“ملاحظات حول الترشح لمنصب رئيس مجلس الجماعة على ضوء القانون التنظيمي رقم 13.141 .”
“ملاحظات حول الترشح لمنصب رئيس مجلس الجماعة على ضوء القانون التنظيمي رقم 13.141 .”

الدكتور محمد البكوري.
باحث في علم السياسة
و القانون الدستوري.
شكلت استحقاقات 4 شتنبر محطة مفصلية في كيان الحياة السياسية المغربية.وذلك بالنظر لأهمية اللحظة الانتخابية ( جماعيا وجهويا ) لما بعد دستور 2011 ،وكذا لانبثاق معالم حكامة “انتخابية” جيدة، أعلنت بشكل جلي عن قدرة “الاستثناء” المغربي على تنظيم انتخابات حرة، نزيهة وشفافة ( وفق منظور مختلف التقارير الوطنية و الدولية التي أعقبت تنظيم هذه الاستحقاقات ) وبصرف النظر عن النتائج المحصل عليها من طرف التشكيلات الحزبية المختلفة، أغلبية ومعارضة (على مستوى عدد الأصوات وعدد المقاعد)
، وكذا عن التجسيدات المعبر عليها من طرفها لتكريس منطق ” الريادة الانتخابية” وما قد يمثله هذا المنطق من إرهاص أولى لهيمنة ” حكومية” مقبلة في إطار انتخابات 2016 ،فان صيرورة المراحل الموالية ،هي التي ستبرهن بالملموس ،عن مدى تبلور الانتخابات كإوالية من إواليات الدمقرطة الحقيقية أو كأساس لمشروعية التمثيل الديمقراطي ” الرصين” .هذا الاخير الذي لن تقوم له قائمة ولن يكتمل بنيانه، الا بتشكيل مجالس قوية ( مجالس الجماعات ،مجالس العمالات و الأقاليم ،مجالس الجهات )تؤمن بضرورة التوسل بمختلف آليات التدبير الحر ومبادئ الحكامة الترابية الجيدة ،و التي تتوخى برمتها بلوغ مدارج تنمية مستدامة، منصفة ومندمجة. في هذا السياق ، تأتي مرحلة تشكيل الأجهزة المسيرة لشؤون الجماعات الترابية ، ومنها “الجماعات”، والتي عمل القانون التنظيمي رقم 14-113 على توضيح مساراتها التكوينية و التدبيرية وفق ميكانيزمات دستور 2011 ،و الذي خولها اختصاصات وصلاحيات جديدة أخذت تفرض ضرورة تشكيل مجالس قوية ، قادرة على ربح رهانات حكامة ترابية جيدة ورائدة، تجعل المغرب يلج وبكل ثقة بوابة الدول الصاعدة.
إن مسألة تكوين الأجهزة المسيرة لشؤون الجماعة ( المكتب، اللجان الدائمة، كاتب المجلس ونائبه و الفرق بالنسبة للمجالس ذات نظام المقاطعات) ووفق مقتضيات القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، ستطرح لا محالة إشكاليات قانونية حقيقية ، هي مختلفة تمام الاختلاف عن تلك الإشكاليات التي طرحت ابان العمل بالقانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، خاصة في الشق المتعلق بانتخاب رئيس المجلس الجماعي، وذلك من منظور المستجدات المهمة و الكثيرة التي أتى بها القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات على مستوى هذا الانتخاب. ومن بين الإشكاليات التي يمكن أن تطرح في هذا الاطار ،يمكن الوقوف على تلك الإشكاليات ذات الصلة بالترشح لمنصب الرئيس ،حيث أنه وعلى عكس الميثاق الجماعي ل 13 أكتوبر 2002 ،و الذي لم ينص على أية مسطرة ذات شروط معقدة لتقديم الترشيحات فيما يخص انتخاب الرئيس ، فان القانون التنظيمي ل 7 يوليوز 2015 و المتعلق بالجماعات، ووفق منطوق المادة 11 ،يلزم بضرورة الأخذ بمسطرة الترشيح لمنصب رئيس مجلس الجماعة ،وذلك وفق مجموعة من الشروط تختلف باختلاف نمط الاقتراع “. فبالنسبة للجماعة التي ينتخب أعضاء مجلسها بالاقتراع الأحادي الاسمي يفتح باب الترشيح لرئاسة مجلس الجماعة لكل الأعضاء المنتخبين ” .وهنا نجد أنه لابد ” بالنسبة للأعضاء المنتمين للأحزاب السياسية الإدلاء بتزكية الحزب الذي ترشح باسمه المترشح أو المترشحة” .أما بالنسبة للجماعات التي انتخب أعضاء مجلسها عن طريق الاقتراع باللائحة، فان الفقرة الثالثة من المادة 11 تلزم على أن “يترشح لمنصب الرئيس الأعضاء و العضوات المرتبون على رأس لوائح الترشيح التي فازت بمقاعد داخل المجلس”، وذلك وفق شروط معينة ومحددة وهي : أولا : أن يكون المترشح من بين الأحزاب الحاصلة على المراتب الخمس الأولى بناء على مجموع المقاعد المحصل عليها في مجلس الجماعة. ثانيا: بالنسبة للمنتمين للأحزاب السياسية، يجب أن يرفق طلب الترشيح بتزكية مسلمة من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه المترشح” .هذا على مستوى الشروط الواجب توفرها و استيفاؤها للترشيح لمنصب الرئاسة ،أما بخصوص فترة إيداع الترشيحات فقد حددتها المادة 12 من نفس القانون التنظيمي” خلال الخمسة (5) أيام الموالية لانتخاب أعضاء المجلس”. وعموما فمن الملاحظات التي يمكن رصدها في هذا الصدد، نجد مايلي :
- اشتراط الحصول على تزكية خاصة بالترشح لمنصب الرئيس، يسلمها للعضو المرشح الحزب الذي ترشح باسمه ،يطرح اشكالية تدبير مسألة “التزكيات” من الناحية السياسية ومدى تأثيرها على الجانب القانوني للمترشح الذي يصر على التقدم بترشيحه رغم عدم تمكنه من الحصول على التزكية كشرط وجوب بالنسبة لمسطرة الترشح لمنصب رئاسة المجلس، خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار مدى حرص المرشح ” المفترض ” على احترام إرادة الناخب ،و بالتالي خضوع الديمقراطية لعملية استيلاب غير مباشر ستؤثر لا محالة في اختيارات الناخب مستقبلا ،وكذا مدى الأهمية القانونية لآلية ” التزكية” فيما يخص منحها ” لفيتو” حقيقي مسلط على رقاب أولئك الذين قد لا يكترثون بشكل أو بآخر لمنطلق التحالف و الوئام المفروض من طرف الأحزاب السياسية وأجهزتها المكلفة بمنح التزكية للمرشحين.
- اشتراط انتماء المترشح أو المترشحة لمنصب الرئاسة إلى إحدى الأحزاب التي حصلت على المراتب الخمس الأولى بناء على مجموع المقاعد المحصل عليها في مجلس الجماعة ،مع ضرورة الإشارة إلى أنه في حالة حصول حزبين أو أكثر على المرتبة الخامسة بكيفية متساوية، يتم قبول مرشح كل واحد منهما . فهذا الشرط قد يشكل عبئا إضافيا على الأحزاب السياسية الفائزة بمقعد من مقاعد مجلس الجماعة ويجعلها تخضع مرة أخرى لمنطق “العتبة” واكراهاتها العددية التي تجعل الأحزاب المرتبة في الصف ما بعد الخامس أحزابا “مهمشة” وغير قادرة على بلورة قدرتها التنافسية في تدبير شؤون المجلس رغم كسبها لثقة الناخبين وتجاوزها لسد ” العتبة” في المرحلة الاولى. ان مختلف هذه الملاحظات ،و غيرها كثير، تعتبر من بين الاسباب المفسرة لظاهرة التحالفات “الهجينة” التي اتسمت بها عملية انتخاب رؤساء مجالس الجماعات و نوابهم ،مما اثر في نهاية المطاف بشكل سلبي على جدوائية هذه العملية الحاسمة في مسارات الحكامة الترابية .