في الواجهةمقالات قانونية

نظرية تحول العقد في التشريع المدني المغربي والمقارن.

محمد البوسقساقي

طالب باحث في سلك الماستر، تخصص قانون الأعمال، كلية الحقوق بتطوان.

 

نظرية تحول العقد في التشريع المدني المغربي والمقارن.

المقدمة:

عبر التاريخ اكتسى العقد بأهمية كبرى، فهو المُرسخ في وعي الإنسان قبل أن تظهر الدراسات القانونية التي اهتمت به، فحصا وتمحيصا، وتنقيبا في حيثياته بشكل شمولي، بداية من تكوينه، مرورا بتنفيذه وانتهاءه عبر انقضاء الالتزامات المتقابلة لأطراف العلاقة التعاقدية، وصولا إلى المنازعات التي يطرحها، فتطور مفهوم العقد وجُعل له مكانة متميزة نسق التعامل الإنساني، فقيل فيه أنه الركيزة الأساسية في المعاملات، سواء المدنية أو التجارية، ويشكل لدى الكثير أساس عقلنة العلاقات وضبطها وفق القاعدة الفقهية المشهورة ” العقد شريعة المتعاقدين ” التي تجد أساسها في الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود المغربي[1]، لذلك نجد كل التشريعات المقارنة قد أحاطت العقد في مختلف مراحله بمجموعة من المقتضيات التي تُكرس في مجملها أهمية العقد وتعزز مكانته، ومن ضمن هذه المقتضيات نجد تلك المتعلقة  بالأركان اللازمة التي نص عليها الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود المغربي[2]، والتي تتمثل في الأهلية والرضى والمحل والسبب، كأركان عامة لا يقوم كيان العقد بدونها، فأي عقد سواء كان رضائي أو شكلي، أو عيني،  مسمى أو غير مسمى، فوري أو زمني، يستلزم لقيامه وجود هذه الأركان إلا وأصبح العقد والعدم سواء عن طريق البطلان كجزاء مدني يلحق العقد في حالة غياب ركن من أركان قيامه، أو شرط من شروط صحته.

غير أن هناك مجموعة من العقود التي لا تكتفي بالأركان المشار إليها في الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود، بل تتعدى هذه الأركان إلى أركان أخرى، كالشكلية في العقود الشكلية، وتمثل الكتابة النموذج البارز في هذه العقود، وينطبق الأمر على عقد البيع العقاري، حيث ينص الفصل 489 على أنه: ” إذا كان المبيع عقارا أو حقوق عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجري البيع كتابة في محررات ثابتة التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون”،  والتسليم في العقود العينية كما هو الشأن عقد الوديعة، إذ نص الفصل 787 من قانون الالتزامات والعقود على أن: ” تتم الوديعة برضى المتعاقدين وبتسليم الشيء المودوع ” ، وهكذا فإنه وبالإضافة إلى الأركان العامة للعقد هناك أركان خاصة تتعلق بأنواع معينة من العقود، لتعتبر هي الأخرى بمثابة أركان لا يمكن للعقد الموسوم بالتعيين[3]، أن يقوم دون وجدوها.

وسواء كانت العقود خاضعة للأركان العامة للتعاقد فقط، أو تمتد في خضوعها إلى أركان وشروط خاصة أقرها المشرع انضباطا للخصوصية التي تطبع بعض العقود، فإن البطلان يشملاهما معا في حالة غياب ركن من أركان العقد العامة الواردة ضمن المقتضيات العامة لنظرية العقد كإطار مُنظم لها، أو في حالة غياب ركن من الأركان الخاصة التي تنفرد بها العقود الخاصة المُنفلتة من التأطير الحصري لنظرية العامة، عبر اتخاذها اسم معين يحيل على خصوصيته، وتبعا خصوصية التنظيم القانوني الخاص بها.

فإذا كان بطلان العقود المبنية على الأركان العامة المومأ إليها في الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود، والمتمثلة في الأهلية والرضى والمحل والسبب، تَنتُج بشكل مباشر وبمحض تخلف أحد هذه الأركان، كون أن العقد لا تقوم له قائمة إلا بوجود الأركان المنصوص عليها في الفصل 2 المشار إليه، كقاعدة عامة لا يمكن تجاوزها، إذ تنصرف في التفعيل على كافة العقود، كيفما كان نوعها، حتى الخاصة منها، التي تكون محاطة إلى جانب هذه الأركان، بأركان خاصة لا تقل أهمية عن الأركان العامة، فهذه الأخيرة تبقى الثابتة في كل العقود، والأركان الخاصة تتغير وفق خصوصية العقود المسماة، أو العقود الخاصة.

أما فيما يتعلق بالأركان الخاصة في العقود الخاصة، فإن غيابها سبب كافي لبطلان العقد، وفق ما هو منصوص عليه في القواعد العامة للبطلان التي جرى تنظيمها من الفصل 306[4] إلى 310 من قانون الالتزامات والعقود، ففي مطلع التنظيم التشريعي للبطلان، نجد أن المشرع المغربي قد حصر أسباب البطلان في  الفصل 306 في سببين، الأول، يتمثل في نقصان أحد الأركان اللازمة لقيام العقد، والثاني عندما يقرر القانون في حالة خاصة بطلانه، وبالعودة لسبب الأول، نجد أن المشرع لم يقُم بالإشارة بأي شكل من الأشكال إلى الأركان المنصوص عليها في الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود، بل جاءت عبارة الأركان في صيغة مجردة من كل وصف وتعيين، مما يفيد معها انطباق هذا الوصف حتى على الأركان الخاصة المتعلقة بالعقود الخاصة، غير أن هذا الانطباق المُفضي إلى إسقاط القاعدة العامة على المسائل الخاصة، تَحدُه مجموعة من الاستثناءات التي نص عليها المشرع، سواء في إطار القوانين الخاصة[5]، أو في ظل قانون الالتزامات والعقود كما هو الشأن مع نظرية تحول العقد المنصوص عليها في الفصل 309 من نفس القانون، ويقودنا نقاش هذه النظرية إلى طرح إشكالية أساسية وجوهرية، نعتبرها مدخلا لبسط أرضية النقاش العلمي حول نظرية تحول العقد، وتتمثل هذه الإشكالية في غاية نظرية تحول العقد، إذ نُصيغ الإشكالية في قالب استفهامي فنقول، ما غاية نظرية تحول العقد ؟ أو بالأحرى، ما الأسباب التي دفعت التشريع المغربي وكذلك التشريعات المقارنة إلى إقرار نظرية تحول العقد ؟ فعلى قدر بساطة الإشكالية، على قدر تعقُدها، فمعالجة هذه الإشكالية لن يكون في إطار الكلاسيكي الذي يُخصص للإشكالية محور منعزل، يُقَيدُ فيه القلب النابض للدراسة عن بقية المحاور، فيجمدها عن التفاعل مع النسق المؤدي إلى حل الإشكالية، وعليه فإن الإجابة عن الإشكالية ستكون في إطار المتن، عن طريق استحضار غاية نظرية تحول العقد في كل شق من الدراسة، متى أتيحت لنا الفرصة في ذلك، الشيء الذي سيفضي بنا إلى تشكيل ممر يوصلنا للإجابة عن الإشكالية ، وهو ممر زاخر بأسئلة فرعية لها ارتباط بالإشكالية الأصلية، من قبيل، ما هو تعريف نظرية تحول العقد ؟ وما هي الأسس المُنتجة لها ؟ وما هي شروط إعمالها ؟ وغيرها من الاسئلة التي تستدعي تفريع الدراسة إلى فرعين في صورة مطلبين، كالتالي:

المطلب الأول: ماهية نظرية تحول العقد

المطلب الثاني: إعمال نظرية تحول العقد

 

 

المطلب الأول: ماهية نظرية تحول العقد

ينص الفصل 309[6] من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: ” إذ بطل الالتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام اخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا الالتزام الأخير “،  ويعتبر هذا النص بمثابة الأساس القانوني لنظرية تحول العقد في التشريع المغربي، ويقابل هذا الفصل المادة 144 من القانون المدني المصري التي تنص على : ” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتوافرت فيه أركان عقد أخر، فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت أركانه، إذا كانت نية المتعاقدين تنصرف إلى إبرام هذا العقد “، ويلاحظ أن المشرع المصري كان أكثر وضوحا من صياغته لنظرية تحول العقد من المشرع المغربي، إذ أن هذا الأخير صاغها بشكل يعتريها شيء من الغموض، وبغض النظر عن وضوح المشرع المصري وغموض المشرع المغربي، فإن كلاهما لم يُكلف نفسه عناء تعريف نظرية تحول العقد تاركا المجال للفقه قصد الإدلاء بما لديه في هذا الصدد، وقصد الإحاطة بنظرية تحول العقد من جوانب مختلفة، من الضروري في البداية تعريف النظرية وتحديد الأساس المنتج لها( الفقرة الأولى )، ليُتاح لنا بعد ذلك تمييزها عن ما يشابهها، وما يشاركها في الأساس المنتج لها( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: تعريف نظرية تحول العقد والأساس المنتج لها

الثابت في الدراسات ككل، سواء الدراسات العلمية الحقة، أو الدراسات الاجتماعية ذات الطبيعة النسبية، أن الغوص في مسألة ما، بقصد الإحاطة بها وبمكنونها والتعرف على حيثياتها، يمُر أساسا بالتعريف بالمسألة وتمييزها عن ما يشابهها قصد تحقيق الغاية المثلى وهي الإفهام الرصين والرزين والخالي من الخلل واللبس والإبهام، وبطبيعة الحال فإن منطلق تحقيق هذه الغاية في دراسة نظرية تحول العقد، هو تعريفها ( أولا ) و تحديد الأساس المُنتج لها ( ثانيا ).

أولا: تعريف نظرية تحول العقد

يجمع الفقه على أن الأصل التاريخي لنظرية تحول العقد ( La conversion de Contrat ) ألماني، فإذا بحثنا عن أصل هذه النظرية نجدها من ابتكارات الفقه الألماني، للقرن التاسع عشر، ثم لم يلبث المشرع في تلك البلاد أن أدرك أهميتها[7] فأخذ بها صراحة في المادة 140 من القانون المدني الألماني[8]، حيث أخذت بها جل التشريعات المقارنة بما في ذلك قانون الالتزامات والعقود المغربي، والمقصود بهذه النظرية أن العقد إذا كان باطلا أو قابلا للإبطال إلا أنه توفرت فيه شروط عقد اخر فإنه يتعين الإبقاء على هذا العقد في منظوره الجديد بالرغم بطلان العقد الأصلي أو قابليته للإبطال[9]، لذا نرى أن كنه نظرية تحول العقد مرتبط أساسا، بمسألة الإبقاء على العقد، وبالتالي على العلاقة التعاقدية، لكن هذا الإبقاء لا يبقي العلاقة في قالبها الأصلي الذي أُريد لها أن تكون فيه منذ البداية، بل في قالب أخر حُول إليه بعد حصول خلل معين  في مبنى العقد الأصلي، أدى إلى انهياره، وحتى لا تنتفي العلاقة التعاقدية، تم تحويل العقد من المبنى الأصلي الذي خطط لقيامه إلى مبنى أخر، بسبب اختلال الأركان المؤدية إلى تكوين العقد الأصلي.

كما أن الفقيه في القانون المدني، وناحت القانون المدني المصري لسنة 1948، عبد الرزاق السنهوري، لم يخرج عن إطار التعريفات السابقة، حيث عرف نظرية تحول العقد كما يلي : ” نظرية تتلخص في أن العقد الباطل قد يتضمن رغم بطلانه عناصر عقد اخر، فيتحول العقد الذي قصد إليه المتعاقدان وهو العقد الباطل، إلى العقد الذي توافرت عناصره وهو العقد الصحيح، وبذلك يكون العقد الباطل قد أنتج أثاره قانونيا “[10]، وهذه الأثار ليست تلك التي سينتجها العقد الجديد بعد أن أًصبح مكتمل البناء، لأنها تعتبر اثارا للعقد الجديد الذي حل محل العقد الأصلي عن طريق إعمال نظرية تحول العقد، ولا يمكن في أي حال من الأحوال نسبها إلى العقد الباطل، فالاثار القانونية للعقد الباطل هنا، تتجلى في العقد الجديد الذي وُلد من رحم العقد الأصلي الباطل، لتشكل نظرية تحول العقد استثناء على القواعد العامة المقررة للبطلان، وهي كذلك بحكم الفقه والقانون، على اعتبار أن العقد الباطل هو والعدم سواء، إلا أنه في هذه الحالة أنتج العقد الباطل أثار رغم بطلانه، وتمثلت هذه الأثار في بروز عقد جديد من أحشاء العقد الباطل أو الأصلي، بعدما عجز عن تشكيل ذاته بشكل سوي، وكما هو منصوص عليه في القانون، بيد أن في العقد الأصلي الباطل، من الأركان والشروط، ما يُشكل به عقد أخر ـ  ذات أخرى غيرية ـ غير ذاته، عن طريق إعمال نظرية تحول العقد.

إذا ما نظرنا بشكل مُدقق في التعريفات المقدمة لنظرية تحول العقد، سنجد جميعها تتفق على انبعاث العقد الجديد من أحشاء العقد الأصلي الباطل، عن طريق تفعيل نظرية تحول العقد، حيث أن العقد الأصلي الذي توجهت إرادتي الطرفين إلى إحداثه، لم يستطيع تقويم نفسه بالشكل الذي يُعلن عن وجوده كاملا لا ناقصا ولا مُعوجا، فانتفت ذاته، عن طريق انتفاء ما يُحقق قيامه، وحضر ما يُحقق قيام عقد أخر، فَفُعلت نظرية تحويل العقد، من ذات العقد الأصلي الباطل، إلى ذات عقد أخر، توفرت سبل قيامه، وفي هذا، شيء من القاعدة الفقهية الإسلامية القائلة ” ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه[11]، على اعتبار أن العقد الأصلي الباطل الذي وقع تحويله إلى عقد جديد غير العقد الذي توجهت إرادتي الأطراف إلى إحداثه فيه من النقص والخلل في الأركان والشروط ما يَهدمُ كيانه، ويجعلُه باطلا كأن لم يكن، أي أن العقد المراد تكوينه لا يُدرك في ذاته، وذاتية العقد هنا تعبير عن الكلية المُتوخاة من طرف أطراف العقد، كون أن إرادتهما قد وُجدت لأجل العقد الأصلي الذي وقع إبطاله، وهو الكُل الذي لم يُدرك، وفي هذا تطبيق للشق الأول من القاعدة الفقهية ” ما لا يُدرَكُ كُلُّه “، إلا أن التشريع المغربي ومعه التشريعات المقارنة قد نصت على نظرية تحول العقد، كاستثناء من القواعد المُقررة للبطلان، فأنيطت بالنظرية مهمة تحويل العقد من مساره المحكوم بالبطلان، إلى مسار أخر يُؤسس لعقد جديد، نابع في أركانه وشروطه من العقد الأصلي الذي وقع بطلانه، وفي هذا تلميح للشق الثاني من القاعدة الفقهية ” لا يُترَكُ جُلُّه “.

ثانيا: الأساس المُنتج لنظرية تحول العقد

كما سبقت الإشارة، فأي عقد يعتريه النقص في أركانه، يقع باطلا كأن لم يكن، والبطلان لا نجد تعريفا له في التشريع، فالمشرع المدني المغربي أعرض شأنه في ذلك شأن جل التشريعات المدنية المقارنة، عن وضع تعريف للبطلان، تاركا المجال لاجتهاد الفقه الذي لم يبخل في وضع تعاريف متعددة للبطلان[12].

ويعرف البطلان[13] ( nullité ) بأنه الجزاء الذي يقرره المشرع إما على عدم توفر ركن من أركان العقد ( كم لو كان أحد المتعاقدين صغير غير مميز، أو كان محل الالتزام التعاقدي عملا مستحيلا، أو كان الالتزام يفتقر إلى سبب يُحمل عليه )، وإما بموجب نص قانوني يقضى في حالة خاصة ولاعتبارات تتعلق بالنظام العام، ببطلان تصرف ما رغم توفر سائر أركان انعقاده[14]  كما يُحال إليه على أنه عبارة عن جزاء مدني، يلحق التصرفات القانونية نتيجة لتخلف أحد أركانها أو اختلال شرط من شروط صحتها[15]، وهكذا انسلت بشكل متوالي مجموعة من التعاريف التي حاولت تعريف البطلان، أو نظرية البطلان، ولأن مناط تعريف البطلان بشكل مدقق، وتحديد أنواعه، لا يستقيم وغرض الدراسة[16]، لذا نكتفي بما سبق من التعاريف المشار إليها، لنمُر مباشرة إلى محاولة ربط البطلان بنظرية تحول العقد وذلك من خلال تحديد أثار البطلان، كونها هي الأساس المُنتج لنظرية تحول العقد، فالنظرية في سيرورتها العامة تتشكل انطلاقا من الاثار التي تترتب عن بطلان العقد.

تنقسم الأثار التي تنتج عن البطلان إلى أثار أصلية، أو مباشرة[17]، وأثار عرضية أو غير مباشرة، وهي التي تهمنا في هذه الدراسة، ونعني بالأثار العرضية للعقد الباطل، تلك الاثار التي لم يقصد المتعاقدين إحداثها، إذا لم تكن هي التي يتوقعونها وقت التعاقد[18]، وتشتمل الاثار العرضية وفق بعض الفقه[19]،على كل من نظرية انتقاص العقد، ونظرية تحول العقد، والتعويض الناشئ عن بطلان العقد وإبطاله غير أننا نجد البعض الاخر من القفه[20]، يقتصر في الاثار العرضية للعقد على نظرية تحول العقد، ونظرية الخطأ في تكوين العقد وهي نفسها التعويض الناشئ عن بطلان العقد وإبطاله، دون إخال نظرية انتقاص العقد ضمن عداد الاثار العرضية، وكيف ما كان الأمر، فإن الثابت لدى الفقه في مسألة الاثار العرضية للبطلان، هو اشتماله على نظرية تحول العقد، الشيء الذي يسمح لنا بالقول أن الأساس المُنتج لنظرية تحول العقد يتمثل في الاثار العرضية للبطلان، إلى جانب نظرية انتقاص الفقه لدى الفقه، وإلى جانب نظرية الخطأ في تكوين العقد وفق البعض الاخر من الفقه، لذا نرى من الضروري التمييز بين نظرية تحول العقد عن ما يشابهها ويشاركها في الأساس المُنتج لها.

الفقرة الثانية: تمييز نظرية العقد عن ما يشابهها ويشاركها في الأساس المُنتج لها

بقصد تشكيل رؤية متكاملة حول نظرية العقد، وبالقدر الذي يسعفنا في تأسيس فهم وإفهام لنظرية تحول العقد، لا بد من تمييز نظرية تحول العقد عن ما يشبهها ويشارك في الجذر المنتج لها، ولئن الفقه قد اختلف حول الاثار العرضية التي ينتجها البطلان، مع الثابت المشترك بين الفقه والمتمثل في نظرية تحول العقد كأثر عرضي للبطلان، لذا سيكون التمييز في البداية بين نظرية تحول العقد ونظرية انتقاصه ( أولا )، لنعرُج بعد ذلك لتمييز بين نظرية تحول العقد، ونظرية الخطأ في تكوين العقد ( ثانيا ).

أولا: التمييز بين نظرية تحول العقد ونظرية انتقاصه

في مستهل التمييز بين نظرية تحول العقد ونظرية انتقاصه، يجب الإشارة أن هناك من الفقه من يعتبر نظرية انتفاص العقد من الاثار العرضية التي ينتجها البطلان، فيما البعص الاخر لا يعتبرها كذلك، بل يعتبرها من الاثار الأصلية للبطلان[21]، غير أن تمييز نظرية تحول العقد عن نظرية انتقاصه[22] تفرض نفسها، لاعتبارات عديدة لعل أبرزها قرب نظرية تحول العقد من نظرية انتقاصه على التنصيص، فإذا كانت نظرية تحول العقد منصوص عليها في الفصل 309 من قانون الالتزامات والعقود، فإن نظرية انتقاص العقد منصوص عليها هي الأخرى في الفصل 308 من ذات القانون، الأمر الذي قد يحدث نوع من الخلط والالتباس بين هاتين النظريتين، فسواء قلنا بالرأي الفقهي الذي يُدخلها في عداد الاثار العرضية للبطلان، أو قلنا بالرأي الفقهي الذي يخرجها من الاثار العرضية للبطلان، فإن حتمية تمييز نظرية تحول العقد عن نظرية انتقاصه تفرض نفسها بالشكل الذي يزيل كل اللبس والإبهام الذي قد يعتري التفرقة بينهما.

كما هو الحال مع نظرية تحول العقد، فإن منشأ هذه النظرية ألماني، حيث نجدها في المادة 139 من القانون المدني الألماني[23]، لتأخذها عنه التشريعات الأخرى، كما هو الشأن مع التشريع المغربي الذي نص عليها في الفصل 308 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه أن ” بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه ، إلا إذا أمكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، وفي هذه الحالة الأخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقد متميزا عن العقد الأصلي “، ووفق مضمون هذا الفصل، فإذا لحق البطلان بعض أجزاء العقد فقط دون الأجزاء الأخرى، وهو ما يعرف بالبطلان الجزئي ( nullité partiel )، فلا مانع من إنقاذ الالتزام عن طرق الإلقاء عن الأجزاء الصحيحة منه إذا كان بطلان الأجزاء المعيبة لا يؤثر في استمرار وجوده، وهو ما يُعرف بانتقاص العقد[24]، فهذه النظرية تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العقد، إعمالا للقاعدة الفقهية المشهورة  ” ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه[25]، والتي تطبيقها المثالي في نظرية انتقاص العقد، غير أنه تجدر الإشارة إلى أنه في حالة تعذر بقاء الأجزاء الصحيحة دون الأجزاء المعيبة فإن البطلان يمتد ليشمل الجزء الصحيح أيضا، فيصبح الالتزام باطلا في مجمله، فإذا انصب البيع على عدة أشياء كان أحدها فير قابل للتعامل فيه لعدم مشروعيته أو لكون ملكيته تعود للغير، فيعتبر البيع باطلا بالنسبة لهذا الجزء وصحيحا بالنسبة للأجزاء الأخرى، إلا إذا تبين أن الصفقة واحدة لا يمكن تقسيمها، حينئذ يشمل البطلان البيع كله[26].

من الواضح أن نظرية انتقاص العقد لها ارتباط بأجزاء من محل العقد، ومعنى هذا أن هذه النظرية لا يمكن تفعيلها إلا في العقود التي يكون محلها قابلا للانقسام، أما في الحالة التي لا يكون فيها المحل قابل لذلك، وفق ما هو منصوص عليه في الفصل 181 من قانون الالتزامات والعقود[27]،  فلا يمكن إعمال نظرية انتقاص العقد، وعلى هذا المحو يمكن لنا القول أن نظرية انتقاص العقد لا تهتم بعناصر تكوين العقد بشكل عام، بل يقتصر اهتمامها على محل العقد، وتفعيلها مقترن بمدى قابلية محل العقد للانقسام، فالعقد يبقى قائما دون أن يَمُسه أي تغيير في تكييفه، فقط ما تحدثه نظرية انتفاص العقد لا يتجاوز استبعاد بعض أجزاء محل العقد لبطلانها، والاكتفاء بالأجزاء الأخرى الغير باطلة من المحل، لتكون محلا للعقد، على عكس نظرية تحول العقد التي لا تنظر إلى ركن محدد من أركان العقد، إذ أن تفعيلها مرتبط بالعناصر الضرورية للعقد، فما إن يختل عنصر من عناصر العقد المراد إحداثه، وحضرت عناصر عقد أخر، حُول العقد من ذاتية العقد الأصلي الباطل لعدم توفر أسباب قيامه، إلى غيرية يمثله العقد الجديد الذي استجمع أركان وشروط قيامه عبر ذاتية العقد الأصلي الباطل، مما يحيل على أن وظيفة نظرية تحول العقد تتمثل في  إحياء عقد محكوم بالموت ( البطلان ) وليس إنقاذه فقط، كما هو الحال مع نظرية انتقاص العقد، وذلك عبر نقله وتحويله من تكييف قانوني معين لم يستجمع عناصر قيامه، إلى تكييف قانوني أخر توفرت عناصر قيامه في العقد المحكوم بالبطلان.

ثانيا: التمييز بين نظرية تحول العقد ونظرية الخطأ في تكوين العقد

صاغ الفقيه الألماني ( ابرنج Iberinge  ) نظرية الخطأ في تكوين العقد، حيث رسم مبدأ يقضي بأن كل متعاقد تسبب، ولو عن حسن نية، في إيجاد نظهر كاذب لعقد باطل اطمأن المتعاقد الاخر إلى أنه صحيحـ يلتزم بمقتضى هذا العقد الباطل أن يعوض على هذا المتعاقد الاخر ما أصابه من الضرر بسبب اطمئنانه إلى العقد، بحيث يرجع إلى الحالة التي كان يصير إليها لو لم يتعاقد[28]، وتسمى نظرية الخطأ في تكوين العقد لدى جانب من الفقه المغربي بالتعويض الناشئ عن بطلان العقد وإبطاله[29]، فقد يحدث في العمل أن يلحق العقد الباطل أو الذي حكم بإبطاله ( البطلان النسبي ) ضررا بأحد الطرفين دون أن يكون الطرف المضرور أي يد في هذا البطلان، فيكون من حق هذا الأخير أن يلزم المتعاقد الاخر بالتعويض اصلاحا لهذا الضرر الذي لحقه، ويعتبر هذا التعويض في مثل هذه الحالات أثرا عرضيا للعقد الباطل أو الذي قضي بإبطاله[30]  ومن بين الحالات التي ربط فيها المشرع بين الحكم بالبطلان والابطال واستحقاق التعويض.

ونجد تطبيق نظرية الخطأ في تكوين العقد المُوجبة للتعويض بسبب البطلان ما نص عليه الفصل 60 من قانون الالتزامات والعقود الذي نص على أن : ” المتعاقد الذي كان يعلم، أو كان عليه أن يعلم عند إبرام العقد، استحالة محل الالتزام يكون ملزما بالتعويض تجاه الطرف الآخر “، فيما نجد تطبيق نظرية الخطأ في تكوين العقد المُوجبة للتعويض بسبب الإبطال ما نص عليه المشرع في الفصل 485 من قانون الالتزامات والعقود المتعلق ببيع ملك الغير الذي جاء في فقرته الثانية : ”  وإذا رفض المالك الإقرار، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع وزيادة على ذلك، يلتزم البائع بالتعويض، إذا كان المشتري يجهل، عند البيع أن الشيء مملوك للغير “[31].

الملاحظ من خلال هذا السرد الموجز لملامح نظرية الخطأ في تكوين العقد كأثر من الاثار العرضية للبطلان،  أن مبناها مُؤسس على فكرة التعويض لا فكرة الإنقاذ كما هو الحال مع نظرية انتقاص العقد، ولا فكرة التحويل كما هو الشأن بالنسبة لنظرية تحول العقد، حيث أن العقد في نظرية الخطأ في تكوين العقد يؤول إما للبطلان أو الإبطال، دون أن تكون هناك إمكانية إنقاذ وتحويل لهذا العقد، فَيلحق ببطلانه أو بإبطاله ضررا بأحد الأطراف، الأمر الذي ينتج عنه تعويض المضرور، وتبعا فإن العقد وفق نظرية الخطأ في تكوين العقد لا يظل قائما، بل ينتفي لبطلانه أو لإبطاله، على عكس نظرية تحول العقد التي تتماهى في إبقاء العقد قائما، عن طريق تحويله إلى عقد أخر غير العقد الذي اتجهت إرادة الأطراف إلى إحداثه.

لذلك نجد هناك اختلاف واضح بين نظرية تحول العقد ونظرية الخطأ في تكوين العقد، والاختلاف هنا مُؤسس على غاية كل نظرية، بالنسبة لنظرية تحول العقد، فإنها تهدف إلى تحويل تكييف قانوني للعقد الذي لم يستجمع العناصر اللازمة لقيامه، إلى تكييف قانوني لعقد اخر توفرت عناصر قيامه في العقد الباطل، فيما نظرية الخطأ في تكوين العقد المؤدية إلى التعويض للبطلان أو الإبطال فإن غايتها لا ترمو إلى الّإبقاء على العقد، بل تكتفي بتعويض الطرف المتضرر في العقد الباطل أو الذي وقع إبطاله.

المطلب الثاني: إعمال نظرية تحول العقد

النظرية لا يكون لها وجود عملي  إلا عن طريق تفعيلها عمليا، لتتخلى عن برج التصوف المعرفي المحض الذي كانت فيه، لصالح الواقع لتصطدم به، وتتعايش معه، كنوع من الاختبار،  لماهيتها، ولأدوارها، ومدى إمكانية تطابقها مع الواقع وتوجه إرادات الأفراد،  والأكيد أن هذا التفعيل العملي له مجاله في نظرية تحول العقد، مع انضباط هذا المجال لشروط معينة تُعتبر بمثابة القناة المؤدية لإظهار تجلي نظرية تحول العقد على مستوى الواقعي، فبدون هذه الشروط لا يمكن أن تتخلى نظرية تحول العقد عن برجها النظري. ولئن كان العقد وسيلة ضابطة للتعايش الإنساني، فإن نظرية تحول العقد في بعدها العملي وسيلة لإبقاء ذاك التعايش في قالب قانوني محين على مستوى تكييف العلاقة التعاقدية، فيتحول العقد ( الأصلي ) من حالته الباطلة إلى عقد أخر ( جديد ) وُجدت أركانه في أحشاء العقد الأصلي الباطل، غير أن هذا التحول لا يسري على اي عقد، بل يقتصر مجراه على عقد مصيره محتوم بالبطلان لعدم استجماع أركانه، أو قابل للإبطال لانتفاء شروط صحة التراضي، الأمر الذي يشكل لنا نطاق إعمال نظرية تحول العقد ( الفقرة الأولى ) لنعرُج بعدها لتحديد شروط إعمال نظرية تحول العقد ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: نطاق إعمال نظرية تحول العقد

يرتبط نطاق إعمال نظرية تحول العقد بالحالات التي يمكن أن ينتُج عنها إمكانية تفعيل هذه النظرية واقعيا،  بالشكل الذي يؤسس لعقد جديد نابع من عقد أصلي باطل، ولما كانت هذه الحالات قد وردت في القانوني فلا يمكننا سوى الانسياب وراءها بما يرتب عن ذلك تناولها وتحديد مدى دقة المشرع المغربي في تنصيصه على نظرية تحول العقد، خاصة أن الحالات المؤدية لإعمال نظرية العقد لا تخرج عن حالة بطلان العقد ( أولا ) أو إبطاله ( ثانيا ).

أولا: بطلان العقد كمجال لإعمال نظرية تحول العقد

ينص الفصل 309 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: ” إذ بطل الالتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام اخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا الالتزام الأخير “، بمعنى أن إعمال نظرية العقد لا تسري على العقد الصحيح من حيث الأركان، فالعقد الصحيح كيفما كان تكييفه القانوني، سواء كان عقد بيع أو عقد الكراء، أو عقد فرض، يبقى على حاله ولا يخضع لأي تحويل، كون أن العقد في هذه الحالة استجمع أركانه الأساسية، وشروط صحته، وتبعا أًصبح له وجود قانوني وواقعي، قانوني كونه يتوفر على الأركان اللازمة والشروط الصحيحة، والتي تؤدي إلى قيام عقد صحيح في مبناه الكلي، وواقعي كونه أصبح منتجا لأثاره، من خلال تنفيذ أطراف العلاقة التعاقدية لالتزاماتهم دون أن يلحق بالعقد خلل يؤدي به للبطلان أو الإبطال، وقد نص المشرع المصري على نفس الأمر، حيث نص القانون المدني المصري في مادته 144 على أن : ” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتوافرت فيه أركان عقد أخر، فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت أركانه، إذا كانت نية المتعاقدين تنصرف إلى إبرام هذا العقد ” وهو الدأب نفسه الذي سلكه المشرع المدني الألماني الذي جاء نص المادة 140 بما يلي: ” إذا كان العمل القانوني الباطل يفي بشروط عمل قانوني اخر، فهذا العمل الأخير هو الذي يؤخذ به إذا فرض أن المتعاقدين كانا يريدانه لو كانا يعلمان بالبطلان “.

فالعقد الأصلي لو كان صحيحا، ولكنه تضمن عناصر تصرف اخر كان المتعاقدين يفضلانه على العقد الأول، فلا يتحول العقد الأصلي ما دام صحيحا، إذ لا يتحول إلا العقد الباطل. مثل ذلك أن يقع عقد الهبة صحيحا، لكن يتضمن بين ثناياه عناصر الوصية، وتبين أن الواهب يفضل الوصية، فلا تتحول الهبة إلى الوصية في هذه الحالة لأن الهبة صحيحة، وبالتالي لا مجال لإعمال التحويل[32]، لذا فإن العقد الصحيح إذا اتخذ تكييفا معينا[33] ، لا يستقيم تحويله إلى تكييف قانوني اخر ما لم يكون العقد الأول باطلا، فتغيير التكييف من عقد إلى أخر مرتبط بمدى صحة العقد المراد تحويله من قالبه الأصلي،  إلى قالب بديل، لانتفاء أركان وشروط قيام القالب الأصلي للعقد.

وقد يتحول العقد استنادا إلى سلطة القاضي في تفسيره، واستطلاع مقاصده واستشفاف معانيه، إذ نجد أن المجلس الأعلى سابقا، محكمة النقض حاليا[34]، قد أكد في أحد قراراته[35] أن : ” لمحكمة الموضوع الحق في أن لا تعتبر في العقود إلا معناها لا مبناها، وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين عقد كراء لا عقد شركة تُصحح الوضع… “، ونجد أن القاضي من خلال عملية تفسير العقد التي تبقى من صميم مهامه، قد حول العقد من عقد شركة إلى عقد كراء، استنادا إلى مقاصد ومعاني العقد، وامتثالا للقاعدة الفقهية المعروفة ” العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني “، ومعنى هذا أن التصرف كيف ما كان، لا يُدرك في مكمن وجوده وذاتيته، بالتعبيرات، سواء ألفاظ أو مباني، بل يؤخذ من جانب مقاصده والمعاني التي يتضمنها في جوهره، وعليه والحالة هذه، فإن هذه انتفاء لتطبيق نظرية تحول العقد قائم كون أن القاضي قد فسر العقد وفق معاني العقد الذي انصرفت إلى الدلالة على عقد الكراء بدل الدلالة على عقد الشركة، فالعقد هنا قام صحيحا، إلا أن مقاصد العقد ومعانيه تحيل لدلالة على أنه عقد الكراء لا عقد الشركة المُحال عليه في الألفاظ والمبنى.

ثانيا: إبطال العقد كمجال لإعمال نظرية تحول العقد

بالعودة إلى الفصل 309 من قانون الالتزامات والعقود الذي نص على: ” إذ بطل الالتزام باعتبار ذاته… ” نجد أن المشرع المغربي قد جاء بكلمة ” بطل ” والتي يؤول مفهومها إلى البطلان دون الإبطال، وبالتالي حصر مجال إعمال نظرية تحول العقد في التشريع المغربي في البطلان دون الإبطال، إضافة إلى أن نص المادة 309 من قانون الالتزامات والعقود وردت في باب بطلان الالتزامات [36]، دون أن ترد في الباب المتعلق بإبطال الالتزامات[37]، والإشكال هنا يتمثل في مضمون المادة 309 التي جاءت بشكل مُضبب لا توضح هل نظرية تحول العقد تشمل على البطلان فقط، أم تنصرف حتى على العقد القابل للإبطال، وهو الدأب نفسه الذي سار عليه القانوني المدني الألماني الذي نص في المادة 140 منه على البطلان كمجال لإعمال نظرية تحول العقد دون الإشارة لعقد القابل للإبطال، على عكس التشريع المدني المصري الذي كان واضحا في هذا الصدد حيث جاءت المادة 144 منه بما يلي: ” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتوافرت فيه أركان عقد أخر، فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت أركانه، إذا كانت نية المتعاقدين تنصرف إلى إبرام هذا العقد “، فمن خلال هذا النص يتضح بجلاء أن المشرع المصري كان أكثر نباهة من المشرع المغربي ومعه الألماني من خلال ايضاحه لمجال إعمال نظرية تحول العقد.

هناك من الفقه المغربي من يعتبر أن العقد القابل للإبطال مجالا لتطبيق نظرية تحول العقد[38]، حتى لو لم ينص ذلك المشرع المغربي على ذلك، غير أن البعض الاخر لم يتطرق إلى الإبطال كمجال لإعمال نظرية تحول العقد، بل اكتفى على بنقاش البطلان كمجال وحيد لتفعيل نظرية البطلان[39]، وفي نظرنا أن التوجه الاخير الذي لم يخُض في نقاش إمكانية إعمال نظرية العقد في العقود القابلة للإبطال، مكتفيا بحصر مجال إعمال نظرية تحول العقد في العقد الباطل، هو الأصح في حالتي التشريع المغربي والألماني الذي لم ينص على أن نظرية تحول العقد لا تسري على العقد القابل للإبطال كما تسري على العقد الباطل، كون أن نظرية تحول العقد، غي جوهرها تغيير للتكييف القانوني للعقد، فمثلا، إذا ما توفرت أركان الوصية ( الوصف البديل ) في عقد الهبة الباطل ( الوصف الأصلي )، انتقل عقد الهبة من تكييفه الأصلي إلى تكييف بدبل، لبطلان التكييف الأصلي، وبالتالي فالمسألة هنا مسألة أركان، ففي غياب أحد الأركان المكونة لعقد ما، واحتواءه للعناصر المُشكلة لعقد أخر، يتم تطبيق نظرية تحول العقد بشكلها العادي.

أما في حالة الإبطال، فإن نص الفصل 311 من قانون الالتزامات والعقود قد جاء بنا يلي: ” تكون لدعوى الإبطال محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و 39 و 55 و 56،  من هذا الظهير، وفي الحالات الأخرى التي يحددها القانون “، بمعنى أن الإبطال لا يتحقق من تلقاء نفسه كما هو الحال مع العقد الباطل، بل يستلزم للقول بإبطال العقد رفع دعوى أمام القضاء، ونتلقف من  النصوص العامة التي حددت حالات إبطال العقد في نقصان أهلية أحد المتعاقدين، و تعيب إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضى، إضافة إلى وجود نص خاص في القانون يُقرر إمكانية رفع دعوى إبطال العقد، بمعنى أن العقد القابل للإبطال مرتبط بما يقرره القضاء، وتبعا فإن افتراض إعمال نظرية تحول العقد في العقد القابل للإبطال تخرج عن نطاق الأطراف المتعاقد كما هو الحال مع البطلان، فإعمال نظرية تحول العقد في حالة العقد القابل للإبطال تكون في يد القاضي لأن الإبطال لا يتحقق إلا عن طريق رفع دعوى الإبطال أمام أنظار القضاء، غير أن هذا الافتراض نفسه ليس له ما يدعمه منطقيا، فرفع دعوى الإبطال من طرف من عُيبت إرادته دلالة على أنه لا يبتغي من ذلك سوى إبطال العقد، ونفس الشيء بنسبة لنقصان الأهلية كسبب موجب لرفع دعوى إبطال العقد، ونفس الشيء لحالات الإبطال المنصوص عليها في القوانين الخاصة.

الفقرة الثانية: شروط إعمال نظرية تحول العقد

يعتبر البطلان المجال الأصلي لإعمال نظرية تحول العقد، زيادة على العقد القابل للإبطال في نظر بعض الفقه وبصريح المادة 144 من القانون المدني المصري، إذ لا يمكن الحديث أصلا عن نظرية تحول العقد دون وجود عقد باطل أو عقد قابل للإبطال، فهما اللذان يشكلان أساس تحويل العقد من تكييف قانوني أصلي باطل، إلى تكييف قانوني اخر جديد انبثق من التكييف الأصلي، وعلى هذا الأساس فإن إعمال نظرية تحول العقد هو الشرط الأساسي الذي يجب أن يقترن بشرط اشتمال العقد الباطل للعناصر المؤدية لتكوين العقد الجديد ( أولا ) وشرط توجه إرادة المتعاقدين إلى تبني مضمون العقد الجديد ( ثانيا ).

أولا: اشتمال العقد الباطل للعناصر المؤدية لتكوين العقد الجديد

لكي تتم عملية تحويل العقد فإنه من اللازم أن يشتمل العقد الباطل أو العقد القابل للإبطال على عناصر العقد الاخر، فالعقد الرسمي إذا كان باطلا لعدم توفر الورقة الرسمية على الشروط الشكلية لها فإنه قد يتحول إلى عقد عرفي[40] وهذا ما نص عليه الفصل 423 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه : ” الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية، بسبب عدم اختصاص أو عدم أهلية الموظف، أو بسبب عيب في الشكل، تصلح لاعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الأطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة “، فلا يسوغ استكمال العقد الجديد بعناصر خارجة عن العقد الباطل[41]، فالعقد الأصلي رغم بطلانه يجمع العناصر اللازمة لتكوين العقد الاخر، كما في البيع ذي الثمن التافه المكتوب في ورقة رسمية، فقد جمع نية التبرع والأهلية له بفرض وجودها والرسمية، وهذه هي عناصر الهبة، أما إذا لم يتضمن العقد الباطل جميع عناصر العقد الاخر فلا يجوز التحول[42].

غير أنه في حالة أخذنا بالعقد القابل للإبطال كمجال لإعمال نظرية تحول العقد في اقترانه مع شرط ضرورة اشتمال العقد القابل للإبطال على عناصر العقد الجديد، سنصطدم في أن الأسباب الموجبة لإبطال العقد غالبا ما تتعلق أساسا بالأركان العامة المنصوص عليها في الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود، كعيوب الإرادة التي تُعدم الرضي، والأخير يعتبر ركنا أساسيا في مسار إنشاء العلاقة التعاقدية، وبالتالي فإن العقد إذ انتفى فيه عنصر التراضي أو كان مشوبا بعيب من عيوب الرضى، فإن العقد الجديد هو الاخر ينشأ في صيغة معيبة، حتى لو استبدل القاضي تكييف العقد، إذ والحالة فالرضى  في مجال التعاقد يعتبر من الأركان العامة التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال قيام العقد بدونه، فتعيبه يعطي الحق لمن عُيبت إرادته في رقع الدعوى لأجل إبطال العقد، لا أن يتم تحويل العقد، وفق تكييف القاضي، فالعقد الذي يراد تحويله، لا يتصور منطقيا رفع دعوى قصد إبطاله، فإذا كنا نفهم أن تحول العقد الباطل نتاج لعدم توفر الأركان اللازمة لقيامه، غير أنه يحتوي على عناصر بروز العقد الجديد، فإن العقد القابل للإبطال لا يكون ناقصا من حيث الأركان، بل قد تكون أحد أركانه مشوبة، وليست منعدمة، حتى نقول أن العقد القابل للإبطال في أصله يمكن الاستعاضة عنه لصالح عقد اخر، عن طريق تحول العقد.

ثانيا: وشرط توجه إرادة المتعاقدين إلى تبني مضمون العقد الجديد

يجب أن تنصرف نية المتعاقدين المحتملة إلى العقد الجديد الاخر، ومعنى ذلك أن المتعاقدين، إذا كانا لم يريدا العقد الاخر ( أي لم يريدا عناصر هذا العقد مجموعه وإن أرادا كل عنصر منفردا ” إلا أنهما كان يريدانه لو علما أن العقد الأول باطل. فإراداتهما الواقعية انصرفت إلى العقد الأول، وانصرفت إرادتهما المحتملة إلى العقد الاخر[43]، وعلى القاضي أن يتقين من أن المتعاقدين كانا سيقبلان العقد الجديد بالرغم من بطلان العقد الاصلي[44] وقد اختلف الفقه في وصف وتكييف هذه الإرادة التي يتوجب على القاضي تقصيها لإعمال نظرية تحول العقد، فهناك كم يأخذ بالإرادة المحتملة أو المفترضة أو المستنتجة، ومنعم من يعتد بالإرادة الاضافية أو الاحتياطية العكسية، ومنهم من يبني التحول على إرادة غير موجودة أو لانعدام الإرادة، إلا أن الصحيح من كل هذا أن هناك إرادتين، إرادة حقيقة وهي التي انصرفت إلى التصرف الباطل، وإرادة محتملة أو الغاية التي يقصدها الطرفان، أو الغرض الاقتصادي[45] وهي الغاية التي من أجلها وجدت نظرية تحول العقد.

لكن ما إن عدنا إلى العقد القابل للإبطال كمجال لإعمال نظرية تحول العقد في القانون المدني المصري، ولدى لعض الفقه، فإن إرادة الطرف المبادر إلى رفع دعوى إبطال العقد واضحة، وهي الحصول على حكم من طرف القضاء يُقر بإبطال العقد، فكيف للقاضي هنا أن يخرج عن إطار ما طلب منه، فالمطلوب منه هنا هو إبطال العقد، وعليه، فإنه ملزم بالغوص في الأسباب التي استند عليه المدعي في دعوى بطلان العقد، دون أن يمتد غوصه إلى تحول تكييف العقد من عدمه انضباطا للفصل 3 من قانون المسطرة المدنية[46] الذي ينص على: ” يتعين على المحكمة  أن تبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وتبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة “، وبالتالي فإن إعمال نظرية تحول العقد على العقد القابل للإبطال فير منطقية في العديد من الجوانب رغم التنصيص المشرع المصري عليها.

خاتمة:

استهدفنا من خلال هذه الدراسة، الكشف عن نظرية تحول العقد، سواء من حيث أصولها التاريخية، وأسُسها القانونية، وبالشكل الذي يزيح ولو القليل من اللثام عن هذه النظرية التي بدأت تحظى باهتمام متزايد من طرف رجال القانون، والاقتصاد معا، ومنبع هذا الاهتمام  هو التطورات الاقتصادية المطردة التي شهدتها كل المجالات وما صاحب من ذلك تأثير على القانون والتشريع بشكل عام، فإن نظرية تحول العقد تجد أساس نقاشها في خضم هذه التطورات الاقتصادية، لارتباط غاية نظرية تحول العقد بالغرض الاقتصادي أكثر من ارتباطها  بتحول القانوني الذي يجري على التكييف القانوني للعقد، إذ أن نظرية تحول العقد تستهدف حماية العلاقة الاقتصادية التي نشأت بين طرفي العقد الأصلي الباطل وخاصة في العقود ذات الأهمية الاقتصادية، فهنا يتحول العقد على مستوى التكييف القانوني، مع الاحتفاظ مضمون العلاقة الاقتصادية التي أُنشئت في خضم العقد الأصلي الباطل.

 

 

المراجع:

  • الكتب:

 

  • أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية.

 

  • عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية الجديدة، 1998 .

 

  • عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مطبعة الأمنيةـ الرباط، المغرب، الطبعة الرابعة 2014.

 

  • مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، المجلد الأول، مصادر الالتزام، بدون مطبعة، الطبعة الثانية، 1972، ص 197.

 

  • نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، العقد ـ الإرادة المنفردة ـ الإثراء بلا سبب، مطبعة تطوان، الطبعة الثانية سنة 2015.

 

  • المقالات:

 

  • عبد اللطيف بن السعود الصرامي، قاعدة ” ما لا يدرك كله، لا يترك جله ” تأصيلا وتطبيقا، مقال منشور في مجلة جامعة الإمام، العدد السادس، محرم 1429 هــ.

 

  • الرسائل:

 

  • محمد حبيبي، نظرية انتقاص التصرف القانوني في التشريع المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية، 2018/2019 .

 

[1] ظهير 9 رمضان 1331 ( 12 غشت 1913 ) المتعلق بقانون الالتزامات والعقود.

[2] ينص الفصل 2 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:

1ـ الأهلية للالتزام

2ـ تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛

3ـ شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛

4ـ سبب مشروع للالتزام ؛

[3] ونقصد بالتعيين هنا خروج العقد من مطاق النظرية العامة للالتزامات، ودخوله في نطاق العقود المسماة التي يتطلب قيامها وجود أركان وشروط خاصة، زيادة عن الأركان العامة التي تعمل على ضبط العقد في عموميته.

[4] ينص الفصل 306 على أنه : ” يكون الالتزام باطلا بقوة القانون:

1ـ إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه؛

2ـ إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه؛

[5] كما هو الشأن بالنسية لقوانين الشركات، سواء 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، أو قانون 5.96 الخاص بباقي الشركات، التي تحتوي على قواعد خاصة بالبطلان، تختلف بشكل كبير عن ما تم التنصيص عليه في إطار القواعد العامة للبطلان المدرجة في قانون الالتزامات والعقود.

[6] جاء الفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود، بصياغة معيبة نوعا ما، لأنه ذكر تحول الالتزام، والأصح هو تحول العقد، وما الالتزام الذي ذكر في مضمون الفصل 309 سوى نتاج للعقد.

[7] أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية، ص 379.

[8] نصت المادة 140 من القانون المدني الألماني المعروف اختصارا بــ ” BGB ” على ما يلي:

Section 140:

Re-interpretation

If a void legal transaction fulfils the requirements of another legal transaction, then the latter is deemed to have been entered into, if it may be assumed that its validity would be intended if there were knowledge of the invalidity.

[9] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مطبعة الأمنيةـ الرباط، المغرب، الطبعة الرابعة 2014، ص 310.

[10] عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية الجديدة، 1998 ص 634.

[11] للمزيد حول هده القاعدة الفقهية، أنظر، عبد اللطيف بن السعود الصرامي، قاعدة ” ما لا يدرك كله، لا يترك جله ” تأصيلا وتطبيقا، مقال منشور في مجلة جامعة الإمام، العدد السادس، محرم 1429 هــ، ص 166 وما بعدها.

[12] نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، العقد ـ الإرادة المنفردة ـ الإثراء بلا سبب، مطبعة تطوان، الطبعة الثانية سنة 2015، ص 99.

[13] تجاذب البطلان نظريات فقهية عديدة، حيث حاولت كل منها تحديد أنواع البطلان، فهناك النظرية التقليدية للبطلان التي قالت بأن مراتب البطلان ثلاث، الانعدام، والبطلان المطلق، والبطلان النسبي، وهي نظرية فقهية تجدها أساسها في القانون الروماني، وقد وجه لهذه النظرية انتقادات حادة، عملت على هدم التمييز القائم بين الانعدام والبطلان المطلق، وجعل الاثنين في مرتبة واحدة، لتتشكل بذلك النظرية الحديثة التي قالت بالتقسيم الثنائي للبطلان، بطلان مطلق وهو الذي يكون عند اختلال ركن من أركان العقد، وبطلان نسبي وهو المعروف في لغة القانون ( بالبطلان )، وبطلان نسبي والمعروف في لغة القانون ( بالإبطال )، والذي يكون حال كان العقد مكتمل الأركان والشروط، غير أن الرضى مشوب بعيب من عيوب الإرادة، أو صدر من ناقص الأهلية، وللتوسع أكثر حول أنواع البطلان والنظريات المحاطة بالموضوع، أنظر، عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 606 وما بعدها.

[14] مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، المجلد الأول، مصادر الالتزام، بدون مطبعة، الطبعة الثانية، 1972، ص 197

[15] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 275.

[16] للمزيد حول تعريف البطلان أنظر:

  • عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 601 و ما بعدها.
  • أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 9 وما بعدها.

[17] يقول الأستاذ أحمد شكري السباعي في معرض حديثه عن الاثار الأصلية لبطلان العقد ما يلي: ” الأصل العام أن العقد الباطل، أو العقد الذي حكم بإبطاله لا ينتج أي اثار إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، إلا أن هذه القاعدة التي قررتها المادة 306 من قانون الالتزامات والعقود ليست مُطلقة، ذلك أن القانون رتب في بعض الحالات على العقد الباطل أو الذي حكم بإبطاله جميع أو بعض أثاره الأصلية، ويرتب العقد هذه الاثار باعتباره تصرفا قانونيا، لا باعتباره واقعة مادية، وبعبارة أخرى أن العقد يُولد هذه الاثار كما لو كان عقدا صحيحا، وأساس هذا الخروج من هذا الأصل هو حماية القانون للظاهر …” للتوسع أكثر أنظر، أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 369.

[18] عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 619.

[19] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 307.

[20] أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 378 وما بعدها.

[21] أدرج الأستاذ عبد القادر العرعاري، نظرية انتقاص العقد ضمن الاثار العرضية للبطلان، على عكس الأستاذ أحمد شكري السباعي، الذي أخرجها من دائرة الاثار العرضية، و أكد أنها من الاثار الاصلية للبطلان.

[22] للتوسع أكثر حول نظرية انتقاص العقد أنظر: ” محمد حبيبي، نظرية انتقاص التصرف القانوني في التشريع المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية، 2018/2019  ص 7 وما بعدها.

[23] جاءت صياغة المادة 139 من القانون المدني الألماني مشابهة إلى حد كبير إلى الصياغة الواردة 308 من قانون الالتزامات والعقود.

Section 139
Partial invalidity
If a part of a legal transaction is void, then the entire legal transaction is void, unless it is to be
assumed that it would have been undertaken even without the void part.

[24] نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص 123.

[25] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 308.

[26] نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص 123.

[27] ينص الفصل 181 من قانون الالتزامات والعقود على: ” سكون الالتزام غير قابل للانقسام:

1ـ بمقتضى طبيعة محله، إذا كان هذا المحل شيئا أو عملا لا يقبل القسمة سواء كانت مادية أو معنوية؛

2ـ بمقتضى السند المنشئ للالتزام أو بمقتضى القانون، إذا ظهر من هذا السند أو من القانون أن تنقيذ الالتزام لا يمكن أن يكون جزئيا.”

[28] عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 624.

[29] الأستاذ عبد القادر العرعاري، يكنى نظرية الخطأ في تكوين العقد بالتعويض الناشئ عن بطلان العقد وإبطاله، فيما يسميها الأستاذ أحمد شكري السباعي بنظرية الخطأ في تكوين العقد، وفي نظرنا فالأمر سيان، لكون أن أساس التعويض الناشئ عن بطلان العقد أو إبطاله، هو الخطأ في تكوين العقد، وبتعبير اخر، فالخطأ في تكوين العقد هو السبب المُوجب للتعويض، غير أنه قد أثير نقاش حاد حول الأساس القانوني لهذا التعويض، = حيث برز اتجاهين فقهيين، الأول يقول بأن أساس هذا التعويض هو المسؤولية التقصيرية، فيما برز اتجاه فقهي ثاني يقول بأن أساس التعويض هو المسؤولية العقدية، للمزيد حول هذا النقاش، انظر، أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 389 وما بعدها.

[30] أحمد شكري السباعي، المرجع نفسه، ص 389.

[31] بيع ملك الغير يقع صحيحا وفق ما هو منصوص عليه في الفصل 485 من قانون الالتزامات والعقود، إذا أقره المالك، أو إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.

[32] عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 635.

[33] التكييف هو إعطاء صفة معلومة، والتكييف في العقود، هو إلحاق اسم معين بعقد ما، فنقول، عقد البيع، عقد القرض، أي إخراج العقود من إطارها المجرد والعام إلى إطار العقود المسماة التي نجد أن المشرع قد نظمها في الكتاب الثاني من قانون الالتزامات والعقود.

[34] تم تغيير اسم ” المجلس الأعلى ” ب ” محكمة النقض ” وذلك بموجب قانون رقم 58.11، الصادر لتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 ذو القعدة 1432 ( 25 أكتوبر 2011 )، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28  ذو القعدة 1432، ( 26 أكتوبر 2011 ) ص 5228، وعليه فجميع القرارات الصادرة قبل 25 أكتوبر  2011 تكون صادرة عن المجلس الأعلى وليس محكمة النقض.

[35] قرار المجلس الأعلى عدد 308 صادر بتاريخ 20 أبريل 1966 منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 85، سنة 1998، ص 288 وما بعدها.

[36] من المادة 306 إلى المادة 310.

[37] من المادة 311 إلى المادة 318.

[38] ساير هذا الاتجاه كل من:

  • عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 310.
  • أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 382.

[39] نجد ذلك عند كل من:

  • عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 635.
  • نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص 122.

[40] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 311.

[41] أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 384.

[42] عبد الرزاق أحمد السنهوري، نظرية العقد، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 636.

[43] عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع نفسه، 636.

[44] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، مرجع سابق، ص 311.

[45] أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، مرجع سابق، ص 386.

[46] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية  عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 ( 30 شتنبر 1974 )، ص 2741.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى