الطبيعة القانونية للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية: (دراسة تحليلية) – رهف صالح الغامدي – إشراف: الدكتورة : دينا إسماعيل أبو زيد
الطبيعة القانونية للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية: (دراسة تحليلية)
The Legal Nature of Smart Contracts in the Kingdom of Saudi Arabia: An Analytical Study
الباحثة : رهف صالح الغامدي
باحثة ماجستير، قسم القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة الملك عبد العزيز
إشراف: الدكتورة : دينا إسماعيل أبو زيد
أستاذ مشارك في القانون المدني، قسم القانون الخاص، كلية الحقوق ، جامعة الملك عبد العزيز
رابط DOI
https://doi.org/10.63585/PYKC4692
المستخلص
توضح هذه الدراسة الطبيعة القانونية للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية في ظل التطورات التقنية الحديثة، ومدى توافقها مع الإطار القانوني التقليدي للعقد. تكمن الإشكالية البحثية في تحديد التكييف القانوني للعقود الذكية. لتحقيق ذلك، تستعرض الدراسة مفهوم العقود الذكية وخصائصها، كما تسلط الضوء على منصة البلوك تشين باعتبارها البيئة التقنية التي تعتمد عليها العقود الذكية. تهدف الدراسة إلى توضيح الطبيعة القانونية لهذه العقود في ضوء الأنظمة السعودية، مع التمييز بينها وبين العقود الرقمية والعقود الإلكترونية في المملكة العربية السعودية. تعتمد الدراسة على المنهج التحليلي للنصوص القانونية والأنظمة السعودية ذات الصلة لاسيما نظام التعاملات الإلكترونية الصادر عام 1428هـ، كما توظف الدراسة المنهج الاستقرائي لتحليل هذه النصوص واستنباط مدى توافق العقود الذكية معها، بالإضافة إلى استعراض التطبيقات العملية لهذه التقنية في إطار النظام السعودي. توصلت الدراسة إلى عدة نتائج، من أبرزها أن العقود الذكية تعتمد بشكل رئيسي على تقنية البلوك تشين، حيث تُعد هذه التقنية البنية التحتية التي تتيح تنفيذ العقود الذكية بطريقة ذاتية وآلية. كما تبين أن العقود الذكية تُعد امتدادًا لنظرية العقد، نظرًا لتوافر الأركان الأساسية للعقد فيها مما يعزز إمكانية الاعتراف بها كعقود ملزمة قانونًا. وفي ضوء هذه النتائج، توصي الدراسة المنظم السعودي بتعريف العقود الذكية، كما توصي المنظم بالتمييز بين العقود الرقمية والعقود الإلكترونية لتطبيق القانون بشكل صحيح، وضرورة تنظيم دورات تدريبية للمحامين والقضاة حول العقود الذكية وتقنية البلوك تشين، لتعزيز فهمهم لهذه التقنية وكيفية تطبيقها قانونيًا. كما توصي الدراسة بالتوسع في إجراء أبحاث حول العقود الذكية ومنصة البلوك تشين في المملكة العربية السعودية.
الكلمات المفتاحية: العقود الذكية، البلوك تشين، العقود الرقمية، العقود الإلكترونية، الطبيعة القانونية للعقود الذكية.
Abstract
This study aims to examine the legal nature of smart contracts in Saudi Arabia considering modern technological advancements and their compatibility with the traditional legal framework of contracts. The research problem focuses on determining the legal classification of smart contracts. To achieve this aim, the study explores the concept and characteristics of smart contracts while highlighting blockchain as the technological infrastructure on which these contracts rely. This study seeks to clarify smart contracts’ legal classification under Saudi regulations, distinguishing them from digital contracts and electronic contracts. The study adopts an analytical approach to relevant Saudi law, particularly the Electronic Transactions Law. This study also employs an inductive method to assess the extent to which smart contracts align with these laws and reviews practical applications of this technology within Saudi legal framework. The findings indicate that smart contracts primarily rely on blockchain, enabling their automated and self-executing nature. Smart contracts are considered an extension of contract theory, as they fulfill the essential elements of a contract, supporting their recognition as legally binding agreements. The study recommends that Saudi regulator should define smart contracts, and distinguish between digital contracts and electronic contracts in order to properly implement the law. Moreover, this study recommends that it should be considered training programs for lawyers and judges on smart contracts and blockchain to enhance their legal understanding. It also calls for further research on smart contracts and blockchain due to the limited studies in this field, emphasizing their role in developing Saudi Arabia’s legal framework.
Keywords: Smart Contracts, Blockchain, Digital Contracts, Electronic Contracts, Legal Nature of Smart Contracts.
المقدمة:
يشهد العالم تطورًا تقنيًا متسارعًا أثر في مختلف مجالات الحياة مما أدى إلى ظهور أنواع جديدة من العقود أبرزها العقود الذكية، وتعد هذه العقود جزءًا من الابتكارات المرتبطة بتقنية البلوك تشين التي تمثل نوعاً فريداً في أساليب التعاملات الرقمية. في ظل هذه التحولات، برزت المملكة العربية السعودية كإحدى الدول التي تبنت التكنولوجيا الحديثة في مختلف قطاعاتها، وتُعد العقود الذكية تطورًا كبيرًا في مجال التعاقد، حيث تعتمد على التقنيات الحديثة لتسهيل تنفيذ الالتزامات بشكل آلي وفعّال دون الحاجة إلى تدخل وسطاء تقليديين. يعتمد هذا النوع من العقود على بروتوكولات البلوك تشين مما يتيح تسجيل الشروط المبرمجة فيها وتنفيذها بطريقة آمنة عند تحقق شروط محددة مسبقًا. هذا الأسلوب من التعاقد يقلل من التدخل البشري، ويحد من الأخطاء المحتملة. إضافةً إلى ذلك، تسهم العقود الذكية في تعزيز مستوى الشفافية والأمان في التعاملات، حيث تُمكن تقنية البلوك تشين من تتبع سير العمل المتعلق بالعقد وتأمينه ضد أي تلاعب أو تعديل غير مصرح به. قد حرص المنظم السعودي على تنظيم التعاملات الإلكترونية، وذلك من خلال إصدار نظام التعاملات الإلكترونية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/18 وبتاريخ 8 / 3 / 1428هـ، حيث تطرق النظام في مادته الحادية عشرة لمثل هذا النوع من التعاقد. نظراً لأهمية هذا النوع من العقود، فإنه من الجدير دراسة الطبيعة القانونية للعقود الذكية دراسة تحليلية لبيان تكييفها وطبيعتها القانونية.
مشكلة الدراسة:
تتبلور المشكلة البحثية لهذه الدراسة حول تحديد الطبيعة القانونية للعقود الذكية، وتثير هذه الإشكالية جدلًا حول ما إذا كانت العقود الذكية تُعد تطورًا قانونيًا لنظرية العقد، أم أنها تخرج عن إطار المفهوم القانوني التقليدي للعقد. إضافةً للتمييز بين العقود الذكية وكلاً من العقد الإلكتروني والعقد الرقمي لبيان تكييف العقد الذكي. بناءً على ما سبق، فإن مشكلة الدراسة يمكن أن تتلخص في السؤال الرئيسي التالي: ما هو التكييف القانوني للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية؟
يتفرع من السؤال الرئيسي عدة تساؤلات فرعية تتمثل فيما يلي:
- ماذا يُقصد بالعقود الذكية؟
- ماهي منصة البلوك تشين؟
- هل تُعد العقود الذكية امتدادًا لنظرية العقد التقليدية؟
- ما الفرق بين العقد الذكي والعقد الإلكتروني؟
- ما الفرق بين العقد الذكي والعقد الرقمي؟
أهداف الدراسة:
أولاً: استعراض مفهوم العقود الذكية وخصائصها.
ثانياً: إيضاح ماهية منصة البلوك تشين.
ثالثاً: بيان تكييف العقود الذكية.
رابعًا: التمييز بين العقود الذكية وكلاً من العقود الرقمية والإلكترونية.
أهمية الدراسة:
الأهمية العلمية: تتجلى أهمية الدراسة في أن توضح ماهية العقود الذكية، وإيضاح ماهية منصة البلوك تشين، وبيان التكييف القانوني لهذا النوع من العقود. إضافةً إلى الاجتهاد في اقتراح حلول وتوصيات بناءً على النتائج التي تخلص إليها الدراسة بهدف المساهمة في تطوير المنظومة التشريعية في المملكة العربية السعودية.
الأهمية العملية: تكمن الأهمية في حداثة الموضوع محل البحث، وقلة الدراسات المتخصصة في هذا الجانب في المملكة العربية السعودية مما يشكل ذلك قيمة إثرائية لهذه الدراسة فيما يتعلق بالمكتبة القانونية، والحث على تطوير المنظومة القانونية والتشريعية في المملكة العربية السعودية.
حدود الدراسة:
تلتزم هذه الدراسة بتوضيح الطبيعة القانونية للعقود الذكية، وتكييفها ضمن الإطار القانوني التقليدي مع التركيز على السياق القانوني في المملكة العربية السعودية. وتشمل حدود الدراسة ما يلي:
الحدود الموضوعية:
تركز الدراسة على تحليل العقود الذكية من حيث مفهومها وطبيعتها القانونية، وتتناول الدراسة كذلك مفهوم تقنية البلوك تشين وأثرها في تشكيل العقود الذكية وتنفيذها، وتبحث في العلاقة بين العقود الذكية ونظرية العقد التقليدية، مع التركيز على مدى اعتبارها امتدادًا لهذه النظرية أو تطبيقًا تقنيًا بحتًا. كما تبين هذه الدراسة الفرق بين العقد الذكي وكلاً من العقود الرقمية والإلكترونية.
الحدود الزمانية:
تقتصر الدراسة على الأنظمة السارية في المملكة العربية السعودية حتى تاريخ إجراء الدراسة.
الحدود المكانية:
تركز الدراسة على المملكة العربية السعودية كمحل للدراسة.
منهج الدراسة:
تعتمد الدراسة على المنهج التحليلي لنصوص الأنظمة السعودية المتعلقة بالعقود الذكية والتعاملات الإلكترونية. كما تعتمد الدراسة على المنهج الاستقرائي للنصوص النظامية المتعلقة بالدراسة، والتي تتمثل في نظام التعاملات الالكترونية الصادر عام ١٤٢٨ه تحديداً في مادته الحادية عشرة، لبيان تكييف العقد الذكي محل الدراسة.
الدراسات السابقة:
أولاً: مفهوم العقد الذكي من منظور القانون المدني: دراسة تحليلية، للباحث: عبد الرزاق وهبه سيد أحمد محمد، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، (٢٠٢١م):
ناقشت هذه الدراسة مشكلة الدراسة التي تتمحور حول الطبيعة المعقدة للعقد الذكي الذي أُسس كمفهوم من قِبل العالم والمحامي الأمريكي “Szabo”، وأن العقد الذكي يواجه تحديات في التطبيق العملي التي تشمل على عدم وجود إطار قانوني واضح يضبط هذه العقود، وبالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة بتحديد الأهلية القانونية للأطراف خاصة مع غياب التفاعل البشري المباشر أثناء التنفيذ. بالإضافة إلى الإشكاليات في تعديل أو إلغاء العقد في حالات الطوارئ أو النزاعات، حيث يُكتب بلغة برمجية معقدة تجعل تفسيره من قبل الجهات القضائية أمراً صعباً دون الاستعانة بالخبراء.
خلصت هذه الدراسة لعدد من النتائج منها: أولاً: إن نشأة العقد الذكي ترجع لعالم الكمبيوتر الأمريكي N.Zabo) )، ورغم عدم حداثته، إلا أن تعريفات الفقه تعددت حول تحديد مفهوم العقد الذكي، ولا يوجد تعريف موحد له حتى الآن، وهذا الأمر يثير بعض المشاكل حوله. ثانياً: يتميز العقد الذكي بعدد من الخصائص منها طبيعته الإلكترونية، والتنفيذ التلقائي، واعتماده على البرامج في تنفيذه. ثالثاً: شهدت الأوساط الفقهية في كل من روسيا وفرنسا وأمريكا اختلافاً حول الطبيعة القانونية للعقد الذكي؛ حيث يرى بعض الفقهاء أنه مجرد وسيلة لضمان وتنفيذ العقود وليس عقداً بالمعنى القانوني، بينما يرى آخرون أنه عقد حقيقي يخضع للقواعد العامة للعقود، ويعود هذا الاختلاف إلى غياب إطار قانوني واضح ينظم هذه العقود. خلصت هذه الدراسة لعدد من التوصيات. أولاً: يوصي الباحث بإدراج مادة “الخوارزميات” ضمن المناهج الدراسية في كليات الحقوق، وذلك لتأهيل الخريجين، سواء كانوا محامين أو قضاة لفهم رموز الحاسوب والتعامل معها في سياق هذه العقود. ثانياً: اقتراح إنشاء مراكز تدريب متخصصة للقضاة والمحامين، لتزويدهم بالمعرفة التقنية والقانونية اللازمة لفهم رموز الحاسوب، وتفسير العقود الذكية عند حدوث نزاعات بين الأطراف. ثالثاً: التشديد على أهمية إعادة النظر في منصة البلوك تشين بما يتيح إمكانية تعديل العقود الذكية في حالات الظروف الطارئة أو إلغائها في حالة وقوع قوة قاهرة.
تتفق هذه الدراسة مع الدراسة الحالية في بحث ماهية العقود الذكية وبيان طبيعتها القانونية.
في حين أنها تختلف معها فيأن هذه الدراسة تركيزها على المشاكل الناتجة عن العقود الذكية، على خلاف البحث محل الدراسة الذي سوف يقتصر على بيان الطبيعة القانونية للعقود الذكية والتمييز بين العقود الذكية وكلاً من العقود الإلكترونية والعقود الرقمية.
ثانياً: العقود الذكية: دراسة تحليلية مقارنة، للباحثة: هايدي عيسى حسن علي حسن، مجلة الأمن والقانون، (٢٠٢٣):
ناقشت هذه الدراسة إشكالية رقمنة المسار التعاقدي بالكامل كخطوة تحمل العديد من المخاطر حول نقص الوعي المجتمعي، وبالإضافة لبيان ماهية العقود الذكية ومرادفاتها وخصائصها، ثم ناقشت تقييم العقود الذكية وأنواع العقود الذكية، وماهية التعديل في العقد الذكي. بالإضافة للطبيعة القانونية للعقود الذكية، وموقف التشريعات المقارنة. خلصت هذه الدراسة لعدد من النتائج. أولاً: الاستحسان الواسع الذي لاقته العقود الذكية مع الحاجة الملحة للتنظيم المتكامل الموضح لأبعاد ونتائج معاملات العقود الذكية. ثانيًا: على الرغم من بدء التوسع في تطبيق العقود الذكية، إلا أنها مازالت محاطة بكثيرٍ من التساؤلات، وبخاصة مع الغموض النسبي الذي مازال محيطًا بها. ثالثًا: تعدد تعريفات العقود الذكية حيث لا يوجد تعريف قانوني دقيق متفق عليه عالمياً.
خلصت هذه الدراسة لعدد من التوصيات أبرزها: أولاً: دخول العقود الذكية إلى واقعنا العملي، وهو ما يحتم على المسؤولين التنبه لتبعاته وتنظيمها على مختلف الأصعدة. ثانيًا: أن رقمنة المسار التعاقدي بالكامل خطوة تحمل العديد من المخاطر؛ لذا وجب إحاطة العقد الذكي في مرحلة إبرامه ببنود واضحة.
تتفق هذه الدراسة مع الدراسة الحالية في بحث ماهية العقود الذكية، وتقنية البلوك تشين، وبيان خصائص العقود الذكية، وأنواعها، والطبيعة القانونية للعقود الذكية.
في حين أنها تختلف مع الدراسة الحالية في أن هذه الدراسة لم تميز بين العقود الذكية وكلاً من العقود الإلكترونية والعقود الرقمية على غرار الدراسة الحالية التي تتعرض لهذا الجانب.
خطة الدراسة:
تم تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين رئيسية، وكل مبحث يحتوي على مطلبين، وذلك على النحو التالي:
المبحث الأول: مفهوم العقود الذكية والبلوك تشين، ويشمل مطلبين:
المطلب الأول: مفهوم العقود الذكية
المطلب الثاني: مفهوم تقنية البلوك تشين
المبحث الثاني: تكييف العقود الذكية في المملكة العربية السعودية، ويشمل مطلبين:
المطلب الأول: تكييف العقود الذكية
المطلب الثاني: التمييز بين العقود الذكية والعقود الإلكترونية والعقود الرقمية
المبحث الأول: مفهوم العقود الذكية والبلوك تشين
ليتسنى بيان الطبيعة القانونية للعقد الذكي في النظام السعودي، فإنه من الجدير بيان مفهوم العقود الذكية وبيان مفهوم تقنية البلوك تشين، لذا سيقسم هذا المبحث الى مطلبين. يتناول المطلب الأول مفهوم العقود الذكي بينما يتناول المطلب الثاني مفهوم البلوك تشين.
المطلب الأول: مفهوم العقود الذكية
يتناول هذا المطلب مفهوم العقود الذكية، وخصائص العقود الذكية التي يمتاز بها عن بقية العقود، وذلك في فرعين. يتطرق الفرع الأول لمفهوم العقود الذكية، بينما يتطرق الفرع الثاني لخصائص العقود الذكية.
الفرع الأول: مفهوم العقود الذكية
أولاً: تعريف العقد
عرف ابن منظور العقد لغةً: بأن العقد نقيض الحل، أي عقده يعقده عقداً وتعاقداً[1]. والعقد هو العهد، وجمعه عقود[2].
عُرف العقد اصطلاحاً، وهو تعريف السنهوري: اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني، سواء كان ذلك من خلال إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهائه[3].
ثانياً: تعريف الذكاء
جاء في تعريف ابن منظور للذكاء لغةً بأنه: حِدةُ الفُؤاد، وسرعة الفطنة[4].
عُرف الذكاء اصطلاحاً سرعة البديهة، وفطنة العقل وتوهجه، الإضافة إلى ذلك، يشمل المصطلح تطبيقات أخرى مثل ذكاء الحيوانات وذكاء النار، التي تعكس شدة الفهم أو التفاعل في سياقات معينة[5]، ويلاحظ ارتباط مفهوم الذكاء بجذوره اللغوية، حيث يظل محتفظًا بمعانيه الأساسية.
ثالثاً: تعريف العقود الذكية
يعد مصطلح “العقود الذكية” من المصطلحات الحديثة التي تعكس الطبيعة الفريدة لهذه العقود، حيث تُنفذ العقود باستخدام برامج ذكية قادرة على اتخاذ وتنفيذ القرارات بشكل مستقل عن الطرف المتعاقد مما يبرز ارتباط هذه العقود بالبرامج الذكية التي يتم من خلالها إبرام العقود وتنفيذها[6]. وصف العالم (نك زابو) العقود الذكية لأول مرة في التسعينات، حيث عرفها بأنها: بروتوكول من المعاملات المحوسبة التي تقوم بتنفيذ شروط العقد بشكل تلقائي، وبعد عامين، قام بتوسيع تعريفه ليشمل العقود كحزمة من الوعود المحددة رقميًا، تتضمن البروتوكولات التي تتيح للأطراف تنفيذ تلك الوعود[7].
عُرفت العقود الذكية أيضاً بأنها عقود ذاتية التنفيذ يتم برمجتها وبناؤها ضمن إطار شبكة لامركزية، حيث تُنظم شروط وأحكام العلاقة التعاقدية دون الحاجة إلى وجود سلطة مركزية مما يوفر الثقة في تنفيذ المعاملات وفقًا للشروط المحددة دون التراجع عنها[8]. أيضاً، تم تعريف العقود الذكية بأنها عقود تُبرم بين طرفين أو أكثر، وتتمتع بخاصية التنفيذ الذاتي عبر البروتوكولات المعتمدة على الرموز الرياضية والخوارزميات، كما تشمل العقود كافة المعلومات التي تتعلق بحقوق وواجبات الأطراف المعنية، مما يجعلها ملفات مشفرة وآمنة[9].
عرف المنظم السعودي في نظام التعاملات الإلكترونية، وبالتحديد في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشرة العقود الذكية من خلال النص على أنه: “يجوز أن يتم التعاقد من خلال منظومات بيانات إلكترونية آلية أو مباشرة بين منظومتي بيانات إلكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة مسبقًا للقيام بمثل هذه المهمات بوصفها ممثلة عن طرفي العقد، ويكون التعاقد صحيحًا ونافذًا ومنتجًا لآثاره النظامية على الرغم من عدم التدخل المباشر لأي شخص ذي صفة طبيعية في عملية إبرام العقد”.
عند تحليل نص المادة في نظام التعاملات الإلكترونية، يتبين أن المقصود هو العقود الذكية، وبتحليل نص “التعاقد من خلال منظومات بيانات إلكترونية ” نرى أنها تشير إلى أن التعاقد يحدث باستخدام تقنيات تكنولوجية. إن “منظومة البيانات الإلكترونية” تشير إلى البنية الرقمية التي تتألف من مجموعة من الأنظمة المترابطة التي تستخدم لتنظيم ومعالجة البيانات، والمنظومة الإلكترونية يتبين أنها تتكون من أجهزة حاسوبية وبرمجيات وشبكات تعمل معًا لتحقيق أهداف محددة، ومن أبرز الأمثلة على هذه المنظومات هي تقنية البلوك تشين، التي تعتمد على شبكة حواسيب مترابطة.
عند تحليل نص المادة: ” تكون معدة ومبرمجة مسبقًا للقيام بمثل هذه المهمات”، يشير النص إلى أن المنظومة الإلكترونية يتم تصميمها وبرمجتها مسبقًا لأداء مهام محددة وفقًا للشروط التي يحددها المستخدم. في العقود الذكية، مثل تقنية البلوك تشين، يتم برمجة العقود لتنفيذ الشروط المحددة آليًا دون الحاجة لتدخل بشري. كما تعمل العقود الذكية كوكيل عن الأطراف المتعاقدة، حيث تقوم بتنفيذ الشروط والبنود المتفق عليها دون وساطة أو وكيل. كما تعكس هذه العبارة أن العقود الذكية تنفذ الاتفاقيات بشكل آلي وفقًا للشروط المبرمجة دون الحاجة إلى تدخل أو إشراف خارجي، حيث يتم تنفيذ الإجراءات تلقائيًا عند تحقق الظروف المحددة.
بتحليل نص المادة “يكون التعاقد صحيحًا ونافذًا ومنتجًا لآثاره النظامية” إلى أن التعاقد عبر المنظومات الإلكترونية، بما في ذلك العقود الذكية، يعد صحيحًا إذا توافرت فيه الشروط الأساسية، ونافذًا دون الحاجة لإجازة من طرف ثالث، ومنتجًا لآثاره القانونية كالالتزامات التي تجعله عقدًا ملزمًا وقابلًا للتنفيذ وفقًا للأنظمة المعمول بها[10].
يشير نص المادة “على الرغم من عدم التدخل المباشر لأي شخص ذي صفة طبيعية في عملية إبرام العقد” إلى أن العقود الذكية تتيح للأطراف إبرام العقود وتنفيذها بشكل آلي ودون الحاجة لتدخل بشري، وهذا يعكس الطبيعة الذاتية والتلقائية للعقود الرقمية، حيث تكون هذه العقود نافذة وفعالة وتنتج آثارها القانونية حتى في غياب التدخل البشري.
تأسيساً على ذلك، تصل الباحثة إلى ان التعريف الأمثل للعقود الذكية هو: اتفاق يبرم بين طرفين أو أكثر باستخدام تقنية البلوك تشين، حيث تُنفذ الشروط والتعليمات المدخلة تلقائيًا بواسطة برامج مشفرة دون الحاجة لتدخل بشري، وتكون هذه العقود غير قابلة للتعديل أو الرجوع بعد اكتسابها القوة الإلزامية.
رابعاً: آلية عمل العقود الذكية
العقود الذكية هي أحد تطبيقات تقنية البلوك تشين، حيث يقوم طرفا العقد بتحويل بنوده إلى أكواد برمجية يتم إدخالها في البلوك تشين لتنفيذها بشكل آلي عند تحقق الشروط المدخلة[11]. على سبيل المثال، عند تأجير عقار، إذا قام المستأجر بدفع الإيجار، فإن المنصة تقوم تلقائيًا بتقديم مفتاح الدخول إلى المستأجر، والعكس إذا قام المالك بتسليم المفتاح، فإن المنصة تقوم بتحويل الإيجار إلى حسابه مباشرة، وبذلك يضمن كلا الطرفين تنفيذ العقد دون الحاجة إلى تدخل بشري إذ يمكن لأحد أطراف العقد الذكي صياغة العقد بشكل منفرد، ويعد نشره عبر منصة البلوك تشين بمثابة الايجاب، كما يمكن لأي مشارك في المنصة قبول العقد إذا رغب في ذلك، ليتم إبرام العقد بعد قبول الطرف الآخر.
تجدر الإشارة إلى أن العقد الذكي ليس مجانياً، لذا يتطلب إنشاءها دفع رسوم، وهذه الرسوم تُدفع باستخدام العملات الرقمية الافتراضية، ويمكن أيضًا الاتفاق على دفع ثمن السلع المتبادلة بالعملات الورقية[12]. كما أن أفضل ما يميز العقود الذكية هو أنها لا تقتصر على تنفيذ الشروط عند تحققها، بل يمكنها التفاعل مع بعضها لتشكيل سلسلة مترابطة من العقود، حيث إنه عند تنفيذ عقد ذكي بناءً على تحقق شرط معين، يمكن لهذا العقد أن ينشئ أو يُفعل عقدًا ذكيًا آخر مما يسمح للمطورين بتصميم سلسلة من العقود المرتبطة[13].
يمر العقد الذكي بثلاثة مراحل رئيسية، حيث تبدأ بالترميز وهي مرحلة إنشاء العقد، وهذه المرحلة يجب فيها كتابة العقد بشكل تفصيلي واضح، ثم يليها مرحلة الإرسال التي يتم فيها نشر العقد على شبكة البلوك تشين بعد أن تتم برمجته وتحويله إلى أكواد قابلة للتنفيذ، وبعد ذلك تأتي مرحلة التنفيذ والمعالجة التي يتم فيها تنفيذ الشروط المنصوص عليها في العقد بشكل آلي عند تحقق الشروط المتفق عليها بين الأطراف مثل دفع المشتري للثمن أو تسليم البائع للسلعة، حيث يقوم العقد الذكي بتفعيل الإجراءات المحددة وتنفيذها تلقائياً[14].
الفرع الثاني: خصائص العقود الذكية
تميز العقود الذكية بعدد من الخصائص التي تمتاز بها عن العقود التقليدية، لذا سيتم استعراض أبرز خصائص العقود الذكية على النحو التالي:
أولاً: التنفيذ الذاتي للعقود الذكية
تعتبر هذه الخاصية من أبرز مميزات العقود الذكية، حيث يتم تنفيذ العقد بكامل مراحله بشكل آلي سواء أثناء التفاوض، أو عند إتمام العقد، أو تنفيذ آثاره القانونية، حيث يتولى البرنامج الذكي تطبيق هذه الخاصية من خلال تنفيذ الالتزامات التعاقدية وفقًا للشروط والتعليمات المدخلة دون الحاجة لتدخل بشري، ويعتمد تنفيذ العقد الذكي على طبيعته الشرطية (إذا/إذن)، والتي تشكل أساس البرمجة في هذا العقد[15].
ثانياً: الشفافية
إن جميع تفاصيل العقد تُسجل على شبكة البلوك تشين مما يمكن الأطراف المعنية من التحقق من شروط العقد وتنفيذه، ويُعتبر الالتزام بالسرية في العقود الذكية من الأمور المستغنى عنها نظراً لطبيعته، حيث تقوم البرامج الذكية بدور الوسيط أو الممثل عن طرفي العقد أو أحدهما، وهذه البرامج لا تحمل أية مصلحة أو دوافع لإفشاء البيانات والمعلومات، وذلك على عكس الأشخاص الذين قد تكون لديهم مصالح مادية أو غير مادية تدفعهم للكشف عن هذه المعلومات[16].
ثالثاً: الأمان
تمتاز العقود الذكية بصعوبة اختراق قواعد البيانات الخاصة بها، وذلك بفضل اعتماد المنصات الرقمية على تقنية قواعد البيانات المتسلسلة البلوك تشين، بالرغم من كونها مفتوحة المصدر ويمكن لأي شخص استخدامها، إلا أن تميزها بنظام برمجي يعتمد على التشفير والتوزيع اللامركزي، فهو يحميها من التلاعب والاختراق بفضل اعتمادها على تقنية البلوك تشين اللامركزية مما يعني أن أي محاولة لاختراق النظام تتطلب الوصول إلى جميع الشبكات المرتبطة به[17].
رابعاً: تقليل التكاليف التعاقدية
تتميز العقود الذكية بقدرتها على تقليل التكاليف والمصروفات التي تتحملها الأطراف المتعاقدة مقارنة بالعقود الأخرى، ويعود ذلك إلى تقليص العمولات والتكاليف المرتبطة بإجراءات التعاقد، إذ تُعتبر العقود الذكية نموذجًا مبتكرًا يساهم في تقليل الأعباء المالية في المعاملات المدنية والتجارية والعمالية، لعدم حاجتها إلى طرف ثالث -وسيط- مثل المحامين أو الموثقين أو السماسرة[18].
خامساً: الدقة في التنفيذ
يتطلب تنفيذ العقود الذكية من المستخدم أن يكون دقيقًا عند صياغة الشروط التعاقدية، حيث تعكس هذه الشروط إرادته ونواياه في إتمام العقد، وبعد إدخال هذه التعليمات والشروط، فإنه يتم التحقق منها وتنفيذها بواسطة البرنامج الذكي بدقة عالية وبدون الحاجة إلى تدخل بشري[19].
ترى الباحثة أن هذه الخصائص تميز العقود الذكية عن غيرها من العقود، فعلى الرغم من أن بعض هذه الخصائص قد تتواجد بشكل جزئي في العقود الأخرى، إلا أن الاستقلالية والتنفيذ الآلي للعقود هو ما يميزها، حيث يمكن تنفيذ العقد تلقائيًا بناءً على شروط مبرمجة مسبقًا دون الحاجة لتدخل بشري. كما أن الشفافية والأمان التي ترتكز على تقنيات مثل البلوك تشين، تجعل العقود الذكية أكثر أمانًا ضد التلاعب مقارنة بالعقود التقليدية التي تعتمد على النظام المركزي، بالإضافة إلى أن العقود الذكية تتميز بعدم حاجتها إلى وسطاء مثل المحامين أو الموثقين مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وتحسين الكفاءة.
الفرع الثالث: تطبيقات عملية محتملة للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية
تطبق المملكة العربية السعودية أتمتة العديد من العقود ومن أبرزها عقد العمل وعقد الإيجار. تتناول هذه الدراسة هذين المثالين كتطبيق محتمل للعقود الذكية في السعودية.
أولاً: منصة قوى: هي منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل إدارة الأعمال في القطاع الخاص داخل المملكة العربية السعودية بما في ذلك إبرام وتوثيق عقود العمل إلكترونيًا مما يساعد على تسريع الإجراءات وتقليل استخدام الورق كطريقة تقليدية لعقود العمل[20]. رغم أن المنصة لا تعتمد حاليًا على تقنية العقود الذكية التي تنفذ تلقائيًا عبر البرمجة، إلا أن النظام المستخدم لهذه المنصة يعدّ أساسًا قويًا قابل للتطوير ليشمل هذه التقنية في المستقبل، مثل تنفيذ الشروط تلقائيًا بين صاحب العمل والعامل، أو دفع الرواتب عند إتمام العمل، أو انتقال العامل لصاحب عمل آخر.
ثانيًا: منصة إيجار: هي منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل إدارة العقود الإيجارية في المملكة العربية السعودية، حيث تتيح إبرام وتوثيق عقود الإيجار بين المؤجرين والمستأجرين بشكل إلكتروني، مما يساعد على تسريع الإجراءات وتقليل استخدام المستندات الورقية. كما توفر المنصة طريقة آمنة وموثوقة لتنظيم العلاقة بين الأطراف المعنية .[21] على الرغم من أن هذه المنصة لا تعتمد حاليًا على العقود الذكية، إلا أن هيكلها الإلكتروني يجعلها قابلة للتحول بسهولة إلى نظام يعتمد على العقود الذكية في المستقبل.
المطلب الثاني: مفهوم تقنية البلوك تشين
يتناول هذا المطلب مفهوم تقنية البلوك تشين، وعلاقتها بالعقود الذكية، حيث سيتم استعراض خصائصها، كما سيتم توضيح التطبيقات العملية لتقنية البلوك تشين في المملكة العربية السعودية، وذلك في فرعين. الفرع الأول يتطرق إلى مفهوم تقنية البلوك تشين بينما يتناول الفرع الثاني خصائص البلوك تشين وتطبيقاته في المملكة العربية السعودية.
الفرع الأول: مفهوم تقنية البلوك تشين
أولاً: تعريف البلوك تشين
يُقصد بتقنية البلوك تشين، والتي تُترجم إلى “سلسلة الكتل” أنها نظام قواعد بيانات يحتوي على كميات ضخمة من المعلومات التي يتم تدقيقها وتجميعها في مجالات متعددة، ويتم تخزين هذه البيانات عبر شبكات كبيرة من أجهزة الحاسوب، ثم تعرض بشكل آلي على منصات إلكترونية، وتتميز هذه البيانات بتحديثها المستمر وإضافة المعلومات الجديدة وفقًا للتطورات[22].
تعرف تقنية البلوك تشين بأنها قاعدة بيانات مفتوحة المصدر تتيح للجميع مراقبة تطورها المستمر وتوثيق المعلومات، وكما أنها تعتبر غير قابلة للتعديل أو الاختراق مما يعني أنه بمجرد إتمام المعاملة، فلا يمكن تغييرها أو إلغاؤها، وبالتالي تقل الحاجة إلى الثقة في الأطراف الثالثة لإتمام المعاملات بين الأفراد، وعلاوةً على أنها لا تتطلب أن يعرف الأفراد بعضهم البعض مما يتيح الاستغناء عن فكرة الوساطة في التعامل سواء كان ذلك من بنوك أو موثقين أو إدارات أخرى[23].
عرف نظام التعاملات الإلكترونية السعودي في مادته الأولى فقرة (١٢) منظومة البيانات الإلكترونية بأنها: “جهاز أو برنامج إلكتروني أو أكثر يستخدم لإنشاء البيانات الإلكترونية، أو استخراجها، أو إرسالها، أو بثها، أو تسلمها، أو تخزينها، أو عرضها، أو معالجتها”[24]. ترى الباحثة أن تعريف منظومة البيانات الإلكترونية مقارب إلى مفهوم تقنية البلوك تشين، حيث يشمل التعريف استخدام الأجهزة والبرامج الإلكترونية في إنشاء البيانات الإلكترونية، واستخراجها، وإرسالها، وتسلمها، وتخزينها، وعرضها، ومعالجتها، وبما يتماشى مع الوظائف الأساسية لتقنية البلوك تشين التي تعتمد على تخزين البيانات الرقمية، وتبادل المعاملات عبر شبكة لامركزية.
عرفت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تقنية البلوك تشين في المملكة العربية السعودية بأنها تقنية رقمية تعتمد على قاعدة بيانات سحابية ضخمة تتيح للأشخاص إجراء المعاملات أو تحويل الأموال عبر شبكة من الحواسيب اللامركزية المنتشرة عالميًا، وتشبه تقنية البلوك تشين دفتر الأستاذ العام في المحاسبة، حيث تعمل كقاعدة بيانات مفتوحة يتم من خلالها تخزين المعلومات الرقمية المتعلقة بعمليات التبادل بين المرسل والمستلم[25].
ترى الباحثة أن تعريف الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقنية البلوك تشين يمثل أحد التعريفات الحديثة والملائمة التي تعكس طبيعة التقنية واستخداماتها نظراً إلى تطور هذه التقنية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، فلذلك يقدم هذا التعريف إطارًا دقيقًا وشاملًا يوضح كيف يمكن أن تؤثر تقنية البلوك تشين في القطاعات المختلفة.
ثانياً: العلاقة بين العقود الذكية وتقنية البلوك تشين
تُعتبر شبكات البلوك تشين أكثر شمولية من العقود الذكية، حيث كانت انطلاقتها في بداية التسعينيات عبر عملات البيتكوين الرقمية التي اشتهرت في البداية، وتتميز البلوك تشين بأنها لا تقتصر فقط على العقود الذكية، بل تشمل أيضًا تداول العملات الرقمية مما يعزز شموليتها، وعلى النقيض، جاءت العقود الذكية لاحقًا وتركزت بشكل أساسي على موضوع التعاقدات[26].
تقوم تقنية البلوك تشين بتوثيق المعلومات بين الأطراف داخل قاعدة بيانات لامركزية مما يتيح رؤية المعاملات عبر العقود الذكية بدلاً من الوسيط التقليدي، حيث يتم توثيق ملكية الشيء محل البيع عبر مراجعة دفتر العقود في البلوك تشين، ثم يتم التحقق من امتلاك الطرف الآخر للقيمة المطلوبة.[27] بعد ذلك، يتم تحديث دفتر العقود لتوثيق نقل الملكية بين الأطراف، حيث تحل تقنية البلوك تشين محل الوسطاء التقليديين مثل البنوك وشركات إدارة العقارات، وكذلك الوسطاء الإلكترونيين مثل “Uber” في تقديم الخدمات[28].
العقود الذكية هي برامج مشفرة تُخزن على شبكة البلوك تشين، وتعمل تلقائيًا عند تحقق شروطها، وبعد كتابتها، يتم تخزينها على أجهزة متصلة بالشبكة تُعرف بالعُقد، وهي المسؤولة عن حفظ البيانات والتحقق منها، وعند استيفاء الشروط المبرمجة داخل العقد، يتم تنفيذه تلقائيًا دون الحاجة إلى طرف وسيط[29]. على سبيل المثال، إذا تم الاتفاق على تحويل مبلغ مالي عند وصول شحنة معينة، فبمجرد تأكيد وصولها، يُنفذ العقد الذكي التحويل تلقائيًا. ما يميز هذه العقود أنها غير قابلة للتعديل بعد تسجيلها، حيث تُحفظ جميع العمليات في البلوك تشين بشكل دائم مما يضمن الشفافية، والأمان، ويمنع التلاعب بالبيانات.
الفرع الثاني: خصائص البلوك تشين وتطبيقاته في المملكة العربية السعودية
يتناول هذا الفرع خصائص البلوك تشين التي تميزه عن غيره من التقنيات. كما سيتم استعراض أبرز تطبيقاته في المملكة العربية السعودية، وكيف تُستخدم هذه التقنية في مختلف القطاعات لتعزيز الكفاءة والموثوقية في التعاملات الرقمية.
أولاً: خصائص البلوك تشين:
تتميز تقنية البلوك تشين بعدة خصائص أساسية، وهي:
- السجل المفتوح:
يشير إلى تمكين الجمهور من الوصول إلى جميع البيانات المتوفرة في السلسلة سواء كانت عامة أو خاصة، حيث يمكن لكل مستخدم مشاهدة جميع المعاملات المنفذة، ولكن دون الكشف عن هويات الأطراف المعنية، حيث يتم استخدام أسماء رمزية بدلاً من الأسماء الحقيقية للمشاركين[30].
- السجل الموزع:
عبارة عن شبكة لامركزية حيث يتم توزيع البيانات عبر أجهزة متعددة مما يمنع وجود جهة مركزية تتحكم في السلسلة، وهذا يضمن الأمان، إذ لا يمكن التلاعب بالبيانات إلا بتعديل جميع الكتل المرتبطة بها مما يجعل التلاعب أمرًا مستبعدًا[31].
- التعدين:
في تقنية البلوك تشين، التعدين هو عملية تعتمد على التحقق من صحة المعاملات من خلال إجراء عمليات حسابية معقدة باستخدام أجهزة الحاسوب التي يمتلكها المستخدمون في مختلف أنحاء العالم.[32] يُسمى هؤلاء المستخدمون “المعدنين”؛ لأنهم يقومون بحل الألغاز الرياضية للتحقق من صحة المعاملات السابقة، والهدف من التعدين هو ضمان أن المعاملة الجديدة تستغرق نفس الوقت الذي استغرقته المعاملة السابقة مما يساعد في تأكيد إنشاء الكتلة الجديدة ويضمن الحماية من الغش والتلاعب في الشبكة[33].
ثانياً: تطبيقات البلوك تشين في المملكة العربية السعودية:
تعتبر المملكة العربية السعودية من الدول الداعمة لتقنية البلوك تشين والمطبقة لها، حيث تواكب التطورات التكنولوجية بشكل كبير، وتسعى إلى الاستفادة من هذه التقنية لتعزيز الكفاءة في مختلف القطاعات. على صعيد السوق المحلي، أوضحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في ورشة عمل بعنوان “تقنية سلاسل الكتل (Blockchain) وتأثيراتها في التحول الرقمي” عام 2021 أن الهيئة تتوقع نمو سوق تقنية البلوك تشين محليًا بنسبة تتجاوز 41% من عام 2021 إلى 2025، وأضافت الهيئة أنها تسعى لتحفيز تبني التقنيات الناشئة بما في ذلك البلوك تشين التي تعد جزءًا من سوق تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة، الذي بلغ حجمه 65 مليار ريال في 2020.[34] كما توقعت الهيئة استمرار نمو السوق بمعدل سنوي مركب يبلغ 10%، ليصل إلى أكثر من 100 مليار ريال بحلول عام٢٠٢٥ [35].
في يونيو 2020، أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) عن استخدامه لتقنية البلوك تشين في إيداع جزء من حزمة السيولة التي بلغت 50 مليار ريال سعودي (حوالي 13.3 مليار دولار) في القطاع المصرفي، وذلك في إطار دوره النشط في تقديم التسهيلات الائتمانية.[36] كما يواصل البنك المركزي استكشاف واعتماد التقنيات الناشئة لمواكبة الاتجاهات العالمية للبنوك المركزية الأخرى مع إتاحة الفرصة لتقييم تأثير هذه التقنيات على القطاع المالي، وبالإضافة الى أن تقنية البلوك تشين ما زالت في مرحلة البحث والتطوير على الصعيد المحلي مع إمكانية وصولها إلى مرحلة النضوج الكافي في المستقبل لتحقيق نمو كبير[37].
نستنتج من ذلك، أن تقنية البلوك تشين والعقود الذكية تمثلان نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا المالية والاقتصاد الرقمي، وذلك بفضل خصائصها اللامركزية والشفافية التي تساهم في تقليل التلاعب والاحتيال في المعاملات المالية مما يعزز الثقة بين الأطراف في المعاملات. كما أن إضافة العقود الذكية إلى تقنية البلوك تشين، فإنه يصبح لدينا أداة قوية لإنجاز المعاملات بشكل آمن، وسريع، وموثوق دون الحاجة إلى وسطاء.
المبحث الثاني: تكييف العقود الذكية
إن مسألة التكييف القانوني تعد من المسائل الدقيقة خاصة إذا تعلق الأمر بتكييف نوع حديث من العقود مثل العقود الذكية. كما أن ظهور العديد من الأنواع الجديدة في مجال العقود أدى إلى الالتباس بين هذه الأنواع مثل العقود الذكية، والعقود الرقمية، والعقود الإلكترونية على الرغم من التشابه في التسميات، إلا أن لكل نوع منها خصائص وآليات قانونية تختلف عن الأخرى. يتطرق هذا المبحث إلى بيان تكييف العقود الذكية من خلال توضيح الطبيعة القانونية للعقود الذكية في المطلب الأول، والتمييز بينها وبين العقود الأخرى التي تشابهها في التسمية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الطبيعة القانونية للعقود الذكية
قد ثار الخلاف حول التكييف القانوني للعقود الذكية وما إذا كان يمكن اعتبارها امتدادًا لنظرية العقد التقليدية أم أنها لا تعتبر عقدًا بالمعنى القانوني. هذا الخلاف يرتكز على تفسير طبيعة هذه العقود وكيفية انسجامها مع المبادئ القانونية المعروفة. ينقسم هذا المطلب إلى فرعين، حيث يتطرق الفرع الأول للعقد الذكي كأداة تقنية بينما يتطرق الفرع الثاني للعقد الذكي كعقد قانوني.
الفرع الأول: العقد الذكي كأداة تقنية
يعتبر هذا الاتجاه أن العقود الذكية هي برامج رقمية تنفذ الشروط التعاقدية بشكل آلي دون أن تكون عقودًا قانونية بالمعنى التقليدي[38]. بعد أن يتم تحويل هذه الشروط إلى صيغ مشفرة مُدرجة في المنصة الرقمية تصبح هذه الالتزامات العقدية على هيئة أكواد مشفرة تعتمد على فكرة وقاعدة شرطية (إذا/إذن)، وبعد ذلك يقوم البرنامج بتنفيذ الشروط المتفق عليها من الأطراف بشكل تلقائي، ويتأكد منها دون أن يتدخل في عملية التنفيذ أي وسيط بشري، فإن البرنامج ينفذ الالتزامات في سبيل تحقيق النتيجة المحددة مسبقاً من المتعاقدين[39]. وفقًا لهذا الاتجاه، يمكن اعتبار العقود الذكية مجرد أداة رقمية تهدف إلى مواكبة تطور نظرية العقد في ظل التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من العقد المكتوب بين الأطراف، بغض النظر عن نوعه أو طبيعته[40]. بالتالي، لا تعتبر العقود الذكية توافقًا بين الإرادات لإحداث آثار قانونية، بل تقتصر على التنفيذ الآلي للشروط التي تم تحديدها من قبل الأطراف[41] . يعتبر العقد الذكي أبسط نسبيًا مقارنة بالعقد التقليدي، حيث يعتمد على تنفيذ الشروط المحددة في الكود تلقائيًا عند تحققها، بينما يختلف العقد الذكي عن العقد التقليدي في أنه لا يقتصر على الاتفاق بين الأطراف، بل يضمن التنفيذ التلقائي والتوثيق النهائي عبر تكنولوجيا البلوك تشين مما يضمن تنفيذ الشروط المتفق عليها دون الحاجة لوسيط بشري[42].
اعتُبرت العقود الذكية الجيل الثالث بعد العقود التقليدية والإلكترونية، لكونها تقدم إيجابًا ذكيًا يحتاج إلى قبول ذكي، وكلاهما يعتمد على تقنية البلوك تشين التي تتيح تنفيذ العقود الذكية تلقائيًا بناءً على شروط محددة مما يثير تساؤلات حول التكيف مع القوانين الحالية خاصة في حل النزاعات وتحديد المسؤوليات في حال حدوث أخطاء أو خلل تقني[43]. يرى بعض جانب من الفقه الأمريكي بما فيهم مخترع فكرة العقد الذكي أن العقد الذكي يعد بمثابة دعامة معلوماتية تهدف إلى عصرنة العقود التقليدية[44]. العقود الذكية ليست “ذكية” بالمعنى الحقيقي، بل هي بروتوكول يعتمد على تقنية البلوك تشين لتنفيذ تعليمات مبرمجة مسبقًا، وهي مجرد أداة لأتمتة بعض مراحل العقد دون تدخل بشري، وعليه تظل العقود الذكية الحالية مجرد خوارزميات لإدارة المعاملات[45].
يرى البعض أن العقد الذكي لا يتوافر فيه الشروط القانونية التي تحكم العقود، وذلك بالنظر إلى أن العقد في المفهوم التقليدي يعتمد بشكل أساسي على توافق الإرادات بين الأطراف المعنية، وهذا التوافق يظهر من خلال مجموعة من المراحل القانونية، مثل الإنشاء، والتعديل، والنقل، والإنهاء التي تمثل نتائج العقد لا العقد ذاته[46]. بالتالي، يعتبر العقد موجودًا استنادًا إلى توافق الإرادات بين الأطراف، في حين يُعد التنفيذ جزءًا من مراحل العقد، وهذا على خلاف العقود الذكية القائمة على تقنية البلوك تشين، فلا يمكن اعتبار العقد كاملاً بالمعنى التقليدي؛ حيث لا يتم التوصل إلى توافق إرادي بين الأطراف بالطريقة نفسها التي تتم في العقود التقليدية، بل يتم التنفيذ بشكل تلقائي استنادًا إلى الشروط المحددة في الكود البرمجي.[47] بناءً عليه، يمكن اعتبار ما يحدث في العقود الذكية بمثابة مرحلة تنفيذية فقط، بينما يبقى العقد نفسه غير مكتمل في سياق البلوك تشين، وتقتصر العملية على التنفيذ كنتيجة نهائية دون الحاجة إلى توافق إرادي مسبق بين الأطراف.
تعددت الآراء الفقهية حيال الطبيعة القانونية للعقد الذكي. يرى البعض أن العقد الذكي ذو طبيعة قانونية مركبة بمعنى أنه اتفاق إضافي تابع للعقد الأصلي وعقد مستقل؛ إذ يُعتبر اتفاقًا مستقلًا يمكن تعليق تنفيذه إلى حين استيفاء شروط معينة[48]. يرى الدكتور قطب مصطفى سانو أن العقود الذكية ليست عقودًا حقيقية، بل هي شروط تتسم بالشفافية، واليسر، والقابلية للتطبيق على مختلف المعاملات التجارية والمدنية والعمالية، كما تحمي من التلاعب والتزوير والأخطاء في المستندات المطلوبة[49]. بينما يتجه البعض على اعتبار أنه لا يمكن اعتبار العقد الذكي مستقلًا عن العقد الأصلي سواء كان ورقيًا أو إلكترونيًا، فوجود عقد مبرم مسبقًا بالآلية التقليدية أمر ضروري لصحة العقد الذكي، الذي يُعتبر تابعًا له[50]. بناءً على هذا التوجه، لا يمكن اعتبار العقد الذكي عقدًا قانونيًا، بل هو تكنولوجيا مخصصة لتنفيذ الاتفاقات المحددة مسبقًا، والتي تعتمد على المقاربة الشرطية المصممة لتنفيذ هذه الاتفاقات المقررة مسبقًا[51]. يتجه البعض على عدم اعتبار العقد الذكي عقدًا بحد ذاته، بل هو وعد أحادي الجانب يُنفذ تلقائيًا عند تلقي التعليمات اللازمة مما يجعله يعتمد على الأداء الآلي[52].
بالنظر لمجموع الأراء الواردة في هذا السياق، نستنج أنها خلصت إلى أن العقود الذكية تفتقر إلى العناصر الأساسية التي تجعل العقد اتفاقًا قانونيًا، لأنها تعتمد على برمجة معلوماتية تستخدم تقنية البلوك تشين لتنفيذ الشروط المتفق عليها تلقائيًا دون الحاجة لتدخل بشري، حيث إن هذا يقلل من دور الإرادة الحرة عند إنشاء العقد، أو تعديله، أو إنهائه. علاوةً على ذلك، العقود الذكية تقتصر على تنفيذ الشروط التي تم برمجتها مسبقًا، ولا يمكنها التفاعل مع الظروف أو التغييرات التي قد تحدث بعد بدء التنفيذ، مما يجعلها أقل مرونة مقارنة بالعقود التقليدية.
بناءً على ما تقدم من تكييف هذا الاتجاه من الفقه، يترتب على اعتبار العقود الذكية ليست عقودًا قانونية أنها تُستخدم فقط لتنفيذ الشروط المتفق عليها مسبقًا بين الأطراف، ولا يمكن الاعتماد عليها كعقد قانوني يحكم العلاقة. يترتب على ذلك، في حال حدوث نزاع بين أطراف العقد، فلا يمكن الرجوع إلى العقد الذكي لحل المشكلة لأنه مجرد أداة تنفيذية.
الفرع الثاني: العقد الذكي كعقد قانوني
رغم الآراء التي تنفي صفة العقد التقليدي عن العقود الذكية، إلا أن هناك من يراها خاضعة للأحكام القانونية، وتطبق عليها شروط وأركان العقد في مختلف مراحله بما في ذلك الإثبات مما يؤكد أن العقود الذكية تظل عقوداً قانونية رغم استخدام التكنولوجيا في تنفيذها، فهي تشمل عقوداً تقليدية مثل الإيجار، والبيع، والقرض، والرهن، والتأمين، والنقل[53].
من ناحية قانونية، بموجب التعريف القانوني للعقد، فإنه توافق إرادتين أو أكثر لإحداث أثر قانوني، مثل إنشاء، أو تعديل، أو إنهاء حق، وعند تطبيق هذا التعريف على العقود الذكية، يتبين وجود اتساق بينها[54]. عند تطبيق تعريف العقد على العقود الذكية، يتم التوافق بين إرادتين عند بداية العملية، حيث يتم الاتفاق على الشروط التي تتحول إلى كود برمجي قابل للتنفيذ عبر تقنية البلوك تشين. حينئذٍ يُعد الإيجاب موجوداً على منصة البلوك تشين، ويقابله القبول، مما يشكل توافقاً بين إرادتي الطرفي، ويتماشى بذلك مع الشرط الأول في العقود التقليدية، إذ يتم إحداث الأثر القانوني المطلوب، مثل إنشاء، أو نقل، أو تعديل، أو إنهاء الحقوق والالتزامات. رغم أن العقود الذكية تعتمد على التنفيذ التلقائي، إلا أنها لا تزال مرتبطة بإرادة الأطراف التي قبلت الشروط مما يجعلها تتوافق مع تعريف العقد، ولكن بأسلوب رقمي وآلي.
تتوافق أركان العقد الذكي مع أركان العقد وفقاً للنظرية العامة للعقود، حيث ينعقد العقد صحيحاً إذا توافرت فيه أركانه وهي الرضا، والمحل، والسبب، والشكلية في بعض العقود إن تطلبها النظام[55]. عند تطبيق العقود الذكية على أركان العقد، فإنه يلاحظ ما يلي:
أولاً: الرضا وهو توافق إرادة المتعاقدين، أي بتوافق الإيجاب والقبول، يجب أن يكون الرضا موجودًا وصحيحاً[56]. يتحقق الرضا في العقد عندما تتوافق إرادة الأطراف، الذين يجب أن يتمتعوا بأهلية التعاقد، مع تعبيرهم عن هذه الإرادة بطريقة تدل على موافقتهم[57].
- العاقدان: لإبرام العقد لابد من تقابل الايجاب بالقبول لهذا اشترط المنظم في المادة (٣٢) من نظام المعاملات المدنية على أن يتحقق الرضا بتطابقهما[58]، وفي العقود الذكية، يتحقق الإيجاب من خلال برمجة العقد ككود يتم نشره على شبكة البلوك تشين مما يعد دعوة للتعاقد، وإذا تم القبول ينعقد العقد، أما إذا ظل مجرد دعوة للتعاقد، فيمكن لصاحب الإيجاب إلغاء العقد أو حذفه[59]. يتم القبول في العقد الذكي بالموافقة على شروطه وذلك بعدة طرق منها تحويل العملة الرقمية لحساب المتعاقد الآخر[60].
- مجلس العقد: العقود الذكية لا يتطلب التعاقد حضور الأطراف حقيقةً، ولكن يتم إعمال أحكام التعاقد بين غائبين، حيث يتم الإيجاب عبر نشر العقد على الشبكة، ويليه القبول والتوقيع الإلكتروني، وتظل صلاحية القبول قائمة ما دام الإيجاب مستمرًا، ولم يتم تحديد مدة معينة لصلاحيته[61]. لقد أخذ المنظم بنظرية العلم بالقبول، لذا يُعد التعاقد بين غائبين منعقداً من تاريخ علم الموجب بالقبول [62]. نصت المادة (٣٨) فقرة رقم (٢) من نظام المعاملات المدنية:” إذا كان المتعاقدان غائبين؛ عُدَّ العقد قد تمَّ في الزمان والمكان اللذين علم فيهما الموجب بالقبول؛ ما لم يُتفق على خلاف ذلك”.
لا يكفي وجود الرضا، بل لابد أن يكون الرضا صحيحاً، ويكون صحيحاً إذا صدر من شخص توافرت فيه الأهلية[63]، وخالي من عيوب الإرادة[64]. تعد أهلية التعاقد إحدى التحديات التي تواجه العقود الذكية والعقود الإلكترونية بشكل عام. يترتب على ذلك، أن بعض الفقهاء يفضل توسيع نطاق نظرية الوضع الظاهر كوسيلة للتغلب على هذه المشكلة[65]؛ حيث إن الأصل هو ثبوت الأهلية، لكون المنصة تتطلب إثبات هوية المتعاقدين من خلال إدخال صورة الهوية الشخصية، أو شهادة تسجيل الشركة، أو بطاقة الفيزا[66].
يتضح مما تقدم أن العقد الذكي يستوفي الركن الأول من العقد، حيث يعد الرضا عنصرًا أساسيًا، وينشأ العقد بمجرد تبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين والموافقة على الشروط والبنود التعاقدية[67].
ثانياً: المحل وهو الركن الثاني من أركان العقد، والمحل هو ما يتعهد به الملتزم ويشمل الأداء الذي يلتزم المدين به، ويصنف كل شيء موجود أو قابل للوجود، مستقبلاً ومعين أو قابل للتعيين، ومشروع كمحل للالتزام[68]. حدد المنظم في المادة (٧٢) من نظام المعاملات المدنية مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوافر في محل الالتزام لضمان صحة العقد، وهي: أن يكون المحل ممكنًا في ذاته، وألا يخالف النظام العام، وأن يكون معينًا بذاته أو بنوعه ومقداره أو قابلًا للتعين، وفي حال عدم توافر هذه الشروط، يعد العقد باطلاً[69]. في العقود الذكية، يمثل “المحل” الشروط والالتزامات المبرمجة آليًا مما يجعل هذا الركن أساسيًا ويجب استيفاءه كالعقود التقليدية.
ثالثاً: السبب وهو الركن الثالث من أركان العقد، ويُعد السبب في العقد هو الدافع الذي يحمل المتعاقدين على إبرامه، بحيث لا يكون العقد صحيحًا دون وجوده، بل إن من الضروري أن يكون هذا السبب مشروعًا، إذ إن عدم مشروعيته تؤدي إلى بطلان العقد بطلانًا مطلقًا[70]. أشار نظام المعاملات المدنية في المادة (٧٥) على أن يكون العقد باطلًا إذا كان السبب الدافع إلى التعاقد غير مشروع، سواء تم التصريح به في العقد أو استُدل عليه من ظروف التعاقد.[71] لذا يتطلب العقد الذكي أيضًا ركن السبب، حيث يسعى الأطراف المتعاقدة إلى تحقيق الغرض من العقد كالعقود التقليدية.
بناءً على ما تقدم، تعتبر العقود الذكية عقودًا قانونية تخضع لنفس الأركان مثل العقود التقليدية (الرضا، والمحل، والسبب)، ورغم اختلاف طريقة إبرامها، فإنها تبقى عقدًا قانونيًا كاملًا، ويظل الشرط الوحيد لتصنيف العقد كعقد ذكي هو استخدامه في نظام سلاسل الكتل (البلوك تشين)، وإلا فإنه يُعد عقدًا تقليديًا[72] . نستنتج من ذلك أن العقود الذكية على الرغم من آلية تنفيذها التكنولوجية، إلا أنها تظل خاضعة لأركان العقد وشروطه ذاتها، مما يجعلها عقودًا قانونية تحمل نفس الصفات العقدية ولها ذات القوة الملزمة.
ذهب البعض إلى الاعتراف بأن العقد الذكي عقداً في طبيعته[73]، حيث اعتبروا العقود الذكية عقودًا قانونية مخزنة إلكترونيًا، وتخضع لنفس القوانين التي تنظم العقود التقليدية، ويرتب العقد الذكي آثاره باعتباره عقد قانوني، فيصبح المرجع في العلاقة التعاقدية مما يجعل شروطه ملزمة للطرفين، ويصعب تعديلها، أو إعادة التفاوض بشأنها بعد التنفيذ، وفي حال ثار نزاع، فيتم الرجوع إلى أحكام العقد الذكي. يستنتج من ذلك، أن يعد العقد الذكي عقدًا قانونيًا رغم اختلاف شكله عن العقود التقليدية مما يستدعي تنظيمًا خاصًا له، وذلك نظراً لتوفر أركان العقد كاملة.
المطلب الثاني: التمييز بين العقود الذكية والعقود الأخرى المشابهة في التسمية
أدى ظهور أنواع جديدة للعقود إلى حدوث لبس بين هذه الأنواع، مثل العقود الذكية، والعقود الرقمية، والعقود الإلكترونية. ينقسم هذا المطلب إلى فرعين. يتعرض الفرع الأول للتمييز بين العقد الذكي والعقد الرقمي، بينما يتعرض الفرع الثاني إلى التمييز بين العقد الذكي والعقد الإلكتروني.
قبل أن يتم التمييز بين العقود الذكية والعقود الأخرى المشابهة لها، يجب توضيح الفرق بين مصطلحي الإلكتروني والرقمي، نظرًا للتشابه الكبير بينهما. يعد التمييز بين العقد الإلكتروني والعقد الرقمي أمرًا مهم، نظراً لتشابه المصطلحات بينهما وتعدد الآراء حول التمييز بينهما على النحو التالي:
الرأي الأول: الخصوصية والعمومية: يرى البعض أن مصطلح الرقمي هو إلكتروني، ولكن ليس كل ما هو إلكتروني يكون بالضرورة رقميًا؛ لذلك، يعتبر استخدام مصطلح “الرقمي” أكثر دقة من مصطلح “الإلكتروني”[74]. كما يعتبر العقد الإلكتروني شموليًا أكثر من العقد الرقمي، نظراً للطريقة التي يتم بها التعاقد [75].
الرأي الثاني: أصل الدليل: يعتقد البعض أن الفرق بين الدليل الإلكتروني والدليل الرقمي هو أصل الدليل؛ فإذا كان الدليل ذو أصل ورقي، يعتبر دليلًا إلكترونيًا، أما إذا كان أصله إلكترونيًا، فيُسمى دليلًا رقميًا[76].
الرأي الثالث: الشمولية: يشير أحد الباحثين إلى أن المنظم السعودي سعى إلى توسيع مفهوم الدليل الرقمي وتعزيز قوته القانونية مقارنة بما كان عليه في السابق، مما يعني أن الدليل الرقمي أصبح أكثر شمولاً[77]. يستند البعض في هذا الرأي إلى أن نظام المحاكم التجارية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 511 وتاريخ 1441هـ استخدم مصطلح “الدليل الإلكتروني”، بينما في نظام الإثبات السعودي تم استخدام مصطلح “الدليل الرقمي” مما قد يدل على سعي المنظم لتوسيع نطاق الأدلة الرقمية[78].
الرأي الرابع: عدم وجود فرق بين العقود: يرى البعض أن المنظم السعودي لم يفرق بشكل صريح بين الدليل الإلكتروني والدليل الرقمي، حيث تم استخدام مصطلح “الدليل الإلكتروني” في نظام المحاكم التجارية الذي أحيل إلى نظام الإثبات السعودي الذي تضمن مصطلح “الدليل الرقمي” مما يشير ضمنيًا إلى أنه لا فرق بينهما[79]. يرى البعض بعدم وجود فرق بينهما، معتبرين أن تسمية الدليل الرقمي في نظام الإثبات غير دقيقة، حيث يعتقدون أن كل دليل إلكتروني هو أيضًا رقمي، حتى إذا كان أصله ورقيًا، وذلك لأنه يصبح رقميًا عند تحويله إلى رموز رقمية تُخزن وتُفهم عبر الحاسوب.[80]
نستنتج أن المنظم السعودي لم يوضح الفرق بشكل واضح بين المصطلحين؛ حيث خصص بابًا للدليل الرقمي في نظام الإثبات، وأحال إليه الأدلة جميع الأدلة ذات العلاقة، بما في ذلك إلغاء الفصل السابع من نظام المحاكم التجارية المتعلقة بالأدلة الإلكترونية وإحالته لنظام الإثبات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/43 وتاريخ 1443ه. كما نصت المادة الستون من نظام الإثبات على إحالة مفهوم الدليل الرقمي إلى الأنظمة ذات الصلة مثل نظام التعاملات الإلكترونية. يلاحظ أن المادة الرابعة والخمسون من نظام الإثبات تشير إلى “التوقيع الرقمي”، بينما يستخدم نظام التعاملات الإلكترونية مصطلح “التوقيع الإلكتروني” مما يعكس عدم وجود تمييز واضح بين المصطلحين من منظور المنظم السعودي. كما يتضح أن المنظم السعودي تعامل مع المصطلحين كأنهما مترادفان، مما يعكس تركيزه على جوهر الإثبات باستخدام التكنولوجيا بدلاً من التصنيفات التقنية الدقيقة.
ترى الباحثة أنه من الناحية التحليلية يوجد فرق بين المصطلحين، وذلك بناء على أصل الدليل، وذلك عندما يتم تحليل الفقرة العاشرة من المادة الأولى من نظام التعاملات الإلكترونية الذي عرف التعاملات الالكترونية قاصداً بها: “أي تبادل، أو تراسل، أو تعاقد، أو أي إجراء آخر يبرم أو ينفذ بشكل كلي أو جزئي بوسيلة إلكترونية”. هذه المادة تفيد أن التعامل الإلكتروني لا يشترط أن يتم بالكامل عبر الوسائل الإلكترونية، بل يمكن أن يتم التعامل جزئيًا عندما نص على ” بشكل جزئي أو كلي بوسيلة إلكترونية”.
بالإضافة إلى أن المنظم السعودي ذكر في تسمية باب الدليل الرقمي في نظام الإثبات، ترى الباحثة أن المنظم قد يقصد تطبيق الإثبات على الجزء الرقمي من التعامل الإلكتروني خصوصًا أن التعاملات الإلكترونية قد تتم بشكل جزئي رقميًا. بناءً على ما سبق، ترى الباحثة أن العقود الذكية تعد نموذجًا متقدمًا للعقود الرقمية، لأنها تعتمد كليًا على البيئة الرقمية دون الحاجة لأصل ورقي أو تدخل بشري، بينما العقود الإلكترونية قد ترتبط بأصول ورقية. كما يُستخدم مصطلح “الرقمية” غالبًا في سياقات أكثر تقدمًا، وذلك نظرًا لاعتمادها على تقنيات البرمجة والتشفير. أخيرًا، ترى الباحثة أنه من المناسب اتباع موقف المنظم السعودي في سياق هذه الدراسة؛ لأن المنظم السعودي لم يميز بين مصطلحي “الرقمي” و”الإلكتروني” في نصوصه التنظيمية على نحوٍ واضح.
الفرع الأول: التمييز بين العقد الذكي والعقد الرقمي
أولاً: العقد الذكي
استنادًا إلى ما تم ذكره سابقًا في المبحث الأول حول تعريف العقد الذكي وطبيعته، وبالاعتماد على التعريف الشامل لهذا النوع من العقود، يمكن استنتاج أن العقود الذكية تمثل اتفاقًا بين إرادتين أو أكثر بهدف إنشاء، أو تعديل، أو نقل، أو إلغاء حقوق أو التزامات باستخدام البرامج الذكية في المنصات الرقمية التي تعمل على تنفيذ الشروط المدخلة تلقائيًا. كما أن العقد الذكي يتصف بعدة أمور وهي:
- ذو طبيعة رقمية؛ أي أن العملية التعاقدية تتم دون تدخل بشري، وتتولى تتولى البرمجيات الذكية تنفيذ الشروط المبرمجة تلقائيًا.[81]
- صعوبة الاختراق: من الخصائص المميزة للعقود الذكية صعوبة اختراقها رقميًا، وعدم الحاجة لممثلي الأطراف المتعاقدة، أو استخدام المستندات الأصلية[82].
ثانياً: العقد الرقمي
نظرًا لندرة المراجع حول تعريف العقد الرقمي كمصطلح مركب، سيتم أولاً استعراض تعريف العقد، ومصطلح “الرقمية” بهدف تقديم تعريف واضح للعقد الرقمي في السياق القانوني، وذلك من خلال دمج المفهومين القانوني والتكنولوجي على النحو التالي:
- تعريف العقد: تم تناول تعريف العقد بشكل تفصيلي في المبحث السابق، حيث عرف بأنه: “توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني من إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهائه”[83].
- تعريف الرقمية: عرف قاموس أكسفورد مصطلح “الرقمية” على أنه الطريقة المستخدمة لنقل وتخزين المعلومات الصوتية والنصية والفيديو عبر الشبكات الإلكترونية وأجهزة الحاسوب، حيث تقوم أجهزة المعالجة الرقمية بتحويل هذه المعلومات إلى أرقام وتخزينها في ذاكرة الحاسوب مما يسهل معالجتها ونقلها عبر الشبكة العنكبوتية[84]. وفقًا لتعريف قاموس كامبريدج، يشير مصطلح “الرقمية” إلى عملية يتم فيها تسجيل البيانات وتخزينها على شكل سلسلة من الأرقام، ثم تتم معالجة هذه البيانات بواسطة أنظمة الحاسوب، حيث تُرسل وتُستقبل بشكل إلكتروني على هيئة أرقام، ويشمل هذا كلاً من المحتوى الرقمي، والبيانات، والمعلومات، والكاميرات الرقمية، والتصوير الفوتوغرافي[85].
- التعريف المركب: بناءً على ما تم استعراضه من تعريفات لكل من مصطلحي العقد والرقمية، يمكن استنتاج أن العقود الرقمية هي عقود ملزمة تُعد وتُوثق باستخدام تقنيات الحاسوب والأنظمة الرقمية، وتعتمد هذه العقود في تسجيل وتخزين البيانات عبر الشبكات الإلكترونية وأجهزة الحاسوب مما يسهل معالجتها إلكترونيًا باستخدام تقنيات التشفير والتوقيع الرقمي.
ثالثًا: أوجه التشابه والاختلاف:
بعد استعراض تعريف العقود الرقمية، يمكن القول بأن العقود الرقمية تشكل الأساس الذي تُبنى عليه العقود الذكية مع وجود فارق جوهري في طريقة التنفيذ ودرجة الأتمتة المتبعة. تتضح أوجه التشابه والاختلاف بين العقود الذكية والعقود الرقمية على النحو التالي:
- تتمثل أوجه التشابه بين كلاً من العقود الذكية والعقود الرقمية فيما يلي: يعتمد كلا العقدين على الوسائل الرقمية مثل البرمجة والتشفير لتقليل الحاجة للعقود الورقية مما يعزز الكفاءة ويوفر الوقت والجهد مع ضمان سلامة البيانات باستخدام التوقيع الرقمي والتشفير.
- تتمثل أوجه الاختلاف بين كلاً من العقود الذكية والعقود الرقمية فيما يلي: العقد الرقمي يركز على توثيق بنود العقد وتحويلها لصيغ رقمية، بينما العقود الذكية تركز على التنفيذ التلقائي للشروط دون الحاجة لتدخل بشري. تعتمد العقود الذكية على تقنية البلوك تشين، بينما يمكن للعقود الرقمية استخدام منصات أخرى. لإيضاح الفروقات بين كل من العقدين، سوف تستعرض الدراسة مثال عقد نقل ملكية. في حالة العقد الرقمي، فإن النسخة الرقمية من عقد نقل الملكية تعد، ثم يتم التوقيع عليه رقمياً، وعند مرحلة تنفيذ العقد يظل هناك تدخل بشري؛ سيتم تحويل المبلغ المالي للبائع عبر حسابه البنكي، ومن ثم يتم تسليم المفاتيح للمالك الجديد بعد تحويل المبلغ أو بعد توقيع العقد. على خلاف ذلك، فإن العقد الذكي لعقد نقل الملكية سيتم عن طريق برمجة العقد باستخدام تقنية البلوك تشين، وعلى أن تكون بنود العقد في صيغه أكواد برمجية بحيث يتم دفع المبلغ تلقائيًا في التاريخ المحدد. من خلال المثال السابق، يتضح الفرق البسيط بين العقدين، رغم ذلك، ترى الباحثة أن العقد الذكي ما هو إلا امتداد للعقد الرقمي.
الفرع الثاني: التمييز بين العقد الذكي والعقد الالكتروني
بناء على ما سبق بيانه حول بيان ماهية العقد الذكي، فإن هذا الفرع يقتصر على إيضاح مفهوم العقد الإلكتروني وخصائصه، ثم سيتم التمييز بين كل من العقد الذكي والعقد الإلكتروني وإيضاح أوجه التشابه والاختلاف.
أولاً: مفهوم العقد الإلكتروني
إن العقد الإلكتروني يخضع لأحكام الالتزامات العامة، ويتميز باستخدام العنصر الإلكتروني، وقد اختلفت التعريفات حوله، فبعضهم اعتبره من عقود المسافة، بينما وصفه آخرون بكونه عقدًا ذا صفة دولية، في حين عرفه البعض الآخر بناءً على وسيلة إبرامه عبر الإنترنت[86].
عُرف العقد الإلكتروني بأنه اتفاق يتم بين طرفين عبر شبكة دولية مفتوحة باستخدام وسائل الاتصال عن بعد، حيث يتم التلاقي بين الإيجاب والقبول من خلال وسائل مرئية أو مسموعة[87]. يركز التعريف على أن العقد يتم عن بُعد مع وجود تزامن زمني بينهما، ورغم أن العقد الإلكتروني تم عن بُعد إلا أنه يتمتع بميزة عن العقود التقليدية بوجود فارق زمني ومكاني، لكن التعريف يفتقر لتوضيح نتيجة التقاء الإيجاب بالقبول[88].
كما عُرف بأنه عقد مبرم بين غائبين مكانياً باستخدام شبكة الإنترنت، ويكون إما كتابياً عبر تبادل الرسائل الإلكترونية، أو صوتياً عبر المكالمات، أو باستخدام الصوت والصورة معاً، وإن ما يميز هذا العقد هو التقاء الإيجاب والقبول على الشبكة العالمية لتشكيل التعاقد[89]. يركز هذا التعريف على تعريف العقد الإلكتروني من خلال الوسيلة المستخدمة في إبرامه، وهي شبكة الإنترنت. كذلك قد عرفه البعض بأنه عقد يتم عبر الإنترنت، حيث يتلاقى عرض الخدمات والسلع بين أطراف في دول مختلفة، ويُقبل العقد باستخدام نفس الوسائل التكنولوجية[90]. هذا التعريف يركز على الطبيعة الدولية للعقد، حيث يظهر كيف أنه عقد يتجاوز الإقليم.
عرف المنظم السعودي في نظام التعاملات الإلكترونية السعودي في الفقرة العاشرة من مادته الأولى التعاملات الإلكترونية بأنها:” أي تبادل أو تراسل أو تعاقد أو أي إجراء آخر يبرم أو ينفذ بشكل كلي أو جزئي بوسيلة إلكترونية”. إن هذه المادة توضح أن التعاملات الإلكترونية تشمل نطاقًا واسعًا من الأنشطة مثل التبادل والتراسل والتعاقد عبر الوسائل الإلكترونية مثل البريد الإلكتروني أو المواقع الإلكترونية أو أي وسيلة أخرى. التعاملات الإلكترونية تشمل التبادل مثل تبادل البيانات، أو التراسل مثل الرسائل عبر الإنترنت، أو التعاقد مثل العقود الإلكترونية. كما أن العبارة “أي إجراء آخر” تعني أن التعاملات الإلكترونية تشمل أي إجراء يمكن تنفيذه عبر الوسائل الإلكترونية مثل الموافقات الإلكترونية، التي تشمل الحصول على موافقات عبر الوسائل الإلكترونية مثل التوقيع الإلكتروني، أو الإجراءات الإدارية عبر الإنترنت التي تشمل تقديم الطلبات ودفع الرسوم مثل تجديد الهوية الوطنية أو رخصة القيادة. كما يلاحظ أن عبارة “بشكل كلي أو جزئي” تعني أن التعاملات الإلكترونية لا تتطلب أن تتم بالكامل عبر الوسائل الإلكترونية أي أنه يمكن أن يتم جزء من العملية إلكترونيًا، مثل التفاوض عبر البريد الإلكتروني بينما يتم الجزء الآخر بالطريقة التقليدية كتوقيع العقد ورقيًا. بتحليل “الوسيلة الإلكترونية” فإنها تشير إلى الوسائل التكنولوجية مثل الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية التي تقوم بالعمليات الإلكترونية مثل التوقيع على العقود، وبالإضافة إلى البريد الإلكتروني الذي يُستخدم بشكل شائع لإرسال المستندات والعقود.
ترى الباحثة أن تعريف نظام التعاملات الإلكترونية جاء شاملًا وواضحًا، حيث وضح بشكل دقيق معنى العقود الإلكترونية، كما أنه شمل لتعريفات التي اعتبرت العقود الإلكترونية من عقود المسافة والعقود التي تُبرم عن بُعد، بالإضافة إلى التعريفات التي اعتبرتها عقودًا تتم عبر الوسيلة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت أو الحاسب الآلي.
ثانياً: أوجه التشابه والاختلاف:
- تتمثل أوجه التشابه بين كلاً من العقود الذكية والعقود الرقمية فيما يلي: العقد الإلكتروني هو عقد رضائي بطبيعته، ويتسم بالتفاعلية والعمومية، حيث يُعرض للتعاقد مع أي شخص يرغب في ذلك[91]. يتشابه العقد الذكي مع العقد الإلكتروني في الرضائية، إذ لا بد من أن يتوفر ركن الرضا في العقد الذكي. أيضًا، يعد العقد الإلكتروني عقدًا دوليًا لأنه يتم عبر الإنترنت بين أطراف من دول مختلفة، وهو بذلك يتشابه مع العقد الذكي الذي يتمتع بطابع دولي في المعاملات[92]. كلاً من العقد الذكي والعقد الإلكتروني يتمتعا بالطابع التجاري غالباً؛ حيث تُستخدم العقود الإلكترونية في المعاملات بين التاجر والمستهلك عبر الوسائل الإلكترونية[93].
- تتمثل أوجه الاختلاف بين كلاً من العقود الذكية والعقود الرقمية فيما يلي: نظراً لتميز العقد الإلكتروني بخصائص تختلف عن العقد الذكي مثل تنفيذه عبر الوسائل الإلكترونية كالبريد الإلكتروني أو الإنترنت مع ضرورة تدخل الأطراف البشرية لضمان الوفاء بالالتزامات، بينما يعتمد العقد الذكي على تقنيات البلوك تشين والتنفيذ التلقائي للشروط بدون تدخل بشري [94]. بالتالي، تتميز العقود الإلكترونية بمرونتها في بعض الجوانب مقارنة بالعقود الذكية، ولكنها أقل استقلالية منها. العقد الإلكتروني هو عقد يُبرم عن بُعد بين طرفين غائبين مكانيًا، وقد يكونا حاضرين زمانيًا بينما العقد الذكي يتم عن طريق طرفين غائبين مكانيًا وزمانيًا. بالإضافة إلى ذلك، تختلف العقود الإلكترونية عن العقود الذكية في عدة جوانب؛ حيث يمكن تنفيذ العقد الإلكتروني جزئيًا أو كليًا باستخدام الوسائل الإلكترونية، بينما يتم إتمام العقد الذكي بالكامل بطريقة رقمية تبدأ من تحديد الشروط وصولاً إلى تنفيذها.
نستنج مما تقدم، أن العقود الإلكترونية تتشارك مع العقود الذكية في عدة خصائص، حيث يمكن إبرام كلا النوعين عن بُعد، ويتميزان بالقدرة على تضمين أطراف من دول مختلفة مما يضفي عليهما طابعًا دوليًا. كما أن كلا العقدين يعتبران من العقود الرضائية، حيث يتصور أن يتم العقد الإلكتروني عن طريق نشر الإيجاب للجمهور، ويتم قبول العقد من أي طرف يرغب في إبرام العقد. كما أن كلاً من العقود الذكية والعقود الإلكترونية عقود ملزمة ترتب آثارًا قانونية، وذلك لأن كليهما يخضعان لنظرية العقد [95]. على الرغم من أوجه التشابه، توصلت الدراسة إلى وجود اختلافات بين كلاً من العقدين في النظام السعودي، ويمكن القول بأن كل عقد ذكي هو عقد إلكتروني، ولكن ليس كل عقد إلكتروني يُعتبر عقدًا ذكيًا. على الرغم من التشابه بين العقود الإلكترونية والذكية في بعض الخصائص، إلا أن العقود الذكية تتميز بخصائص فريدة مثل التنفيذ الذاتي، وصعوبة الاختراق الرقمي، والاستغناء عن تدخل الأطراف البشرية، وعدم إمكانية تعديل العقد بعد إبرامه.
الخاتمة
خلصت هذه الورقة إلى التوصل إلى عدد من النتائج من خلال بيان الطبيعة القانونية للعقود الذكية في المملكة العربية السعودية، حيث تم استعراض العلاقة بين العقود الذكية وتقنية البلوك تشين، وكيفية تأثير هذه التقنية على تكييف العقود في النظام السعودي. كما تم التمييز بين العقود الذكية والعقود الإلكترونية والعقود الرقمية مما يساهم في تحديد الإطار القانوني المناسب لها. نستعرض النتائج والتوصيات لهذه الدراسة كالآتي:
النتائج:
- لم يُعرف المنظم السعودي العقود الذكية بهذا المصطلح في نظام التعاملات الإلكترونية أو أي أنظمة أخرى، ولكن أشار إليها ضمنيًا في المادة الحادية عشرة فقرة (١) من نظام التعاملات الإلكترونية وأجاز التعامل بها.
- تمتاز العقود الذكية بخصائص فريدة عن باقي أنواع العقود، وذلك نتيجة لآلية عملها التي تعتمد على البرمجة، والتنفيذ التلقائي دون الحاجة لتدخل بشري.
- يلاحظ أن المنظم السعودي لم يُعرف البلوك تشين بهذا المصطلح في النظام السعودي، إلا أنه عرف منظومة البيانات الإلكترونية في نظام التعاملات الإلكترونية السعودي في الفقرة الثانية عشرة من المادة الأولى فقرة، وهو تعريف مقارب للبلوك تشين في سياق التعاملات الإلكترونية.
- تبيّن وجود علاقة وثيقة بين تقنية البلوك تشين والعقود الذكية؛ حيث تُعد البلوك تشين المنصة التي تقوم عليها العقود الذكية.
- تبنت المملكة العربية السعودية تقنية البلوك تشين في القطاعين المالي والاقتصادي مما يعكس حرصها على مواكبة التطورات التكنولوجية.
- يستنتج أن العقد الذكي يُعد امتداداً لنظرية العقد؛ وذلك بسبب توافر الأركان الأساسية له.
- يلاحظ أن المنظم السعودي لم يفرق بين لفظي “رقمي” و”إلكتروني” في النظام، حيث استخدمهما بشكل مترادف للإشارة إلى بعض في نظام الإثبات ونظام التعاملات الإلكترونية.
- يتضح وجود فرق طفيف بين العقد الذكي والعقد الرقمي على الرغم من أن العقد الذكي يُعد امتدادًا للعقد الرقمي.
- يستنتج أن العقد الذكي والعقد الإلكتروني يشتركان في بعض السمات، إلا أن اختلافاتهما تغلب على تشابههما، حيث يشكل العقد الذكي تطويرًا متقدمًا يتفرد بآلية تنفيذ ذاتية عبر تقنية البلوك تشين، بينما يعتمد العقد الإلكتروني على وسائل تكنولوجية مختلفة مثل التوقيع الإلكتروني ووسائل الاتصال عبر الإنترنت.
التوصيات:
- نوصي المنظم بتعريف العقود الذكية في النظام القانوني بشكل دقيق ومحدد، أو بإدراج تعريف رسمي لها في الأنظمة ذات الصلة، وذلك لضمان وضوح المعنى المقصود منها وتسهيل تطبيقها في مختلف السياقات القانونية.
- نوصي المنظم بإدراج تعريف دقيق لمنصة البلوك تشين في النظام السعودي لتوضيح المعنى المقصود منها وبيانه.
- نوصي بضرورة إقرار تمييز قانوني دقيق بين المصطلحات مثل “العقود الرقمية” و”العقود الإلكترونية” و”العقود الذكية”، وذلك لضمان تطبيق الأنظمة بشكل دقيق وفقًا للمفهوم الصحيح لكل نوع من هذه العقود.
- نوصي بعمل دورات تدريبية للمحامين والقضاة حول طبيعة العقود الذكية وتقنية البلوك تشين مع شرح مفصل لمفهومها وكيفية تطبيقها في السياقات القانونية المختلفة مما يساهم في تعزيز فهمهم لهذه التقنية.
- نوصي بتوسيع استخدام العقود الذكية في القطاعات الحكومية بما في ذلك المعاملات المالية والإدارية، وذلك لتعزيز الشفافية، وتقليل الحاجة إلى الوساطة اليدوية، وتقليل التكاليف.
- نوصي بالتوسع في إجراء أبحاث حول العقود الذكية ومنصة البلوك تشين، نظرًا لقلة الأبحاث في هذا المجال في المملكة العربية السعودية، ولإمكانية هذه التقنية في المساهمة في تعزيز وتطوير المنظومة القانونية والتقنية بشكل عام.
قائمة المصادر والمراجع
المعاجم اللغوية:
ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل. (٢٠٠٤). لسان العرب، الطبعة ٤.، بيروت: دار صادر.
Cambridge English Dictionary
https://dictionary.cambridge.org/us/dictionary/english/digital
Oxford English Dictionary,
https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/english/digital_1
الأنظمة:
– نظام التعاملات الإلكترونية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/18 بتاريخ 8 / 3 / 1428هـ.
– نظام الإثبات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/43 وتاريخ 1443ه.
– نظام المحاكم التجارية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 511 وتاريخ 1441هـ.
– نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/١٩١) وتاريخ ٢٩/١١/١٤٤٤ هـ..
الكتب:
– السنهوري، عبد الرزاق. (١٩٩٨). نظرية العقد، الطبعة ٢، بيروت، لبنان: منشورات الحلبي الحقوقية.
– أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. (٢٠٢٤). مصادر الالتزام- وفقاً لنظام المعاملات المدنية، الشقري للنشر والتوزيع.
– العربي، بلحاج. (٢٠١٧). مصادر الالتزام في ضوء قواعد الفقه الإسلامي والأنظمة السعودية والاجتهادات القضائية العربية والفرنسية، ط.٢، عمان: دار الثقافة.
– العكروتي، فارس إسماعيل. (٢٠٢٤). عقود الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين، القاهرة، مصر: دار مصر للنشر والتوزيع.
– الفار، عبد القادر. ٢٠٢١. مصادر الالتزام، ط ١٣، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
– الفواعير، علاء. (٢٠١٤م). العقود الالكترونية -التراضي، التعبير عن الإرادة- دراسة مقارنة، ط١، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
– المحاسنة، محمد أحمد علي. (٢٠١٣). تنازع القوانين في العقود الإلكترونية – دراسة مقارنة، عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع.
– دودين، بشار محمود والمحاسنة، محمد يحيى. (٢٠١٠). الإطار القانوني للعقد المبرم عبر شبكة الانترنت وفقا لقانون المعاملات الالكترونية وبالتأصيل مع النظرية العامة للعقد في القانون المدني، ط٢، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
– شاه، عمار. (٢٠٢٤). النظام القانوني للعقود الذكية، القاهرة: دار مصر.
– عزب، رانيا صبحي محمد. (٢٠١٢م). العقود الرقمية في قانون الإنترنت: دراسة تحليلية مقارنة في الفقه والتشريعات العربية والأمريكية والأوروبية، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة.
– مجاهد، أسامة. (٢٠٠٥). التعاقد عبر الانترنت، مصر: دار الكتب القانونية.
المقالات العلمية:
– إبراهيم، أحمد عيد عبدالحميد. (2019). تقنية بلوك تشين وأثرها في أحكام العقود الذكية: دراسة فقهية مقارنة. مجلة قطاع الشريعة والقانون، جامعة الأزهر – كلية الشريعة والقانون بالقاهرة. ع.١١.
– أبو غدة، عبد الستار. (٢٠١٩). العقود الذكية والبنوك الرقمية والبلوكشين، ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي، ع. ٣٩. جدة، السعودية.
– الجاسم، بهاء الدين. (٢٠٢١). حجية الأدلة الرقمية في النظام القضائي الإسلامي، مجلة الإسلام والقانون، ع. 37.
– الحنيطي، هناء محمد هلال. (٢٠١٩). ماهية العقود الذكية، مقدمة في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرون، دبي، الإمارات العربية المتحدة.
– الخالدي، مبارك بن محمد. (٢٠٢٤). الاثبات بالدليل الرقمي وتطبيقاته القضائية: دراسة فقهية مقارنة بنظام الاثبات السعودي، مجلة قضاء، ع. ٣٤.
– السوسي، حسن. (٢٠٢٠). مواءمة نظرية العقد مع متطلبات العصر- نظرة في العقود الذكية، المجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية، ع. ٦.
– الطالب، غسان سالم. (٢٠١٩). العمـلات الرقميـة وعـلاقتها بالعقـود الذكيـة، مقدمة في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرون، دبي، الإمارات العربية المتحدة.
– العبد الجبار، زياد ماجد. (٢٠٢٢). حجية الدليل الرقمي في الإثبات: دراسة في نظام الإثبات السعودي، مجلة العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية، مج. ٦، ع. ٢٦.
– العبدالله، محمد عبدالله محمد. (٢٠٢١). منازعات العقود الرقمية على القانون الواجب التطبيق، مجلة جامعة البعث ٤٣، ع. ١٢.
– العمري، سمية علي محمد علي، والقضاة، موسى مصطفى موسى. (٢٠٢٢). العقود الذكية وأحكامها في الفقه الإسلامي: دراسة فقهية مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عمان.
– آل هقشة، فيحان بن فراج. (٢٠٢٣). العقود الذكية: حقيقتها وحكمها، مجلة قطاف، ع. ١٧.
– بورغدة، نريمان مسعود. (٢٠١٩). عقود البلوك تشين (العقود الذكية) من منظور قانون العقود، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، ع.٢.
– جاسم، ميسر حسن. (2021). العقود الذكية وتطبيقها على العملة الافتراضية: دراسة مقارنة، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية١٠، ع.٣٩.
– حسن، هايدي عيسى علي. (٢٠٢٢). إشكاليات العقود الذكية في القانون الدولي الخاص: دراسة تحليلية مقارنة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، ع.٨٢.
– حسن، حسام الدين محمود محمد محمد. (٢٠٢٣). العقود الذكية المبرمة عبر تقنية البلوك تشين، المجلة القانونية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة.
– حسن، نصر أبو الفتوح فريد. (٢٠٢٠). العقود الذكية بين الواقع والمأمول: دراسة تحليلية، مجلة الامن والقانون، أكاديمية شرطة دبي، مج. ٢٨، ع.٢
– ساتي، عبدالعزيز محمد حمد. (٢٠١٤). المبادئ القانونية والأحكام التشريعية المنظمة للعقود والتجارة الإلكترونية، المجلة العربية للفقه والقضاء، ع.٤٥.
– سالم، عبد الرحمن محمد عبدالغني. (2023). الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة في نطاق العقود الذكية: دراسة مقارنة، مجلة جامعة الإمارات للقانون، ع.٩٥.
– سانو، قطب مصطفى. (٢٠١٩). العقود الذكية في ضوء الأصول والمقاصد والمآلات (دراسة تحليلية)، مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرين، دبي، الامارات.
– طرية، معمر. (٢٠١٩). العقود الذكية المدمجة في البلوك تشين: أي تحديات لمنظومة العقد حالياً؟ مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، ملحق خاص، جزء.١، ع. ٤.
– عبد الصمد، حوالف. (٢٠٢٢). مستقبل العقد في ظل ظهور تقنية سلسلة الكتل (البلوك تشين)، مجلة الدراسات القانونية والسياسية ٨، ع. ٢٠.
– معداوي، نجية. (٢٠٢١). العقود الذكية والبلوكشين، مجلة المفكر للدراسات القانونية والسياسية، ع.٤.
– محمد، عبد الرزاق وهبه سيد أحمد. (٢٠٢١). مفهوم العقد الذكي من منظور القانون المدني: دراسة تحليلية، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، ع.٨.
– ميلود، حمصي، ومقلاتي، مونة. (٢٠٢٢). البلوك تشين تمثل تحديًا لنظرية العقد، مجلة الدراسات القانونية، ع. ٩٥، ص ١٥٣.
مواقع إلكترونية:
- منشئآت- الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. تقنية البلوك تشين ومستقبلها في المملكة العربية السعودية، متاح على الرابط: https://stfikra.monshaat.gov.sa/fikra-bucket/public/documents/BHY5dVfiwp2I7MMnZtSiwYNHAMj06RR9QjuC8M64.pdf .
- منصة قوى، متاح على الرابط: https://qiwa.sa/ar/service-overview/business-owners/manage-current-employees/contract-management.
منصة إيجار، متاح على الرابط: https://www.ejar.sa/ar .
[1] ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل. (٢٠٠٤). لسان العرب، الطبعة ٤.، بيروت: دار صادر، ص ٢٢٢.
[2] المرجع السابق.
[3] السنهوري، عبد الرزاق. (١٩٩٨). نظرية العقد، الطبعة ٢، بيروت، لبنان: منشورات الحلبي الحقوقية، ص٨١.
[4] ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل. مرجع سابق، ص ٢٨٨.
[5] آل هقشة، فيحان بن فراج. (٢٠٢٣). العقود الذكية: حقيقتها وحكمها، مجلة قطاف، ع. ١٧، ص٥٦٥.
[6] شاه، عمار. (٢٠٢٤). النظام القانوني للعقود الذكية، القاهرة: دار مصر، ص ٧٨- ٧٩.
[7] حسن، حسام الدين محمود محمد محمد. (٢٠٢٣). العقود الذكية المبرمة عبر تقنية البلوك تشين، المجلة القانونية، ص ٨.
[8] معداوي، نجية. (٢٠٢١). العقود الذكية والبلوكشين، مجلة المفكر للدراسات القانونية والسياسية، ع.٤، ص ٦٣.
[9] الطالب، غسان سالم. (٢٠١٩). العمـلات الرقميـة وعـلاقتها بالعقـود الذكيـة، مقدمة في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرون، دبي، الإمارات العربية المتحدة، ص ٣٤.
[10] الفار، عبد القادر. ٢٠٢١. مصادر الالتزام، ط ١٣، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع. ١٠٠-١٠٦، ١١١.
[11] آل هقشة، فيحان بن فراج. مرجع سابق، ص ٥٦٩.
[12] المرجع السابق.
[13] الحنيطي، هناء محمد هلال. (٢٠١٩). ماهية العقود الذكية، مقدمة في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرون، دبي، الإمارات العربية المتحدة، ص ٣١.
[14] عبد الصمد، حوالف. (٢٠٢٢). مستقبل العقد في ظل ظهور تقنية سلسلة الكتل (البلوك تشين)، مجلة الدراسات القانونية والسياسية ٨، ع. ٢٠، ص١٢٤ وما بعدها.
[15] محمد، عبد الرزاق وهبه سيد أحمد. (٢٠٢١). مفهوم العقد الذكي من منظور القانون المدني: دراسة تحليلية، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، ع.٨، ص ٨٧.
[16] شاه، مرجع سابق، ص ٩٦.
[17] حسن، هايدي عيسى علي. (٢٠٢٢). إشكاليات العقود الذكية في القانون الدولي الخاص: دراسة تحليلية مقارنة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، ع.٨٢، ص ٤٥٠.
[18] أبو غدة، عبد الستار. ( ٢٠١٩). العقود الذكية والبنوك الرقمية والبلوكشين، ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي، ع. ٣٩. جدة، السعودية، ٢١٥.
[19] شاه، مرجع سابق. ص ١٠١.
[20] منصة قوى، متاح على الرابط: https://qiwa.sa/ar/service-overview/business-owners/manage-current-employees/contract-management، تاريخ الزيارة ١٨ مارس، ٢٠٢٥.
[21] منصة إيجار، متاح على الرابط: https://www.ejar.sa/ar ، تاريخ الزيارة ١٨ مارس، ٢٠٢٥.
[22] حسن، حسام الدين محمود محمد محمد. مرجع سابق، ص ١٦.
[23] العكروتي، فارس إسماعيل. (٢٠٢٤). عقود الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين، القاهرة، مصر: دار مصر للنشر والتوزيع، ص ٢٥، ٢٦.
[24] نظام التعاملات الإلكترونية السعودي، المادة رقم (١) فقرة (١٢).
[25] منشئآت- الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. تقنية البلوك تشين ومستقبلها في المملكة العربية السعودية. ص 7، متاح على الرابط: https://stfikra.monshaat.gov.sa/fikra-bucket/public/documents/BHY5dVfiwp2I7MMnZtSiwYNHAMj06RR9QjuC8M64.pdf تاريخ الدخول 14/3/2025م.
[26] العمري، سمية علي محمد علي، والقضاة، موسى مصطفى موسى. (٢٠٢٢). العقود الذكية وأحكامها في الفقه الإسلامي: دراسة فقهية مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عمان. ص ٣٦.
[27] العكروتي، مرجع سابق، ص ٢٧.
[28] المرجع السابق، ص ٢٧.
[29] العمري، والقضاة. مرجع سابق، ص ٣٦.
[30] حسن، حسام الدين محمود محمد محمد. مرجع سابق، ص ٢٢.
[31] المرجع السابق.
[32] حسن، نصر أبو الفتوح فريد. (٢٠٢٠). العقود الذكية بين الواقع والمأمول: دراسة تحليلية، مجلة الامن والقانون، أكاديمية شرطة دبي، مج. ٢٨، ع.٢، ص ٥١.
[33] المرجع السابق.
[34] منشئات، المرجع السابق، ص ١٩.
[35]المرجع السابق.
[36] المرجع السابق.
[37] المرجع السابق.
[38] سالم، عبد الرحمن محمد عبدالغني. (2023). الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة في نطاق العقود الذكية: دراسة مقارنة، مجلة جامعة الإمارات للقانون، ع.٩٥، ص 91.
[39] شاه، مرجع سابق، ص ١٠٥- ١٠٧.
[40] بورغدة، نريمان مسعود. (٢٠١٩). عقود البلوك تشين (العقود الذكية) من منظور قانون العقود، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، ع.٢، ص ١٠٦.
[41] السوسي، حسن. (٢٠٢٠). مواءمة نظرية العقد مع متطلبات العصر- نظرة في العقود الذكية، المجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية، ع. ٦، ص ٨، ٩.
[42] بورغدة، نريمان مسعود. مرجع سابق، ص ١٠٦.
[43] ميلود، حمصي، ومقلاتي، مونة. (٢٠٢٢). البلوك تشين تمثل تحديًا لنظرية العقد، مجلة الدراسات القانونية، ع. ٩٥، ص ١٥٣.
[44] حسن، هايدي عيسى علي. مرجع سابق، ٧٦٨.
[45] طرية، معمر. (٢٠١٩). العقود الذكية المدمجة في البلوك تشين: أي تحديات لمنظومة العقد حالياً؟ مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، ملحق خاص، جزء.١، ع. ٤، ص٤٩٤.
[46] معداوي، نجية. مرجع سابق، ص٦٩.
[47] المرجع السابق.
[48] محمد، عبد الرزاق وهبه سيد أحمد. مرجع سابق، ص ٨٨.
[49] سانو، قطب مصطفى. (٢٠١٩). العقود الذكية في ضوء الأصول والمقاصد والمآلات (دراسة تحليلية)، مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الرابعة والعشرين، دبي، الامارات، ص ١٦.
[50] شاه، مرجع سابق، ص ١٠٥- ١٠٧.
[51] محمد، عبد الرزاق وهبه سيد أحمد. مرجع سابق، ص ٨٨.
[52] إبراهيم، أحمد عيد عبدالحميد. (2019). تقنية بلوك تشين وأثرها في أحكام العقود الذكية: دراسة فقهية مقارنة. مجلة قطاع الشريعة والقانون، جامعة الأزهر – كلية الشريعة والقانون بالقاهرة. ع.١١، ص ٦٣.
[53] سالم، عبد الرحمن محمد عبدالغني. مرجع سابق، ٩١.
[54] المرجع السابق.
[55] أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. (٢٠٢٤). مصادر الالتزام- وفقاً لنظام المعاملات المدنية، الشقري للنشر والتوزيع، ص ٢٠.
[56] السنهوري، عبد الرزاق. مرجع سابق، ١٤٨،١٤٧.
[57] نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/١٩١) وتاريخ ٢٩/١١/١٤٤٤ هـ، المادة (٣٢).
[58] أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. مرجع سابق، ٢١، ٢٢.
[59] سالم، عبد الرحمن محمد عبد الغني. مرجع سابق، ٩٣.
[60] جاسم، ميسر حسن. (2021). العقود الذكية وتطبيقها على العملة الافتراضية: دراسة مقارنة، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية١٠، ع.٣٩، 35٨.
[61] العمري، سمية علي محمد علي، والقضاة، موسى مصطفى موسى. مرجع سابق، ١٠١.
[62] أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. مرجع سابق، ٢٦.
[63] السنهوري، عبد الرزاق. مرجع سابق، ٣١٣.
[64] أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. مرجع سابق، ص٢١.
[65] جاسم، ميسر حسن. مرجع سابق، ٣٥٩.
[66] جاسم، ميسر حسن. مرجع سابق، ٣٥٩.
[67]العربي، بلحاج. (٢٠١٧). مصادر الالتزام في ضوء قواعد الفقه الإسلامي والأنظمة السعودية والاجتهادات القضائية العربية والفرنسية، ط.٢، عمان: دار الثقافة، ١٢٧.
[68] المرجع السابق، ٣٠٣.
[69] نظام المعاملات المدنية، المادة (٧٢)، الفقرتين (١)و(٢).
[70] أبا العلا، سلطان فيحان، وآل حاسن، خالد بن أحمد. مرجع سابق، ٤٣.
[71] نظام المعاملات المدنية، المادة (٧٥).
[72] السوسي، حسن. مرجع سابق، ٩، ١٠.
[73] سعت تشريعات ولاية نيفادا الأمريكية إلى الاعتراف بالعقود الذكية وتقنية البلوك تشين، حيث نص القانون على أن العقود الذكية تُعتبر عقودًا قانونية سارية المفعول وفقًا للقانون الأمريكي. ذكر في: حسن، هايدي عيسى علي. مرجع سابق، ص ٧٦٧.
[74] الجاسم، بهاء الدين. (٢٠٢١). حجية الأدلة الرقمية في النظام القضائي الإسلامي، مجلة الإسلام والقانون، ع. 37، ص ١٧٦.
[75] العمري، سمية علي محمد علي، والقضاة، موسى مصطفى موسى. مرجع سابق، ٦٦.
[76] عزب، رانيا صبحي محمد. (٢٠١٢م). العقود الرقمية في قانون الإنترنت: دراسة تحليلية مقارنة في الفقه والتشريعات العربية والأمريكية والأوروبية، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة، ١١٧.
[77] الخالدي، مبارك بن محمد. (٢٠٢٤). الاثبات بالدليل الرقمي وتطبيقاته القضائية: دراسة فقهية مقارنة بنظام الاثبات السعودي، مجلة قضاء، ع. ٣٤، ص ٣٤٣.
[78] العبد الجبار، زياد ماجد. (٢٠٢٢). حجية الدليل الرقمي في الإثبات: دراسة في نظام الإثبات السعودي، مجلة العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية، مج. ٦، ع. ٢٦، ص١٣٦.
[79] الخالدي، مبارك بن محمد. مرجع سابق، ٣٤٢ ،٣٤٣.
[80] المرجع السابق.
[81] محمد، عبد الرزاق وهبه سيد أحمد، مرجع سابق، ص ٨٧.
[82] حسن، هايدي عيسى علي. مرجع سابق، 450.
[83] السنهوري، عبدالرزاق. مرجع سابق، 81.
[84]https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/english/digital_1 , Dec 24, 2024. Oxford English Dictionary,
[85] https://dictionary.cambridge.org/us/dictionary/english/digital, Dec 24, 2024., Cambridge English Dictionary
[86] الفواعير، علاء. (٢٠١٤م). العقود الالكترونية -التراضي، التعبير عن الإرادة- دراسة مقارنة، ط١، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص ٤٣، ٤٤.
[87] مجاهد، أسامة. (٢٠٠٥). التعاقد عبر الانترنت، مصر: دار الكتب القانونية، ص ٣٩.
[88] الفواعير، علاء. مرجع سابق، ٤٤.
[89] دودين، بشار محمود والمحاسنة، محمد يحيى. (٢٠١٠). الإطار القانوني للعقد المبرم عبر شبكة الانترنت وفقا لقانون المعاملات الالكترونية و بالتأصيل مع النظرية العامة للعقد في القانون المدني، ط٢، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص ٧١.
[90] ساتي، عبدالعزيز محمد حمد. (٢٠١٤). المبادئ القانونية والأحكام التشريعية المنظمة للعقود والتجارة الإلكترونية، المجلة العربية للفقه والقضاء، ع.٤٥، ص ٤٧.
[91] العبدالله، محمد عبدالله محمد. (٢٠٢١). منازعات العقود الرقمية على القانون الواجب التطبيق، مجلة جامعة البعث ٤٣، ع. ١٢، ١٧- ١٩.
[92] ساتي، عبدالعزيز محمد حمد. مرجع سابق، ص٥٠.
[93] العبدالله، محمد عبدالله محمد. مرجع سابق، ١٧-١٩.
[94] العمري، سمية علي محمد علي، والقضاة، موسى مصطفى موسى. مرجع سابق، ص٦٤.
[95] المحاسنة، محمد أحمد علي. (٢٠١٣). تنازع القوانين في العقود الإلكترونية – دراسة مقارنة، عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع، ص ٢٧- ٣٠.