دور تكنولوجيا النانو في الكشف عن الجريمة وحجيتها كدليل أمام القضاء – سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية العدد 33 – شتنبر 2020
كلمة تقديمية
مما لا شك فيه أن وسائل التقنية الحديثة أحدثت ثورة علمية في مجال الإثبات الجنائي، لتمكين القائمين بالتحقيق من كشف خفايا الجريمة باستحداث وسائل علمية مستخدمة بالتقنيات القائمة على تقنية النانو يقوم بها ضباط الشرطة بتحليل الأدلة على الفور في مسرح الجريمة ، الأمر الذي لا يوفر وقت التحليل فقط بل يقلل من فرص الخطأ في التحقيق الجنائي ، فأن وسائل التحقيق الجنائي الحديثة قد استفادت من واقع الآثار المادية المتخلفة في مسرح الجريمة كآثار البصمات، وبقايا الشعر، وآثار الآلات و الأسلحة، وإفرازات الجسم، كما ظهرت إلي جانب هذه الأدلة، أجهزة ذات تقنيات عالية، وإمكانات خارقة أقحمها في ساحة التحقيق الجنائي التطور العلمي، بهدف الحصول على الدليل المادي المقرر في القانون، وقد تطورت طريقة أو سبل الحصول عليه بتطور التكنولوجيا العلمية الحديثة وعلى هذا الأساس أصبح استخدام الوسائل العلمية ،ضرورة حتمية ليقوم رجال البحث الجنائي بأداء مهامهم على أكمل وجه، فاستخدامها في مجال الإثبات الجنائي يجعل عملية الإثبات قابلة للتجديد والتطور وفقا للانجازات الإنسانية المستمرة.
ولما كان التطور العلمي هو حتمية طبيعية، ولما كان من الصعب فصل المجرم عن هذا التطور، كان على المشرع ضرورة ابتكار وسائل إثبات حديثة وفق ضوابط علمية للاستدلال على المتهم وكشف أغوار الجريمة وإدانة المجرمين في إطار الشرعية القانونية، ونتج تطور الأساليب العلمية في مجال البحث عن الدليل الجنائي نتيجة لتطور فكر المجرم الذي بات يعمل على التفكير في أسلوب لا يترك أثاراً مادية تدل عليه قبل إقدامه على النشاط الجرمي، لذلك أوجب على أجهزة البحث والتحقيق الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي كالبصمات، والبصمة الوراثية والبقع والمتلوثات اللعابية والتصوير والتقاط المكالمات وآثار الأقدام.
إلا أن مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي يعتبر من أهم مبادئ نظرية الإثبات الجنائي لأنه يتفق مع أسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية، وفي البحث العلمي حيث يحكم القاضي حسب قناعته بالأدلة التي قدمت في الدعوى فالقانون لا يهتم بالوسائل التي اقتنع بها القاضي إذ لم يحدد القواعد التي يستمد منها الأدلة الجنائية بل يلزم بأن بمبدأ القناعة الوجدانية للقاضي الجزائي بصورته المعتدلة فتقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية، وإن له الحرية بجميع الطرق ويحكم في الدعوى بحسب العقيدة التي تكونت لديه، وبالرجوع إلى وسائل الإثبات الجنائي وكيفية الوصول إليها فهي تختلف من مجتمع إلى أخر، وتبعا لذلك تنوعت مراحل ظهور نظم الإثبات القانوني، فمن مرحلة نظام الأدلة القانونية الذي يقوم على أساس أن المشرع هو الذي يحدد للقاضي سلفا الأدلة التي يجب أن يستند إليها، فيقرر قواعد قانونية ثابتة تبين له وسائل الإثبات المقبولة.
وهذا ما حاولت الدكتورة منى كامل تركي التطرق إليه في موضوع دراستها أن استخدام الأدلة الحديثة أصبح ضرورة حتمية في مجال البحث الجنائي، إلا أن الاستعانة بمعطيات التطور العلمي في مجال كشف الجريمة لم ينل من مبدأ حرية القاضي في تكوين عقيدته، إذ يبقى للقاضي الحرية في تقديرقوة دليل الإثبات في أدلة الدعوى المعروضة عليه، وأخذ ما هو مناسب وطرح ما لم يقتنع به، حتى لو كان دليل علمي يقوم على مبادئ وأسس علمية، وأن المتصفح للدراسة سوف يدرك قيمتها العلمية سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية التي أجرتها بدراسة استطلاعية عملية.
ومن خلال المراجع الكثيرة والمتنوعة التي اعتمدتها الدكتورة منى كامل تركي يتبين مدى القيمة العلمية لهذه الدراسة وهو بحق يعتبر مرجعاً علمياً للمهتمين بالشأن القانوني لما يميزه من معالجة متكاملة للموضوع ، لهذا اغتنمنا فرصة لتهنئة الدكتورة على ما بذلته من جهد في هذه الدراسة.
مع تمنياتي لها بالتوفيق والنجاح الدائم
والله ولي التوفيق
الدكتور مصطفي الفوركي