في الواجهةمقالات قانونية

اليات ومعوقات اشتغال المجتمع المدني في زمن كورونا.

 

اليات ومعوقات اشتغال المجتمع المدني في زمن كورونا.

 محمد البغدادي ، طالب باحث في ماستر الصياغة القانونية و تقنيات التشريع بالمغرب.

مقدمة :

في هذا الوضع الذي يعرفه المغرب وعلى غرار جميع دول العالم بات الكل مطالبا بأن ينخرط في انجاح خطة الأجهزة الحكومية في تعاملها مع انتشار وباء فيروس كورونا، و الخروج في أخر المطاف بأقل الخسائر الممكنة وفي مدة وجيزة، ولعل  من بين الذين يقعوا على مسؤوليتهم ثقل الإشتراك والتفاعل الإيجابي مع هذه التغيرات المفاجئة مؤسسة المجتمع المدني، و هو كما وصفه مايكل ادوارز الفكرة العظيمة في القرن الواحد و العشرين.

و بالتالي يتوجب على الدولة أن تقطع مع فكرة المقاربة الأحادية في التنمية و علاج المشاكل التي تعترض سبيل المواطن و تعكر مزاجه، إذ لا بد من فتح أكثر من جبهة للتشاور والتشارك والتي يعد المجتمع المدني أحد أبوابها للوصول الى القرارات الحاسمة الأكثر صوابا.

إن منظمات المجتمع المدني كسائر المنظمات و المؤسسات التي تشتغل الى جانب أجهزة الدولة، اذ لا بد لها من ادوات تمكنها من الاشتغال و مسايرة عملها المنوط بها، وإن كل الأبيات الت يمكن أن تدفع المجتمع المدني إلى الإشتغال في زمن كورونا تستند على عنصر جوهري يتجلى في التنسيق بين مختلف الفاعلين النشيطين في اقليم الدولة.

كما اأن المجتمع المدني وخصوصا مع ظهور فيروس كورونا تواجهه عراقيل عديدة تؤثر سلبا على فعاليته و نجاعة أدواره و المهمات التي يضطلع بها.هذه العوائق عادة ما ترجع جذورها الى العوامل الثقافية و التاريخية التي نشأ فيها او الى عوامل قانونية أو عوامل سياسية …وفي هذا المقال ستعمل على أن تستعرض هاته الاليات و العوائق و نحاول أن تبسط فيها القول حتى تبرز معالهما و معانيها.

ومنه فإشكالية هذا الموضوع ترتكز حول ما مدى طبيعة الاليات و المعيقات التي تتحكم في دور المجتمع المدني؟

هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع منها عدة تساؤلات فرعية وهي :

ما الاليات تعزيز دور المجتمع المدني بالموازاة مع انتشار فيروس كورونا؟ وما معيقاته؟

سنعمل على الإجابة على هاته الأسئلة بالاعتماد على التصميم الآتي :

الفقرة الأولى : أبيات تعزيز دور المجتمع المدني في زمن تفشي فيروس كورونا.

الفقرة الثانية : معوقات المجتمع المدني في ظل وجود فيروس كورونا.

يحتاج المجتمع المدني في انخراطه وتفاعله مع مختلف الفاعلين على مستوى الدولة والمجتمع، التمتع بمجموعة من الأليات (الفقرة الاولى) من شأنها أن تعزز مساهمته، و الى جانب ذلك هناك معوقات ( الفقرة الثانية ) تعرقل وتشوش بلورة أهداف المجتمع المدني وتنزيلها على الواقع.

الفقرة الأولى : أبيات تعزيز دور المجتمع المدني في زمن تفشي فيروس كورونا.

إن التزامات المجتمع المدني تجاه المجتمع لا تأتي ولا تتحقق من تلقاء نفسها، بل لا بد من وجود مناخ و بيئة تتلائم مع فلسفة المجتمع المدني وطبيعة وظيفته في هذه الظرفية، اذ أن هناك مجموعة من الوسائل التي تعتبر بمنزلة تشجيع للمجتمع المدني من أجل الإنخراط الجيد في مواجهة انتشار وباء كورونا ومن هذه الوسائل :

1/ التنسيق بين المجتمع المدني مع مختلف الأجهزة الحكومية:

تهدف هذه الألية الى تقوية أواصر التعاون والمشاركة بين المجتمع المدني و الدولة من جهة، ومن جهة أخرى تسعى الى تحقيق الفاعلية والجودة في تدبير الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية للمواطنين وتفادي ما أمكن الفوضى والعشوائية التي قد تكون سببا من أسباب تفاقمها .

إن الواقع على خلاف من هذا، و ذلك من خلال العلاقة المتهلهلة التي تربط كل من الدولة والمجتمع المدني، فالمؤسسات الحكومية تتعمد استبعاد مؤسسات المجتمع المدني في العديد من مناقشاتها وقراراتها العامة و تهميشه فيما يخص مشاركته في رسم السياسة العامة، رغم أن المجتمع المدني أصبح  شريكا جديدا للدولة على مستوى المؤسسات الدستورية أو وضع خطط التنمية و تقييم السياسات العمومية.

/2 التنسيق بين مختلف منظمات المجتمع المدني بمختلف اتجاهاتها:

لا شك أن اتحاد المنظمات المجتمع المدني فيما بينها في هذه الظرفية، يعد مطلبا رئيسيا لبلورة أهداف المجتمع المدني الإجتماعية و الإقصادية و الحقوقية وغيرها، فالتنسيق و الإنسجام ينمي التكاثف بين مكونات المجتمع المدني ويساعد على تجاوز خصوصيات كل منظمة وكذا تجاوز الشعور الأناني لبعض منظمات المجتمع المدني، خاصة تلك التي وصلت الى مستوى كبير في التعامل مع الأوضاع التي تلامس الجوانب المختلفة للحياة المواطنين بدون مشاكل.

إن هذا النوع من التنسيق يسعى في الدرجة الأولى الى إنقاذ الإنسان و الحفاظ على حياته بعيدا عن أي مصالح شخصية أو فردية، فالإنسان كان الغاية الأسمى للمجتمع المدني ويجب أن يظل كذلك في الحاضر والمستقبل، فعلى المنظمات التي تعاني من مشكل في التمويل وضعف في الميزانية أن تتلقى الدعم و المساندة من طرف منظمات مدنية أخرى استطاعت تجاوز عائق ضعف الموارد المادية، سواء كان هذا الدعم بطيب خاطر أو معلقا بشروط لا تتنافى مع القواعد القانونية والنظام العام.

/3 فتح قنوات اتصال مع القطاع الخاص:

القطاع الخاص يعد كذلك من الفاعلين  الذين يعززون من دور المجتمع المدني للمشاركة في مواجهة فيروس كورونا، وهذا يستند إلى مدى إيمان أرباب القطاع الخاص بالعمل التطوعي الإرادي والى حدود انتشار ثقافة التطوع في صفوف المشتغلين في هذا القطاع، فكلما كانت روح التطوع والتعاون هي المهيمنة كان الإتصال و التعاون أفضل و رائد، و كلما كان العكس كان التعاون بين المنظمات المجتمع المدني مع القطاع الخاص في أفول. وهو ما يستوجب توفير كفاءات عالية للقيام بمهمة التواصل المستمر قصد إقناع أصحاب القطاع الخاص بضرورة الإشتراك في تقديم المساعدة اللازمة في ظل انتشار فيروس كرونا، ليس للمجتمع المدني بحد ذاته، بل للأفراد الذين يعيشون أوضاع قاسية في المجتمع، استجابة لما يمليه ويقتضيه الضمير الإنساني و المبادئ القيمة.

/4 التغطية الإعلامية المتواصلة لوظائف المجتمع المدني:

الإعلام وسيلة جد مهمة لإيصال ثقافة المجتمع المدني الى عموم المواطنين، وبيان الدور الذي يضطلع به على أرض الواقع الى جانب الفاعلين الأخرين، ثم إن التغطية الإعلامية تعطي صورة مشجعة لكل المنخرطين تحت راية المجتمع المدني و كذا الممولين، مما يدفعهم للمزيد من العطاء وبذل الجهود و المضي قدما نحو مواجهة انتشار فيروس كورونا و تحقيق نتائج ايجابية يرجع أثرها على عموم المواطنين.

الفقرة الثانية : معوقات المجتمع المدني في ظل وجود فيروس كورونا.

مشاركة منظمة المجتمع المدني لا تخلو من وجود معوقات و حواجز تعرقل تأديت وظائفه في هذا الظرف الصعب، ما قد سيؤدي الى نسبية  نشاطه في التصدي لإنتشار فيروس كورونا، ويمكن أن نتطرق الى هاته المعوقات من خلال النقاط التالية:

/1 ضعف تمويل وميزانية منظمات المجتمع المدني:

أكبر عائق يمكن أن يواجه المجتمع المدني هو شح الموارد المالية، فالإنخراط في مواجهة انتشار فيروس كورونا يستلزم حتما توفر الموارد المادية الكافية من أجل توفير الحاجات الضرورية للمواطنين، التي تمكنهم من التكيف مع ظروف انتشار هذا الوباء، وبالمقابل ضعف التمويل الحاصل لمنظمات المجتمع المدني و تدهور ميزانياتها سوف يكون له وقع على تحقيق مسعاها على الوجه المطلوب.

/2 عدم التوفر على الإحصاءات الدقيقة:

يؤدي احتكار المعلومات والمعطيات المتعلقة بالأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية التي تمر منها الدولة من طرف أجهزتها المتنوعة، الى غياب رؤية منسجمة ودقيقة تنعكس سلبا على المجتمع المدني، على أساس أن هذا الأخير يجب عليه أن يقوم ببناء خططه واستراتيجيته على هذه البيانات التي تصدر من طرف الدولة، و عدم معرفة المستفيد من غير المستفيد من التعويضات المادية التي قدمتها الدولة للأسر التي تشتغل في القطاع غير المهيكل، يحول دون معرفة من هو بحاجة ماسة للمجتمع المدني لكي يقدم له يد العون فيتم مساعدة المستفيد مرة أخرى و زيادة مشاكل من حرم من أي دعم بشكل أكبر.

فلو  أن الدولة قامت بإصدار لوائح و أسماء المستفيدين من التعويض المادي وشاركتهم مع باقي المؤسسات الفاعلة  بما فيها منظمات المجتمع المدني، لأفضى ذلك الى الرفع من جودة الإجراءات التي فرضتها الدولة، الا أن ضعف أو انعدام اشراك المجتمع المدني في هذه الرؤيا منذ الوهلة الأولى خلق معه سيادة العشوائية و التلقائية و تقديم خدمات بدون دراسة او استطلاع، فعدم توفر الإحصاءات و المعلومات الدقيقة أنتج معه عدم التمكن من وضع أهداف واقعية و سياسية و وطنية إنسانية شاملة يحدد من خلالها دور كل من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني و المنظمات الأهلية[1] .

3/ المطامع السياسية و الإنتخابية :

تزامن ظهور فيروس كورونا مع قرب الإنتخابات، فأضحى من بين معوقات التي تواجه المجتمع المدني هو محاولة الأحزاب السياسية أو بعض المتنفذيين من الاحتواء و التسيير و الهيمنة على عملها و تعد من أشد الاخطار التي يتعرض لها المجتمع اذ بموجبها تفقد أهم خصائصها وهي الإستقلالية مما يجعلها محط شك و ريبة من قبل المواطنين بالتالي يؤدي الى فقدان ثقتهم بهذه المنظمات مما يشل حركتها و يفشل عملها[2].

إن الإنسان ليأسف لحال بعض الأحزاب السياسية التي ما فتأت تحاول الركوب على الوضع المزري الذي يشهده المواطن البسيط فيى شتى الجوانب، وذلك بغية تمرير أهداف أو إرسال رسائل ذات طابع سياسي أو انتخابي، ولم تجد هذه الأحزاب السياسية لتحقيق مقصدها إلا عبر قاطرة المجتمع المدني الذي من المفروض أن يكون بعيدا كل بعد عن ما يجرح إرادته و يسلب حرية تصرفه.

/4 قلة خبرة المجتمع المدني في الإشتغال في مثل هاته الظروف الإستثنائية:

استفحال انتقال عدوى الإصابة بفيروس كورونا و انتشاره السريع و فرض الحجر الصحي و تقيد حرية التنقل، ظروف  أربكت حسابات عديد من منظمات المجتمع المدني، لعدم اعتيادها على التفاعل مع  وقائع مشابهة لفيروس كرونا، مما جعل البعض منها يكتفي بالتفرج و المشاهدة و البعض منها قد علقت جميع نشاطاتها، فأصبحت كما لو أن ليس لها وجود في حين هناك فئة منها تكافح و تحاول أن تلعب دورها مهما كانت بيئة العمل وبما أوتيت من امكانات.

/5 غياب الإطار التشريعي الذي يؤطر مثل هاته التغيرات:

على المشرع المغربي التفكير في إدخال تعديلات على القواعد التشريعية المنظمة لأنشطة المجتمع المدني و أن يضيف إليها مقتضيات تهم عمل هذه المؤسسة في حالات الاستثناء و الحصار و الطوارئ و في كل الظروف.

خاتمة :

ختاما نخلص إلى أن طبيعة أدوار المجتمع المدني تحثم عليه القابلية على التكيف مع الوضع الراهن الذي يشهده النغرب خاصة و العالم عامة، من أجل الإنخراط الجيد في التعامل مع اثار التي نتجت عن انتشار وباء فيروس كورونا.

وهو ما يجعل المجتمع المدني بحتاج  إلى مزيد من التنسيق مع مختلف العاملين على التصدي لانتشار  لهءافيروس. سواء مع الأجهزة الحكومية أو مع منظمات المجتمع المدني الأخرى كيفما كانت اهتماماتها، أو مع مؤسسات القطاع الخاص، بالإضافة الى وسائل الإعلام المتاحة ( مواقع إلكترونية، جرائد، مواقع التواصل الاجتماعي، محلات…).كما أن على المجتمع المدني أن يخطط لتجاوز كل المعيقات التي تعترض مشواره التطوعي في المدى القريب أو البعيد وفي كل الظروف.

[1] عبد الرحمن صوفي عثمان،محمود محمود عرفات،دور منظمات المجتمع المدني في دعم خدمات الرعاية الاجتماعية في المجتمع العماني، الضرورات والمستلزمات ،ص 77

[2] معوقات عمل منظمات المجتمع المدني في العراق، معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات، واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى