مقالات قانونية

خصوصية بناء المساجد بالمغرب

ca

بقلم: صديق عزيز

 متصرف خريج المدرسة الوطنية للإدارة و حاصل على ماستر في القانون و
الممارسة القضائية
كلية الحقوق السويسي الرباط 2014

 

يجسد المسجد على مر العصور المكان الأمثل الكفيل بتأمين الزاد الروحي للفرد، و تقوية علاقة الإنسان بخالقه بشكل يساهم في بناء المجتمع. فهو منطلق أساسي لتدبير أمور الدين و الدنيا يغذي فيه الفرد رغبته القوية للتقرب من الله عز وجل، و يتشرب من خلاله مختلف العلوم باعتباره مكانا للصلاة و العلم و تهذيب النفس…

إن للمسجد وظائف متعددة ليس من اليسير تعدادها، فبين الدينية و التثقيفية و الاجتماعية يساهم هذا الأخير في تخليق الحياة العامة و تقوية العقيدة الإيمانية لدى أفراد المجتمع.

و تنبغي الإشارة هنا إلى الرعاية المولوية للملك محمد السادس الموجهة للعناية بالمساجد و القيمين عليها، فقد أكد في خطابه أمام المجلس العلمي الأعلى و المجالس الاقليمية العلمية في 30/4/2004 على ضرورة ” إعادة النظر في التشريع المتعلق بأماكن العبادات بما يكفل ملاءمتها للمتطلبات المعمارية، لأداء الشعائر الدينية في جو من الطمأنينة و كذا ضبط مصادر تمويلها، و شفافيتها و شرعيتها و استمراريتها.”

و في المغرب يسعى المحسنون و فاعلو الخير إلى بناء المساجد، رغبة في الحصول على الأجر و الثواب عند الله تعالى. لكن يصادف إنجاز هذا المرفق الديني تعثرا قد يدوم شهورا بل سنوات في أحيان كثيرة لعدة أسباب، لعل أهمها الامتناع أو التأخر في الترخيص لبناء المسجد. و بالتالي يلزمنا هنا الوقوف للتساؤل عن خصوصية بناء المساجد (المبحث الأول) ثم عن المسطرة المتبعة للحصول على رخصة بناء هذه الأخيرة (المبحث الثاني).

أولا:  خصوصية بناء المساجد

إن تفعيل دور المساجد باعتبارها القلب النابض للمجال الروحي و الركيزة الأساسية لأجرأة المخطط الديني التنويري الذي يرعاه جلالة الملك محمد السادس، لا يستقيم إلا بترسانة قانونية تشكل الوجه البارز للنموذج المغربي في تدبير الشأن الديني.

و الثابت أن القانون 12-90 المتعلق بالتعمير أولى عناية خاصة للمساجد من خلال نصه على ضرورة أخذها بعين الاعتبار في الوثائق الخاصة بالتعمير. فتصميم التهيئة مثلا المحدد لقواعد استعمال الأراضي أو الارتفاقات و الالتزامات المفروضة عليها، و المعتبر بمثابة الأداة الفعالة لترجمة اختيارات مخطط توجيه التهيئة العمرانية إلى تدابير قانونية وتعميرية ملزمة للأشخاص الذاتيين و المعنويين أكد على ضرورة بناء المساجد . إذ حسب المادة 19 من قانون التعمير (12-90) فتصميم التهيئة يهدف إلى تحديد جميع أو بعض العناصر التالية:”……

  • المواقع المخصصة للتجهيزات العامة كتجهيزات السكك الحديدية و توابعها و التجهيزات الصحية و الثقافية و التعليمية و المباني الإدارية و المساجد و المقابر.
  • المواقع المخصصة للتجهيزات الجماعية و المنشآت ذات المصلحة العامة التي يتولى انجازها القطاع الخاص…….”

و عليه فتصميم التهيئة شكل بالنسبة للوكالات الحضرية والجماعات الحضرية القاعدة القانونية والتقنية والتعميرية الأساسية، التي يتم الارتكاز عليها لدراسة والبت في طلبات الترخيص بالتجزئة أو بالبناء أو بالتقسيم ولا يستثنى هنا المسجد. أما فيما يتعلق بالقانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات، فقد أكد في المادة 18 على أنه” لا يجوز الإذن في إحداث تجزئات عقارية إلا إذا كانت مشاريعها تنص على ما يلي:

  1. أشغال التجهيز التالية:
  • إقامة الطرق الداخلية و مواقف السارات.
  • توزيع الماء و الكهرباء و صرف المياه و المواد المستعملة.
  • تهيئة الساحات غير المبنية كالساحات و المناطق الخضراء و الملاعب.
  • وصل كل بقعة من بقع التجزئة بمختلف الشبكات الداخلية للتجزئة.
  • وصل الطرق و مختلف الشبكات الداخلية للتجزئة بما يقابلها من الشبكات الرئيسية.
  • إقامة الطرق ووسائل الإيصال الكفيلة بتيسير النفوذ إلى شاطئ البحر إذا كانت الأرض المراد تجزئتها مجاورة للملك العام البحري.
  1. المساحات المخصصة للتجهيزات الجماعية و المنشآت ذات المصلحة العامة التي تقتضيها متطلبات التجزئة من مركز تجاري و مسجد و حمام وفرن و مدرسة و مستوصف و مساحات معدة للنشاطات الرياضية تحدث وفق أحكام المادة 62 من القانون رقم 87-06 المتعلق بالتربية البدنية و الرياضة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 172-88-1 بتاريخ 19 ماي 1989.”

 

و من أجل تيسير بناء المساجد صادق مجلس الحكومة، يوم 7 شتنبر 2010، على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة المنصوص عليها في القسم الثالث من المدونة العامة للضرائب، بشأن إعفاء بناء المساجد من هذه الضريبة بنسبة 50 في المائة. و يأتي ذلك تطبيقا لقرار جلالة الملك محمد السادس، و الذي كان قد ضمنه خطابه السامي بمناسبة افتتاح دورة المجلس العلمي الأعلى في 27 /9/2008 حيث جاء في هذا الخطاب” … و قد ارتأينا تعزيز الضوابط التنظيمية للمساجد بتدابير ملموسة لتحفيز بنائها القانوني. لذا نصدر توجيهاتنا للحكومة قصد تفعيل أمرنا بإعفاء بناء المساجد من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة خمسين في المائة تكريسا لما نبتغيه من تقريبها من عامريها من المؤمنين….”

و تماشيا مع هذا القرار نصت المادة 16 المكررة من المرسوم 574-06-2 الصادر بتاريخ 31/12/2006 في شأن تطبيق الضريبة على القيمة المضافة المنصوص عليها في القسم الثالث من المدونة العامة للضرائب على أنه” يجب على الأشخاص الطبيعيين و المعنويين المستفيدين من الإعفاء فيما يتعلق بعمليات بناء المساجد كما هو منصوص عليها في المادة 92 من المدونة العامة للضرائب أن يوجهوا إلى المصلحة المحلية للضرائب التابعين لها طلبا لإرجاع مبلغ الضريبة المدفوع عن مشتريات مواد البناء أو الأشغال أو الخدمات المقتناة لدى الخاضعين للضريبة على القيمة المضافة مرفوقا برخصة مسلمة من وزارة الوقاف و الشؤون الإسلامية. و يجب أن يكون الطلب المذكور مكتوبا و مشفوعا بالوثائق التالية:

  • نسخة مشهود بمطابقتها للأصل من رخصة البناء.
  • الفاتورات الأصلية للمشتريات و الأشغال.
  • و عند الاقتضاء نسخة من الصفقة التي رست بموجبها المناقصة على المنشأة.

 

وبعد الاطلاع على الطلب المذكور، يصدر الوزير المكلف بالمالية أو الشخص التي ينيبه لهذا الغرض أمرا بإرجاع مبلغ الضريبة المدفوع في حدود 50 في المائة من القيمة الإجمالية”.

و لغرض تحقيق أقصى حماية قانونية للمساجد، نص القانون رقم 7-81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة و بالاحتلال المؤقت في الفصل الرابع منه على عدم جواز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر، وكذا المقابر و العقارات التابعة للملك العام و المنشآت العسكرية.

ثانيا: المسطرة المتبعة للحصول على رخصة بناء مسجد

ساهمت الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة و المناخ الاقليمي و الدولي المضطرب في تشديد المراقبة على بناء المساجد، التي استغل بعضها خاصة في الأحياء الهامشية الفقيرة في زرع فكر الإرهاب و تهديد وزعزعة استقرار و أمن البلاد. و من أجل التصدي لذلك قام المغرب بتقنين عملية بناء المساجد عن طريق سلك مساطر خاصة.

فالمسجد باعتباره وقفا عاما بقوة القانون( المادة 50 من مدونة الأوقاف)، يخضع لمساطر صارمة سواء أثناء البحث عن مصادر تمويل بنائه أو أثناء الشروع في الإعداد لتشييده. ولعل أهم عقبة يصطدم بها كل المحسنين من أشخاص طبيعيين أو معنويين أثناء القيام بتلك العملية هو الحصول على رخصة بناء المسجد.

من المعلوم أن رخصة البناء نظمها المشرع في المادة 40 من القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير التي تمنع “القيام بالبناء دون الحصول على رخصة لمباشرة ذلك:

  • داخل الدوائر المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه و في المناطق المشار إليها في (ب) من المادة 18 من هذا القانون التي تكتسي صبغة خاصة تستوجب خضوع تهيئتها لرقابة إدارية.
  • خارج الدوائر المنصوص عليها في البند السابق و التجمعات القروية الموضوع لها تصميم تنمية: على طول السكك الحديدية و طرق المواصلات غير الطرق الجماعية إلى غاية عمق يبلغ كيلومترا ابتداء من محور السكك الحديدية و الطرق الانفة الذكر، و على طول حدود الملك العام البحري إلى غاية عمق يبلغ خمسة كيلومترات.
  • داخل التجزئات المأذون في إحداثها عملا بالتشريع المتعلق بتجزئة الأراضي و تقسيمها و إقامة المجموعات السكنية.

و يجب الحصول على رخصة البناء كذلك في حالة إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات المزمع إدخالها عليها تتعلق بالعناصر المنصوص عليها في الضوابط المعمول بها. و المسجد لا يخرج عن نطاق هذه المادة ، حيث نص الفصل الأول من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 150-84-1 و المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي على ضرورة الحصول على رخصة البناء -وفقا لما جاءت به مدونة التعمير- قبل القيام ببناء أو توسيع أي مكان من الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها. و إن كان رئيس الجماعة هو المختص قانونا بتسليم رخصة البناء للبنايات المنصوص عليها في المادة 40 من القانون 12-90، فإن رخصة بناء المسجد حسب الفصل الثاني من الظهير المذكور تسلم من طرف الوالي أو عامل العمالة أو الاقليم المعني بالأمر بعد استطلاع رأي لجنة تضم:

  • ممثلي القطاعات الوزارية المعنية.
  • رئيس المجلس الاقليمي المعني بالأمر أو ممثله.
  • رئيس المجلس الجماعي المعني بالأمر أو ممثله.
  • رئيس المجلس العلمي المعني أو ممثله من بين أعضاء المجلس.
  • ثلاث شخصيات على صعيد العمالة أو الاقليم المعني بالأمر مشهود لها بالإسهام الفعلي في مجال العمل الخيري و الإحساني لفائدة عامة المسلمين، يعينها وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية.

 

و يرأس هذه اللجنة رئيس المجلس العلمي أو ممثله من بين أعضاء المجلس. كما أنه ينبغي على صاحب طلب رخصة بناء المسجد الذي يكون عادة مقدما من طرف محسنين أن ينتظموا في إطار جمعية، و أن يملكوا عقارات أو يتعهدوا ببنائها أو اقتنائها وحبسها للمسجد من أجل توفير تكاليف صيانتها و أداء أجور المنصبين لإقامة الشعائر الدينية فيها، وقد صدر قرار لوزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية رقم 10-70 سنة 2010 بشأن تحديد النظام الأساسي النموذجي للجمعيات التي يكونها المحسنون الراغبون في بناء أحد الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي.

يودع طلب الرخصة السالف الذكر لدى عامل العمالة او الإقليم الذي توجد به الأرض المزمع البناء فوقها مرفقا بمجموعة من الوثائق حددها المرسوم رقم 74-08-2 القاضي بتطبيق أحكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 150-84-1 المتعلق بالماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي و المتمثلة في :

  • شهادة ملكية الأرض المزمع البناء فوقها مرفقة بما يثبت تحبيسها لهذه الغاية من لدن المالك.
  • بطاقة تقنية موقعة بصفة رسمية حول التصور الخاص بالمشروع تتضمن مذكرة تقديمه و التكلفة التقديرية الإجمالية لعملية البناء و كذا مدة الإنجاز.
  • الوثائق الهندسية المعمارية المتعلقة بالمشروع من تصميم البناء و الكتلة….
  • تصريح بالشرف يشتمل على الاسم العائلي و الشخصي لصاحب الطلب و صفته و موطنه و يتضمن التزامه بإتمام البناء المزمع إنجازه.
  • نسختان مشهود بمطابقتهما للأصل من النظام الأساسي و النظام الداخلي، و كذا قائمة أعضاء المكتب إذا كان طالب رخصة البناء جمعية من الجمعيات.

و بعد انتهاء البناء و قبل فتح المكان لإقامة الشعائر الدينية فيه، يتحقق العامل أو من ينوب عنه من مطابقة البناء لما تقتضي به رخصة البناء، و يسلم شهادة المطابقة إن اقتضت الضرورة ذلك بصريح الفصل الرابع من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 150-84-1 و المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي.

 

لعل المتمعن في المساطر الخاصة ببناء المساجد و جمع التمويلات الخاصة بها، يلاحظ تعقد هذه الإجراءات و اتجاهها نحو تكريس سيطرة وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية على مختلف الجوانب المتعلقة بالمسجد من بناء و تجهيز و تعيين القيمين عليه…، ويأتي ذلك كترجمة لمقاربة الدولة لهذا المجال الحساس. ولعل ما يعزز ذلك جعل جلالة الملك محمد السادس إعادة هيكلة الحقل الديني من أولويات العهد الجديد بالشكل الدي يضمن تدبيرا جيدا للشأن الديني في انسجام مع متطلبات العصر وتدعيما لثوابت البلاد. لكن ما يجب إلقاء المزيد من الضوء عليه، هو مدى استجابة هذه القوانين لواقع المجتمع المغربي الذي يشجع على البذل و العطاء من أجل بناء المساجد بعيدا عن تعقد مساطر التماس الإحسان العمومي، و بعيدا كذلك عن طول الإجراءات المتعلقة بالحصول على رخصة بناء المسجد. و من شأن ذلك أن يجعل مبادرات المحسنين المنتظمين عادة في إطار جمعيات لبناء المساجد تصطدم بمتاهات الإدارة العمومية بغية الحصول على الوثائق و التراخيص اللازمة للقيام ببناء بيوت الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى