بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص العقد الإلكتروني ووسائل إثباته – زكرياء هلالي
جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -المحمدية- |
||
بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص
: تحت عنوان |
تحت محمد طارق. |
من إعداد الطالب :
• زكرياء هلالي HILALI ZAKARIA –
المسجل تعت رقم : 19514752
السنة الجامعية 2022-2021 |
الإهداء |
||
إلى مثال الصبر والإخلاص….. أبى العزيز. |
||
إلى رمز التفاني و العطاء و التضحية…..أمي الفاضلة. |
||
إلى من أمدَّتني بالنصح والإرشاد… أختي الكريمة. |
||
…. إلى جموع الأقارب والأصدقاء |
||
و إلى كل من دعا لي بالخير…. |
||
أهديكم خلاصة جُهدي العلمي. |
كلمة شكر |
الحمد و الشكر كله لله عز و جل , الذي وفقني لإنجاز هذا العمل , ثم أود أن أشكر الدكتور طارق محمد الذي شخصيا لم يساعدني فقط بل و أمدني بالحماس لإنجاز ما كنت أظنه صعبا. أيضا أتوجه بخالص الشكر و جميل العرفان لأسرتي الصغيرة التي قدمت لي الدعم الكافي, ليس فقط المادي بل أيضا المعنوي لإعداد هذا البحث العلمي . |
المقدمة:
شهدت البشرية مند القرن 19م إنجازات غير مسبوقة في مجال الاختراعات التكنولوجية، كالهاتف الذي تم اختراعه سنة 1876م من قبل ألكسندر جراهام بيل، و الحاسوب الشخصي الذي بدأ يتم تطويره مند سنة 1977م، أيضا نظام التموضع العالمي (GPS) الذي تم إطلاقه كمشروع لأول مرة من قبل الحكومة الأمريكية سنة 1973م للتخلص من أنظمة الملاحة الكلاسيكية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الاختراعات التي غيرت نمط حياة الكائن البشري. كل تلك الاختراعات شكلت ما يصطلح عليه بالثورة الرقمية والصحوة المعلوماتية، التي أثرت على مجموعة من السلوكيات والتصرفات التي اعتاد الأفراد القيام بها في شتى الميادين، من بين تلك التصرفات نجد التعاقد; هذا الأخير هو ذلك الاتفاق المكتوب الذي يتضمن مجموعة من الأحكام والبنود التي تعبر عن الإرادة المشتركة لمتعاقدين أو أكثر لإحداث أثر قانوني، وبالتالي فهو اتفاق مبني على تبادل مصالح.
كانت الممارسة الأولى للتعاقد قبل ظهور النظام الدولي تتم في شكل كلام، وبالتالي كان اتفاق قولي ليس إلا، لكن بعد تأسيس الدول و التشريعات أي بعد ظهور نظام دولي،
ظهرت قوانين تنظم العلاقات المالية و الشخصية للأفراد، و نظرا لأن العقد هو الوسيلة التي يعتمدها الأفراد لإنجاز بعض معاملاتهم المالية فإن التشريعات تبنت آلية التعاقد و اشترطت في صحة هذا العقد أن ينشأ وفق شكلية محددة قانونيا و هي أن يتم التعاقد كتابة بخط اليد على محرر ورقي، هذا الشرط كان بمثابة المبدأ الأساسي الغير قابل للخرق أو التعديل، إلى أن جاءت مرحلة التطور التكنولوجي التي استطاعت تعديل المبدأ السالف الذكر بتخويلها للأفراد مجموعة من الوسائل التقنية الحديثة التي يمكن استخدامها في عملية التعاقد; كالدعامة الإلكترونية، و المحرر الإلكتروني، أيضا التوقيع الإلكتروني، و هنا أصبحت عملية التعاقد يمكن أن تتم على دعامة إلكترونية دون الحاجة إلى دعامة ورقية. بالنسبة للتشريعات لم تتجاهل الأمر بل سرعان ما أدخلت التعديلات المناسبة على قوانينها كاسرة بذلك الشكل التقليدي و المعهود للتعاقد، فأصبح لدينا ما يصطلح عليه بالعقد الإلكتروني الذي وضعته كافة التشريعات في نفس درجة العقد التقليدي من حيث صحة توثيق و إثبات الاتفاق العقدي لتساير بذلك هذا التطور المعلوماتي و لتشبع الحاجة الماسة لدى الأفراد لإبرام عقود تتطلب نوعا من السرعة أو عقود دولية. و لم يتوقف الأمر عند الأشخاص الطبيعيين فقط، بل أيضا الدول كالاتفاقية الدولية الإلكتروني بين فنلندا و إستونيا المتعلقة بالخدمات الإلكترونية بين البلدين لسنة 2013م، أيضا اتفاقية التجارة الإلكترونية التي وقعت إلكترونيا بين أمريكا و إيرلندا لسنة 1998م.
تزايدت أهمية العقد الإلكترونية في الآونة الأخيرة نظرا لمجموعة من الوقائع و الأحداث التي عاشها العالم، كمرض كورونا (covid 2019)الذي دفع بأفراد المجتمع الدولي فرض مجموعة من السياسات و التدابير الاحترازية على أفرادها لمواجهة هذا المرض كالابتعاد الجسدي و الحجر الصحي و رسم حدود ترابية للمواطنين يمنع التنقل خارجها، الأمر الذي جعل عملية إبرام عقد بالشكل التقليدي مستحيلة، فأصبح العقد الإلكتروني البديل الوحيد الذي لا يعرف قيودا باعتباره يتم عن بعد، و بالتالي كان هو الحل المناسب الذي بالفعل اعتمده مجموعة من المواطنين و المواطنات في مختلف الميادين – خاصة في التجارة الإلكترونية – وفي كافة أنحاء العالم. وعليه فإن الأهمية الكبيرة و الثقل الوازن الذي أصبح يحظى به العقد الإلكتروني في الوقت الراهن، يدفع كل من هو طالب أو باحث أو مهتم بالقانون الخاص إلى الرغبة في اكتشاف و التعرف على هذا الشكل في التعاقد و التعمق أكثر في دراسته، حيث أول ما يطرح في الذهن كتساؤل هو ما المقصود بالعقد الإلكتروني؟ وما هي الخصوصية التي تميزه عن غيره من العقود المشابهة و خاصة عن التعاقد التقليدي؟ و ماهي مراحل تكوينه؟.
إجابات الأسئلة السالفة الذكر كفيلة بأن تعطي صورة واضحة حول العقد الإلكتروني، ليطرح بعد ذلك و بشكل تلقائي تساؤل مهم حول ما موقف المشرع المغربي من العقد الإلكتروني؟ و هل قام بأية بادرة لتوفير حماية قانونية لهذا النوع من المعاملات و العقود التي تتم بشكل إلكتروني؟.
و بالتالي سنحاول من خلال هذا البحث الموجز إعطاء صورة واضحة حول العقد الإلكتروني، من خلال تعريفه و التطرق إلى خصائصه و مراحل تكوينه،
تم بيان الحماية القانونية التي وفرها المشرع المغربي لهذا النوع من التعاقد من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول : خصوصية العقد الإلكتروني.
المبحث الثاني : وسائل إثبات العقد الإلكتروني في التشريع المغربي.
خصوصية التعاقد الإلكتروني: المبحث الأول
غني عن البيان ونحن في دراستنا للعقد الإلكتروني، أن هذا الأخير ظهر لمواكبة التقدم التقني والفني الهائل في مجال «الثورة المعلوماتية» و لمسايرة التغيرات التجارية و الاقتصادية التي يشهدها العالم باستمرار، و من أوجه هاته المتغيرات نجد التجارة الإلكترونية التي سبب ظهورها في تغير مجموعة من المفاهيم التي كانت سائدة في المعاملات المالية و التجارية وكذلك نظم وطرق إثبات هاته المعاملات في حالة وقوع نزاع. ظهر العقد الإلكتروني أيضا لإشباع الضرورة الملحة و المتزايدة بكثرة لدى الأفراد لعقد الصفقات و إبرام العقود في أقصى وقت ممكن.
كل الأسباب السالفة الذكر جعلت هذا الشكل الجديد في التعاقد يحوز على شهرة و انتشار واسع في كل من المعاملات التجارية و المدنية. و بالتالي سوف يتم التطرق في المبحث الأول إلى مجموعة من النقط التي تبرز الخصوصية التي يمتاز بها العقد الإلكتروني، من خلال المطلبين الآتيين :
المطلب الأول : ماهية العقد الإلكتروني.
المطلب الثاني : تكوين العقد الإلكتروني.
المطلب الأول : ماهية العقد الإلكتروني
الأهمية التي أصبح يتوفر عليها العقد الإلكتروني لم تأتي من فراغ، بل هي نتاج لمجموعة من الوقائع و التطورات التي سبق و أن تم توضيحها و التي فرضت نفسها، ومنحت لهذا العقد أفضلية لما له من خصوصية تميزه عن التعاقد بالطرق التقليدية و تميزه أيضا عن كثير من العقود المقاربة و المشابهة له; كالعقد المبرم عن طريق الهاتف أو التلفزيون أو الفاكس أو التلكس و عقود البنية الإلكترونية; كعقد الدخول إلى شبكة الأنترنت و عقد إنشاء موقع إلكتروني.
الشيء الذي يثير إشكالية أولية حول ما المقصود بالعقد الإلكتروني؟ وماهي أبرز المميزات التي تميزه عن ما سواه من العقود؟. للإجابة عما سبق سيتم تقسيم هذا المطلب إلى الفقرتين الآتيتين :
الفقرة الأولى : تعريف العقد الإلكتروني.
الفقرة الثانية : خصائص العقد الإلكتروني.
الفقرة الأولى : تعريف العقد الإلكتروني.
العقد الإلكتروني كمفهوم يشير إلى مجموعة من الالتزامات و الحقوق التي تنشأ بتراضي طرفان أو أكثر، و التي يتم كتابتها على دعامة إلكترونية ، هاته الأخيرة هي التي تميز التعاقد الإلكتروني عن التعاقد التقليدي الذي يتم على الورق.
و بالرجوع للفقه نجد أنه أنتج مجموعة من التعريفات المتباينة التي تختلف باختلاف الزاوية التي نظر من خلالها إلى هذا العقد. نفس الشيء بالنسبة للتشريعات ولهذا سنتطرق أولا إلى تعريفات الفقهاء للعقد الإلكتروني، و ثانيا إلى نظرة التشريعات العربية و خاصة المغربي لهذا العقد و مدى تبنيها له.
أولا : العقد الإلكتروني بالنسبة للفقه.
اعتبر جانب من الفقه أن العقد الإلكتروني نوع من عقود المسافة باعتباره يبرم عن بعد، ويرى البعض الآخر أنه عقد يتسم بالطابع الدولي. و يعرفه بعض الفقهاء على أنه: ” اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، و ذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب و القابل “. يلاحظ من هاته التعريفات أن مصدريها ركزوا على الصفة الدولية للعقد الإلكتروني و كونه يتم عن بعد.
في حين هناك بعض الفقهاء الذين ركزوا في تعريفاتهم لهذا العقد على الوسيلة أو الدعامة التي يبرم بالاعتماد عليها، فهو ذلك : ” العقد الذي ينطوي على تبادل الرسائل بين البائع و المشتري، و تكون قائمة على صيغ معدة سلفا و معالجة إلكترونية، و تنشئ التزامات تعاقدية “. للإشارة فقط أن هذا الاتجاه ينقسم إلى اتجاهين آخرين، فالأول قد قام بحصر الوسيلة الإلكترونية في شبكة الأنترنت فقط، معرفا بذلك العقد الإلكتروني أنه : ” جميع المعاملات التي تتم عبر الأنترنت، حتى ولو لم تتمتع بالصفة التجارية، وإن كان الغالب أنها تتمتع بهذه الصفة من جانب مقدم السلعة أو الخدمة على الأقل، و الذي غالبا ما يكون تاجرا “. أو هو: ” تلك العملية التجارية التي تتم بين طرفين – بائع و مشتري – و تتمثل في عقد الصفقات و تسويق المنتجات عن طريق استخدام الحاسب الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت، وذلك دون حاجة لانتقال الطرفين أو لقاؤهما، بل يتم التوقيع إلكترونيا على العقد “.
أما الاتجاه الثاني فإنه لم يحصر الوسيلة الإلكترونية في شبكة الأنترنت فقط بل جعلها تشمل كافة الوسائل و الطرق التي من شأنها أن تمارس نفس مهمة شبكة الأنترنت في ما يتعلق بالتعاقد، حيث عرف العقد الإلكتروني على أنه : “العقد الذي يتم انعقاده بوسيلة إلكترونية كليا أو جزئيا، و تتمثل الوسيلة الإلكترونية في كل وسيلة كهربائية أو مغناطيسية أو ضوئية أو إلكترو-مغناطيسية أو أية وسيلة مشابهة صالحة لتبادل المعلومات بين المتعاقدين”. و بالتالي يكون هذا الاتجاه قد خرج عن التعريفات التي تحصر الوسيلة الإلكترونية في شبكة الأنترنت، لأن هاته الأخيرة في الحقيقة ليست هي الوسيلة الوحيدة للتعاقد و إنما هي الوسيلة الغالبة في التعاقد الإلكتروني.
في ظل استعراض تعريفات فقهاء القانون للعقد الإلكتروني، لا يمكن تجاهل التعريف الذي قدمه الدكتور و المحامي محمد شاهين الخطيب لهذا الشكل في التعاقد، معتبرا إياه أنه: “العقد الذي تتلاقى فيه عروض السلع و الخدمات، التي يعبر عنها بالوسائل التكنولوجية المتعددة و بخاصة شبكة المعلومات الدولية (الأنترنت)، من جانب أشخاص موجودين في دولة أو دول مختلفة، بقبول يمكن التعبير عنه من خلال الوسائط ذاتها لإتمام العقد”. أيضا الدكتور عمر انجوم و ادريس الحياني اللذان قدما تعريفا مختصرا للعقد الإلكتروني، بأنه : “توافق إرادتين في شكل إلكتروني على إحداث أثر قانوني”.
ثانيا : العقد الإلكتروني بالنسبة للتشريعات العربية و التشريع المغربي.
عرف البند (11) من المادة 1 من قانون التوقيع الإلكتروني العراقي رقم (78) لسنة 2012 العقد الإلكتروني بأنه : “ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه، و الذي يتم بوسيلة إلكترونية”. من الواضح أن المشرع العراقي من خلال البند (11) من المادة 1 أنه قد ميز العقد الإلكتروني بالدعامة التي يتم من خلالها، و بالتالي فالوسيلة أو الدعامة الإلكترونية هي المميز الرئيسي للعقد الإلكتروني بحسب المشرع العراقي.
أما المشرع الأردني، فلم يعرف العقد الإلكتروني في قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 15 لسنة 2015، بل عرفه قانون المعاملات الالكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001 الملغي بأنه : “الإتفاق الذي يتم انعقاده بوسائل إلكترونية كليا أو جزئيا”. وهذا النص متوافق مع ما جاءت به نصوص قوانين المعاملات الإلكترونية الصادرة في بعض البلاد العربية، كقانون المبادلات الإلكترونية التونسي، الذي عرف العقد الإلكتروني بأنه : “المبادلات التي تتم باستعمال الوثائق الإلكترونية”.
بالنسبة للمشرع المغربي، فبالعودة لقانون 53.05 الصادر بتاريخ 30 نونبر 2007 والمتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، نجد أن المشرع لم يضع لنا تعربفا صريحا للعقد الإلكتروني، لكن ذلك لا يخفي حقيقة تبنيه لهذا النوع من العقود، فقد قام المشرع بمعالجة كافة الموضوعات المتعلقة به و قام أيضا ببيان أحكام انعقاده و كدا الشروط التي يجب أن تتوفر في كل من الإيجاب و القبول لأن العقد الإلكتروني أصبح وسيلة شائعة في المعاملات التجارية بالمغرب، خاصة في التجارة الإلكترونية التي أصبحت تشكل 13.4% من مجموع تجارة التجزئة بالمملكة في سنة 2020 بعدما كانت لا تتجاوز 9.8% سنة 2019. و بالتالي فالمشرع المغربي هو مجبر على تنظيم العقد الإلكتروني ليواكب التغيرات التجارية و الاقتصادية التي يشهدها ليس فقط المغرب بل العالم.
الفقرة الثانية : خصائص العقد الإلكتروني.
يمكن استشفاف الميزات و الخصائص التي تميز هذا العقد من تسميته، فهو عقد إلكتروني أي يتم بوسيلة إلكترونية و بالتالي ليس من الضروري أن يلتقي الأطراف الذين يريدون التعاقد مع بعضهم البعض لأن العملية ستتم عن بعد،
و إذا كان العقد سيتم عن بعد فإن عملية التعاقد يمكن أن يكتسيها الطابع الدولي، بمعنى أنه من الممكن أن يتعاقد شخص يقطن في المغرب مع شخص آخر يتواجد في بلجيكا قصد تحقيق أثر قانوني.
ومادام أن هذا العقد يمكن أن يكتسب الطابع الدولي فهو اذن يمتاز بالسرعة التي تمكن من إنجاز هذا النوع من العمليات التعاقدية التي تتم بين أطراف لا يوجدون في نفس الدولة في وقت وجيز جدا.
و بالتالي سيتم الحديث أولا عن خاصيتي الوسيلة الإلكترونية و السرعة، ثم ثانيا خاصية “عن بعد” و الطابع الدولي.
أولا : خاصيتي الوسيلة الإلكترونية و السرعة.
إن أول ما يميز العقد الإلكتروني عن العقد التقليدي هي الوسيلة الإلكترونية، فإذا كان العقد التقليدي يشترط في صحته كتابته على دعامة ورقية محررة و موقعة أو مبصوم عليها أو مختوم عليها، فإن العقد الإلكتروني يتم كتابته على دعامة إلكترونية، والتي تقر بما يسمى بالتوقيع الإلكتروني الذي له نفس حجية التوقيع الكلاسيكي، وهي تلغي أيضا بما يعرف تقليديا بالنسخة الأصلية و صورتها، لأن الوسائل التكنولوجية الحديثة تسمح بنسخ عدد هائل من البيانات و المعلومات التي تكون أصلية.
والوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية تتوفر على نفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق. أيضا عامل السرعة الذي يميز العقد الإلكتروني، حيث أن الصفقات و العمليات التي تهم البيع و الشراء في مواد مادية أو غير مادية تتم في وقت آني. حتى لو كان أطرافها يتواجدون في مناطق متباعدة من الكرة الأرضية. وذلك راجع لقلة و مرونة الإجراءات المشروطة لصحة العقد الإلكتروني، كعدم حاجة الموجب و الموجب له للإلتقاء بشكل مباشر من أجل إبرام العقد، على خلاف العقد التقليدي الذي يرتبط بشروط و إجراءات تعطل و تؤخر في بعض الأحيان المعاملات المالية الغير قابلة للتأخير أو التأجيل.
ثانيا : خاصيتي عن بعد و الطابع الدولي.
لقد كان وجود مجلس انعقاد العقد من الأمور الجوهرية و المسلم بها و ذلك قبل انتشار الوسائط الإلكترونية، لكن في الوقت الحاضر و مع انتشار الوسائط الإلكترونية عالميا و تنوعها أصبح من الطبيعي انعقاد العقد دون وجود ما كان يسمى بمجلس انعقاد العقد. ومن أنواع هذه الوسائط نجد شبكة الأنترنت، حيث لم يعد يعتمد في إبرام العقد عبر الأنترنت على الحضور المادي للمتعاقدين في مجلس عقد حقيقي، و بالتالي يتحقق التراضي بتلاقي الإيجاب و القبول عن طريق التراسل الإلكتروني وفق برامج حاسوبية معدة لهذا الغرض، و هذه الطريقة تختلف و تتعارض تماما مع الأساليب التقليدية التي تتطلب في غالبها حضور المتعاقدين بالمجلس نفسه من أجل إبداء إرادتيهما بشكل مباشر.
و يشترك العقد الإلكتروني في صفة الإبرام عن بعد مع بعض العقود مثل التعاقد بالميناتل أو بالتلفزيون، أو بالتليفون، بالمراسلة كإرسال كتالوج و لكنه يتميز عن تلك العقود بتلاقي الأطراف بصورة مسموعة مرئية عبر الإنترنت و يسمح بالتفاعل بينهم.
يكتسي العقد الإلكتروني أيضا الطابع الدولي، فشبكة الأنترنت باعتبارها وسيلة ذات طابع عالمي، فإنها تخول على سبيل المثال للتاجر المغربي الذي يزاول تجارته بالمغرب القدرة على أن يبرم عقدا إلكترونيا مع تاجر آخر يتواجد بالصين من خلال الشبكة المعلوماتية لإنجاز معاملات دات طابع تجاري. و هنا يصبح للعقد الإلكتروني الصفة الدولية، الأمر الذي يثير مجموعة من المسائل كتحديد المحكمة المختصة في حالة نزاع ‘الإختصاص القضائي’، و كذلك القانون الواجب التطبيق على منازعات إبرام العقد الإلكتروني ‘الإختصاص التشريعي’.
المطلب الثاني : تكوين العقد الإلكتروني
العقد الإلكتروني كغيره من العقود، يشترط في صحته تحقق التراضي ما بين طرفين أو أكثر لإحداث أثر قانوني، هذا التراضي يتم عبر مرحلتين; المرحلة الأولى تتجلى في صدور الإيجاب من قبل أحد الأطراف الذي يسمى بالموجب، حيث يتضمن هذا الإيجاب تحديدا للعناصر الرئيسية للعقد، ثم المرحلة الثانية و هي أن يوافق الطرف الآخر المسمى بالموجب له، و هذا التراضي يجب أن يتم داخل مجلس العقد الإلكتروني.
هنا يمكن الوقوف عند إشكاليتين أساسيتين; أولا ماهي خصوصية الإيجاب و القبول اللذان يتمان بشكل إلكتروني؟ و كيف يلتقيان و يتوافقان؟. هذا ما سيتم التطرق له في المطلب الثاني من خلال الفقرتين الآتيتين :
الفقرة الأولى : الإيجاب والقبول الإلكترونيين.
الفقرة الثانية :
مجلس العقد الإلكتروني.
الفقرة الأولى : الإيجاب والقبول الإلكترونيين.
يعتبر التراضي من بين أهم الأركان الموضوعية اللازمة لصحة الالتزامات العقدية سواء كانت عادية أو إلكترونية إلى جانب الأهلية و المحل و السبب. لكن في هذه الدراسة سيتم التركيز فقط على عنصر التراضي و الصبغة الإلكترونية التي تلتصق به في التعاقد الإلكتروني. لهذا سيتم الحديث أولا عن الإيجاب الإلكتروني و آثاره، ثم ثانيا القبول الإلكتروني و شروطه.
أولا : الإيجاب الإلكتروني و آثاره.
يعتبر الإيجاب أول مرحلة إلزامية في إبرام العقد الإلكتروني، فهو العرض الذي يلزم بالضرورة أن يبدأ أحد الأشخاص بعرضه على الآخر بعد أن يكون قد استقر نهائيا عليه. بالعودة إلى التوجيه الأوربي رقم 7.97 الصادر بتاريخ 20 أيار 1997 نجد أنه قد عرف الإيجاب الإلكتروني بأنه : ” كل اتصال عن
بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه الإيجاب من أن يقبل التعاقد مباشرة، و يستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان”. يلاحظ من هذا التعريف أنه لم يحدد وسائل الإتصال عن بعد التي يجب اعتمادها لإرسال الإيجاب، لكنه ركز على ضرورة تضمين الموجب لكافة العناصر اللازمة في إيجابه حتى يتمكن الموجب له أو القابل من إصدار قبوله وهو على بينة.
لكن هناك ملحق للتعريف السابق أقره رئيس الجمهورية الفرنسية بموجب المرسوم رقم 741/2001 الذي حدد وسائل الاتصال عن بعد على سبيل المثال لا الحصر ومنها المطبوعات المعنوية و الغير معنوية، و الخطابات النموذجية، و المطبوعات الصحفية مع طلب الشراء، و الكتالوجات، و التليفون مع إظهار الصورة و التلفزيون و النت.
وحسب المادة (14) من اتفاقية فيينا : “يعتبر إيجابا أي عرض لإبرام عقد إذا كان موجها إلى شخص أو عدة أشخاص معينين. وكان محددا بشكل كاف و تبين منه اتجاه قصد الموجب إلى الالتزام به في حالة القبول، و يكون العرض محددا بشكل كاف إذا عين البضائع و تضمن صراحة أو ضمنا تحديدا للكمية و الثمن أو بيانات يمكن بموجبها تحديدهما “.
إذن فالإيجاب الإلكتروني بحسب التعريفات السابقة، هو ذلك العرض النافد و البات الذي لا رجعة فيه و المحدد الذي يفيد الرغبة في إنشاء علاقة تعاقدية، و الذي يرسله صاحبه أي الموجب عن طريق وسيلة اتصال عن بعد إلى الموجب له في انتظار موافقته. هذا الإيجاب حينما يصدر عن الموجب لا تكون له أي فعالية إلا بعد نشره و عرضه على وسيلة من وسائل التعبير الإلكتروني كالبريد الإلكتروني في حالة (الإيجاب الخاص); أي أن الموجب يقدم عرضه لأشخاص محددين بإرساله لهم في صناديق البريد الإلكتروني الخاصة بهم، لتبدأ فعالية الإيجاب فور علم الموجه له بذلك العرض بفتحه لبريده الإلكتروني، وشبكة الأنترنت في حالة (الإيجاب العام); بمعنى أن الموجب حينما لا يكون متوفرا على شخص محدد سيهتم بعرضه فإنه يستهدف الجمهور بنشره لإيجابه على موقع في شبكة الأنترنت كفيسبوك.
يطرح الإيجاب الإلكتروني مسألتين أساسيتين هما : قوته الملزمة و سقوطه; بالنسبة للقوة الملزمة فإن الإيجاب الإلكتروني لا يكتسبها بمجرد صدوره بل يتطلب الأمر وصوله لعلم الموجه له، سواء كانوا أشخاص محددين أو الجمهور كما تم التوضيح سابقا. لكن رغم وصول الإيجاب لعلم الموجه له، بإمكان الموجب أن يرجع عن إيجابه في أي لحظة عبر سحبه من وسيلة التعبير الإلكترونية المعتمدة شرط أن يعلن عن رغبته في الرجوع عن الإيجاب إما لعدم اقتران إيجابه بقبول، أو أن الطرف الآخر الذي وجه إليه الإيجاب لم يشرع في تنفيذ العقد، لكن ذلك الرجوع يشكل خطرا كبيرا على مبدأ استقرار المعاملات فالموجب إذا لم يلتزم بالبقاء على إيجابه مدة من الزمن فإن ذلك يؤدي إلى إلحاق الضرر بالموجب له، و هنا يتدخل المشرع المغربي بإقراره في الفقرة الثانية من الفصل (4-65) من قانون 53.05 حالتين يكون فيها الإيجاب الإلكتروني ملزما لصاحبه بقوله : ” دون الإخلال بشروط الصحة المنصوص عليها في العرض، فإنه صاحب العرض يظل ملزما به سواء طيلة المدة المحددة في العرض المذكور، أو إن تعذر ذلك طالما ظل ولوج العرض متيسرا بطريقة إلكترونية نتيجة فعله “. نخلص من ذلك أن الإيجاب الإلكتروني بأجل يلزم صاحبه، لكن إذا لم يكن بأجل و كان الولوج الإلكتروني للعرض متيسرا فإنه أيضا يلزم صاحبه إذا كان ذلك الولوج الميسر نتيجة فعل الموجب نفسه أي صاحب العرض.
أما بالنسبة لسقوط الإيجاب الإلكتروني فإن هذا الأخير لا يسقط إلا بتوافر مجموعة من الحالات التي يمكن اختصارها في ثلاث نقط رئيسية :
1 – انقضاء المدة المحددة للإيجاب : يسقط الإيجاب الملزم سقوطا تاما بانصرام
الأجل المحدد الذي يلتزم فيه الموجب بالبقاء على إيجابه، إذا لم يعبر الموجب
له عن قبوله له.
2 – رفض الموجب له الإيجاب المعروض عليه : حينما يقوم الموجب له برفض
العرض، فإنه هذا الرفض يكون إما صريحا كالحالة التي يكون فيها الموجب له
قد استقبل إيجابا بمدة، تم قام برفضه قبل انصرام تلك المدة. أو ضمنيا كمثال
عندما يريد الموجب له إدخال بعض التعديلات على الإيجاب الأصلي، هذه
التعديلات تعتبر حقيقة رفضا للإيجاب و بمثابة إيجاب جديد.
3 – وفاة الموجب أو فقدان أو نقصان أهليته : إذا كان الموجب فاقد أو ناقص
لأهليته، أو أنه قد توفي، و الموجب له على علم بذلك، فإن ذلك الإيجاب يسقط،
إلا إذا صدر القبول قبل علم القابل، أنذلك يؤخذ بعين الاعتبار ذلك القبول، و
بالتالي يبرم العقد. هذا ما أقره المشرع المغربي في المادة 31 من قانون
الالتزامات و العقود بقوله : ” موت الموجب أو نقص أهليته إذا طرأ بعد
إرسال إيجابه، لا يحول دون إتمام العقد، إن كان من وجه إليه الإيجاب قد قبله،
قبل علمه بموت الموجب أو بفقدانه أهليته “.
ثانيا : القبول الإلكتروني و شروطه.
يعتبر القبول ثاني مرحلة إلزامية لإبرام العقد الإلكتروني، فهو بشكل عام تعبير عن الإرادة حيث يعبر الموجب له عن موافقته على إنشاء تلك العلاقة التعاقدية بناءا على الإيجاب «العرض» الذي تلقاه من الموجب. بمعنى أوضح فهو تعبير عن إرادة الطرف الآخر الذي تلقى الإيجاب يطلقه نحو الموجب ليعلمه بموافقته على الإيجاب.
بالنسبة للقبول الإلكتروني فإنه لا يخرج عن مضمون هذا التعريف إلا أن الاختلاف يكمن في الكيفية المعتمدة لإصداره، ففي العقد التقليدي يتم التعبير عن القبول في مجلس العقد في البداية بشكل شفهي بعبارة “أنا قبلت” أو الشروع بشكل تلقائي في الالتزام بما جاء في العقد، و يمكن أن يكون التعبير ضمني كالسكوت، ليتم بعد ذلك كتابته على دعامة ورقية كحجة على قبول الموجب له. على نقيض القبول في العقد الإلكتروني، الذي يتم عبر وسائط إلكترونية كشبكة الأنترنت أو البريد الإلكتروني، ثم يتم كتابته على دعامة إلكترونية.
و بالتالي يمكن أن يعبر عن القبول الإلكتروني صراحة بعبارة تفيد الموافقة عبر وسيط إلكتروني أو أن يشرع الموجب له بتنفيذ العقد المقترح إبرامه من قبل الموجب له، و يمكن أن يعبر عنه بشكل ضمني كالسكوت الذي يفيد القبول في الحالة التي تكون هناك علاقات سابقة بين الموجب و الموجب له أو أن الإيجاب يخدم مصلحة الموجه له.
يستفاد من ذلك أن القبول الإلكتروني يمكن أن يصدر صراحة أو بشكل ضمني، لكن هذه الفكرة لم تنل رضى الفقه و لذلك اتفق معظم الفقهاء أن القبول الإلكتروني لا يكون إلا صريحا و تنطوي وجهة النظر هاته على أن القبول الإلكتروني يتم عبر وسائل و أجهزة و برامج إلكترونية تعمل آليا و بالتالي لا يمكنها استخلاص أو استنتاج إرادة المتعاقدين التي تتجسد في حركات أو إشارات أو مواقف تدل على القبول.
استنادا إلى ما سبق يمكن تعريف القبول الإلكتروني على أنه تعبير صريح عن الإرادة يرسله الموجب له عبر وسيط إلكتروني لصاحب العرض مفاده الموافقة على عرضه، و بالتالي الرغبة في إنشاء علاقة تعاقدية بناءا على ذلك العرض. و بالعودة إلى المادة (36) من قانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، نجد أنه يخول آلية الحق في العدول أو التراجع عن القبول، بمعنى أن للموجب له أي المستهلك الحق في التراجع عن قبوله في معظم المعاملات العقدية المبرمة عن بعد باستثناء بعض العقود الإلكترونية المنصوص عليها في المادة (38) من نفس القانون حيث: ” لا يمكن أن يمارس حق التراجع، إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك، في العقود المتعلقة بما يلي : 1. الخدمات التي شرع في تنفيذها بموافقة المستهلك قبل انتهاء أجل السبعة أيام كاملة ;
2. التزويد بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يكون ثمنها أو تعريفها رهينا بتقلبات أسعار السوق المالية ;
3. التزويد بالسلع المصنوعة حسب مواصفات المستهلك أو المعدة له خصيصا أو التي لا يمكن بحكم طبيعتها إعادة إرسالها أو تكون معرضة للفساد أو سريعة التلف ;
4. التزويد بتسجيلات سمعية أو بصرية أو برامج معلوماتية عندما يطلع عليها المستهلك ; 5. التزويد بالجرائد أو الدوريات أو المجلات “.
هذا الحق أثار جدلا في الأوساط الفقهية حيث هناك من أيد المشرع في تبنيه لهذا الحق على اعتبار أن هذا الأخير هو المهلة القانونية المعقولة للتفكير التي تحمي الموجب له من التسرع في إبرام عقد، على خلاف بعض الفقهاء الذين عارضوا و بشدة هذا التبني معتبرين أن العقد الإلكتروني المتضمن لحق التراجع هو عقد مجرد من مبدأ القوة الملزمة للعقد، لأن الموجب له في الحقيقة يتوفر على مكنة فسخ يمكن له أن يفعلها في أي لحظة داخل الآجال المحدد في المادة 36 من نفس القانون.
في إطار الحديث عن القبول الإلكتروني، فإنه هذا الأخير يرتبط بمجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر فيه ليعتد به والتي يمكن اختصارها في أربعة نقط أساسية:
1 – قبول التعاقد الإلكتروني: إن أول ما يشترط في صحة القبول الإلكتروني، هو
موافقة المرسل إليه التعاقد إلكترونيا بالاعتماد على وسيلة تكنولوجية حديثة،
وذلك حماية له كما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 3-65 من قانون 53.05
بأنه: ” يمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد أو المعلومات
الموجهة أثناء تنفيذه عن طريق البريد الإلكتروني إذا وافق المرسل إليه
صراحة على استخدام الوسيلة المذكورة “.
2 – أن يكون القبول مطابقا للإيجاب: هذه القاعدة هي من بين أهم القواعد التي
يبرم على أساسها العقد الإلكتروني بحيث يجب أن يطابق القبول الإلكتروني
الإيجاب لكل ما ورد فيه من العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه وأيضا
كافة الشروط الأخرى الواردة فيه لأنه إذا كان القبول لا يطابق تماما الإيجاب
بإضافته أو إنقاصه أو تعديله لأحد من عناصره أو شروطه، فإن القبول
الإلكتروني يصبح بذلك معلقا بشرط، وبالعودة إلى المادة (27) من قانون
الالتزامات والعقود المغربي، نجد أن المشرع ينص على أنه: ” الرد المعلق
على شرط أو المتضمن قيدا يعتبر بمثابة رفض للإيجاب متضمنا إيجابا جديدا”
3 – أن يصدر القبول و الإيجاب لا زال قائما إذا كان الموجب قد أرفق بإيجابه
الإلكتروني مهلة فإن الموجب له يجب أن يصدر قبوله داخل نفس المهلة، هاته
الأخيرة هي مدة من الزمن التي يمنحها صاحب العرض للشخص الموجه له
ذلك العرض كفرضة للتفكير واتخاذ القرار سواء كان بالموافقة أو الرفض.
وبالتالي فالإيجاب الإلكتروني المقترن بأجل، يجب أن بلاقيه القبول الإلكتروني
داخل نفس الأجل، و في حالة صدوره بعد انتهاء تلك المدة فإن القبول
أنذلك يصبح بدون قيمة قانونية. أما إذا كان الإيجاب الإلكتروني بدون مدة،
فالقبول يجب أن يصدر بمجرد طرح الإيجاب، كمثال إذا عرض الموجب
إيجابه عبر هاتف الأنترنت فإن القبول يجب أن يصدر قبل الإنتهاء من
المكالمة. أيضا إذا كان الموجب يعرض إيجابه على الموجه له من خلال لقاء
تواصلي عن بعد سمعي بصري فإن القبول يجب أن يصدر قبل انتهاء ذلك
اللقاء. لكن إذا صدر القبول بعد مدة من انتهاء اللقاء أو المكالمة، فإن القبول
الإلكتروني يكون ميتا لأن الإيجاب قد سقط باعتباره دون أجل.
4 – شكل القبول الإلكتروني : ليكون القبول الإلكتروني صحيحا، يجب أن يخضع
للشكل المحدد له في الفصل 5-65 من قانون 53.05 والذي ينص على
ما يلي : ” يشترط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض اليه قد تمكن
من التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه و من السعر الإجمالي و من
التصحيح الأخطاء المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن
قبوله. يجب على صاحب العرض الإشهار بطريقة الإلكترونية، ودون تأخير
غير مبرر، بتسلمه قبول العرض الموجه اليه. يصبح المرسل إليه فور تسلم
العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه. يعتبر قبول العرض وتأكيده والاشعار
بالتسلم متوصلا بها إذا كان بإمكان الأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها “.
يستفاد مما سبق أن القبول الإلكتروني ليكون صحيحا، يجب أن يمر من
مجموعة المراحل; أولها أن يقوم القابل قبل إصداره لقبوله بتفحص
المعطيات و البيانات المتعلقة بما وافق عليه، ثم المرحلة الثانية تتجلى في
إصدار الموجب دون تماطل إشعارا إلكترونيا مفاده أنه قد تسلم قبول الموجب
له على العرض، أما المرحلة الثالثة فالموجب يعرض ملخص الطلب على من
قبل التعاقد معه لمنحه فرصة التأكد مرة أخرى من طلبه، و بالنسبة للمرحلة
الأخيرة فهي الموافقة النهائية التي يعبر عنها الموجب له بعد تحققه من
ملخص الطلب.
الفقرة الثانية : مجلس العقد الإلكتروني.
ليكون التراضي في التعاقد الإلكتروني صحيحا يجب أن يكون مكتملا لكافة عناصره، أي ليس فقط الإيجاب والقبول الإلكترونين بل أيضا مجلس العقد الذي يلتقي فيه ما سبق ذكره (الإيجاب و القبول)، لكن بما أن العقد الإلكتروني يتم عن بعد فإن مجلس العقد في هذه الحالة سيأخذ شكلا مغايرا عن شكله التقليدي، ولهذا سيتم تخصيص الحديث في الفقرة الثانية عن خصوصية مجلس العقد في التعاقد الإلكتروني، حيث سيتم التطرق أولا إلى تعريف مجلس العقد الإلكتروني، ثم ثانيا إلى طبيعة التعاقد في هذا المجلس.
أولا : تعريف مجلس العقد الإلكتروني.
كان مجلس العقد فيما سبق هو ذلك المجلس الذي يجتمع فيه المتعاقدان في مكان واحد و يكونان على اتصال مباشر، بحيث يسمع كلا منهما الآخر مباشرة دون انشغالهما بشاغل بهدف إبرام العقد، لكن ظهور العقد الإلكتروني أدى إلى إحداث تغير كبير على مستوى شكل مجلس العقد و أصبح هو أيضا يتم بشكل إلكتروني. تعددت محاولات تعريف مجلس العقد الإلكتروني حيث عرفه البعض بأنه : ” مكان و زمان التعاقد و الذي يبدأ بالانشغال البات بالصيغة و ينقض بانتهاء الإنشغال بالتعاقد “.
فالقصد إذن من مجلس العقد الإلكتروني هو حصول المتعاقدين على مدة كافية من الوقت للتدبر و التروي في أمر التعاقد، و يتم ذلك في مكان افتراضي غير حقيقي، أي أن الاجتماع يتم عن بعد عبر وسيط إلكتروني كالأنترنت أو أي وسيلة تواصل سمعية و بصرية. هذا المجلس يقوم على شرطان أساسيان; أولهما الحضور الافتراضي للمتعاقدين و ثانيهما بدء الانشغال بالصيغة.
كما يقرن المجلس الإلكتروني هو أيضا بآلية الخيار حيث أن للموجب خيار الرجوع عن إيجابه و للموجب له خيار القبول أو الرفض طالما لم ينفض المجلس الإلكتروني كالحالة التي يتم فيها إغلاق الجهاز من قبل أحد الأطراف أو تغيير الموقع الإلكتروني.
ثانيا : طبيعة التعاقد في مجلس العقد الإلكتروني.
نظرا لعدم وجود تكييف قانوني يحدد طبيعة التعاقد الإلكتروني، فإنه سيتم الاكتفاء بطرح آراء الفقه فقط الذي اختلف صراحة في تحديد طبيعة التعاقد الذي يقع في مجلس عقد إلكتروني، أي الذي يتم عبر وسيط إلكتروني كشبكة الأنترنت حول ما إذا كان الأطراف المتعاقدة في هذا المجلس تعتبر حاضرة أم غائبة، بمعنى أوضح أنه قد أثيرت إشكالية حول تحديد عما إذا كان التعاقد عبر شبكات الاتصال يتم بين حاضرين أم بين غائبين.
يرى جانب من الفقه في التعاقد الإلكتروني تعاقدا بين حاضرين، مبررا ذلك بالاتصال الدائم و المباشر بين الأطراف سواء كان كتابة فقط أو صوتا فقط أو قد يكون بالصوت و الصورة و الكتابة.
على نقيض ما سبق هناك جانب آخر من الفقه يرى بأن التعاقد الذي يتم في مجلس افتراضي هو تعاقد بين غائبين زمانا و مكانا، و تنطري وجهة النظر هاته على الفاصل الزمني بين علم الموجب له بالعرض، و علم الموجب بالقبول و صدوره، إضافة إلى ذلك اختلاف مكان المتعاقدين، فرغم أن الوسيط الإلكتروني ينقل المفاوضات و أيضا كل من الإيجاب و القبول إلا أنه في الحقيقة يظل هذا التواصل غير مباشر.
في حين هناك اتجاه ثالث يجمع بين الأفكار السابقة، معتبرا أن التعاقد الإلكتروني هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان، و بين غائبين من حيث المكان. حيث تتم عملية التعاقد عبر وسيط إلكتروني يسمح للأطراف بالتفاعل بشكل مباشر و سريع الأمر الذي يجعل الأطراف حاضرين في التعاقد من حيث الزمان، لكن في نفس الوقت يعتبر هؤلاء الأطراف غائبين من حيث المكان نظرا لاختلاف الدول أو المناطق التي يتواجدون بها، و هاته الفكرة التي قدمها هذا الاتجاه من منظورنا المتواضع هي الأقرب للمنطق.
وسائل إثبات العقد الإلكتروني في التشريع المغربي: المبحث الثاني
الانتشار السريع الذي عرفه العقد الإلكتروني في العقدين الأخيرين، جعل مستخدمي هذا الشكل في التعاقد أو الراغبين في التعامل به مستقبلا التساؤل حول الكيفية التي يمكن بواسطتها إثبات هذا العقد في حالة وقوع نزاع، بمعنى هل يوفر هذا الشكل في التعاقد الحماية القانونية المطلوبة للتعامل به؟ وإن كان كذلك فماهي إذا وسائل إثباته؟ و هل هي نفسها التي تستخدم لإثبات العقد المبرم بالطرق التقليدية؟.
هذا التطور الذي عرفته عملية التعاقد – من تقليدي إلى إلكتروني – هو الذي دفع بكافة التشريعات العربية عموما و المشرع المغربي خصوصا بتطوير أيضا وسائل الإثبات و جعلها هي الأخرى إلكترونية لتساير هذا التطور، حيث يمكن حصرها في وسيلتين أساسيتين سيتم التطرق لهما من خلال المطلبين الآتيين :
المطلب الأول : المحرر الإلكتروني.
المطلب الثاني : التوقيع الإلكتروني.
المطلب الأول : المحرر الإلكتروني
إزداد إقبال الأشخاص فيما يتعلق بإنجاز معاملاتهم المالية سواء كانت تجارية أو مدنية على إبرام العقود الإلكترونية لما لها من مميزات تجعلها أكثر طرق التعاقد سرعة لإنجاز المعاملات السالفة الذكر، ولإبرام العقد الإلكتروني يتطلب الأمر محرر هو الآخر إلكتروني لتوثيق العقد من جهة، وإثباته أمام المحكمة في حالة وقوع نزاع في المستقبل من جهة أخرى. هنا يطرح تساؤل حول ماهية المحرر الإلكتروني؟ و هل يتوفر على نفس القوة الثبوتية للمحرر الورقي في التشريع المغربي؟. للإجابة على كل تلك الأسئلة سيتم التطرق في الفقرتين الآتيتين إلى ما يلي :
الفقرة الأول : ماهية المحرر الإلكتروني.
الفقرة الثانية : حجية المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي.
الفقرة الأولى : ماهية المحرر الإلكتروني.
كما تم التوضيح في السابق أن المحرر الإلكتروني يعتبر من أقوى وسائل الإثبات، حيث أن الأثر المترتب عنه أو درجة صحته أو قوة الدليل المستمد من المعلومات المدرجة به، لا يمكن النيل منها أو إنكارها بسبب الشكلية المستخدمة في تحرير المعلومات أو طبيعة الدعامة أو الوسيلة الموجودة عليها هذه المعلومات أو الطريقة التي تم اعتمادها لإرسال و تداول هذه البيانات. لذلك سيتم التطرق أولا إلى تعريف المحرر الإلكتروني، ثم ثانيا إلى عناصر هذا المحرر.
أولا : تعريف المحرر الإلكتروني.
يقصد بالمحرر عموما مجموعة من الرموز التي تعبر عن الفكر، الأمر الذي يستدعي أن تتخذ كتاباتها شكلا معينا، فقد تفرغ على الورق أو على شيء آخر مثل الخشب أو الحجر. أما المحرر الإلكتروني فهو مجموع المعلومات و البيانات المسجلة إلكترونيا، أو التي يتم تبادلها إلكترونيا في شكل رسالة باستخدام نظام معالجة المعلومات عبر وسيط إلكتروني.
بالعودة إلى المادة (2) من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية الصادر في سنة 1996 فإنها تنص على أنه : ” يراد بمصطلح رسالة بيانات المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة “. نفس هذا التعريف استقته مجموعة من التشريعات العربية، حيث عرف قانون التوقيع الإلكتروني المصري المحرر الإلكتروني في الفقرة ‘ب’ من المادة (1) بأنه : ” رسالة بيانات تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج، أو تخزن، أو ترسل، أو تستقبل كليا أو جزئيا بوسيلة إلكترونية، أو رقمية، أو ضوئية أو بأية وسيلة أخرى مشابهة “. يعاب على هذا التعريف من قبل بعض الفقهاء نظرا لغموضه، حيث أن المشرع المصري عرف المحرر الإلكتروني بأنه “رسالة بيانات” دون إعطاء هذه الأخيرة مدلولا لأنه بحسب وجهة نظرهم أي النقاد أن “رسالة البيانات” تعد مرادفا لتعبير “المحرر الإلكتروني”.
أيضا قانون المعاملات الإلكترونية لإمارة دبي الذي عرف هذا المحرر في المادة (2) بأنه : ” سجل أو مستند إلكتروني يتم إنشاؤه أو تخزينه أو استخراجه أو نسخه أو إرساله أو إبلاغه أو استلامه بوسيلة إلكترونية، على وسيط ملموس أو على وسيط إلكتروني آخر، و يكون قابلا للاسترجاع بشكل يمكن فهمه “. يتفق المشرع البحريني إلى نحو كبير مع هذا التعريف، حيث هو أيضا يعرف المحرر الإلكتروني بأنه السجل الذي يتم إنشاؤه أو إرساله أو تسلمه أو بثه أو حفظه بوسيلة إلكترونية.
بالنسبة للمشرع التونسي فإنه لم يعرف المحرر الإلكتروني بشكل صريح، حيث جاء في قانونه للمبادلات و التجارة الإلكترونية رقم 83 لسنة 2000 في الفصل (2) بأن : ” المبادلات الإلكترونية هي : العمليات التجارية التي تتم باستعمال الوثائق الإلكترونية. و التجارة الإلكترونية هي : العمليات التجارية التي تتم عبر المبادلات الإلكترونية. و شهادة المصادقة الإلكترونية هي : الوثيقة الإلكترونية المؤمنة بواسطة الإمضاء الإلكتروني للشخص الذي أصدرها و الذي يشهد من خلالها أثر المعاينة على صحة البيانات التي تتضمنها. و أن التشفير : إما أن يكون باستعمال رموز، أو إشارات غير متداولة تصبح بمقتضاها المعلومات المرغوب تمريرها أو ارسالها غير قابلة للفهم من قبل الغير أو استعمال رموز أو إشارات لا يمكن الوصول إلى المعلومة بدونها “.
يتبين من خلال ما سبق أن بعض التشريعات لم تعرف المحرر الإلكتروني صراحة كالمشرع التونسي و الجزائري، و المشرع المغربي أيضا الذي اكتفى فقط بتنظيمه عبر قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية. لكن في نفس الوقت هناك تشريعات عرفت المحرر الإلكتروني بأنه رسالة بيانات كالمشرع المصري، و أنه السجل الإلكتروني كالمشرع الإماراتي و البحريني.
نخلص مما سبق أن المحرر الإلكتروني هو مجموعة من الأرقام و الإشارات أو الرموز الأخرى ذات دلالة واضحة محررة على دعامة إلكترونية أو مرسلة بطريقة إلكترونية، يكون بالاستطاعة التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه، و تكون معدة و محفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها و سلامتها.
ثانيا : عناصر المحرر الإلكتروني.
لهذا الأخير مجموعة من العناصر و المعالم التي تحدده و تميزه عن غيره من صور قد تختلط به، فأول عنصر من هذه العناصر نجد الكتابة الإلكترونية; التي هي عبارة عن مجموعة من الحروف أو الرموز أو الأرقام المثبتة على دعامة إلكترونية أو أي وسيلة مشابهة. للإشارة فقط هناك من الفقه من اعتبر أن الصورة المرسلة التي تظهر الشيء المتعاقد عليه و تعطي كامل مواصفاته المطابقة لبنود العقد هي أيضا شكل من أشكال الكتابة الإلكترونية.
ثاني عنصر هي الدعامة الإلكترونية; هذه الأخيرة هي الوسيلة التي تحمل الكتابة و تحمل المحرر بصفة عامة، فهي عبارة عن “وسيط مادي لحفظ و تداول الكتابة الإلكترونية، و منها الأقراص المدمجة أو الأقراص الضوئية أو الأقراص الممغنطة أو الذاكرة الإلكترونية أو أي وسيط آخر مماثل”.
يجدر الإشارة إلى أن الدعامة في المحررات الإلكترونية تختلف بحسب الوسيط الذي يوجد عليه المحرر، فإذا كان هذا الأخير يوجد على قرص مرن فإن الدعامة تكون عبارة عن قطعة بلاستيكية مرنة و رقيقة سريعة المغنطة، تجعل الكتابة تتم بطريقة مغناطيسية، أما إذا كان المحرر موجودا على قرص ضوئي فإن الدعامة تكون عبارة عن مادة من البلاستيك مغطاة بطبقة من المواد الخاصة التي يمكن الكتابة عليها بأشعة الليزر، و إذا كان المحرر الإلكتروني موجودا على القرص الصلب للحاسب الآلي فإن الدعامة في هاته الحالة تكون عبارة عن قرص معدني رقيق مغطى بمادة قابلة للمغنطة يتم الكتابة عليه في شكل بقع ممغنطة.
الفقرة الثانية : حجية المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي.
مع تزايد التعامل بالعقد الإلكتروني
أصبحت المحررات الإلكترونية كوسيلة إثبات على هذا النوع من العقود واقعا لا مفر منه، و لذلك أصبحت معظم الدول تقيم مجموعة من التعديلات على قواعدها القانونية القائمة لضم هذا الشكل من المحررات ضمن مجال الإثبات الإلكتروني لتفعيل الحماية القانونية التي كان يحتاجها أفرادها المتعاملين بالعقود الإلكترونية، من بين تلك الدول يوجد المغرب الذي كان هو أيضا سباقا لمسايرة التغيرات التي شهدها مجال الإثبات العقدي، من أجل ذلك سيتم الحديث أولا عن مدى حجية المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي، ثم ثانيا عن شروط حجية هذا المحرر.
أولا : حجية المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي.
بالعودة إلى الفصل 1-417 من قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، نجده ينص على أنه: ” تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق. تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق “.
يستفاد مما سبق أن المشرع المغربي يعترف بالحجية القانونية للمحرر الإلكتروني و يعتبره مساوي للوثيقة المحررة على الورق فيما يتعلق بالإثبات، و بتعبير أوضح أن السند الكتابي المصاغ على دعامة إلكترونية له نفس القيمة و القوة الثبوتية التي يحظى بها السند الورقي.
هذا الموقف الذي اتخذه المشرع المغربي في شأن المحرر الإلكتروني هو في الواقع انسجام مع ما أقره القانون النموذجي للأونسيترال بخصوص حجية المحررات الإلكترونية في المادة (5) بعنوان – الإعتراف القانوني برسائل البيانات – بأنه : ” لا تفقد المعلومات مفعولها القانوني أو صحتها أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها في شكل رسالة بيانات “.
موقف المشرع المغربي يتوافق أيضا مع ما يعتمده القضاء الفرنسي في حالة ما إذا وقع نزاع بين السند الإلكتروني و السند الورقي، حيث يقوم القاضي في هذه الحالة بتسوية هذا النزاع عن طريق تحديد بكافة الطرق السند الأقرب إلى الحقيقة كيفما كانت الدعامة المستخدمة.
ثانيا : شروط المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي.
ليتخذ المحرر الإلكتروني كوسيلة إثبات في حالة وقوع نزاع يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط المحددة في الفقرة الثانية من الفصل 1-417 في قانون 53.05 حيث أنه : ” تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية، على الشخص الذي أصدرت عنه و أن تكون معدة و محفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها “. و بالتالي فالشروط التي يجب أن يستوفيها المحرر الإلكتروني المراد اتخاذه كوسيلة إثبات هي ثلاث :
1 – قابلية المحرر للقراءة : حتى يمكن الاحتجاج بمحرر إلكتروني في مواجهة
الغير، يجب أن يكون هذا المحرر قبل أي شيء مقروءا و مفهوما، مدون
بحروف و رموز و علامات مفهومة و معروفة لدى كافة الأطراف و للمحكمة
في حالة وقوع نزاع، و هذا ما تؤكده المادة (6) من قانون الأنسترال النموذجي
بخصوص التجارة الإلكترونية أنه : ” عندما يشترط القانون أن تكون
المعلومات مكتوبة، تستوفي رسالة البيانات ذلك الشرط إذا تيسر الاطلاع
على البيانات الواردة فيها على نحو يتيح استخدامها بالرجوع إليه لاحقا “.
ويظهر دليل تشريع هذا القانون أن المقصود بعبارة “إذا تيسر الاطلاع”
هو أن تكون البيانات الإلكترونية المقدمة واضحة و مقروءة.
2 –
استمرارية المحرر : أي يجب أن يتم كتابة المحرر على وسيط يحفظ
المعلومات بشكل دائم، بحيث يمكن الرجوع إليها كلما اقتضت الظروف ذلك،
ومن بين تلك الظروف يوجد نزاع قضائي، حيث يمكن آنذاك للطرف
المتقاضي أن يرجع للمحرر المثبت بصفة دائمة لاعتماده كوسيلة إثبات
في مواجهة الخصوم. و بالتالي يجب أن يكون المحرر على قدر من الثبات و
لدوام خلال مدة طويلة نسبيا.
3 –
عدم قابلية المحرر للتعديل أو الاندثار : يشترط في المحرر الإلكتروني
أن يكون غير قابل للتعديل، وذلك عن طريق استخدام برامج متطورة تقوم
بتحويل النص أو الكتابة القابلة للتعديل إلى صورة ثابتة لا يمكن تعديلها كنظام
»، أيضا تقنيات التوقيع الرقميDocument image processing»
التي تقوم أساسا على نظام التشفير الذي يحمي المحرر الإلكتروني ضد
مخاطر التزوير أو التعديل. و بالتالي فالتقدم التقني استطاع أن يزيل بشكل
كلي صعوبة ضمان وحفظ المحرر الإلكتروني من التعديل، فأصبحت
مسألة الحفاظ عليه تلك توجد في نفس درجة سهولة الحفاظ على المحررالورقي.
المطلب الثاني : التوقيع الإلكتروني
كما تمت الإشارة في السابق أن الثورة المعلوماتية إضافة إلى مجموعة من الأحداث و الوقائع و التطورات التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة أدت إلى تطوير شكل التعاقد، و تطور معه أيضا نظام الإثبات العقدي، فأصبح لدينا ما يسمى بالمحرر الإلكتروني و التوقيع الإلكتروني كوسائل إثبات قانونية تحمي كل من يتعامل بهذا النوع أو الشكل في التعاقد.
يعتبر التوقيع ثاني أهم وسيلة إثبات بعد المحرر، فهو عموما الآلية التي يعتمدها الأطراف المتعاقدة لإضفاء صفة الإلزام على العقد، ليصبح بعد ذلك حجة يمكن الإستدلال بها أمام المحكمة في حالة وقوع نزاع، و التوقيع بهذا المفهوم يسري على جميع أنواعه و أشكاله، و بما أن هذه الدراسة مختصة في العقد الإلكتروني فإنه سيتم تخصيص الحديث في هذا المطلب عن التوقيع الإلكتروني بالتطرق لتعريفه و أنواعه و مدى حجيته في التشريع المغربي من خلال الفقرتين الآتيتين :
الفقرة الأولى : ماهية التوقيع الإلكتروني.
الفقرة الثانية : حجية التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي.
الفقرة الأولى : ماهية التوقيع الإلكتروني.
إذا كان التوقيع التقليدي هو “علامة أو إشارة أو بيان ظاهر مخطوط اعتاد صاحبه على استعماله للتعبير عن موافقته على عمل أو على تصرف قانوني بعينه “. فإن التوقيع الإلكتروني لا يخرج عن هذا التعريف لكن يختلف معه في الطريقة و الكيفية المعتمدة لتدوين و كتابة هذا التوقيع، و بما أن العقد الإلكتروني لا يوجد على محرر ورقي للتوقيع عليه بشكل مباشر عبر الإمضاء أو البصمة أو بكتابة اسم الموقع و كنيته فقط، فإن الأمر يستوجب ضرورة اعتماد التوقيع الإلكتروني الذي يتماشى مع هذا الشكل في التعاقد الذي يتم على محرر إلكتروني. و لهذا سيتم التطرق أولا إلى تعريف التوقيع الإلكتروني، ثم ثانيا سيتم التعرف على صور هذا التوقيع.
أولا : تعريف التوقيع الإلكتروني.
التوقيع الإلكتروني عبارة عن مجموعة حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات ذات طابع شخصي تسمح بتحديد صاحب التوقيع و تميزه عن غيره، حيث يتم استخدامها كبيانات رقمية لأجل التأكد من حدوث اتفاق.
نظريا تباينت التعريفات المقدمة من قبل الفقه لهذا العنصر، فهناك من أعطاه تعريفا تقنيا دون بيان وظيفته كمن عرفه بأنه : ” ملف رقمي صغير يصدر عن إحدى الهيئات المتخصصة و المستقلة و معترف بها من الحكومة، و في هذا الملف يتم تخزين الاسم و بعض المعلومات الهامة الأخرى مثل رقم التسلسل و تاريخ انتهاء الشهادة و مصدرها ” ، أيضا عرف بأنه عبارة عن : “مجموعة من الأرقام التي تختلط مع بعضها البعض بعمليات حسابية معقدة يظهر لنا في الأخير – كود سري – خاص بشخص معين “، و جاء في تعريف آخر بأنه : ” وحدة قصيرة من البيانات التي تحمل علاقة رياضية مع البيانات الموجودة في محتوى الوثيقة “.
و بالتالي فالتوقيع الإلكتروني تقنيا هو : ” مصطلح أشمل و أوسع حيث يشتمل على إنتاج توقيع الشخص من خلال تثبيت صورة التوقيع الخطي الصادر عن يد الموقع و المخزنة إلكترونيا على السند المراد توقيعه، كما يشتمل على إنتاج توقيع الشخص من خلال طباعة اسم المرسل في نهاية رسالة البريد الإلكتروني أو من خلال استعمال الرقم السري أو شفرة خاصة بالشخص الموقع، كما هو الحال في أوامر الدفع بواسطة بطاقات الائتمان و بطاقات الصراف الآلي “.
على نقيض ما سبق هناك اتجاه فقهي عرف التوقيع الإلكتروني بالنظر في وظيفته، فهو : ” التوقيع الناتج عن إتباع إجراءات محددة – تؤدي في النهاية – إلى نتيجة معروفة مقدما و يكون مجموع هذه الإجراءات هو البديل الحديث للتوقيع بمفهومه التقليدي “.
في نفس الاتجاه عرف هذا التوقيع بأنه عبارة عن : ” بيانات بشكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات، و بيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات “.
لكن هناك اتجاه آخر جمع بين المفهوم التقني و الوظيفي للتوقيع الإلكتروني معرفا إياه بأنه : ” مجموعة من الإجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه هذه الإجراءات و قبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته “.
لم تغفل التشريعات العربية هي أيضا عن تعريف التوقيع الإلكتروني، كالمشرع العراقي الذي عرفه في الفقرة الأولى من المادة (4) بقانون التوقيع و المعاملات الإلكترونية العراقي رقم 78 لسنة 2012 بأنه : ” يعد التوقيع الالكتروني صحيحاً وصادراً عن الموقع اذا توافرت وسائل لتحديد هوية الموقع والدلالة على موافقته لما ورد في المستند الإلكتروني وبحسب اتفاق الموقـع والمرسل اليه حول كيفية اجراء المعاملة الإلكترونية “.
أيضا المشرع الأردني في المادة (2) من قانون المعاملات الإلكترونية رقم 15 لسنة 2015 الذي أقر فيها بأن التوقيع الإلكتروني هو : ” البيانات التي تتخـذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها وتكون مدرجة بشكل إلكتروني أو أي وسيلة أخرى مماثلة في السجل الإلكتروني، أو تكون مضافة عليه أو مرتبطة به بهدف تحديد هوية صاحب التوقيع وانفراده باستخدامه وتمييزه عن غيره “.
في حين عرفه المشرع المصري في المادة (1) من قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004 بأنه هو : ” كل ما يوضع على محرر إلكتروني و يتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، و يكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع و يميزه عن غيره “.
أيضا قانون المعاملات و التجارة الإلكترونية الإماراتي رقم 2 لسنة 2002 الذي عرف التوقيع الإلكتروني في المادة (2/14) بأنه : ” توقيع مكون من حروف أو أرقام أو رموز أو صوت أو نظام معالجة في شكل إلكتروني، و ملحق أو مرتبط منطقيا برسالة إلكترونية و ممهور بنية توثيقه أو اعتماد تلك الرسالة “.
يلاحظ من التعريفات السابقة أن معظم التشريعات العربية حصرت وظيفة التوقيع الإلكتروني في كونه يمثل إرادة صاحبه أي الموقع، لكنها لم تحصره تقنيا في شكل محدد، الأمر الذي يجعل هذه التعريفات تواكب كل التغيرات التي يمكن أن تطال التوقيع الإلكتروني في المستقبل، و هو نفس النهج المعتمد من قبل القانون النموذجي الأونسترال بخصوص التجارة الإلكترونية الذي عرف التوقيع الإلكتروني بأنه عبارة عن : “
بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بـيانات، أو مضـافة إلـيها أو مرتـبطة بها منطقيا، يجـوز أن تستخدم لتعيين هويـة الموقّـع بالنسبة إلى رسالة البـيانات، و لبيان موافقـة الموقّـع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات “.
أما بخصوص المشرع المغربي فبالعودة لقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، يلاحظ أنه لا يوجد أي تعريف أقره المشرع بخصوص التوقيع الإلكتروني، لكن ذلك لا يخفي حقيقة تبنيه له وإصداره لمجموعة من المقتضيات القانونية لتنظيمه، تاركا مهمة تعريفه للفقه والقضاء، و من منظورنا المتواضع فمسألة عدم تعريف المشرع المغربي للتوقيع الإلكتروني هي في الحقيقة تخدم مصلحة الأفراد المتواجدين بالمغرب الذي يتعاملون بهذا النوع من العقود لأن المشرع المغربي لم يفرغ التوقيع الإلكتروني في شكل قانوني محدد الذي كان سيتم ذلك إذا قام المشرع بتعريفه، و كان سيجعله ذلك يتدخل لتعديله في كل مرة يظهر خطرا جديدا يهدد حجية هذا التوقيع و بالتالي فالمشرع قد أعفى نفسه من كل ذلك، و ترك الحرية للأفراد لتحديد شكل التوقيع الإلكتروني مع ضرورة أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، و بالتالي فالمشرع اكتفى فقط بوضع شروط لصحته التي يجب أن تستوفي فيه كيفما كان شكله.
ثانيا : صور التوقيع الإلكتروني.
للتوقيع الإلكتروني مجموعة من الصور و الأشكال التي رغم تعددها و اختلافها إلا أنها تشترك في كونها تقام على وسائط إلكترونية، و هنا سيتم التطرق إلى أربعة صور تستعمل بكثرة; الشكل الأولى هو التوقيع الرقمي; الذي يعتبر من أفضل صور و أشكال التوقيع الإلكتروني، لكونه يوفر درجة عالية من الثقة و الأمان في استعماله و تطبيقه، فوفقا لمعيار “إيزو 2-7498″ الصادر سنة 1988 و المتعلق ببنية الأمان للأنظمة المفتوحة الصادر عن المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس، فإنه يقصد بالتوقيع الرقمي : ” بيان يتصل بوحدة بيانات، أو تحويل تشفيري لوحدة من البيانات على نحو يسمح للمرسل إليه إثبات مصدر وحدة البيانات و سلامة مضمونها و تأمينها ضد أي تعديل أو تحريف “. فهو نظام يقوم على تشفير
بيانات المحرر الإلكتروني لتصبح غير مقروءة بالنسبة لمن لا يتوفر على كود أو مفتاح التشفير. هذا الكود السري أو مفتاح التشفير ينطوي على مجموعة من العمليات الحسابية و المعادلات الرياضية المعمقة و المعقدة من الناحية الفنية، حيث يمكن أن يكون إما متماثل و موحد; أي أن مفتاح التشفير الذي يستخدمه أحد أطراف العقد لفتح و إغلاق المحرر الإلكتروني هو نفسه الذي يعتمده باقي الأطراف، الذين يبلغون به عبر وسيلة اتصال آمنة. أو أن يكون هذا المفتاح غير متماثل و مزدوج; و في هاته الحالة يكون هناك مفتاحين، الأول عام يهم إغلاق المحرر، و الثاني خاص يهم فتح المحرر، هذا النوع من المفاتيح المزدوجة يقوم على لوغاريتمات شديدة التعقيد أكثر من النوع الأول.
الشكل الثاني هو التوقيع البيومتري; هذا النوع من التوقيع الإلكتروني يعتمد على الخواص الذاتية المميزة لكل شخص، حيث يمكن أن يتم التوقيع عبر اليد البشرية أو بصمات الأصابع أو مسح شبكية العين أو التعرف على الوجه البشري أو كود منطوق و غير ذلك من الصفات البشرية، ليتم تخزينها بصورة مشفرة في ذاكرة الجهاز المعتمد للتوقيع الذي يقوم على تكنولوجيا علم البيومترولوجيا المختصة في دراسة الخواص الذاتية و الفيزيائية للإنسان، بحيث حينما يريد المتعاقد التوقيع أو فتح و إغلاق المحرر فإن الجهاز يجري مسحا على السمة أو الصفة البشرية المعتمد عليها في التوقيع للتأكد من مطابقتها مع ما هو محفظ في ذاكرتها.
الشكل الثالث هو التوقيع بالقلم الإلكتروني; الذي يتم عبر التوقيع كتابة باليد باستخدام قلم إلكتروني على جهاز خاص متصل بالكمبيوتر، حيث يقوم هذا الجهاز بمسح التوقيع الخطي ثم يعرضه بشكل مباشر على شاشة الحاسوب لتضمن في المحرر الإلكتروني المراد التوقيع عليه و بالتالي إضفاء الحجية عليها.
الشكل الرابع هو التوقيع باستخدام البطاقات الممغنطة المقترنة بالقن السري; انتشر هذا الشكل من التوقيع في مجال المعاملات البنكية فيما يتعلق بعملية سحب الأموال من الصراف الآلي، أيضا في المجال التجاري حيث أصبح التجار يعتمدون هذا النوع من التوقيع لإتمام صفقات البيع و الشراء، و في المجال الخدماتي كالفنادق و المطاعم الفخمة، هذا الشكل في التوقيع بسيط من الناحية التقنية، حيث يقوم على إدخال البطاقة الممغنطة في جهاز خاص، هذا الأخير حينما يتعرف على البطاقة فإنه يطلب إدخال رقم سري للتأكد من أن الذي أدخل تلك البطاقة هو صاحبها و مالكها.
و للإشارة فقط أنه في حالة إدخال رقم سري خاطئ، فإنه بعض الأجهزة الخاصة بهذا النوع من التوقيع – كالصراف الآلي – تستنتج من ذلك أن الشخص الذي أدخل تلك البطاقة ليس بمالكها، و بالتالي ترفض إرجاعها له بسحبها في مكان داخل الجهاز مخصص لمثل هاته الحالات.
الفقرة الثانية : حجية التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي.
أدرك المشرع المغربي كباقي التشريعات الغربية و العربية ضرورة اعتماد بديل إلكتروني يحل محل التوقيع الخطي اليدوي و يؤدي نفس مهامه المتجلية في التوثيق و الإثبات، فكان التوقيع الإلكتروني أنسب حل يمكن اعتماده نظرا لتوافقه مع الحاجة الملحة لدى الأطراف من أجل توثيق و إثبات المعاملات و التبادلات الإلكترونية، أيضا لكونه يتماشى مع متطلبات العصر. ولذلك سيتم التطرق أولا إلى حجية التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي، أما ثانيا سيخصص الحديث عن شروط هذا التوقيع.
أولا : حجية التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي.
حينما وجد المشرع المغربي أن التوقيع التقليدي – أي اليدوي – لن يستطيع توثيق و إثبات العقد الإلكتروني و بالتالي لن يحقق مصالح المتعاملين بهذا النوع من العقود، قام بالتدخل لتبني بديل إلكتروني يستطيع القيام بالوظائف السالفة الذكر، وكان هذا البديل هو التوقيع الإلكتروني، فبالرغم من أن المشرع لم يعرفه إلا أنه قد قام بتنظيمه و ضمه له ضمن نظام الإثبات الإلكتروني.
و يظهر ذلك من خلال إضافته لكل من الفصول 2-417 و 3-417 التي تخص التوقيع الإلكتروني في قانون الالتزامات و العقود بمقتضى المادة (4) من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، أيضا المادة (6) من نفس القانون التي تحدد شروط التوقيع الإلكتروني و غير ذلك من المواد القانونية التي نظم من خلالها المشرع المغربي هذا النوع من التوقيع.
كل ذلك جعل للتوقيع الإلكتروني في مجال المعاملات التجارية و المدنية و الإدارية نفس الحجية القانونية و القوة الثبوتية المقررة للتوقيعات في أحكام قانون الإثبات التي تخص المعاملات التي سبق و أن تمت الإشارة إليها، مع ضرورة استيفاءه لكامل شروطه المنصوص عليها في قانون 53.05 ليكون صحيحا و سليما و مقبولا من الناحية القانونية.
ثانيا : شروط التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي.
ليكون التوقيع الإلكتروني صحيحا و ليصبح بمثابة وسيلة إثبات يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الطرف الآخر، يجب أن يتوفر فيه مجموعة من الشروط المحددة من قبل المشرع على سبيل الحصر، فبالعودة لقانون 53.05 يلاحظ أن المشرع ميز بين نوعان من التوقيع الإلكتروني :
أول صنف هو التوقيع الإلكتروني العادي; أي الذي لا يتوفر على درجة عالية من الأمان و الحماية، فرغم أن المشرع لم يقم بتعريفه إلا أنه قد حدد مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر فيه، حيث أنه : ” عندما يكون التوقيع إلكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به “. و بالتالي ليكون التوقيع الإلكتروني العادي صحيحا يجب أن يتحقق فيه شرطان أساسيان; أولهما أن يتم على وسيلة أو جهاز تعريف موثوق به، و ثاني شرط أن تضمن تلك الوسيلة ارتباط التوقيع بالمحرر الإلكتروني.
ثاني صنف هو التوقيع الإلكتروني المؤمن; أي الذي يتوفر على درجة عالية من الأمان و الحماية، و قد عرفه المشرع المغربي بأنه : ” يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤمنا إذا تم إنشاؤه و كانت هوية الموقع مؤكدة و تمامية الوثيقة القانونية مضمونة، وفق النصوص التشريعية و التنظيمية المعمول بها في هذا المجال “. يلاحظ من هذا التعريف أن التوقيع الإلكتروني المؤمن يفترض فيه الأمان و الوثوق أكثر من النوع الأول الذي سبق و أن تم التطرق له.
و ليكون هذا التوقيع صحيحا يجب هو أيضا أن تتحقق فيه مجموعة من الشروط المنصوص عليها في المادة (6) من قانون 53.05 التي تنص على ما يلي : ” يجب أن يستوفي التوقيع الإلكتروني المؤمن، المنصوص عليه في الفصل 3-417 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون الالتزامات و العقود، الشروط التالية :
– أن يكون خاصا بالموقع;
– أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية;
– أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أدخل عليها;
– يجب أن يوضع التوقيع بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الإلكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة;
– يتعين أن يشار إلى معطيات التحقق من التوقيع الإلكتروني المؤمن في الشهادة الإلكترونية المؤمنة المنصوص عليها في المادة 10 من هذا القانون “.
باستيفاء الشروط السالفة الذكر يكون التوقيع الإلكتروني المؤمن صحيح من الناحية القانونية و لا يشوبه أي خلل، الأمر الذي يجعله فعليا مؤمن.
خاتمة :
مما لا شك فيه أن العقد الإلكتروني هو وسيلة العصر لما له من صفات و خصائص تجعله يتماشى مع متطلبات الحياة المعاصرة، الأمر الذي دفع بالمشرع المغربي كباقي التشريعات العربية و الغربية إلى تبنيه و وضع إطار قانوني يحميه، إلا أن تلك الحماية التي وفرها المشرع المغربي هي جامدة و بالتالي غير كافية، حيث يظهر ذلك في عدد حالات النصب التي يتعرض لها المتعاملين بالعقد الإلكتروني من طرف محتالون خبراء في المجال المعلوماتي، حيث أن هذه الحالات تزداد سنويا بوتيرة مقلقة.
و يجدر الإشارة إلى أن التطور التكنولوجي و المعلوماتي لن يقف عند هذا الحد، حيث من المحتمل ظهور أجهزة تقنية أكثر تطورا من التي نعتقد أنها متطورة و ذكية حاليا، فإذا وقع ذلك لن يستطيع المشرع المغربي إيقاف عمليات السرقة و النصب التي سيقوم بها المحتالون بالاعتماد على تلك الأجهزة في المستقبل، إلا إذا تدخل المشرع الآن بوضعه آليات تقنية و قانونية توفر الحماية الكاملة للمتعاقدين إلكترونيا، من أمثلة هذه الآليات توفير موقع على شبكة الأنترنت خاص بالتعاقد الإلكتروني تابع للدولة، حيث يكون الولوج له بشكل مجاني بالنسبة لكافة المغاربة و الأجانب الراغبين في إبرام عقود إلكترونية سواء كانت ذات طابع وطني أو دولي و كيفما كانت طبيعة المعاملة مادام أنها مشروعة و غير مخالفة للقانون، و في نفس الوقت يضمن هذا الموقع الخصوصية التامة و الحماية الكاملة لتلك العمليات التعاقدية ضد الجرائم الإلكترونية بما في ذلك النصب و الاحتيال.
نختم القول بأن التعاقد الإلكتروني يجسد جانبا من الحياة المستقبلية التي سيعيشها الإنسان، و بالتالي من الواجب ليس فقط على المشرع المغربي بل كافة تشريعات دول العالم التحضير لهاته المرحلة و الاستعداد لما هو قادم.
لائحة المراجع :
- الكتب العامة :
- العرعاري عبد القادر، «مصادر الالتزامات. الكتاب الأول، نظرية العقد : دراسة مقارنة على ضوء التعديلات الجديدة الواردة في : القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، القانون رقم 107.12 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، القانون رقم 53.05 المتعلق بتبادل المعطيات القانونية بشكل إلكتروني، القانون رقم 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات»، دار الأمان للنشر والتوزيع بالرباط 2021م، المغرب.
- عبد الحق الصافي، «الوجيز في القانون المدني، الجزء الأول، المصادر الإرادية للالتزام (العقد و الإرادة المنفردة)
، دراسة في ق.ل.ع وفي القوانين الأخرى»، مطبعة النجاح الجديدة (CTP) بالدار البيضاء 2020م، المغرب.
- خالد ممدوح إبراهيم، «الجرائم المعلوماتية (الطبعة الأولى)»، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية 2009م، مصر.
- عبيدة عبد الرحيم و نعمان ضياء أحمد، «موسوعة التشريعات الإلكترونية المدنية و الجنائية»، مطبعة الوراق بيروت 2010م، لبنان.
- سلطان أنور، «الموجز في مصادر الإلتزام»، منشأة المعارف بالإسكندرية 1995م، مصر.
- الكتب المتخصصة :
- محمد أمين الرومي، «النظام القانوني للتوقيع الإلكتروني (الطبعة الأولى)»، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية 2006م، مصر.
- مصطفى مالك، «دراسة تحليلية نقدية مقارنة في ضوء القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية المتمم والمغير للظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون الالتزامات والعقود والقانون رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية»، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط 2022م، المغرب.
- عبد الفتاح بيومي حجازي، «نظام التجارة الإلكترونية و حمايتها المدنية»، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية (د.ت)، مصر.
- محمد حسن قاسم، «قانون الإثبات في المواد المدنية و التجارية (الطبعة الأولى)»، منشورات الحلبي الحقوقية ببيروت 2005م، لبنان.
- قاسم محمد حسن، «التعاقد عن بعد»، دار الجامعة الجديدة للنشر بالإسكندرية 2005م، مصر.
- منصور محمد حسين، «المسؤولية الإلكترونية»، دار الجامعة الجديدة بالإسكندرية 2003م، مصر.
- أسامة أبو الحسن مجاهد، «خصوصية التعاقد عبر الانترنت»، دار النهضة العربية بالقاهرة 1998م، مصر.
- المطالقة محمد فواز، «الوجيز في عقود التجارة الإلكترونية»، دار الثقافة للتوزيع و النشر بعمان 2007م، الأردن.
- حسن فاروق، «البريد الإلكتروني»، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 1999م، مصر.
- ناصيف الياس، «العقد الإلكتروني في القانون المقارن»، دار النهضة العربية بالقاهرة 2009م، مصر.
- الكتب الأجنبية :
- Davio. E, «Certification, signature et cryptographie», internet face au droit, cahiers de C.R.I.D, story scientia à Bruxelles 1997, Belgique.
- Philippe le Tourneau, «contrats informatiques et électroniques», Dalloz à Paris 2004, France.
- Benjamin Wright, «Distributing the risk of electronic signatures», practicing law institute (PLI) New York 1999, États-Unis.
- Raphael BISCIARI, «les contrats et la preuve dans l’environnement électronique», UGA à Bruxelles 2003, Belgique.
- المقالات :
- السرناني الحبيب، «دراسة في مجلس العقد المبرم بشكل إلكتروني»، مجلة أطروحة : سلسلة للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية العدد الاول، 2020م.
- عمر انجوم و ادريس الحياني «إبرام العقد الإلكتروني وفق القواعد العامة وعلى ضوء مشروع قانون التبادل الإلكتروني للبيانات القانونية»، المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات عدد11، 2006م.
- الجواري أسامة، «التراضي في العقد المبرم بشكل إلكتروني»، مجلة أطروحة : سلسلة للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية (م.ع)، 2020م.
- الرسائل والاطروحات :
- خديجة قبال، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بعنوان «الكتابة الإلكترونية – دراسة مقارنة»، جامعة محمد الخامس بأكدال، الرباط، السنة الجامعية 2005 -2006م.
- شريف ماجد محمد جاويش، رسالة دكتوراه بعنوان «مجلس العقد الإلكتروني في القانون المدني دراسة مقارنة»، جامعة الزقازيق بالشرقية، مصر، السنة الجامعية 2018 -2019م.
- الشافعي جابر، رسالة دكتوراه بعنوان «مجلس العقد في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي»، (م.ج) بالإسكندرية، مصر، السنة الجامعية 1999 -2001م.
- عايض راشد المري، رسالة دكتوراه بعنوان «مدى حجية الوسائل التكنولوجية الحديثة في إثبات العقود التجارية»، جامعة القاهرة بالجيزة، مصر، (د.ت).
- سمير طه عبد الفتاح، رسالة دكتوراه بعنوان «الحجية القانونية لوسائل المعلومات المستهدفة في الإثبات»، جامعة عين الشمس بالقليوبية، مصر، (د.ت).
- البحث الالكتروني :
- الخطيب محمد شاهين، بحث مقدم إلى مؤتمر تشريعات عمليات البنوك بين النظرية و التطبيق بعنوان «التعبير عن الرضا في عقود التجارة الإلكترونية عبر شبكة الأنترنت»، جامعة اليرموك بالأردن، 2002م.
- محمد المرسي زهرة، بحث مقدم إلى مؤتمر القانون والكمبيوتر والأنترنت بعنوان «الدليل الكتابي و حجية مخرجات الكمبيوتر في الإثبات في المواد المدنية التجارية»، جامعة الإمارات العربية المتحدة بالإمارات، (د.ت).
- القوانين :
-
قانون الالتزامات والعقود، الصادر بتنفيذه ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913).
صيغة محينة بتاريخ 26 أغسطس 2019.
- القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.129 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمير 2007). الجريدة الرسمية : عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر 2007)، ص3879.
- القانون رقم 31.08 المتعلق بتجديد تدابير حماية المستهلك، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.03 بتاريخ 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011). الجريدة الرسمية : عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأول 1432 (7 أبريل 2011)، ص1072.
- القانون رقم 15 المتعلق بالتوقيع الإلكتروني المصري، الصادر بتاريخ (21 أبريل 2004م).
- القانون رقم 2 المتعلق بالمعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي، الصادر بتاريخ (12 فبراير 2002م).
- القانون رقم 83 المتعلق بالمبادلات و التجارة الإلكترونية التونسي، الصادر بتاريخ (9 غشت 2000م).
- مرسوم بقانون رقم 28 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية البحرينية، الصادر بتاريخ (1 ديسمبر 2002م).
- القانون رقم 78 المتعلق بالتوقيع و المعاملات الإلكترونية العراقي، الصادر بتاريخ (5 نونبر 2012م).
- القانون رقم 15 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية الأردني، الصادر بتاريخ (15 أبريل 2015م).
- قانون ﺍﻷﻭﻧﺴﻴﺘﺮﺍﻝ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺟﻲ ﺑﺸﺄﻥ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﻌﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻉ، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة بتاريخ (5 يوليوز 2001م).
- قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة بتاريخ (12 يونيو 1996م).
- المواقع الإلكترونية :
- www.almaany.com
الفهرس
مقدمة : ………………………………………………………………………………3
المبحث الأول : خصوصية التعاقد الإلكتروني………………………………………….5
المطلب الأول : ماهية العقد الإلكتروني…………………………………………….5
الفقرة الأولى : تعريف العقد الإلكتروني……………………………………………6
الفقرة الثانية : خصائص العقد الإلكتروني………………………………………….8
المطلب الثاني : تكوين العقد الإلكتروني…………………………………………..11
الفقرة الأولى : الإيجاب والقبول الإلكترونيين…………………………………….11
الفقرة الثانية : مجلس العقد الإلكتروني…………………………………………..17
المبحث الثاني : وسائل إثبات العقد الإلكتروني في التشريع المغربي…………………..19
المطلب الأول : المحرر الإلكتروني…………..……………………………………..19
الفقرة الأولى : ماهية المحرر الإلكتروني………………………………………..20
الفقرة الثانية : حجية المحرر الإلكتروني في التشريع المغربي…………………….22
المطلب الثاني : التوقيع الإلكتروني………………….……………………………..25
الفقرة الأولى : ماهية التوقيع الإلكتروني…………………………………………25
الفقرة الثانية : حجية التوقيع الإلكتروني في التشريع المغربي……………………..30
خاتمة : ………………………………………………………………………………33
لائحة المراجع : ……………………………………………………………………..34