تقرير الندوة المنظمة من طرف جمعية حقوق وعدالة تحت عنوان : حماية المرأة من العنف الزوجي في ظل التحولات الاجتماعية والقانونية
تقرير الندوة المنظمة من طرف جمعية حقوق وعدالة تحت عنوان
حماية المرأة من العنف الزوجي في ظل التحولات الاجتماعية والقانونية
تخليدا لليوم العالمي لحقوق للمرأة، وفي إطار برنامجها تعزيز نظام المساواة بين الجنسين، نظمت جمعية حقوق وعدالة بدعم مشترك من الإتحاد الأوروبي وسفارة المملكة النرويجية بالمغرب، ندوة تحت عنوان “حماية المرأة من العنف الزوجي في ظل التحولات الاجتماعية والقانونية”، وذلك يوم 15/03/2019 بمدينة الدار البيضاء، وقد عرفت مشاركة كل من السيد عبدالرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس بموضوع “المرأة والعنف المجالي: مداخل للفهم والتأويل”، والسيد أنس سعدون دكتور في الحقوق وعضو نادي قضاة المغرب بموضوع “تجريم الاغتصاب الزوجي:قراءة في العمل القضائي”، والسيدة فتيحة اشتاتو المحامية بهيئة الرباط ورئيسة شبكة أنجاد عنف ضد النوع بموضوع “قراءة في القانون 103.13″، والسيد مصطفى الشكدالي أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي بموضوع “أزمة التمركز حول الذات موضوع وإقصاء الأخر”و السيد محمد الباكير محام وأستاذ جامعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بموضوع ” أي حماية للمرأة من العنف الزوجي في القانون الجنائي” والسيدة مونية الطراز الباحثة في الدراسات القرآنية وقضايا المرأة والأسرة بموضوع “نظرات شرعية في الاغتصاب والعنف الزوجي” كما عرفت الندوة حضور فعاليات من المجتمع المدني والحقوقي المهتمة بالموضوع بالإضافة إلى سفيرة المملكة النرويجية، وافتتحت الندوة بعرض شريط فيديو لشهادات حية لنساء تعرضن للعنف الزوجي، وهن من الوافدات على مركز الاستماع التابع للجمعية.
استهلت الندوة بكلمة لرئيس جمعية حقوق وعدالة الأستاذ مراد فوزي، مقدما نبذة عن جمعية حقوق وعدالة مشيرا إلى أنها تأسست منذ سنة 2009 تحت شعار “من أجل مغرب أكثر عدلا، وأنها تسعى إلى تطوير المنظومة القضائية بما يتيحه لها الدستور، معتمدة في ذلك مقاربة شمولية، من خلال التحسيس عن طريق اللقاءات التواصلية مع الطلبة وإنجاز رسوم كاريكاتورية ثم من خلال الترافع بشراكة مع عدد من جمعيات المجتمع المدني، من أجل العمل على تعديل أو إلغاء القوانين ذات الصلة من خلال الموائد المستديرة التي تنظمها ، إضافة إلى حصص التدريب والتكوين للقضاة، وإنجاز دراسات تحليلية في مواضيع مختلفة، مضيفا أن الجمعية من خلال مركز الاستماع التابع لها، قد أسهمت من تمكين550 امرأة من المساعدة القانونية.
وأبرز عند تطرقه لظاهرة العنف الزوجي أنها ظاهرة عالمية، مشيرا إلى أن اتفاقية اسطنبول الموقعة من طرف دول المجلس الأوروبي تعتبر رائدة في الحد من الظاهرة، مسترسلا أن المغرب نجح في إخراج قانون محاربة العنف ضد النساء، كما أن الشريعة الإسلامية السمحاء نصت على حماية المرأة، واستطرد قائلا أنه لا يمكن الحد من ظاهرة العنف الزوجي إلا في إطار مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل التي تتداخل بشأنها، وعلى هذا الأساس ولمناقشة الموضوع تم دعوة متدخلين من مختلف التخصصات من أجل مقاربة شمولية للخروج بتوصيات في الموضوع.
وتناولت الكلمة السفيرة النرويجية السيدة ميرثي نيرغاد، معتبرة أن ظاهرة العنف ضد المرأة مشكلة عالمية وتشكل حاجزا للمساواة، معتبرة أنها نتيجة عوامل اجتماعية ونفسية وثقافية، مضيفة ان بلدها قام بجهود كبيرة لحماية المرأة من خلال تعديلات تشريعية بالإضافة إلى التربية والتنشئة، مشيرة إلى أن جمعية حقوق وعدالة شريك يسعى إلى حماية المرأة في إطار برنامجها تعزيز نظام المساواة بين الجنسين من خلال الندوات والقوافل التي تنظمها.
بعد ذلك تناول الكلمة أول متدخل السيد عبدالرحيم العطري الباحث وأستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس القاضي بموضوع “المرأة والعنف المجالي: مداخل للفهم والتأويل”، الذي انطلق من الشريط الذي تم عرضه من طرف الجمعية قبل بدأ المداخلات الذي قدم شهادات نساء وافدات على مركز الاستماع التابع للجمعية، مشيرا انه يعبر عن هوية ممزقة، معتبرا أن العنف يترك جرحا فاغرا ولمناقشة الموضوع لابد من مقاربة متعددة الأبعاد.
وأضاف أن مقاربة الموضوع تنتهي إلى السياق المزيد، أي بمعنى لا يوجد إلا المزيد من العنف والتوتر، وان المخرج و المدخل لتجاوز سياق المزيد، يكمن في التاءات الثلاث تاء التعبير من خلال الخطاب والممارسة وتاء التنوير ضد الجهل وتاء التحرير أي تحرير الطاقات والقناعات، وأيضا العيون الثلاث من خلال العمل على مواجهة الوضعية/الورطة التي انخرطنا فيه، والعلم والعقل الذي يظل غائبا، والعين الثالثة عين العدالة الغائبة من خلال غياب العدالة المجالية والاقتصادية.
وتابع المتدخل، انه في سياق الإجابة على سؤال كيف يمكن تجاوز الوضعية/ الورطة، أننا في حاجة لتعريف العنف، الذي اعتبره عنف مبني على سوء تقدير العلاقة بالنوع الاجتماعي، طارحا بذلك سؤال المعنى أي أن المرأة كامرأة مفتوحة على الإقصاء والتمييز، متسائلا لماذا سمي العنف الزوجي، هل بالنظر لمن قام به، معتبرا أن له كلفة اجتماعية بميزان الربح والخسارة نتيجة الهدر التنموي والإنساني، الشيء الذي يجعل الأمر ينتهي إلى سياق المزيد، مردفا أن هناك صراع على الثروة والقيم والسلطة ووسائل الإنتاج وأيضا الأدوار، معتبرا أن مؤشرات الهدر التنموي تتجلى في الصحة والعدالة والمشاركة، متسائلا من جديد هل المدخل هو التمكين السياسي أم التمكين الاجتماعي، مجيبا أنه يجب الاشتغال على تمكين المرأة اجتماعيا، لأنه عند الانتقال إلى جغرافيات العنف نجد أنفسنا أمام موضوع عرضاني إشكالي غير مكتمل.
وتابع المتدخل بالقول أن الثقافة الشعبية تبرر العنف الذي يعالج بالصمت والصبر، كما أنه يلقى قبولا بالنظر إلى الثقافة الاجتماعية، مشددا على أن المعركة أكبر مما هو قانوني لأنها معركة ثقافية من أجل تفسير الصور النمطية بالمجتمع، كما تطرق إلى صورة المرأة في الإعلام التي اعتبرها تنبني على التشييء والتسليع، وكذلك التنشئة الاجتماعية تنبني على اللامساواة. وفي مساءلته للعنف المجالي من خلال السوسيولوجيا الحضرية، اعتبر أن المجال غير محايد لأنه بالنظر إلى إحصائيات مدارس الهندسة نجد أن المرأة هي التي ستنتج المجال مستقبلا وستكون مسؤولة عنه، في حين أن المسؤولة ممنوعة من الصرف في المجال، معتبرا أن العنف المجالي ينبني من خلال تصورنا على أساس تقسيم مرتبك وقائم على ثقافة ذكورية. ليختتم مداخلته بممكنات التغيير التي تتجلى في الثاءات الثلاث والعيون الثلاث، انطلاقا من معادلة ان التغيير يبدأ بإخفاق ليعطي تجربة مرورا إلى الفعل، لأننا أمام إخفاق وإفلاس اجتماعيين داعيا إلى استخلاص العبر.
من جانبه، تناول الدكتور أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب، اشكالية “تجريم الاغتصاب الزوجي: قراءة في ضوء العمل القضائي”، مؤكدا أن المشرع لم يفرد أي نص خاص لتجريم الاغتصاب الزوجي وهو ما ساهم في وجود جدل حول هذا الموضوع، بين اتجاهين:
اتجاه أول يرفض بشكل تام وقاطع، الاعتراف بوجود الاغتصاب الزوجي، فمعاشرة الزوج لزوجته دون رضاها لا يعد جرما، لأن رضى الزوجة مفترض بقوة القانون وبقوة عقد الزواج الذي يتيح لكلا الزوجين المعاشرة الجنسية بينهما، كما أن الزوج حينما يمارس الجنس مع زوجته، فانما يمارس أحد الحقوق التي يخولها له عقد الزواج، حتى وإن اتسمت الممارسة بعنف معنوي وبإكراه.
اتجاه ثان يرى إمكانية القول بتجريم الاغتصاب الزوجي اعتمادا على الفصل 488 من القانون الجنائي الذي لا يستثني المتزوجين من نطاق اعماله.
وأردف أنه على مستوى التطبيق تخلو الإحصائيات الرسمية سواء المقدمة من طرف النيابة العامة، أو من طرف وزارة العدل من أي معطيات تتعلق بعدد شكايات الاغتصاب الزوجي، وذلك لعدة أسباب:
-سبب تقني: مرده عدم اهتمام الجهاز الاحصائي بهذا النوع من الجرائم حيث يتم ادراجه عادة ضمن خانة العنف الزوجي أو الأسري؛ فشكايات الزوجات من “اغتصاب” أزواجهم، قد تكون موجودة، لكنها تكيف كأفعال عنف (الفصل 404 ق ج)؛
-سبب ثقافي : يكمن في سيادة اعتقاد واسع لدى النساء الضحايا بأن هذا الفعل غير مجرم قانونا، وهو اعتقاد تتقاسمه أيضا الجهات المكلفة بانفاذ القانون؛
-سبب نفسي: يكمن في الخوف من التبليغ، الخوف من الوصم الاجتماعي، الخوف من ردود أفعال محيط الضحية في ظل مجتمع يطبع مع هذا العنف الذي يستهدف النساء ويعتبره أثرا من آثار عقد الزواج.
– سبب قانوني : مرده من جهة أولى أن القانون الجنائي لا يفرد نصا خاصا يتعلق بالاغتصاب الزوجي على خلاف طريقة تعامله مع باقي أشكال العنف الأخرى التي تستهدف النساء، حيث تتحول علاقة الزواج إما لظرف تشديد كما في حالة عدم تقديم مساعدة لشخص في خطر أو مساعدته في الأفعال التحضيرية للانتحار أو التهديد أو الضرب والجرح، أو تصبح سببا للإعفاء من العقاب كما في حالة السرقة بين الأزواج، أو شرطا لتحريك الدعوى العمومية كما في حالة الخيانة الزوجية.
مؤكدا أنه في الآونة الأخيرة بدأت بعض الضحايا يكسرن جدار الصمت ويلجأن للتبليغ عن هذه الجريمة، التي تعتبر احدى صور العنف الجنسي وقد سجلت عدة حالات تم تكييف الاعتداء الذي طال زوجات من طرف أزواجهن على أساس كونه اغتصاب يمارس داخل الحياة الزوجية.
وفي قراءتها للقانون 103.13 أكدت المتدخلة الثالثة السيدة فتيحة اشتاتو، أن العنف ضد النساء مكلف للدولة لكون ضحاياه كثيرات، مشيرة إلى انه بعد نقاش طويل صدر القانون 103.13، الذي اعتبرته لا يلبي طموح الجمعيات، مستدركة بالقول أن صدور القنون 103.13 في حد ذاته خطوة جديدة. لتنتقل إلى التعليق عليه مقدمة قراءة نصية لفصوله انطلاقا من تعريف العنف الاقتصادي والاجتماعي والجنسي، موضحة أن القانون المذكور أضاف مقتضيات زجرية، من خلال تشديد بعض العقوبات كرفع الحد الأقصى لجريمة التحرش ومضاعفة عقوبة جريمة التحرش وكذلك تشديد جريمة الاغتصاب، وأيضا جرم أفعال لم تكن مجرمة، مستعرضة الحالات المشار إليها في الفصل 444/1 فيما يخص السب في حق امرأة، وكذلك تلك المشار إليها في الفصل 444/2، و447/2و1، و503 التي تم فيها تجريم الإكراه على الزواج…
أضافت المتدخلة أن القانون 103.13، جعل الجلسات سرية، وحدد تدابير حمائية فورية كإرجاع المحضون مع حاضنته ومنع التصرف في الأموال المشتركة، كما أشارت إلى التدابير الوقائية التي جاء بها القانون، منتقدة القانون 103.13 لربطه العنف بوقوع الضرر معتبرة أم مجرد المحاولة لها تأثيرها على الضحية، وكذلك مسألة التعصيب التي اعتبرتها حيفا في حق النساء، وكونه لم ينظم الأجرأة وأثقل المرأة بوسائل الاثبات خاصة وأنها تحدث في أماكن مغلقة داعية إلى الأخذ بالتجربة الاسبانية في هذا المجال، كما أوضحت أن القانون 103.13 لم يقدم إجابات على بعض الجرائم بخصوص الأطفال الناتجين عن الاغتصاب، وعابت مسألة استبعاد الجمعيات كقوة اقتراحية لها إلمام بالواقع، داعية إلى ملاءمة القوانين مع الدستور، معتبرة في الأخير أن القانون انصب على ما هو زجري وهو غير كاف بل لا بد من التربية على قيم المواطنة والمساواة وتضافر جهود جميع القطاعات.
وفي معرض مداخلة الباحث في علم النفس الاجتماعي، السيد مصطفى الشكدالي، أكد ان الحديث عن حماية المراة من العنف الزوجي هو حماية للأسرة في حد ذاته، متمنيا إن يكون الموضوع يتعلق بحماية الأسرة والأطفال، مبرزا التناقض المفرط بين شيئين اثنين من خلال دراسة أبرزت حضور أطفال ذو الثلاث سنوات للعنف الزوجي ومدى تأثيره عليهم، مركزا على الميكانيزمات النفسية اعتبارا لعدم إمكانية تغيير المجتمع من خلال القانون فقط، موضحا أنه يجب مقاربة الموضوع مقاربة أخلاقية لكون الحل رهين بالتوصيف والتشخيص خاصة السيكولوجي. مؤكدا أن التفاعل هو الذي يخلق الأشياء من خلال تفاعل السيكولوجيا مع السوسيولوجيا، مضيفا أن كل العلاقات تبدأ بمعنى أريد أن أروق للأخر وأن المشكل لا يكمن في الشيء بل مع الشيء، وعدد المتدخل الأنظمة العلائقية ابتداء من الخطوبة إلى الزواج وما ينتج عنها من تغيير في التصور في حين أن الإنسان لا يتغير.
كما أبرز المتدخل أن العلاقة في العنف الرمزي وديناميكيته تنبني على التمركز حول الذات اعتبار للثقافة الذكورية الناتجة عن التنشئة. وعزا الإحساس بالنقص إلى أنه نابع من المركزية الذاتية بما أسماه علاقة تملكية كل طرف يرى الأخر إلا ليتملكه، معتبرا أن الأقوياء وحدهم من يستطيعون بناء علاقة متوازنة وقوية.
وتطرق المتدخل إلى مفهوم الظاهرة الذي اعتبر انه يعتريه نوع من اللبس، لأن الظاهرة ليس ما ظهر منها بل ما خفي منها، معتبرا أن معرفتنا معطوبة، والتشخيص يجب أن يكون من هذه الزاوية من خلال استحضار علم النفس المعرفي الاجتماعي، الذي يهتم بطرق المعرفة لأن مشكلتنا تكمن في هذه الطرق.
وأضاف المتدخل في سياق الحديث عن شخصية النرجسي المنحرف، أن غالبية الأزواج يعيشون دون دراية منهم أنهم ضحية وخاصة النساء، لأنه في كثير من الحالات تكون الزوجة ضحية والعكس في الغرب فالمرأة هي التي تأخذ الرجل وتسلعه، معتبرا أن العنف هو أحد مظاهر التمركز المادي، مستطردا بالقول أن القانون يهتم بالمادي المحسوس في حين أن علم النفس يهتم بغير المرئي الذي في اللاشعور.
وتحدث المتدخل أيضا عما أسماه بالصدى المعرفي من ان المرأة مفرد يخفي أشياء متعددة، معتبرا انه ليس هناك مفر من المعرفة والمعرفة الاجتماعية، لأن المرأة من خلالها يعبر التنميط داخل الثقافة الاجتماعية، مشددا على ضرورة الاعتماد على الميدان واعتماد كل المقاربات بما فيها النفسية والاجتماعية الغائبة عن مقاربة ظاهرة العنف الزوجي، والتي تعزى إلى دور التنشئة الاجتماعية في التأسيس للعنف، وكذلك دور الأسرة في إعادة إنتاج العنف، وأيضا كون العلاقات غير متكافئة بين النساء والرجال، داعيا في الأخير إلى مناهضة العنف في العلاقات غير المتكافئة.
وفي معرض تدخل السيد محمد الباكير، اعتبر أن الدخول في الموضوع “العنف الزوجي” هل يقتضي مناقشة النفسي أم النزول إلى المستوى الموجودات، مسترسلا بالقول أن القانون الجنائي مجموعة من البديهيات والأحكام التي لا يطرحون بشأنها أي تساؤل وبهذا تم إدخال القانون الجنائي في متاهات وصار يشرع بطريقة عشوائية، مضيفا أن الدراسات القانونية تسعى إلى تعريف العنف إلا القانون الجنائي لم يعرف العنف وأن نصوصه ه تتحدث فقط عن صور العنف كالضرب والجرح والإيذاء … التي تطبق على العنف.
كما اعتبر أن القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، الذي أراد من خلاله المشرع ملاءمة التشريع الوطني مع التشريع الدولي لم يستطع تعريف العنف بشكل دقيق ومحدد، بالرغم من إفراده لباب في مادة واحدة، منتقدا بذلك تعريف المشرع الذي أضاف قيدا جديدا فيما يخص تعريف العنف، مسترسلا بالقول أن العنف المادي يبدأ من الإرعاب إلى المساس المباشر عن طريق الايذاء العمدي، متسائلا عن العنف الزوجي في القانون الجنائي، هل الذي يمارسه زوج ضد الأخر أم الذي يقع داخل بيت الزوجية، مشيرا إلى أن هناك عنف آخر ضد الأنثى بسبب إعدادها للزواج، وايضا العنف ضد المرأة المتزوجة من أجل الحفاظ على الزواج، وكذلك لمنعها من الزواج.
وأضاف المتدخل أن المشرع من خلال القانون الجنائي تحدث عن العنف ضد المرأة في حالة التحرش الجنسي، والاغتصاب وهتك العرض. معتبرا أن الحديث عن اغتصاب المرأة لا يعتبر اعتداء جسديا عليها بل اعتداء على نظام الأسرة والشرف والآداب، متابعا حديثه بالقول بأنه لم يتم تصنيف العنف في جرائم الاغتصاب بالنظر إلى الرمزية المتواجدة في القانون الجنائي، وأن المرأة شيء اجتماعي باعتبار السلامة الاجتماعية مصلحة اجتماعية، مشيرا إلى أن الاغتصاب عن طريق العنف لا يشدد إلا إذا كان هناك افتضاض، لأن ذلك راجع إلى الخلفية الذكورية، وبالتالي فالمرجعية المعتمدة في القانون الجنائي هي خلفية تقليدية، مشددا على أن المشرع من خلال القانون الجنائي يضع نصوصا تكرس تمييزا ومسا بالمرأة، لكون فلسفة القانون الجنائي تقوم على الآداب العامة وليس الأذى الجنسي، مختتما مداخلته بالقول أن الوظيفة الرمزية للقانون الجنائي ما هي إلا تكريس للواقع.
وفي أخر المداخلات قدمت السيدة مونية الطراز قراءة لموضوع الاغتصاب والعنف الزوجي من خلال مقاصد الشريعة، معتبرة أن القرآن لم يفرط في أمور الناس والتي من بينها العلاقة الحميمية، وأن آيات نزلت لتنظيم هذه العلاقة وقد وردت في سياقات مختلفة و بمفردات خاصة، مسترسلة بالقول أن هذا الموضوع نقلته السنة وعلى هذا المنهج كان سلوك الصحابة بعيدا عن التعتيم، موضحة أن الطابوهات ليست من قيم الإسلام، داعية إلى تسمية الأمور بمسمياتها دون خلفيات أو تمييع، لأن الأمر ليس محل مزايدة بالنظر إلى ثقافتنا التي تنهل من الإسلام، وأنه يجب الاهتمام بالموضوع بما يسهم في التماسك الأسري والبناء الاجتماعي، لأن من شان عدم الاهتمام به قد يسهم في التقويض الاجتماعي.
وأضافت المتدخلة أن أكثر حالات الطلاق ناتجة عن العنف والفراش، وأن قصدها من العنوان لفت الانتباه للأساس الشرعي حول ما ينسب للإسلام و ما لا ينسب له، معتبرة أن مصطلحات الاغتصاب مفاهيم تناقض كليات الشريعة ومقاصدها، والتي تحفظ مقاصد العلاقة الزوجية من خلال وصف الزواج بالميثاق الغليظ.
وتابعت المتدخلة بخصوص تفسيرها لمفهوم العنف الزوجي من خلال أراء الفقهاء، بالقول أن هناك ممارسات تعبر عن دلالات الاغتصاب فلا يمكن الخلط لأن الاغتصاب من الغصب، ومادام أنه يتعلق بالعنف في ممارسة الجنس فلا حرج في تسميته، معتبرة أن مصطلح الاغتصاب تم استعماله من طرف مجموعة من الفقهاء، وهناك من يعترض على تسمية المصطلح ويعتمد تسمية الإكراه، مضيفة أنه لا مانع من استعمال مصطلحات في سياقات مختلفة ومغايرة، كما أشارت إلى انه في حالة العلاقة الزوجية فإن الفقهاء يعرفونه بالإكراه ويجيزونه، على اعتبار أن الأمر عادي مادام أنه من واجب المعاشرة، مشددة على أن العلاقة الحميمية لا دخل فيها لحقوق تنتزع بالإكراه الذي لا يمكن تبريره ولا يمكن للشريعة أن تقره، وأردفت بالقول أن الإكراه على المعاشرة يعد اغتصاب، كما أن الشريعة لا تعالج الظاهر السلبية بقدر ما تقطع الطريق على الأمور الشاذة.
ودعت المتدخلة إلى إنتاج فهم جديد يمتح من المفاهيم القرأنية لتحقيق المقاصد الشرعية للزواج، لأن مشكل الاغتصاب الزوجي هو موضوع الدعوة إلى مراجعات بالنظر للإطار العام للشريعة الذي يستوعب الظاهرة، مبرزة أن تصوراتنا هي خليط من التفافة الشعبية نتيجة الجهل بالإضافة إلى الموروث الفقهي، كما جزمت بأن الانصراف عن القيم الأساسية هو التأويل الخاطئ عن الضابط الأساسي، مؤكدة أن اختلال القيم أدى إلى اختلال الممارسة، لأن العنف المستند إلى مبرر ديني فهو ناتج عن التأويلات المنحرفة عن الضابط الأساسي لمقاصد الشريعة، لتنهي بمداخلتها بالقول أن طبيعة عقد الزواج وتسميته أفقدت العلاقة الزوجية طبيعتها التشاركية.
و بعد انتهاء المداخلات تم فتح باب النقاش للحضور الذي تفاعل مع المواضيع التي تناولها المتدخلون، وخلصت الندوة إلى عدة توصيات أهمها:
- تغيير الصورة النمطية لدور المرأة في المجتمع و الأسرة في وسائل الإعلام؛
- إحداث مرصد لإحصاء قضايا العنف الزوجي وخاصة الاغتصاب الزوجي؛
- فتح نقاش قانوني حول أسباب الاغتصاب الزوجي؛
- اعتماد مقاربة شمولية للحد من ظاهرة العنف الزوجي من خلال تمكين المرأة اجتماعيا والاهتمام بالشباب بشكل عام؛
- إبراز قضايا الاغتصاب الزوجي على مستوى الإعلام؛
- عدم تقييد وسائل إثبات العنف الزوجي وجعل المبدأ هو حرية الإثبات و اجبار الجيران على الادلاء بشهادتهم في حال وقوع نزاع بين الزوجين؛
- تقوية دور الخلايا واللجان الخاصة بمحاربة العنف ضد المرأة وتوفير مساعدات اجتماعيات لها؛
- اعتماد المقاربة الميدانية و النفسية والاجتماعية من أجل دراسة ظاهرة العنف الزوجي؛
- التربية على قيم المواطنة والمساواة ؛
- إصلاح نظام التربية والتعليم ؛
- توسيع مقتضيات الفصل 486 من القانون الجنائي ليشمل الاغتصاب الزوجي؛
- التوعية و التحسيس بظاهرة العنف الزوجي ومن خلالها الاغتصاب الزوجي بشتى الوسائل[ الصحافة،الإذاعة،وصلات إشهارية.. ]
- الانتقال من مرحلة محاربة العنف إلى مرحلة الوقاية منه؛
- نشر الأحكام القضائية القاضية بالإدانة في حالة العنف الزوجي.