محمد محبوبي
دكتور في الحقوق روشام الطاكي
إطار بوزارة العدل إطار بوزارة الاقتصاد والمالية
باحث بكلية الحقوق بالبيضاء باحث بكلية الحقوق بالبيضاء
(صف الدكتوراه) (صف الدكتوراه)
تمهيد :
يقصد بالإثبات إقامة الدليل لدى السلطات المختصة على حقيقة معينة بالطرق التي حددها القانون ووفق القواعد التي تخضع لها .
ويحتل الإثبات أهمية خاصة في المجال الجنائي ، لأنه يرمي إلى إثبات واقعة الجريمة التي تنتمي إلى الماضي عن طريق استعانة المحكمة بوسائل بعيد أمامها صورة الجريمة حتى تتمكن من الفصل بالدعوى وتقرير المسؤولية الجنائية إذا توفرت عناصرها .
وللإثبات في الميدان الجمركي أهمية لا تقل عن تلك التي يحضى بها في المادة الجنائية بصفة عامة ، فقد اعتنى به المشرع الجمركي عناية خاصة بشكل يوفر للإدارة الجمركية تحقيق هدفها بالشكل المطلوب وذلك في الوقوف على المخالفة الجمركية .
وتعتبر المخالفة الجمركية حجر الزاوية الذي يدور حوله موضوع الإثبات في الميدان الجمركي ، فقد عرفها المشرع المغربي في الفصل 204 من مدونة الجمارك (1) بأنها "عمل وامتناع مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية ومعاقب عليها بمقتضى هذه النصوص " ونظم كذلك وسائل إثباتها في المواد 233 وما يليه في الفصل 239 من مدونة الجمارك .
والمشرع لم يقيد الإثبات في هذا الميدان بل صرح في الفصل 247 من مدونة الجمارك انه يمكن إثبات المخالفة الجمركية بكل الطرق القانونية . وتعتبر المحاضر من ابرز هذه الطرق التي يوليها المشرع المغربي عناية فائقة فقد عمل هذا الأخير على التنصيص بان إثبات المخالفة الجمركية يتم عن طريق الحجز فيحرر محضر للحجز أو عن طريق البحث فتكون أمام محضر للبحث .
ولم يكتف المشرع بذلك فقط ، بل عين الأشخاص المكلفين بتحرير هذه المحاضر ووسع بعض الشيء من دائرة لهؤلاء الأشخاص بكيفية تسمح بتطبيق المخالفة .
ونظم كذلك البيانات والشكليات التي يجب أن تصاحب المحضر منذ بدايته حتى نهايته وعلى ذلك ، فالموضوع العام لهذا العرض هو إثبات المخالفة والموضوع الخاص وهو المحاضر الجمركية كوسيلة قانونية لهذا الإثبات ، سنعمل من خلال هذا البحث المتواضع الوقوف على الجوانب القانونية والعملية شيئا ما التي تحكم هذا النوع من الوسائل في المادة الجمركية .
وعليه ستكون خطة البحث على الشكل التالي :
المبحث الأول : الأحكام العامة لإثبات المخالفة الجمركية
المبحث الثاني : أنواع المحاضر الجمركية وقوتها الثبوتية.
المبحث الأول الأحكام العامة لإثبات المخالفة الجمركية :
إثبات المخالفة يعني جمع أدلة وجودها ، وبمعنى آخر هو استجماع العناصر المكونة للمخالفة (2) ومدونة الجمارك تضمنت قاعدة عامة في إثبات المخالفة حيث نصت في فصلها على انه "… يمكن إثبات المخالفة الجمركية بجميع الطرق القانونية الأخرى …".
ومن بين هذه الطرق نجد المحاضر القانونية التي تعتبر في هذا الشان الوسيلة المثلى لإقامة الدليل على المخالفة الجمركية ولا سيما أن نوعا من هذه المحاضر يقوم أساسا على احتجاز جسم الجريمة .
وللحديث عن المحاضر ونظامها القانوني يجدر بنا التطرق بل التعرف على الأسس القانونية التي ترتكز عليها المحاضر حتى تكون منزهة عن البطلان وذلك لن يتأتى لنا إلا إذا تعرفنا على الأشخاص المؤهلين قانونا بإثبات المخالفة بواسطة المحاضر (أولا) ثم ننتقل بعد ذلك لمعرفة الحدود الترابية التي يجوز لهؤلاء الأشخاص إثبات الجرائم فيها (ثانيا) وأخيرا نعرج على تبيان شكليات وبيانات المحضر (ثالثا) .
المطلب الأول : الأشخاص المكلفون بإثبات المخالفة الجمركية :
يدخل في مهام العون الجمركي بإعتباره العنصر البشري المتحرك لإدارة الجمارك التثبت، من وقوع الجرائم والبحث عن مرتكبيها (3) مع ما يترتب عن ذلك من اعتقال المخالفين واحتجاز وسائل النقل التي سهلت وساهمت في إرتكاب المخالفة والبضائع مع تحرير محضر بذلك قد يكون إما محضر حجز أو محضر بحث حسب الحالات .
وبالرجوع إلى قواعد المسطرة الجنائية باعتبارها السند القانوني العام في تصنيف السلطات المكلفة بالبحث عن الجرائم والتثبت من وقوعها نجدها في الفصل 32 تنص على أن موظفي وأعوان الإدارات والمصالح العمومية تسند إليهم بموجب نصوص خصوصية بعض سلطات الشرطة القضائية . ويؤكد هذا التنصيص بشكل لا غبار عليه أن أعوان إدارة الجمارك يمارسون يعض سلطات القضائية دون أن يتصفوا بصفة ضابط فيها وبالتالي لا يتمتعون بنفس السلطات المخولة لهؤلاء الضباط .
وقد عمل الفصل 233 من مدون الجمارك على أن يقوم بإثبات الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية أعوان الإدارة الذين أدوا اليمين طبقا للشروط المحددة في الفقرة الثانية من الفصل 33 من نفس المدونة المذكورة أعلاه وضباط الشرطة القضائية وكذلك الأعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية .
يتضح من خلال هذا النصوص القانونية أن أعوان الجمارك مؤهلون بل ومكلفون بمعاينة الجرائم ذات الطبيعة الجمركية وإثباتها بشتى طرق الإثبات القانونية ومن بينها المحاضر التي يكلفون بتحريرها عند ضبط أية مخالفة لنصوص القانون الجمركي ، وعليه التثبت من المخالفات بواسطة أما أن يسفر عن محضر حجز أو محضر بحث .
ولكي يزاول أعوان الجمارك مهامهم لا بد من شروط وهي :
أولا ) التوفر على وكالة عمل « la commission d emploi »: ويرجع الأساس القانوني لهذه الوكالة إلى القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود (4) ، وكذلك ألي اللوائح التنظيمية والأعراف الجمركية .
ومن القواعد العامة المطبقة في هذا الميدان نجد أن الوكيل (العون) عليه أن ينفذ بالضبط المهمة التي كلف بها (5) ، وعلى أن العون كذلك أن يدلي لمن يتعامل معه برسم وكالته (6) ، وعلى ضوء هذه القواعد العامة شرعت مقتضيات الخاصة بمدونة الجمارك .
ثانيا) أداء اليمين القانوني « le serment » :هذا الالتزام القانوني نجد له أساس قيل صدور المدونة في المادة 3 من ظهير 16 دجنبر 1918 (7) والتي تم التنصيص عليها في الفصل 33 والفصل 233 من المدونة الحالية ، أما عن شكليات أداء اليمين فيرجع فيها إلى التنظيم المتعلق بيمين الأعوان .
وعلى العموم وتسهيلا في أداء عمل أعوان الجمارك فإننا نجد في ظهر وكالة العمل صيغة اليمين التي يتعين على الأعوان أدائها أمام السلطة القضائية المختصة وذلك قبل البدء في مباشرة مهامهم (8) والفصل 33 الفقرة الأخيرة من المدونة يؤكد على ذلك حيث نص على أن يضمن نص هذا اليمين في وكالات العمل . بقي أن نشير إلى أن الالتزام بأداء اليمين القانونية يقتصر أمره على الأعوان المكلفين قانونا بتحرير المحاضر .
المطلب الثاني : النطاق المكاني لإثبات المخالفات الجمركية :
تنقسم المخالفات الجمركية تقليديا إلى مخالفات حدودية affaires ou infractions de compagne ومخالفات مكتبية affaires ou infractions de bureau .
فالمراقبة الجمركية إما أن تتم داخل المكاتب ، وهو المكان العادي للقيام بالعمليات الجمركية مع تفتيش للبضائع وزيارة المسافرين وأمنعتهم وقد تتم المراقبة خارج مكاتب الجمرك وذلك على طول الحدود السياسية التي تتطابق عادة الحدود الجمركية للدولة ، أو داخل الدائرة الجمركية أو على التراب الخاضع ، وتتولى فرقة خاصة تسمى بالفرنسية بـ les services) (actifs مهمة المراقبة فأية محالفة تضبط خارج المكاتب تسمى مخالفات حدودية . وعلاوة على ذلك يجوز لأعوان الجمارك القيام بزيارات منزلية – بمفهومها الواسع قصد التفتيش . ولا يمكن بدء التفتيش ومعاينة المساكن قبل الساعة 5 صباحا وبعد 9 ليلا وهذا مبدأ عام ورد النص عليه في الفصل 64 من قانون المسطرة الجنائية .
إلا انه أثناء القيام بالتفتيش قد يلاقي أعوان الجمارك صعوبة مادية راجعة في أساسها إلى مواقف الأشخاص في بعض الأحيان يواجهون صعوبات قانونية راجعة في معظمها إلى القانون.
* فيما يخص الصعوبات المادية يمكن أن تأتى في صورة رفض فتح أبواب المسكن من طرف المشكوك في ارتكابه الغش ففي هذه الحالة فلا جرم في فتح الأبواب بالقوة بحضور ضابط الشرطة قضائية الذي يلزمه القانون بالحضور إذا ما توصل بذلك .
* أما عن الصعوبات القانونية فتتحقق حين يوجد تلبس بجريمة ، ويكون العامل في حالة فرار ويواجه الأعوان بإقفال أبواب المسكن حيث تجد فراغا قانونيا يتمثل في غياب تنظيم لإجراء قانوني يخص هاته الحالة ، لذلك فالسؤال المطروح ما هو الحل القانوني للخروج من هذه المعضلة ؟.
بعد تفحصنا لمقتضيات المسطرة الجنائية باعتبارها المرجع في هذه الحالة لا تجد حلا يسعفنا لذلك تدعونا الحاجة والمصلحة إلى البحث عن حل في قوانين مسطرية أخرى لا سيما قانون المسطرة المدنية باعتبارها المرجع الأم في حالة غياب نص خاص في قانون المسطرة الجنائية وكذلك واعتبارا في حالة القياس التي يمكن اللجوء إليها في قوانين المسطرة ومن اجل ذلك يجوز لوكيل الملك أن يقدم استنادا إلى مقتضيات الفصل 450 ت.م.م بمقال طبقا الأوامر المبنية على طلب لكي يأذن لضباط الشرطة القضائية بفتح باب المنزل أو المسكن لتسهيل عملية التفتيش لأعوان الجمارك وتفسير ذلك أن قانون المسطرة الجنائية المطبق حتى على الدعوى المدينة التابعة ، ففي حالة انعدام نص بها نلجأ إلى قانون المسطرة الجنائية فدور هذه الأخيرة هو دور المساعد (9) .
المطلب الثالث الشكليات القانونية للمحضر :
تعتبر المحاضر من بين أهم وسائل إثبات المخالفات الجمركية والتي من بينها الاعتراف الخبرة القانونية القرائن شهادة الشهود (10) .
وحتى تكون المحاضر صحيحة في الشكل ويجب أن تنص على :
1- تاريخ ومكان تحريرها واختتامها
2- أسماء وصفات ومساكن الأعوان محرري المحاضر
3- تاريخ وساعة ومكان الحجز أو الإثبات
4- التصريحات المحتملة لمرتكب أو مرتكبي الجنحة
ويجب علاوة على ذلك أن توقع المحاضر من طرف الأعوان المكلفين بتحريرها لان توقيعهم على تلك الوثيقة شكلية أساسية لا يمكن للمحضر أن يقوم بدونها (11).
ومن المسائل الملاحظة عن بيانات المحضر عدم ذكرها لبيان القيمة l indication de la valeur مع العلم أن هذا البيان مهم جدا ويجب أن يضمن في صلب المحضر على رغم غياب إلزام قانوني ، لان على أساس بيان القيمة يتم احتساب التعويضات والغرامات إذا اقتضى الأمر ذلك (12) ونضيف إلى ملاحظاتنا كذلك أن المشرع نص على ذكر مساكن الأعوان محرري المحاضر بشكل عام دون تحديد ولا توضيح مما يثير عدة مشاكل على مستوى الواقع ، بينما عمل المشرع الفرنسي على التأكيد على المساكن الإدارية(les résidences administrative) في الفصل 334 من المدونة الفرنسية للجمارك ، بل وعمل القضاء على ترديد ذلك من خلال كل نقض جنائي صادر بتاريخ 19/2/1959 والذي أشار إلى المساكن الإدارية لأعوان الجمارك كبيان هام لصحة المحضر (13).
المبحث الثاني أنواع المحاضر الجمركية وقوتها الثبوتية :
سنحاول التطرق في هذا المبحث إلى كل من أنواع المحاضر الجمركية وذلك في (المطلب الأول) وكذا القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية في (المطلب الثاني).
المطلب الأول أنواع المحاضر الجمركية :
يمكن تعريف المحضر الجمركي بأنه وسيلة قانونية هدفها إثبات جريمة ارتكبت أو هي في طور الارتكاب ، يتم تحريرها من طرف موظف مختص ومؤهل للقيام بعملية الإثبات .
والمشرع المغربي قبل أن ينص على انه يجوز إثبات المخالفة الجمركية بجميع الطرق القانونية الأخرى أكد في الفصل 234 من مدونة الجمارك على انه تثبت المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث .
يتبين إذن ، أن المحاضر تنقسم إلى نوعين فهناك محضر حجز وبجانبه محضر بحث بل أدى التطور القانوني إلى إبراز نوع جديد من المحاضر إلا وهو محضر حجز الوثائق والذي ينتج عادة عن محضر بحت .
أولا) محضر الحجز (le procès-verbal de saisie) :
يخول القانون العام le droit commun لمختلف الأجهزة القضائية والإدارية المكلفة بالبحث والمتابعة عن الجرائم صلاحية حجز مختلف الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة .
وتعد إدارة الجمارك من بين هذه الأجهزة الإدارية المكلفة بمتابعة المخالفين لتنظيماتها حيث يحق لهذه الإدارة وضع يدها على الشيء المحجوز حيث تتمكن من الإثبات المادي للجريمة إلى تدعى وجودها وتتمكن كذلك من الإدلاء أمام القضاء بجسم الجريمة عندما تنتصب طرفا في الدعوى .
ولقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 240 من مدونة الجمارك على انه يجب أن ينص محضر أو محاضر الحجز إذا تعددت على :
– أسباب الحجز وهي إما جمركية أو غير جمركية (14)
– وصف الأشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها وكذلك أصل البضائع وعلامة الغلافات وإذا تعلق الأمر بعربة (سيارة) فلا بد من التنصيص على علامتها ورقم تسجيلها (15)
– وهذا الوصف يجب أن يكون صحيحا ومفصلا إلا انه يجب الإشارة إلى أن مسالة التفصيل ليست إلزاما قانونيا بل تبقى مسألة اختيارية .
– التدابير المتخذة لضمان إيداع الأشياء المحجوزة أو حراستها أو حفظها
– تعيين حارس مع ذكر هويته وموافقته وتوقيعه ، وهذا الحارس إما أن ينتمي إلى إدارة الجمارك أو يكون من الغير وقد يكون في بعض الأحيان المخالف نفسه(16).
– حضور أو غياب مرتكب الجنحة عند وصف الأشياء المحجوزة وملاحظاته المحتملة .
– السماح عند الإقتضاء بإستلام البضائع غير المحظورة أو رسائل النقل مقابل كفالة أو وديعة.
ثانيا) محضر البحث le procès-verbal de :
يشكل نظام البحث إطارا قانونيا تعمل بداخله مختلف أجهزة الشرطة القضائية التي أوكل إليها قانون المسطرة الجنائية مهمة معاينة الجرائم والبحث عن مرتكبيها (17) وفي هذا الإطار يمكنها حجز جميع الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة حيث يكون الحجز مجرد إجراء قد تقتضيه ضرورة البحث ، وتعد إدارة الجمارك من بين الإدارات العامة التي أوكل لها المشرع مهام البحث في الجرائم والمخالفات في الميدان الجمركي ، ولهذا قد عين الفصل 42 من مدونة الجمارك وخاصة في فقرته الأولى الأشخاص الذين يجـوز لهـم القيام
بأبحاث جريمة وحدده في مفتش مساعد على الأقل والضباط الجمركيين ، حيث لم يعد الأمر يهم جميع أعوان الجمارك .
وعلى العموم فإناطة مهمة البحث بإدارة الجمارك يستدعي ضرورة خلق مصالح متخصصة في معالجة المعلومات والحصول عليها بما يتطلب ذلك القيام بعملية البحث في الوثائق وجمع الأدلة ، وتشكلت بذلك داخل إدارة الجمارك مصالح جديدة تعرف بمديريات الأبحاث الجمركية .
ثالثا) محضر حجز الوثائق :
تستدعي عملية الإطلاع من العون الجمركي الإنكباب على الوثيقة حينما وجدت ودراستها في عين المكان ثم تحرير محضر بنتائج هذه العملية ومختلف الخلاصات التي يكون قد توصل إليها .
والعون في إطار هذا الاطلاع كان يجد نفسه أمام عدة طرق عمل ، فإما يتدخل بمجهوده الخاص التبسيط هذه البيانات أو تلخيصها في إطار المحضر المنجز ، أو يلتزم موقفا محايدا يتمثل في نقل هذه البيانات كليا أو جزئيا من الوثيقة إلى المحضر بعد أن يضع الاقتباسات والبيانات ، أو يأخذ نسخا من هذه الوثائق مع إرفاقها بمحضر البحث تدليلا على الخلاصات أو النتائج التي قد يتوصل إليها هذا العون أثناء عملية الاطلاع أو البحث ، أو بحجز تلك الوثائق عندما يكون الاستدلال بأصل تلك الوثائق عملية لا غنى عنها نظرا لما تحمله من تواقيع أو كتابات بخط يد الأظناء وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها بتاريخ 30 يناير 1976 (18).
ومن هذا المنطلق يتضح أهمية الدليل الكتابي الذي يعد من بين الوثائق التي يحق لأعوان الجمارك حجزها إذا كان من شانها أن نهمل القيام بمهمته حيث يحرر الأعوان عند الاقتضاء محضر بالحجز ويكون هذا الحجز ذو طابع خاص يتميز بالمرونة والتنوع ولا يشمل فقط المادة الجمركية بل كذلك كل ما له علاقة من قريب أو بعيد باختصاص الإدارة ومن بينها مادة الصرف التي تعتبر المجال المخصص لمثل هذه المحاضر .
وتبرز أهمية الوثائق المحجوزة خاصة في أنها تصلح تماما لإثبات مادية الجنحة وتصلح أيضا أساسا كافيا في الحساب الغرامات والتعويضات المطالب بها من طرف الإدارة .
إذن فنظام البحث قد يسفر عن حجز الوثائق وبالتالي تحرير محضر بالحجز الفقرة الأخيرة من الفصل 42 من مدونة الجمارك ، وفي هذه الحالة يستوي حجز الوثائق مع حجز البضائع من حيث الآثار القانونية حيث تلتقي المحاضر الجمركية في نهاية المطاف حول فكرة الحجز.
المطلب الثاني القوة الثبوتية لمحاضر أعوان الجمارك :
يجب بادئ ذي بدء أن نشير انه حتى تكسب المحاضر القوة الثبوتية اللازمة لا بد أن تتضمن البيانات تحترم الشكليات الواردة في المدونة.
وقد نظمت المادة 242 منه نفس المدونة القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية حيث يتضح أن هذه الأخيرة إذا حررت بشان المخالفات الجمركية من طرف عونين للإدارة أو اكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية إلى أن يطعن في صحتها بالزور ولا تثبت بالمحاضر الإثباتات المادية فقط بل كذلك الإقرارات والتصريحات هذه الأخيرة لا تتساوى مع الإثباتات المادية من حيث الآثار حيث يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها .
أما المحاضر المحررة من طرف عون واحد للجمارك وتلك المحررة من طرف أعوان تابعين لإدارات أخرى يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها .
أولا) نطاق القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية :
المحاضر الجمركية تتضمن الإثباتات المادية والتصريحات والإقرارات الصادرة عن المعني بالأمر .
I– بالنسبة للإثباتات المادية : يقصد بالإثباتات المادية ما شاهده أو عاينه أعوان الجمارك كوقائع أثارها وكيفية ضبطها ووصف ظروف ومكان ارتكاب الجنحة ونوع البضاعة وظروف إلقاء القبض إلى غير ذلك من الوقائع المادية .
فبالنسبة لهذه الإثباتات المادية فان القوة الثبوتية للمحاضر تشملها وذلك بصريح الفصل 242 من مدونة الجمارك ، إلا انه يجب الإشارة انه لا يبدو أن يتم تضمينها بالمحضر من طرف عونين كمد أدبي .
ويجب إضافة إلى ذلك إحترام شكليات وبيانات المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك ، ولا تدخل في إطار الإثباتات المادية الوقائع الذهبية المثبتة على تخمين وتقدير محرري المحاضر ونفس الحكم يسري على الوقائع المادية المثبتة على الاستدلال والاستنتاج .
II– بالنسبة للإقرارات والتصريحات : القاعدة أنها توثق بالمحضر إلى أن يثبت ما يخالف ذلك سواء حرر المحضر من طرف عونين أو عون واحد .
إلا انه يجب أن نفرق بين وجود الإقرارات والتصريحات في حد ذاتها ومضمونها فعندما يتعلق الأمر بوجود هذه الإقرارات فانه تطبق قاعدة الحجية المطلقة عندما يحرر المحضر من طرف عونين أن وجود تلك الإقرارات والتصريحات من تم طرفهما .
وفيما يتعلق بمضمون تلك الإقرارات والتصريحات فان ذلك يطبق الحجية العادية وهكذا تظهر أهمية حضور عونين أثناء القيام بإجراءات جمركية لا تحرير المحضر ليس بالأمر السهل ، فذلك يتطلب كفاءات متعددة في البحث الدقيق من المخالفات والتطبيق الصحيح للنصوص .
ثانيا ) العمل القضائي والقوة الثبوتية للمحاضر الجمركية :
يتبين من خلال دراسة بعض الأحكام ، أن القضاء لا ينكر على المحاضر الجمركية القوة الثبوتية التي اعترف بها المشرع لهذا النوع من المحاضر .
فالقاعدة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب اقتناعه الذي يتكون لديه من العناصر المعروضة لديه ، فإما أن يقبلها أو يرفضها مع تعليل ذلك لكن مبدأ القناعة هذا يعرف استثناء فيما يخص حجية بعض المحاضر التي يعتمد عليها إلى أن يثبت زوريتها أو ما يخالفها .
وفي هذا الاتجاه يذهب المجلس الأعلى وذلك في قرار له صادر بتاريخ 11 نونبر 1971 (19) (عدد 87) حيث أكد "على أن المحاضر التي تحرر من طرف شخصين على الأقل من رجال الجمارك في المسائل المالية – ويقصد المجلس بذلك قانون الصرف – يوثق بها إلى أن يدعي بها لزور ولهذا يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر محضرا من هذا النوع باطلا استنادا إلى إثبات ما يخالفه عن طريق الشهادة".
وبالإضافة إلى ذلك فالمحكمة مطالبة بتقدير وجوه البطلان المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك وفي هذا الصدد نجد قرارا آخر للمجلس الأعلى عدد 9684 صادر بتاريخ 26 دجنبر 1991 (20) الذي ينص على أن "محضـر ضباط الجمارك الذي يحرر فـي
غيبة من يتهم بحيازة المخدرات يقبل إثبات عكس ما ورد فيه" ولذلك يكون المجلس الأعلى قد طبق ما جاء في الفصل 243 من مدونة الجمارك .
حيث كيف يمكن توجيه تهمة إلى شخص بحيازة تلك المادة أو بالأحرى تحرير محضر بذلك في غيبته ، فحضور هذا الأخير شكلية لا بد منها طبقا للفصل 240 الفقرة الثانية من نفس المدونة .
وفي نفس الاتجاه تذهب محكمة النفض الفرنسية في قرارها بتاريخ 5 نونبر 1979 الذي ينص على انه "لا يسمح للمحكمة تسريح المتهم ما لم تقم عناصر من شأنها إسقاط القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية" (21).
وتبعا لذلك فإن على المحكمة الأخذ بمحضر الجمارك الذي يعتمد عليه فيما يخص الإثباتات المادية إلى أن يطعن فيه بالزور ، فلا يجوز لها استبعاده أو إغفال ما له من قوة ثبوتبة .
وخلاصة القول فان المحاضر التي تعد بمثابة طريق لإثبات المخالفة الجمركية فإنها تعتبر أوراق رسمية يتدخل أعوان الجمارك المختصين بتحريرها بصفتهم موظفين عموميين ، حيث يعترف لهم القانون بصلاحية التوثيق في مكان تحريرها طبقا للشكل الذي يحدده القانون .
كما يمكن للمحاضر أن تصبح عرضة للبطلان إذا تم الإخلال بإحدى الشروط والقواعد المنصوص على احترامها في القانون الجمركي .
فعند الإخلال بالشروط القانونية يجوز الدفع بالبطلان للأسباب التالية :
– الدفع بالبطلان لإغفال البيانات المنصوص عليها في الفصل 240 من مدونة الجمارك.
– الدفع بالبطلان لعدم احترام قاعدة الاختصاص وتحرير محضر من طرف أشخاص غير مؤهلين .
– الدفع ببطلان المحضر لعدم احترام وضع اللوحة المشار إليها في الفصل 30 من مدونة الجمارك على واجهة المكتب الجمركي بالنسبة للبضائع غير المحضورة موضوع الحجز عند الاستيراد او التصدير .
– الدفع ببطلان بعض الإجراءات المضمنة بالمحضر لمخالفتها لبعض القواعد والشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة مثل الحراسة النظرية وتفتيش المنازل .
وتبعا لذلك فالمحاضر لا تقبل الطعن إلا بالزور طبقا للحدود التي رسمها المشرع التي يتوخى من خلالها مصلحتين مصلحة التفتيش من جهة ومصلحة الإدارة من جهة أخرى ، وهذا الطعن له اثر نسبي لا يسري إلا على من كان طرفا فيه أي على رافعه دون باقي الأظناء ما لم يكن موضوعه غير قابل للتجزئة ففي هذه الحالة ينتج أثره في حق جميع المتابعين .
الهـــــــوامش :
1- ظهير شريف 1.00.222 صادر في 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000) بتنفيذ القانون رقم 02.99 المغيرة والمتممة بموجبه مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977).
2- Aloui My ARBI : le droit douanier du Maroc, édition IBNSINA 1996 P : 265.
3- الفصل 18 من قانون المسطرة الجنائية .
4- الفصول 879 وما يليها.
5- الفصل 895 ق.ل.ع .
6- الفقرة الأولى من الفصل 33 من مدونة الجمارك.
7- ALOUI My ARBI: op.cit: P274
8- حفيظي الشرقي : الطبيعة القانونية للمحاضر الجمركية أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ، الرباط 1991 ص : 54.
9- قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى منشورات المجلس الأعلى الجزء الأول ، ص 132 ، 178 تحت الرقمين 424 و 495 في 19 نونبر 1959 و24 دجنبر 1959.
10- Réglementation générale des Douanes et des Impôts Indirects partie contentieux « autres moyens de preuve de l’infraction douanière » P1396.
11- Casse Crim 8 février 1878 noté chez H. cherqui Thèse P20.
12- Réglementation des douanes contentieux op.cit P1396.
13- Jean Pannier : Douanes et Change, Collection Jurisprudence françaises P267.
14- الحجز ذو الأسباب الجمركية : هو الذي يمت بصلة وثيقة لمقتضيات القانون الجمركي التي تم خرقها ، حيث يستفاد من ذلك وجود بضاعة خاضعة للنظام الجمركي في وضعية غير قانونية.
الحجز ذو الأسباب الغير الجمركية : تتمثل هذه الحالة في الحجز الناتج عن مخالفة مقتضيات غير جمركية حيث يتعدى أعوان الإدارة لبعض أصناف البضائع لتخضعها لنظام حظر ، ويكون مناط هذا الحظر اعتبارات النظام العام الديني والسياسي .
15- ALAOUI (MY ARBI ): op.cit P274.
16- ALAOUI (MY ARBI ) : op.cit P274.
17- الفصل 18 من قانون المسطرة الجنائية .
18- Jean; Pannier. op.cit P271.
19- مجموعة قرارات المجلس الأعلى (مادة جنائية 1966-1986).
20- مجموعة قرارات المجلس الأعلى (مادة جنائية 1981-1995).
21- Jean Pannier : op.cit P271.