تحصيل الديون العمومية في ضوء الطوارئ الصحية
خنفور يوسف
باحث بسلك الدكتوراه مختبر السياسات العمومية
جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –المحمدية-
تقديم
باستقراء للأوضاع الحالية في المغرب فإن من أهم المشكلات والتحديات التي تواجهها الدولة ارتفاع عجز الميزانية وقصور الموارد العامة للدولة عن الوفاء بمتطلبات الانفاق الاجتماعي والاستثماري وتحقيق أهداف النمو والعدالة الاجتماعية في ظل الاعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسبب تفشي وباء كوفيد 19، هذا الاخير خلف وسيخلف مجموعة من الآثار التي تمس المالية العمومية، فضلا عن نكسة اقتصادية ستؤثر في نسب النمو.
هذا ولا بد من التأكيد على أن هذا الموضوع تمت مناقشته من خلال خلفية أكاديمية علمية بعيدة كل البعد عن الصيد في المياه العكرة، على اساس انني سأحاول النبش في مجموعة من النقاط القانونية، ومحاولة مناقشة تحصيل الديون العمومية في ضوء مرسوم الطوارئ الصحية، من خلال سبر أغوار الاشكالات والثغرات القانونية، إيمانا مني بأن بتكاملية مختلف المتدخلين في ميدان تحصيل الديون العمومية، من طلبة باحثين، أستاذة، وإداريين، وبالتالي التفكير بمنطق قانوني أكاديمي محض والخروج ببعض الحلول والافكار الجديدة
معلوم أن أصول الضريبة تعود لحوالي 3500 سنة قبل الميلاد، أي انها تمتد لعصر الفراعنة[1]، بحيث وصفها “Cicero“ بأنها “عصب الدولة”[2]، وكما قال “ابن خلدون” فيها بأنها كلازمة من لوازم العمران[3]، فعلى حد تعبير بنجامين فرانكلين يتضح أن الإنسانية قد تيقنت بأن “ليس هناك شيء ثابت في هذا العالم، باستثناء الموت والضريبة”. فهي أحد أدوات السياسة المالية والاقتصادية[4]. هذا وقد اعتبرها الفقيه P. BELTRAME أداء نقدي يطلب من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من القانون الخاص أو القانون العام، حسب قدرتهم عن طريق السلطة بصفة نهائية وبدون مقابل محدد لتغطية التحملات العمومية السابقة أو لأهداف تدخل القوة العمومية[5].
هذا ويكتسي الموضوع أهميته في إطار النقاش العمومي الدائر حول كيفية تحصيل الديون العمومية في فترة الطوارئ الصحية؛ وبالتالي فإن قراءة أولية لأحكام المادة المومأ إليها أعلاه، تجعلنا نطرح أسئلة مشروعة من قبيل مدى تأثير إعلان الطوارئ الصحية في التقادم الضريبي؟ وأي أثر لإعلان الطوارئ الصحية على إجراءات المتابعات القانونية في ميدان تحصيل الديون العمومية؟
أولا: التقادم الضريبي في محك الطوارئ الصحية
لقد نصت المادة السادسة من مرسوم الطوارئ الصحية رقم 2.20.292[6]، على “يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداءا من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.
تستثنى من أحكام الفقرة الأولى أعلاه آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والإعتقال الإحتياطي.”
وبالتالي فهذه المادة توحي بأن الاستثناء الوحيد هو ما يتعلق بطعون الاستئناف الخاصة بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، ومدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، على اساس جاءت بصيغة عامة وغير محددة لمجالات اخرى لتطبيقها
إن قراءة قانونية لهذه المادة لا تسعف في أخذها من جانبها المتفرد في معزل عن باقي النصوص المؤطرة للتقادم في الديون العمومية. معلوم أن المشرع بموجب أحكام المادة 123 اطر للتقادم في تحصيل الديون العمومية، معتبرا ان إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية وحقوق التسجيل، تتقادم بمضي اربع سنوات من تاريخ الشروع في التحصيل، على اساس ان يخضع التقادم للقطع وفقا لما هو مؤطر في قانون الالتزامات والعقود خاصة الفصلين 381 و382. اما بخصوص احكام وقف التقادم في تحصيل الديون العمومية فتجد اساسها في الفصل 375 من قانون الالتزامات والعقود وباقي الاسباب الواقفة للتقادم من نفس القانون المذكورة في فصول متفرقة منه ودائما وفقا لنفس الاحالة الواردة اعلاه.
وعلى هذا الأساس، نجد ان المشرع كان واضحا في المادة السادسة اعلاه بتنصيصه على جميع الآجال القانونية والتي قد ترتبط بانتهاء بعض العقود او مباشرة الطعون القضائية او حلول تاريخ استحقاق بعض الديون وبما أو أمد تقادمها.
وفي هذا الصدد هناك تضارب في الآراء، حيث يعتبر اتجاه اول ان المادة السادسة تنصرف لوقف التقادم في تحصيل الديون العمومية معتمدين في ذلك على عمومية صياغتها المستعملة من قبل المشرع التي تنصرف لتشمل جميع الآجال القانونية بما فيها التقادم، وهناك اتجاه ثاني اعتبر ان عبارة الاجل تشمل آجال السقوط دون أن تشمل آجال التقادم، بمعنى ان المادة السادسة تتعلق فقط بالآجال المحددة قانونا لممارسة إجراء من الإجراءات المقرر لها في النصوص التشريعية والتنظيمية وبهذا فهي تشمل فقط الاجال دون التقادم.
هذا النقاش يدفعنا لطرح تساؤل مشروع حول مدى امكانية اعتبار المادة السادسة بمثابة ضمانة لفائدة الخزينة والمدين بالدين العمومي؟
يمكن القول بأن الطوارئ الصحية تعتبر من بين الحالات الواقفة للتقادم في تحصيل الديون العمومية، وبالتالي فأجل التقادم الرباعي يتوقف، بدليل ان المادة السادسة أقرت بوقف جميع الآجال القانونية خلال فترة الطوارئ الصحية، على اساس أن يتم احتساب الاجل من جديد في اليوم الموالي لتاريخ رفعها. وهذا إن دل فإنه يوحي مباشرة إلى ان المادة السادسة هي من بين الضمانات القانونية التي يتمتع بها المحاسب العمومي عبر إستفادته من توقف التقادم وبالتالي الإعفاء من المسؤولية الشخصية والمالية عن تحصيل الدين العمومي من جهة، كما ان المدين يستفيد بدوره من وقف التقادم، من خلال عدم احتساب فوائد التأخير والغرامات المفترض أداؤهال بالنسبة للضرائب والرسوم التي يتزامن تاريخ الشروع في استحقاقها مع سريان مدة الطوارئ الصحية، -رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية التي تزامن تاريخ استحقاقها مع فترة إعلان الطوارش الصحية- ومصاريف المتابعات القانونية.
ثانيا: المسؤولية عن تحصيل الديون العمومية في ضوء مرسوم الطوارئ الصحية
انسجاما ومجموع الافكار التي سبق لنا مناقشتها يطرح تساؤل حول ما مدى إمكانية مباشرة اجراءات المتابعة القانونية المنصوص عليها في المادة 39 قصد تحصيل الديون العمومية ؟ وإذا ما كانت الاجابة بعدم امكانية سلوك اجراءات المتابعة فهل يكون المحاسب العمومي مسؤولا بمقتض المادة 124 من المدونة؟ وبالنتيجة هل يمكن التسليم بتعارض احكام المادة السادسة من المرسوم مع مدونة تحصيل الديون العمومية؟
نظرا لعمومية المادة السادسة من المرسوم، وإعمالا للقاعدة الفقهية التي تقول بأن ليس كل ما هو ممنوع فهو مباح، ونظرا لعدم صدور اي مذكرة مصلحية أو تعليمية، يمكن القول بعدم إمكانية مباشرة وسلوك إجراءات المتابعة القانونية الرامية لتحصيل الديون العمومية، بدليل أن الفقرة الثانية من المادة السادسة أوردت الاستثناء المتعلق بطعون الاستئناف الخاصة بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، ومدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، ولو ان المشرع أراد إستثناء إجراءات تحصيل الديون العمومية لنص على ذلك في نفس المادة. وعلى الصعيد العملي نجد بعض القباضات، باشرت إجراءات المتابعة القانونية من قبيل إجراءات الدرجة الاولى ونذكر هنا آخر اشعار بدون صائر والإنذار القانوني، مع تفعيل أحكام المادة 113 من مدونة تحصيل الديون العمومية في شقها المتعلق بالرهن الرسمي؛ في حين أن قباضات أخرى لم تباشر هذه الإجراءات اعتبارا لنص المادة السادسة القاضي بوقف التقادم الذي يمنح المحاسب أجلا آخر للتحصيل وبالتالي لا مبرر للقيام بهذه الإجراءات ما دامت مسؤولية المحاسب عن أجل التقادم متوقفة بصريح المادة السادسة.
وموازاة مع هذا الاتجاه الذي امتنع عن مباشرة اجراءات التحصيل تماشيا وحرفية النص هل يمكن القول بتعارض المادة السادسة من المرسوم وما قررته لجنة اليقظة بخصوص إيقاف العمل بمقتضيات الإشعار لغير الحائز مع مقتضيات المادة 124 من المدونة، و علما أن المادة المذكورة جاءت واضحة في ميدان المسؤولية عن تحصيل الديون العمومية، لما نصت على تحميل المسؤولية الشخصية والمالية لكل سلطة عمومية أو إدارية تبث أنها أوقفت أو أجلت تحصيل الديون العمومية.
وبالتالي فعمومية المادة السادسة وعدم تدقيق صياغتها يجعلنا أمام معادلة قانونية معقدة تتمثل في تعارضها مع مدونة تحصيل الديون العمومية خاصة المادة 124، فضلا عن عدم تحديدها لمصير إجراءات تحصيل الديون العمومية هل تتجمد إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية ام هناك امكانية مباشرتها مع عدم نفاذ أثرها القانوني إلى حين رفع الطوارئ الصحية، وما زاد هذا الامر تعقيدا هو سكوت الخزينة العامة للمملكة والمديرية العامة للضرائب عن توجيه مذكرات تفسيري أو تعليميات لقباضها.
ومن جهة اخرى فالظرفية التي تمر منها البلاد إسوة بباقي بلدان العالم تقتضي التفكير في حلول تسهم في الانتعاش المالي لخزينة الدولة، والسهر على الاستقرار الاقتصادي والتفكير في حلول كفيلة تسهم في الانتعاش الإقتصادي، على اساس ان يتم تحيين الفرضيات المالية وخاصة الجبائية عبر سن تدابير جبائية مهمة.
ومن منظورنا الخاص، نؤكد على أن السياسة الضريبية بالمغرب بعد مرور فترة الطوارئ الصحية، لابد لها من الانفتاح على المعاملات الرقمية، وضرورة تضريب التجارة الالكترونية إسوة بالأنظمة المقارنة، العمل على فرض ضريبة على الثروة، فرض ضرائب على الشركات العملاقة خاصة GAFA؛ وبالتالي لابد من قرار جبائي سيادي يسهم في تخفيف الضغط على الميزانية العامة للدولة والاستقرار الاقتصادي للأفراد (أشخاص طبيعيين أو اعتباريين).
[1]André Neurisse, Histoire de l’impôt, Paris, Presses universitaires de France, coll. « que sais-je », 1978, p.7.
[2]Stanley L. Winer and Walter Hettich, The Political Economy of Taxation: Positive and Normative Analysis when Collective Choice Matters, Carleton Economic Paper, August 3, 2002.
https://www.researchgate.net/publication/227292190 vu le 14/6/2020 à 21:36.
[3] عبر الرحمان ابن خلدون، “مقدمة ابن خلدون”، دار الفكر للطباعة والنشر، الفصل 51، ص305.
[4] Najib Akasbi, “l’impôt, l’état et l’ajustement” edition Actes 1993 , page: 18.
[5] P. Beltrame, L. Mehl, “science et technique fiscale”, PUF, paris 1984
[6] مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل23) مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020 الصفحة 1782.