نزاعات عقد الاشتراك في الهاتف المتنقل
لقد لقي الهاتف المتنقل انتشارا واسعا بين المستهلكين. لكن هذا الانتشار أدى في المقابل إلى ظهور نوع جديد من المشاكل والنزاعات خاصة في حالة عقود الاشتراك في خدمة الحصص الجزافية. وهكذا إذا كان الهاتف المتنقل أداة عمل ضرورية بالنسبة لبعض المستهلكين فإنه بالنسبة للبعض الآخر مصدر العديد من المشاكل والمصاريف. وأول هذه المشاكل تبدأ من غياب نوع قياسي أو نموذجي من عقود الاشتراك في خدمة الهاتف المتنقل. فبالنسبة مثلا للاشتراك في خدمة الحصص الجزافية لا يستطيع المستهلك أن يعرف بالتحديد نوعية الخدمات والالتزامات التي تقع على عاتق المزود بالخدمة غير مدة الحصة الجزافية التي اختارها والأسعار المطبقة عليه فيها. وتزداد الأمور غموضا وخطورة بالنسبة للمستهلك إذا علمنا أنه لا يُمَكَّن من الاطلاع على نموذج العقد ولا تعطى له فرصة قراءة كل شروط التعاقد. كل ما يوقع عليه الزبون/المستهلك هو فقط وثيقة طلب الاشتراك أو وثيقة اقتناء بطاقة الدفع المسبق أو وثيقة التسجيل في خدمة ما، يكتب على ظهرها ما يسمى بـ”شروط عامة” للاشتراك، دون بيان لالتزامات الطرف المزود بالخدمة. ومعلوم أن هذه الوثيقة أو “المطبوع” من الناحية القانونية لا يعتبر بأي حال من الأحوال عقدا.
سنتطرق في سلسلة من المقالات لأهم النزاعات والمشاكل التي يثيرها عقد الاشتراك في الهاتف المتنقل مع تحليلها من الناحية القانونية وبيان ما يتعين على المستهلك القيام به للدفاع عن حقوقه فيها.
1- الحق في عقد الاشتراك أولا :
ينبغي أن يكون معلوما أن المصدر الأول للمشاكل في عقود الاشتراك في الهاتف (وغيره من الخدمات) هو عدم تمكين الزبون/المستهلك من نسخة من العقد الذي يربطه بالمزود. وفي هذا انتهاك خطير لحقوق المستهلك ودوس غير مبرر على قانون التعاقد. فمن البديهي والمسلم به أن الشخص لا يُقبِل على التعاقد إلا بعد اطلاعه على شروط التعاقد وخاصة على التزامات الطرف الآخر حتى يكون على بينة من حقوقه والتزاماته. والواقع عندنا أن غالبية المزودين بالخدمات لا يسلمون لزبنائهم نسخة من العقد, وبالتالي لا يتمكن هؤلاء من معرفة التزامات المزود بالخدمة وما يحق له القيام به وما لا يحق, مما يجعل موقفهم ضعيفا وغامضا في حالة المطالبة بحقوقهم.
ما هو الموقف العملي المطلوب في هذه الحالة؟
يجب على الزبون/المستهلك المطالبة بالاطلاع على نموذج العقد بكامل بنوده التي يجب أن تتضمن التزامات الطرفين معا.
يجب على الزبون/المستهلك القراءة المتأنية لكل بنود عقد الاشتراك وخاصة التزامات المزود بالخدمة، لأن هذه الأخيرة هي التي تحدد حقوق المشترك/المستهلك وتوضح له الخدمات التي يخولها له عقد الاشتراك.
يجب على الزبون/المستهلك المطالبة بنسخة من العقد في حالة التوقيع على الاشتراك في الخدمة.
وفي جميع الأحوال يجب إعطاء الحق للقضاء للأمر بتقديم العقد (أو الأمر بإحضار الدليل عامة) الذي يكون في حوزة المزود ويمتنع عن تقديمه أو الإدلاء به.
2- هل من الطبيعي فرض الالتزام بالاشتراك مدة 12 أو 24 شهرا ؟ وهل من إمكانية للمستهلك للتحلل من هذا الالتزام قبل انتهاء المدة؟
يبرر عادة المزود بخدمة الحصة الجزافية فرض الالتزام بالاشتراك مدة معينة بأن الاشتراك خلال هذه المدة يتضمن ثمن بيع جهاز الهاتف المتنقل وثمن بيع خدمة الاتصال. الشيء الذي يعني في نظرنا أن الأمر يتعلق أساسا بعقد بيع لجهاز هاتف متنقل أكثر مما هو عقد الاشتراك في خدمة هاتف متنقل.
السؤال المطروح هنا هو هل يملك الزبون/المستهلك إمكانية لفسخ اشتراكه قبل انتهاء المدة المحددة ؟
يمكن للزبون/المستهلك فسخ اشتراكه قبل انتهاء مدته في الأحوال الآتية:
أولا : في حالة وقوع عطب في جهاز الهاتف المقتنى في إطار عملية الاشتراك
من التزامات المزود بخدمة الاشتراك في الهاتف المنتقل إذا كان هو البائع لجهاز الهاتف ضمانه للعيوب الخفية لهذا الجهاز والأعطاب غير الراجعة لسوء الاستعمال التي تحصل له خلال مدة معينة من تاريخ البيع. وهنا يتعلق الأمر في الحقيقة من الناحية القانونية بعقدين مرتبطين: عقد بيع جهاز الهاتف المتنقل + عقد بيع خدمة الاتصال. ومن المنطقي أن يتأثر عقد بيع الخدمة بعقد بيع الجهاز. فإذا فسخ هذا الأخير ينفسخ معه الأول. وتطبيقا لهذا التكييف يمكن القول إنه في الوقت الذي يكون فيه الجهاز بين يدي البائع في إطار الخدمة بعد البيع أو في الوقت الذي يتطلبه استبداله والتوصل بجهاز آخر من الواجب أن يكون الزبون معفى من واجب الاشتراك, ويجب في هذه الحالة تعليق عقد الاشتراك. وفي حالة عدم تمكن البائع من إصلاح العطب أو استبدال الجهاز بآخر من نفس النوع والمواصفات يصبح الزبون/المستهلك في حل من التزامه بالاشتراك إلى آخر المدة المحددة في العقد.
ثانيا : في حالة ضياع أو سرقة جهاز الهاتف النقال المقتنى في إطار عملية الاشتراك
من مصلحة الزبون/المستهلك ومن حقه في هذه الحالة فسخ اشتراكه قبل انتهاء أجله, لأن شراء جهاز آخر من نفس النوع والصفات سيكون مكلفا له. وهنا وانطلاقا من فرضية ارتباط العقدين (عقد بيع الجهاز + عقد بيع خدمة الاتصال) يصبح الاشتراك في الخدمة دون مقابل (أو دون أداة) ما دام الزبون لم يعد بإمكانه (بفعل قوة قاهرة) استعمال الجهاز الذي تم التعاقد على أساسه. لكن ماذا لو اقترح المزود بالخدمة بيع جهاز آخر للزبون بشروط تفضيلية لإتمام الاشتراك؟ لا يمكن في نظرنا أن يفرض هذا الاقتراح على الزبون لإتمام الاشتراك ويبقى له الخيار في قبول أو رفض هذا العرض.
ولا يمكن بحال أن يفرض على الزبون إن أراد التحلل من الاشتراك في حالة سرقة أو ضياع الجهاز أداء قيمة الاشتراك عن المدة المتبقية من العقد. وكل شرط مسبق يفرض هذا الأداء اعتبره القضاء الفرنسي تعسفيا (المحكمة الابتدائية الكبرى لـNanterre بتاريخ 3/3/1999 – حكم ضد FranceTelecom Mobile ).
ما يجب القيام به عمليا :
· يجب إشعار المزود بالخدمة في اقرب وقت ممكن بالواقعة لتعليق الاشتراك
· يجب إثبات واقعة السرقة أو الضياع من خلال تصريح لدى السلطة المختصة أو من خلال معاينة بشهود
· يجب تأكيد هذا الإشعار برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يطلب فيها الزبون إيقاف الاشتراك بسبب سرقة الجهاز أو ضياعه مشفوعة بشهادة الضياع
· طلب إرجاع قيمة الاشتراك المقتطعة بعد تاريخ السرقة أو الضياع إن تم هذا الاقتطاع
في حالة رفض المزود فسخ العقد واستمر في اقتطاع قيمة الاشتراك أو المطالبة بها يبقى اللجوء إلى القضاء ضروريا لطلب فسخ عقد الاشتراك.
وقد سبق للقضاء الفرنسي أن نظر في قضية مشتركة في خدمة الحصص الجزافية للهاتف المتنقل سقط منها هاتفها بشكل فجائي في الماء وهي على متن باخرة. وبالرغم من أنها طلبت إلغاء الاشتراك استمرت الشركة المزودة في اقتطاع واجب الاشتراك اعتمادا على شرط وارد في العقد يقضي باستمرار الاشتراك إلى نهاية أجله المحدد في العقد بالرغم من فسخه من طرف المشترك. وقضت المحكمة بفسخ العقد مع اعتبار الشرط الذي يخول للمزود استخلاص أقساط الاشتراك دون مقابل تعسفيا (حكم المحكمة الابتدائية بـAuxerre بتاريخ 26/8/1999).
ذ. عبد الحميد أخريف
مركز قانون الالتزامات والعقود فاس