نقطة نظام: تزويج الطفلات انتهاك لكل اتفاقيات حقوق الانسان –
لقد حان الوقت لتجاوز نظرية ثنائية القانون ،التي تفيد بكون القانون الداخلي والقانون الدولي نظامان قانونيان متساويان ومنفصلان ومستقلان ،لاعتماد نظرية وحدة القانون ،التي تتيح إمكانية دمج كل اتفاق أو معاهدة دولية في المنظومة التشريعية الداخلية دون اتخاذ أية إجراءات خاصة،بالشكل الذي يسهم في تغليب القواعد الدولية بصفتها تكتسي سموا تراتبيا وهرميا ،واضحا ومحسوما، على القواعد الداخلية.
إسماعيل بلكبير مقبول
ناشط حقوقي
نقطة نظام:
تزويج الطفلات انتهاك لكل اتفاقيات حقوق الانسان
مدخل : اعتقد انه لابد من تسجيل نقطة نظام، في ظل ما تعرفه ظاهرة تزويج الطفلات بالمغرب من استمرارية تحولها من استثناء الى قاعدة، بسبب ارتفاع نسب الاستجابة الى الطلبات المقدمة الى المحاكم، لعل اخر المعطيات الاحصائية المرتبطة بها، عكستها الارقام المقدمة في اطار الدراسة التشخيصية التي اصدرتها رئاسة النيابة العامة بتعاون مع اليونيسيف ،والتي بقدر ما تجسد اول انخراط رسمي من مؤسسة النيابة العامة في النقاش العمومي الدائر بالمغرب حول موضوع تزويج الطفلات، بقدر ما تثير اشكالية مكانة الاتفاقيات الدولية في التشريع الداخلي ومرتكزات الادماج القانوني للاتفاقيات الدولية في القانون الوطني.
لعل أهم المكتسبات التي وفرها اعتماد مدونة للأسرة بالمغرب سنة 2004، لتحل محل مدونة الاحوال الشخصية والميراث ،هو التأثير الايجابي على العقليات في مجال المساواة بين المرأة والرجل، واعتبارها خطوة هامة للغاية في وقتها بخصوص وضعية المرأة والطفل ،حيث حددت للمرة الاولى ،مصلحة الطفل باعتبارها مبدأ ينبغي ان يراعى من طرف القضاة عند اتخاذهم القرار، لكنها في مقابل ذلك حملت في احشائها احكاما شكلت ارضية لانتهاك حقوق الطفلات على مستوى الممارسة، كشفت عنها كل الدراسات والتقارير الدولية والوطنية وأجمعت على ضرورة مراجعة المدونة بإلغاء الاحكام التي تتيح ممارسة تزويج الطفلات وتشكل عائقا امام تمتع الطفل بحقوقه وصيانة مصالحه الفضلى .
من هذا المنطلق فان الاسس الداعمة لمراجعة مدونة الاسرة قصد حماية الطفلات ، تجد مبرراتها في ضرورة ملاءمتها مع المقتضيات الدستورية الجديدة ، وتجاوز نظرية ثنائية القانون لإدماج المعايير الدولية لحقوق الانسان ، وتطهير المدونة من الاحكام التي تساهم في عدم تمتع الاطفال بحقوقهم ،كما هو محدد في الدعامات التالية:
على مستوى ملاءمة احكام المدونة مع الدستور:
ينـص الدسـتور فـي تصديـره، الـذي يشـكل جـزءا لا يتجـزأ منـه، علـى التـزام الدولـة “بـإرسـاء دعائـم ، يتمتـع فيـه الجميـع بالأمن والحريـة والكرامـة والمسـاواة، وتكافـؤ الفـرص، والعدالـة الاجتماعية”، كما ينص الفصــل 19 مــن الدســتور على ان يتمتــع الرجــل والمــرأة، علــى قــدم المســاواة، بالحقــوق والحريــات المدنيــة ّ والسياســية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيــة والبيئيــة، وتسـعى الدولـة إلـى تحقيـق مبـدأ المناصفـة بيـن الرجـال والنســاء، واكدت مقتضيات الفصـل 32 على ّ أن الأسرة القائمـة علـى علاقة الـزواج الشـرعي ّ هـي الخليـة الأساسية للمجتمـع. تعمـل الدولـة علـى ضمـان الحمايـة الحقوقيـة والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضـى القانـون، بمـا يضمـن وحدتهــا واســتقرارها والمحافظــة عليها. تسـعى الدولـة لتوفيـر الحمايـة القانونيـة، والاعتبار الاجتماعي والمعنـوي لجميـع الأطفال، بكيفيـة متسـاوية، ّ بصـرف النظـر عـن وضعيتهـم العائليـة
.في مقابل ذلك فان الواقع يفيد بعدم احترام مقتضيات الدستور، حيث كشف وزير العدل يوم الثلاثاء 3يناير2023 في رده على سؤال شفوي بمجلس المستشارين انه تم تزويج 19000طفلة و تسجيل 27 الف حالة طلاق سنة 2021، بعد مرور 18سنة من الممارسة وتطبيق المدونة.
كما ان التقرير المتعلق بالدراسة التشخيصية التي اصدرتها رئاسة النيابة العامة كشف وبشكل احصائي ان المادة 16 من مدونة الاسرة التي تسمح خلال فترة انتقالية بإمكانية إثبات الزواج غير الموثق بمقرر قضائي، تستغل كمطية للتحايل على زواج الطفلات. اذ يلاحـظ مـن خـلال حيثيات مجموعة من القرارات ان محكمـة النقـض اعتبـرت صغـر سـن الزوجـة وعـدم بلوغهـا سـن الرشـد القانونـي يشكل ظرفا قاهرا مقبولا لسـماع دعوى الزوجية، وذلـك حماية منها للعلاقات الناتجـة عن زواج غير موثـق خاصـة فـي حالـة إنجـاب الأبناء ومحاولـة تهـرب الأزواج من هـذه العلاقة مـن خلال انـكار وجود الـزواج، مما سـاهم فـي تشـجيع التحايـل علـى المقتضيـات المتعلقـة بتزويـج الطفـلات وكـذا التعدد، بـل والجمـع بيـن المسـطرتين معـا مـن خـلال اقدام بعـض الأشـخاص المتزوجيـن بالـزواج مـرة ثانية بطفـلات دون التقيـد بالمسـاطر القانونيـة.
فالدستور يفرض تحديات على جميع الفاعلين الذين تقع على عاتقهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، مسؤولية تفعيل الاحكام المتقدمة الواردة فيه والحرص على يكون لها وقع ملموس على حياة المواطنات والمواطنين.
على مستوى ادماج المعايير الدولية لحقوق الانسان:
لقد حان الوقت لتجاوز نظرية ثنائية القانون ،التي تفيد بكون القانون الداخلي والقانون الدولي نظامان قانونيان متساويان ومنفصلان ومستقلان ،لاعتماد نظرية وحدة القانون ،التي تتيح إمكانية دمج كل اتفاق أو معاهدة دولية في المنظومة التشريعية الداخلية دون اتخاذ أية إجراءات خاصة،بالشكل الذي يسهم في تغليب القواعد الدولية بصفتها تكتسي سموا تراتبيا وهرميا ،واضحا ومحسوما، على القواعد الداخلية.
فاذا كان الإعلان العاملي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 قد نص على أن: الزواج لا ينعقد إلا برضا الطرفين رضاء كاملا لا اعتراض فيه. وهو المقتضى الذي أكده العهدان الدوليان المؤرخان في 16 دجنبر 1966، بإشارتهما إلى ضرورة توفر “ركن الرضا الحر والتام على الزواج ” فان المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة نصت على ان الاطراف تضمن على أساس المساواة بين الرجال والنساء الحق في اختيار الزوج ،وعدم عقد الزواج إلا بموافقة حرة وتامة ،وفي ذلك إشارة إلى ضرورة توفر سن الرشد القانوني في المقبل على الزواج ،كما أشارت إلى أنه لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني ،وألزمت الدول باتخاذ جميع الاجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج، ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.كما أوصت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة ،و لجنة حقوق الطفل الدول الاطراف بحذف الاستثناءات المتعلقة بالحد الدنى لسن الزواج، وتحديد الحد الدنى لسن زواج الفتيات والفتيان بموافقة الوالدين أو بدونها في 18 سنة، وقد أكدت اللجنتين المذكورتين نفس الامر في التوصية الصادرة بتاريخ 8 أبريل 2019،مضيفةأنه يتعين على الدول الاطراف العمل على إنشاء نظام وطني لتسجيل المواليد بشكل إلزامي، وميسر ،ومجاني، بغية المنع الفعال للممارسات الضارة بما فيها زواج الاطفال.
وذهبت اتفاقية جنيف التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والاعراف والممارسات الشبيهة بالرق، التي دخلت حيز التنفيذ في 30 أبريل 1957، إلى حد اعتبار الزواج القسري ممارسة شبيهة بالرق، وألزمت في هذا الإطار جميع الدول بضرورة اتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية القابلة للتنفيذ لإبطال أوترك الاعراف والممارسات المتخلفة، التي تصل إلى حد الزواج القسري ،ومنها الوعد بتزويج المرأة، أو تزويجها دون أن تملك حق الرفض بعد دفع مال لوالديها أو الأوصياء عليها أو أسرتها ،كما أوجبت على الدول الاطراف بأن تفرض، عند الحاجة ،حدودا دنيا مناسبة لسن الزواج، وتشجيع اللجوء إلى إجراءات تسمح لكل من الطرفين المقبلين على الزواج بأن يعرب إعرابا حرا عن موافقته على الزواج بحضور سلطة مدنية أو دينية مختصة ،وتشجيع تسجيل عقودا لزواج.
فالإدماج الدستوري لثقافة حقوق الانسان يظل معطى طوباويا وتكتيكيا ، اذا لم يتم تنزيل احكامه بتدابير عملية مركزة ومنهجية في اتجاه اضفاء طابع الانسجام على التشريع الوطني كي يصير متلائما مع مقتضيات حقوق الانسان في بعدها الكوني .