المبادئ الدستورية للعدالة الجنائية في موريتانيا (استقلال السلطة القضائية نموذجا ) – المستشار القانوني: محمد كونين
المبادئ الدستورية للعدالة الجنائية في موريتانيا
(استقلال السلطة القضائية نموذجا )
Constitutional Principles for Criminal Justice (Independence of the judiciary in Mauritania as a case study)
المستشار القانوني: محمد كونين
باحث بمدرسة الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية جامعة نواكشوط.
لتحميل الاصدار كاملا
مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024
الملخص
تناولت الدراسة استقلال السلطة القضائية في موريتانيا منذ الاستعمار الفرنسي للبلاد، مرورا بالاستقلال، وحتى دستور 20 يوليو 1991 وتعديلاته لسنوات: 2006 و 2012 و 2017، وأبرزت أهمية استقلال السلطة القضائية في تحقيق العدالة الجنائية، ومختلف المراحل التي مر بها استقلال القضاء، والعراقيل والنواقص التي تشوب استقلاله في الوقت الراهن.
كما ناقشت سبل تطوير وتعزيز هذه الاستقلالية فيما يتعلق بتبعية النيابة العامة لوزير العدل، وناقشت كذلك حماية استقلال السلطة القضائية من الاستغلال، سواء من طرف القضاة، أو من الغير، وذلك بتفكيك النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع، ودراستها دراسة تحليلية، تسعى لإبراز روح النص القانوني ومبتغاه.
Abstract
This study deals with independence of judicial authority in Mauritania starting from the French colonial era, including to the independence period, and finally coming to the constitution of the 20th of July 1991 and its amendments in 2006, 2012 and 2017.
The study seeks to showcase the importance of the judicial authority in fighting for criminal justice. The present study illustrates the different stages the independent judiciary has gone through, and the obstacles and the flaws of this independence. The study discuses the possible ways of improving the independent judiciary in relation to the dependency of the public prosecution on the minster of justice. The study also discusses the protection of the independence of the judiciary from exploitation whether from the judges or from others. This study attempts to break the legal texts related to the subject in question through an analytical study that seeks to showcase the spirit of the legal text.
الـمـقـدمـة:
يبدو للباحث بدون تعمق أن الدستور الذي هو حامي الحقوق والحريات بعيد من القانون الجنائي المؤطر بشكل مباشر لموضوع العدالة الجنائية، باعتبار أن الأخير يهدد الحقوق، ويمس الحريات، ويحد منها من خلال سياستي التجريم والعقاب، وقد سادت هذه النظرية في الأوساط الفقهية الدستورية والجنائية، ولم تكن العلاقة بين ما هو جنائي، وما هو دستوري ذات أهمية كبيرة، ومع تعميق البحث المتعلق بفلسفة القانونين، أصبح بديهيا أن كلاهما مكمل للآخر، فالدستور يحدد كيفية بنيان الدولة، والقانون الجنائي يحميها، وقد تطور هذا التكامل وتعزز بفعل دسترة بعض مبادئ القانون الجنائي كقرينة البراءة، وعدم رجعية النصوص القانونية الجنائية، وتجريم التعذيب، فضلا عن تضمين الوثيقة الدستورية بعض الإجراءات المتعلقة باتهام ومحاكمة الرؤساء والوزراء إثر اتهامهم بجرائم تتعلق بالوظيفة العامة، واستقلال السلطة القضائية.
إن النص على المبادئ التي تنتهجها الدولة في الميدان الجنائي ضمن الدستور أصبح نهجا متواترا في معظم الدساتير في العالم، وهو ما يعبر عنه في الفقه الدستوري الكلاسيكي بالقانون الدستوري الجنائي، الذي يطلق على الأحكام القانونية ذات الطبيعة الجنائية الواردة في متن الوثيقة الدستورية لبلد معين.
وتشكل دسترة المبادئ المتعلقة بالعدالة الجنائية حماية دستورية لها، ترقى بها من مستوى التكريس في التشريع الوطني، إلى الحماية الدستورية، مما يمنحها قوة، ويمكن المجلس الدستوري من مراقبة مدى ملائمة القوانين المرتبطة بالعدالة الجنائية للدستور، ويتيح للمتهمين ودفاعهم في ظل الدستور الحالي الطعن في دستورية القوانين.
ولم يكن الاهتمام بدسترة مبادئ العدالة الجنائية اعتباطا، فقد جاء عقب طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان، وميلاد جيل جديد من الحقوق في ميدان العدالة الجنائية على المستوى الدولي، وراهنت السياسات الجنائية عليه باعتباره السبيل الناجع لتقليص ظاهرة الجريمة والحد من انتشارها وتداعياتها، مع الاحتفاظ لمرتكبيها بحقوقهم، إذ لم يعد في العصر الحالي الهدف من العقوبة القصاص من الجاني، وإنما أصبح الاهتمام منصبا على شخصية المتهم وإصلاحه.
و يفسر اهتمام الدستور في إطار معالجته لمرتكزات العدالة الجنائية باستقلال السلطة القضائية كأهم ركن في مرتكزات العدالة الجنائية، أن السلطة القضائية من أكثر السلطات احتكاكا بالمواطن، وتمس أهم حقوقه المكفولة له في ظل دولة القانون، فإذا كان اللجوء للقضاء حق أصيل محمي دستوريا وقانونيا، ويعتبر اليوم من أهم وأجل مرتكزات العدالة الجنائية، فإن السلطة القضائية المكلفة بحماية الحقوق والحريات والمختصة في البت في النزاعات يجب أن تحظى بالوقار اللازم لقدسية المهام المنوطة بها، مع إقرار قواعد تحكم وتضبط سلطتها في التعامل مع المتهم المعروض أمامها، كي لا يكون هناك شطط أو تغول في استغلال هيبة الدولة التي تستمد منها السلطة القضائية هيبتها وأبهتها.
ونتيجة لإدراك المجتمع الدولي والبشرية جمعاء، لأهمية استقلال السلطة القضائية عن باقي السلط، ودورها الفعال في تحقيق العدالة، وحماية الحريات الفردية والحقوق، فقد أصبح مطلب استقلال السلطة القضائية مطلبا دوليا ملحا، بل إنه أصبح هو المعيار الاول في قياس مدى توفر شروط المحاكمة العادلة في بلد ما، وقد تبنى أول دستور للجمهورية الاسلامية الموريتانية سنة: 1959 هذا المبدأ ونص عليه في المادة: 43 منه، واقتدى به في ذلك الدستوري الحالي الصادر بتاريخ: 20 يوليو 1991 المعدل سنوات: 2006 و 2012، و2017.
وعلى إثر تبني استقلال السلطة القضائية من قبل كافة الدساتير الموريتانية فقد شهد استقلال السلطة القضائية في موريتانيا عدة إصلاحات من خلال ما يقارب 24 نصا قانونيا يلغي بعضها بعضا، أو يكمله، أو يأتي بمقتضيات جديدة.
أهمية الموضوع:
إن هذا الكم الهائل من النصوص المشار لها أعلاه يعطينا صورة عن الصعوبات التي مرت بها السلطة القضائية في موريتانيا، ويشكل إفرازا للصراع الذي كان قائما بين القضاء والسلط الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى الصراع بين أجيال السلطة القضائية أنفسهم، ممثلا في صراع القضاة الشرعيين، وقضاة القانون الوضعي، مما يبرهن على أهمية دراسة استقلال السلطة القضائية في موريتانيا خلال مختلف المراحل التي مرت بها، ويجعل منها مادة علمية تستحق الدراسة والنقاش.
وسنناقش كل مرحلة من هذه المراحل على حدة، وذلك من خلال دراسة تاريخ استقلال السلطة القضائية في فترة الاستعمار الفرنسي وما شهدته تلك الحقبة من تعايش بين نوعين من المحاكم، أحدهما يستمد شرعيته من ثقة المتقاضين في عدالة النصوص التي يستند عليها القضاة للبت في النزاعات، وهي قواعد الفقه الإسلامي وعلى وجه الخصوص قواعد المذهب المالكي المنتشر في البلاد، وعند وجود خلاف داخل المذهب المالكي يُلجأ إلى آراء ابن القاسم؛
وقضاء آخر وافد لم يألفه السكان المحليون، ويستند في أحكامه على نصوص قانونية مأخوذة في الغالب من القوانين الأوروبية؛
وأخيرا استقلال السلطة القضائية في ظل الدستور الموريتاني الحالي، والدساتير السابقة عليه، والإشكالات المتعلقة بها.
الإشكالية:
سنناقش هذا العنوان من خلال الإشكالية التالية:
هل يمكننا القول بأن الدستور الموريتاني الحالي في إطار معالجته لمبادئ العدالة الجنائية استطاع وضع أسس تمكن السلطة القضائية من القيام بالمهام المنوطة بها؟
وبما أن العمل البشري عمل تراكمي يكمل بعضه بعضا، فهل للعمل لقضائي الموريتاني عبر مختلف حقبه التاريخية أي دور في تعزيز استقلال السلطة القضائية الحالية؟ وهل ساهم في الرفع من جودة العمل القضائي في البلاد؟
وللإجابة على هذه الإشكالية فسنتناول هذا الموضوع من خلال المحورين التاليين:
المحور الأول: مرحلة العهد الاستعماري الفرنسي
يشكل دخول المستعمر الفرنسي للأراضي الموريتانية مرحلة هامة في تاريخ القضاء الموريتاني حيث بدى جليا اهتمام المستعمر بالقضاء، وعبر عن ذلك Xavier Cappolani في رسالة وجهها للشيخ سيديَ باب قبل دخوله للبلاد، وعد فيها بعدم التدخل في تطبيق الشعائر الدينية للمسلمين، بل إنهم سيعينونهم على تطبيق الشعائر الدينية بتنصيب القضاة.
ويسوغ أن تفهم هذه المراسلة في إطار فهم الفرنسيين العميق لمدى تشبث الموريتانيين بالدين الإسلامي، وحرصهم على تطبيق شريعته السمحة في نزاعاتهم، ومدى حساسية تطبيق غيرها في ما يعرض بينهم من نزاعات، فكان الوعد بعدم التدخل في تطبيق الشعائر الدينية حجر الزاوية في مقاربة إقناع السكان المحليين بدخول المستعمر من جهة، و ضمان السكينة المجتمعية عبر عدم المساس بتعاليمهم الدينية من جهة ثانية.
وقد مهد المستعمر الفرنسي لاحتلال البلاد بإبرام معاهدة مع إمارتي: اترارزه ولبراكنه سنة: 1903 تقضي بتعيين الفرنسيين للقضاة في هاتين الإمارتين، على أن يكون القضاة المختارون من أعيان شيوخ وعلماء المناطق المعنية، و أن يطبقوا التعاليم الإسلامية فيما ينشر أمامهم من منازعات وخصومات.
وفي: 10 نوفمبر 1903 صدر مرسوم ينظم العدالة في المستعمرات التابعة للوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية، وطبق على البلاد الموريتانية بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 5 يونيو 1906؛
وقد جاء في المادة الأولى من هذا المرسوم أنه: تنقل اختصاصات رئيس القرية التي كانت في المرسوم الصادر بتاريخ: 10 نوفمبر 1903 إلى قاضي القبيلة الذي يعينه مفوض الحكومة الفرنسية في موريتانيا، وتستثنى من هذه الترتيبات المجموعات الزنجية المقيمة على الضفة اليمنى من نهر السنغال.
ولابد من التنبيه إلى أن هذا الاستثناء يجب أن ينزل في إطار سياسة الكيل بمكيالين التي انتهجها المستعمر في التمييز بين الموريتانيين من الأصل البربري و العربي، الذين خصهم بالمقتضيات المتقدمة، و الزنوج الذين طبق عليهم سياساته في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وفي المادة الثانية منه نص على أنه: تحل محل محاكم الأقاليم محاكم تنشأ في مقر إقامة المقيم، وتتشكل من: المقيم رئيسا، يساعده قاض شرعي، ووجيه لإحدى قبائل الزوايا، وآخر للقبائل المحاربة، يعينون بداية من قبل مفوض الحكومة العامة في موريتانيا.
أما محاكم الدائرة فيرأسها قائد الدائرة، يساعده قاض سام، ورئيس قبيلة زوايا، ورئيس قبيلة محاربة، يعينهم مفوض الحكومة العامة بعد موافقة المدعي العام بداية كل سنة.
ولم نقف على نص أو وثيقة في المراجع المتعلقة بالموضوع تنظم سلطة القضاة في هذه المرحلة، وتحدد المزايا الممنوحة لهم، ولكن تحديد فترة انتدابهم بسنة يعطينا صورة عن عدم استقلالهم، لأن السلطات الاستعمارية تظل في النهاية متحكمة في مصيرهم من خلال التجديد أو عدمه.
و بالتالي فإن عدم التجديد للقاضي يمكن أن يؤثر على استقلاليته عن سلطة التعيين المتمثلة في الإدارة الاستعمارية، وهو ما يعني أن القضاة يتبعون بشكل مطلق لهذه السلطة التي تتولى تنصيبهم و عزلهم، وتملك أيضا ضمان تبعيتهم من خلال التجديد لهم.
وقد أدى تنظيم القضاء في هذه المرحلة بهذه الطريقة إلى تعايش نوعين من القضاء في موريتانيا، قضاء يستند في أحكامه على مقتضيات الفقه الإسلامي ممثلا في الغالب بمذهب الإمام مالك، وللساكنة فيه ثقة كبيرة لتعودهم عليه، وثقتهم في عدالة قضاته، واعتقادهم بوجوب الخضوع لأحكامه لأنها تجسيدا لشرع الله في أرض الله، فالقاضي في الفقه الإسلامي خليفة الله في أرضه؛
وقضاء يستند إلى القانون الفرنسي، ولكلا الجهازين القضائيين اختصاصه المحدد بالقانون:
الفقرة الأولى: القضاء الأهلي أو الشرعي
يعنى هذا القضاء بحل النزاعات الأهلية داخل المجموعة، ولم تكن تخلو منه أي قبيلة ولا حي، ويمكن للخصوم بعد نظر قضاة القضاء الأهلي أن يرفعوا النزاع إلى قاض آخر يخالفهم أو يوافقهم، وذلك لأسباب سبق الحديث عنها.
وقد نتج عن تنظيم المستعمر الفرنسي لهذا النوع من القضاء وجود مستويين من المحاكم فيه:
أولا: قضاء القبيلة
ويسمى قاضيه قاضي القبيلة العادي، وظل الاختصاص النوعي والترابي له محددا، فالاختصاص النوعي محصور في القضايا المدنية والتجارية، وتعتبر أحكامه نافذة ما لم تتعارض مع المبادئ السامية للحضارة الفرنسية، الأمر الذي يفسر عدم اختصاصه في القضايا الجنائية لئلا يصدر فيها ما يتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل الوثيقة المرجعية للمبادئ السامية للحضارة الفرنسية.
أما الاختصاص الترابي فهو المحدد بأفراد القبيلة، والقبيلة هنا عبارة عن مجموعة بشرية ذات سجل إداري موحد، ولا يشترط فيها توحيد النسب.
ثانيا: القاضي السامي أو قاضي المقاطعة
وتستأنف أمامه أحكام قاضي القبيلة، وذلك بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 22 مارس 1924 الذي جعل أحكام القاضي الأهلي درجة أولى، وأحكام القاضي السامي درجة ثانية، وهو ما يمثل اعترافا بالدور المحوري للقضاء الأهلي من قبل المستعمر الفرنسي، ولا يتجاوز اختصاص القاضي السامي أو قاضي المقاطعة حدود المقاطعة في الأصل ما لم ينتدب لذلك.
وفي جميع الأحوال فإن القضاء الأهلي يبت في النزاعات بمقتضيات نصوص الفقه الإسلامي، وخصوصا الفقه المالكي المنتشر في البلاد عن طريق اهتمام الفقهاء بتدريس ودراسة مختصر خليل في الفقه المالكي.
وكان المستعمر الفرنسي في بداية أمره يريد للقضاء الأهلي أن يكون قضاء صلح، لأن صلاحية رئيس القرية في أقاليم إفريقيا الغربية التي نقلت إلى القاضي الأهلي كانت مجرد مهمة صلح، وازداد الأمر وضوحا بعد صدور مرسوم بتاريخ: 16 أغشت 1912، الذي قسم القبائل إلى قبائل بدوية، وأخرى حضرية، وكان قضاة القبائل الحضرية مجرد مصلحين، ولكن تعلق السكان بالقضاء الأهلي، وثقتهم في قضاته، وتعلقهم بالشريعة الإسلامية التي يحكم بها القضاة الأهليون في النزاعات التي تعرض عليهم، أبت لهذا القضاء إلا أن يظل قضاء ابتدائيا له دور كبير في فض النزاعات.
ولم يقف تطور القضاء الأهلي عند هذا الحد بل إن المستعمر الفرنسي أصدر في: 03 دجنبر 1931، مرسوما- ظل هو الحجر الأساسي للقضاء الموريتاني في فترة الاستعمار- أقر فيه التنظيم القضائي الذي كان سائدا، وأضاف محاكم عرفية تابعة لمحكمة الدرجة الأولى، وجعل مقرها عاصمة الإقليم، وتبت في القضايا العائلية، وتستأنف أحكامها أمام محكمة الدرجة الثانية، وتتشكل من: رئيس يعينه الوالي من بين القضاة أو الوجهاء، ويحضر جلساتها مستشاران من الأهالي، وبهذا تكون المحاكم العرفية أول المحاكم الأهلية التي تتشكل من قضاء جماعي.
ومن الأمور الجديدة التي جاء بها مرسوم: 03 دجنبر 1931، أنه حدد سقف النزاع الذي تحكم فيه محكمة الدرجة الأولى ابتدائيا ونهائيا، والذي تحكم فيه ابتدائيا فقط، والأهم أنه أعطى لهذه المحاكم الاختصاص للبت في المخالفات الجنحية، وفي هذه الحالة تستأنف أحكامها أمام محكمة الاستئناف الاستعمارية التي تمثل محكمة استئناف بالنسبة للمحكمتين السابقتين، وحدد المرسوم اختصاصها في المجال الجنائي، ورتب على ذلك تغيير تشكيلتها، وأضاف لها مستشارون أوربيون وسماها المحكمة الجنائية.
وعلى كل فالقضاء الأهلي وبالرغم من أنه فرض نفسه في الميدان فإنه لم يكن مستقلا عن الإدارة الفرنسية، بل ظل تابعا لها تعين أعضاءه، وتدخل على نظامه من التعديلات ما تشاء، وتضيق اختصاصه أحيانا، وتمنح من اختصاصه للمحاكم الفرنسية الموجودة على الأراضي الموريتانية كل قضية ترى أن حكمه فيها قد يتناقض مع الحضارة الفرنسية الوافدة.
الفقرة الثانية: القضاء الفرنسي
ينقسم القضاء الفرنسي الذي كانت تخضع له النزاعات في موريتانيا خلال الحقبة الاستعمارية إلى محاكم يوجد مقرها في موريتانيا، وأخرى يوجد مقرها في السنغال.
أولا: محاكم القضاء الفرنسي في موريتانيا، وهي:
-
محاكم المقيمات:
وقد حلت محل محاكم الأقاليم المنصوص عليها في المرسوم: 1903 المعدل المتضمن إعادة تنظيم العدالة للمستعمرات التابعة للوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية على الإقليم الموريتاني بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 05 يونيو 1906، ومقر هذه المحاكم في مقر إقامة المقيم، وتتشكل من المقيم رئيسا، يساعده قاض من القضاة الشرعيين، ووجيه لإحدى قبائل الزوايا، ووجيه لإحدى القبائل المحاربة، يعينون من قبل مفوض الحكومة العام في موريتانيا بعد موافقة المدعي العام في بداية كل سنة، وللأعضاء المحليين أصوات استشارية غير ملزمة، ولا اعتبار لها في المداولات ولا لزوم للأخذ بها، فربما يستشارون بعد تحرير الأحكام.
-
محاكم الدوائر:
أنشئت بالمرسوم الصادر سنة: 1903 المعدل المتضمن إعادة تنظيم العدالة للمستعمرات التابعة للوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية، وتتشكل من قائد الدائرة رئيسا، يساعده قاض سام، ورئيس قبيلة زوايا، ورئيس قبيلة محاربة يعينهم مفوض الحكومة العام في موريتانيا بعد موافقة المدعي العام في كل سنة، وللأعضاء المحليين فيها ما لنظرائهم في محاكم المقيمات فيما يتعلق باستشارية الأصوات.
-
محاكم الصلح ذات الاختصاص الواسع:
أنشأها المرسوم الصادر بتاريخ 22 يوليو 1939، وجعل من اختصاصها البت في النزاعات المدنية، والتجارية التي لا تتجاوز قيمتها ثلاثة آلاف فرنك، وقد ضيق المرسوم الصادر بتاريخ: 03 ديسمبر 1946، من اختصاصها حيث أعطى للمفوض السامي الحق في إنشاء محاكم صلح محدودة الاختصاص لغاية: 23 ديسمبر1951، وكان رئيس هذه المحاكم يمثل قاضي التحقيق، وقاضي النيابة في وقت واحد، بمعنى أن له سلطة الاتهام وسلطة التحقيق، وكانت توجد مقرات هذه المحاكم في كل من أطار وكيهيدي، وتبت في القضايا الجنائية التي من اختصاص المحكمة الجنائية في فرنسا، وتتشكل من قاض صلح، وكاتب ضبط يعينهما المفوض السامي.
-
المحكمة الاستعمارية: أنشئت بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 22 مارس 1924، وحلت محل محكمة الدائرة ومقرها عاصمة الدائرة، وتعرض عليها أحكام الإدانة الحضورية التي تتراوح العقوبة فيها بين ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.
وتطورت بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 03 ديسمبر 1931، حيث جعل منها محكمة استئناف، وبموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 27 ديسمبر 1954، أصبحت محكمة عليا، تثار أمامها أحكام محاكم الدرجة الأولى، والثانية، كما أصبحت تشكل غرفة اتهام ومقرها عاصمة المستعمر.
وغني عن البيان أن دور السكان المحليين من مستشارين وأعضاء في المحاكم الفرنسية ثانوي، والهدف منه هو تنويع تشكيلة المحكمة، ولذا كانت أصواتهم في المداولات غير ملزمة، مما يدل على النظرة الدونية التي كان يعامل بها السكان المحليون من قبل المستعمر الفرنسي الوافد، وعدم مبالاته بثقافتهم، ويدخل في هذا الإطار منح الاختصاص في الميدان الجنائي لمحاكم المستعمر لئلا تصدر محاكم القضاء الأهلي أو الشرعي ما يتناقض مع المبادئ السامية للثقافة الفرنسية، ويبدو أن استراتيجية المستعمر في الأراضي الموريتانية في مجال القضاء، هي نفس الخط الذي اعتمده إبان استعماره للأقاليم المجاورة.
ثانيا: محاكم القضاء الفرنسي التي يشمل اختصاصها موريتانيا
لقد خضعت موريتانيا خلال حقبة الاستعمار كغيرها من المستعمرات الفرنسية لبعض محاكم القضاء الفرنسي التي كانت في السينغال عاصمة المستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا، وهذه المحاكم هي:
1– محكمة الاستئناف: وهي أعلى محكمة في الجانب الجنائي، وتتشكل من رئيس، وثلاثة رؤساء غرف، واثني عشر مستشارا، ومدع عام، وأربعة محامين عامين، وثلاثة نواب عامين، وثلاثة من قضاة النيابة العامة، وكاتب ضبط أول، وكان يضاف لتشكيلتها قاض أو وجيه مسلم في حالة ما إذا كان أحد الأطراف مسلما، أو كان الحكم الذي ستبت فيه صادرا عن محكمة شرعية.
يقع مقر محكمة الاستئناف في دكار وتعقد جلساتها في سينلويس وكانت تقوم بدور محكمة الاتهام، ومحكمة التحقيق، من الدرجة الثانية في المجال الجنائي، وهو ما يتنافى مع المبدأ الذي توصل له الدارسون لميدان العدالة الجنائية والقاضي بضرورة فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق تعزيزا للبحث عن تحقيق العدالة من خلال عرض المتهم خلال متابعته على سلطتين تستقل كل منهما عن الأخرى.
وقد حظي هذا المبدأ باهتمام كبير من قبل الفقهاء، وأصبح مرتكزا من مرتكزات العدالة الجنائية تبنته أغلب التشريعات المتعلقة بالعدالة الجنائية، ومن بين تلك التشريعات المشرع الموريتاني الذي تبناه في قانون الإجراءات الجنائية.
2- غرفة الإلغاء: وكانت تقوم بدور المحكمة العليا بمعنى أنها تراقب احترام المحاكم للقانون في الأحكام، وتبت بالطعن بالإلغاء في الأحكام غير القابلة للاستئناف كالتي انتهت آجال استئنافها أو التي صدرت نهائية، كما تبت في الطعن بعدم الاختصاص، ولها اختصاص إحالة الملف إلى المحكمة المختصة، وقد تتصدى إذا أعيدت القضية لها للمرة الثانية، ولا تصبح أحكام هذه الغرفة نافذة إلا بعد إجازتها من قبل المدعي العام ، مما يدل على عبثية قراراتها، وبعدها عن الاستقلالية والتبعية للإدارة أو السلطة التنفيذية.
3-غرفة التصديق: أنشئت بموجب المرسوم الصادر بتاريخ: 22 مارس 1924، وسميت غرفة التصديق لأن بعض أحكام المحكمة الاستعمارية ” محكمة الدوائر سابقا” مشروط بتصديقها، وهذه الأحكام هي:
– الأحكام المتعلقة بعقوبات تتجاوز خمس سنوات من السجن؛
– الأحكام التي تدين موظفي الإدارة ووكلائها من الأهالي بعقوبة تفوق 16 شهرا، أو 500 فرنك كغرامة.
يوجد في تشكيلتها مستشاران من الأهالي، تشترط فيهما معرفة اللغة الفرنسية، ولهما صوت في المداولات على عكس ما كان في المحاكم الفرنسية من قبل، إذ لم تعط للمستشارين سوى أصوات استشارية غير ملزمة في المداولات، وعلى المدعي العام عرض الأحكام السابقة الذكر على غرفة التصديق خلال 15 يوما.
ويشكل اشتراط معرفة اللغة الفرنسية في مستشاري الأهالي نوعا من البحث عن أشخاص لديهم الحد الأدنى من ثقافة المستعمر، ولذا لم تشترط فيهم معرفة الفقه الإسلامي ولا قواعده.
4 – محكمة الجنايات: لم تكن لموريتانيا على خلاف المستعمرات الفرنسية محكمة جنائية خاصة بها، بل كانت تخضع لمحكمة في دكار، وبما أن الاختصاص في الميدان الجزائي يعود للمحاكم الفرنسية فقد أصبحت محكمة الجنايات في دكار تبت في كافة القضايا المتعلقة بالعقوبات البدنية أو المخلة بالشرف، وكانت جلساتها وقراراتها علنية يشرف عليها قضاة موظفون فرنسيون، ولم يكن لموريتانيا فيها أي عضوية، فقد كانت تتشكل من ثلاثة أعضاء من قضاة محكمة الاستئناف، يقوم واحد منهم بوظيفة الرئيس، وأربعة مستشارين، وكاتب ضبط، وممثل عن النيابة العامة، ويتشكل المحلفون فيها من مستشارين يختارهما الوالي العام من بين لائحة تضم 30 اسما على الأقل، و60 على الأكثر، ويشترط في المترشح أن يكون تجاوز سن 30 سنة من العمر، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، ويتقن اللغة الفرنسية.
وهكذا فإن استقلال القضاء في موريتانيا خلال فترة الاستعمار تثار حوله الكثير من الأسئلة، منها ما هو متعلق بالمستعمر الفرنسي، فهل كان المستعمر الفرنسي يسعى بجد لإقامة عدالة مستقلة في البلاد؟
والإجابة على ذلك لا تتطلب كثير بحث إذ لو كان يسعى لذلك لما كان حريصا دائما على التدخل في القضاء الأهلي، يحد من اختصاصه في كل مرة، ويحاول جعله مجرد قضاء صلح لا قضاء حكم.
و الحقيقة أن الحديث عن نية المستعمر إرساء دعائم قضاء مستقل، يعتبر حديثا مترفا وغير مستساغ، حيث أن المنطق الاستعماري يخالف منطق البحث عن العدالة، و إقامة أركانها، و تشييد دعائمها، وهو ما يغدو معه الحديث عن استقلال القضاء ضربا من الخيال، و المجاملة، أو التحايل على التاريخ؛
أما الأسئلة المتعلقة بالأهالي فتتعلق بثقة المتقاضين في القضاء الفرنسي، وعدالة ما يصدر عنه من أحكام وقرارات، ومادام الأهالي لا ثقة لهم في القضاء، ولا دور لهم في التشريع، فإن وجود قضاء مستقل بينهم من الصعوبة بمكان.
وعليه فإن مجرد وجود القضاء في موريتانيا ما قبل الاستعمار الفرنسي يبقى محل نظر، وأما بعد وجود المستعمر فتثار أسئلة عديدة بشأن استقلاله، بل يمكن القول أن القضاء الجنائي ظل سيفا مسلطا على الضعفاء خلال العهد الحساني، ولا تنفذ أحكامه إذا تعلق الأمر بمن تخشى صولة جماعته، وهو ما يفقده صفة الشرعية، والحياد، والاستقلال، ويجعله آلة بيد القوي يضرب بها خصومه متى شاء؛
وخلال الاستعمار الفرنسي كان القضاء الجنائي مجرد أداة ترهيب بيد المستعمر، يتقوى به على الأهالي، ويمنح العضوية فيه لمن يشاء على أسس بعيدة من العدالة، والشفافية، والنزاهة، كالمكانة الاجتماعية التي لا تليق بالقضاة لما يتطلب فيهم من الحياد، والاستقامة، والنزاهة، والكفاءة.
المحور الثاني: استقلال القضاء بعد الاستقلال
أصدرت السلطة السياسية الفر نسية في: 23 يونيو 1956 قانون إطار يعيد تنظيم علاقات المستعرات الفرنسية بالمستعمر الفرنسي، ونص على أنه ينتخب كل إقليم جمعية إقليمية تختص بتعيين حكومة محلية يرأسها وال فرنسي، على أن يعين أحد أبناء الإقليم نائبا له، وبموجب ذلك فقد انتخب الإقليم الموريتاني – الذي كان عضوا في اتحاد إفريقيا الغربية الفرنسية – جمعية إقليمية في: مارس 1957، وتم تعيين الحكومة، وعين الأستاذ المختار ولد داداه نائبا لرئيسها في مايو من نفس السنة، قبل أن يقرر المستعمر الفرنسي في: يوليو 1958 نقل الرئاسة من الوالي الفرنسي إلى نائبه، وعرض في سبتمبر من نفس السنة على المستعمرات الاختيار بين الاستقلال الفوري، أو التمتع بالحكم الذاتي – مع الاحتفاظ بالعضوية في المجموعة الفرنسية- فاختار الشعب الموريتاني حينها الحكم الذاتي عن طريق الاستفتاء، وتحولت الجمعية الإقليمية إلى لجنة تأسيسية تولت وضع أول دستور في تاريخ الدولة الموريتانية، وتمت المصادقة عليه من قبل رئيس الحكومة في: 22 مارس 1959.
ونتيجة للظرفية الإقليمية والمحلية، وبالرغم من إقامة دستور 1959 لنظام برلماني يوازن بين البرلمان والحكومة، واقتباسه من الدستورين الفرنسيين لسنتي: 1946 و 1958، فلم يعمر طويلا بسبب تصاعد المطالبة بالاستقلال التام عن فرنسا، ففي: 19 أكتوبر 1960 وقعت فرنسا مع موريتانيا على اتفاق يمهد للاستقلال، وتنقل بموجبه سلطات الاتحاد إلى الحكومة الموريتانية، ليتم الاعلان عن الاستقلال بشكل رسمي في 28 نوفمبر 1960، ومن ثم بدأ التفكير في صياغة دستور جديد للبلاد، تم إصداره في: 20 مايو 1961 بموجب القانون الدستوري رقم: 095 – 60 الصادر بتاريخ: 20 مايو 1961 المعدل للقانون الدستوري الصادر بتاريخ: 22 مارس 1959.
ولم يخرج دستور 1961 عن الملامح العامة التي حكمت جل دساتير الدول الإفريقية التي كانت خاضعة للمستعمر الفرنسي، والتي كانت تتميز بتقليد دستور فرنسا لسنة 1958 مع بعض الاقتباسات من الدستور الامريكي لسنة: 1787 في إطار ما يسميه بعض الدارسين للفقه الدستوري بالرئاسية الإفريقية، وهي نموذج مشوه من النظام الرئاسي يقوم على الفصل الجامد بين السلطات، بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن دستور 1961 لم يحقق ولو نسبيا مبدأ حرية التقاضي إذ لا يتيح للأفراد مباشرة الحرية في الطعن بشأن دستورية القوانين، وقد استمر العمل بدستور 1961 إلى حين استيلاء العسكر على السلطة عبر انقلاب 10 يوليو 1978 حيث ألغى الانقلابيون العمل بالمقتضيات المتعلقة منه بممارسة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وبالرغم من الوعود المتكررة من العسكريين بإقامة نظام ديمقراطي، فإن هذا الوعد لم يتحقق إلا منتصف 1991 حيث تم إصدار دستور جديد بتاريخ: 20 يوليو 1991، وقد جاء هذا الدستور بعد ضغط المجتمع الدولي، وربطه للمساعدات بالتحول الديمقراطي وتعزيز مبادئ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وقد طغت عليه خاصية تعزيز مؤسسة رئيس الجمهورية على حساب السلط الأخرى؛
كما شهد عدة تعديلات خلال سنوات: 2006 و 2012 و2017 كان لها الأثر الإيجابي على تعزيز الفصل بين السلطات، وعلى وجه الخصوص استقلال السلطة القضائية الذي يشكل ركيزة مهمة من ركائز العدالة الجنائية، بموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليهما من قبل الدولة الموريتانية، وإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (في 29 نوفمبر و13 ديسمبر 1985) المبادئ الأساسية بشأن السلطة القضائية، بعد ما تم اعتمادها في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في ميلانو 1985.
مع العلم أن نظرية استقلال السلطة القضائية ليست بالجديدة وإنما تعود إلى نظرية الفصل بين السلطات التي نادى بها الفقيه الفرنسي مونتسكيو، وقبله عدد من الفلاسفة والمفكرين أمثال أرسطو ولوك، وقد تبنى الإعلان العالمي لحقوق الانسان هذه النظرية في المادة: 16 منه ونص على أن كل جماعة سياسية لا تتبنى على مبدأ الفصل بين السلطات، لا يمكن أن توفر الضمانات الأساسية للحقوق والحريات، ومن ثم فهي جماعة لا دستورية.
ويلاحظ من خلال استقراء نصوص المشرع الموريتاني أنه تناول استقلال السلطة القضائية في الدستور، والنصوص الأخرى، من خلال ضمان استقلاله عن السلطتين: التشريعية، والتنفيذية، وكذا الأطراف، ولكن قبل ذلك يجب تفصيل المحطات المختلفة التي مرت بها السلطة القضائية منذ الاستقلال وحتى كتابة هذا المقال.
الفقرة الأولى: التطور التاريخي لاستقلال السلطة القضائية
مع حصول البلاد على الاستقلال كان العمل القضائي في البلاد يخضع في الرقابة إلى محكمة الاستئناف ومحكمة النقض الفرنسية في دكار، وكان الشغل الشاغل بالنسبة للحكومة هو خلق نوع من الاستقلال القضائي عن قضاء المستعمر، ومرتنة القضاء الموريتاني، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات.
وقد تحقق مبدأ الفصل بين السلطات نظريا من خلال دستور 1961، وأما مرتنة القضاء فقد مرت بمحطات مختلفة، وتمت تدريجيا عبر إصلاحات متعددة للنصوص المنظمة للسلطة القضائية في البلاد، ولعله من المفيد الحديث عن كل محطة من المحطات على حدة:
أولا: مرحلة ازدواجية القضاء
مع استقلال البلاد لم يكن القضاء موحدا، وشهدت هذه المرحلة ازدواجية في القضاء امتدت من: 1960 إلى 1981، حيث كان هناك قضاء يتشكل من المحاكم العصرية المنشأة بموجب القانون رقم: 110 / 60 الصادر بتاريخ: 13 يناير 1960، وآخر يتشكل من المحاكم الشرعية وخاضعة لنظام متميز بموجب القانون رقم: 32 / 60 الصادر بتاريخ: 29 يناير 1960 والمعدل بالقانون رقم: 142 / 63 الصادر بتاريخ: 13 يناير 1963 المعدل بالقانون رقم: 006 / 64 الصادر بتاريخ: 17 فبراير 1964.
ومع ذلك فقد كانت الأعمال القضائية تخضع لرقابة موحدة وهي رقابة المحكمة العليا، ففي 27 يونيو 1961 صدر القانون رقم: 123 / 61 المنشئ للمحكمة العليا كجهاز قضائي أعلى في الهرم القضائي، وأسند لها الاختصاص في البت في الطعون ضد الأحكام والقرارات النهائية المتعلقة بعدم الاختصاص، أو انتهاك القانون الوضعي، أو قواعد الفقه الإسلامي.
وطبقا لمقتضيات هذا القانون فإن العدالة تقام على تراب الجمهورية بواسطة محاكم درجة أولى ( محاكم القضاة، والمحاكم الابتدائية، ومحاكم الشغل)، ومحاكم درجة ثانية ( المحكمة العليا للاستئناف، والمحاكم الجنائية) والمحكمة العليا.
وتتميز محاكم القضاة بأنها ذات قاض فردي يساعده مساعدان، عكس المحاكم الابتدائية المشكلة من قاضيين أحدهما من قضاة الشريعة الإسلامية، والآخر من قضاة القانون الوضعي، ويترأس المحكمة القاضي الأكبر سنا.
وأما المحكمة العليا للاستئناف فتتكون من غرفتين: غرفة إسلامية وأخرى للقانون الحديث، وتعقد جلساتها تحت رئاسة رئيس المحكمة أو نائبه، وبعضوية مستشارين من قضاة الشريعة الاسلامية، أو من قضاة القانون الحديث حسب الغرفة المختصة بالبت في النزاع المعروض أمام المحكمة.
وعلى رأس الهرم القضائي المحكمة تتربع المحكمة العليا المكونة من الرئيس، ونائب له، ومستشار من قضاة الشريعة الاسلامية، وآخر من قضاة القانون الوضعي.
وفي سنة: 1965 شهد التنظيم القضائي إصلاحا بقي عليه حتى بداية الثمانينيات، تم هذا الإصلاح بموجب القانون رقم: 123 / 65 الصادر بتاريخ: 20 يوليو 1965، وقد أبقى هذا الإصلاح على بعض قواعد التنظيم القضائي السابق التي من قبيل الإبقاء على نظام القاضي الوحيد، ومستوى المحاكم المشار له أعلاه، وجاء بتعديلات كانت كالتالي:
أ – إلغاء المحكمة العليا للاستئناف: تم بموجب هذا الإصلاح إلغاء المحكمة العليا للاستئناف، وعاد اختصاصها إلى المحكمة العليا التي تنظر فيها على أنها محكمة استئناف، وهو ما يعني أن المحكمة العليا في هذه الحقبة أصبحت محكمة وقائع ومحكمة قانون في نفس الوقت، وأصبحت الأحكام والقرارات الصادرة ابتدائيا والقابلة للاستئناف تستأنف أمام المحكمة العليا.
وعليه فإن هذا الإصلاح نتج عنه وجود فراغ قانوني تمثل في فقدان جهة الاختصاص للطعن بالنقض في الأحكام والقرارات القضائية، حيث أصبحت المحكمة العليا تبت كمحكمة استئناف، كما تقوم بدور غرفة الاتهام، ومحكمة الحسابات، ومحكمة الطعن في القرارات الإدارية وتجاوز السلطة.
ب – استحداث محكمة أمن الدولة والمحاكم العسكرية: تم بموجب هذا التعديل استحداث محكمة أمن الدولة والمحاكم العسكرية، وبالرغم من استحداث هذه المحكمة بموجب هذا الإصلاح، فإنها جاءت استجابة للقانون رقم: 62 / 163 الصادر بتاريخ: 19 يوليو 1962 المتعلق بتنظيم العدالة العسكرية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والجرائم والجنح العسكرية، المعدل بالقانون رقم: 71 / 32 الصادر بتاريخ: 12 فبراير 1971، والقانون رقم: 73 / 155 الصادر بتاريخ: 02 يوليو 1973.
ج – إعادة تنظيم المحكمة العليا:
بموجب القانون رقم: 123 / 65 أصبحت المحكمة العليا تتكون من ستة أعضاء هم:
– الرئيس؛
– نائبان للرئيس؛
– مستشار للشؤون الإسلامية؛
– مستشار للشؤون القانونية؛
– مستشار للشؤون المالية؛
كما أصبحت لها غرفتان:
– غرفة قضائية وإدارية: ولها ثلاث تشكيلات، تشكيلة للقضايا الخاضعة لمقتضيات الشريعة الإسلامية، وتشكيلة للقضايا الخاضعة للقانون الوضعي، وأخرى للقضايا المالية؛
– غرفة دستورية: تختص في الرقابة الدستورية.
وظل خلال هذه المرحلة التمييز – الموروث عن المستعمر الفرنسي – بين المحاكم الشرعية التي يعمل بها قضاة الشريعة الإسلامية، والمحاكم القانونية التي يعمل بها قضاة القانون المشهورة بمصلح محاكم القضاة، قائما، رغم الإصلاح الذي قيم به.
وتنبني فكرة التمييز بين المحاكم في هذا النظام على التمييز بين مجال القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، باعتبار أن القضايا التي يحكمها القانون الوضعي تختلف عن تلك التي يحكمها الفقه الإسلامي.
د – إنشاء محكمة العدال الخاصة: أنشئت بموجب الأمر القانوني رقم: 027 – 79 الصادر بتاريخ: 20 فبراير 1979، حيث أصبحت هي صاحبة الاختصاص للنظر والبت في الكثير من النزاعات النوعية المدنية والتجارية والجنائية، ومنها على سبيل المثال:
– القضايا المصرفية؛
– نزاعات التأمين؛
– المخالفات المتعلقة بالتجارة الخارجية والرقابة على المصارف؛
– قضايا أمن الدولة؛
– الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء القوات المسلحة، وأعضاء الأمن الوطني، والحرس الوطني.
وعلى كل فإن السلطة القضائية في هذه المرحلة رغم إقرار استقلاليتها في دستور 1961 لم تستطع تجاوز الأسس التي بنى عليها المستعمر الفرنسي النظام القضائي، ووقع الإصلاح الذي تم خلال هذه الحقبة في خطإ فادح هو شغور الطعن بالنقض بإسناد الاستئناف إلى المحكمة العليا، وتفريغ المحكمة العليا من اختصاصها وجعلها محكمة وقائع، بدل أن كانت محكمة قانون.
ثانيا: مرحلة دمج المحاكم والنصوص المطبقة أمامها
شهدت المحطة الثانية من تاريخ القضاء التي بدأت من: 1981 إلى: 1991 إجراءات هامة في ميدان استقلال السلطة القضائية، حيث تم دمج المحاكم الشرعية والعصرية، وتو حيد النصوص القانونية الواجبة التطبيق أمام المحاكم، بالإضافة إلى إعطاء المحكمة العليا الاختصاص اللائق بها وهو رقابة تطبيق القانون، وتفعيل محاكم الاستئناف ومنحها الاختصاص في استئناف الأحكام والقرارات القضائية، وسنناقش هذه الإجراءات بالتفصيل من خلال إبراز ونقاش النقاط التالية:
أ – دمج المحاكم: تم دمج المحاكم العصرية والشرعية في البلاد من خلال إنشاء سلك قضائي موحد يشمل قضاة المحاكم العصرية وقضاة المحاكم الشرعية، وذلك بموجب الأمر القانوني رقم: 81 – 281 الصادر بتاريخ 28 دجنبر 1981، الملغى بالأمر القانوني رقم: 82 – 139 الصادر بتاريخ: 22 نوفمبر 1982 المتعلق بدمج القضاة في مختلف المحاكم في نظام موحد، وقد جاء في المادة الأولى من هذا النص ما يلي: ( ينشأ سلك قضائي وحيد يدعى هيئة القضاة، ناتج عن إدماج القضاء مع نظام القضاة المؤسسين على التوالي بالقانون رقم: 237 – 68 الصادر بتاريخ: 19 يوليو 1968، والقانون رقم: 266 – 69 )
وبمقتضيات هذه النصوص فقد اختفى التمييز الذي كان قائما بين قضاة المحاكم الشرعية، وقضاة المحاكم العصرية، وأصبح النظام القضائي الموريتاني موحدا، ويخضع كافة قضاته لنظام موحد.
ب – توحيد النصوص القانونية الواجبة التطبيق أمام المحاكم: من المعروف أن المذاهب الفقهية في الشريعة الإسلامية متعددة، وأن المذهب الواحد ينشأ داخله العديد من الآراء والخلافات بين رواد المذهب، ونتيجة لذلك فقد قررت الدولة الموريتانية تكليف مجموعة من الفقهاء والخبراء القانونيين وعلى رأسهم رئيس المحكمة العليا سابقا محمد سالم ولد عدود وآخرون بتقنين وكتابة النصوص القانونية الواجبة التطبيق أمام المحاكم، واعتمدوا – غالبا – في كتابة القواعد القانونية على المذهب المالكي، والقانون الفرنسي، وأحالوا احتياطا إلى الشريعة الاسلامية والمذهب المالكي في كل ما لم ينص عليه في القانون الجنائي، ونتيجة لهذا التوجه فقد تمت مراجعة القانون الجنائي الموريتاني وصدر في شكل الأمر القانوني رقم: 162 – 83 الصادر بتاريخ: 09 يوليو 1983.
ج – استعادة المحكمة العليا دورها في الهرم القضائي: استعادت المحكمة العليا دورها المنوط بها في كل النظم القضائية العالمية، وهو الرقابة على سلامة تطبيق القانون، وذلك بموجب الأمر القانوني رقم: 83 – 144 الصادر بتاريخ: 23 يونيو 1983 المتعلق بإعادة التنظيم القضائي، والذي بموجبه أصبحت محاكم الاستئناف تمارس اختصاصها، واستعادت المحكمة العليا اختصاصها كمحكمة قانون، بدل أن كانت في الحقبة الماضية محكمة وقائع تقوم مقام محاكم الاستئناف.
ثالثا: مرحلة العودة للعمل بالمؤسسات الدستورية
شكل صدور دستور 20 يوليو 1991 مرحلة جديدة في تاريخ الدولة الموريتانية بشكل عام، والدولة المدنية ودولة القانون بشكل خاص، حيث تمت العودة بموجبه للعمل بالمؤسسات الدستورية التي توقف العمل بها مع انقلاب 10 يوليو 1978.
وقد انعكست العودة بالعمل للمؤسسات الدستورية على السلطة القضائية، حيث ظهرت بموجب الدستور الجديد بعض المؤسسات القضائية التي لم تكن موجودة، واختفت أخرى شكل اختفاؤها موجبا لإعادة مراجعة التنظيم القضائي في البلاد، فقد تم بمقتضى القانون رقم: 93 – 10 الصادر بتاريخ: 31 يناير 1993 إصلاح التنظيم القضائي في البلاد الذي نتج عنه اختفاء محكمة العدل السامية، وظهور المجلس الدستوري، ومحكمة الحسابات.
وجاء في الإصلاح الجديد أن العدالة تقام على عموم التراب الوطني بواسطة ( محاكم المقاطعات، ومحاكم الولايات، ومحاكم الشغل، والمحاكم الجنائية، ومحاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، والمحاكم الأخرى التي ينشئها القانون).
والمقصود بالمحاكم التي ينشئها القانون هو المؤسسات الدستورية المستحدثة حديثا بموجب الدستور، وفتح المجال أمام القانون لإنشاء محاكم أخرى كلما دعت الضرورة لذلك، ونتيجة لذلك فقد تم إنشاء مؤسسات قضائية لم ينشئها التنظيم القضائي، فأنشئ المجلس الدستوري بموجب المادة: 81 من الدستور، ونظم بموجب القانون رقم: 92 – 04 الصادر بتاريخ: 18 فبراير 1992 المعدل، وأحيلت إليه اختصاصات الغرفة الدستورية بالمحكمة العليا المشار لها سابقا في هذا البحث.
كما تم إلغاء محكمة العدال الخاصة بموجب القانون رقم: 21 – 93 وأحيل اختصاصها في الميدان الجنائي إلى محاكم الولايات، ومحاكم القضاء العسكري.
وتمت مراجعة النظام القضائي بعد ذلك بموجب القانون رقم: 039 – 99 الصادر بتاريخ: 24 يوليو 1999، وقد اهتم هذا الإصلاح بمراجعة توزيع الاختصاص بين المحاكم، وتقريب القضاء من المتقاضين، وتحفيز الاستثمار للرقي بالاقتصاد من خلال تبسيط المساطر القانونية.
وأبقى الإصلاح الجديد على نفس التقسيمة المتبعة في المحاكم من قبل التنظيم القضائي السابق ( محاكم المقاطعات، محاكم الولايات، محاكم الشغل، المحاكم الجنائية، محاكم الاستئناف، المحكمة العليا)، إلى جانب المحاكم الدستورية كالمجلس الدستوري، ومحكمة الحسابات، ومحكمة العدل السامية المختصة في محاكمة رئيس الجمهورية في حال الاتهم بالخيانة العظمى، والوزير الأول وأعضاء الحكومة بسبب التصرفات التي تكيف على أنها جرائم أو جنح وقت ارتكابها، وذلك وفقا لمضامين قانون العقوبات الموريتاني.
وقد تمت مراجعة التنظيم القضائي بعد ذلك بموجب الأمر القانوني رقم: 2007 – 012 المتعلق بالتنظيم القضائي ومن الأمور التي جاء بها في ميدان العدالة الجنائية استحداث غرفة للاتهام تختص في النظر في بطلان التحقيق، ومراقبة أعمال قضاة التحقيق، وظلت مراجعة التنظيم القضائي مستمرة، وتجسد ذلك تم في إنشاء محاكم جنائية مختصة في مكافحة الفساد، ومحاكم مختصة في مكافحة العبودية والممارسات الاستعبادية.
ولم يتوقف استقلال السلطة القضائية عند مراجعة وتنقيح التنظيم القضائي عبر المراحل المختلفة التي تم التطرق لها، وإنما تعزز ذلك بضمانات قانونية منحها الدستور للسلطة القضائية من تغول السلطة التشريعية أو التنفيذية ضدها، ولم يتم الاكتفاء بذلك بل منح القانون القضاة حماية من تجاوز أطراف النزاع، تجسدت تلك الحماية في معاقبة تهديد أو الاعتداء على القضاة أثناء قيامهم بعملهم، أو بمناسبته.
الفقرة الثانية: الضمانات القانونية لاستقلال القضاء
تنقسم الضمانات القانونية الممنوحة للسلطة القضائية في سبيل تحقيق استقلالها إلى ضمانات تحمي القضاء من تغول السلط أو الأطراف عليه، وضمانات تحمي استقلال القضاء وحياده من استغلاله في مواجهة الخصوم.
ولذلك فإننا سنتناول موضوع الضمانات القانونية من خلال فقرتين نتناول في الأولى منهما حماية السلطة القضائية من السلطتين التشريعية والتنفيذية، والأطراف، وفي الثانية منهما سنتناول حماية حياد القضاء واستقلاله من الاستغلال.
أولا: حماية القضاء من السلط والأطراف
تثير مسألة استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية الكثير من التساؤلات والإشكاليات في الدول الساعية للالتحاق بدول القانون والديمقراطية، ولكن في الوقت نفسه تلعب حماية استقلال القضاء من الأطراف دورا بارزا في حياد القضاء، وجعله يصدر قراراته بناء على الوقائع والنصوص القانونية فقط، ولا يمكن لأي من الأطراف الضغط عليه بالتخويف أو التهديد.
ولأن الموضوع متكامل، ولا يمكن تحقيق استقلالية القضاء ما لم تتوفر حماية قانونية له من السلطتين، وأطراف النزاع، فسنتناول كل نقطة من هذه النقاط على حدة:
أ- استقلال القضاء عن السلطة التشريعية
جاء في المادة: 89 من الدستور الموريتاني أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية، وتجسيدا لتلك الاستقلالية فيمنع على غير السلطة القضائية أن تبت في النزاعات طبقا للمادة الأولى من التنظيم القضائي التي جاء فيها أن (العدالة تقام على التراب الوطني باسم الله العلي العظيم، من طرف المحاكم باختلاف درجاتها، وحسب اختصاصها).
ونظرا لكون المادة: 91 من الدستور نصت على أن السلطة القضائية هي الحامي للحرية الفردية، فإن المساس بالحريات لا يكون إلا من طرف القضاء، وتحت رقابته، ونتيجة لذلك فيمنع على السلطة التشريعية أن توجه الأوامر إليه، سواء تعلقت تلك الأوامر بالبت في القضايا، أو بتسيير المحاكم، وليس لها كذلك أن تلغي أحكامه أو تعدلها.
وبما أن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية مكرس بنصوص دستورية، فإن السلطة التشريعية ليس لها أن تصوت على نصوص قانونية تمس من تلك الاستقلالية بأي شكل من الأشكال، ولذا فإن النصوص القانونية المتعلقة بالسلطة القضائية يجب عرضها على المجلس الدستوري قبل إصدارها للبت في مدى دستوريتها، وهو إجراء مطبق في الكثير من البلدان.
ب – استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية
نصت المادة: 90 من الدستور الموريتاني على أن القاضي لا يخضع إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه، ونصت المادة: 89 من الدستور على أن القضاء مستقل عن السلطة التنفيذية، وأن رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء، ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه.
وتترتب على هذه الضمانات الدستورية الأمور التالية:
1 – عدم تحويل قضاة الحكم إلا بطلب منهم
جاء في المادة: 08 من النظام الأساسي للقضاء أنه لا يمكن عزل أو تحويل أي قاض جالس إلا بطلب منه، أو نتيجة لعقوبة تأديبية، أو لضرورة قاهرة، وبعد رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء.
حيث نصت على أنه: (لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء).
2 – عدم إمكانية العزل
لا يجوز عزل القضاة عن النظر في أي قضية بطريقة مباشرة كاتخاذ قرار بذلك، أو غير مباشرة، وذلك طبقا للمادة: 8 من التنظيم القضائي المشار لها أعلاه.
3 – تحصين القاضي من تدخل السلطة التنفيذية في مساره المهني
تتطلب استقلالية السلطة القضائية عدم تخل السلطة التنفيذية في المسار المهني للقضاة من حيث التنقيط، والترقية في الرتب.
وطبقا للمادة: 02 من النظام الأساسي للقضاء يشمل سلم رتب القضاء أربع رتب هي:
-
الرتبة الرابعة: وهي التي يبدأ بها القضاة، وتنقسم إلى أربع درجات، ويجب أن تتضمن 50% من القضاة؛
-
الرتبة الثالثة: تحتوي على ثلاث درجات، وتتضمن 25% من القضاة؛
-
الرتبة الثانية: تحتوي على ثلاث درجات وتكون فيها 15% من القضاة
-
الرتبة الأولى: تحتوي على ثلاث درجات، ويكون فيها 10% من القضاة.
ويتم تنقيط القضاة الجالسين من طرف رئيس المحكمة العليا بعد أخذ رأي المدعي العام لدى المحكمة العليا، وينقط قضاة النيابة العامة من قبل المدعي العام لدى المحكمة العليا بعد أخذ رأي رئيس المحكمة العليا؛
وبالنسبة للقضاة الموجودين في الإدارة المركزية فينقطون من قبل وزير العدل، وأما القضاة المعارون فينقطون من قبل المسؤول الأول عن القطاع المعار له، وينقط المدعي العام لدى المحكمة العليا من قبل وزير العدل بعد أخذ رأي رئيس المحكمة العليا.
وقد أصبحت التقدمات في الرتب تلقائية بالنسبة للقضاة بموجب تعديل النظام الاساسي للقضاء، وهو ما يسمح للقاضي بالتقدم إلى الرتبة الموالية بمجرد استكمال درجات رتبته، ما لم يكن محل عقوبة تأديبية.
ج- استقلال القضاء عن الأطراف
تتمثل هذه الاستقلالية في حماية القضاة من الاعتداء أو التهديد الذي قد يوجه لهم من قبل الأطراف في النزاع، بسبب ممارستهم لوظائفهم أو أي سبب آخر يتعلق بالبت في النزاع المعروض، وتتجسد هذه الحماية في عقاب كل من:
1- أهان قاضيا بالقول أو الكتابة أو الرسم غير العلني بعقوبة من 15 يوما إلى سنتين من الحبس، ما لم تكن الإهانة تمت أثناء الجلسة، وإلا فتكون العقوبة من سنتين إلى 5 سنوات.
حيث نصت المادة: 204 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالحبس من خمسة عشر يوما إلى سنتين كل من أهان قاضيا أو أكثر تابعا للمحاكم الإدارية أو القضائية أو محلفا أو أكثر بالقول أو الكتابة أو الرسم غير العلني أثناء تأدية وظائفهم أو بمناسبتها، وذلك بقصد المساس بشرفهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم.
وتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات إذا كانت الإهانة المذكورة واقعة أثناء جلسة المحكمة.
ويتضح من خلال نص المادة أن العقوبة لا تكون إلا إذا ارتكبت الأفعال المعاقب عليها أثناء تأدية القاضي لوظيفته أو بمناسبتها، بهدف المساس بشرفه أو الاحترام الواجب لسلطته، وعليه فإن هذه الحماية للسلطة القضائية، وليست للأفراد، وهو ما يتنافى مع الفهم السائد لدى بعض القضاة الذين كثيرا ما يصطدمون بأفراد الجمارك وسلطة تنظيم الطرق، ظنا منهم أن القانون يوفر لهم حماية فردية تمنع السلطات المكلفة بالضبط من ممارسة تلك السلطات عليهم.
وتأكيدا على أن هذه الحماية للسلطة القضائية وليست لأفرادها، فقد اعتبر المشرع أن من ارتكب الأفعال المشار لها أعلاه أثناء الجلسات يكون ذلك ظرفا لتشديد العقوبة عليه.
كما جاء في المادة: 205 من القانون الجنائي أن الإهانات المشار لها أعلاه إذا كانت في شكل حركات أو تهديدات أو إرسال أية اشياء لنفس الغرض وكانت موجهة إلى قاض أثناء مباشرته لوظيفته أو بمناسبتها، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، أما إذا كانت الإهانة في جلسة المحكمة فيصير العقاب الحبس من شهر إلى سنتين؛
وعليه فإن المشرع انتهج سياسة تشديد العقوبة في جرائم الجلسات المرتكبة ضد القضاة أثناء تأديتهم لوظائفهم.
2 – ضرب قاضيا أو اعتدى عليه أثناء تأديته لوظائفه بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وتشدد العقوبة إذا وقع الاعتداء أثناء الجلسات، وقد تصل إلى الإعدام.
فقد نصت المادة: 210 من القانون الجنائي على أنه: يعاقب من سنتين إلى خمس سنوات كل من ضرب قاضيا أو ارتكب ضده أي اعتداء مادي أو عنف أثناء تأديته لوظيفته، أو بمناسبتها ولو بدون سلاح أو لم ينجم عنه جرح؛
وتطبق العقوبة الأشد إذا كان الاعتداء المادي واقعا أثناء جلسة للمحكمة.
ويتضح من خلال نص المادة أن المشرع في إطار معالجته للاعتداءات المادية على القضاة أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بمناسبتها، تشدد في العقوبة حيث جعل العقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وجعل من الاعتداء المادي ظرف تشديد يعاقب عليه بالعقوبة الأشد.
وبالإضافة إلى ما سبق فقد تم تجريم المساس بسلطة القضاء واستقلاله، أو الضغط على المحاكم قبل صدور الأحكام أو القرارات، فقد نصت المادة: 208 من القانون الجنائي على أنه:
( يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من خمسة آلاف أوقية إلى مائتي ألف أوقية، أو بإحداهما فقط، كل من يحاول علنا بعمل أو قول أو كتابة أن يقلل من أهمية قرار أو وثيقة قضائية في ظروف من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله.
وللمحكمة أن تأمر علاوة على ذلك، بنشر الحكم وتعليقه بالشروط التي تحددها على نفقة المحكوم عليه دون أن تتجاوز هذه المصاريف الحد الأقصى للغرامة المبينة أعلاه.
ولا يمكن أن تنطبق بأي حال الأحكام السابقة على التعاليق الفنية المحضة ولا على الأعمال أو الأقوال أو الكتابات الرامية إلى مراجعة الأدلة.
إذا ارتكبت جريمة عن طريق الصحافة فإن أحكام المادة 263 من هذا القانون هي التي تنطبق).
ثانيا: حماية حياد القضاء واستقلاله
لما كان الهدف من استقلال القضاء هو تحقيق العدالة، كانت حماية هذه الاستقلالية من استغلالها في أغراض تنافي الهدف من وجودها مسعى لدى كافة التشريعات.
وعلى عكس الفقرات السابقة القائمة فكرتها على حماية السلطة القضائية من السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأطراف النزاع، فإن حماية حياد السلطة القضائية واستقلالها موجه إلى القضاة أنفسهم، فقد ينحاز القاضي لأسباب شخصية معنوية ( صداقة مع أحد الأطراف، أو قرابة به) أو ما دية ( مصلحة تجارية في النزاع، أو رشوة)، وعليه كان لا بد من وجود آليات تحول دون استغلال السلطة القضائية من القضاة أنفسهم في الحالات الي يكونون لهم مصلحة مادية أو معنوية في النزاع.
ومن أهم الإجراءات المتخذة في سبيل حماية استقلال القضاء من استغلاله، منع النشاطات المنافية لمهنة القضاء على القضاة، وإقرار تقنية عدم الصلاحية أو الأهلية، ورد القضاة وتجريحهم.
أ- منع النشاطات المنافية لمهنة القضاء على القضاة
دفع المشرع الاهتمام بحماية حياد القضاء واستقلاله إلى منع القضاة من تعاطي المهن الخارجة عن وظيفة القضاء ولو بصفة مؤقتة، فلا يجوز للقاضي تعاطي التجارة، ولا ممارسة المهن الحرة، ولا العمل في الإدارة بالتوازي مع العمل في المحاكم، ولا الانتماء للأحزاب السياسية، أو الانتخاب في الجمعيات السياسية، أو أي جمعية سوى جمعيات القضاة.
ولوزير العدل الترخيص بشكل فردي للقضاة في تقديم حصص في الجامعة، أو القيام بأعمال لا تتنافى مع حياد القاضي واستقلاله.
ب- تقنية عدم الصلاحية أو الأهلية
تعني تقنية عدم الصلاحية أو الأهلية أنه توجد حالات يمنع فيها على القضاة البت في النزاعات المعروضة على المحاكم التي يجلسون في تشكيلتها، وهذه الحالات محصورة ومحددة في القانون، والهدف منها هو حماية حياد القضاء واستقلاله.
وقد أجملت هذه الحالات المادة: 13 من القانون النظامي رقم: 94 – 12 المعدل، المتضمن النظام الأساسي للقضاء حيث نصت على أنه: (لا يجوز للأقارب من أصول وفروع وإخوة أو أصهار إلى الدرجة الثالثة أن يجلسوا في نفس الجلسة بوصفهم قضاة حكم أو قضاة نيابة عامة).
ج- رد القضاة
أتاح المشرع للأطراف الحق في رد القضاة المعروض عليهم النزاع، وذلك للأسباب التالية:
– إذا كان القاضي أو زوجه من أصول أو فروع أحد الأطراف، حتى ولو انفصلت الرابطة الزوجية؛
– إذا كان للقاضي أو زوجه مصلحة في النزاع، أو للأشخاص الذين يكون وصيا عليهم، أو كانت للشركات أو الجمعيات التي يساهم في إدارتها أو الرقابة عليها؛
– إذا كان القاضي أو زوجه قريبا أو صهرا إلى الدرجة الثانية مع دخول الغاية للوصي على أحد الأطراف، أو لمن يتولى تنظيم أو إدارة أو مباشرة أعمال شركة هي طرف في النزاع؛
– إذا وجد القاضي أو زوجه في حالة تبعية لأحد الأطراف؛
– إذا كان القاضي قد نظر القضية المطروحة كقاض، أو كان محكما، أو محاميا فيها، أو أدلى بأقواله كشاهد على وقائع في النزاع؛
– إذا كان بين القاضي أو زوجه أو أحد أقاربه أو أحد أصهارهما المباشرين خصومة مع أحد أطراف النزاع؛
– إذا كان بين القاضي أو أقاربه من العداوة ما يخشى منه التأثير على حياد القاضي في الحكم، وذلك طبقا للمادة: 603 من قانون الإجراءات الجنائية.
وقد نصت المادة: 604 من قانون الاجراءات الجنائية على أن البت في طلبات الرد من اختصاص رئيس المحكمة العليا، والقرار الذي يتخذ بشأن طلبات الرد غير قابل للطعن (طبقا للمادة 606 من قانون الإجراءات الجنائية) وفي حال رفض الطلب يدان مقدمه بغرامة من ستين ألف أوقية إلى ثلاثمائة ألف أوقية.
وهنا قد يطرح السؤال حول عدالة هذه الغرامة، فإذا كان الحق في طلب رد القضاة حق معترف به للمتقاضين، فما هو المبرر لعقاب من تقدم بطلب أعطاه القانون الحق في تقديمه؟
الخــــاتــمــة:
ومن نافلة القول أن استقلال السلطة القضائية في موريتانيا مر بمراحل مختلفة، كانت أولاها مع دخول المستعمر الفرنسي للبلاد، وتعايش القضاء الأهلي بنوعيه – قاضي القبيلة وقاضي المقاطعة- مع القضاء الفرنسي متمثلا في محاكم المقيمات، ومحاكم الدوائر، ومحاكم الصلح ذات الاختصاص الواسع، والمحكمة الاستعمارية، بالإضافة إلى محاكم القضاء الفرنسي التي يشمل اختصاصها موريتانيا كمحكمة الاستئناف في دكار، وغرفة الإلغاء، وغرفة التصديق، ومحكمة الجنايات؛
ولم يكن المستعمر الفرنسي حينها يسعى لإقامة قضاء مستقل، بقدر ما كان يسعى لوضع أسس ومبادئ يهدف من خلالها للتمكن من الموائمة بين ثقافة وعادات السكان الأصليين، والمبادئ والأسس الوافدة التي يرجع أغلبها للثقافة الأوروبية، وعلى وجه الخصوص المبادئ السامية للحضارة الفرنسية.
وأما المرحلة الثانية فبدأت مع استقلال الدولة الموريتانية، وكان هاجس الاستقلال عن المستعمر – بطريقة سلسة – هو هدف السلطة السياسية آنذاك، فجاء إنشاء المحكمة العليا كأول خطوة في سبيل تحقيق استقلال القضاء، وتم الإبقاء على نمط المحاكم الموجود قبل الاستقلال، مما أدى إلى وجود نوعين من المحاكم (المحاكم الشرعية و المحاكم العصرية)، وفئتين من القضاة ( القضاة الشرعيون والقضاة العصريون)، ما دفع السلطة السياسية إلى اتخاذ قرار بتوحيد المحاكم، ودمج فئات القضاة، وتوحيد النصوص القانونية المطبقة أمام المحاكم.
ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي، شهدت موريتانيا ميلاد دستور جديد هو دستور 20 يوليو 1991 شكل بداية عهد جديد من تاريخ استقلال السلطة القضائية، طغى عليه السعي لمشاركة السلطة القضائية في تطوير الاقتصاد، وتعزيز التنمية في البلاد، من خلال إقناع المستثمرين بالاستثمار في البلاد، انطلاقا من أن العدل أساس العمران.
وظل المشرع الدستوري في تطور دائم تجسد في مراجعته سنوات: 2006 – 2012 – 2017 إلى أن وصل للشكل الحالي للسلطة القضائية القائم في جوهره – ولو نظريا – على الاستقلال التام للسلطة القضائية عن السلط الأخرى، وإقرار مبدأ أن القاضي لا يخضع إلا للقانون، مع ما يلاحظ على تبعية النيابة العامة لوزير العدل، وتحكم وزارة العدل – في الواقع – في تحويل قضاة الحكم، رغم أن النظام الأساسي للقضاء ينص على منع تحويل القضاة إلا بطلب منهم، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبارات في المستقبل من قبل الجهات المعنية، حتى نحقق مطلب استقلال السلطة القضائية الذي يرتبط به تحقيق العدالة الجنائية.
المراجع باللغة العربية:
– الدستور الموريتاني
– القانون الجنائي الموريتاني
– قانون الإجراءات الجنائية الموريتاني
– قانون التنظيم القضائي الموريتاني
– محمد ول خباز، وبدرخان إبراهيم: علاقة السلطة القضائية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية في موريتانيا،RMDE عدد: 04 بتاريخ: 1988.
– سيد محمد سيد أب: السلطات العامة والعلاقة بينها في النظام الدستوري الموريتاني لسنة: 1991، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، الرباط 1993 – 1994.
– قرار الجمعية العامة رقم: 32 / 40 المؤرخ في 29 نوفمبر 1985، والقرار رقم: 146 / 40 المؤرخ في 13 ديسمبر 1985.
– عدنان حمودي الجليل: مبدأ الفصل بين السلطات وحقيقة أفكار مونتسكيو، مجلة العلوم الاجتماعية الكويت بتاريخ: 5 / 6 / 1985.
– محسن خليل: النظم السياسية والقانون الدستوري، الطبعة الثانية، سنة 1972 منشأة المعارف بالإسكندرية.
– محمد ينج محمد محمود: المحاكمة العادلة أطرها الشرعية والقانونية وتطبيقاتها في موريتانيا.
– سيد محمد سيد أب: الوسيط في القانون الدستوري والنظم السياسية، مطابع سيرك ط: الأولى 2013
– عبد العزيز العروسي: التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ملائمات قانونية ودستورية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد: 87 سنة: 2014.
– سفيان عبدلي: ضمانات السلطة القضائية بين فرنسا والجزائر، الطبعة الأولى 2011.
– استقلال السلطة القضائية بالمغرب: إصدارات جمعية عدالة، مطبعة دار القلم، دجمبر 2013.
– هارون إديقبي: الدليل التشريعي الموريتاني، جرد للإنتاج القانوني الوطني من: 1959 إلى: 2014، منشورات نادي القضاة الموريتانيين، سنة: 2014.
– تاريخ القضاء في موريتانيا من عهد المرابطين إلى الاستقلال، إنجاز المدرسة الوطنية للإدارة، بالتعاون من المدرسة القومية للإدارة في تونس طبعة: 1997.
– الخليل النحوي: بلاد شنقيط المنارة والرباط، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تونس، طبعة:1987.
– بول مارتي: القبائل البيظانية في الحوض والساحل الموريتاني وقصة الاحتلال الفرنسي للمنطقة، تعريب محمد محمود ودادي.
– مريم داداه: محاضرات في القانون الدستوري الموريتاني، ترجمة عبد العزيز السعداوي، تونس 1964.
المراجع باللغة الفرنسية:
– Jeun François: Force ou faiblesse de la constitutionnalisation du Droit pénale, conférence organisée le 16 mars 2006 par la cour de cassation de la France.
-CONAC : Les Institutions Constitutionnelles des états d’Afrique Francophone et de La République Malgache, Université de Paris 1, CNRS, ECONOMICA, Pais 1979.
-Salio MBaye: Histoire des institutions coloniales françaises en Afrique de l’ouest 1904-1946 Dakar.