في الواجهةمقالات قانونية

الصفقات العمومية في ظل أزمة كورونا بين الواقع ومتطلبات الإصلاح

 

الصفقات العمومية في ظل أزمة كورونا بين الواقع ومتطلبات الإصلاح

البشير الحداد الكبير“.

كانت الإرهاصات الأولى لنظام الصفقات العمومية بالمغرب ما قبل الحماية الفرنسية وبالضبط مع اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906،مرورا بظهير 1917 المتعلق بنظام المحاسبة العمومية،ثم مرسوم المحاسبة العمومية 1959، بالإضافة إلى مرسوم 1965 الذي أبقى على أسلوب المناقصة في الصفقات العمومية،أعقبه مرسوم 1976(1)، وفي سنة 1998(2)،صدر مرسوم جديد ينظم الصفقات العمومية، حاول إدخال مفاهيم جديدة من قبيل “الجودة” والشفافية “في تدبير الصفقات العمومية، لكنه لم يعمر طويلا، فسرعان ما تم نسخه سنة 2007(3) بمرسوم جديد، الذي يعتبر أول مرسوم يدخل الإدارة الإلكترونية في ميدان الصفقات العمومية.

مما لا شك فيه أن سنة 2011(4)، تعتبر سنة استثناء بكل المقاييس، أفرزت لنا دستور جديد، جاء بهندسة دستورية جديدة، وبالتالي كان من الضروري تغيير مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2007،من أجل مواكبة المستجدات الدستورية،خصوصا الإنسجام مع المفهوم الجديد “الحكامة الجيدة”،وعليه في سنة 2013،تم إصدار مرسوم جديد(5).

لقد عملت جائحة كورونا على قلب موازين العالم، وبما أن الصفقات العمومية تعتبر الأداة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في تدبير المالية العمومية، ومن أجل تنفيذ السياسات العمومية، وبما أن المالية العمومية بالمغرب تأثرت بفعل الجفاف وجائحة كورونا، فميدان الصفقات العمومية هو بدوره عرف تأثرا كبيرا، وعليه إلى أي حد تأثرت الصفقات العمومية في ظل جائحة كورونا؟

للإجابة على هذه الإشكالية، فقد اعتمدنا التقسيم التالي:

المحور الأول:مستجدات مرسوم الصفقات العمومية

لقد عرفت المادة الرابعة من مرسوم الصفقات العمومية، الصفقات بأنها عقود بعوض تبرم بين صاحب مشروع من جهة وشخص ذاتي أو اعتباري من جهة أخرى، يدعى مقاولا أو موردا أو خدماتيا، وتهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات.

إن المبادئ التي تخضع لها الصفقات العمومية تتجلى فيما يلي:

+حرية الولوج للطلبية العمومية،وهو المبدأ المحدد في المادة الأول من مرسوم الصفقات العمومية، ويتماشى هذا المبدأ مع الفصل 35 من دستور 2011، الذي من بين مقتضياته أن الدولة تضمن حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر؛

+المساواة، بمعنى التعامل مع المتنافسين بروح المساواة دون تمييز أو تفضيل في إطار تكريس مبدأ الثقة؛

+الشفافية:نلاحظ أن مرسوم الصفقات العمومية كرس مبدأ الشفافية في جميع مراحل تدبير الصفقات،بدءا بإعلان طلب العروض ودعوة المتنافسين، وتقييم العروض والإعلان عن النتائج،دون أن ننسى نشر البرنامج التوقعي، كما أن التدبير اللامادي(الإدارة الإلكترونية) ساهم هو بدوره في تعزيز هذا المبدأ، كما أن مرسوم الصفقات العمومية بنصه على هذه الإجراءات فهو يفعل الفصل 27 من دستور 2011 القاضي بحق الحصول على المعلومة؛

+النزاهة والمساءلة:من خلال التنصيص على المراقبة الداخلية والخارجية، لاسيما التدقيق،ويمكن تقديم الشكايات؛

+احترام البيئة:اختيار المقاولة التي تقدم العرض الذي يراعي شروط احترام البيئة،وذلك تحقيقا للتنمية المستدامة.

وتخضع الصفقات لطرق خاصة في إبرامها، منها عادية، ومنها استثنائية:

+بالنسبة “للطرق العادية” ، تتجلى في طلب العروض، وإن كان بعض الباحثين يعتبرون أن المباراة من الطرق العادية، لكن في نظرنا أنها تدخل في صنف الطرق الغير العادية، وبالنسبة لطلب العروض(l’appel d’offre)، فينقسم بدوره لثلاثة أقسام:

*طلب العروض المفتوح(l’appel d’offre ouvert)،بحيث يسمح لجميع المقاولات بالمشاركة في المنافسة على الصفقة، وهو الوسيلة التي تسمح بمشاركة عدد كبير من المقاولات، ويشكل التجسيد الفعلي لمبدأ المساواة؛

*طلب العروض المحدود(l’appel d’offre restreint)،لا يمكن لجميع المقاولات المشاركة، خصوصا أن المرسوم الجديد حدد أنه يتم اللجوء حينما يعادل أو يقل مبلغ الصفقة عن مليوني درهم؛

يتم توجيهه في شكل دورية أو رسالة مضمونة إلى ثلاثة مترشحين على الأقل يكون بإمكانهم الاستجابة على أحسن وجه للحاجات المراد تحقيقها للإدارة، وذلك لتحقيق حد أدنى من المنافسة و يجب أن تتضمن هذه الدورية جميع البيانات الخاصة بإشهار الإعلان عن طريق طلب العروض المفتوح.

يتعين أن يتم ذلك خلال 15 يوما على الأقل من تاريخ جلسة فتح الأظرفة ويمكن أن يكون طلب العروض المحدود:

  • بناء على تخفيض أو زيادة : يوقع المترشحون التزاما بإنجاز الأشغال أو الخدمات أو تسليم التوريدات التي يتم إعداد ثمنها التقديري من قبل صاحب المشروع، مقابل تخفيض أو زيادة يعبر عنها بنسبة مئوية؛
  • بعرض أثمان : حيث لا يبين ملف طلب العروض للمتنافسين إلا طبيعة و أهمية الأشغال أو التوريدات أو الخدمات التي يتولى المتعهد بنفسه تحديد أثمنتها.

*طلب العروض بالإنتقاء المسبق(l’appel d’offre avec présélection)،هو بدوره لا يسمح لجميع المقاولات بالمشاركة، عادة تكون الصفقة تتميز بالصعوبة ولا يمكن لأي مقاولة إنجازها، ويمر بمرحلتين، هناك الإنتقاء المسبق، بعدها يتم دعوة المتنافسين المقبولين للمنافسة حول من سيصبح “صاحبا للصفقة”.

+”الطرق الغير العادية” :وتتجلى فيما يلي:

*المباراة(concour) :لا يمكن لأي مقاولة المشاركة بطبيعة الحال، لأن طبيعة الصفقة تحتاح لمسائل فنية وتقنية، وهنا نتحدث عن صفقة “التصور والإنجاز”، هي الصفقة الوحيدة التي تبرم عن طريق المباراة،ولقد اعتبرنا أن المباراة طريقة استثنائية لكونها لا يمكن إبرامها إلا بترخيص مسبق من طرف رئيس الحكومة وبعد استطلاع رأي لجنة الصفقات.

*الصفقة التفاوضية(marché négocié) ،هذا النوع من الصفقة بمثابة اتفاق مباشر لا يخضغ لطلب العروض، فمنه من يخضع للإشهار والمنافسة ومنه من لا يخضع لا للإشهار ولا للمنافسة(كصفقات إدارة الدفاع الوطني).

بمقتضاها يجوز لصاحب المشروع اختيار نائل الصفقة بعد الاستشارة الفعلية مع أحدهم أو عدد منهم، و لقد تم تحديد

إطارها بتوضيح السمات العامة للصفقات التفاوضية، في نص

المادة 84 من المرسوم.

*سندات الطلب(bons de commande)،بمقتضاه يمكن لصاحب المشروع اقتناء توريدات، يمكن تسليمها في الحال، وإنجاز أشغال وخدمات في حدود مبلغ مائتي ألف درهم،وقد نص المرسوم أنه يمكن تجاوز سقف مائتي ألف درهم بالنسبة لصفقات المؤسسات العمومية،بحيث يمكن رفعه إلى 500.000 درهم،نفس الأمر بالنسبة لصفقات الجماعات الترابية،ولكن بعد استطلاع رأي لجنة تتبع الطلبية العمومية المحلية وبمقرر وزير الداخلية، وفي نفس المنوال نجد صفقات الدولة، وذلك بمقرر رئيس الحكومة بعد استطلاع رأي لجنة الصفقات.

لقد عمل مرسوم الصفقات العمومية الجديد على توحيد الأنظمة المؤطرة للصفقات العمومية وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتدعيم الشفافية والنزاهة والتخليق، دون أن ننسى أنه تحدث عن أنواع الصفقات العمومية والتي تنقسم إلى :

+”صفقات الإطار”(marchés cadres) ،هذا النوع من الصفقات يتم اللجوء إليه حينما لا يمكن تحديد حجم الطلبية العمومية بدقة، وبالتالي يتم تحديد الحد الأدنى والأعلى.

تبرم الصفقات الإطار لمدة محددة لا تتجاوز السنة الجارية التي أبرمت فيها.

وتتضمن دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بالصفقات الإطار شرطا للتجديد الضمني. وتجدد الصفقات الإطار ضمنيا من سنة لسنة في حدود مدة ثلاث  سنوات متتالية وإجمالية بالنسبة للأعمال الواردة في البند ألف من الملحق رقم 2 بهذا المرسوم وخمس سنوات متتالية وإجمالية بالنسبة للأعمال الواردة في البند باء من نفس الملحق.

+”الصفقات القابلة للتجديد”(marchés reconductibles) ، هي عكس صفقات الإطار، بحيث يمكن تحديد حجم الطلبية العمومية، بحيث تتميز بأنها تكتسي طابعا توقعيا وتكراريا ودائما.

تبرم الصفقات القابلة للتجديد لمدة محددة لا تتجاوز السنة الجارية. وتتضمن دفاتر الشروط الخاصة بندا للتجديد الضمني . وتجدد هذه الصفقات ضمنيا من سنة إلى أخرى في حدود مدة ثلاث سنوات متتالية وإجمالية بالنسبة للأعمال الواردة في البند ألف من الملحق رقم 3 لهذا المرسوم وخمس  سنوات متتالية بالنسبة للأعمال الواردة في البند باء من نفس الملحق.

+”الصفقات بأقساط إشتراطية”(marchés à tranches conditionnelles)، هي صفقات تنص على قسط ثابت مغطى بالاعتمادات المتوفرة يكون صاحب الصفقة متأكدا من إنجازه، وقسط أو أقساط اشتراطية يتوقف تنفيذها على توفر الاعتمادات من جهة ، وتبليغ أمر أو أوامر بالخدمة تأمر بتنفيذه (ها) داخل الآجال المحددة في الصفقة.

+”الصفقات المحصصة” (marchés allotis)، يتم تقسيم الصفقة لمجموعة من الحصص، الهدف هو دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.

+”صفقات التصور والإنجاز” (marchés de conception réalisation) ،هذا النوع الوحيد في الصفقات الذي يبرم عن طريق المباراة، ويتم اللجوء إليه، نظرا لتميز هذا النوع بالجانب التقني والفني أكثر، ونجد أن المغرب لجأ لهذا النوع من الصفقات وكمثال على ذلك مشروع النور بورزازات للطاقة الشمسية، الذي يشكل تجسيدا لمخطط المغرب الأصفر.

المحور الثاني: تأثير جائحة كورونا وضرورة إصلاح نظام الصفقات العمومية

لقد أثر فيروس كورونا على المالية العمومية التي أثرت بدورها على الصفقات العمومية، فنظرا للإجراءات التي اتخذتها الحكومة تم تأجيل العديد من الصفقات العمومية حماية للصحة العمومية، ولم يتم تفعيل المقتضى الذي يعطي للإدارة صاحبة المشروع أن تطبق الغرامات التأخيرية على المقاولات، لأن هذه الأخيرة لم تتوقف من نفسها، وإنما نتيجة إكراهات،وهناك سؤال هل جائحة كورونا قوة قاهرة أم ظرف طارئ؟ إذا عدنا للفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود نجد ينص على ما يلي: “كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات و الجفاف، والعواصف والحرائق و الجراد) و غارات العدو و فعل السلطة، و يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه. وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”،وعليه فقد حدد قانون الإلتزامات والعقود مفهوم القوة القاهرة(كملاحظة المشرع الفرنسي في القانون المدني الفرنسي لم يعطي تعريفا للقوة القاهرة وإنما اكتفى بتحديد آثارها حسب الفصل 1148)، والأمثلة التي ذكرها الفصل 269 على سبيل الحصر وليس الإستئناس، ولم يذكر لفظ الأمراض أو الأوبئة، وبالتالي فلا يمكن إعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة وإنما ظرف طارئ، الذي يستوجب شرطين أساسيين، أولا ظهور ظرف طارئ غير متوقع خارج عن إرادة الطرفين المتعاقدين، ثانيا استحالة تنفيذ العقد نظرا للصعوبات، ونلاحظ أن الظرف الطارئ ينطبق مع جائحة كورونا.

إن الصفقات العمومية هي عقود إدارية تجمع ما بين الشخص المعنوي العام(الدولة-المؤسسات العمومية-الجماعات الترابية) وبين شخص من أشخاص القانون الخاص، وبما أن الصفقات العمومية مرتبطة بالمالية العمومية،فقد تأثرت بإعتبارها الأداة الحقيقية التي تعتمد عليها الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تنفيذ السياسات العمومية،ومن المحتمل أن تلجأ الحكومة إلى تفعيل المادة 62 من القانون التنظيمي 130.13(6) المتعلق بالمالية العمومية من خلال إيقاف تنفيذ نفقات الإستثمار، كما أن الجماعات الترابية هي كذلك نظرا لتأثر ميزانيتها قد تلجأ لإيقاف الصفقات العمومية.

إن الصفقات العمومية هي عقود إدارية، ومن المعلوم أن هذه الأخيرة تعطي للإدارة إمتيازات السلطة العامة،وعليه ففي ميدان الصفقات العمومية تملك الإدارة صاحبة المشروع سلطة التوجيه من خلال إصدار أوامر لصاحب الصفقة بإدخال تعديلات تتماشى مع التطورات، وإذا عدنا للمادة 28 من دفتر الشروط الإدارية العامة(7) نجد أن صاحب الصفقة ملزم بالإمتثال لأوامر صاحب المشروع.

ويمكن للإدارة صاحبة المشروع في ظل جائحة كورونا، في ظل هذه الظرفية الصعبة أن تلجأ لتعديل الصفقات العمومية، وذلك من خلال ما يلي:

+نصت المادة 12 من دفتر الشروط الإدارية العامة CCAG على العقد الملحق بحيث يمكن تغيير بعض بنود الصفقة دون المساس بموضوعها.

+تعديل حجم الأشغال:إذا عدنا للمادة 57 من دفتر الشروط الإدارية العامة نجد أنه يمكن الزيادة في حجم الأشغال دون تجاوز نسبة 10٪،وبالرجوع للمادة 58 ، نجد أنه يمكن التقليص أيضا دون تجاوز نسبة 25٪.

+تعديل الطرق ووسائل التنفيذ:بما أن جائحة كورونا ظرف طارئ وعليه يمكن للإدارة من خلال امتلاكها لسلطة المراقبة والتوجيه أن تقوموا بإجراءات تعديلات.

+تعديل المدة الزمنية: نظرا لجائحة كورونا،فالإدارة تملك الزيادة في المدة الزمنية المتفق عليها دون أن تتجاوز سنة.

كما أنه يمكن اللجوء إلى إنهاء الصفقات العمومية بطريقة غير عادية من خلال ما يلي:

+يمكن للإدارة والمقاول أن يتفقوا على إنهاء الصفقة العمومية.

+نهاية الصفقة بقوة القانون، هنا قد تلجأ الحكومة في القانون المالي التعديلي إلى وقف النفقات العمومية، وسينتج عنه وقف الصفقات العمومية.

ويمكن أيضا للمقاول طلب فسخ الصفقات العمومية نتيجة فيروس كورونا،بالرجوع للمادة 48 من دفتر الشروط الإدارية العامة، نجد أن إصدار الأمر بتأجيل الأشغال إذا تعدى مدة 12 شهرا يمكن للمقاول طلب فسخ الصفقة، كما أنه بالرجوع للمادة 49،نجد أنه في حالة ما  قامت الإدارة في هذه الظروف بإصدار الأمر بتوقيف الأشغال فيتم حينها فسخ الصفقة في الحين.

كما أنه إذا كانت جائحة كورونا تعتبر ظرفا طارئا،فينبغي ألا ننسى أنها تطبق عليها أيضا حتى نظرية الصعوبات المالية الغير المتوقعة، لأن فيروس كورونا شل النظام الإقتصادي العالمي، وهناك العديد من المواد الخام تغيرت أثمنتها، وعليه يستحيل إستمرار تنفيذ الصفقات العمومية بالأثمنة المحددة ما قبل أزمة كورونا.

ومن بين الملاحظات على مرسوم الصفقات العمومية والتي ينبغي تغييرها ما بعد جائحة كورونا، إذا عدنا للمادة 164 من مرسوم الصفقات، نجد أنه يمكن إعداد تقرير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق مليون درهم داخل أجل اقصاه ثلاث أشهر بعد التسليم النهائي للصفقة، هنا ينبغي تعميم جميع الصفقات وليس فقط الصفقات التي تفوق مليون درهم.

كما أنه بخصوص موضوع التدقيقات الداخلية، فحسب المادة 163 من نفس المرسوم فإنها تتم بمقررات الوزير المعني في الصفقات التي تتجاوز 5 مليون درهم وبالنسبة للصفقات التفاوضية التي تتجاوز مليون درهم، في الحين كان من الأجدر خضوع جميع الصفقات للتدقيقات الداخلية دون تحديد أي سقف.

كما نلاحظ أن حضور وزارة المالية نوعا ما ضئيل، فإذا كان المرسوم قد حدد ممثل وزارة المالية في لجنة إختيار المقاول، إلا أن حضوره يكون إلزاميا فقط في الصفقات التي تتجاوز 30 مليون درهم بينما باقي الصفقات يبقى حضوره إختياريا، كما نلاحظ أن ممثل وزارة المالية حتى حضوره يبقى بعيدا عن ميدان الصفقات العمومية، لأن هذه الأخيرة تتميز بطابعها التقني.

وأخيرا إذا كان المرسوم قد نزع الصفة المادية من مساطر الصفقات العمومية لاسيما في المواد 147 و148 و149 و 150 و151 من مرسوم الصفقات العمومية إلا أنه ينبغي تعميم الإدارة الإلكترونية في جميع الإدارات المغربية ونزع الصفة المادية من الملفات الإدارية، فجائحة كورونا أثبتت أن نزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية ضرورة ملحة لتفادي الروتين وتعقيد المساطر الإدارية وتفادي البيروقراطية الإدارية،فنزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية ما بعد جائحة كورونا سيمكن من التكريس الفعلي لمبادئ الحكامة الجيدة وضمان الشفافية والثقة ما بين الإدارة صاحبة المشروع والمتنافسين، كما أن نزع الصفة المادية من الصفقات العمومية سيمكن من اختزال الوقت وسينشغل المتنافسون في إعداد عروض جيدة تضمن التنافسية القوية بينهم مما سيؤثر إيجابا على الصفقات العمومية من حيث الجودة والنجاعة والمردودية،  فالإدارة العمومية ما بعد أزمة كورونا ينبغي أن تكون بعقلية القطاع الخاص ، فصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش لسنة 2017 كان قد حث الإدارة المغربية بأن تغير أسلوبها َلتصبح مثل القطاع الخاص إذ قال جلالته:”… ولوضع حد لهذا المشكل، فإن العامل والقائد، والمدير والموظف، والمسؤول الجماعي وغيرهم، مطالبون بالعمل، كأطر القطاع الخاص أو أكثر، وبروح المسؤولية وبطريقة تشرف الإدارة، وتعطي نتائج ملموسة، لأنهم مؤتمنون على مصالح الناس…”.

الهوامش:

1-مرسوم 2.76.479 الصادر في 14 أكتوبر 1976 بشأن صفقات الأشغال أو الأدوات أو الخدمات المبرمة لحساب الدولة، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3339 بتاريخ 27 أكتوبر 1976،الصفحة: 3269.

2-مرسوم 2.98.482 الصادر في 30 دجنبر 1998 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4654 الصادر في 7 يناير 1999،الصفحة: 12.

3-مرسوم 2.06.388 الصادر في 5 فبراير 2007 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5518 بتاريخ 19 أبريل 2007،الصفحة: 1235.

4-ظهير شريف 1.11.91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

5-مرسوم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6140 بتاريخ 4 أبريل 2013،الصفحة: 3023.

6-ظهير شريف 1.15.62 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية،بتاريخ 2 يونيو 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6370،بتاريخ 18 يونيو 2015،الصفحة: 5810.

7-مرسوم 2.14.349 الصادر في 13 ماي 2016 المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6470 بتاريخ 2 يونيو 2016،الصفحة: 4111.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى