في الواجهةمقالات قانونية

لماذا يتم إهمال تدبير قطاع الشغل في المغرب؟ بقلم ياسر الطريبق

 

لماذا يتم إهمال تدبير قطاع الشغل في المغرب؟

بقلم ياسر الطريبق

يعيش مغربنا العزيز حاليا في ظروف اقتصادية واجتماعية حساسة، أو لنقل إنها صعبة للغاية لدرجة أنها تبدو غير قابلة للاستشراف أو التوقع، بالنظر لارتباط بلادنا_بحكم وزنها الاقتصادي المتواضع عالميا (وهذا أمر لا خجل في ذكره)_بالمؤثرات الخارجية الطارئة في خطورتها التي تقع اليوم بمناسبة حرب أوكرانيا.

ولئن شكل المغرب نموذجا يحتذى به إفريقيا ومغاربيا خلال العشريتين الأخيرتين على مستوى تطوير بنية تحتية مستقطبة للاستثمار وكذا على مستوى إنجاز بعض الأوراش الاقتصادية الضخمة من قبيل ميناء المتوسط ومشاريع الطاقة المتجددة وتطوير صناعة هياكل السيارات وأجزاء الطائرات … إلا أن الأداء العام للدولة المغربية ما يزال للأسف فقيرا نسبيا على مستوى خلق الثروة الوطنية (الناتج الداخلي المحلي الإجمالي للمغرب يقارب 133 مليار دولار حسب إحصائيات البنك الدولي لسنة 2021)، ناهيك عن ضعف البنية المؤسساتية (الحكومة والبرلمان وجهاز القضاء…) وعجزها لحد الساعة عن تحرير الاقتصاد الوطني من مظاهر الريع، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية السياسية لتدبير الشأن العام رغم تغير السياقات السياسية وتقلباتها طوال تلك الفترة العشرينية التي نتكلم عنها، اللهم إلا إذا ما استثنينا من ذلك بعض المبادرات التي أطلقها الملك محمد السادس _وفقه الله_ وعلى رأسها المشروع التاريخي المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية للمغاربة في غضون 5 سنوات …

بيد أن تطبيق مشروع كبير من هذا الحجم بمختلف أبوابه أو عناصره، من تأمين إجباري عن المرض وتعميم التعويضات العائلية وإحداث نظام معاشات لغير الأجراء (المهن الحرة والمستقلين) وما إلى ذلك، لا يمكنه أن يتحقق في نظري المتواضع بالطريقة والأسلوب الذي تعتمده الحكومة وكل النخب السياسية الممثلة في البنية المؤسساتية لبلادنا حاليا، وهو الأسلوب الذي يستند _حسب ما يظهر لي لحد الساعة_ على مقاربة تقنية محصورة في الجانب المالي المرتبط بإعداد القوانين المالية السنوية دون أن تمس ببنيتنا الإدارية في جوهرها، خصوصا على مستوى تدبير قطاع الشغل، والحال أننا نحتاج، إن أردنا فعلا، إنجاح هذا المشروع إلى اعتماد مقاربة بنيوية تتلاءم مع واقعنا الاجتماعي المعاش وتسعى إلى معالجة عيوبه ونواقصه المزمنة المتجلية في كون الغالبية العظمى من الساكنة المغربية النشيطة في المغرب مازالت لحد اليوم غير مغطاة اجتماعيا وغير مؤمنة صحيا، أي أن الدولة ستكون مطالبة خلال المرحلة المقبلة لبذل جهود جبارة من أجل تحقيق الأهداف الكبرى التي رسمها حاملي هذا المشروع الكبير في نصب أعينهم ومن ضمنها خصوصا إدماج 22 مليون شخص إضافي في نظام التغطية الصحية والاجتماعية، علما أن عدد الأشخاص المحميين اجتماعيا في المغرب حاليا لا يزال في حدود 8 ملايين شخص حسب آخر التصريحات الرسمية بمن فيهم: الأجراء المصرح بهم في نظام الضمان الاجتماعي (أكثر من 3,5 مليون شخص حسب آخر الإحصائيات الواردة في تقارير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) والموظفين (قرابة 600 ألف شخص) والفئات الهشة وأرباب الأسر الفقيرة التي تستفيد من أنظمة “راميد” و”تيسير” والتي تقارب 2 مليون شخص ناهيك عن التجار والمهنيين والحرفيين الغير المهيكلين الذين شرعت الدولة في إدماجهم في هذا القاعدة المشمولة بالتغطية الصحية والاجتماعية من خلال تسجيلهم في نظام الضريبة المهنية الموحدة والذين مازالت أعدادهم محدودة لحد الساعة في ظل غياب تحفيزات مالية موجّهة خصوصا لمحدودي الدخل من ضمنهم _وما أكثرهم في بلادنا_،

فهل ستستطيع بلادنا تحقيق هذا الأهداف السامية التي رسمها القانون الإطار لمشروع تعميم التغطية الصحية والاجتماعية للمغاربة دون أن تدخل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية في جوهر الإصلاحات البنوية للإدارة والاقتصاد ، (إدماج الاقتصاد الغير المهيكل مثلا دون الحصر)؟

ثم، أين هو تدبير قطاع الشغل من كل هذا؟ ما هي وضعية جهاز تفتيش الشغل في المغرب باعتباره مخولا في أصله القانوني (مدونة الشغل والمواثيق الدولية للشغل التي صادق عليها المغرب في التسعينيات) لمراقبة تطبيق تشريع الشغل بما في ذلك مقتضيات التصريح الإجباري للأجراء في نظام الضمان الاجتماعي؟ من سيعمل يا ترى على ردع الممتنعين عن تطبيق مقتضيات هذا القانون في سوق الشغل سواء كانوا أرباب عمل أو أجراء؟ بل، وحتى بالنسبة للأجراء المصرح بهم في نظام الضمان الاجتماعي، هل تعرفون أن عددا كبيرا منهم ما يزال تعيش في ظل الهشاشة الاجتماعية بحيث أنهم لا يستفيدون من التعويضات العائلية أو يفتقدون للنقط الكافية للمعاش بسبب عدم التصريح بكل أيام عملهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ هل تعرفون أنه يوجد، من جهة أخرى، كذلك، الكثير من المغاربة الذين يتحايلون على نفس الصندوق بتصريحات زائفة للاستفادة من خدماته؟ ووو؟ من سيعالج كل هذه المعضلات، إذن، إذا كان تدبير قطاع الشغل اليوم شبه مغيب في السياسة الحكومية بل وحتى في برامج الأحزاب السياسية واقتراحات نواب الأمة؟ من يمتلك الجرأة اليوم _بمناسبة تفعيل مشروع الحماية الاجتماعية للمغاربة أن يطالب بصياغة نظام أساسي عقلاني لجهاز تفتيش الشغل بما من شأنه تعزيز أدواره الرقابية الزجرية ناهيك عن أدواره الاجتماعية المتمثلة في تحقيق السلم الاجتماعي (حل نزاعات الشغل الفردية والجماعية) ومصاحبة المقاولات وإرشاد أطراف العلاقة الشغلية بحقوقهم وواجباتهم المنصوص عليها في تشريع الشغل (وما أجهل أغلبهم بتلك المقتضيات)؟

للأسف، يظهر لي ولكثير من متتبعي الشأن العام العارفين بحاجيات قطاع الشغل أن المسؤولين حاليا عن تسيير الشأن العام في بلادنا لا يعيرون اهتماما يذكر بمنظومة إدارة العمل، فما أحراك بجهاز تفتيش الشغل وأدواره الأساسية، وإلا فلماذا تم تغييب مصطلح الشغل من التشكيلة الحكومية الحالية حيث لا توجد وزارة تحمل تسمية “الشغل” أو “العمل”، كأننا نتجه إلى إقبار كل مجالات إدارة العمل.. ولتعلموا أننا، إذ نلغي دور إدارة العمل من البرنامج الحكومي ككل، فكأننا نتغاضى عن أي تعاقد ممكن بين الدولة والمقاولة وبالتالي نطيح بواحد من الأركان الأساسية لمشروع تعميم التغطية الاجتماعية للمغاربة مع تقديري المتين لمنصوص خطابات الملك محمد السادس الموقر في هذا الشأن وكذلك لكل المساعي والتدابير التي أنجزتها الحكومة الحالية لأجل تنفيذ هذا المشروع على قلّتها.

بقلم ياسر الطريبق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى