في الواجهةمقالات قانونية

التقاضي عن بعد في المغرب

التقاضي عن بعد في المغرب

من إعداد: ميمون حاجي

ماستر القانون الجنائي والتعاون الجنائي الدولي

 

 

المقدمة

يعد التطور المعلوماتي المتسارع السمة الأساسية لعصر المعلومات، فبعد الثورة الصناعية التي اهتمت بإنتاج المواد جاء عصر الثورة المعلوماتية والذي ركز على إنتاج الأفكار بدلا من المواد وأصبحت الدول التي تمتلك معلومات أكثر هي الأكثر سيطرة على مجريات الأمور في العالم، وشهدت العشرين سنة الأخيرة تطورا هائلا في قطاع المعلومات والاتصالات لم نعهده من قبل وقد غير هذا التطور من ملامح العالم الجديد فحلت وظائف بدلا من أخرى وظهرت تقنيات غيرت نشاطات المجتمع وأثرت على المفاهيم والمسلمات.

وإن لهذا التقدم العلمي والتقني التأثير المباشر والبارز على تطوير القواعد القانونية، حيث أصبح التواصل وتبادل الرسائل والصور بين ابناء الكرة الأرضية أمر سهل عبر الزمان والمكان وأصبح باستطاعة الفرد رصد كل ما يجري من أحداث على الأرض والتجول عبر شبكة الانترنيت لإبرام الصفقات وشراء السلع والخدمات وأصبحت الترددات والشفرات والمفاتيح السرية والارقام الالكترونية عبر الشاشة هي وسيلة انجاز تلك المعاملات بدلا من الأوراق والسجلات المدونة والتوقيع التقليدي، وأمام هذا التطور المتزايد لوسائل التكنولوجيا الحديثة وهيمنتها على كل جوانب الحياة المعاصرة بما فيها الجانب القانوني بات من الضروري تطوير نظام القضاء وطريقة تسوية المنازعات وحديث وسائل الاثبات التقليدية وعدم الاقتصار على المحرر الورقي والتوقيع العادي بل استيعاب المحررات الالكترونية التي تعتمد على دعامات غير ورقية مصحوبة بالتوقيع الالكتروني .

وبالرغم مما سبق ذكره من تطور هائل في المجال القانوني الى ان واقع القضاء المغربي لم يسجل تطورا ملحوظا في هذا الخصوص، في حين نجد بالمؤسسة القضائية ما يزال القضاة يعتمدون اسلوب الكتابة التقليدية في تدوين اجراءات التقاضي واصدار الأحكام القضائية ومسك السجلات والمدونات الكتابية لحفظ وارشفة ملفات الدعاوى القضائية وهذا ما يؤثر سلبا على حقوق المتقاضين بصورة خاصة وطبيعة العملية القضائية بصورة عامة.

ومن خلال ما سبق يبقى الإشكال الأساسي في هذا الصدد هل يمكن للنظام القضائي التقليدي القائم على الإجراءات الورقية مواكبة التطور المعلوماتي وتحديات العولمة الرقمية أم حان الوقت لتدخل تشريعي يغير مجرى القضاء من قضاء تقليدي متجاوز الى قضاء الكتروني حديث؟

 

 

 

 

 

 

المحور الأول: مفهوم التقاضي عن بعد (الإلكتروني)

أولا: تعريف التقاضي عن بعد

التقاضي عن بعد هو نظام قضائي معلوماتي يتم بموجبه تطبيق كافة اجراءات التقاضي عن طريق المحكمة الالكترونية بواسطة اجهزة الحاسوب المرتبطة بشبكة الانترنت وعبر البريد الالكتروني لغرض سرعة الفصل في الدعاوى وتسهيل اجراءاتها على المتقاضين وتنفيذ الأحكام إلكترونيا.

ووفقا للتعريف أعلاه فان المتقاضي أو المحامي عند رغبته في إقامة الدعوى بطريقة الكترونية يقوم بإرسال مقال الدعوى عبر البريد الالكتروني من خلال موقع الكتروني مخصص لهذا الغرض ، بحيث يكون هذا الموقع متاح 24 ساعة يوميا وطيلة أيام الأسبوع حيث يتم استلام هذه المستندات بمعرفة الشركة القائمة على ادارة هذا الموقع ثم تقوم بإرساله الى المحكمة المختصة ، حيث يتسلمه الموظف المختص بذلك ويقوم بفحص المستندات والتأكد من هوية المستخدم ثم يقرر قبول هذه المستندات أو عدم قبولها ويرسل للمتقاضي رسالة الكترونية يعلمه منها باستلام المستندات والقرار الصادر بشأنها.

وبهذا نكون أمام آلية جديدة لتطبيق نظام قضائي جديد قائم على أسس وقواعد وتشريعات وأحكام قضائية في ظل عصر المعلوماتية والتقنية الرقمية، والتي جعلت من العالم عبارة عن قرية صغيرة، بحيث أصبح كل شيء قابل للتحول إلى أشكال رقمية الكترونية سواء كانت أصواتا أو صورا أو نظريات علمية أو رسومات هندسية او معادلات كيميائية.

كما أن الخصومة في صورها المختلفة، (التقليدية وإلكترونية)، ما هي إلا انعكاس لظروف وتطورات المجتمع وتأثرها بالتقنيات السائدة والمحيطة بها، كما أن تتبع حركة وتطور القانون يؤكد ارتباطه القوي والوثيق بكل ما يستجد اجتماعيًا وتكنولوجيا في المجتمع الذي يكون فيه، وبالتالي يكون لزاما عليه أن يستجيب لكل تحديث اجتماعي وتكنولوجي باعتباره أداة هامة من أدوات التقدم والرقي المجتمعي.

ثانيا: خصائص التقاضي الالكتروني.

يتميز نظام التقاضي الإلكتروني بجملة من الخصائص تجعله يختلف عن التقاضي بالطرق التقليدية ويواكب التطور في ظل ثورة تكنلوجيا المعلومات، هذه المميزات نوجزها في الآتي:

– الانتقال من النظام الورقي إلى النظام الرقمي.

إن أهم ما يميز إجراءات التقاضي الالكتروني، هو عدم استعمال الوثائق الورقية في كافة الإجراءات والمراسلات بين طرفي الدعوى، حيث تتم بينهم الكترونيا، وهو ما يتفق مع الغرض من إنشاء الوسائط؛ بمعنى خلق مجتمع المعاملات اللاورقية، لذلك نجد بأن الدعائم الالكترونية سوف تحل محل الدعائم الورقية بصفة نهائية، بحيث تصبح الرسالة الالكترونية هي السند القانوني الذي يمكن طرفي النزاع من اعتماده في حالة نشوئه، ودليل من أدلة الإثبات الالكترونية.

كما أن استخدام المستندات والوثائق الالكترونية يمكن من التخلص من الكميات الكبيرة للملفات الورقية للدعاوى، التي تكاد تمتلئ بها غرف المحاكم، وكذلك التخلص من عملية التخزين العشوائي لملفات الدعاوى وما يترتب عليها من ضياع وفقدان لها.

وبهذا يمكن تخفيض المساحات المخصصة لتخزين الملفات الورقية في الأجهزة القضائية، واستعمالها في نشاطات أخرى المحكمة، كما أن الوثائق والمستندات الالكترونية، يمكن الوصول إليها والاطلاع عليها بسهولة وبسرعة-خاصة عند الاعتماد على خاصية البحث المتقدم-مما هو علية في الملفات الورقية.

Ø     السرعة في تلقي وإرسال المستندات والوثائق:

تمكن شبكة الانترنت إمكانية إرسال المستندات والوثائق، وبعض الرسائل الكترونيا؛ بمعنى التسليم الفوري للوثائق الكترونيا، شأنها في ذلك شأن البحوث والتقارير الالكترونية، إلى جانب بعض الخدمات  كالإستشارات القانونية وطلب الخبرة في مجال ما، والتي تعتمد على تقنية التنزيل، وتقابله التقنية الثانية التي يطلق عليها  التحميل عن بعد، أي إرسال ملف أو برنامج إلى جهة أخرى، لذلك نرى بأن أجهزة الإرسال الالكترونية، لها دور قانوني في تطبيق إجراءات التقاضي الالكتروني، بحيث يساعد هيئة القضاء في التجميع والتخزين والحفظ، وكذا في الإعلانات والإشعارات،  و في تبادل الوثائق بين الخصوم أو ممثليهم القانونيين وهذه الخاصية تسمح بالاستثمار في الوقت.

Ø     سرعة البت في القضايا وإنجاز إجراءات التقاضي:

تتم عملية إرسال واستلام المستندات والوثائق في التقاضي الالكتروني دون الحاجة لانتقال أطراف الدعوى مرات عديدة لمقر المحكمة، لذلك تساهم في اختصار الزمن وتوفير الجهد وتقليل النفقات، وهذا يؤدي إلى تقليل وامتصاص مشاكل ازدحام الجمهور في المحاكم، كما تساهم في ارتفاع جودة مستوى الخدمة المقدمة لأطراف الدعوى، بالإضافة إلى ذلك نجد أن القضاء التقليدي الجاري حاليا، أن يعقد القاضي  الجلسة الأولى، وقد يخصصها لاستماع أقوال المدعي، ثم يعطي الخصمين موعدا آخر، ربما يكون بعد شهر أو شهرين، وربما ثلاثة أشهر، للجلسة الثانية، فإذا وصل موعد الجلسة الثانية، يكون القاضي –ربما- قد نسي القضية تماما، فيضيع نصف زمن الجلسة الثانية في قراءة القاضي لضبط الجلسة الأولى، وسؤال الخصمين عما دار فيها، بل ربما يعقد جلسة أخرى لسماع البينات بعد ثلاثة أشهر، وهكذا دواليك في سلسلة لا متناهية، وأما في القضاء الإلكتروني، فإن ذلك سيختفي ذلك تماما، حيث أن القضية لن ترفع إلى القاضي، إلا بعد استيفاء جميع البيانات والإثباتات والأقوال التي يرغب الطرفان في إبدائها، ثم يرفع الملخص بعد موافقة الطرفين عليه للقاضي لينظر فيه، فالقضية هنا تكون ناضجة تمامًا حال رفعها للقاضي، وقد يحتاج القاضي بعد ذلك لبعض الأسئلة اليسيرة ثم يصدر حكمه مباشرة.

Ø     سهولة إثبات إجراءات التقاضي إلكترونيا:

إن تقنية المعلومات في ظل العصر الحديث اجتاحت كل دول العالم وفرضت نفسها في كثير من تعاملات الحياة اليومية، وجعلت العالم بلا حدود جغرافية بين القارات رغم بعد المسافات واختلاف التوقيت من خلال كثرة وتعدد وسائل الاتصال الحديثة، مما جعل القانون المعاصر يعترف بالمعاملات الإلكترونية وما صاحبها من أثار قانونية.

فبالمقارنة مع التقاضي التقليدي، الذي يعتمد على الدعامة الورقية في إثبات الوجود المادي للمعاملات فيه، ولا تعد الكتابة دليلا كاملا للإثبات، إلا إذا كانت موقعة بالتوقيع اليدوي، فإن التقاضي الالكتروني، يتم إثباته عبر المستند الالكتروني والتوقيع الالكتروني، فالمستند الالكتروني يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد، فهو المرجع للوقوف على ما اتفق عليه الطرفان، وتحديد التزاماتهما القانونية، والتوقيع الالكتروني هو الذي يضفي حجية على هذا المستند.

وتماشيا مع هذا النمط الالكتروني في الحياة المعاصرة بات من الضروري الاعتراف بصحة الإجراءات التي يتم مباشرتها بشكل إلكتروني وهي سمة تميز التقاضي الإلكتروني كذلك؛ ينبغي العمل على توضيح شروط صحتها وبطلانها قانونا.

Ø     استخدام الوسائط الالكترونية في تنفيذ إجراءات التقاضي:

يعد استخدام الوسائط الالكترونية في تنفيذ إجراءات التقاضي عبر شبكة الاتصالات الالكترونية، من أهم خصائص التقاضي الالكتروني، على اعتبار أن هذا الأخير، لا يختلف من حيث الموضوع أو الأطراف عن التقاضي التقليدي، وإنما الاختلاف يكمن في طريقة تنفيذه، حيث يتم باستخدام وسائط الكترونية؛ تتمثل في جهاز كمبيوتر متصل بشبكة الاتصالات الدولية(Internet)،أو شبكة اتصال خارجي خاصة (Extranet) التي تقوم بنقل التعبير عن الإدارة الالكترونية في نفس اللحظة رغم البعد المكاني لأطراف النزاع، سماع أقوالهم، تبادل المذكرات بينهم أو بين ممثليهم، الاستماع لأقوال الشهود أو استجواب الخصوم.

Ø     جودة الخدمة المقدمة للمتقاضين وخلق محاكم إلكترونية:

يحقق التقاضي الالكتروني مميزات عديدة منها، تقليل مشاكل ازدحام الجمهور في المحاكم، ورفع جودة الخدمة المقدمة إلى جمهور المتقاضين، ورفع فاعلية دورة العمل، وربط معلومات الدعاوى بين المحاكم.

إذ يمكن التقاضي الإلكتروني من رفع الكفاءة الإنتاجية للقاضي، حيث يكون بإمكان القاضي النظر في أضعاف القضايا التي ينظرها حاليا. بالنظر إلى عدم حاجة القاضي للحضور اليومي لمقر التقاضي، كما أنه بإمكانه النظر في القضية، ومناقشة الخصوم، من أي مكان في العالم.

هذا بالإضافة إلى تقليل هدر وقت القاضي، الناتج عن تخلف أحد الخصمين عن الحضور لمقر التقاضي، إذ بالإمكان في القضاء الإلكتروني من تقديم بعض القضايا على بعض من خلال الاتصال بأطراف الدعوى.

وكذا إمكانية متابعة أعمال التفتيش القضائي بكل يسر وسهولة، إذ بإمكان المفتش القضائي الدخول على الموقع المخصص للقاضي، ثم النظر في عدد القضايا المنجزة، وطبيعة الأحكام الصادرة، بل ويمكنه الحضور المباشر للجلسات القضائية حال نقلها مباشرة عبر الإنترنت، وهو في مكانه دون الحاجة لتكبد عناء السفر، أو الانتقال لمقر القاضي.

ويمكن التقاضي الإلكتروني من الاستعانة بقضاة خارج السلك القضائي، من أمثال أساتذة كليات الحقوق ونحوهم، وذلك من خلال إسناد بعض جلسات التقاضي إليهم، واستشارتهم في بعض القضايا، وهذا ما يسرع في إنجاز كثير من القضايا، ويخفف العبء على القضاة.

ومن المميزات أيضا، تقليل التجاوزات التي تحصل عادة أثناء التقاضي، سواء أكانت تلك التجاوزات من الخصوم أو من القضاة، إذ إن ميزة التسجيل في هذا النوع من التقاضي، سوف تجعل أطراف الدعوى في حالة من الاتزان اللفظي والسلوكي، والالتزام بالأنظمة والتعليمات المنظمة لعمليات التقاضي، وذلك حتى لا تستخدم تلك الاختراقات المحتملة ضدهم بأي وجه من الوجوه.

كما يعد التقاضي الالكتروني بمثابة المرحلة اللاحقة لإنشاء مرفق القضاء الالكتروني، حيث لا يمكن رفع الدعوى الكترونيا دون أن تكون للهيئة القضائية موقع على شبكة الانترنت أو أن تكون متصلة بنظام حوسبي خاص.

ثالثا: شروط العمل بتقنية التقاضي الالكتروني

إن استخدام آلية التقاضي الالكتروني، يفرض على أي دولة التقيد بجملة من الشروط، خاصة فيما يتعلق بمسألة المساعدة القضائية بين الدول.

والجدير بالذكر، أن القانون الدولي، وضع ثلاثة شروط أساسية، نستعرضها فيما يلي:

Ø     1-  عدم تعارض استخدام تقنية التقاضي الالكتروني مع قانون الدولة المطلوب منها التنفيذ:

اشترطت الفقرة الثانية من أحكام المادة 09 من البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأوروبية للمساعدة القضائية المتبادلة في المسائل الجنائية، ألا ينطوي استخدام هذه التقنية تعارضا مع المبادئ الأساسية لقانون الدولة المنفذة، ومن ثم فإن لهذه الأخيرة رفض هذا الاستخدام، إذا قدرت أنه يؤدي إلى إهدار المبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، على اعتبار أن الاختصاص القضائي لا يعود لهذه الدولة.

Ø     2-  توافر الوسائل والإمكانيات التي تساعد الدولة المعنية بالتنفيذ من استخدام آلية التقاضي الالكتروني:

إلى جانب شرط عدم تعارض المحادثة المرئية، أو التقاضي الالكتروني مع المبادئ القانونية الأساسية للدولة، نجد الشرط الثاني والذي يتمثل في إلزامية توافر الوسائل والإمكانيات التي تساعد على التنفيذ، لدى الدولة المنفذة.

حيث تطرقت لهذا الشرط، الفقرة الثانية من أحكام المادة 09 من البروتوكول الإضافي الثاني للاتفاقية الأوروبية للمساعدة القضائية السالفة الذكر، وأقرت صراحة ضرورة توافر الإمكانيات والوسائل الفنية التي تمكن الدولة المنفذة من إجراء ذلك، كما أجازت لها إمكانية الرفض لاستخدام هذه التقنية، في حال عدم حيازتها لهذه التجهيزات، مراعاة للجانب المالي لتلك الدولة ، كما يمكن أن تعرض عليها الدولة الطالبة للتحقيق عن بعد عبر الوسائل الالكترونية ، المساعدة لتوفير ما يلزمها من معدات أو خبرات لاستخدام هذه التقنية، سواء على سبيل الإعارة أو الهبة.

Ø     3-حصر استخدام آلية التقاضي الالكتروني في سماع الشهود والخبراء من أقاليم مختلفة:

إن المفهوم الشائع لتقنية التقاضي عن بعد، هو أن عملية التقاضي برمتها تستند على التقنية الحديثة باستعمال الانترنت، لكن في الواقع، غير ذلك، إذ تقتصر فقط على سماع الشهود وإفادات الخبراء، حيث يمكن للسلطات القضائية لإحدى الدول المتعاقدة، طلب سماع شخص يتواجد على إقليم دولة متعاقدة أخرى-بصفته شاهد أو خبير-عبر هذه التقنية، متى ثبت استحالة أو عدم ملائمة المثول الفعلي لهذا الشخص أمامها، وهذا وفقا لأحكام المادة الفقرة الأولى من المادة 09 من ذات البروتوكول.

والملاحظ من خلال فقرة هذه المادة، أن واضعي البروتوكول، بحصرهم التقنية في سماع الشهود والخبراء، حتى لا تثير إشكالات قانونية على الصعيد الدولي ومسائل الاختصاص.

المحور الثاني: المحكمة الإلكترونية كوسيلة للتقاضي عن بعد

يمكن اعتبار المحكمة الرقمية (الإلكترونية/المعلوماتية) آلية للتقاضي عن بعد فهي في حد ذاتها تطبيقا حديثا من تطبيقات التطور العلمي التقني التكنولوجي، حيث بدأ يبرز ويظهر في الأنظمة القضائية المعاصرة سواء الغربية أو العربية.

أولا: تعريف المحكمة الإلكترونية

تم تعريف المحكمة الإلكترونية بأنها موقع يتم فيه الفصل في المسائل القانونية، بحضور قضاة مؤهلين، يتمتعون ببنية تحتية تقنية متطورة تسمح لأصحاب العلاقة بتشغيل بعض الجوانب الإدارية والإجرائية لوظائف المحكمة بشكل أفضل، مثل تقديم الأدلة، أو إيداع السجلات والإيداع الإلكتروني في المحكمة وتلقي الشهادة عن بعد. وهدفها هو (جزئياً)، تقليل الاعتماد على الورق أو المستندات المطبوعة أثناء العملية القضائية، وبشكل أساسي زيادة كفاءة المحكمة عن طريق الإسراع في الوصول إلى المعلومات. ومن الأمثلة النموذجية عنها، يمكن ذكر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وهذه الصيغة القضائية المتطورة تجد أساسها في النجاحات التي حققها التحكيم في المنازعات الإلكترونية. وقد ظهرت أولى تطبيقاتها في الولايات المتحدة الأميركية، تحت إشراف مركز القانون وأمن المعلومات وبدعم من جمعية المحكمين الأمريكيين ومعهد قانون القضاء والمركز الوطني لبحوث المعلوماتية الأمريكي، سنة 1996. وكانت الغاية من ذلك تسوية منازعات التجارة الإلكترونية عن طريق التحكيم الإلكتروني عن طريق” القاضي الافتراضي” الذي يقوم بالاستماع الى الخصوم عن طريق البريد الالكتروني، ويفصل بالنزاع ضمن مهلة اثنين وسبعين ساعة. ومن ثم تم تعميم هذه التجربة بحيث أصبحت المحكمة الإلكترونية معتمدة على نحو واسع في الأنظمة القضائية المتطورة.

ثانيا: مميزات المحكمة الإلكترونية

السرعة والدقة بالنسبة للمتقاضين إذ أن تفعيلها سيعفي من التخلف عن حضور الجلسات وتقلل النفقات وتسهل الاستعلام عن المعاملات القضائية المختلفة مما يخفف من الازدحام في المحاكم. كما تخفف من المشاحنات بين الخصوم في جميع أنواع الدعاوى.

– التوثيق الالكتروني للدعاوي و الدفوعات والتقارير واللوائح جميعها كما صاغها الخصوم أنفسهم، أي من دون أدنى تدخل من المحكمة أو القلم في صياغة تلك المذكرات بالاختزال أو الحذف أو التعديل مما ينعكس على مصداقية المحاكمة وسرعة البت في الدعاوى.

– توفير الوقت والجهد بالنسبة إلى القضاة بادخار نشاط القاضي وعدم هدره في تهدئة الخصوم، وإفهامهم طلبات المحكمة. وكذلك، ان تلقي لوائح الدعوى عبر البريد الإلكتروني، وتبادلها بين الخصوم بإشرافٍ قضائيٍ، يسهّل على المحكمة الربط بين مفردات الملف وسرعة البت بالقضايا. كما يساعد اعتماد التقنيات الحديثة على زيادة عدد الدعاوى التي ينظرها القاضي في اليوم الواحد؛ لأن تعامله سيكون مع المستندات الإلكترونية في المراحل الأولى للدعوى. ويساهم كذلك في تحسين أداء القضاة عبر استخدام أنظمة إلكترونية قانونية، تحتوي على النصوص القانونية، والاجتهادات القضائية لإصدار حكمه.

– تعويض الأرشيف القضائي الورقي بأرشيف رقمي يتسع لجميع المعلومات ويشغل حيزا مكانيا بسيطا مقارنة بالأكداس الضخمة للأحكام القضائية بجميع محاكم البلاد ويساهم في تجنب فقد الملفات وتلفها.

كما أن هذه التقنيات تسهل عملية تدقيق الدعاوى عبر الاتصال بملف الدعوى عن بعد، وتساعد إدارات التفتيش القضائي ومحاكم الاستئناف والتمييز على الدخول إلى ملف الدعوى الأصلي بشكل فعال وبصورة آنية..

ثالثا: آلية تنظيم المحكمة الإلكترونية

يرتبط تشغيل هذا النوع من المحاكم باعتماد تقنيات المعلومات والاتصال في إنجاز إجراءات التقاضي عبر تحويل الإجراءات التقليدية (اعتماد المستندات الورقية) إلى إجراءات إلكترونية (اعتماد الأسناد الإلكترونية) عن طريق الإنترنت، فتزول الآلية التقليدية الكتابية لإجراءات التقاضي وضبط الجلسات بحيث تحل محلها آليات برمجية متطورة تختلف عنها من حيث الشكل والمضمون.

كما تختلف آلية تقديم اللوائح باعتبار ان هذه الوسيلة تؤمن التواصل مع المحكمة في أي مكان أو زمان، الأمر الذي يؤدي توفير الجهد والمال على المتقاضين من دون المساس بالمبادئ التي يقوم عليها نظام الإجراءات القضائية بحيث يتاح لكل المحامين إمكانية التواصل مع موقع المحكمة، ومتابعة إجراءات التقاضي في كافة مراحلها.

ويمكن تلخيص هذه الإجراءات على النحو الآتي:

– يمكن رفع الدعوى الكترونياً من دون الحضور المادي الى المحكمة من خلال الانترنت عبر نظام ارسال البيانات الالكترونية وتلقيها من قلم المحكمة وتسديد الرسوم القضائية وإبلاغ البيانات من الغير، بحيث تمر بمجموعة من الاجراءات القضائية التي يتم اثباتها في محضر المحاكمة الالكتروني. وكل ذلك يتم من خلال نطام الكتروني موحد بين المحاكم يتضمن دليلاً إرشادياً لكافة إجراءات المحاكمة الالكترونية.

– يمكن توكيل المحامي الكترونياً عن طريق الربط مع دائرة الكاتب العدل وتسجيل البيانات المطلوبة للاستحصال على صك الوكالة بشكل سند الكتروني، بحيث يتم ارفاقها بالاستحضار. ويمكن تسديد الرسوم بواسطة وسائل الدفع الإلكتروني بما في البطاقات المصرفية والتحويلات الالكترونية.

– يتم تقديم الاستحضار من خلال تعبئة حقول فارغة على الشاشة تحدد بشكل واضح كل تفصيل مثل اسم المدعي واسم المدعى عليه وبريده الالكتروني ورقم هاتفه المحمول، وكذلك البيانات الأخرى مثل الوقائع والأسباب والمطالب… ويجري بعد ذلك إعطاء المدعي رقماً سرياً يمكنه من متابعة إجراءات الدعوى

– بعد استكمال الاجراءات المبينة آنفاً، يجري تسجيل الدعوى الكترونياً في سجل خاص ضمن قاعدة البيانات، ويرسل إشعار بذلك الى المدعي، يتضمن رقم الدعوى وتاريخها إذا كانت مستوفية الشروط. أما في حال العكس، فيتم إخطار المدعي بوجوب استكمال النواقص (مثل عدم تسديد الرسوم) أو بوجوب إجراء التصحيحات اللازمة. ويجري بعد ذلك الانتقال الى مرحلة التبليغات الكترونياً إما بواسطة البريد الالكتروني وإما عبر توجيه رسالة الى المدعى عليه على هاتفه المحمول تدعوه للدخول الى موقع المحكمة لتبلغ الدعوى المقامة ضده، بعد تزويده بالبيانات اللازمة لذلك بما فيها الرقم السري الذي يمكنه من خلاله متابعة إجراءات الدعوى وتقديم لوائحه الجوابية وإجراء التبادل عن بعد بشكل أمن.

– في حال عدم علم المدعي بكيفية التواصل الكترونياً مع المدعى عليه، يقوم المباشر بالاستعلام عنه في قواعد البيانات العائدة للمواقع الرسمية التابعة للحكومة الالكترونية لتحديد محل إقامته أو عمله أو بريده الالكتروني أو رقم هاتفه المحمول.

بعد ذلك يجري الانتقال الى مرحلة المرافعة الالكترونية تبعاً لما تؤمنه البوابة الالكترونية للمحكمة من إمكانية التواصل عن بعد (الحضور الافتراضي)، الذي يتم توثيقه بالصوت والصورة، بين الخصوم ووكلائهم وقضاة المحكمة ليتمكن هؤلاء من مباشرة الاجراءات توصلاً اللي مرحلة النطق بالحكم. وفي حال تخلف الخصم عن التواصل، يمكن تطبيق قواعد المحاكمة المتعلقة بغياب الخصوم وشطب القضايا عن الجدول ووقف المحاكمة وانقطاعها.

– أما محضر ضبط المحاكمة الإلكتروني، فهو يتكون عندما يقوم الكاتب بالطباعة أثناء الجلسات. كما يمكن الاستعانة ببرامج من نوع Voice talk الذي يتولى تحويل الصوت الى كلمات مكتوبة. ويمكن الاطلاع على مضمون المحضر عبر موقع المحكمة.

– يجري بعد ذلك إصدار الحكم، ضمن شروط إصدار الاحكام بالصورة التقليدية، في الموعد المحدد لذلك. ويجري إبلاغه من الخصوم بنفس الطريق التي سبق بيانه آنفاً.

Ø     المتطلبات الفنية

إن تطبيق المحكمة الإلكترونية وتفعيل دورها يتطلب تجهيز بنية تحتية مناسبة شاملة يمكن بناء هذا النظام الإلكتروني عليها، والمتطلبات والاحتياجات الفنية التي لا بد من توافرها حتى تكون نشأة هذا النظام صحيحة وموفية بالغرض الذي تم إنشاؤه من أجله نجملها فيما يأتي

أولا: جهاز الحاسوب والذي يشكل طفرة في حقل التعامل بين الأفراد، وهو يعتبر أول وأهم خطوة، كونه لا يمكن تسجيل الدعوى أو السير بها دون توافرها

ثانيا: إنشاء شبكة داخلية خاصة بالمؤسسات تعرف باسم «الإنترنيت» وهي شبكة عادية تستخدم ذات التقنية عالية لها سرعات مختلفة وكلما بعدت المسافة عن مصدرها قلت سرعه الانتر نت المستعملة في الإنترنت، لكنها مصغرة بحيث تسمح للأعضاء المسجلين بمنظمة أو مؤسسة أو أي كيان تنظيمي أخر الذي يستخدم نفس البروتوكولات مثل الإنترنت (TCP، IP، HTTP، SMTP، IMAP، الخ …). ومن بين مزاياها المتعددة سرعة تبادل البيانات مما أدى إلى انخفاض تكاليف إدارة وإمكانية الوصول إلى المحتوى والخدمات وارتفاع مستوى الحماية الذي لا يمكن مقارنته بمستوى الحماية الموجود على شبكة الإنترنت العادية.

فتقوم هذه الأخيرة بربط أقسام وقاعات المحكمة ببعضها البعض، بحيث لا يمكن لغير العاملين في هذه المؤسسة الدخول إلى هذه الشبكة أو تداول المعلومات فيها، وهذه الشبكة ترتبط بكاميرا تصوير موجودة في قاعة المحاكمة ومربوطة بشاشة عرض؛ بحيث يستطيع كل الموجودين في هذه القاعة الاطلاع على مجريات المحاكمة، وتتم إدارتها من خلال حاسوب القاضي، ويمكن عند الضرورة ربطها بشاشة عرض خارجية.

ثالثا: قواعد بيانات؛ وهي عبارة عن نظام أرشفة لعمل المحاكم يتمثل بمجموعة ملفات مرتبطة ببعضها البعض، تشمل أسماء المحاكم والقضاة والموظفين وأرقام الدعاوی ومكان وتاريخ قیدها، بالإضافة إلى اللوائح والمستندات المرسلة من المحامين والمحاضر الخاصة بالدعاوي وهذا ما يسمى بالسجل الإلكتروني الذي يعرف بأنه قاعدة بيانات موجودة على الشبكة الداخلية لكل محكمة على حدة، ومن خلالها يتم تسجيل الدعوى وبياناتها وإعطاؤها رقما متسلسلا حتى يتمكن صاحب العلاقة أو صاحب الصلاحية من استخراج ملف هذه الدعوى الإلكترونية المتمثل ببرنامج حاسوبي يحوي عدة أنواع للحفظ التقني أو التكنولوجي، بحيث تشتمل على مبرزات الدعوى من مستندات ووثائق ولوائح ووكالات تكون جميعها مرسلة على ملفات حاسوب من نوع «PDF تستخدم للحفظ والتخزين وتقاوم تغيير المحتوى بسهولة، كما تشتمل على محاضر دعوى إلكترونية يتم من خلالها تسجيل وتدوين إجراءات المحاكمة كاملة بطريقة آلية معينة وعرضها للقاضي في موعدها المحدد لاحقا

رابعا: موقع خاص بالمحكمة على شبكة الإنترنت، يتم من خلاله تنفيذ عدة خدمات لأصحاب العلاقة، مثل الاطلاع على الدعاوى أو تسجيلها، والحصول على المعلومات الخاصة بها والاستعلام عنها، وتسليم اللوائح والمذكرات والمرافعات دون الحضور الشخصي، بالإضافة إلى دفع الرسوم بشكل إلكتروني من خلال بطاقات الائتمان أو أي وسائط إلكترونية متاحة يمكن الاستفادة منها.

Ø     المتطلبات البشرية

يتوجب لتطبيق إجراءات التقاضي الالكتروني من خلال الهيئة القضائية الافتراضية، وجود ثلاثة وسائل تأهيلية أساسية تتمثل فيما يلي:

  1. قضاة متخصصون في مجال القضاء الإلكتروني:

ويصطلح على تسميتهم بقضاة المعلوميات، وهم مجموعة متخصصة من القضاة النظاميين، يباشرون المحاكمات من خلال موقع، كل منهم لدى المحكمة الالكترونية، والتي لها موقع الكتروني على الانترنت ضمن نظام قضائي يمكن أن نطلق عليه دائرة المعلوماتية القضائية، ويباشر هؤلاء القضاة تطبيق إجراءات التقاضي الالكتروني، وتدوينها في ملف الدعوى الالكترونية، وهي مكنة الوصول إلى إثبات الحق موضوع الدعوى، من خلال مجموعة متطورة من الإجراءات الالكترونية. ويتحقق هذا العنصر من خلال الحصول على دورات مكثفة في علوم الحاسوب نظم الاتصال وبرامج المواقع الالكترونية وتجهيز مكاتبهم بأحدث الأجهزة والمعدات الحاسوبية التي ستمكنهم من تسجيل الدعوى القضائية الكترونياً ومتابعة سيرها والنظر فيها.

  1. كتاب ضبط المواقع الالكترونية

إلى جانب القضاة، نجد موظفين آخرين، يتمثلون في مجموعة من الحقوقيين والمتخصصين أيضا بتقنيات الحاسوب والبرمجيات، وتصميم وإدارة المواقع الالكترونية، مؤهلين للعمل في هذا المجال ويمارسون واجبات عديدة في العمل القضائي الإجرائي نذكر أهمها:

‌أ.          تسجيل الدعاوى وإرسالها مع ما تتضمنه من أدلة إثبات، أو أي وثائق أخرى يمكن إرسالها بوساطة الماسح الضوئي”Scanner”، والاحتفاظ بالأصل لغرض إرساله للمحكمة في حالة طلبها له،

‌ب.       تجهيز جدول مواعيد الجلسات،

‌ج.        استيفاء الرسوم الكترونيا بإحدى وسائل الدفع الالكتروني،

‌د.         الاتصال بأطراف الدعوى وتبليغه بالحضور في مواعيد انعقاد الجلسات بعد التأكد من صفة كل منهم سواء كانوا أطراف الدعوى، أو شهودا، أو غيرهم قبل إدخالهم إلى موقع المحكمة الافتراضية أمام القاضي،

‌ه.         متابعة الدعاوى وعرض الجلسات.

  1. إدارة المواقع والمبرمجين:

يحتاج التقاضي الإلكتروني لوجود إدارة المواقع وبرمجتها، توكل إلى أشخاص مؤهلين علميا في مجال المعلوماتية والبرمجة الالكترونية، وهم غالبا وهي مجموعة من الفنيين المختصين بالمجال الالكتروني الذين يعملون على الأجهزة التقنية ويستخدمون البرامج الالكترونية اللازمة لها يتواجدون خارج قاعة المحكمة عادة، أو في الأقسام المجاورة لها، يكون من أهم واجباتهم متابعة سير إجراءات المحاكمة، ومعالجة العطل التي قد تحدث في الأجهزة والمعدات أثناء المرافعة، وكذلك معالجة الأخطاء الفنية قبل وقوعها، والقيام بحماية النظام من الفيروسات، وإحباط محاولة دخول المخربين والفضوليين على موقع المحكمة، بالإضافة إلى مساعدة كتاب الضبط بتنفيذ واجباتهم التقنية وهذا ما يسمح بتحقيق حماية معلوماتية وفنية لبيانات وإجراءات التقاضي الإلكتروني.

  1. المحامين المعلوماتيين:

إن مصطلح المحامي المعلوماتي، يطلق على المحامي الذي يحق له تسجيل الدعوى والترافع في المحكمة الالكترونية، وهو يمثل نوع حديث من أنواع الممارسة المهنية للمحاماة، حيث يستلزم الأمر معرفة علوم الحاسوب ونظم الاتصال، وتصميم البرامج والمواقع الالكترونية، مع ضرورة وجود الأجهزة والمعدات الحاسوبية المرتبطة بشبكة الاتصالات الدولية، من خلال مزود الخدمة في مكاتب المحامين الخاصة لتمكنهم من أداء واجباتهم بالشكل الذي يؤدي فيه المحامي رسالة القضاء بشفافية وبمهنية لذا يتوجب أن يكون المحامي على استعداد تام لهذه الفكرة على الصعيدين الشخصي والمكتبي.

Ø     متطلبات الحماية القانونية والتقنية

إن آلية عمل المحكمة الإلكترونية المتمثلة باعتمادها على أجهزة حاسوب آلية مرتبطة ببعضها البعض عن طريق الشبكات الداخلية التي ترتبط بالشبكة العنكبوتية الرئيسية، تشكل في ذاتها خطر على المعلومات التي يتم تداولها من حيث سريتها وخصوصيتها، وعليه فإن نظام حماية هذه البيانات يعتبر أحد مقومات هذه المحكمة، لما يحققه تبعا من ثقة وفاعلية  في نظامها ويشجع التعامل معها بعيدا عن التردد والخوف، وبناء عليه فإن الحماية التقنية أو التكنولوجية تتمثل باتخاذ إجراءات وتدابير احترازية عن طريق الوسائل الإلكترونية لتعطيل أي عملية تعد على بيانات ومعلومات ومقومات المحكمة الإلكترونية وتحديد مرتكب هذا التعدي.

فالحماية التقنية للتقاضي الإلكتروني تمثل مجموعة من الضمانات التي يتم الرجوع إليها في حال طالت آلية عمل المحكمة الإلكترونية أي اختراقات.

المحور الثالث: صعوبات التقاضي عن بعد

قد يواجه التقاضي عن بعد مجموعة من الصعوبات التقنية، التي تعترض مسيرة تطور اجراءات التقاضي ويمكن اجمالها بالنقاط التالية:

-ضعف انتشار الانترنت في المناطق النائية، مما يكون سببا رئيسيا في عدم رفع الدعوى الكترونيا

-ظهور أعمال القرصنة على أجهزة الحاسوب ومحاولات اختراق المواقع الالكترونية بشبكة الانترنت من قبل المتطفلين أو المخربين.

– انتشار الفيروسات على الاجهزة الالكترونية، التي تؤدي الى تدمير محتويات برامج الحاسوب

– وجود الأمية المعلوماتية، والتفاوت التقني الهائل بين الدول المتقدمة والنامية.

– ضعف البنية التحتية لقطاع الاتصالات الالكترونية في الدول النامية، مع شعور هذه الدولة بأن المعاملات الالكترونية خطر يواجه اقتصاداتها.

– ضعف الالمام باللغات الأجنبية الى جانب ضعف الثقة والأمان بشبكة الإنترنت، للتأكد من مصداقية نقل المستندات والكتابة والتوقيع الالكتروني عبر الوسائط الإلكترونية

 

الصعوبات القانونية والادارية

أن من أهم الصعوبات التي تعترض مسيرة تطور العملية القضائية من حيث تطبيق اجراءاتها بوسائل التقنية العلمية الحديثة هي القانونية والادارية والتي نوجزها بما يلي:

الصعوبات التشريعية التي تتمثل في عدم وجود تشريعات كافية من قوانين وطنية ومعاهدات دولية تنظم أحكام التقاضي عن بعد، وآلية تطبيق إجراءاته، والأحكام التي يصدرها، وكيفية تنفيذها، وإن كان بعضها يواكب هذه المستجدات إلا إن البعض الآخر يحتاج الى تدخل تشريعي لتعديلها مع وجود حالات في ظل غياب النصوص تحتاج الى وضع تنظيم قانوني لها من خلال استحداث نصوص جديدة لمعالجتها.

فالجانب التشريعي ضروري جدا وهذه النقطة أخذت حيزا كبيرا من النقاش في الوسط القانوني فالأرضية التشريعية هي التي ستحقق التوازن في المعادلة القضائية والتوازن في العلاقة ما بين أطراف الدعوى من مدعي ومدعى عليه أو من مشتكي ومطالب بالحق المدني أو متهم وهي التي تحدد الحقوق والواجبات، فعندما نتحدث عن التقاضي عن بعد تطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: من له الحق في طلب التقاضي عن بعد؟ ثم من الجهة التي لها الحق في رفض التقاضي عن بعد؟ هل مسألة الاختيارية مفعلة للدفاع او المتهم في رفض هذه التقنية! وكذلك عندما يكون هناك تعارض بين طرف معارض لهذه التقنية والطرف الاخر يطلب بتفعيل تقنية التقاضي الرقمي فمثلا عند تمسك النيابة العامة او المحكمة بالبت في القضية بطريقة الكترونية، آنذاك كيف يمكن للطرف الرافض الطعن في قرار التقاضي عن بعد؟ وماهي اجآل الطعن في هذا القرار؟  هل الطعن في قرار التقاضي عن بعد سيوقف عملية المحاكمة الى حين البث فيه؟ ومدى ضمان هذا الاجراء لمبادئ المحاكمة العادلة؟ سواء من حيث التواجهية ومن حيث مناقشة القضية أمام القضاء خاصة وان القضاء الزجري ينبني الحكم فيه على مبدأ القناعة الوجدانية ومدى اقتناع القاضي او القاضية بما يروج امامه/ها، وخاصة أن القاضي يجد نفسه أمام شاشة وداخل عالم افتراضي دون ان يرى انفعالات الاطراف ودون ان يتدخل في تفاصيل وردود أفعالهم كما ان طريقة الجواب في بعض الأحيان تكون دالة على الحقيقة أكثر من الجواب في حد ذاته، وهناك تفاصيل عديدة ينبغي ان تكون لها ارضية تشريعية واضحة تضمن التوازن داخل مسطرة التقاضي لأن سلطان القضاء يقتضي ذلك.

إن الأمية القانونية لغالبية دول العالم الثالث، تجهل ماهية الوسائل الحديثة وآلية استخدامها، وتخشى اللجوء الى استخدامها لفض المنازعات، لذا يتطلب عمل برامج توعية وتثقيف قانوني الأفراد المجتمع بخصوص استخدامها.

– عدم مرونة قضاء بعض الدول تجاه تفسير القواعد القانونية التقليدية لمسايرة مستجدات الحياة العصرية والأنماط القانونية الحديثة عبر شبكة الانترنت، وذلك لعدم مواكبة القوانين التقليدية للتطور السريع، لتفعيل نظام المعاملات الالكترونية، والكتابة الالكترونية، واستخدام التوقيع الالكتروني.

-كما أن رفع الدعوى عن بعد يتطلب ميزانيات ضخمة لأنشاء البنى التحتية بكافة مستلزماتها من أجهزة ومعدات وشبكات، بالإضافة إلى ذلك تطوير الموارد البشرية من خلال عملية تدريب وتأهيل موظفي المحكمة، والتي تمثل هذه الحالة إزعاجا كبيرا لهم فيما يخص قدراتهم في التعامل مع هذه التقنية الحديثة.

الا أن نأمل في المستقبل القريب أن تزول وتختفي حدة تلك الصعوبات والعقبات والتطور التكنلوجي في وسائل الاتصال الحديثة، والجهود العلمية المخلصة واعتراف جميع دول العالم بالتقنيات الحديثة والتعامل معها بمصداقية بعد توثيقها، من خلال تبني مجموعة آليات يمكن أن تصنع الأسس العلمية القانونية والادارية لتطبيقها تطبيقا جيدا وناجحا وتجاوز كل الصعوبات التي تعترض مسيرة تطور الاجراءات القضائية.

المحور الرابع: أثار التقاضي عن بعد

– اختفاء استخدام المستندات الورقية واحلال المحررات الالكترونية بدلا عنها وسهولة تبادل المذكرات والمستندات الكترونيا عبر شبكة الانترنت والتي تساهم في سرعة انجاز إجراءات التقاضي

– تصنيف الدعاوى بما يسهل تداولها وحفظها بشكل آلي وانخفاض مساحات تخزينها في المحاكم مما ينعكس بشكل ايجابي على علم فقدان بعض الملفات أو حفظها بشكل عشوائي مما يترتب على ذلك رفع الكفاءة الادارية والقضائية للمحاكم.

-رفع مستوى الدقة والكفاءة الامنية للحفاظ على المحررات الالكترونية بكافة انواعها ابتداء من عريضة الدعوى والسجلات ومحاضر الجلسات وكافة الأوراق المتعلقة بالدعوى لأهميتها في اثبات الحقوق

يتبين من مجمل أثار النظام التقاضي عن بعد بأنه يهدف الى حل كثير من الاشكاليات الادارية، من خلال ضغطة واحدة على الحاسوب  One – Click Solution، و بوساطة الإنترنت يمكن للمحامي او المتقاضي رفع المئات من الدعاوی امام محاكم مختلفة، دون أن يغادر مكتبه وبضغطة واحدة يستطيع ارفاق جميع المستندات المتعلقة بالدعوى، وبضغطة واحدة سيجد أمامه العديد من صيغ الدعاوى المختلفة التي يختار منها ما يتصل بقضيته.

وهذا يعني بأن المحامي او المتقاضي عندما يريد أن يرفع دعوى أمام أي محكمة ، بداءة أو استئناف أو تمييز ، بإمكانه الدخول على الويب الموجود على الموقع الخاص بالمحكمة ، والضغط بوساطة الماوس Mouse على عدة أيقونات فيرفع الدعوى دون مغادرة مكتبه ، كما وأن نظام قبول و ارسال المستندات الالكترونية ، حيث يتم تحويل المستندات القانونية وتحصيل الرسوم القضائية واعتماد وتوثيق المستندات بوساطة موظف المحكمة المختص الذي يقوم بتوثيقها الكترونيا و ارسال رسالة بريد الكتروني الى المحامي او المتقاضي بتأكيد قبول مستنداته , وبالتالي تلخص مما ورد من اثار ايجابية في مجال تطبيق اجراءات التقاضي عن بعد هو تبسيط الإجراءات وسرعة الفصل في القضايا وادارة الجلسات عن بعد من خلال انظمة الاجتماعات المرئية والمرافعات وسماع أقوال الشهود والخصوم عن بعد.

المحور الخامس: التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة

إن الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان، لأنها أهم مرحلة تراعى فيها حقوق الإنسان، وتراقب خلالها جميع الإجراءات المتبعة، والحريات الأولية أو الإجراءات التي تسبقها التحقيق القضائي.

ومنه فالمحاكمة بمدلولها الواسع تشمل جميع المراحل الإجرائية للقضية ويمكن لها أن تتجاوز تلك المرحلة بحيث تصل إلى مرحلة الاستئناف والنقض.

ثم أن المحاكمة العادلة يجب أن تتضمن عدة معايير لضمانها كلها تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء مرحلة احتجازهم، وحتى محاكمتهم إلى آخر مراحل الاستئناف والنقض.

هاته المعايير هي أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها من بدايتها إلى نهايتها، بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها المجتمع الدولي، وكذا أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هذه المواثيق.

ومن خلال استقراء مواد القانون الدولي والتي لها صلة بالحق في محاكمة عادلة، نجد أن هذا الحق بتمحور أساسا حول المساواة بين الأشخاص أمام القضاء في أن تنظر قضاياهم جهة قضائية مستقلة ومحايدة دون ظلم أو جور، وهو المبدأ الذي كرسته (المادة 10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وكذا (المادة 14/01) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والتي كلها تلقي الضوء على إيجاد تعريف للمحاكمة التي تعتبر عادلة بمفهوم القانون الدولي لحقوق الإنسان.

حيث تنص المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: “لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجه إليه”

كما تنص المادة 01/14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: “من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة وحيادية منشأة بحكم القانون”

من خلال ما سبق وارتباطا بموضوعنا يبقى الطرح الأساسي هو هل تقنية التقاضي عن بعد من خلال محاكمة إلكترونية تشكل مساسا بأهم الضمانات المكفولة للمتقاضين قانونا؟

وإجابة على الطرح أعلاه لابد لنا من الوقوف عند أهم المبادئ الدولية والدستورية وذلك لمعرفة مدى إحترام وتكريس المحاكمة الإلكترونية لهذه المبادئ.

أولا: مبدأ العلنية

يعتبر مبدأ العلنية من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم القضائي المغربي؛ والمقصود به هو أن جميع الاجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل اصدار الحكم كالتحقيق في الدعوى مثلا يجب أن تجرى بصورة علنية. هذا المبدأ يجب سنده القانوني في التشريع المغربي في المادة 300 من ق.م.ج الذي نص على ما يلي:” يجب تحت طائلة البطلان أن تتم اجراءات البحث والمناقشات في جلسة علنية. “بل ان العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية كذلك أكد على هذا المبدأ في الفصل 14 منه الذي جاء في فقرتها الأولى: ” الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.

وعلى الرغم من أن علانية المحكمة الإلكترونية لا تكاد تختلف في جوهرها وأساسها عن علانية المحكمة التقليدية، إلا أنه قد تم تعريفها على أنها عرض للمحاكمات على موقع خاص من خلال كاميرا مخصصة في القاعة، يتم من خلالها تصوير أحداث وإجراءات المحاكمات ونقلها بشكل مباشر لموقع مخصص ليستطيع أي شخص الاطلاع عليها مباشرة أو من أي مكان مرتبط بالدائرة المعلوماتية الخاصة بقاعات المحاكمات.

ومبدأ العلانية يمكن تحقيقه في المحكمة الإلكترونية من خلال صور مختلفة، منها حضور الجمهور للجلسات في أكثر من مكان، أو الحضور للقاعة التي يجلس بها القاضي، أو الحضور لغرف الخصوم ومتابعة الجلسات، أو يمكن أخذ موافقة القاضي ممن يرغب في الحضور والذهاب إلى أقرب محكمة ومشاهدة وقائع الجلسة المطلوب مشاهدتها عبر الشبكة الداخلية للمحكمة الإلكترونية التي تربط بين المحاكم، بالإضافة إلى أن القاضي يمكنه جعل جلسة المحاكمة سرية وقصرها على الخصوم أو وكلائهم فقط إذا استدعى الأمر ذلك حيث من الممكن في العديد من الحالات أن تتم الجلسات بسرية، إذا ما اعتبرت المحكمة أن في علنية الجلسة ما يؤثر على الأمن أو الأخلاق، حيث يجب على المحكمة إصدار مقرر بجعل الجلسة سرية (م 302 ق.م.ج).

ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال. (م 14 من العهد الدولي للحقوق م.س)

ثانيا: مبدأ الشفوية المرافعات

يعني مبدأ إجراءات المحاكمة وجوب ان تجري هذه الإجراءات شفويًا – أي بصوت مسموع – في الجلسة التي تعقدها المحكمة المختصة ، كون المبادئ الأساسية للمحاكمات الجنائية توجب ألا تبنى الأحكام إلا على التحقيقات والمناقشات والمرافعات العلنية، والتي تجري شفويًا أمام المحاكم وفي حضور الخصوم  تتجلى أهمية مبدأ الشفوية في كونه يساعد في تقدير الأدلة والاطمئنان إلى سلامتها وصحتها، والموازنة فيما بينها حتى يستطيع القاضي أن يؤسس قناعته على الوقائع والمعلومات التي يناقشها وعلى الإجراءات التي تتم تحت بصره وسمعه في جلسات المحاكمة من دفوع ومرافعات وطلبات وأقوال وشهادات كما تبدو أهمية هذا المبدأ في أنه يتيح للمحكمة فرصة المراقبة على إجراءات التحقيق الابتدائي وما يكون قد شابه من عيوب، كما أن هذا المبدأ يعتبر جزء من حق المتهم في الإحاطة بكل تفاصيل القضية للدفاع عن نفسه.

فهل يمكن تطبيق هذا المبدأ من خلال المحكمة الإلكترونية؟ وجوابنا هو أن شبكة الإنترنت قد أتاحت وسائل تقنية مختلفة يتم من خلالها تحقيق الاتصال التفاعلي المباشر عن بعد بين الأطراف والمحكمة، ومن المتصلين من التواصل في وقت معين مثل الوسائط المتعددة والاتصال المرئي والصوتي وغيرها، أي أن هذه الضمانات متحققة في ظل نظام المحكمة الإلكترونية، ولا تشوبها شائبة، وهذا النظام وفر الكثير من الآليات والتقنيات التي يمكن من خلالها تحقيق محاكمة عادلة.

ثالثا: خصوصية مرفق العدالة:

حسب رأي المعارضين فإن المحكمة الإلكترونية تشكل خطرا على جهاز العدالة، إذ تجهز على السر المهني، وتهدد بالخطر خصوصيات الأفراد، في ظل تنامي ظاهرة التعدي المعلوماتي، بما يفتح المجال أمام المجرمين للتلاعب بالأدلة وتغييرها لصالحهم أو ضد أعداهم، فلم يعد صعبة اختراق أشد أنظمة المعلوماتية تعقيدا

وبدورنا نتفق مع هذا الرأي خاصة موضوع الأمن الإلكتروني يلعب دورا أساسيا في نجاعة نظام التقاضي عن طريق محاكم الكترونية ويجب من الضروري العمل على إنشاء جهاز مناعة معلوماتي لها، يضمن حماية معلوماتها وبياناتها من المتطفلين وجماعات التخريب، ويحافظ على خصوصية المتقاضين، وخصوصية المحكمة، لأن عدم إنشاء مثل هذا الجهاز يمكن أن يؤدي إلى زعزعة فكرة المحكمة الإلكترونية من أساسه، كما قد يؤدي في أبسط الحالات إلى ضعف ثقة المتقاضين بالنموذج الإلكتروني للمحكمة.

 

 

المحور السادس: القضاء الإلكتروني في المغرب

أولا: ملامح المحكمة الإلكترونية بالمغرب

أنشأت وزارة العدل مواقعها الإلكترونية، ويتضمن فيما يتضمنه ثلاث بوابات نعرضها فيما يأتي:

1-بوابة التقاضي الإلكتروني:

يمكن من خلال هذه البوابة الولوج إلى التنظيم القضائي في المغرب والتعرف إليه، والدخول إلى موقع أي محكمة في أي مدينة في المغرب، كالرباط و الدار البيضاء و فاس و غيرها، والتعرف إلى معلومات خاصة بها، لدى الدخول إلى موقع محكمة الاستئناف مثلا، يمكننا أن نجد رابطة خاصة للتعريف بالمحكمة ودائرتها القضائية، كما يمكننا الموقع من الحصول على خدمات إلكترونية قانونية، الاطلاع على معلومات تخص ملفا معينا، والاطلاع على جدول الجلسات حسب التاريخ المحدد، وكذلك الاطلاع على لائحة القضاة ولائحة الخبراء، وبذلك فإن هذا الموقع بوفر للمتقاضين (أطراف الدعوى)، والمحامين الحصول على المعلومات المطلوبة في أقل وقت ممكن، وطيلة أيام الأسبوع، وفي أي نقطة في العالم عبر الشبكة العنكبوتية، وفي الوقت ذاته يجنبهم الاكتظاظ داخل دوائر المحكمة، خاصة في أوقات الجلسات

2-البوابة القانونية والقضائية:

يمكن بفضل هذه النافذة للمحامين والقضاة والباحثين القانونيين الحصول على النصوص القانونية الوطنية، والعربية، والمراجع المتعلقة بكل نص منها، بما فيها المؤلفات الفقهية، والرسائل الجامعية، والدراسات والبحوث، والاجتهادات القضائية ذات الصلة، حيث حملتها الوزارة جميعا عبر الشبكة العنكبوتية

3- مرکز تتبع الشكايات وتحليلها:

يتمكن المواطنون من خلال هذه البوابة من تقديم شكاواهم وتظلماتهم إلى وزارة العدل، دون تجشم عناء الانتقال إليها ولاسيما أولئك الذين يقطنون في مدن وقرى نائية-لتسجيلها والاستفسار عن مالها، وهي تجسيد للسعي لتحسين خدمات الوزارة وتطويرها. وقد صمم موقع هذا المركز باللغتين العربية والفرنسية، ويستطيع المستخدم بعد اختيار إحدى اللغتين، الولوج إليه من خلال صفحتين رئيستين: الأولى خاصة بتقديم الشكوى، يستطيع من خلالها أي شخص يرغب في تقديم شكواه أو تظلمه أن يقوم بتسجيل معلوماته الشخصية بصورة إلزامية فضلا عن معلومات حول موضوع الشكوى مع إمكانية إرفاقها بوثائق أو معلومات إضافية، والثانية ، تأتي بعد تأكيد تسجيل الشكوى بنجاح، حيث يتم إشعار المشتكي عبر بريده الإلكتروني برسالة تتضمن رقم الشكوى، والرقم السري الخاص بها، حتى يتسنى له معاينة الإجراءات المتخذة بخصوصها من خلال صفحة أخرى خاصة بتعرف مال الشكاوى المحالة إلى مركز تتبع وتحليل الشكاوي الذي سيتولى دراستها وإحالتها على الدوائر المختصة بالوزارة.

 

ثانيا: التقاضي عن بعد في ظل حالة الطوارئ الصحية:

أفاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن مختلف محاكم المملكة عقدت من فاتح يونيو الجاري إلى الخامس منه، 338 جلسة عن بعد أدرج خلالها 6290 قضية، وتم البت في 2337 منها.

وأوضح المجلس، في بلاغ اليوم الاثنين(2020/06/08)، أن 7562 معتقلا استفادوا من هذه العملية وتمت محاكمتهم عن بعد ضمانا لحمايتهم من المخاطر الصحية المحتملة في هذه الظرفية الاستثنائية.

وأشار إلى أن هذه العملية تندرج في إطار التتبع والحرص على التفعيل الأمثل لعملية المحاكمات عن بعد التي دخلت شهرها الثاني من التطبيق بمختلف الدوائر القضائية لمحاكم المملكة، كأحد الخيارات الاستراتيجية لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية العالمية الناتجة عن فيروس كورونا المستجد، وما اقتضته حالة الطوارئ الصحية من ضرورة تدبير مرفق القضاء بحكامة ونجاعة تخول الحفاظ على الصحة والسلامة لكل المرتفقين، وتمكن في نفس الآن المعتقلين من محاكمات عادلة داخل آجال معقولة.

كما شهدت القاعة الكبرى للجلسات بمحكمة النقض يوم الأربعاء 6 ماي 2020 حدث عقد أول جلسة لمحاكمة عن بعد عبر تقنية (visioconférences ).

وقد عرفت هذه الجلسة إدراج عدد من القضايا التي تهم مسطرة تسليم مجرمين أجانب ينتمون إلى جنسيات مختلفة، الذين تم التواصل معهم ومحاكمتهم عن بعد من طرف هيئة المحكمة، بعد موافقتهم على هذا الإجراء وبحضور التراجمة وكذا السادة ممثلوا هيئة الدفاع  تكريسًا لكل شروط المحاكمة العادلة.

ويأتي عقد هذه الجلسة ذات الرمزية الكبرى في سياق الانخراط الجاد لمحكمة النقض باعتبارها على رأس الهرم القضائي المغربي، في كل مبادرات المجلس الاعلى للسلطة القضائية من أجل حفظ الصحة والسلامة للمعتقلين ولكل مرتفقي العدالة في هذه الظرفية الصحية العالمية الاستثنائية مع ضمان استمرار مرفق القضاء في أداء مهامه الدستورية والقانونية والحقوقية.

وجدير بالذكر أن محكمة النقض قد وضعت ورش التحديث منذ سنة 2013 ضمن أولويات مخططها الاستراتيجي وشرعت في تنفيذ عدد من برامجه من أجل تفعيل حقيقي لآليات الجودة والنجاعة والشفافية وتطوير العمل القضائي بما يتلاءم مع متطلبات العصر ويستجيب لانتظارات المرتفقين.

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

خلاصة لما سبق تعتبر عملية التقاضي عن بعد هي اجراء هام جدا في فترة حرجة خاضها المغرب و العالم أجمع و لتقييم مدى نجاح هذه العملية لابد للوقوف على السبب الأساسي من تفعيلها و بما أن هذه العملية تمت في فترة استثنائية ، إذن فالأهداف حتما ستكون مركزة و مؤقتة بمعنى الحفاظ على معادلة توازي بين الحقوق و الحريات و كذلك بعض الحقوق الأساسية التي لا يمكن تأجيلها، و من حق المواطنين و المواطنات بشكل عام و المتقاضين بشكل خاص ثم كذلك المحافظة على سلام الصحة و الحياة و الحد من انتشار هذا الوباء العالمي، فكان هذا الاجراء في فترة كورونا مجرد تدبير احترازي راعى من خلاله المغرب وكذا المؤسسات المشرفة على السلطة القضائية و كافة المتدخلين فالعدالة الحفاظ على هذه الحقوق.

وكذلك نجد ان عدد الملفات التي تم النظر فيها باستعمال تقنية التقاضي عن بعد هي ملفات مهمة وحدت من التأخيرات وبتت في عدد كبير من الملفات دون المساس بحق من أبرز حقوق المحاكمة العادلة الذي هو البت وإصدار الحكم في آجال معقولة.

ويمكن القول ان الحصيلة في هذه الظرفية الاستثنائية هي حصيلة جيدة ومتناسبة مع التدابير الأخرى التي اتخذتها كافة المؤسسات لكن يتبقى لنا أن نتساءل ما مصير تقنية التقاضي الرقمي بعد انتهاء وباء كوفيد 19 المستجد هل سيستمر المغرب في نهج هذه التقنية أو سيتم الاعتماد فقط على القضاء العادي التقليدي؟

لابد لنا من أن نكرر مرة ثانية أن مسألة التقاضي عن بعد ليست وليدة اليوم بل برزت سنة 2013 حيث كانت اول محاولة للقضاء الرقمي في الجانب الزجري بالدار البيضاء لكن لم يكتب لها الاستمرار، غير أن النظرة الاستراتيجية التي تنبني على أن التقاضي يمكن أن يكون عن بعد هي نظرة ليست بجديدة وانما لها أرضية وتصور، غير تطرح العديد من الاشكالات لأن اليوم نستعملها في قضايا زجرية جنحي أو جنائي غدا ستعمم وتطبق في المساطر الكتابية لأن ذلك أسهل لكن هذه الخاصية تطرح مجموعة من الأسئلة من حيث

حجية الوثائق المدلى بها للمحكمة وهذه الحجج إن كانت وثائق لابد لها أن تكون وثائق رسمية أو مشهود على مطابقتها للأصل حتى تأخذ بها المحكمة، اذن كيف يمكن الإثبات لهذه الأخيرة سلامة وصدقية هذه الوثائق لتقوم حجة للتقاضي؟ كذلك كيف يمكن ضمان السرية وعدم اختراق هذه الانظمة والحفاظ على سرية الدعوى والاطراف اضافة على العديد من المشاكل التقنية التي تم التركيز عليها سابق.

وفي الأخير مسألة تعميم رقمنة القضاء هي نتيجة حتمية وسيتم الوصول اليها عاجلا ان آجلا سواء بمنطق الواقع او بمنطق المنافسة وطبيعة المعاملات والاجراءات.

 

 

المراجع المستعملة:

 

نصيف الكرعاوي: التقاضي عن بعد دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، 03/03/2017

نادية جمال أبو طالب: المحاكم الالكترونية

أوناني صفاء لمحكمة الإلكترونية المفهوم والتطبيق، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 28، العدد الأول، 2012

الألفي محمد محمد، المحكمة الإلكترونية بين الواقع والمأمول. ورقة مقدمة في مؤتمر الحكومة الإلكترونية السادس الإدارة العامة الجديدة والحكومة الإلكترونية، دبي الإمارات، 9- 12 ديسمبر 2007.

إبراهيم، خالد ممدوح (2007). التقاضي الإلكتروني الدعوى الإلكترونية وإجراءاتها أمام المحاكم،(ط. 1). الإسكندرية مصر: دار الفكر الجامعي

ليلى عصماني: نظام التقاضي الإلكتروني آلية لإنجاح الخطط التنموية، مجلة المفكر العدد 13

أسعد فاضل منديل، التقاضي عن بعد، دراسة قانونية، كلية القانون، جامعة القادسية، العراق، 2014.

ماريا اسكندر البدري،التقاضي والمحاكم الإلكترونية، مجلة الحوار المتمدن، 02/12/2008 

www.m.ahewar.org/s.asp?aid

م.د.ميسون محيي هلال، المعلوماتية و أثارها في التصميم المعماري، مجلة الهندسة و التكنولوجيا، المجلد 28 العدد 2/2010

http://adala.justice.gov.ma/AR/home.aspx

http://www.greffe.courdecassation.ma/ تتبع مآل ملف بمحكمة النقض

http://www.ecourdecassation.courdecassation.ma/ بوابة التقاضي عن بعد

http://www.juris.courdecassation.ma/   البوابة القانونية و القضائية

http://www.cameknes.ma/tribunal/index_ar.aspx محكمة الاستئناف بمكناس

http://www.medi1tv.com/ar/لتقاضي-عن-بعد-عقد-338-جلسة-وإدراج-6290-قضية-ما-بين-فاتح-و5-يونيو-الجاري-أخبار-المغرب-الأخبار-185877

http://www.cspj.ma/actualites/Details/3161

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى