هل يمكن لمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أن يكون الخصم والحكم ؟ – بقلم : المختار السريدي
هل يمكن لمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة
أن يكون الخصم والحكم ؟
بقلم : المختار السريدي
باحث في المنازعات الضريبية
كثر اللغو واللغط هذه الأيام في أوساط عالم الضرائب والجبايات حول مهمة لم تكن محط بال أو اهتمام أطراف المنازعة الضريبية سواء بالنسبة لمن يشغل هذه المهمة أو كيفية تعيينه وتسميته أو هويته وانتمائه أو اختصاصاته أو السلطات المخولة إليه ، تلك هي مهمة ” الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة ” المنتمي لإدارة الضرائب و المعين من طرفها داخل لجنة مستقلة مهمتها الفصل في طعون ضريبية هي طرف فيها .
و لعل هدف المشرع المغربي من وراء تعيين كاتب مقرر منتسب لإدارة الضرائب كعضو من أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ،يكمن في مساعدة القاضي رئيس اللجنة المحلية وبقية أعضاء اللجنة على التعرف عن قرب على الملفات المطعون فيها أثناء دراستها ومناقشتها و البت فيها نظرا لما يتمتع به من دراية كبيرة وإلمام واسع بالمقتضيات القانونية ذات الصلة و خبرته وتجربته التي راكمها في الميدان الجبائي سواء على مستوى المراقبة أو التأسيس أو التحصيل .
وبسبب هذه المكانة فقد أُسندت إليه عدد من المهام القوية تتمثل في كونه هو من يتكلف باستدعاء أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لحضور اجتماعاتها وجلساتها ، و هو من يتكلف أيضا بإخبار أطراف المنازعة الخاضع للضريبة ومفتش الضرائب بتاريخ انعقاد الإجتماع قصد الدفاع عن مواقفهما وتقديم ما بحوزتهما من وثائق و دلائل ومستنذات ، و هو من يتولى تحرير المقررات الصادرة عن اللجنة و تبليغها إلى الأطراف .
و قد كانت مهمة الكاتب المقرر قبل أن تسنذ إلى ” ممثل عن الإدارة ” بمقتضى قانون مالية سنة 2022 ، يتولاها ” رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله ” انطلاقا من نص المادة 225 من المدونة العامة للضرائب ، و هو ما لا يستقيم والصحوات الحقوقية والقانونية التي عرفتها البلاد وما تلتها من إصلاحات جبائية مهمة حددت الحقوق و رسمت الواجبات ، فكيف يعقل أن يكون رئيس المصلحة المحلية للضرائب كاتبا مقررا للجنة محلية لتقدير الضريبة مهمتها الفصل بين إدارة الضرائب وخاضع للضريبة يشتكي من تعسفها و ظلمها ؟ وكيف يمكن له أن يتجرد من مهمته الأولى والأساسية كرئيس لمصلحة الضرائب ليمارس مهمة ثانية موازية كعضو قوي باختصاصاته في لجنة محلية مهمتها البت في طعون ضريبية وهو من ساهم بكيفية مباشرة أو غير مياشرة في صنع الضريبة موضوع الطعن المعروض عليها ؟ وكيف يمكن له أن يكون خصما وحكما في نفس الوقت وهو من أصدر الفرض الضريبي على صحته أو على عِلاَّته ؟
هذه التساؤلات جاء قانون مالية سنة 2022 ليضع حدا لبعضها من خلال الحسم في أمر تعيين الكتاب المقررين للجان المحلية لتقدير الضريبة بعيدا عن رؤساء المصالح المحلية للضرائب و إسناده إلى ممثل عن الإدارة دون تحديد لهوية هذه الإدارة هل هي إدارة الضرائب أو أية إدارة عمومية أخرى .
و رغم التعديل الذي لحق المادة 225 من المدونة العامة للضرائب التي استبدلت تسمية ” رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله ” بتسمية ” ممثل عن الإدارة ” ككاتب مقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة ، فإن الأمور لازال يكتنفها الغبش و الغموض بسبب أن تغيير الأسماء والمسميات لم يغير من الأمر شيئا وأن الإنتساب إلى الجهاز الضريبي للكاتب المقرر هو الذي يؤلف ويجمع بينهم ، وهذا ما دفع بالعديد من المديرين الجهويين للضرائب إلى تعيين كتاب مقررين للجان المحلية بنفس الطريقة القديمة منهم المتفرغون للمهمة بشكل كلي ومنهم من يشغل المهمة بشكل موازي مع مهمته الأصلية كمفتش للضرائب مكلف بقطاع معين من قطاعات الضريبة .
و إذا كان التفرغ الكلي لمهمة الكاتب المقرر للجنة في بعض المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط وأكادير لا يطرح أي إشكال بسبب كثرة الطعون و تراكم الملفات ، فإن الأمر يختلف– خصوصا في المدن الصغرى حيث قلة وندرة الطعون والملفات – بالنسبة للكتاب المقررين الذين يوجدون في وضعية ” وحدة الشخص وازدواجية المهام ” أي الذين يقومون بمهمة كاتب مقرر بالموازاة مع مهمتهم الأصلية المتمثلة في القيام بربط وتأسيس ومراقبة الضريبة ، وهنا يطرح الإشكال مجددا وبنفس الحدة حول ما العمل إذا كان رئيس قطاع ضريبي معين أو مجرد موظف في القطاع بصفته كاتبا مقررا للجنة المحلية لتقدير الضريبة ، طرفا في المنازعة كأن يكون هو من قام شخصيا بمراقبة أو تصحيح الضريبة المطعون فيها أو وقَّع أو أمضى على الوثائق المسطرية بصفته رئيسا إداريا لمفتش الضرائب الذي قام بعملية المراقبة أو التصحيح موضوع الطعن ، و في نفس الوقت يحضر كعضو ضمن أعضاء اللجنة الموكل إليها البت في الطعن و الفصل ما بين الطرفين المتنازعين ؟ ، رغم أنه في مثل هذه الحالة يمكن أن يُنيب عنه ممثلا لا صلة له بعملية التصحيح أو المراقبة تلك ولو أن هذا الممثل لا يمكن له أن ينظر في ملف طعنٍ رئيسُه المباشر هو طرف فيه – وهذه أمور قد مارسناها وخبرناها عن كثب وعن قرب – مما قد يضر باستقلالية الكاتب المقرر ويضعه أمام حالة التنافي و يجعل مقرَّر اللجنة غير ذي قيمة أو مشكوكا في صحته أو في التشكيلة التي أصدرته و معرضا بالتالي للبطلان .
إلا أنه مهما كانت هوية أو انتماء الموظف الإداري الذي أسندت إليه مهمة الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة ، فإننا نتساءل عن مدى صحة تعيينه إذا اجتمعت فيه صفتا الحكم والخصم ومدى استقلاليته في القيام بعمله داخل حظيرة اللجنة ؟
إن الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة الذي يمثل الإدارة والذي يتم تعيينه من بين أطر المديرية العامة للضرائب ، هو بمثابة المِنسأة القوية التي تعول عليها اللجنة ، فهو من يتلقى الطعون و يوجهها إلى القاضي رئيس اللجنة ، وهو من يستدعي أعضاء اللجنة الثلاثة الباقين للإجتماع و هو رابعهم ، وهو من يخبر الطرفين المتنازعين بانعقاد الإجتماع أو بانتهاء المدة المحددة قانونا للبت ، وهو من يحرر المقررات الصادرة عن اللجنة و يبلغها إلى الأطراف كما سلف القول ، وبالتالي فهو عنصر أساسي و فعال ولا يمكن الإستغناء عنه داخل اللجنة ، بحيث لا يمكن تصور تشكيلتها دون حضوره ، بل أن بعض القضاة رؤساء اللجان المحلية من يرفع الجلسة أو يؤجلها إذا تغيب الكاتب المقرر أو تعذر عليه الحضور .
كل هذه الإختصاصات تستدعي أن يتم تعيينه من خيرة و علِّية الأطر و أن يكون على بينة و دراية تامة بالنصوص القانونية و الجبائية و صاحب تجربة مهمة و كفاءة كبيرة في الميدان تؤهله لأن يكون مستشارا للقاضي و للجنة المحلية ككل قبل أن يكون مقرِّرا و أن يكون حَكما عدلا لا خصما منحازا .
و بالرغم من المؤاخذات الكثيرة التي يؤاخد عليها الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة سواء من طرف الخاضعين للضريبة الذين يشكُّون في استقلاليته عن إدارته الأصلية ( المديرية العامة للضرائب ) التي تملك سلطة تعيينه وإعفائه ، و ميوله العفوي إلى ترجيح كفة هاته الإدارة حسب زعم بعض الطاعنين ، أو حتى من طرف بعض مفتشي الضرائب أو رؤسائهم الذين قد يوجهون إليه اللوم و العتاب في حالة عدم صدور مقررات اللجنة لصالحهم حيث يعتبرونه جزءا من الأسرة الضريبية التي يمكن أن يعود إليها متى شاءت الإدارة الضريبية ذلك و بالتالي فهم ينتظرون منه شيئا من ” المحاباة و المساندة ” ، فإنه و مهما كانت من مؤاخذات و مهما حصلت من ميولات فالقانون يبقى هو الفيصل في معالجة الملفات .
لكن مهما كانت التساؤلات و المواقف يبقى الكاتب المقرر مجرد عضو عادي من أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة يتمتعون جميعهم بصوت تداولي لكل عضو مع ترجيح كفة الرئيس في حالة تعادل الأصوات ، ذلك أن تمتعه بصوت واحد ضمن أربعة أصوات مع امتياز لصوت القاضي لا يمكن أن يكون له تأثير كبير على مصير تلك الملفات ، و بالتالي فلا خوف على حقوق الخاضعين للضريبة من أي تحيز أو محاباة .
ونظرا لجسامة المهمة وثقل المسؤولية التي أصبح يتحملها الكتاب المقررون للجان المحلية لتقديرالضريبة و طريقة تسميتهم و اختيارهم من طرف المديرين الجهويين للضرائب ، فإن مسألة تعيينهم تبقى مثار شكوك حول انتمائهم وارتباطهم بإدارتهم الأصلية ( المديرية العامة للضرائب ) و الضغوط و التأثيرات التي من الممكن أن تمارسها عليهم هذه الإدارة بطريقة أو بأخرى ، خصوصا حينما نجدهم يتبعون إداريا إما للمصالح الجهوية للتحقيقات الضريبية أو للمصالح المحلية للضرائب بحسب موقعهم ، مما قد يضر باستقلاليتهم ويؤثر على سير أعمالهم .
وتطبيقا ل ” قاعدة أخف الضررَين ” فإننا ندعو إلى تبعيتهم المباشرة إلى المديرين الجهويين للضرائب شأنهم شأن المكاتب الجهوية للشؤون القضائية ، وهذا أضعف الإيمان .