في الكثير من القضايا إلى اعتبار عدم القيام بالتبليغ خرقا واضحا في حقوق الدفاع، كما يساهم بشكل كبير في بلوغ التقاضي مبدأ حسن النية المنصوص عليه في الفصل الخامس من قانون المسطرة المدنية[8].

وقد أكد المشرع المغربي على إلزامية التبليغ في الفصول من 36إلى41 من قانون المسطرة المدنية، ولعل ما يهمنا في هذا المقام هو أجل التبليغ الذي جاء في الفصلين 40 و 41 من نفس القانون حيث جاء في الفصل40:” يجب أن ينصرم ما بين تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور أجل خمسة أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها ومدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل آخر من تراب المملكة تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا”.

ويضيف الفصل 41 ” إذا لم يكن للطرف الذي وقع استدعاؤه لا موطن ولا محل إقامة في دوائر نفوذ محاكم المملكة فإن أجل الحضور يحدد فيما يلي:

  • إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوربية: شهران
  • إذا كان يسكن بدولة افريقية أخرى أو آسيا أو أمريكا: ثلاثة أشهر
  • إذا كان يسكن بالأقيانوس: أربعة أشهر

تطبق الآجال العادية عدا إ ذا مددها القاضي بالنسبة للاستدعاءات التي سلمت إلى الشخص بالمغرب الذي لا يتوفر بعد على موطن ومحل إقامة.”

الفقرة الثانية: تأثير فيروس كورونا على آجال التبليغ

بالرجوع إلى المادة السادسة من القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والتي تنص على أنه  ” يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ المعلن عنها، يستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة”.

فإن آجال التبليغ المذكورة في الفصلين 40  و 41 من قانون المسطرة المدنية، تدخل ضمن الآجال التي يتوقف سريانها بمقتضى المادة السادسة من القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية إجراءات الإعلان عنها، ولقد أثارت  هذه المادة الأخيرة نقاشا عاما بين مختلف القانونيين في المغرب عن مدى خضوع مدد التقادم لهذه المادة من عدمه، حيث ذهبت بعض الآراء إلى هذه المادة خاصة بآجال السقوط كآجال الطعون ولا تشمل آجال التقادم، إلا أن المصطلح الذي استعمله المشرع “جميع الآجال” يراد بها أنواع الآجال المنصوص عليها في النصوص التنظيمية[9].

صفوة القول أن المشرع بذكره أن جميع الآجال تتوقف  باستثناء آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، يكون قد أزال اللبس وأقر أن آجال الطعون المدنية و آجال التبليغ بدورها تتوقف إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية، ليعود سريانها من جديد.

 

 

خاتمة

في الأخير نخلص من خلال التتبع القانوني والاجتماعي  بخصوص فيروس كورونا COVID19  إلى أنه خلف تداعيات جد مؤثرة على مختلف الأصعدة، وجدير بالتنويه بالتجربة المغربية في التعاطي مع هذا الفيروس حيث جعلت أولوياتها تنصب حول العنصر البشري، من حيث سلامة وصحة كالتزام أخذته الدولة على عاتقها ولو على حساب باقي القطاعات، وتقديم الدعم للمواطنين خلال هذه الأزمة.

 

[1] . أمينة رضوان: التوجهات الملكية السامية لمواجهة جائحة كورونا، مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، عدد خاص 2 كورونا COVID 19، العدد 18 ، مايو 2020، ص 13 .

 

[2] – عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، مكتبة المعرفة، الطبعة الثامنة، ماي 2017، ص 243.

[3] – عبد العزيز توفيق، آجال الإجراءات في التشريع المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1990، ص.11.

[4] – الطيب بن لمقدم:  آجال الطعون المدنية وآثارها في التشريع المغربي، مقال منشور على الرابط التالي : http://articledroit.blogspot.com/2009/09/blog-post_3872.html

[5] – أمينة رضوان: مرجع سابق، ص: 18.

[6] – مرسوم القانون رقم 2.20.292، صادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020)، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارق الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ص. 1782.

[7]  عبد الكريم الطالب، مرجع سابق، ص: 161 وما يليها.

[8] – ينص الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ” يجب على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية”.

[9] . امبارك جانوي: مفهوم الأجل القانوني في ضوء المادة 6 من مرسوم الطوترئ الصحية، مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، عدد خاص 2 كورونا COVID 19، العدد 18 ، مايو 2020، ص 125.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى