القانون العقاريفي الواجهةمقالات قانونية

دور المحافظ العقاري في مراقبة السندات المدلى بها تدعيما لطلبات التقييد ” آجال التقييد و مدى تقادم الحق في إجراءه”

السيد حسن فتوخ

  مستشار بمحكمة النقض

آجال التقييد و مدى تقادم الحق في إجراءه

مقدمة :

        إن تنوع التقييدات بالرسم العقاري، و اختلاف أحكامها ، وتاريخ سريان مفعولها في مواجهة الكافة بمن فيهم المحافظ العقاري ، ينعكس لا محالة على طبيعة الحماية التي يتوخاها أصحاب التقييدات للمحافظة على حقوقهم، وضمان مراكزهم القانونية التي تنتج لهم بمقتضاها. إذ إن احترام الإجراءات المسطرية كما هي محددة تشريعيا، وتفادي وقوع أي خلل من شأنه حرمان صاحب التقييد من مزيته، هو الذي يحقق غاية المشرع التي ترمي إلى تحصين الحق و إسباغ الحجية عليه من خلال قرينة العلم بالتقييد التي افترضها المشرع في مواجهة من يتعامل بشأن العقار المحفظ عملا بقاعدة الأثر الإنشائي للتقييد.

      ذلك، أن إجراء تبليغ أمر رسمي بالحجز إلى المحافظ من أجل تقييده، يختلف عن طلب تقييد عقد أو حكم ،  بدليل أن عملية التقييد تتميز بعدة إجراءات بدءا بطلب المعني بالتقييد، ومرورا بالإيداع، وانتهاء بالتقييد في الرسم العقاري. ومن ثم فإن كل إجراء له نتائجه، و آثاره في النصوص القانونية التي تتضمن الإشارة إلى العمليات المذكورة، الشيء الذي يترتب عنه حتما عدة إشكالات من الناحية العملية توحي بإمكانية ضياع الحق بالنسبة للمستفيد من التقييد المؤقت الوارد بالرسم العقاري.

      وغني عن البيان، أن ممارسة الإجراءات الإدارية للتقييدات تخضع بدورها لآجال قانونية يتعين على المعنيين بالأمر احترامها و التقيد بها، الأمر الذي يضطرنا إلى الوقوف على ماهية هذه الآجال، ومناقشة طبيعتها القانونية، ومدى تعلقها بالنظام العام من عدمه، ورصد موقف العمل القضائي بشأنها.

 

  مفهوم الإيداع و التقييد و أثرهما على المراكز القانونية

الفقرة الأولى : مسطرة الإيداع و التقييد

      لا شك أن عملية التقييد لا تتم من طرف المحافظ تلقائيا، و إنما يجب على المعني بالأمر أن يتقدم شخصيا، أو بواسطة نائبه، بطلب خطي إلى المحافظة العقارية المختصة، في شكل قائمة تتضمن وجوبا البيانات  المنصوص عليها في الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 مرفقة بالعقود و المحررات المطلوب تقييدها، و التأكد من استخلاص واجبات التسجيل و التنبر، ووجوب اداء رسوم المحافظة العقارية، بصندوق الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية، بعد التأشير على قبول الطلب من طرف المحافظ.

      ومعنى ذلك، أن القيام بهذا الإجراء الإداري المتمثل القائمة أعلاه أمر ضروري، إذ أن أهميته تتجلى في موافقة البائع  على إجراء تقييد العقد المرفق بالطلب، باعتباره الطرف الملزم قانونا بضمان نقل الملكية إلى المشتري سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، و بالأخص قيامه بجميع الإجراءات الإدارية لإشهاره بالرسم العقاري وفق مقتضيات الفصل 65 من ظهير  غشت 1913. بل يسوغ لأصحاب الحقوق المقيدة أن يطلبوا من المحافظ إصلاح ما وقع من إغفالات أو أخطاء مادية طالت البيانات الواردة بالرسم العقاري. كما يمكن له أن يبادر تلقائيا إلى القيام يتدارك ذلك، شريطة إعلام حائز نظير الرسم العقاري بالإصلاحات المنجزة، و إلزامه بإحضاره لتحيينه مع الرسم العقاري.

      ونسجاما مع ما ذكر، فإن العقد، أو الحكم، أو الأمر المطلوب تقييده، يجب أن تكون بياناتها متطابقة مع البيانات المدونة بالرسم العقاري، على اعتبار أن المحافظ ملزم بأن يتحقق تحت مسؤولية من هوية المفوت و أهليته وكذا صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للمطلب شكلا و جوهرا.

      ونظرا لأهمية نظام التحفيظ العقاري الذي ظل دائما يحمي حق الملكية بفضل الرقابة الصارمة التي يجريها المحافظون على الطلبات المقدمة إليهم و تحققهم من صحة سنداتها شكلا و جوهرا، فإن تفشي ظاهرة تقييد عقود عرفية مزورة تتضمن تفويت عقارات من طرف أشخاص لا يملكونها، ولا يمثلون مالكيها، وتأثيرها السيئ على الثقة  التي تعتبر من أهم المبادئ التي يقوم عليها نظام التحفيظ العقاري في المعاملات، اضطر معه المحافظ  العام إلى إصدار مذكرة في هذا الشأن يحث فيها المحافظون على الأملاك العقارية على ضرورة الزيادة في الحرص أثناء تقييدهم للعقود العرفية،  موضحا أن الفصل 73 من نفس ظهير 12 غشت 1913 عندما أعفاهم من التحقق من الهوية فيما يخص الطلبات المؤسسة على عقود عرفية مصححة الإمضاء، فإن لم يعفهم من المسؤولية  إذا كان تصحيح الإمضاء قد تم من طرف سلطة غير مختصة أو كان ناقصا أو به إضافة أو شطب أو تحريف أو حصل منهم  خطأ نتيجة تشابه الأسماء.

      لهذا يتعين على المحافظين أن يحرصوا على الصرامة في تحقيق من هوية المفوت، وعند الضرورة أن يلزموا الأطراف بالإدلاء إليهم بكل البيانات و التوضيحات التي تمكنهم من هذا التحقق، وذلك في محرر ممضى و مصحح الإمضاء من الطرفين حين يتعلق الأمر بطلب تقييد عقد عرفي.

       ومع ذلك، فإن القيام بإجراء التقييد من طرف المحافظين يستلزم بالضرورة استيفاء إجراءات سابقة تتمثل في تدوين طلبات التقييد في سجل خاص يسمى سجل الإيداع، ثم تباشر عملية التقييد بعد ذلك في الرسم العقاري، فما هو إذن الفرق بين هذين الإجرائين ونوع الحماية القانونية التي تترتب عن كل واحد منهما ؟

 وجوابا عن ذلك، فإن أهمية إجراء الإيداع في ترتيب الأولوية عند تقييد الحقوق بالرسم العقارية، جعلت المشرع يلزم المحافظ أن يتخذ سجلا للإيداع قصد إثبات مطالب التقييد و الوثائق المرفقة بها حسب تواريخ إيداعها لدى مصلحة المحافظة العقارية، مقابل وصل يتضمن الإشارة لنفس رقم الترتيب الذي أودع به مع بيان تاريخ الإيداع، و الساعة بالضبط كذلك عملا بالفصل 76 من قانون 07/14.

      ومعلوم أن سجل الإيداع يعتبر حجة للمحافظ و الغير على البيانات المضمنة لترتيب الأولوية في الإيداع عملا بمقتضيات الفصل 77 من ظهير 12 غشت 1913 التي اعتبرت أن " ترتيب الأولوية بين الحقوق المثبتة على العقار الواحد تابع لترتيب التقييدات".

      ومعنى ذلك، أن الأولوية في الإيداع لا تخول دائما لصاحب الطلب حق الأولوية و التقييد ، على أساس أن هذا الأخير لن يتم إلا بعد مراقبة المحافظ و تأكده من استيفاء مطلب التقييد للشكليات القانونية اللازمة لذلك. فإن ثبت له العكس فإنه يرفض التقييد بالرسم العقاري، ولا يستفيد بالتالي طالب التقييد من أولويته في سجل الإيداع، ومن ثم فإننا نلخص إلى القول بأن مجرد إيداع مطلب التقييد بمصلحة المحافظة العقارية لا يعتبر إشهارا للحق المطلوب تقييده بالرسم العقاري، ولا يترتب عنه بالتبعية نقل الملكية إلا بعد قيام المحافظ بإجراء التقييد.

      ذلك أن استصدار الحاجز لأمر بحجز تحفظي على حصص الشريك في شركة مدينة لا يمكن تقييده من طرف المحافظ على العقار المحفظ المملوك للشركة، لأنه ينصب على أموال منقولة مملوكة لشخص ذاتي خلافا لمقتضيات الفصلين 65 و 87 من ظهير 12 غشت 1913 التي توجب إشهار الحجوز العقارية المنصبة على حقوق عينية عقارية. بل إنه لا يمكن قانونا إيداع الأمر بالحجز العقاري بالملف الخاص بالشركة المالكة و الذي يمسكه المحافظ فقط للتحقيق من هويتها ومن صحة تمثيلها وبالتالي لن يرتب إيداعه بهذا الملف أي أثر قانوني على حقوق ملكية الشركة المالكة.

الفقرة الثانية : أثر مسطرتي الإيداع و التقييد على المراكز القانونية

      كرست محكمة النقض هذه التفرقة بين إجراء الإيداع و التقييد بمناسبة نزاع يتعلق بماهية التاريخ المعتمد لاحتساب أجل الشفعة، معتبرة أن " التقييد في العقار المحفظ الذي يقع به إشهار الحق الذي يجعله المشرع قرينة على افتراض العلم به في مواجهة الكافة هو الذي يقع وفق ماهو محدد في الفصل 75 من 12 غشت 1913 بتقييد المحافظ في الرسم العقاري البيانات الموجزة عن الحق المراد إشهاره مؤرخة و ممضي عليها من طرفه. و أن تاريخ بداية أجل الشفعة يحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ الشفيع بالشراء بعد تقييده بالرسم العقاري، لا من تاريخ إيداعه فقط، لكون إيداع المطلب والوثائق بسجل الإيداع بالمحافظة لا يرقى إلى درجة إشهار الحق بتقييد الرسم العقاري.

      وبذلك يتضح أن إجراء الإيداع ولئن كانت تنتج عنه ترتيب حقوق الأولوية عند التقييد، فإنه – ومع ذلك- يعتبر مرحلة سابقة عن التقييد المنشئ للحقوق بالرسم العقاري، و أن هذا الأخير هو الذي يحقق قرينة العلم بالتقييد قانونا وواقعا، وتنطلق بمقتضاه جميع الآجال المسقطة للحق من تاريخ الإشهار الفعلي بالرسم العقاري.

      غير أن بعض العمل القضائي ذهب خلافا لذلك ، معتبرا أن تاريخ إيداع عقد الشراء بمصلحة المحافظة و سجلها المعد لذلك، هو تاريخ سريان أجل الشفعة المنصوص عليه في المادة 304 من مدونة الحقوق العينية، ورتب على ذلك سقوط حق الشفيع، والتصريح بعدم قبول الدعوى من الناحية الشكلية.

      وخلافا لهذا التوجه، تواترت محكمة النقض في اجتهادها على تكريس التفرقة بين إجراء الإيداع، و إجراء التقييد، معتبرة أن " المراد بالتقييد هو تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من طرف المحافظ كما هو مستفاد من مقتضيات الفصل 75 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري لا مجرد إيداع العقد الذي إنما يعتبر جزءا من مرحلة سابقة عن التقييد التي تنظمها الفصول 72-74-78 من نفس الظهير، ومن ثم فإن التقييد الفعلي بالرسم العقاري هو وحده الذي يكتسي طابع الإشهار والعلانية في مواجهة الكافة و يفترض العلم به من طرف الجميع، وبالنتيجة فإن الشفيع إنما يتقيد بأجل السنة ابتداء من تاريخ تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من طرف المحافظ لا بإيداعه بين يدي هذا الأخير الذي لا يفترض العلم به من طرف الغير و بالتالي لا يشكل بالنسبة للشفيع انطلاق بداية احتساب أجل الشفعة". وخلصت محكمة النقض في النتيجة إلى القول : " إن قضاة الاستئناف لما عللوا قضاءهم برفض طلب الطاعنين أنه في شفعة العقار المحفظ يعتبر تاريخ إيداع عقد الشراء بالمحافظة العقارية و سجلها المعد لذلك هو تاريخ انطلاق احتساب أجل المطالبة بالشفعة، و أنه بمرور سنة من تاريخ الإيداع المذكور ينقضي حق الشفيع و ليس تاريخ تقييد المبيع بالرسم العقاري… فإنهم يكونون قد طبقوا القانون تطبيقا خاطئا و لم يركزوا قضاءهم على اساس قانوني مما يعرضه للنقض."

      ومن جهة أخرى، فإن هناك فرقا بين التقييد الاحتياطي و التقييد النهائي، و ذلك أن هذا النواع الاخير من التقييد هو الذي ينقل  ملكية الحق المتعلق بعقار محفظ، وتسري بموجبه آجال الشفعة، أما التقييد الاحتياطي فهو مجرد ضمان مؤقت للحق ولا يمكن قانونا أن يحرك أجل الشفعة بالنسبة للشفيع حسبما ورد في قرار لمحكمة النقض جاء فيه أن " التقييد الذي يحرك أجل الشفعة هو التقييد النهائي للحق الذي يتخده المحافظ بمقتضى نص الفصل 75 من ظهير 12 غشت 1913 لإشهار الحق العيني. أما التقييد الاحتياطي للحق فلا يعطي لصاحبه إلا حقا محتملا ولهذا فلا يلزم الشفيع بممارسة حق الشفعة ضده ، ولا أن يستصدر تقييدا احتياطيا بحق الشفعة".

      وبصرف النظر عن الجدل الفقهي القائم حول هذا الاتجاه القضائي، فإننا نعتقد أن التقييد النهائي للحق هو المعتبر قانونا لسريان أجل الشفعة في مواجهة الشفيع استنادا إلى قرينة العلم بالتقييد المنصوص عليها في الفصل 32 من ظهير 12 غشت 1913، وأن الحكم النهائي الصادر بشأن المقال موضوع التقييد الاحتياطي و المعترف بالحق لفائدة المستفيد من التقييد المذكور لا يحتج به ضد الشفيع إلا من تاريخ تقييده وفقا لمقتضيات الفصل 65 من ظهير 1913، لأن الأثر الرجعي للتقييد الاحتياطي قد شرع لصالح المستفيد منه، في مواجهة أصحاب التقييدات الاحتياطية، و لا يمكن أن يمتد هذا الأثر إلى إسقاط حق الشفعة عن الشفيع الذي لا ينشأ قانونا إلا بعد صيرورة الحكم القاضي بإتمام إجراءات البيع بين المشتري و الشريك مكتسبا لقوة الشيء المقضيي به و تقييده بالرسم العقاري عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد.

    وحيادا عن القواعد العامة نجد المشرع قد اعتبر في نصوص خاصة أن مجرد إيداع الحكم الناقل للملكية لدى المحافظة العقارية يترتب عليه، تخليص العقارات المعنية من جميع الحقوق و التكاليف التي قد تكون مثقلة بها، وانتقال الملك للجهة النازعة للملكية بمقتضى الفصل 37 من الظهير المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة. ومن ثم فإن إجراء الإيداع أعلاه ينتج مفعول نفس إجراء التقييد من تاريخ الإيداع، و ليس من تاريخ تقييد الحكم القضائي الناقل للملكية الذي يأتي في مرحلة لا حقة عن الإيداع، الشيء الذي يفيد أن أثر إجراء الإيداع في هذه الحالة يكون منشتا، في حين أن التقييد بالسم العقاري له أثر كاشف ليس إلا.

      كما أن نفس الاستثناء نجده في تقييد الأوامر القاضية بالحجز العقاري أو الإنذار العقاري أو محاضر الحجز التنفيدي، إذ إن مجرد تبليغها للمحافظ الذي يقيدها بالرسم العقاري يترتب عنه جزاء المنع الخاص من أي إجراء تقييد نهائي جديد بنفس الرسم العقاري المعني، وفي ذلك انسجام تام مع القاعدة العامة المقررة في الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913 بمقتضى التعديل الذي طال مقتضيات الفصل 87 من نفس الظهير بموجب قانون07/14. و عليه فإن إجراء التبليغ من قبل المفوض القضائي للاستدعاءات، أو الأحكام، يختلف عن كل من إجراء الإيداع و التقييد الذي يتم وفق إجراءات مسطرية دقيقة للحفاظ على الرتبة و ضمان الحقوق من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.

      ذلك، أن عملية التبليغ للمحافظ لا تثبت بتسليم وصل بذلك، كما هو الشأن بالنسبة للإيداع، و إنما بتوقيعه هو أو من ينوب عنه على شهادة التسليم باعتبارها الوثيقة الوحيدة التي يعتد بها قانونا لصحة و سلامة عملية التبليغ، وعلى من يدعي العكس أن يطعن في الشهادة المذكورة بالزور. وقد كرست محكمة النقض هذا الاتجاه معتبرة أن " الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية عند التنازع هي شهادة التسليم المنصوص عليها في الفصل 39 من ق م م ".

      أما بالنسبة للرهن المؤجل فإن أجل 90 يوما المنصوص عليها في المادة 184 من مدونة الحقوق العينية تبتدئ من تاريخ تقييد الرهن المؤجل تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري الذي يسري مفعوله طيلة مدة التسعين يوما و ليس من تاريخ إيداع الدائن المرتهن للوثائق و الطلب، مع فارق بسيط هو أنه لا يشار إلى هذا التقييد الاحتياطي للرهن المؤجل في نظير الرسم العقاري المحتفظ به لدى مصلحة المحافظة العقارية طيلة المدة أعلاه، مالم يطلب الدائن المرتهن قبل انصرام المدة المذكورة تقييد حقه بصفة نظامية ليأخذ رتبته من تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يتعلق به.

الفقرة الثانية : آجال التقييد بالرسم العقاري

      أوجب المشرع إشهار التصرفات القانونية المتعلقة بالعقارات المحفظة في الرسوم العقارية تحت طائلة فقدان الحماية المقررة للحق نتيجة للتراخي  في القيام بهذا الإجراء من طرف أصحاب الحقوق من دون أن يحدد أي أجل لذلك، تاركا الأمر لمشيئة الأطراف المعنيين بالتقييد في المحافظة على مراكزهم القانونية تكريسا لمبدأ الأثر الإنشائي للتققيد.

      غير أن هذا الوضع لم يساهم في تحيين عدد كبير من الرسوم العقارية التي أضحت بياناتها غير متطابقة مع الواقع. وهذا ما اضطر معه المشرع إلى التدخل للتنصيص على تخفيض آجال التقييد تحت طائلة أداء ذغيرة عن التأخير، مع المرونة في التطبيق عن طريق إعفاء المعنيين بالأمر من أداء هذه الذغيرة إذا أنجزوا تقييد عقودهم خلال آجال معينة، و ذلك من أجل إتاحة الفرصة لتحفيزهم على مباشرة إجراءات التقييد من جهة، و تحيين بيانات الرسم العقاري من جهة أخرى.

     وفيما يتعلق بآجال إجراء التقييدات المؤقتة، فإننا نشير إلى أن الفصل 65 مكرر من قانون 7/14 قد حدد مدة ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صيرورة الأحكام القضائية نهائية

     وغني عن البيان أن المشرع تحدث عن أجل تقييد الأحكام القضائية دون الأوامر الرئاسية سواء كانت بناء على طلب أو استعجالية، الشيء الذي يفيد أنها غير مشمولة بالأجل المنصوص عليه في الفصل 65 مكرر، على اعتبار أنها مجرد تقييدات قضائية مؤقتة غايتها المحافظة على الحق إلى حين إنجاز التقييد النهائي بالرسم العقاري. ومن ثم فإن تنصيص المشرع على أجل ثلاثين سنة لتنفيذ الأحكام القضائية طبقا لنص مسطري عام و هو الفصل 428 من ق م م، يقيده أجل ثلاثة أشهر الواردة في النص الخاص وهو الفصل 65 مكرر ، مع الإشارة إلى أن الجزاء مختلف في النصين المذكورين، فالأول يترتب عنه فقدان الحكم قوته كسند تنفيدي، و بالتالي سقوط حق المحكوم عليه في المطالبة بتنفيذه. في حين أن الثاني ينتج عنه جزاء قانوني وهو أداء ذعيرة مالية.

الفقرة الثانية : مدى تقادم الحق في التقييد بالرسم  العقاري

       ما دام التراخي في تقييد الحقوق بالرسم العقاري يترتب عنه مجرد أداء الغرامة المنصوص عليها في الفصل 65 مكرر أعلاه، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا السياق يتعلق بمدى قابلية سقوط الحق في دعوى التقييد بالرسم العقاري بسبب التقادم ؟

       ولعل الجواب عن ذلك، يقتضي منا استعراض الخلاف الفقهي القائم في هذا الشأن :

       الرأي الاول: يعتبر أن الحق العيني لا ينتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ تقييده حسب الفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913، و بالتالي فلا مجال لإعمال مقتضيات الفصل 387 من ق.ل.ع الذي يقضي بأن كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بمرور خمسة عشرة سنة فيما عدا الاستثناءات التي يقضي بها القانون في الحالات خاصة، و بالتالي فإن الحق في رفع الدعوى المتعلقة بالتقييد  طبقا لهذا الفصل تتقادم بمرور خمسة عشرة سنة على العقد المنشئ لهذا الحق ، وبالتالي يجب على المحافظ رفض كل طلب تقييد يستند إلى عقد تجاوز أكثر من خمسة عشرة سنة.

      وقد أضاف نفس الفقه إعلاه موضحا العلاقة بين الفقرة الثانية من الفصل 380 من ق.ل.ع ، و المبدأ الذي أعلنه المشرع في مطلع هذا الفصل، مؤكدا أن التقادم لا يسري بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها بحيث إن المشتري للعقار نشأ حقه في تقييد العقار على اسمه في الرسم العقاري من تاريخ انعقاد البيع لمصلحته و أصبح بإمكانه من هذا التاريخ مطالبة البائع بتقييد البيع طواعية و إلا فقضاء. و إذا ما تهاون المشتري ولم يطالب بالتقييد رغم اكتسابه هذا الحق، ونقضت مدة خمسة عشرة سنة، فيمكن القول بتقادم حقه في رفع دعوى التقييد، وبالتالي فالحق في إجراء التقييد يمكن أن يطاله التقادم المسقط إذا ما تراخى صاحب الحق الخاضع للتقييد في المطالبة بتقييده طيلة خمسة عشر يوما.

      الرأي الثاني : يستند إلى الفصل 380 أعلاه و التي تقضي بأن التقادم لا يسري بالنسبة لدعوى الضمان إلا من وقت حصول الاستحقاق أو تحقق الفعل الموجب للضمان . وعليه فإن حق المشتري في طلب تقييد العقار المبيع على اسمه لا يتقادم لأن البائع وورثته من بعده ملزمون بضمان نقل ملكية العقار المحفظ إزاء المشتري، دون أن تقع دعوى هذا الأخير تحت طائلة التقادم المسقط.

     الرأي الثالث : يميز بين الحق في التقييد وبين دعوى صحة التصرف الموجب للتقييد، موضحا أن الحق في التقييد هو مجرد إجراء إداري لا يسري عليه التقادم و يمكن القيام به في رأي وقت ما دامت شروط ذلك متوفرة. والمشرع لم يحدد أجلا مسقطا يسقط بموجب هذا الإجراء على الرغم من إقراره لقاعدة وجوب الإشهار بواسطة التقييد. أما دعوى صحة التصرف الموجب للتقييد فهي  التي يمكن أن تتأثر بالتقادم على اعتبار أن التصرف إذا كان صحيحا فيثبت لصاحبه تقييده وقت ما شاء ودون اعتبار لمدة التقادم. في حين إذا كان التصرف مثار نزاع بين أطرافه لسبب من الأسباب فإن إمكانية تقييده تصبح معلقة على ثبوت التصرف و تتأثر هذه الحالة بالتقادم،و يتعين على ذوي أطراف العلاقة التعاقدية رفع دعوى صحة التصرف خلال الأجل القانوني وهو خمسة عشرة سنة. فإذا تراخى المعني بالأمر عن المطالبة بحقه خلال هذه المدة فإن لن يتمكن من الوصول إلى تقييد حقه طالما أنه غير ثابت أصلا.

     وقد استند هذا الرأي على قرار لمحكمة النقض الذي اعتبر أن " دعوى صحة البيع هي التي تتقادم، أما إجراء تقييد البيع فلا يتقادم. ودعوى صحة البيع ضد الورثة على الرسم العقاري لا يبتدئ أمد تقادمها إلا من تاريخ تقييدهم كورثة على الرسم العقاري".

     ونعتقد أن الحق في التقييد لا يسقط بالتقادم استنادا على مقتضيات الفصل 65 مكرر التي نصت صراحة على أن المعنيين بالأمر يمكنهم تقييد حقوقهم متى شاءوا دون ذكر أي أجل لسقوط الحق المذكور، بل كل ما في الأمر أن التأخير في التقييد ينتج عنه أداء الذعيرة المالية المحددة في الفصل أعلاه.

      وهذا ما كرسته محكمة النقض مؤخرا في أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي : "  إذا كانت دعوى تقييد حق عيني بالرسم العقاري لا يطالها التقادم، فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما اعتبرت أن الإشهاد العدلي ورقة رسمية لها حجيتها في الإثبات و أن المشهود عليه كان معروفا لدى شاهديه في غياب ما يثبت العكس، كان قرارها بذلك مرتكزا على أساس قانوني" .

      ونسجاما مع الإشكالات المتعلقة بالتقييد، طرح التساؤل حول نطاق تطبيق المادة 12  من قانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، و مدى إمكانية شمولها للتصرفات المتعلقة بأجزاء المفرزة في بناء مقسم  إلى شقق أو طبقات أو محلات ، قبل دخول القانون الجديد حيز التطبيق؟ وفي حالة القول بالإيجاب، فهل يشكل ذلك تعارضا مع مبدأ دستوري يتمثل في عدم رجعية القوانين؟

      يجيبنا المحافظ العام من خلال إحدى دورياته الصادرة في هذا الشأن، معتبرا أن التصرفات المنجزة بعد دخول القانون المذكور حيز التطبيق، و المتعلقة بشقق أو طبقات أو محلات أسست لها رسوم عقارية في ظل ظهير 16/11/1964، تخضع لمقتضيات المادة 12 المشار إليها، و ذلك لأن صياغة هذه المادة وردت كما يلي :

      " يجب أن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة ، أو إنشاء حقوق عينية عليها أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب… إلخ".

      و يتبين من هذه الصيغة الآمرة، أن مناط الحكم هو التصرفات المشار إليها و ليس نظام الملكية المشتركة، و أن العبرة في تطبيقه بتاريخ إبرام التصرف لا بتاريخ إخضاع العقار لنظام الملكية المشتركة ، ولهذا، فإن كان التصرف مبرما قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التطبيق، فإن لا مجال لإخضاعه للمادة 12 احتراما لمبدأ عدم رجعية القوانين ، أما إذا أبرم التصرف بعد ذلك، فإن يجب تطبيق أحكام المادة 12 عملا بمبدأ الأثر الفوري للقوانين الجديدة. هذا مع العلم أن المادة 61 من نفس القانون نسخت ظهير 16 نونبر 1964 المتعلق بنظام الملكية المشتركة، و بالتالي أصبحت كل الأعمال و التصرفات المنجزة بعد 07 نونبر 2003 خاضعة لمقتضيات القانون الجديد، ولو تعلقت ببنايات مقسمة إلى شقق أو طبقات أو محلات قبل دخوله حيز التطبيق.

      و ترتيبا على ذلك، فإنه يجب مراعاة تاريخ تصحيح الإمضاء الموضوع علة نظام الملكية المشتركة أو نظام تعديلي أو عقد مصحح الإمضاء بعد متم يوم 7 نونبر 2003 ولو تعلق العقد أو النظام التعديلي ببناء مقسم في تاريخ سابق، و بالتالي لا تطبق شروط هذا القانون على نظام الملكية المشتركة و النظام التعديلي و العقد إذا صححت الإمضاءات قبل التاريخ المذكور ولو طلب تقييدها بعده، و يؤخذ بتاريخ أول تصحيح للإمضاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى