في الواجهةمقالات قانونية

الاختراق كآلية و أداة للتحري و التحقيق

الاختراق كآلية و أداة للتحري و التحقيق

L’infiltration comme outil et technique d’enquête et d’investigation

سكينة نصور

باحثة في العلوم القانونية تخصص القانون الخاص

خريجة “جامعة محمد الخامس اكدال” حاصلة على ماستر في العلوم القانونية في القانون الخاص اختيار القانون المدني.

Soukaina Nassoure

Diplômée de «l’Université Mohammed V Agdal», titulaire d’un Master en Sciences Juridiques en Droit Privé, option le droit civil.

 

 

 

 

مقدمة

بمجرد وقوع الجريمة تنشأ مصلحتان متعارضتان، مصلحة الفرد في حماية حريته الشخصية وحقه في الخصوصية بعدم تعرض أسراره و أمواله و مسكنه لتصرفات غير مشروعة ومصلحة المجتمع في محاربة الجريمة وتعقب مرتكبيها لفرض حق الدولة في العقاب، ولذلك تؤخذ هاتين المصلحتين بعين الاعتبار في القانون حتى يتم التوفيق بينهما دون طغيان إحداهما عن الاخرى.

والاصل العام هو احترام حق الانسان في الخصوصية غير أنه و لدواعي خدمة الأمن الإجتماعي أمكن تخطي و تجاوز مبادئ دستورية بالمساس بحقوق الافراد و مصالحهم و لهذا السبب نظمت المسطرة الجنائية التنصت و التقاط المكالمات الهاتفية غير أنها لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزت ذلك مسودة قانون المسطرة الجنائية التي نظمت ووضعت نظام الاختراق في إطار البحث عن الجريمة و مرتكبيها.

فالجريمة ظاهرة اجتماعية حتمية في حياة المجتمع و احتمالية في حياة الفرد، لازمت الانسان منذ أن وجد على وجه الأرض، حيث تشعبت صورها وأخطارها وازداد انتشارها رغم وسائل الوقاية و العلاج المختلفة و المتطورة التي شرعتها المجتمعات لمكافحتها ، فكلما توصل الانسان إلى إيجاد أحسن السبل الملائمة لرفاهيته كان في المقابل يستطيع أن يعتمد عليها و أن يوظفها في تحقيق أهداف غير مشروعة و صارت الجريمة و صورها الحديثة في واجهة الأحداث.

وانطلاقا من هذا الواقع المضطرب سعت المجتمعات على ضوء هذه التغيرات و التطورات إلى رفع السياسات الجزائية الفعالة للحد من انتشار هذه الجرائم لوضع الآليات الكفيلة لمواجهتها ميدانيا، وعلى غرار العديد من الدول حاول المشرع المغربي في تعديله الاخير لقانون المسطرة الجنائية أن يضع بين يدي رجال القوة العمومية ترسانة قانونية تمكنهم من التحرك لمكافحة الجريمة و الحد من انتشارها كما ونوعا و نتكلم هنا عن تقنية البحث الخاصة الجديدة و التي تسمى بالاختراق و قد عرفت بالتسرب في القانون الجزائري[1] كما عرفت في النص الفرنسي ب

[2]L’Infiltration

و الذي يعتبر إجراءا غير مسبوق في التشريعات المغربية و إن كان العمل به يتم فيما مضى بشكل غير رسمي و غير مقنن، و الذي يمنح لعناصر الامن حق التسلل إلى التنظيمات الارهابية و العصابات المنظمة و الاندماج فيها بهويات مستعارة للوقوف على ممارساتها عن كثب، و للتعرف عن رؤوسها ومدبري عملياتها الإجرامية والحصول بالتالي على الأدلة الدامغة لإدانة هؤلاء.

بعدما تبين موضوع بحثنا يجب علينا استجلاء و فهم ماهية الإختراق باعتباره آلية وأداة للتحري و التحقيق و جمع الأدلة ؟ ما آثاره و ما مدى نجاعته في مكافحة الجريمة ؟

و للإجابة عن هذه الاسئلة ارتأينا تقسيم الموضوع الى محورين، سنتناول في المحور الاول ماهية و شروط عملية الاختراق على ان نعالج في المحور الثاني كلا من اجراءاتها وآثارها.

 

 

 

 

المحور الأول : ماهية الإختراق

المطلب الاول : تعريف الاختراق

الاختراق لغة : و معناه تخلل و تجئ من اخترق شق ، ثقب أما فيما يخص التعريف القانوني

للاختراق، فقد تناول المشرع المغربي في مشروع قانون المسطرة الجنائية الاختراق في المواد من 82-11 الى 82- 16

و قد جاء في الماده 82-11 أنه “يتيح الاختراق لضابط او عون الشرطة القضائية المختص تحت اشراف و مراقبة النيابة العامة تتبع ومراقبة الاشخاص المشتبه فيهم من خلال التظاهر امام هؤلاء الاشخاص بانه فاعل ان مشارك او مساهم او مستفيد من الافعال الاجرامية موضوع البحث. و يمكنه لهذه الغاية استعمال هوية مستعارة، كما يمكنه عند الضرورة ارتكاب احدى الافعال المبينة في الماده 82-12 بعده “.

و بالتالي فآلية الاختراق تعتبر أداة للتحري و التحقيق الخاصة تسمح لضابط أو عون الشرطة القضائية بالتوغل داخل جماعة إجرامية وذلك تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية آخر مكلف بتنسيق عملية لاختراق ، بهدف مراقبة أشخاص مشتبه فيهم، وكشف أنشطتهم الإجرامية، وذلك بإخفاء الهوية الحقيقة، ويقدم الضابط منفذ عملية الاختراق  نفسه على أنه فاعل او مشارك او مساهم او مستفيد من الافعال الاجرامية موضوع البحث.

ولقد تطرقت عديد التشريعات الجزائية إلى هذه التقنية في التحري خاصة الدول الصناعية فنص قانون الإجراءات الجزائية الفرنسية عليها في 7 مواد من نص المادتين 81/706 الى 87/706[3] كما تناوله المشرع الجزائري كأسلوب للتحري الخاص حيث أطلق عليه مصطلح “التسرب” .[4]

و عليه فالإختراق عملية يحضر لها و تكون منظمة بدقة تامة تستهدف أوساطا معينة قائمة على دراسة لها بحيث يتم الوقوف على أدق خصوصيتها و تفاصيلها بهدف معرفة طبيعة عملها و كيفية تحركها من الناحية البشرية و المادية و يقوم بها ضابط الشرطة القضائية أو أحد أعوانه .

 

المطلب الثاني : شروط عملية الإختراق

اشترط المشرع في المادة 82-11 انه  من وجوب أن تقتضي ضرورة التحري أو التحقيق  للقيام بعملية الاختراق، وبمفهوم المخالفة اذا كانت هناك ادلة كافية أثناء اجراء البحث و التحقيق  فإنه لا داعي للمخاطرة بإجراء عمليات الاختراق وعليه فإن هذه الأخيرة تجرى عند الضرورة فقط المتمثلة في قلة أو صعوبة الحصول على أدلة وبراهين كافية لتحريك دعاوى عمومية. و ذلك لما تتصف به من خطورة فهي عملية دقيقة لا تحتمل الخطأ من جانب الضابط المنفذ لها، لما يمكن ان تخلفه من مخاطر إن باءت بالفشل.

كما ان المشرع اشترط في اللجوء إلى هذه الآلية ضرورة ارتكاب أنواع محددة من الجرائم التي تتسم بالخطورة والتعقيد، من ثم فإن الأمر بإجراء عمليات الإختراق ليس مفتوحا لكل الجرائم بل هو خاص بمجموعة محددة من الجرائم المذكورة في المادة [5]108

و تتمثل هذه الجرائم في : الجريمة المنظمة ، الارهابية ، تتعلق بالعصابات الاجرامية أو بالقتل … بغسل الاموال أو بالرشوة أو استغلال النفوذ أو الغدر أو اختلاس أو بجريمة الابادة الجماعية أو بالجرائم ضد الانسانية أو بجرائم الحرب أوبجريمة الاتجار بالبشر…

كما أنه إذا اقتضت الضرورة تنفيذ عملية الاختراق القيام بأعمال خارج التراب الوطني جاز للنيابة العامة أن تأذن بذلك وفقا لمبادئ التعاون القضائي الدولي بعد موافقة السلطات الاجنبية المعينة .

 

المحور الثاني: اجراءات  وآثار عملية الاختراق

المطلب الاول : اجراء ات  عملية الاختراق

تعددت الإجراءات التي تطلبها المشرع لصحة عمليات الاختراق وهذا لإضفاء طابع الشرعية في الحصول على الدليل تطبيقا لمبدأ المشروعية الذي يمثل أساسا لكل إجراء صحيح .

وضمانا لمشروعية الدليل المستمد من إجراء عملية الاختراق اشترط المشرع ضرورة حصول الضابط منفذ عملية الاختراق على إذن بمباشرة عملية اختراق.

هذا الاذن يجب ان يكون تحت طائلة البطلان مكتوبا و معللا تعليلا خاصا و يتضمن تحديد الجريمة او الجرائم التي تبرر اللجوء الى هذه العملية، وهوية و صفة ضابط الشرطة القضائية الذي تتم تحت مسؤوليته. كما يحدد المدة المأذون خلالها مباشرة عملية الاختراق و التي لا يمكن ان تتجاوز اربعة اشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بنفس الشروط.[6]

و  حسب مقتضيات المادة82-11 تكون عملية الاختراق موضوع محضر أو تقرير ينجز من طرف ضابط الشرطة القضائية الذي عهد إليه بتنسيق العملية ، هذا المحضر يلزم به كل ضابط للشرطة القضائية أثناء قيامه بهذه العملية حيث يكون متضمن لجميع العناصر المتعلقة بالعملية ، كما يجب عليه عدم إغفال أي معلومة من بداية العملية إلى نهايتها بتفاصيلها و ذلك تحت طائلة البطلان .

و تجدر الاشارة إلى أنه يمكن لضابط الشرطة القضائية المكلف بعملية الاختراق أن يستعمل هوية مستعارة كما يمكنه عند الضرورة ارتكاب إحدى الافعال المبينة في المادة 82-12 من المسودة و التي تتمثل في :

  1. اكتساب او حيازة او نقل او تسليم او استلام ممتلكات او اموال او وثائق او معلومات او اشياء مجرمة او متحصلة من ارتكاب جرائم ، او استخدمت لارتكاب جرائم او معدة لارتكابها.
  2. استعمال او وضع، رهن اشارة الاشخاص المتورطين في هذه الجرائم ، وسائل قانونية او مالية او وسائل نقل او تخزين او ايواء او حفظ او اتصال .

بالاضافة إلى كل ذلك فالقائم على هذه العملية يعفى من المسؤولية الجنائية بمناسبة مباشرته للعمليات المذكورة سابقا ، كما يعفى الاشخاص الذين تمت الاستعانة بهم لاتمام هذه العملية.

 

المطلب الثاني  : آثار عملية الاختراق

في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى المخاطر الجسيمة التي يمكن أن يتعرض لها المخترق  بعد انتهاء عملية الاختراق في حياته والتي يمكن أن تمتد إلى أفراد أسرته ، وهنا وفر المشرع حماية لهؤلاء من خلال العقوبات المنصوص عليها في المادة الاخيرة التي تنظم عملية الاختراق و هي:

المادة 82-16 فهي تبين الجزاءات المترتبة في حالة ما إذا قام أحد بكشف الهوية الحقيقية للضابط المنفذ للعملية و تتمثل في  حبس تتراوح مدته بين سنتين و خمس سنوات و غرامة تتراوح بين ألفين و خمسة آلاف درهم .

كما تشتد العقوبة في حالة ما إذا ألحق الاذى بالضابط منفذ العملية أو زوجه أو أحد     أقاربه ،أما إذا نتج عن ذلك موت هذا الضابط منفذ عملية الاختراق أو زوجه أو أحد أقاربه فالعقوبة تصل إلى سجن ثلاثين سنة و غرامة تتراوح بين ألفين و خمسين ألف درهم ، و في حالة ما إذا تم كشفه من طرف الشخص الذي استعان به لإتمام عملية الإختراق فإن العقوبة تكون الضعف ، و إذا تجاوز الحد الاقصى في هذه الحالة ثلاثين سنة تكون العقوبة مي السجن المؤبد .

 

خاتمة

في ثنايا هذا البحث المتواضع تعرضنا لمستجدات قانون المسطرة الجنائية فيما يخص عملية الإختراق ، من حيث مفهومها و إجراءاتها و أهميتها ك كآلية للتحري و التحقيق و جمع الأدلة حيث خلصنا إلى النتائج التالية :

الاختراق عملية ميدانية تقوم على التوغل داخل جماعات إجرامية التي تنشط في مجال الاجرام الخطير، فهذه العملية تتم تحت مراقبة و تتبع النيابة العامة وفق شروط  محددة و دقيقة، هذا الاسلوب الجديد في التحري عرفته العديد من التشريعات المتقدمة كالتشريع الفرنسي و البلجيكي .

يهدف الاختراق إلى الكشف عن الجرائم الخطيرة و المتورطين فيها و التوصل إلى تحديد هوية عناصر هذه المجموعات و طبيعة تنظيمهم و مناطق نشاطهم  و الوسائل التي يستعملونها و ضبط كل ماله علاقة بهذه الجرائم من أدلة و قرائن .

تتجلى اهميته في مكافحة الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 و هي جرائم تتسم بالخطورة و التعقيد وهي جرائم خطيرة آثارها وخيمة على المجتمع ؛ فهي جرائم سريعة الانتشار وعابرة للحدود الوطنية ، كما أنها تسخر عددا كبيرا من المجرمين وجرائمها قائمة على التخطيط و استخدام كل الوسائل محو آثار الجريمة وطمس معالمها ، كما أنها تدر أموالا طائلة على الضالعين فيها و يعد الاختراق آلية و اداة فعالة لوضع حد لهذا النوع من الجرائم و فرملة تماديه حتى دوليا.

رغم كل هذه الايجابيات التي تتيحها عملية الاختراق يظل هناك إشكال خطير و مهم و هو مدى نجاح هذه العملية و في حالة فشلها فالمتضرر الوحيد هنا هو منفذها أي ضابط الشرطة القضائية بحيث إذا تم كشفه من قبل المجموعة الاجرامية يتم إيذئه و بالتالي عدم تحقيق أهداف هذه العملية الخطيرة التي تستلزم لنجاحها التكتم و السرية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

 

مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائيةالمغربي .

زوزو هدى : التسرب كأسلوب من أساليب التحري في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري مقال عن الموقع المشار اليه اسفله :

https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-11-2014-dafatir/1991-2014-06-16-08-50-20

 

Code  de Procédure Pénale Français Modifié par LOI n°2015-993 du 17 août 2015 – art. 11

1-                وقد عرف قانون الإجراءات الجزائية الجزائري عدة تعديلات منها ما كان بتاريخ 20 ديسمبر 2006 بالقانون رقم 06-22، بموجب هذا القانون استحدث المشرع الجزائري أسلوبا جديدا من أساليب التحري الذي لم يكن معروفا في ظل القانون القديم ألا وهو التسرب أو الاختراق كما سماه المشرع في القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته

 

[2]– Le texte proposé pour l’article 706-81 du code de procédure pénale définit l’infiltration comme le fait, pour un officier ou un agent de police judiciaire spécialement habilité et agissant sous la responsabilité d’un officier de police judiciaire chargé de coordonner l’opération, de surveiller des personnes suspectées …

 

[3] Code  de Procédure Pénale Français modifié par LOI n°2015-993 du 17 août 2015 – art. 11.

 

4- زوزو هدى : “التسرب كأسلوب من أساليب التحري ف ي قانون الإجراء ات الجزائية الجزائري” مقال عن الموقع المشار اليه في لائحة المراجع المعتمدة .

– المادة 82-11    من مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية. [5]

– – المادة 82-11    من مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية.[6]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى