بحوث قانونية

إتفاق التسوية الودية في مساطر صعوبات المقاولة

المقدمة

 

      شكلت التحولات العميقة التي عرفها العالم خلال العقود الماضية،التي مست مختلف جوانب الحياة الاقتصادية و السياسة و الاجتماعية،أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت المشرع إلى إصدار مجموعة من النصوص القانونية لمواكبة المستجدات و التغييرات الوطنية و الدولية، ويعتبر صدور مدونة التجارة لسنة 1996 أحد أهم محطات إصلاح و تحديث الترسانة القانونية بالمغرب،في إطار متكامل يحيط بأهم القضايا و الإشكاليات التجارية،وعلى رأس هدا التجديد مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة حيث وضع المشرع نظاما جديدا يسمى" بصعوبات المقاولة" حاول من خلاله إستحداث مجموعة من الآليات و التدابير الإدارية و القضائية التي من شأنها إنقاذ المقاولة من الصعوبات التي قد تعترضها وتكون من شأنها الإخلال بإستمراريتها.

     ومن جملت التدابير المتخذة في هدا الإطار مسطرة الوقاية الداخلية وتتمثل في مجموعة من الإجراءات الإدارية و القضائية التي يتم اتخاذها داخل المقاولة عبر أجهزتها بإتباع مسطرة محددة للتغلب على علامات و بوادر الصعوبات التي قد تعوق سيرها العادي،ونظرا لكون هده المسطرة قد تعرف بعض المعيقات التي تحول دون تحقيقها للأهداف المتوخاة من تحريكها،تم وضع مساطر أخرى موازية ترتكز في جوهرها على تدخل أطراف أخرى من خارج أجهزة المقاولة ودلك قصد اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتقويم الوضع المالي و الإقتصادي للمقاولة،و الحيلولة دون و صولها إلى مرحلة التوقف عن الدفع المبرر لافتتاح مساطر المعالجة،وهده الآلية قد تأخذ شكل تدخل أحد الأغيار الذي يرى رئيس المحكمة التجارية المختصة أن من شأنه تدليل الإعتراضات المحتملة للمتعاملين مع المقاولة ، كما قد تأخذ أيضا شكل تسوية ودية ترتكز على محاولة إبرام إتفاق ودي بين رئيس المقاولة و دائنيه ويسهر على إعداده المصالح المعين لهدا الغرض، إلا أن هدا الإتفاق يبقى رهين بتوفر مجموعة من الشروط تتمثل أساسا في وجود تاجر تعترضه صعوبات و ألا تكون المقاولة قد وصلت إلى مرحلة التوقف عن الدفع و أخيرا صدور أمر قاضي بفتح المسطرة، وبمجرد صدور هدا الأمر يبدأ المصالح في تنفيذ مهمته المتمثلة في تسهيل سير المقاولة، و التوصل إلى إبرام اتفاق ودي بين رئيس المقاولة و دائنيه،و تتحدد إجراءات التسوية الودية، في مرحلتين أساسيتين؛تتمثل الأولى في إبرام الاتفاق الودي و مصادقة الأطراف عليه، بينما تتجلى المرحلة الثانية في تنفيذ هدا الإتفاق، وما قد يترتب عليه من أثار وسنقتصر في هده الدارسة على هدا العنصر نظرا للأهمية التي يكتسيها و التي سنحاول استجلائها في هدا العرض.إدا ماهي مختلف الآثار التي قد تترتب عن إتفاق التسوية الودية؟

     للإجابة على هدا التساؤل ارتأينا تقسيم عرضنا كالتالي:

المبحث الأول:الآثار المترتبة عن تنفيذ الإتفاق الودي.

المبحث الثاني:أثار إخلال المدين باللإلتزامات الواردة في الإتفاق الودي.   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: تنفيذ الاتفاق الودي.

    تختلف الآثار التي قد تترتب على الاتفاق الودي المبرم بين رئيس المقاولة و دائنيه من أجل تقويم وضعية المقاولة ، و تتعدد الآثار المترتبة على البدء في تنفيذ هدا الاتفاق الودي باختلاف أطرافه فرئيس المقاولة يكون ملزما بتطبيق بنود هدا الاتفاق و من تم تقييد الدائنين المشاركين فيه و منعهم من المطالبة قضاءا بديونهم ( المطلب الأول) و تحرير الدائنين غير الموقعين على الاتفاق ( المطلب الثاني).

المطلب الأول : الآثار المترتبة على تنفيذ الاتفاق الودي

الفقرة الأولى التزامات رئيس المقاولة

    إن أهم الالتزامات الملقاة على كاهل رئيس المقاولة هي تنفيذ اتفاق التسوية الودية حيث يكون ملزما باحترام الآجال من اجل سداد أقساط الديون و اتخاذ التدابير اللازمة من أجل استعادة التوازن المالي للمقاولة و أيضا استشارة ممثلي الأجراء و لجنة المقاولة و الحصول على موافقة السلطات المختصة ادا تعلق الأمر بتسريح جماعي للأجراء أو إغلاق بعض الفروع في إطار إعادة هيكلة المقاولة و يقوم رئيس المقاولة بتنفيذ بنود الاتفاق و إجراء التصحيح الضروري لانقاد المقاولة و لا يشاركه في دلك لا المصالح و لا غيره بل لايخضع حتى لمجرد رقابته أو إشرافه لأن مهمة المصالح تنتهي بالتوقيع على اتفاق التسوية.

الفقرة الثانية: وضعية الدائنين أطراف الاتفاق

    وضع المشرع في المادة 558 من مدونة التجارة القيود على الدائنين الأطراف في الاتفاق حيث أن هده القيود تحد طيلة مدة تنفيذ الاتفاق الودي من حريتهم في التوجه إلى القضاء و المطالبة بسداد ديونهم موضوع هدا الاتفاق الودي و استنادا على دلك فبمجرد دخول الاتفاق الودي حيز التنفيذ فانه يمنع على جميع الدائنين المشاركين في هدا الاتفاق الخوض قي أي دعوى لدى المحاكم أو الاستمرار في الدعاوى المقامة قبل دلك كيفما كانت طبيعة ديونهم و مهما كانت التأمينات المقررة لضمان أدائها كما يضع أيضا سلوك أي إجراءات فردية أو الاستمرار فيها ادا أقيمت من قبل و الهادفة إلى التنفيذ على الأحوال المنقولة و العقارية للمقاولة ، لكن و حماية لحقوق الدائنين فان المشرع في الفقرة الثانية من المادة 558 نص على وقف الآجال المحددة لهؤلاء الدائنين تحت طائلة سقوط أو فسخ الحقوق المتعلقة بهم،  بيد أن ما يستدعي الملاحظة هو أن المشرع المغربي لم ينص على الدعوى الرامية إلى فسخ عقد بسبب عدم أداء مبلغ مشمول بالاتفاق الودي ضمن الدعاوى الخاضعة لقاعدة وفق المتابعات الفردية ضد المدين طيلة المدة اللازمة لتنفيذ اتفاق التسوية الودية.

    و نجد أن الفقرة الأولى من المادة 558 نصت على حالة عدم قيام رئيس المقاولة بأداء الدين محل الاتفاق رغم حلول الأجل المحدد في الاتفاق ، فان الدائن يتحرر من المنع المفروض عليه و يجوز له مباشرة سائر الدعاوى الرامية إلى الحكم على الدين بأداء الدين المعنى و كذلك مباشرة إجراءات التنفيذ  على الأموال المنقولة و العقارية للمقاولة. و يبقى التساؤل المطروح حول مدى استفادة الكفيل من التخفيضات في حجم الديون و آجال الأداء الجديدة التي يحصل عليها رئيس المقاولة الخاضعة لإجراءات التسوية الودية ؟

    الواقع أن مدونة التجارة لم تشر إلى مدى تأثر الكفلاء باتفاق التسوية الودية لكن القواعد العامة المتعلقة بالكفالة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود تقف عقبة أمام اعتبار التخفيضات الواردة في الاتفاق الودي بمثابة حقوق شخصية يقتصر حق الاستفادة منها على المدين وحده . و في هدا السياق نجد حالتين يجوز فيهما للدائن الرجوع إلى الكفيل و يتعلق الأمر بوجود المدين في حالة مطل أو كونه معسرا ادن ما مدى إمكانية اعتبار المدين الخاضع لإجراءات التسوية الودية في حالة مطل ؟ و كيف يمكن للمدين الخاضع لإجراءات التسوية الودية في حالة عسر؟و بالإجابة على هادين السؤالين سوف نتمكن من تحديد مدى استفادة الكفيل في ظل التشريع المغربي من الآجال الجديدة الممنوحة لرئيس المقاولة بمقتضى اتفاق التسوية الودية.

    نجد أن المشرع في الفصلين 254 و 255 من ق.ل.ع يبين لنا أن المدين يعتبر في حالة مطل ادا لم يقم بتنفيد التزامه كليا أو جزئيا أو تأخر في تنفيده بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ  للالتزام و دلك ادا لم يكن عدم التفيد أو التاخر في التنفيذ راجعا إلى سبب معقول.

    ان اعتبار رئيس المقاولة المفتوح في مواجهتها إجراءات التسوية الودية في حالة مطل عند عدم قيامه بالأداء عند حلول الآجال الأصلية للدين لا يرجع إلى امتناعه عن تنفيذه لالتزامه بأداء الديون المترتبة في دمته نتيجة المعاملات التجارية التي أجراها مع دائنين و إنما يجد أسبابه في كونه يستفيد بموجب الاتفاق الودي من آجال جديدة للأداء و بالتالي لا يمكن اعتباره ممتنعا الا بحلول الآجال الجديدة المضمنة بالاتفاق و عدم تنفيذه لالتزامه ، ادن فمادام المدين الخاضع لاجراءات التسوية الودية لا يعتبر مماطلا في تنفيذ التزاماته فانه لا يجوز للدائن الرجوع طيلة المدة اللازمة لتطبيق اتفاق التسوية الودية على الكفيل خاصة و أن المشرع يقيد رجوع الدائن على الكفيل بوجود هدا الأخير في حالة مطل الشيء الذي من شأنه أن يفيد بشكل ضمني أن الكفيل يستفيد من الآجال الجديدة للأداء الممنوحة للمدين بمقتضى اتفاق التسوية الودية . بالرغم من أن رئيس المقاولة التي تعاني من صعوبات مالية، اقتصادية أو قانونية و الخاضع لإجراءات التسوية الودية لا يمكن اعتباره في حالة مطل، أو امتناع عن الأداء فان هدا لا يكفي للقول بإمكانية استفادة الكفيل من الآجال الجديدة الممنوحة لرئيس المقاولة بمقتضى الاتفاق الودي دلك أن هده الاستفادة تبقى مشروطة علاوة على غياب المطل بشرط جوهري آخر و هو أن لا تكون الآجال الجديدة الممنوحة للمدين الأصلي تعود إلى حالة إعساره أي عجز المدين عن دفع ديونه المستحقة و بالتالي هل من الممكن اعتبار رئيس المقاولة الخاضع لإجراءات التسوية الودية في حالة لتوقف عن الدفع و بالتالي فانه لا يمكن اعتبار المدين الخاضع لإجراءات التسوية الودية في حالة توقف عن الدفع فخضوع المقاولة لمسطرة التسوية الودية يدل على أنها مستمرة بالوفاء بالتزاماتها المالية و غير متوقفة عن الدفع حيث أنه لا يمكن تحريك هده المسطرة إلا ادا كانت الصعوبات القانونية أو الاقتصادية أو المالية لم تؤدي بها إلى التوقف عن دفع ديونها بحيث يقتصر أثرها على جعل إدارة و تسيير البنك صعبا بفعل ما أصبح  يحوط بعملية استمرارية الاستغلال من خطر وبالتالي فمادام المدين الخاضع لاجراءات التسوية الوديةلا يوجد في حالة توقف عن الدفع فان الكفيل يستفيد تبعا لدلك من الآجال الجديدة التي يحصل عليها المدين.

 

المطلب الثاني : وضعية الدائنين غير المشاركين  في الاتفاق الودي

     ينفد اتفاق التسوية الودية بالنسبة للدائنون غير الموقعين على اتفاق التسوية الودية سواء كانوا رئيسيين أو غير رئيسيين لكون ديونهم لم تكن " موضوع الاتفاق " ولذلك كامل الحق في المطالبة بديونهم في وقتها ويمارسون سائر الدعاوى والإجراءات الفردية على منقولات وعقارات المقاول المدين فإن توقف هذا الأخير عن سداد الديون المستحقة عند الحلول جاز لهم المطالبة بفتح مسطرة من مساطر المعالجة عنده ويرجع عدم تطبيق اتفاق التسوية الودية على الدائنين غير الموقعين لعديد من الأسباب :

أ- إن الدائنين غير الموقعين على الاتفاق لا يعدون أطراف فيه

ب – لأن العقد شريعة أو قانون المتعاقدين وهم من غير المتعاقدين 230 ق ل ع

ج – لأن للعقود اثار نسبية لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد ولا تنفع ولا تصر الغير إلا في الحالات المذكورة في القانون 228 ق ل ع .

د- لا يبلغ أو يتطلع على اتفاق التسوية الودية سوى الأطراف الموقعة عليه ، وبلغه المشرع الأكثر صرامة حماية لسرية المسطرة والاتفاق وأملا في الانقاد " لا تطلع على الاتفاق سوى الأطراف الموقعة .

    ولما كان الهدف من مسطرة التسوية الودية هو منح تحفيظات للدين وآجال جديدة للأداء مساهمة منهم في تسهيل تدليل الصعوبات التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة وبما أن الدائنين غير الموقعين على المسطرة لا يسري عليهم الاتفاق ومن تم حق لهم اللجوء إلى القضاء كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا إلا أنه مراعاة من المشرع للمركز المالي الخاضعة لإجراءات التسوية الودية والتي قد لا يسمح لها دون التعرض لخطر التوقف عن الدفع القيام ديون الدائنين الذين رفضوا المشاركة في الاتفاق الودي في أجالها الأصلية دون التعرض لحظر التوقف عن الدفع فإن قد أجاز لرئيس المحكمة التجارية المفتوح أمامها مسطرة التسوية بمقتضى المادة 556 من مدونة التجارة أن يمنح للمدين أجال الأداء الواردة في النصوص الجاري بها العمل فيما يخص الديون التي لم يشملها الاتفاق (تبقى لرئيس المحكمة سلطة تقديرية فيما يخص منح هذه الاجال من عدمها " .إلا أنها تدخل المشرع المغربي بهذا الخصوص جاء مشوبا بالقصور مقارنة بما هو عليه الوضع في ظل التشريع الفرنسي .

    فالإحالة الواردة على الاجال الواردة في النصوص الجاري بها العمل تغير فيما يتعلق المرتبة عن المعاملات بين التجار بمتابة إحالة على القواعد الخاصة بالمعاملات التجارية هذه الأخيرة التي تقوم فيما يخص أجال الوفاء . على التشدد في منح أي مهلة للأداء في حالة عجز التاجر عن الوفاء بما عليه من ديون في مواعيد إستحقاقها ماعدا إذا نص القانون على هذا الإمهال هذا التشدد يجد مبررة في كون الحياة التجارية تقوم على السرعة الأمر الذي يجعل من كل تأخر في دفع الديون سببا في إضطراب وركود التجارة على عكس المشرع الفرنسي كان موفقا أثناء تدخله في هذا الإطار ذلك أنه لم يحمل المغربي على الإحالة بشكل عام على النصوص والقوانين الجاري بها العمل وإنما احال على القانون المدني الفرنسي هذه الأخيرة التي تخول للمحكمة إمكانية تقسيط مبلغ الدين أو تأجيل سداده وذلك في حدود مدة لا تتجاوز السنتين كأقصى تقدير وهذا من شأنه أن يجنب الاتفاق الودي أي خطر يهدده طيلة مدته  ولم تتعرض مدونة التجارة كالقانون الفرنسي لأن اتفاق التسوية الودية على وضعية الملتزمين يدين وكفلاء المدين المستفيد من التسوية الودية الأمر الذي يجعل وضعية هؤلاء تبقى خاضعة للقانون المدني .

 

المبحث الثاني: أثار إخلال المدين بالالتزامات الواردة في الاتفاق الودي                        

     يقع على عاتق                                                                                              رئيس المقاولة المستفيدة من  مسطرة التسوية الودية تنفيذ بنوذ الاتفاق بحذافرها، تحت طائلة فسخه عند الإخلال بأحد هذه البنود الشئ الذي يؤدي إلى سقوط كل آجال الأداء الممنوحة له (المطلب الأول)، غير انه من بين الأثار المترتبة على فسخ إتفاق التسوية الودية، إمكانية فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية (المطلب الثاني                                                

المطلب الأول : فسخ إتفاق التسوية الودية                                                           

    يترتب على عدم تنفيذ رئيس المقاولة التي تعاني من صعوبات مالية أو قانونية لمختلف الإلتزامات التي تقع على عاتقه بمقتضى هذا الإتفاق الودي المبرم بينه و بين دائنيه، بهدف تدليل الصعوبات و الوقائع التي من شانها الإخلال باستمرارية الإستغلال، أن يتم فسخ هذا الإتفاق و ذلك حسب المادة 558 من مدونة التجارة التي نصت على أنه : " في حالة عدم تنفيذ الإلتزامات الناجمة عن الإتفاق تقضي المحكمة بفسخ هذا الأخير و بسقوط كل آجال الأداء الممنوحة                                                                                             

    و لعل أول ملاحظة يمكن إثارتها بخصوص نص المادة 558 أعلاه هي الجهة المختصة بتقرير فسخ إتفاق المسطرة التسوية الودية، فإذا كان رئيس المحكمة التجارية هو المحور الرئيسي و الذي يرجع إليه الاختصاص بفتح مسطرة التسوية الودية، فإنه على العكس من ذلك لا يملك أية سلطة في فسخ هذا الاتفاق، ذلك أن المشرع خول هذا الإختصاص لمحكمة الموضوع و هي بطبيعة الحال المحكمة التجارية الموجودة في دائرتها إما المؤسة الرئيسية للمقاولة أو المقر الإجتماعي للشركة                                                                  

    و يلاحظ أن المشرع المغربي في الفقرة الثانية من  المادة 558من مدونة التجارة، يتحدث فقط عن سقوط جميع آجال الأداء الممنوحة كأثر يرتبه فسخ الاتفاق الودي، و ذلك  دون أي إشارةإلى التخفيضات التي يكون الدائنون المشاركون في الاتفاق قد ساهموا بها من أجل التوصل إلى اتفاق من شأنه تذليل الصعوبات التي تعترض المقاولة                        

     هل هذه التخفيضات مشمولة بالسقوط المتحدث عنه في المادة السابقة و بالتالي تتأثر بالفسخ أم  أنها غير مشمولة  بالسقوط و بالتالي لا تتأثر بالفسخ                                           

    و بالرجوع إلى المادة 558 نجد أن المشرع اقتصر على ذكر سقوط الأجال الممنوحة و عدم الإشارة إلى التخفيضات يفيد ضمنه أن هذه الأخيرة غير مشمولة بالفسخ، أضف إلى ذلك أن نية المشرع المغربي لو كانت تتصرف حتما إلى تمديد أثار الفسخ  إلى التخفيضات المقدمة من الدائنين في إطار الإتفاق الودي لكان أورد نصا                                         

    غير أن هناك جانب من القفه الذي يمد أثر الفسخ ليشمل جميع بنوذ الاتفاق بما فيها إلغاء تخفيضات الديون الممنوحة للمدين، و الذي نعتقد على أنه صائب نظرا لأن عدم إسقاط هذه التخفيضات  يشكل إجحافا في حق  الدائنين الذي أثروا التنازل عن جزء من ديونهم بغية الإسهام في تمكين المقاولة من تجاوز الصعوبات التي تعتريها                                      أضف إلى ذلك  أن هناك تخفيضات أخرى لاحقة تهددهم حال تم وضع المقاولة المعنية في حال التوقف عن الدفع و إفتتاح مسطرة التسوية في مواجهتها، أو إذا اختلت وضعيتها بشكل لا رجعة فيه، الأمر الذي من شأنه أن يقضي في نهاية المطف إلى حصول هؤلاء الدائنين على نسبة ضئيلة من ديونهم، نتيجة خضوعهم لعدة تخفيضات تكون قد استوفت جزءا مهما من ديونهم. بالإضافة إلى أن موقف المشرع هذا، قد يجعل الدائنين في تخوف من إبرام هذا الإتفاق الذي يكون من شأنه تمكين المقاولة من استعادة نشاطها العادي ذلك أن وعي الدائنين بإحتمال خسارة جزء من ديونهم نتيجة لعدم تمديد المشرع لأثار فسخ الإتفاق إلى التخفيضات، قد يجعلهم يحجمون عن تقديم أي تخفيضات في الإتفاق مهما كانت قيمتها الأمر الذي يؤدي إلى حرمان المقاولة من ألية قد تكون في أمس الحاجة إليها من أجل استعادة توازنها المالي خاصة عندما تكون لتخفيضات في حجم الديون  كفيلة لوحدها بتمكين المقاولة من تجاوز صعوباتها.                                                                                    

    الشئ الذي يحدو بنا إلى القول حبدا لو ينتبه المشرع إلى ذلك و يقوم بتمديد أثار فسخ الإتفاق الودي الذي يشمل سقوط التخفيضات نظرا لأن هذا التمديد يشجع الدائنين على منح تخفيضات مهمة للمقاولة، و ضمان استرجاعهم لديوهم، و في حالة فشل الإتفاق و افتتاح مساطر المعالجة  ضد المقاولة، فإنهم لن يخسروا، و سيشاركون شأنهم شأن باقي  الدائنين الغير أطراف في الإتفاق بكامل ديونهم و الضمانات التي كانت مقررة لهم قبل إبرام الإتفاق الودي                                                                                                         

المطلب الثاني:فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.

   علاوة على ما ذكر بشأن فسخ الإتفاق الودي و سقوط جميع أجال الأداء الممنوحة، فإن إخلال رئيس المقاولة بتنفيذ تعهداته المدرجة ضمن الإتفاق الودي،قد يترتب عليه أيضا وضع المقاولة المعنية في حالة توقف عن الدفع و إفتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة في مواجهتها،و دلك كلما انصب الإخلال المذكور،على أحد الإلتزامات المالية  الواردة بالإتفاق.

       ويتم افتتاح مسطرة التسوية القضائية أو التصفية القضائية حسب الأحوال،في حال فسخ الإتفاق الودي،إما بطلب من أحد الدائنين المشاركين في الإتفاق الودي كيفما كانت طبيعة دينه إدا لم يقم المدين بالوفاء بمبلغ ديونه عند حلول الآجال الجديدة،وإما بطلب من النيابة العامة أو بوضع المحكمة يدها على المسطرة تلقائيا،ودلك تطبيقا للمادة 563بفقرتيها الأولى و الثانية،و التي جاء فيهما:"يمكن فتح المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنين كيفما كانت طبيعة دينه،يمكن للمحكمة أيضا أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة،لاسيما في حال عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556"[1].

      بيد أن ما يثير الإنتباه في هدا الإطار،هو اختلاف التعبير المستعمل في كل من المادة 558 من مدونة التجارة، و المادة 563 من المدونة ذاتها،دلك أن المشرع يتحدث في المادة 558 عن "عدم تنفيذ الالتزامات الناجمة عن الاتفاق"،بينما في الفقرة التالية من المادة 563 يستعمل عبارة"عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي".

      وفي واقع الأمر، فإنه يتعين التمييز فيما يخص الآثار التي قد تترتب على إخلال رئيس المقاولة بالتزامه،مابين فسخ الاتفاق،وبين افتتاح مساطر المعالجة، فعلى خلاف الالتزامات غير المالية المضمنة بالاتفاق؛كتغيير رأس المال أو إغلاق بعض الفروع و تسريح العمال…ة التي لا يرتب الإخلال بها سوى فسخ الاتفاق الودي،وسقوط جميع أجال الأداء الممنوحة،فإن عدم تنفيذ الالتزامات المالية المدرجة بالاتفاق،و المتمثلة في ضرورة أداء الديون في أجال استحقاقها الجديدة،يرتب بالإضافة إلى ما سبق ذكره بشأن فسخ الاتفاق الودي،وسقوط أجال الأداء الممنوحة،إمكانية وضع المقاولة المعنية في حالة توقف عن الدفع،و افتتاح مساطر المعالجة في مواجهتها.وهدا التمييز في الآثار بين حالتي الإخلال بالالتزامات المالية  الالتزامات غير المالية،يجد مبرره في طبيعة مساطر صعوبات المقاولة التي وجدت أساسا لمعالجة حالة الامتناع عن أداء الديون في أجالها.

     لكن مع دلك يبقى التساؤل المطروح هو ما المقصود ب"عدم تنفيذ الالتزامات المالية"الواردة في المادة 563 من نفس المدونة،هل المقصود به إمتناع المقاولة عن التنفيذ أم عدم القدرة على دلك؟.

    قبل الإجابة على هدا التساؤل يجب التعرض أولا إلى الشروط الواجب توافرها لافتتاح مساطر المعالجة وهي الصفة التجارية و التوقف عن الدفع و بخصوص هدا الشرط الأخير نجد القضاء إعتبره موجودا بتوفر عنصرين:الأول هو التوقف المادي عن الدفع،و الثاني أن يكون هدا التوقف ناشئا عن فقدان التاجر لإئتمانه.و إرتباطا بالتساؤل أعلاه يجب علينا التمييز بين حالتين:

-عدم تنفيذ المقاولة للالتزامات المترتبة في ذمتها بمقتضى إتفاق التسوية الودية بسبب عدم قدرتها عن الأداء،ففي هده الحالة يتم إخضاع المقاولة لمساطر المعالجة تماشيا مع مقتضيات المادة 560 من مدونة التجارة.

– أما إدا كان عدم التنفيذ راجع إلى امتناع رئيس المقاولة عن التنفيذ رغم تحسن وضعية المقاولة، هنا يكون على الدائن اللجوء أولا إلى وسائل التنفيذ الجبري المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية،وهدا ما ذهبت إليه المحكمة التجارية بالدار البيضاء حيث جاء في حيثيات القرار أن المدعية لم تدل بأية حجة تفيد قيامها بإجراءات التنفيذ في مواجهة المدعى عليها للدفع و عجزها عن الأداء،طالما أن بإمكانها استخلاص دينها عن طريق اللجوء للوسائل الأخرى الخاصة بالتنفيذ في مواجهة المدعى عليها،مما تكون معه الدعوى غير مستوفية لعناصرها الموضوعية المنصوص عليها في المادة 560من م.ت ونبعث الحكم برفضها[2].

       وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن إفتتاح مساطر المعالجة قد يتم بناءا على طلب دائن غير موقع على إتفاق التسوية الودية-رغم أن هدا فيه تناقض صريح يتعارض مع فكرة الفسخ- فإن سقوط أجل الأداء يختلف حسب ما إدا كانت المسطرة المفتوحة هي التسوية القضائية أو التصفية القضائية،دلك ففي المسطرة الأولى تتابع المقاولة نشاطها بعد الحكم ولا يترتب عن إصداره سقوط الأجل(المادة 571)،أما في التصفية القضائية فإن الحكم القاضي بفتحها يرتب حلول آجال الديون المؤجلة(المادة 627)[3].

     ونود أن نشير في ختام حديثنا عن الإجراءات التسوية الودية،إلى أنه يتعين على جميع دائني المقاولة التي تم إفتتاح مساطر المعالجة في مواجهتها،سواءا كانوا مشاركين في الاتفاق الودي،أو غير مشاركين،أن يتقدموا إلى السنديك المعين من قبل المحكمة للإشراف على سير المسطرة،بتصريح يضم مبلغ الديون المستحقة لهم بتاريخ صدور حكم فتح المسطرة،وكدا طبيعة الامتياز أو الضمان الذي قد يكون الدين مقرونا بها،مع العلم بأن التصريح بالديون بالنسبة للدائنين المشاركين في الاتفاق الودي،يتم على أساس الديون المخفضة بمقتضى الاتفاق الودي،وليس على أساس الديون الأصلية التابثة لهم،ودلك بعد خصم المبالغ المستوفاة خلال فترة تنفيذ الاتفاق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 خاتمة

 

 

ولما كان اتفاق التسوية الودية بمثابة عقد فان أي إخلال بأي التزام يؤدي إلى فسخ الاتفاق و بالتالي إلى فتح مساطر المعالجة القضائية ، و بالتالي سيتم ضياع حقوق الدائنين المساهمين في الاتفاق الودي من أجل تدليل الصعوبات الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية التي تواجهها المقاولة   نظرا لعدم وجود نص قانوني يشمل سقوط هده التخفيضات نتيجة الفسخ 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


[1]  .عرض في موضوع "الوقاية من صعوبات المقاولة" من إعداد الطالبين عبد العالي المكنوني و زكرياء العماري السنة الجامعية 2006/2007

[2]  .حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتلريخ 6 مارس2000.

[3]  .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة،و مساطر معالجتها ،أحمد شكري السباعي،الجزء الأول ،الطبعة الثانية 2000.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى