في الواجهةمقالات قانونية

التقاضي عن بعد أية ضمانات للمحاكمة العادلة في ضوء مسودة مشروع قانون الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية

 

التقاضي عن بعد أية ضمانات للمحاكمة العادلة

في ضوء مسودة مشروع قانون الوسائط الالكترونية

في الاجراءات القضائية

محمد أمين مروان           

طالب باحث بكلية الحقوق بالسويسي

جامعة محمد الخامس الرباط       

 

تمهيد :

مما لا شك فيه أن الحاجة الى احداث طرق جديدة في التقاضي أصبح ضرورة ملحة ، خاصة الوضعية التي يشهدها العالم من جراء تفشي فيروس كورونا المستجد المعروف بكوفيد -19 والذي أثر بشكل واضح على جميع الميادين والقطاعات الحيوية ، صناعيا وتجاريا واقتصاديا واجتماعيا ، بل ان مرفق العدالة لم يسلم من تعطيل أجهزته بسبب الاضطراب الذي ساد منذ بداية ظهور الفيروس.

لذلك بادر المشرع المغربي الى اصدار مشروع قانون يقنن أسس وضوابط المحاكمة عن بعد التي تعد من أهم الأوراش الكبرى لميثاق اصلاح منظومة العدالة بالبلاد ، وذلك في الهدف الرئيسي السادس الرامي الى تحديث الادارة القضائية وتعزيز حكامتها ، لكن وان كان المشرع المغربي يحسب له هذا التدخل الاستثنائي فان الظرفية التي تم اصدار فيها هذا المشروع أثارت نقاشا واسعا لدى الحقوقين والممارسين ، خاصة وأن المشرع المغربي لم يكن مستعدا لمثل هذه الوضعية التي يمكن أن نسيمها بالقوة القاهرة ، والتي تحول دون استمرارية مرفق العدالة بمكوناته البشرية كما كان معتادا عليه سابقا .

ومما لا خلاف عليه ،على أن كورونا باعتباره وضعية استثنائية عطل وشل عمل المحاكم المغربي ، جعل من المحاكمة التقليدية غير ممكنة الوقوع على الاطلاق وذلك لاحتمال تنقل الفيروس الى أوساط أجهزة العدالة الجنائية ، لذلك كما سبق الذكر فان المحاكمة عن بعد من خلال مسودة مشروع القانون قد أثارت نقاشا لدى العديد من المهتمين والممارسين خاصة وأن هذه التقنية الجديدة من شأنها أن تمس بمدأ الشرعية الجنائية وتهدد حقوق المتقاضين من الاستفادة من العديد من المبادئ الدستورية كالحق في الولوج الى العدالة والحق في الحضور الى جلسات الحكم الى غير ذلك من الحقوق.

لكن تنبغي الاشارة الى المحاكمة عم لعد لم تكن أبدا وليدة هذه اللحظة الاستثنائية التي يعيشها المغربي ، وانما يعتبر من أهم المواضيع المثارة خلال السنوات الماضية وذلك انطلاقا لما تضمنه الميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة من مجموعة من التوصيات التي تنادي بضرورة تكريس مقومات المحكمة الرقمية ، وضرورة  ضمان حقوق المتقاضين أو توفير ضمانات المحاكمة العادلة لهم وفق لما تنص عيله الوثيقة الدستورية والنواثيق الدولية.

هذا بالاضافة الى أن الميثاق قد خصص حيزا مهما منه لتناول التقاضي عن بعد ، فان مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية خصصت جزءا لا يستهان به لتقنيات التصال عن بعد سواء خلال مرحلة التحقيق أو المحاكمة وسواء في اطار المحاكمة الوطنية أو التعاون الدولي.

وبالتظر الى أهمية الموضوع في الظرفية الراهنة ، فان ينبغي طرح مجموعة من التساؤلات والاشكالية الأساسية وهي في مجملها كالتالي:

  • ما هو الأساس القانوني للتقاضي عن بعد ؟ وما تأثيره على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور؟
  • وما مدى شرعية التقاضي عن بعد في ظل غياب نص قانوني يؤطره ؟
  • وهل تحقق هذه التقنية مبدأ التواجهية بين الخصوم دون الحضور المادي الفعلي لهم ؟
  • هل هذه التقنية مبررة بحالة الطوارئ الصحية في غياب نص قانوني ، أن أنها تقنية مستقبلية يمكن الاعتماد عليها لمواجهة بعض مظاهر الأزمى الجنائية ؟

كل هذه الاسئلة المثارة أعلاه ، بمكن الاجابة عنها باعتماد التصميم التالي :

المحور الأول : الأساس القانوني للتقاضي عن بعد 

المحور الثاني : وضعية الحقوق الدستورية وتأثرها بفعل انتشار الفيروس:

   المحور الثالث : المحاكمة العادلة ، أية ضمانات ؟

 

المحور الأول : الأساس القانوني للتقاضي عن بعد  :

ان انتشار فيروس كورونا وتوغله في مختلف القطاعات الحيوية في معظم بلدان المعمور سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو القضائي ، قد رتب مجموعة من الآثار السلبية على المواطنين بصفة عامة والمتقاضين بصفة خاصة ، بالاضافة الى ذلك فان الوضعية التي تشهدها بلادنا قد أدت الى افراز صعوبة في التحصيل المادي للحقوق بالنسبة للأفراد على المستوى العالمي والوطني.

وبالنظر الى هذه الوضعية التي لا تحول دون تعطيل العديد من الحقوق الدستورية ، بادرت الدولة المغربية على غرار باقي دول العالم المتأثرة بهذا الوضع الاستثنائي من تبني العديد من الحلول التي من شأنها أن تحمي المواطنين من مخاطر انتشار الفيروس ، وفي هذا الاطار قامت السلطة الحكومية المكلفة بوزارة العدل والسلطة القضائية أيضا الى  تحديث الادارة القضائية و تعزيز أوراش المحكمة الرقمية باعتبراها من أهم المخارج الأساسية لتوصيات الميثاق الوطني للاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة ، والذي أسست اللجنة المكلفة به سنة 2013 بتعليمات سامية من جلالة الملك محمد السادس .

حيث أنه وبالرجوع الى الميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة نجد أن من بين أهم الأهداف الكبرى التي نص عليها وهي ضرورة تحديث الادارة القضائية وتعزيز حكامتها في الهدف الرئيسي السادس ؛ والذي بدور قد جاء يضم اربع أهداف فرعية وهي :

  • اقامة ادارة قضائية احترافية وفعالة ؛
  • تأسيس ادارة قضائية قائمة على اللاتمركز الاداري والمالي ؛
  • ارساء مقومات المحكمة الرقمية ؛
  • تحديث خدمات الادارة القضائية وانفتاحها على المواطن ؛

من هنا يبدو لنا أن المشرع المغربي قد أسس لمقومات المحكمة الرقمية والتقاضي عن بعد من خلال مشروع قانون الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية ، حيث ان هذا التدخل التشريعي في هذه المرحلة بالذات ، يعتبر تدبيرا استثنائيا بالدرجة الأولى وليس تدبيرا استراتيجيا والذي يستلزم وجود مقاربة تشاركية بين مختلف المؤسسات القضائية وباقي المهن القانونية والقضائية والحقوقين   .

فالبرجوع الى المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها ، نجدها تنص في المادة 3 منه على ما يلي :  ” على الرغم من جميع الأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل تقوم الحكومة ، خلال فترة اعلان حالة الطوارئ . باتخاد جميع الاجراءات اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة ، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وادارية ،أو بواسطة مناشير واعلانات وبلاغات ، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوطنية للمرض ، وتعبيئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم .

لا تحول هذه التدابير المتخدة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية ، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين . ”

فمن الملاحظ أن هذا النص القانوني والذي أصدره السلطة الحكومية ، قد جاء بالعديد من التدابير الأساسية والتي تهم بالدرجة الأولى حماية حقوق المواطنين والحفاظ على الصحة العامة ، ولعل من أهم هذه التدابير وهو تكريس مفهوم التقاضي عن بعد ، لكن الملاحظ من خلال هذا النص أن المشرع المغربي قد عطل مفعول قانون المسطرة الجنائية وخاصة أن المادة 3 من المرسوم جاء فيها ما يلي :

” باتخاد جميع الاجراءات اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة ، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وادارية ،أو بواسطة مناشير واعلانات وبلاغات” .   فبغياب أي من هذه المراسيم و البلاغات لا يمكن أن نتحدث عن تقاضي عن بعد بالمفهوم القانوني الذي يفتقد لسنده الشرعي ، من جهة أخرى فان المشرع المغربي كذلك قد جعل الحماية المقرر بموجب هذا النص القانوني في صالح المتهم المودع بالمؤسسة السجنية دون القاضي الذي بدوره كان على المشرع أن يؤسس لهذا الطرح وذلك بحماية القاضي نفسه من مخاطر هذا العدو الخفي .

المحور الثاني : وضعية الحقوق الدستورية وتأثرها بفعل انتشار الفيروس:

من جهة أخرى لا بد من الاشارة الى نقطة في غاية الأهمية ، وبعد أن تطرقنا الى الأساس القانوني للتقاضي عن بعد ، وهي هل يمكن اعتبار أن اصدار هذا المرسوم وفي ظل هذه الوضعية يشكل  تهديدا ومساسا بالحقوق الأساسية للمواطنين والمرتفقين بمرفق القضاء ، والتي كرسها بدون شك الدستور الجديد للمملكة المغربية لسنة 2011 ؟

ان الاجابة على هذه التساؤل يفرض علينا بداية الرجوع الى مضامين الوثيقة الدستورية التي تكرس لهذه الحقوق ونطاق ممارستها ، ثم نتحدث عن مدى ملائمة مرسوم حالة الطوارئ الصحية مع هذه المضامين  ، وهل بالفعل تم تعطيل هذه الحقوق بشكل مطلق  .

  • بالرجوع الى الفصل 21 من دستور المملكة نجده ينص على ما يلي : ” حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه ، والخروج منه ، والعودة اليه ، مضمونة للجميع وفق القانون. “

 

  • فالملاحظ من خلال الفصل أعلاه أن المشرع الدستوري نص على حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه ، والخروج منه ، والعودة اليه ، كلها حقوق مضمونة وبقون القانون ، وبالتالي يحق للفرد وفق هذه الحرية أن ينتقل من مكان الى آخر والخروج من المغرب أو العودة اليه ، بمعنى الحق في الجولان حق دستوري أصيل ومضمون .
  • بالرجوع الى الفصل 29 من الدستور نجده ينص على ما يلي : ” حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي ، وتأسيس الجمعيات ، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة ، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات .

حق الاضراب مضمون ، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته . ”

  • انطلاقا من الفصل أعلاه ، يمكن القول أن الدستور الجديد قد كرس لضمانة ممارسة مجموعة من الحريات العامة المتعلقة بالاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي ، وتأسيس الجمعيات ، كما أن حق الاضراب يعتبر من الحقوق المشروعة للدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للأجراء لذلك جعله القانون حقا مكفولا للجميع أفرادا وجماعات .

بناء على كل هذه المقتضيات المشار اليها أعلاه والتي تكرس للحقوق الأساسية للمواطنين ، فان تقييد هذا الحقوق وتعطيلها و الحد من ممارستها ، يجب أن يكون وفق ضوايط قانونية تحترم روح الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغربي والمتعلقة بحقوق الانسان ، لذلك فان مراعاة للمصلحة العامة يقتضي في بعض الأحيان وضع بعض القيود على هذه الحقوق والحريات الأساسية تحقيقا لمصلحة المجتمع والأفراد .

لذلك يمكن القول وفق هذه المقاربة ، أن المرسوم المتعلق قد جاء ليوقف مفعول بعض الحقوق ولو كانت دستورية ، وذلك انطلاقا من الاختصاص الحصري الممنوح للسلطات العمومية في سن قوانين وتشريعات تقيد بشكل مؤقت هذه الحقوق حفاظا على مصلحة المجتمع ، وذلك انطلاقا من المادة 3 من المرسوم المومأ اليه سابقا .

فالخلاصة الأساسية التي أود أن أؤكدها ، وهي أن تكريس وتبني مفهوم التقاضي عن بعد ، لا يعني اقصاء وتعطيل باقي الحقوق الدستورية ، وانما هي مجرد ضرفية استثنائية لتفادي المساس بصحة المرتفقين في قطاع العدالة ، حيث أن الشخص المودع بالمؤسسة السجنية على سبيل المثال كفل له القانون العديد من الضمانات الاساسة و الحقوق المهمة والتي بدون شك يؤدي خرقها والمساس بها الى ، جعل مبدأ الشرعية مبدأ معطلا ومنتهكا من جميع الجوانب .

المحور الثالث : المحاكمة العادلة ، أية ضمانات ؟

تعتبر المحاكمة العادلة ، من أهم المبادئ الأساسة التي كرستها الوثيقة الدسنورية لسنة 2011 في العديد من المقتضيات القانونية ، بل ان العديد من التشريعات الوطنية قد أسست لمضامين المحاكمة العادلة ، وذلك انسجاما وتماشيا مع العديد من المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغربي بشكل ايجابي.

وبصدور مشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية ، قد خلف ردود أفعال لدى الكثير من المهمتمين بالحق القانوني من محامين و قضاة وأساتدة جامعيين وحقوقيين ، في مدىى ملائمة هذا المشروع مع المبادئ الأساسية التي جاء بها دستور 2011 وباقي القوانين الاجرائية والموضوعية الأخرى.

لذلك لا بد من التطرق الى أهم هذه المقومات التي تكرس لضمانات المحاكمة العادلة في كل من الدستور المغربي ، وأيضا قانون المسطرة الجنائية باعتباره قانونا شكليا وفق تحليل قانوني يعتمد على مقارنة النصوص القانونية وتقييمها وفق الضوابط المتعارف عليها .

أولا- قراءة في القوانين المعززة لضمانات المحاكمة العادلة على المستوى الدولي والوطني :

  • فيما يخص الوثيقة الدستورية ؛

نص الدستور المغربي العديد من المقتضيات القانونية التي تعزز ضمانات المحاكمة العادلة ولعل أبرزها ما يلي :

  • ينص الفصل 21 منه على ما يلي : ” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات. يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان. ” ، من خلال قراءة هذا الفصل فان المشرع الدستوري قد أسس لمبدأ قرينة البريئة و ضمان المحاكمة العادلة ، وذلك من خلال تحديده لشروط الاعتقال والقاء القبض ، وأيضا تكريسه للضمانات الممنوحة للأشخاص المعتقلين وذلك بضمان حقهم في معرفة أسباب الاعتقال والتعرف على حقوقه .
  • ينص الفصل 120 من الدستور ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم.” ، جعل المشرع الدستوري الحق في المحاكمة العادلة أحد أهم الحقوق المكفولة للمتقاضين . ولذلك فان من أهم هذه المقتضيات التي يجب توفيرها للمتهم بارتكاب الجريمة هي ضرورة اعلامه سريعا وبلغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة اليه ، ثم يجب محاكمته دون أي تأخير وذلك داخل الآجال القانونية ، ويجب كذلك أن يناقش شهود الاتهام اما بنفسه أو من قبل الغير الخ…
  • ينص كذلك الفصل 110 من الدستور: ” لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها.”

فمن خلال قراءة متأنية لهذا الفصل ، يمكن القول أن المشرع الدستوري قد ألزم كل من قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بتطبيق القانون تطبيقا سليما باعتباره أداة لتنظيم المجتمع وحماية مصالح وحقوق الأفراد والجماعات ، بل ان الفصل أعلاه قد دستر لعمل النيابة العامة حيث أوجب على قضاتها تطبيق القانون وذلك حماية للحقوق الأساسية للمتقاضين.

  • على متسوى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية :

بالرجوع الى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية والذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 2200 ، نجده كرس للعديد من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة و التي تأتي وفقا لما كرسه الدستور المغربي ، حيث ان وبالرجوع الى المادة 14 من العهد الدولي نجدها تنص على العديد من المبادئ ولعل أبرزها :

  • من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا الى أن يثبت عليه الجرم قانونا ؛
  • أن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكما، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر،
  • أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له ؛
  • أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها ؛
  • من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا ؛

ثانيا- مدى ملائمة قانون قانون الوسائط الالكترونية مع معايير المحاكمة العادلة وفق القوانين المعمول بها :

انه وبالرجوع الى مشروع القانون المومأ اليه سابقا يبدو لنا واضحا أن المشرع المغربي قد عزز الترسانة التشريعية بالعديد من المقتضيات الهادفة الى تطوير النظام القضائي المغربي وعصرنته وفقا لما ينص عليه الميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة في العديد من توصياته ، وهو ما نلمسه من خلال تعديله لقانون المسطرة المدنية باعتباره قانون شكلانيا بامتياز وبالتحديد على مستوى اجراءات التبليغ ، والتي بدون شك أن فعالية التبليغ ونجاعته تؤدي الى احترام مبدأ حقوق الدفاع المكفول دستوريا، حيث أن التبليغ الالكتروني الذي كرسه المشروع يكرس العديد من الضمانات للمتقاضين خلال هذه الظرفية بالذات وأيضا في الأحوال العادية خاصة وأن باقي الوسائل الأخرى في التبليغ أثبتت عدم فعاليتها بالنظر الى السلبيات التي تطبع اجراءاتها .

لكن وبمراجعة النصوص القانونية التي طالتها التعديلات بمقتضى المسدودة على متسوى قواعد قانون المسطرة الجنائية ، نجدها قد أقرت للمحاكمة عن بعد عن طريق استعمال الوسائل الحديثة في الاتصال سواء على مستوى البحث أو خلال مرحلة التحقيق النهائي أي المحاكمة . وهو ما يجعلنا أن نطرح تساؤلا جورهريا ، هو أنه هل يمكن اعتبار استعمال هذه الوسائل في المحاكمة الجنائية فيه مساس بمبدأ الشرعية الجنائية وفيه مساس بحقوق المتقاضين المكفولة لهم بموجب القانون؟

ان الاجابة على هذه التساؤلات يدفعنا قبل ذلك التطرق الى شروط تحقق المحاكمة العادلة ، أي ما هي الشروط المتطلبة التي ينبغي توفرها ابتداء للقول بأن هذه المحاكمة هي محاكمة عادلة وليس فيها مساس بحقوق الدفاع :

  • ان أول شرط أساسي للقول بتحقق محاكمة عادلة ، هي ضرورة سير اجراءات الدعوى منذ بدايتها الى نهايتها بمرجعيات المواثيق الدولية والمعاهدات المصادق عليها من طرف الدولة التي تكون طرفا فيها وتعتمد على هذا الاجراء في المحاكمة.
  • يجب أن تكون السلطة القضائية مع مراعاة -مبادئ الاستقلالية والحياد – ، تنفيد هذه الاجراءات.

لذلك سوف نتطرق الى بعض المبدئ الدستورية ونقارنها مع المستجدات الحالية لنخلص في الأخير الى تقييم مدى نجاعة القاعدة القانونية في احترام هذه المبادئ .

  • مبدأ الحضورية :

الأصل في المحاكمات والجلسات أن تكون علنية خاصة في القضايا الجنحية منها ، وذلك بحضور المتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية ، وبحضور المتهم والخبير والشهود … حيث يستلزم أن يكون لكل واحد منهم طرفا ايحابيا يساهم في المشاركة في الجلسات وذلك بالدفاع عن أنفسهم ودحض دفوعات ومطالب المدعي ان كانت غير مجانبة للصواب . لكن استثاء من هذا الأصل فان ومع هذه الظرفية التي تعيشها بلادنا فان استخدام تقنية اللتصال عن بعد في مجال المحاكمة الجنائية ترتب عنه امتداد في النطاق الجغرافي لجلسات المحاكمة ، أي أنه أصبح يشمل على مكانين فاما في المحكمة أو بالسجن .

ومما لا شك فيه أن مبدأ الحضورية من المبادئ الكونية التي عرجت عليها العديد من التشريعات المقارنة المتقدمة التي تحترم حقوق الانسان ومن بينها المغرب الذي انخرط بشكل ايجابي في مجال حماية الحقوق الأساسية للأفراد . لذلك فان المشرع المغربي قد استعمل مجموعة من المصطلحات التي تفيد صراحة أنه قد كرس لمبدأ الحضورية كما يتضح لنا من خلال مراجعة أحكام الفصل 144 من ق.م.ج الذي جاء فيه : ” يقصد  من الأمر بالحضور انذار المتهم بالحضور أمام قاضي التحقيق في التاريخ والساعة المبينين في الأمر . ”  والفصل 134 من نفس القانون  الذي جاء فيه : “يطلب قاضي التحقيق من المتهم بمجرد مثوله الأول أمامه ….” .

فمن خلال قراءة هذه الفصول نجد أن المشرع استعمل مصطلح ” اذا حظر المتهم ” واستعمل مصطلح ” التقديم” ، وأيضا “المثول” . فكل هذه المصطلحات تفيد ضمنا وصراحة أن مبدأ الحضورية مكرس بشكل واضح ، الا أنه ينبغي التمييز بين ما اذا كان المتهم المعني بهذه المقتضيات مودع بالسجن أو في حالة صراح .

ان أهمية هذا التمييز تعتبر معيارا أساسيا للاجابة على الاشكالية الجوهرية التي طرحناها مسبقا ، فبخصوص الحالة التي يكون فيها المتهم في حالة صراح ؛ أنه اذا تخلف المتهم عن الحضور الى الجلسة فان ذلك لن يؤثر على صحة وسلامة الاجراءات بل انها تؤثر في وصف الحكم بأن يكون اما حضوريا أو بمثابة حضوري طالما أن القانون هو الذي يضفي هذه الصفة على الحكم وليس القاضي . لكن اذا كان المتهم في حالة اعتقال ومودع بالسجن فان الملاحظ أن المشرع لم يتناوله بنص صريح في قانون المسطرة الجنائية مما يعني وجود فراغ تشريعي .

   . لكن اذا ما رجعنا اللى المشروع نجدها تنص في المادة 3-193 منه على أنه ” اذا تعلق الأمر بشخص مودع بالسجن قانه يمكن لقاضي التحقيق  بعد أخد رأي النيابة العامة الاستماع اليه أو استنطاقه باستعمال تقنية الاتصال عن بعد  بكيفية تضمن سرية البث ، بحضور موظف يعمل يالمؤسسة السجنية”

ومن ثم فان هذا المقتضى الصريح جاء ليكفل حق الشخص المودع بالسجن وذلك من خلال تمكينه من حقه في الاستفادة من تقنية التواصل عن بعد ، لكن وان كان حضور هذا الموظف الذي يعمل بالمؤسسة السجنية أثناء الاستماع الى المتهم فان المشرع المغربي مزيدا من توفير الضمانات الكافية بما يحقق ضمانات المحاكمة العادلة ألزم هذا الموظف بضرورة الالتزام بالسر المهني وذلك تحت طائلة توقيع الجزاء الجنائي المنصوص عليه في المادة 446 من المجموعة الجنائية .

لكن اذا مارجعنا الى بعض مقتضيات ق.م.ج وفي نفس السياق للاجابة على هذه الاشكالية ، نلاحظ أن المشرع المغربي قد كرس لمبدأ الاختيارية في السماح للمعني بالأمر بالموافقة على هذا الاجراء من عدمه . جيث ان وبالرجوع  الى الفصل 305 من ق.م.ج نجدها تنص على ما يلي : ” يشمل بحث القضية استنطاق المتهم ان كان حاضرا ، والاستماع الى الشهود والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقضتاء  .”  فالملاحظ من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي استعمل مصطلح ” اذا كان حاضرا ” وهو الأمر الذي يمكن أن نستشف من خلاله أن الارادة هي العنصر الأساسي  في حضورية أو عدم حضورية المتهم  أمام المحكمة . كما أن قرار المحكمة الدستورية الفرنسية الشهير قد أكدت فيه على أنه اذا رفض المتهم المحاكمة عن بعد ، يترتب البطلان عن المحاكمة .

من جهة أخرى وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 300 من قانون المسطة الجنائية نجدها تنص : ” يجب تحت طائلة البطلان أن تتم اجراءات البحث والمناقشات في جلسة علنية . ” مما يؤكد لنا أيضا أن المشرع المغربي جعل من مبدأ العلنية مبدأ أساسي لا يمكن أن يتم مخافته مادام أن العلنية تعتبر من متطلبات النظام العام .

ومن ثم فان الخلاصة الأساسية الت يمكن اثاؤتها في الأخير ، هي أن استعمال تقنية الاتصال عن بعد لا تتم الا بموافقة المتهم ودفاعه فهذا القانون أو المسودة تحترم ارادة المتهم ولا تمس بحسن سير الاجراءات وسلامتها ، اذن نستنتج أن الاتصال عن بعد لا تأثير له على مبدأ الحضورية أبدا.

  • مبدأ العلنية :

من المبادئ الأساسية التي يقةم عليها التنظيم القضائي المغربي هم مبدأ العلنية ؛ والمقصود به هو أن جميع الاجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل اصدار الحكم كالتحقيق في الدعوى مثلا يجب أن تجرى بصورة علنية .

هذا المبدأ يجب سنده القانوني في التشريع المغربي في الفصل 300 من ق.م.ج الذي نص على ما يلي :” يجب تحت طائلة البطلان أن تتم اجراءات البحث والمناقشات في جلسة علنية. ” ، بل ان العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية كذلك أكد على هذا المبدأ في الفصل 14 منه الذي جاء في فقرتها الأولى : ” 1. الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال.”

  • ومن ثم يحق لنا أن نطرحا اشكالا جوهريا ، هل تقنية الاتصال عن بعد فيه مساس بمدأ العلنية؟

كما سبقت الاشارة اليه الى أن مبدأ العلنية هو من النظام العام والجزاء القانوني الذي يترتب عن مخالفة الأحكام التشريعية هو البطلان ، ومن ثم يحق لنا القول الى المحاكمة عن بعد واستعمال تقنيات الاتصال الحديثة خلال مرخلة التحقيق النهائي فيه مساس بمدأ العلنية بشكل واضح ، حيث ان الجلسات لا تقوم بدون جمهور وكذلك فانها تقام بدون الاعلان عن تاريخ الجلسة بالنسبة لأقارب المتهم مما يعني حرمانه من الحضور وهو مل يشكل مساسا بعلنية الجلسات.

لكن ان كان يصح القول فعلا أن التقاضي عن بعد يشكل خرقا لمبدأ العلنية بشكب لاغبار عليه ، فان مراجعة العديد من النصوص الاقنونية التي جاء بها ق.م.ج فانه يمكن القول أن هناك ما يبرر في العديد من الحالات تفعيل ما يسمى بسرية الجلسات وتعطيل العلنية وذلك مشروط بشرط بديهي وهو ضرورة أن يكون هذا الامر الصادر عن القاضي باعتباره مسير الجلسة أو رئيس الجلسة فيه مساس بالأمن العام والأمن الصحي للمرتفقين ولمكونات البشرية لأجهزة العدالة الجنائية ككل ، هذا الاستنتاج يمكن أن نتشفه من خلال مراجعة أحكام المادة 302 من ق.م.ج الذي جاء فيه ما يلي : ” اذا اعتبرت المحكمة أن في العلنية الجلسة خطرا على الأمن أو على الأخلاق، أصدرت مقررا بجعل الجلسة سرية .”

وقد يقول قائل أن المشرع المغربي قد استعمل مصطلح الأمن العام دون الأمن الصحي ، فان بالرغم من ذلك فان مفهوم الأمن العام هو مفهوم واسع وشامل يدخل في حكمه الأمن الصحي كذلك.

وفي الأخير فان الخلاصة الأساسية وهي أن المشرع المغربي في مسودة مشروع القانون ان كان قد اعتبر اللجوء الى تقنية الاتصال عن بعد كتدبير استثنائي من شأنه تعطيل مبدأ العلنية وتهدديا لحقوق الدفاع فانه لا يمكن أن نأخد الأمور على اطلاقها مادام أن المشرع المغربي نفسه قد أقر امكانية اللجوء الى سرية الجلسات وفق الشروط المنصوص عليها .

خاتمة

يمكن القول في الختام الى أن تعطيل الحقوق الدستورية يجد مبرراته في الحفاظ على السلامة الصحية للمواطنين ومرتفقي العدالة بوجه خاص ، وأن هذا المنع المقرر بمقتضى المرسوم لا يعني أن هناك خرقا لحقوق المتقاضين وانما هو مجرد تدبير استثنائي الهدف منه هو الحيلولة دون تفاقم الأوضاع الأكثر.

كما التقاضي عن بعد باعتباره كذلك تدبير استثنائي لا يشكل خرقا للمبدائ الدستورية والكونية المتعارف عليها فيما يخص تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة ، وانما هو كذلك مجرد تدبير عقلاني ممنهح من طرف السلطة الحكومية بهذف تمكين مرفق العدالة من مواصلة مهامه المنوطة به وهي الفصل في النزاعات واحقاق الحقوق وانصاف المظلومين ، كما أن يساهم في الحفاظ على المبدأ الدستوري الذي يقضي بأن لكل شحص الحق في الولوج الى القضاء .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى