التدخل الجبائي في توثيق المعاملات العقارية الباحث : ياسين افحيلي
التدخل الجبائي في توثيق المعاملات العقارية
Fiscal Intervention in the Documentation of Real Estate Transactions
الباحث : ياسين افحيلي
باحث في سلك الدكتوراه، جامعة ابن طفيل القنيطرة، كلية العلوم القانونية والسياسية
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

التدخل الجبائي في توثيق المعاملات العقارية
Fiscal Intervention in the Documentation of Real Estate Transactions
الباحث : ياسين افحيلي
باحث في سلك الدكتوراه، جامعة ابن طفيل القنيطرة، كلية العلوم القانونية والسياسية
ملخص
تتداخل وتتنوع في توثيق المعاملات العقارية عدة جهات، ومن بينها الادارة الجبائية بمفهومها العام ، عبر مجموعة من اوجه التدخل والمراقبة الجبائية ، خاصة في تكييف العقود والمحررات جبائيا بغض النظر عن التسمية التي عنون بها المحرر او العقد عن طريق تحديد السعر الواجب التطبيق من جهة ، و مراقبة اصل التملك الذي أسست عليه المعاملة موضوع التوثيق الحالي ومدى احترام القوانين ذات الصلة بالعقار كأحد الالتزامات الملقاة على عاتق مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل من جهة ثانية ، اضافة الى مراقبة عمل الموثق خاصة على مستوى تقديم سجلات التحصين و تفعيل مكنة الأبحاث والتحريات سواء في اطار اللجان الضريبية ، أو عبر مراقبة الموثق محاسباتيا في اطار مساطر فحص المحاسبة او فحص مجموع الوضعية. والنظام الضريبي المغربي قد أقر مسؤولية الموثق الجبائية بمناسبة توثيق العقود في إطار مسؤوليته التضامنية عن اداء واجبات التسجيل او في اطار مسؤوليته عن مخالفة بعض القوانين ذات الصلة بالعقار، و قد أثقل قانون مالية 2025 مسؤولية الموثق بمسؤولية شخصية بشان مخالفة أحد البيانات عند المسح الضوئي بمناسبة التسجيل الالكتروني.
Abstract
In the realm of real estate transactions, multiple authorities intersect, including the tax administration, which exercises control through various means. Notably, this involves tax characterization of contracts and deeds, irrespective of nomenclature, to determine applicable fees and scrutinize the ownership basis of the transaction, ensuring compliance with relevant real estate laws. The Moroccan tax regime holds notaries jointly liable for registration fees and accountable for certain statutory breaches related to real estate. Furthermore, the 2025 Finance Act imposes personal liability on notaries for specific infractions during electronic registration processes.
مقدمة
يعتبر التداول العقاري من بين الأنشطة الاقتصادية الحيوية التي تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.
وتوثيق المعاملات العقارية من المؤسسات التي يتداخل فيها الاقتصادي والاجتماعي والقانوني على اعتبار ان العقار والتوثيق يرتبطان ارتباطا وثيقا في إطار علاقة جدلية بين حماية الحقوق والحريات والاستثمار في مختلف دول العالم، ولذلك فان التدخل الجبائي في توثيق المعاملات العقارية يلعب دورا هاما في ضمان الشفافية والعدالة الضريبية، ويشكل أحد الأدوات الأساسية التي تعتمدها الدولة لتأمين حقوقها المالية ولتنظيم السوق العقارية.
ففي إطار توثيق المعاملات التي يكون موضوعها معاملة عقارية لا يقتصر موضوع هذه المعاملة على طرفي او أطراف العقد ومحرره (الموثق بشكل عام)، بل قد تمتد اثاره او ضلاله الى بعض الجهات الأخرى الأجنبية عن العقد كالمحافظة العقارية والمديرية العامة للضرائب او الخزينة العامة للمملكة ….، التي قد تتدخل لعدة أسباب؛ سواء في إطار المقاربة التشاركية او في إطار الرقابة القانونية او الإدارية بمناسبة حماية الديون العمومية.
في هذا المقال، سنستعرض بعض أوجه التدخل الجبائي في توثيق المعاملات من الناحية العملية مطلبين سنتناول في الأول التدخل الجبائي عند تسجيل العقود بإدارة الضرائب على أساس ان نتطرق في المطلب الثاني الى نطاق المسؤولية الجبائية بمناسبة توثيق المعاملات العقارية .
المطلب الأول: التدخل الجبائي عند تسجيل العقود بإدارة الضرائب
اذا كان توثيق المعاملات العقارية عموما تؤطره القوانين العامة ذات الصلة بالعقار كقانون الالتزامات والعقود والتحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية، او القوانين الخاصة بالتوثيق كخطة العدالة، والقانون المنظم لمهنة التوثيق… وغيرها من القوانين ، فان هناك نصوصا أخرى تتقاطع مع هذه القوانين وتؤثر في توثيق المعاملة العقارية ككل وان كانت في مرحلة لاحقة ، وهنا نتحدث بالخصوص عن المدونة العامة للضرائب ومدونة تحصيل الديون العمومية ، باعتبارهما من القوانين التي يبرز بتطبيقهما الطابع التدخلي للإدارة الجبائية في توثيق المعاملات العقارية بمناسبة تسجيل العقود والمحررات خصوصا.
والتدخل الجبائي بمناسبة تسجيل العقود بإدارة الضرائب قد يتخذ عدة صور الا اننا سنقتصر على أوجه التدخل بمناسبة تكييف العقود والمحررات (الفقرة الأولى)، ومراقبة عمل الموثق الجبائية والمحاسبية (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: أوجه التدخل بمناسبة تكييف العقود والمحررات
تعتبر واجبات التسجيل من الضرائب المهمة التي تساهم في تمويل ميزانية الدولة، وهاته الواجبات تفرض بمناسبة نقل ملكية عقار او حقوق عينية عقارية او بتحقق الواقعة المنشئة للضريبة عموما على المستفيد من العملية او الواقعة[1]، ولتحديد نسبها ومقدارها تخضع العقود والمحررات موضوع المعاملة العقارية للمراقبة الجبائية في إطار التكييف الجبائي[2]، الذي يتمحور أساسا حول إعادة التكييف الجبائي لتحديد السعر الواجب التطبيق ( أولا) ، او مراقبة مدى تسجيل اصل التملك والمحررات التي بنيت عليها عملية التوثيق المطلوب تسجيلها واحترام القوانين ذات الصلة بالعقار( ثانيا).
أولا: إعادة التكييف الجبائي لتحديد السعر الواجب التطبيق
حسب مقتضيات المادة 133 من المدونة العامة للضرائب وغيرها من المواد المتفرقة فان مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل مؤهل لإعادة تكييف العقد او المحرر ووضعه في الخانة الجبائية المناسبة لتضريبه بالرغم من التسمية القانونية التي يكون قد سمي بها من طرف محرر العقد ، بحيث يمكنه ان يكيف العقد عند تقديمه للتسجيل امام الإدارة الجبائية ويخضعه للنسبة المقرر لعملية غير التي سطرها اطراف العقد ومحرره اذا ما توافرت شروط ذلك .
والحالات التي تتم فيها إعادة تكييف العقد او المحرر عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الحالة التي يسمي فيها محرر العقد العملية بانها وعدا بالبيع وعند تفحص المحرر من طرف مفتش الضرائب يتضح له بان جميع عناصر عقد البيع متوفرة من تحديد الأطراف والمبيع والثمن قد دفع كاملا ودون تعليقه على شرط او اجل ، ففي هاته المناسبة يعمد المفتش الى إعادة تكييف العقد ويتدخل جبائيا ويعتبره عقد بيع نهائي خاضعا للسعر العام المحدد في 5/° اذا كان العقد يتضمن نقل ملكية عقار غير مبني او ارضا فلاحية…، او بسعر 4/° اذا ما كان الامر يتعلق بنقل ملكية عقار مبني[3].
وتزداد أهمية إعادة التكييف الجبائي للعقد المسجل من خلال بعض العقود المبرمة حاليا بمناسبة ممارسة نشاط مهني او تجاري سواء في اطار شخص ذاتي او اعتباري ؛ بحيث انه في اغلب الأحيان يعمد صاحب المشروع الى كراء عقار معين بغية استغلاله كمقر لممارسة نشاطه التجاري ، وفي هذا الصدد تتداخل عدة عناصر ومعطيات في تكييف هدا العقد من الناحية الجبائية ؛ فلئن كان اطراف العقد يعتقدون بانه عقد كراء عادي ويخضع لشكلية التسجيل بسعر الواجب الثابت المحدد في 200 درهم ، فان مفتش الضرائب قد يكون له راي اخر بإخضاعه للواجب النسبي المحدد في 6/° وتحديد الأساس الخاضع للضريبة في 20 سنة ، ولعل اهم مثال يمكن ان نستشهد به في هذا الاطار هو ابرام عقد كراء عقار معين دون ذكر مدة هذا الكراء ، فجبائيا يكيفه مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل بانه عقد غير محدد المدة وليس خلاف ذلك ،بحيث يتم تصحيح واجبات التسجيل المستحقة بدون مسطرة استنادا الى قاعدة إعادة التكييف وفق المشار اليه في المادتين 131 و 133 من المدونة العامة للضرائب .
ثانيا: مراقبة مدى تسجيل أصل المعاملة الموثقة المطلوب تسجيلها واحترام القوانين ذات الصلة بالعقار
من بين اوجه التدخل الجبائي بمناسبة توثيق المعاملات العقارية كذلك نجد الصلاحيات التي اتاحتها المدونة العامة للضرائب لمفتش الضرائب المكلف بالتسجيل من خلال المادة 137، بحيث لا يراقب فقط تسجيل المحرر التوثيقي موضوع المعاملة المتعاقد بشأنها ، وانما تمتد مراقبته الى مدى الحاق او تقديم العقود العرفية التي أسس عليها العقد او المحرر المقدم للتسجيل [4]، اما بشان العقود العدلية فان مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل ينتقل الى نوع اخر من التدخل الجبائي عن طريق مراقبة مراجع تسجيل اصل التملك في حالة وجودها ، او مراقبة الإشارة الى عدم وجود هذه المراجع و ضرورة إيداع نسخة من المحرر المعتبر اصل التملك بمكتب التسجيل المختص[5].
وتجدر الإشارة في هذا الصدد ان هذه المراقبة او أوجه التدخل لا تقتصر فقط على العقود والمحررات المودع ورقيا وماديا بمكتب التسجيل المختص وانما تهم كذلك العقود والمحررات المسجلة الكترونيا من طرف الأشخاص المؤهلين لذلك وفقا للإجراءات والمساطر القانونية، على اعتبار ان الموثق يبقى ملتزما بحفظ اصول العقود وتسليم نسخ منها[6].
وعلى مستوى اخر نجد ان هناك عدة صور أخرى تكرس التدخل الجبائي بمناسبة توثيق المعاملات العقارية خاصة في الجانب المتعلق بقوانين التعمير[7]؛ بحيث يمنع على مفتشي الضرائب المكلفين بالتسجيل تسجيل العقود المتعلقة بعمليات البيع او الايجار او القسمة المشار اليها في المادتين 1 و 58 من قانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية و تقسيم العقارات[8].
وتنضاف الى هذه الاليات اسباب أخرى للمراقبة والتدخل الجبائي من قبيل رفض تسجيل أي عقد يتضمن احدى العمليات المشار اليها في ظهير 26/09/1963 المتعلق بتحديد الشروط التي تسترجع الدولة بموجبها أراضي الاستعمار[9]، تحت طائلة الغرامات او الحبس وفق المسطر في الفصل 14 من الظهير المذكور[10].
وتجدر الإشارة الى ان هناك قوانين أخرى ذات الصلة بالعقار تفرض تدخلا جبائيا من طرف مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل خاصة القانون رقم 34-94 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل المناطق المسقية او تنمية الأراضي غير المسقية، بحيث ان مفتش الضرائب هو اخر جهة تضطلع على العقود والمحررات وبذلك يكون مؤهلا للتدخل لرفض تسجيل أي عقد يخالف مقتضيات القانون المذكور أعلاه[11].
وفي إطار مواكبة التطور الذي عرفته الجهات المؤهلة للتوثيق خاصة بعد صدور مدونة الحقوق العينية والتعديلات التي لحقتها [12]، فقد أصبح للتدخل الجبائي بمناسبة تسجيل العقود مركز قانوني قوي بحيث يمكن لمفتش الضرائب المكلف بالتسجيل ان يرفض تسجيل العقد الذي لا يكون مرفقا بنموذج معد سلفا حينما يتعلق الامر بنقل الملكية او التفويت[13] .
بل قد تتجاوز صلاحيات الإدارة الضريبية مسالة التدخل الجبائي بمناسبة تسجيل العقود الى ممارسة بعض أنواع المراقبة على عمل الموثق جبائيا ومحاسبيا فكيف ذلك؟
الفقرة الثانية : مراقبة عمل الموثق الجبائية والمحاسبية
ان الموثق العصري[14] يمتاز عن غيره من الاشخاص المؤهلين للتوثيق عموما وتوثيق المعاملات العقارية خصوصا بمسؤوليات والتزامات خاصة وعديدة سواء المدنية او الجنائية او الجبائية، وفي هذا الإطار سنقف عند بعض الالتزامات المالية والجبائية للموثق سواء في الشق الخاص بسجل التحصين (أولا ) او الشق العام المتعلق بالتفتيش والأبحاث (ثانيا)
اولا: التدخل الجبائي عبر مراقبة سجلات التحصين
ان مراقبة سجلات التحصين للسادة الموثقين بالمغرب هي عملية هامة تهدف إلى ضمان سلامة المعاملات القانونية وتحقيق الشفافية في أعمال الموثقين، بحيث تم تنظيم مهنة التوثيق من قبل القانون رقم 09.32، الذي ينص على أن الموثقين يخضعون لمراقبة مزدوجة من قبل الوكيل العام للملك ووزارة المالية[15].
فإضافة الى مراقبة السيد الوكيل العام للملك للمحفوظات والسجلات النظامية للموثقين، وكذا الحق في إجراء معاينات دورية لضمان سلامة أعمالهم، تتدخل وزارة المالية في مراقبة الجوانب المالية المتعلقة بأعمال الموثقين، بما في ذلك إدارة الأموال والقيم المودعة لديهم عن طريق بعض مفتشي الضرائب.
فحسب المادة 137 من المدونة العامة للضرائب فان السادة الموثقين ملزمين بعدة التزامات قانونية بمناسبة توثيق وتحرير العقود والمحررات، واهمها تقديم سجل التحصين امام مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل قصد التأشير عليه بعد مراقبته، وهذا التقديم يهدف بالأساس الى مراقبة مدى احترام الشكليات والآجال وباقي العناصر المفيدة في ربط واجبات التسجيل وخاصة مدى تسجيل المحررات والعقود في اجالها وطبقا للأسعار القانونية، ومدى أداء الواجبات المناسبة للعملية موضوع التوثيق .
وتجدر الإشارة الى ان هذا التقديم يجب ان يكون خلال الزمن المخصص لذلك قانونا والمحدد في العشرة أيام الموالية لكل شهر[16].
ثانيا: التدخل الجبائي عبر تقنية الأبحاث ومكنة تفتيش مكاتب الموثقين
قبل سلوك مساطر التأديب او ما في حكمها في حق أي موثق خاضع لقانون 32.09، فلا بد من الإشارة الى ان هذا القانون قد منح لعدة جهات حق مراقبة عمل الموثق.
فبالإضافة الى عمليات المراقبة من داخل الجسم التوثيقي عبر اللجنة التي تضم رئيس المجلس الجهوي بصفته رئيسا وموثقين يتوفران على أقدمية خمس سنوات على الأقل، يتم انتخابهما لمدة سنتين من طرف الجمع العام للموثقين الخاص بالمجلس الجهوي، ويمكن استثناءا لرئيس المجلس الجهوي أن يلتمس من رئيس المجلس الوطني انتداب موثقين من خارج المجلس الجهوي الذي ينتمي إليه الموثق المزمع مراقبته[17]؛ نجد ان المادة 65 من قانون تنظيم مهنة التوثيق قد متع ممثلي وزارة الاقتصاد والمالية ( بالمديرية العامة للضرائب) بمكنة التدخل في عمل الموثقين عبر مراقبة عملياتهم الحسابية أو الأموال والقيم المودعة لديهم أو التي يتولون حساباتها أو فيما يخص صحة عقودهم وعملياتهم واحترامهم للقانون المنظم للمهنة وطبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل[18]، وتتم هذه المراقبة بحضورالسيد الوكيل العام او من يمثله و رئيس المجلس الجهوي للموثقين أو من ينوب عنه او في غيبته بعد اشعاره بذلك [19].
ومكنة المراقبة القانونية لعمل الموثق لا تقتصر على المراقبة في اطار اللجان الجماعية المشار اليها في المادة 65 من قانون تنظيم مهنة التوثيق وانما قد تكون في شكل مراقبة خاصة وفجائية بمكاتب الموثقين، فيمكن ان تباشر هده المراقبة من طريف السيد الوكيل العام للملك لوحده او بمعية احد الأشخاص الذين يختارهم ، وقد تباشر بمبادرة من ممثلي الوزارة المكلفة بالمالية في اطار حق البحث والتفتيش والاطلاع الواسع على أصول العقود والسجلات والسندات والقيم والمبالغ النقدية والحسابات البنكية والبريدية ووثائق المحاسبة وكافة الوثائق التي يكون تقديمها مفيدا لمهمته، والموثق يكون ملزما بالرد على الأسئلة الموجهة له، والاستجابة لما يقتضيه التفتيش[20].
ومما تجب الإشارة اليه انه في اطار حق المراقبة الممنوح لوزارة الاقتصاد والمالية عبر مفتشي الضرائب التابعين للمديرية العامة للضرائب المنصوص عليه في القانون المنظم لمهنة التوثيق ، هو ان هذا الحق يتماشى مع بعض الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق السادة الموثقين او مفتشي الضرائب المكلفين بالتسجيل ، وخاصة الالتزام المشار اليه في مقتضيات المادتين 137 و139 من المدونة العامة للضرائب والمتمثلة في ضرورة تضمين العقود البيانات والتصاريح التقديرية اللازمة لتصفية واجبات التسجيل ،وكذا أداء واجبات التسجيل بصفة شخصية بالطريقة الالكترونية المنصوص عليها في المادتين 155 و 169 من المدونة العامة للضرائب[21].
ان التدخل الجبائي في مراقبة عمل الموثق لا يقف عند الحدود والحالات المشار اليها أعلاه وانما قد يتجاوز ذلك الى تدخل ومراقبة جبائية من نوع خاص في إطار مراقبة وفحص محاسبته عبر المساطر المنصوص عليها في المواد 212 وما يليها من المدونة العامة للضرائب او في إطار فحص مجموع الوضعية المنصوص عليها في المواد 29 و216 من نفس المدونة كمراقبة جد متقدمة لمحاسبة الموثق كممارس لنشاط مهني خاضع للضريبة[22].
وإذا كان عمل الموثق يتيح تدخلا جبائيا واضحا بمناسبة تسجيل العقود والمحررات او بسببها فما حدود مسؤولية السادة الموثقين عن ذلك؟
المطلب الثاني: نطاق المسؤولية الجبائية بمناسبة توثيق المعاملات العقارية
ان التدخل الجبائي بمناسبة توثيق المعاملات العقارية قد يصل في بعض الحالات الى إقرار مسؤولية الجهات المكلفة بالتوثيق في إطار مسؤولية من نوع خاص يؤطرها القانون الجبائي المغربي بمفهومه العام ، سواء في اطار ما يسمى بالمسؤولية التضامنية وفق القواعد المقررة في مدونة تحصيل الديون العمومية او المدونة العامة للضرائب ( الفقرة الأولى) او في اطار المسؤولية الشخصية المكرسة وفق قانون مالية 2025 وغيره من القوانين ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: المسؤولية الجبائية للموثق بمناسبة توثيق وتسجيل العقود
ان خصوصية احكام المسؤولية في ميدان التوثيق تكمن في كونها مسؤولية مالية بامتياز، بحيث ان اخلال الأشخاص المزاولين لمهام التوثيق بشكل عام والموثق العصري بشكل خاص بأحد الالتزامات القانونية الجبائية يثير مسؤولية أداء الواجبات الضريبية التي كان من المفترض أدائها قبل او بمناسبة العملية التوثيقية.
هكذا نجد بان الموثق العصري هو الشخص الوحيد المخاطب بشكل مباشر والملزم بأداء واجبات التسجيل بدل الملزم المدين الأصلي، فحسب الفقرة الثانية من المادة 137 من المدونة العامة للضرائب فقد أصبح السادة الموثقين ملزمين بأداء واجبات التسجيل طبقا لأحكام المادتين 155 و169 من المدونة العامة للضرائب والمتعلقين على التوالي بالإيداع والأداء الالكتروني للعقود والمحررات.
وما يثير الانتباه في هذا الشأن هو اعتبار القانون ان السادة الموثقين بمثابة مدينين مفترضين عن أداء واجبات التسجيل بخلاف باقي المهنيين والأشخاص المزاولين لمهام التوثيق، بل الأكثر من ذلك هو التنصيص على مسؤوليتهم الشخصية في أداء واجبات التسجيل في حالة الاخلال بمقتضيات الفقرة السادسة من المادة 137 من المدونة العامة للضرائب والمتعلقة بالعقود العرفية التي يستعملونها او يستندون عليها في توثيق المعاملة العقارية الرسمية[23].
وتنضاف الى المسؤولية عن أداء واجبات التسجيل أعلاه مسؤولية تضامنية أخرى[24] عن أداء ضرائب من صنف اخر مرتبطة بتوثيق المعاملات العقارية الناقلة للملكية، ويتعلق الامر أساسا بمسؤولية المزاولين لمهام التوثيق عموما، ومن ضمنهم السادة الموثقين عن أداء الضرائب في حالة تحرير او توثيق المعاملة العقارية دون الادلاء لهم او حصولهم على شهادة من المحاسب العمومي المختص تثبت أداء الضرائب والرسوم المثقل بها العقار موضوع نقل او انتقال الملكية حسب المسطر في المادة 139 من المدونة العامة للضرائب والمادة 95 من مدونة تحصيل الديون العمومية [25].
ونشير في هدا الصدد الى ان القانون المالي لسنة 2024 قد عمد الى تكريس المسؤولية الجبائية التضامنية للأشخاص الذين يزاولون مهام التوثيق حينما عمد الى منعهم من تحرير العقود والمحررات المرتبطة بنقل ملكية عقار قبل استصدار شهادة تثبت أداء الضرائب والرسوم المرتبطة بالعقار[26]، وكذا إلزام السادة المزاولين لمهام توثيقية بتضمين العقود التي يحررونها رقم القيد في سجل رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية إذا كان العقار خاضعا له[27].
الفقرة الثانية: المسؤولية الشخصية للموثق في قانون مالية 2025
موازاة مع التطور التكنولوجي والرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي فقد زاد حجم المسؤولية الملقاة على الأشخاص المخول لهم حق التسجيل الالكتروني للعقود والمحررات، فإلى جانب السادة العدول والخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين، نجد ان السادة الموثقين العصريين مؤهلون وملزمون بالتسجيل والأداء الالكتروني للعقود والمحررات التي يحررونها ، فحسب التعديل الذي جاء بها قانون مالية 2025 فان السادة الموثقين أصبحوا مسؤولين شخصيا عن أداء غرامة تصل الى 1000 درهم عن كل عملية تمت بشكل يخالف المقتضيات القانونية عند المسح الضوئي للعقد او المحرر او أحد بيانته [28].
فانطلاقا من التنصيص القانوني أعلاه يمكن الخروج بمجموعة من الملاحظات أهمها:
- ان القانون الضريبي قد حمل جميع الأشخاص المؤهلين للتسجيل الالكتروني نفس المسؤولية وبنفس المستوى .
- ان هذه المسؤولية شخصية وليست تضامنية .
- انها عبارة عن أداء مبلغ مالي يصدر ضد الشخص الماسح ضوئيا للمحرر وليس فقط محرر العقد .
- انه ربط الغرامة بإمكانية تدارك الأخطاء او الإغفالات داخل اجل 30 يوما من تاريخ التسجيل وليس تحرير او توثيق العقد ؛ وهو ما يحيلنا على فرضيتين أولها عدم ربط الغرامة بالواقعة المنشئة للضريبية وانما التسجيل الالكتروني ، وثانيها مخالفة قاعدة حسن النية في المعاملات لكون فرض الغرامة سيتم بدون مسطرة وبدون اشعار حسب المادة المذكورة.
فانطلاقا من هذا المقتضى القانوني يمكن القول بان تقرير هده الغرامة بقدر ما حاول حماية الدين الضريبي من التلاعب عبر استغلال الرقمنة والوسائل التكنولوجية بقدر ما ترك هوة لتجاوزمجموعة من الاختلالات بنص القانون من خلال ربط اجل الإصلاح او التدارك باجل التسجيل الذي يبقى حسب حسن او سوء نية مستعمل المنصة الالكترونية وليس بالواقعة المنشئة للضريبة في حد ذاتها.
خاتمة
خلاصة القول فان التدخل الجبائي في توثيق المعاملات العقارية يبقى تدخلا واسعا لكونه يرتبط بعدة مبادى أهمها استقرار المعاملات ، وحماية الدين الضريبي ، وخلق نوع من التوازن بين القوة الثبوتية للمحررات التوثيقية وتبسيط مساطر التسجيل والتحفيظ الرقمية من جهة وبين الرقابة الإدارية والمالية وحماية الأطراف المتعاقدة والحفاظ على الاستقرار المالي والامن القانوني من جهة ثانية في اطار مقاربة تشاركية بين مختلف الفاعلين في مجال العقار والاستثمار.
لائحة المراجع المعتمدة :
فاطمة الزهراء بنعبيش، النظام الضريبي في القطاع العقاري المغربي: التحديات والفرص، مركز الدراسات القانونية والاقتصادية طبعة 2023.
عبد اللطيف بن سرار ، مسؤولية الموثق في المعاملات العقارية التشاركية ، مقال منشور بالمجلة الالكترونية للأبحاث القانونية لسنة 2022 العدد 10 .
محمد بلهادي، دليل توثيق المعاملات العقارية في المغرب، دار النشر المغربية ، طبعة 2022.
سميرة السفياني ، توجهات قانونية حول توثيق المعاملات العقارية والضريبة في المغرب ، الجمعية المغربية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2022.
حسناء زيو، مراقبة عمل الموثق العصري ومسؤولياته في ضوء القانون المغربي، مقال منشور على موقع المعلومة القانونية لسنة 2022.
سلمى شادي، مدى فعالية الرقابة على عمل الموثق والعدل بين مهنة التوثيق وخطة العدالة ، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، السنة الجامعية 2020/2021.
عادل الصدقي ، التزامات العدول والموثقين اتجاه ادارة الضرائب ، مقال منشور بمجلة القانون والاعمال الدولية ، العدد 20 ، نونبر 2018،
- المقصود بالتكييف الجبائي هو وضع العملية في اطارها الجبائي وليس القانوني ، بحيث انه قد يتعلق الامر بتفويت بدون عوض بين الأقارب ويكيف قانونا بانه هبة او صدقة حسب الأحوال ، الا انه جبائيا يكيف بانه تفويت خاضعة لنظام التضريب بالسعر العام لانتفاء علاقة القرابة المباشرة وفق المسطر في المادة 133 من المدونة العامة للضرائب بخلاف ما ضمنه محرر العقد . ↑
- شقة او منزل او ما في حكمه حسب الحالات ووفق الشروط المنصوص عليها في المادة 133 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025 . ↑
- انظر الفقرتين الخامسة والسادسة من المادة 137 من المدونة العامة للضرائب. ↑
- انظر الفقرة 14 من المادة 137 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025 ↑
- عبد اللطيف بن سرار ، مسؤولية الموثق في المعاملات العقارية التشاركية ، مقال منشور بالمجلة الالكترونية للابحاث القانونية لسنة 2022 العدد 10 ص 16. ↑
- فاطمة الزهراء بنعبيش، النظام الضريبي في القطاع العقاري المغربي: التحديات والفرص، مركز الدراسات القانونية والاقتصادية طبعة 2023،ص 41. ↑
- حسب مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 139 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025. ↑
- الظهير الشريف رقم 238.63.1 الصادر بتاريخ 7 جمادى الأولى 1383 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2657 بتاريخ 08 جمادى الأولى الموافق 27 شتنبر 1963 ص 2247 كما تم تعديله . ↑
- تتراوح هذه الغرامة ما بين 500 و 5000 درهم او غرامة ما بين 1000 و 10000 درهم وقد تصل العقوبة الحبسية الى ستة اشهر، إضافة الى بطلان العملية برمتها وفق المقرر في الفصل 13 من الظهير المذكور أعلاه. ↑
- حسب الفقرة الأخيرة من نص المادة 139 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025. ↑
- محمد بلهادي، دليل توثيق المعاملات العقارية في المغرب، دار النشر المغربية ، طبعة 2022 ، الصفحة 18. ↑
- حسب الفقرة العاشرة من نص المادة 139 من المدونة للضرائب لسنة 2025. ↑
- المشار اليهم في القانون رقم 32.09 وكما يسميهم البعض في اطار تمييزهم عن العدل الموثق. ↑
- حسناء زيو، مراقبة عمل الموثق العصري ومسؤولياته في ضوء القانون المغربي، مقال منشور على موقع المعلومة القانونية، لتاريخ 03/11/2017 . ↑
- حسب المادة 51 من قانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق بالمغرب ↑
- سلمى شادي، مدى فعالية الرقابة على عمل الموثق والعدل بين مهنة التوثيق وخطة العدالة ، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، السنة الجامعية 2020 _ 2021، ص 25. ↑
- سميرة السفياني ، توجهات قانونية حول توثيق المعاملات العقارية والضريبة في المغرب ، الجمعية المغربية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2022، ص 29. ↑
- حسب مقتضيات المادة 65 من قانون 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق. ↑
- حسب مضمون نص المادة 69 من قانون تنظيم مهنة التوثيق السابق الإشارة اليه. ↑
- للمزيد من التفاصيل يرجى العودة الى مقتضيات المواد 137 و155 و169 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025. ↑
- يمكن القول بان هذه المراقبة تشكل تعزيزا لمراقبة العمليات المحاسبية للموثق في إطار يتجاوز قانون تنظيم مهنة التوثيق وخاصة ما هو المنصوص عليه في المادة 66 منه. ↑
- حسب المنصوص عليه في المادة 183 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025. ↑
- عادل الصدقي ، التزامات العدول والموثقين اتجاه ادارة الضرائب ، مقال منشور بمجلة القانون والاعمال الدولية ، العدد 20 ، نونبر 2018، ص 104. ↑
- وقد اثير نقاش بهذا الشأن بخصوص الممارسة العملية بين بعض المحاسبين العموميين التابعين للخزينة العامة للمملكة وبين السادة الموثقين ، بحيث ان بعضهم يتجاوز القراءة الحرفية للنص ويلزم المدين او طالب الشهادة بأداء جميع الضرائب الملزم بها مالك العقار ، ونشير في هذا الاطار الى ان النص واضح ويتحدث عن الضرائب المرتبطة بالعقار موضوع التفويت وليس شيئا اخر، الا انه لا بد من الإشارة الى ان سبب الارتباك كان يعود الى وجود نص اخر ضمن مدونة تحصيل الديون العمومية وخاصة المادة 100 منها قبل تعديل 2019 ، بحيث انه كان من واجب السادة الموثقين أداء الضرائب الواجبة على الأشخاص المفوتين الى جانب الضرائب المرتبطة بالعقار ، الا انه بعد تعديل المادة المذكورة أعلاه سنة 2019 تم اخراج السادة الموثقين والعدول من الالتزام القانوني بالأداء المباشر للضرائب والرسوم المدين بها الأشخاص المفوتين الى المحاسب المكلف بالتحصيل ، ومن تم اصبح الامر مقتصرا على أداء الضرائب والرسوم المرتبطة بالعقار موضوع التفويت لا غير من الناحية القانونية. ↑
- حسب الفقرة الثامنة من المادة 139 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2024. ↑
- حسب الفقرة التاسعة من المادة 139 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2025. ↑
- تنص المادة 206 المكررة على ما يلي : ” تطبق غرامة قدرها ألف (1000) درهم على الأشخاص الذين يقومون بإجراء التسجيل بطريقة إلكترونية في حالة عدم الإدلاء بمعلومات إجبارية أو الإدلاء بمعلومات ناقصة أو خاطئة أو في حالة عدم إرسال العقد أو الاتفاق، ويتعلق الأمر بالمعلومات التي يجب التصريح بها وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، المتعلقة خصوصا بما يلي: – الاسم العائلي والشخصي أو العنوان التجاري لأطراف العقد؛ – عنوان الموطن الضريبي أو موقع المؤسسة الرئيسية؛ – رقم بطاقة التعريف الوطنية أو بطاقة الأجنبي ورقم التعريف الضريبي؛ – رقم القيد في سجل الرسم المهني وفي سجل رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية؛ – طبيعة العمليات موضوع العقد؛ – الثمن أو القيمة التقديرية المعبر عنهما في العقد؛ – رقم الرسم العقاري والمعلومات الأخرى المتعلقة بالعقار موضوع العقد – العنوان والمساحة وطبيعة العقار، … ؛ – أصل التملك؛ – الأساس المفروضة عليه واجبات التسجيل؛ – التعريفة؛ – واجبات التمبر؛ – رقم العقد الترتيبي في سجل التحصين.
تصدر هذه الغرامة عن طريق أمر بالاستخلاص وتستحق حالا بدون مسطرة، ولا تطبق هذه الغرامة إذا تم تدارك الإغفالات المشار إليها في الفقرة الأولى أعلاه داخل أجل30 يوما ابتداء من تاريخ تسجيل العقد أو الاتفاق. ↑
- ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي معجم مقايس اللغة، باب الدال والعين وما يثلثهما، مادة (دعا)، (2/280)، وكذلك ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري لسان العرب، (5/266-268). ↑





