في الواجهةمقالات قانونية

الشكاية الرسمية في قانون المسطرة الجنائية

 

أمام تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة وعجز التشريعات الجنائية الوطنية بمفهومها الكلاسيكي المبني على مبدأ السيادة الإقليمي، أصبح من الضروري على المجتمع الدولي إيجاد طريقة لمواجهة هذا النوع من الإجرام والتصدي له، تطبيقا لمبدأ عدم الإفلات عن العقاب، الذي يقضي بضرورة معاقبة كل شخص على ما ارتكبه من أفعال جرمية.

على هذا الأساس اهتدى المجتمع الدولي إلى إيجاد مجموعة من الآليات للتعاون القضائي في الميدان الجنائي، والتي تتجلى بالأساس في مسطرة تسليم المجرمين والشكاية الرسمية والإنابة القضائية[1].

ولما كانت مسطرة تسليم المجرمين تم اعتمادها لإرجاع المتهم إلى الدولة التي ارتكب على إقليمها الفعل الإجرامي، في حالة فراره إلى دولة أخرى، فإن المستقر عليه عند تطبيق هذه المسطرة هو أن الدولة المطلوبة لا تسمح بتسليم مواطنيها الذين يرتكبون جريمة تدخل ضمن اختصاص قضاء الدولة التي طالبت بالتسليم، وهذا ما قد يحول دون متابعتهم ومحاكمتهم على ما اقترفوه من أفعال جرمية[2].

ودفعا للتملص من المتابعة ولتحقيق التضامن الدولي لمكافحة الجريمة، تم إيجاد آلية الشكاية الرسمية التي بمقتضاها يمكن لسلطات الدولة التي ارتكبت الجريمة على أراضيها عند لجوء مرتكب الجريمة إلى وطنه، إبلاغ دولته بما ارتكبه من أفعال لمتابعته وفق قانونها الداخلي.

إذن فما المقصود بالشكاية الرسمية؟ وما شروطها ومسطرتها؟.

سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل من خلال ثلاث مطالب، سنتناول في الأول الإطار القانوني للشكاية الرسمية، وسنتطرق في الثاني لشروطها، بينما سنعرض في الثالث مسطرة الشكاية الرسمية، وذلك وفق التصميم التالي:

  • المطلب الأول: الإطار القانوني للشكاية الرسمية
  • المطلب الثاني: شروط تفعيل الشكاية الرسمية
  • المطلب الثالث: مسطرة الشكاية الرسمية

 

المطلب الأول: الإطار القانوني للشكاية الرسمية

نظم المشرع المغربي أحكام الشكاية الرسمية بمقتضى قانون المسطرة الجنائية في المواد 748 و749. فقد جاء في المادة 748 من قانون المسطرة الجنائية أنه: “إذا ارتكب أجنبي جريمة بأراضي المغرب وكان من مواطني دولة لا يسمح تشريعها بتسليم مواطنيها، فإنه يمكن للسلطات المغربية في حال لجوء مرتكب الجريمة إلى وطنه أن تقوم بإبلاغ دولته بما ارتكبه من أفعال للحصول على متابعته طبقا لتشريع الدولة المطلوبة.

يتم الإبلاغ بالطريق الدبلوماسي.

يتضمن الإبلاغ عرضا للوقائع، ويبين فيه بدقة مكان ووقت ارتكاب الجريمة والعناصر المكونة لها والنصوص المطبقة عليها بالمغرب وجميع العناصر الأخرى التي يمكن استعمالها كوسائل إثبات، ويرفق غلى الخصوص بنسخ مصادق على مطابقتها للأصل من المحاضر المعاينة والاستماع إلى الشهود أوالمشاركين في الجريمة الذين يوجدون بالمغرب.

تطبق مقتضيات الفقرات السابقة مع مراعاة الاتفاقيات المبرمة في هذا الصدد”.

في حين نصت المادة 749 من نفس القانون على أنه: “يمكن في حالة التوصل بشكاية رسمية من دولة أجنبية، أن يتابع بالمغرب المواطن المغربي الذي يرتكب جريمة بالخارج أو داخل المحكمة، ولا يتم تسليمه للدولة الأجنبية اعتبارا لجنسيته المغربية. ويصدر الحكم عليه وفقا لمقتضيات القانون المغربي”.

يتضح من خلال المادتين السابقتين أن المشرع المغربي ميز بين نوعين من الشكاية الرسمية، إذ تناول بالدراسة في المادة 748 حالة كون المغرب دولة طالبة، أي دولة مصدرة للشكاية الرسمية إلى دولة أجنبية لا يسمح تشريعها بتسليم رعاياها، في حالة ارتكاب أحد مواطنيها لفعل إجرامي داخل المغرب وفراره إليها، في حين تعرضت المادة 749 إلى حالة كون المغرب دولة مطلوبة، أي تكون الدولة المغربية هي التي تتوصل بالشكاية الرسمية من دولة أجنبية ليتابع بالمغرب المواطن المغربي الذي ارتكب جريمة بالخارج، أو داخل المملكة حتى يتابع ويحاكم طبقا لمقتضيات التشريع المغربي.

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا ارتكب مواطن مغربي لفعل إجرامي خارج المملكة حتى في حالة عدم وجود شكاية رسمية من الدولة المرتكب الفعل الإجرامي فوق ترابها، فإنه يمكن متابعته بالمغرب وفق آلية تمديد الاختصاص الجنائي طبقا للمادتين [3]707 و708[4] من ق.م.ج. وهذه الحالة يمكن تصورها في حالة اعتراف المتهم بكونه ارتكب فعل إجرامي خارج المغرب بمناسبة استنطاقه عن جريمة أخرى ارتكبت بالمغرب[5].

بالإضافة إلى أحكام قانون المسطرة الجنائية السالفة الذكر، فإن الشكاية الرسمية تخضع في تنظيمها لأحكام الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الإطار، وهو ما يتبين من خلال ما جاءت به المادة 713 التي تنص على أنه: “تكون الأولوية للاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي مع الدول الأجنبية. ولا تطبق مقتضيات هذا الباب إلا في حالة عدم وجود اتفاقيات أو في حالة خلو تلك الاتفاقيات من الأحكام الواردة به”.

فالواضح من خلال هذه المادة أن المشرع المغربي يعطي الأولوية للاتفاقيات الدولية[6] على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي الدولي، مما يمكن معه القول أن القاعدة العامة أو القانون الأصل في التطبيق فيما يتعلق بالشكاية الرسمية هو الاتفاقيات الدولية، وأن القانون الداخلي لا تطبق إلا في حالة عدم وجود اتفاقية دولية أو في حالة خلو هذه الأخيرة من الأحكام المنظمة للشكاية الرسمية.

ومن الاتفاقيات التي أبرمها المغرب في إطار التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي والمتعلقة بالشكاية الرسمية نجد الاتفاقيات المغربية الاسبانية[7] والاتفاقية المغربية التركية[8] والتي تتمحور حول التعاون القضائي في مجال متابعة الأشخاص وفق الشكاية الرسمية، وهو ما نصت عليه المادة 20 بقولها: “1- يمكن لكل طرف متعاقد أن يبلغ الطرف الآخر من أجل متابعة من أجل الجنايات أو الجنح المرتكبة على ترابه من طرف مواطني الدولة الأخرى الذين يكونون قد عادوا إلى تراب هذه الدولة.

2- ولهذه الغاية نرسل الملفات والمعلومات والأشياء المتعلقة بالجريمة مجانا.

3- تخبر الدولة المطلوبة الدولة الطالبة عن مآل طلبها”.

كما نجد أيضا الاتفاقية المغربية البلجيكية[9] تنص في مادتها الخامسة عشرعلى أنه:

“1- توجه التبليغات عن الوقائع المتعلقة بالمتابعات طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 14 من هذه الاتفاقية.

2- تخبر الدولة المطلوبة الدولة الطالبة بمؤهلات محاكمها المختصة وبإمكانية تدخل الطرف المتضرر كطرف مدني في الدعوى وكذا بطرق الطعن المستعملة.

3- يجب على الدولة المطلوبة إشعار الدولة الطالبة بنتيجة التبليغ”.

إضافة إلى هاتين الاتفاقيتين، أبرم المغرب اتفاقية مع الجمهورية المصرية في هذا المجال، والتي من خلالها عملت على تنظيم الشكاية الرسمية من خلال المادة 18[10].

 

المطلب الثاني: شروط تفعيل الشكاية الرسمية

يشترط لصحة تفعيل الشكاية الرسمية كآلية من آليات التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي، توفر مجموعة من الشروط تتجلى بالأساس في ضرورة ارتكاب أجنبي لجريمة بأراضي المغرب (الفقرة الأولى)، وأن تكون هذه الجريمة خطيرة (الفقرة الثانية)، مع ضرورة ازدواجية الفعل المرتكب في كلا الدولتين الطالبة والمطلوب منها (الفقرة الثالثة)، ثم عدم سقوط الدعوى العمومية (الفقرة الرابعة).

           الفقرة الأولى: جنسية مرتكب الجريمة

بالرجوع لنص المادتين 748 و749 من ق.م.ج، نستنتج أن جنسية مرتكب الفعل الإجرامي متطلبة لتفعيل آلية الشكاية الرسمية، بحيث يشترط أن يكون مرتكب الجريمة المقدمة ضده الشكاية الرسمية حاملا لجنسية الدولة المتواجد بها، غير جنسية الدولة التي ارتكب على أراضيها الفعل الإجرامي، أو جنسية دولة أخرى، أي أنه يجب أن يكون مرتكب الفعل الجرمي حاملا لجنسية أجنبية عن الدولة المرتكب فيها الفعل الإجرامي أو دولة أخرى غير الدولة الموجهة إليها الشكاية الرسمية.

فلو افترضنا مثلا أن مغربيا ارتكب جريمة في اسبانيا ثم فر إلى المغرب، ففي هذه الحالة لا يمكن للسلطات الاسبانية أن تتقدم بطلب التسليم في حقه تطبيقا لمبدأ عدم إمكانية تسليم الدولة لرعاياها[11]. ليبقى الخيار الوحيد أمام السلطات أمام السلطات الاسبانية هو تقديم شكاية رسمية لمحاكمته أمام قضاء دولته تطبيقا لقاعدة التسليم أو المحاكمة[12].

إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا الصدد يتعلق بالحالة التي يكون فيها مرتكب الفعل الجرمي حاملا لجنسية دولتين، ولنفترض هنا أن شخصا يحمل جنسية مغربية وجنسية فرنسية وارتكب جريمة في الأراضي المغربية ثم فر إلى فرنسا، فهنا لو تقدمت الدولة المغربية إلى السلطات الفرنسية قصد تسليمها مرتكب الفعل الجرمي اعتبارا لأنه يحمل الجنسية المغربية في الأصل، لامتنعت الدولة المطلوب منها (فرنسا) عن تسليمه لكونه من رعاياها، ليبقى الخيار الوحيد هنا هو تقديم شكاية رسمية لمحاكمته في فرنسا باعتبار أن هذه الأخيرة (الشكاية الرسمية) هي الوسيلة الأفضل والأنجع لعدم إفلات الجاني من العقاب[13].

           الفقرة الثانية: خطورة الجريمة

اتجهت مختلف القوانين الجنائية إلى تبني مبدأ التدرج في الخطورة الإجرامية، حيث صنفت الجرائم حسب جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن نوع الجرائم التي يمكن تقديم شكاية رسمية بخصوصها؟.

بالرجوع للنص الفصلين 748 و749 من ق.م.ج نجد أن المشرع استعمل كلمة “جريمة” بمفهومها الواسع، والتي قد تفيد الجناية والجنحة أو حتى المخالفة. إلا أنه بالرغم من ذلك، فإن الفعل المنسوب إلى الشخص موضوع الشكاية الرسمية ينبغي أن يكون على قدر معين من الخطورة والجسامة، وعليه يتوجب أن يكون لهذا الفعل وصف جناية أو جنحة في نظر المشرع المغربي[14]، وهذا ما يمكن استخلاصه من مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 707 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على أنه: “كل فعل له وصف جناية في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية من طرف مغربي، يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب…”.

كما جاء أيضا في الفقرة الأولى من الفصل 708 من نفس القانون أن كل فعل له وصف جنحة في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية من طرف مغربي يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب”.

انطلاقا من الفصلين السابقين يمكن القول أن المخالفات تخرج من دائرة الجرائم التي يمكن إعمال الشكاية الرسمية من أجلها، وأن هذا الإجراء يقتصر على الجنايات والجنح فقط، ويمكن القول أن المشرع أحسن صنعا في ذلك، ذلك أن المخالفات لا تشكل خطورة كبيرة من شأنها فرض اللجوء إلى الشكاية الرسمية، خاصة إذا ما نظرنا إلى تكلفة مسطرة هذه الأخيرة من جهة، ولكثرة عدد المخالفات التي من شأنها أن تثقل كاهل المصالح المختصة في إعمال مسطرة الشكاية الرسمية من جهة أخرى.

        الفقرة الثالثة: ازدواجية التجريم

من الشروط المقررة كذلك للاستجابة لطلب الشكاية الرسمية ، شرط ازدواجية التجريم ، والذي يقصد به أن يكون الفعل موضوع الشكاية الرسمية يشكل جريمة في قانون كل من الدولة المصدرة لها وقانون الدولة الواردة إليها، أي أن الجريمة موضوع الطلب يجب أن تكون معاقبا عليها في القوانين الداخلية لكلا الدولتين.

ويقتضي هذا الشرط من الدولة المطلوبة ألا تستجيب لطلب الشكاية الرسمية إلا إذا كان قانونها الوطني يجرم الأفعال موضوع الشكاية ، إذ أن أغلب الدولة تمتنع عن متابعة مواطنيها داخل ترابها عن أفعال لا تعتبر جريمة في نظر قانونها، استنادا إلى كون نظامها العام يعتبرها أفعالا مباحة ومشروعة ولا تحدث أي استنكار أو خدش للحياء في هذه الدولة، ومثال ذلك جريمة الفساد التي تعتبرها أغلب الدول الأوربية حق شخصي غير معاقب عليه متى كان برضى الطرفين وكاملي الأهلية.

لكن وأمام تحقق فرضية أن الفعل المرتكب مجرم في تشريع الدولة المصدرة للشكاية الرسمية والحال أن نفس ذلك الفعل غير مجرم في دولة مرتكب الفعل الجرمي والمطلوب منها تطبيق الشكاية الرسمية؟ هل معنى هذا أن الفاعل سيبقى بمنأى عن العقاب؟

يرى الأستاذ نور الدين الوناني أن مرتكب الجريمة في هذه الحالة تصدر في حقه مذكرة بحث، تبقى سارية في حقه يتم القبض عليه بموجبها متى دخل إلى أراضي الدولة الطالبة أو لجأ إلى أراضي دولة أخرى[15]، ما لم يسقط هذا الفعل بالتقادم ، لكن في هذه الحالة الأخيرة يتم اللجوء إلى مسطرة التسليم وليس إلى الشكاية الرسمية على اعتبار أن مرتكب الجريمة لجأ إلى دولة غير الدولة الحامل لجنسيتها.

 

        الفقرة الرابعة: عدم سقوط الدعوى العمومية.

إضافة إلى الشروط السابق ذكرها ، لا بد لقبول الشكاية الرسمية من توافر شرط آخر يتمثل في عدم سقوط الدعوى العمومية بالتقادم أو بالعفو أو بسبقية البث أو بالصلح أو بسحب الشكاية في الحالات التي يتطلبها القانون لتحريك الدعوى العمومية[16].

بالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة بالتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي نجد نص الفقرة الثانية من المادة 707 تنص على أنه بالنسبة للأفعال التي لها وصف جناية:”… لا يمكن أن يتابع المتهم ويحاكم إلا إذا عاد إلى الأراضي المغربية، ولم يثبت أنه صدر في حقه في الخارج حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به وأنه في حالة الحكم بإدانته، قضى العقوبة المحكوم بها عليه أو تقادمت أو حصل عفو بشأنها”، أما بالنسبة للأفعال التي لها وصف جنحة فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 708 من نفس القانون على أنه: “… لا يمكن أن يتابع المتهم أو يحاكم إلا مع مراعاة الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 707…”.

ومادام المبدأ العام هو أن الدولة الطالبة لا يمكن أن تفرض قانونها على الدولة المطلوبة، أي أن هذه الأخيرة تطبق قانونها الداخلي[17]، وبالتالي فإن المقتضيات المتعلقة بسقوط الدعوى العمومية تخضع لقانون الدولة المطلوبة ما لم توجد اتفاقيات تنص على خلاف ذلك.

 

المطلب الثالث: مسطرة تقديم الشكاية الرسمية.

اعتمادا على مواد قانون المسطرة الجنائية المغربي المتعلقة بالشكاية الرسمية، ومقتضيات الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الإطار ، يمكن القول أن هناك مجموعة من الإجراءات ينبغي مراعاتها بالضرورة عند اللجوء إلى تفعيل آلية الشكاية الرسمية ، ومن هذه المقتضيات ما يتعلق بتقديم الشكاية الرسمية (الفقرة الأولى)، ومنها ما يتعلق بمرفقاتها( الفقرة الثانية).

 

               الفقرة الأولى: طريقة تقديم الشكاية الرسمية.

انطلاقا من مقتضيات المادة 748 من قانون المسطرة الجنائية  يتبين أنه لتقديم الشكاية الرسمية ينبغي سلوك الطريق الدبلوماسي ، أي بعد تحريك الدعوى العمومية في شكل شكاية رسمية من طرف النيابة العامة  تحيلها على وزارة العدل( مديرية الشؤون الجنائية والعفو)، والتي تحيلها بدورها  على وزارة الخارجية قصد تبليغها للسلطات الأجنبية المختصة.

وهذا ما لم تنص الاتفاقيات الدولية في حالة وجودها على خلاف ذلك ، كما هو الشأن لما جاء في الاتفاقية المبرمة بين المغرب واسبانيا[18] والاتفاقية المغربية البرتغالية[19]، اللتين جاء فيهما بأنه يمكن  توجيه الشكاية الرسمية عن طريق السلطة المركزية الممثلة في وزارة العدل بشكل مباشر بين البلدين دون إعمال  الطريق الدبلوماسي .

ومن هنا يمكن القول أن النيابة العامة لا يمكن لها توجيه الشكاية الرسمية بشكل مباشر دون مرورها على وزارة العدل أو الخارجية، إذ أنه إذا ما تمت توجيه الشكاية الرسمية من طرف النيابة العامة مباشرة على السلطات الأجنبية المختصة، فإن مصيرها سيكون حتما عدم القبول لما فيها من مخالفة لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية والاتفاقيات الدولية.

         الفقرة الثانية: بيانات الشكاية الرسمية ومرفقاتها.

بالرجوع للفقرة الثانية من المادة 748 من ق.م.ج التي جاء فيها:” يتضمن الإبلاغ عرضا للوقائع ، ويتبين فيه بدقة مكان ووقت ارتكاب الجريمة والعناصر المكونة لها والنصوص المطبقة عليها بالمغرب وجميع العناصر الأخرى التي يمكن استعمالها كوسيلة إثبات…”

باعتماد مقتضيات هذه الفقرة يتبين أنه لتفعيل آلية الشكاية الرسمية ينبغي تضمينها مجموعة من البيانات التي من خلالها يمكن للسلطات القضائية المطلوبة التأكد من ما إذا كان الفعل المنسوب لأحد مواطنيها من الأفعال التي تستحق  تحريك الدعوى العمومية ومدى جديتها، فقد يكون الفعل موضوع الشكاية الرسمية لا يشكل جريمة في تشريع الدولة المطلوبة فيختل بذلك شرط ازدواجية التجريم ، وقد يكون الفعل الإجرامي لا يكتسي  وصف جناية أو جنحة في نظر التشريع المغربي وإنما مجرد مخالفة فيختل بذلك شرط خطورة الجريمة.[20]

كما أن الإشارة إلى زمن ارتكاب الجريمة يفيد في تحديد مدى تقادم الفعل الإجرامي من عدمه.

ويضاف إلى ماسبق تحديد مكان ارتكاب الجريمة لما فيه فائدة في تحديد مدى انعقاد الاختصاص للدولة الطالبة، إذ أنه من غير الممكن أن تقدم إحدى الدول شكاية رسمية إلى دولة ثانية بناء على فعل اجرامي ارتكب في دولة ثالثة لا تمسها في شيء، هذا ما لم تكن الجريمة مرتبطة بفعل إجرامي ارتكب داخل الدولة الطالبة.

وينبغي كذلك إعطاء تكييفا قانونيا للفعل أو الأفعال موضوع الشكاية الرسمية، مع تحديد النصوص القانونية المطبقة عليها، وذلك حتى يتسنى للدولة المطلوبة التأكد من مدى ازدواجية تجريم الفعل المرتكب.

كما تجدر الإشارة في بيانات الشكاية الرسمية إلى هوية المتهم بشكل دقيق، من قبيل ذكر اسمه الشخصي والعائلي، وذكر اسم والديه، لقبه، أوصافه، العلامات المميزة له، جنسيته، محل إقامته، مهنته، صورته الشمسية ، وجميع المعلومات والوثائق التي من شأنها أن تساعد على التعريف بهويته، حتى يتسنى الوصول إليه بسهولة، وحتى لا تتم متابعة شخص آخر غير الشخص موضوع الشكاية الرسمية لوجود تشابه أو تقارب في الأسماء.

وفيما يتعلق بمرفقات الشكاية فقد نصت المادة 748 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “… ويرفق على الخصوص بنسخ مصادق على مطابقتها للأصل من محاضر المعاينة والاستماع  إلى الشهود أو إلى المساهمين أو المشاركين في الجريمة الذين يوجدون بالمغرب.”

باعتماد هذه الفقرة يتضح أن الشكاية الرسمية يجب أن ترفق بنسخ مصادق عليها  من المحاضر المنجزة في إطار التحقيق في الفعل الإجرامي موضوع الشكاية الرسمية ، سواء أكانت محاضر معاينة أو محاضر الاستماع إلى الشهود أو الضحية، أو محاضر الاستماع إلى المساهمين أو المشاركين في الجريمة في حالة وجودهم.

وفي هذا الإطار يمكن التساؤل حول مدى حجية المحاضر الواردة من الدولة الطالبة على الدولة المطلوبة؟

يمكن القول أنه ليس هناك مانع من الأخذ بهذه المحاضر مادامت صادرة عن سلطة أجنبية مختصة وعن أجهزة رسمية في الدولة، وعلى اعتبار أن الفعل الإجرامي تم ارتكابه بأراضي الدولة الطالبة، والمحاضر المنجزة من طرفها تلامس فيها عن قرب ظروف ارتكاب الجريمة ، فإنه يبقى من الأجدر الأخذ بها، وهذا هو توجه القضاء المغربي إذ جاء في أحد القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بالناظور[21] تفعيلا لشكاية رسمية واردة من الدولة الفرنسية :” وحيث أنكر المتهم في جميع مراحل البحث أن يكون قد اقترف أي جرم مما توبع به أعلاه أو أتى أي فعل مما زعمه في حقه كل من “ك.ش” و”خ.ف” ، إلا أن بملف النازلة من الأدلة والقرائن القوية ما يدحض قول النفي، ومن ذلك تأكيد ذات الشخصين لدى استجواب الشرطة الفرنسية لهما واقعة تحوزهما  بمخدر الشيرا بكميات مختلفة من المتهم… كما أن ما ينهض دليلا قويا يعزز مصداقية أقوال المصرحين أعلاه تمكن الضابطة الأجنبية من الاهتداء إلى الاسم الكامل للظنينين وكذا عنوانه بأرض الوطن من خلال تنصتها على المكالمات التي كانت ترد على هواتف الشخصين المذكورين من لدن فاعلين ومن لدن المتهم… وأن الشرطة الفرنسية أكدت بمعرض كتبها المرفقة أن الرقم ذاته تمت بهم هاتفة الموقوفين لمرات عدة ولأوقات طويلة خلال الفترة السنوية وأن كون المكالمات انصبت في جميعها على عمليات الترتيب وتهريب المخدرات نحو البلدان الأوربية…”.

وفي الأخير يتم تحرير طلب التعاون القضائي والوثائق المرفقة به بلغة الدولة الطالبة مع إرفاقها بنسخة مترجمة بلغة الدولة المطلوبة أو باللغة الفرنسية[22] . مع التصديق عليها من طرف شخص مختص وفقا لقانون الدولة الطالبة.[23]

 

[1] _ نور الدين الوناني ومحفوض حجيو، الشكاية الرسمية بين مقتضيات قانون المسطرة الجنائية والاتفاقيات الدولية، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، الجزء الثاني، ص 172.

[2] _ يمكن للدولة في بعض الحالات أن تتابع الأشخاص حتى ولو لم يرتكبوا الجريمة داخل إقليمها، كما هو الشأن في الحالات المشار إليها في المادة 711 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: ” يحاكم حسب مقتضيات القانون المغربي كل أجنبي يرتكب خارج أرض المملكة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا، جناية أو جنحة ضد أمن الدولة، أو تزييفها لخاتم الدولة او تزييفا أو تزويرا لنقود أو لأوراق بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية، أو جناية ضد أعوان أو مقار البعاثات الدبلوماسية أو القنصلية أو المكاتب العمومية المغربية.

وإذا ارتكب مغربي خارج أراضي المملكة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا جريمة من الجرائم المشار إليها أعلاه، يعاقب على هذه الجرائم كما لو ارتكبت داخل المغرب”.

[3] _ تنص المادة 707 على أنه: “كل فعل له وصف جناية في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية من طرف مغربي، يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب”.

[4] _ جاء في المادة 708 ما يلي: “كل فعل له وصف جنحة في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية كم طرف مغربي، يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب”.

[5] _ نور الدين الوناني ومحفوض حجيو، الشكاية، مرجع سابق، ص 173.

[6] _ في حالة وجودها مع المغرب.

[7] _ الاتفاقية المغربية الاسبانية منشورة بالجريدة الرسمية رقم 4700 الصادرة يوم الخميس 17 يونيو 1999، ص 1537. صدر بتنفيذها الظهير الشريف رقم 1.98.152 بتاريخ 26 محرم 1420 (13 ماي 1999) بنشر الاتفاقية الموقعة بمدريد في 30 ماي 1997 بين المملكة المغربية والمملكة الاسبانية في مجال تسليم المجرمين.

[8] _ ظهير شريف رقم 1.99.280 صادر في 15 ذي القعدة 1422 (29 يناير 2002) بنشر الاتفاقية المتعلقة بالتعاون القضائي في المادة الجنائية وتسليم المجرمين الموقعة بالرباط، في 9 شوال 1409 (15 يناير 1989)  بين المملكة المغربية وجمهورية تركيا، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5033 بتاريخ 26 غشت 2002.

[9] _ ظهير شريف رقم 1.59.446 صادر في فبراير 1959 بشأن المصاقة على الاتفاقية المتعلقة بتسليم المجرمين والتعاون القضائي في الميدان الجنائي المبرمة بين المملكة المغربية والمملكة البلجيكية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2487 الصادر في 24 يونيو 1960.

[10] _ ظهير شريف رقم 1.97.36 صادر في 26 جمادى الأولى 1418 (29 شتنبر 1997) بنشر الاتفاقية المتعلقة بالتعاون القضائي في المواد الجنائية وتسليم المجرمين الموقعة بالرباط في 14 شعبان 1409 ( 22 مارس 1989) بين حكومة المملكة المغربية وحكومة مصر العربية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4526 بتاريخ 16 أكتوبر 1997.

ويمكن الرجوع كذلك للمادة 30 من الاتفاقية المغربية الإيطالية، الجريدة الرسمية عدد 3317 بتاريخ 26 جمادى الأول 1396 (26 ماي 1976) بنشر اتفاقية التعاون القضائي المتبادل وتنفيذ الأحكام القضائية وتسليم المجرمين المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية بروما يوم 12 فبراير 1971.

[11] _ وذلك حسب المادة 721 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: “لا يوافق على التسليم:

  • إذا كان الشخص المطلوب مواطنا مغربيا، ويعتد بهذه الصفة وقت ارتكاب الجريمة المطلوب من أجلها التسليم”.

[12] _ نور الدين الوناني ومحفوض حجيو، مرجع سابق، ص 175.

11- في هذا الصدد نجد قضية سعيد شعو الذي تم توقيفه من طرف المصالح الأمنية الهولندية للنظر في الشكاية المغربية والأمر الدولي بإلقاء القبض الذي أصدره قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، إذ أنه لم يتم تسليم المواطن الهولندي ذو الجنسية المغربية للمغرب لأن القانون الهولندي وكذلك اتفاقية التعاون القضائي بين المغرب وهولندا بتاريخ 20 شتنبر 2010 لا تسمح بتسليم المجرمين، وبالتالي يحتكر القضاء الهولندي وحده حق متابعة المطلوب.

[14] _ نصر الدين مروك، التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي والتحديات المطروحة، مقال منشور بأشغال ندوة “السياسة الجنائية في الوطن العربي”، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الأدوات والأيام الدراسية، عدد 5، سنة 2006، ص 223.

13-في حالة لجوء المتهم إلى دولة غير الدولة الحامل لجنسيتها فإنه يمكن تقديم طلب التسليم بشأنه حتى ولو لم يكن الفعل الإجرامي موضوع طلب التسليم مجرما في قانون الدولة المطلوب منها التسليم، طبقا لما جاء في المادة الثانية من الاتفاقية المغربية البرتغالية التي نصت على:” 1/ يقبل التعاون القضائي ولو كانت الجريمة غير معاقب عليها في قانون الدولة المطلوب منها…”

14- شرح قانون المسطرة الجنائية لوزارة العدل: منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 8 يونيو 2007، الجزء الثالث ص، 200.

15- تنص المادة 4 من الاتفاقية المغربية البرتغالية على أنه:” ينفذ طلب التعاون وفقا للإجراءات المنصوص عليها في تشريع الدولة المطلوب منها …”

– المادة 13 من الاتفاقية المغربية الاسبانية.[18]

– المادة 14 من الاتفاقية المغربية البرتغالية.[19]

– شرح قانون المسطرة الجنائية ، مرجع سابق ص 202.[20]

– قرار عدد 802 صادر بتاريخ 15 دجنبر 2009 عن غرفة الجنح الاستئنافية للرشداء بمحكمة الاستئناف بالناظور ، غير منشور[21]

– المادة 23 من الاتفاقية المغربية الاسبانية والمادة 17 من الاتفاقية المغربية البرتغالية[22]

– المادة 17 من الاتفاقية المغربية البلجيكية.[23]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى