تقوم دراسة موضوع "المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة" في إطار سياسة تدخل المشرع الجنائي لتجريم ميدان الأعمال والمعاملات بصفة عامة وميدان شركات المساهمة بصفة خاصة لما لهذه الأخيرة من دور فعال في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
يقوم موضوع الدراسة حول ثلاث عناصر رئيسية وهي: "المسؤولية الجنائية"، "المسير" و"شركات المساهمة".
فالمسؤولية الجنائية يقصد بها أهلية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي المترتب لما يرتكبه من أفعال مجرمة. أو بصيغة أخرى هي التزام قانوني على عاتق الجاني بتحمل العقوبة المقررة للجريمة. ويشترط لقيام المسؤولية الجنائية ارتكاب فعل مجرم مكون لجريمة معاقب عنها، ويلزم أن تقع الجريمة مستوفية أركانها كما هي محددة في نص التجريم، كما يشترط كذلك أن تصدر عن شخص يتحمل المسؤولية عنها وأن يكون هو مرتكب الجريمة بفعله الشخصي وأن تتوافر فيه الأهلية الجنائية بالإضافة إلى الإدارة الحرة والتمييز والإدراك فإذا انتفت وانعدمت أحدهما فلا محل لقيام المسؤولية الجنائية.
أما المسير فنعتبر هذه العبارة حديثة الظهور في المجال الاقتصادي بحيث تحمل مفهومين مختلفين: مفهوم واسع يشمل كل شخص يتحمل مسؤولية إدارة وتسيير منشأة ما، ومفهوم ضيق يقتصر على الشخص الذي يتولى التسيير فقط، ويتوفر على سلطة مزدوجة: سلطة اتخاذ القرار وتنفيذه.
وشركة المساهمة تعتبر النموذج الأمثل والتقليدي لشركات الأموال، وسميت كذلك لأنها تعتمد أساسا على جمع الأموال ولا تولي أهمية للاعتبار الشخصي، إذ أن مثل هذه الشركات تجمع عدد كبير من المساهمين بشكل يصعب أن يعرف كل منهم الآخر.
يكمن المبرر الرئيسي في اختيار الباحث لهذا الموضوع، في التدخل الكبير للقانون الجنائي في مجال الأعمال بصفة عامة ومجال شركات المساهمة بصفة خاصة، ويأتي هذا التدخل نتيجة تحول وظيفة القانون الجنائي من الدور الحمائي إلى الدور التوجيهي. وقد كان لهذا التدخل الجنائي وقع خاص على المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة. فمن أهم الأسباب التي دفعت بالمشرع إلى التدخل في مجال شركات المساهمة نجد:
عجز النظام الاقتصادي الحر والليبرالي عن رقابة الأنانية الفردية مما كان له أثر سلبي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
تزايد وثيرة الإجرام وتعدد أشكاله في مجال الأعمال عموما ومجال شركات المساهمة على الخصوص.
كبر حجم هذه الشركات واتساع نشاطها ومعاملاتها.تجاوز الأنشطة الاقتصادية إمكانيات الفرد الواحد إلى قيام جماعات كبيرة من الأفراد بتجميع الأموال ووسائل التكنولوجيا الحديثة ضمن شركات كبرى غالبا ما تتخذ شكل شركات مساهمة، لما لها من تأثير كبير على السياسة الاقتصادية والاجتماعية مما تعجز معه القواعد المدنية على مواجهة الخروقات الغير مشروعة.
بعد التدخل الكبير للقانون الجنائي في مجال الأعمال بصفة عامة، ومجال شركات المساهمة على الخصوص، فقد نال مسير هذه الشركات النصيب الأكبر من هذا التدخل إذ عمل المشرع على تنظيم مسؤوليته الجنائية وتوسيع نطاقها من خلال تعداد وتصنيف العديد من الجرائم المستهدف بها.
تبدو أهمية موضوع المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة من طبيعة الإشكاليات التي يثيرها، ومن تعلقه بإدارة وتسيير شركات المساهمة، وما لهذه الأخيرة من دور فعال في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك من الصفة الخاصة للاشخاص المسؤولين حيث صنفهم القانون ضمن دائرة الاشخاص دوي الصفة
ومن بين اهم الاشكاليات التي يثيرها الموضوع ما يلي :
من هو المسير المسؤول جنائيا اثناء جميع مراحل الشركة ?
ما هي نسبة مسؤولية المسير حالة ارتكاب جريمة بصفة جماعية ?
هل يسأل المسيرين المعترضين عن التصويت حالة اتخاد قرار بالاغلبية ينطوي على فعل مجرم
ما هي نسبة مسؤولية المسير حالة ارتكاب جريمة بصفة جماعية ?
هل قيام مسؤولية الشركة كشخص معنوي تستبعد مسؤولية مسيريها ?
التصــــميـــــم
الباب الأول:
حالات المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
الفصل الأول: المسؤولية الجنائية للمسير عن فعله الشخصي
الفرع الأول: حالة ارتكاب المسير لفعل مجرم بصفة فردية
المبحث الأول: تحديد صفة المسير المسؤول جنائيا في شركات المساهمة
المبحث الثاني: نطاق مسؤولية المسير الجنائية عن فعله الشخصي في ش.م
الفرع الثاني: حالة ارتكاب المسير لفعل مجرم بصفة جماعية
المبحث الأول: فرضية مجموعة من المسير يعملون خارج جهاز جماعي
المبحث الثاني: فرضية مجموعة من المسيرين يعملون داخل جهاز جماعي
الفصل الثاني: المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة عن فعل تابعية
الفرع الأول: المصدر القانوني لمسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
المبحث الأول: على مستوى التشريع
المبحث الثاني: على مستوى القضاء
الفرع الثاني: الأساس القانوني لمسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
المبحث الأول: الاتجاهات المختلفة في أساس مسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية عن فعل تابعيه أساسها الخطأ الشخصي
الباب الثاني: حدود المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
الفصل الأول: الحدود العامة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
الفرع الأول: أثر أسباب الإعفاء العامة على مسؤولية المسير الجنائية
المبحث الأول: أسباب الإعفاء المتصلة بالإرادة
المبحث الثاني: السباب المتصلة بالخطأ
الفرع الثاني: أثر الجهل بالتشريع الجنائي على مسؤولية المسير الجنائية
المبحث الأول: لمحة عن التشريع الجنائي المستهدف لمسير شركات المساهمة
المبحث الثاني: القاعدة المعمول بها في أثر الجهل بالتشريع الجنائي
الفصل الثاني: الحدود الخاصة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
الفرع الأول: أثر المسؤولية المنظمة على مسؤولية المسير الجنائية
المبحث الأول: تفويض السلطات
المطلب الثالث: أثر تفويض السلطات على مسؤولية المسير الجنائية
المبحث الثاني: القرارات الصادرة عن أجهزة شركات المساهمة
الفرع الثاني: اثر بعض الحالات الخاصة الأخرى على مسؤولية المسير الجنائية
المبحث الأول: حالة التسيير الفعلي
المبحث الثاني: حالة مسائلة الشركة كشخص معنوي
المبحث الثالث: حالة انتهاء مهام مسير شركات المساهمة
الباب الأول: حالات المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
الفرع الأول: حالة ارتكاب المسير لفعل مجرم بصفة فردية
يتعلق الأمر هنا بالحالة التي يقوم فيها الفاعل بمفرده ومن تلقاء نفسه وبدون تدخل الغير أو مساعدته بارتكاب فعل مجرم يعاقب عليه القانون، وبعبارة أخرى فإن الفاعل هنا يقوم بمفرده وبفعله الشخصي الركن المادي والمعنوي اللازمين لقيام الجريمة المعاقب عليها فالمسير يسأل عن فعله الفردي سواء صدر هذا الفعل في صورة الخطأ، كلما توافرت فيه شروط قيام الجريمة سواء تم النص على هذا الفعل المجرم في القانون الجنائي لشركات المساهمة أو في القوانين الجنائية الأخرى المتعلقة بهذه الشركات. ولبيان ذلك سوف نبحث دور هذا الفعل في نطاق المسؤولية الجنائية للمسير في المبحث الثاني أما المبحث الأول فلتحديد صفة المسير المسؤول جنائيا في شركات المساهمة.
المبحث الأول: تحديد صفة المسير المسؤول جنائيا في شركات المساهمة
تمارس مهام واختصاصات الإدارة والتسيير والتدبير في شركات المساهمة بنوعي إدارتها من طرف مجموعة من المسيرين تختلف صفتهم بحسب المراحل التي يظهرون فيها من حياة الشركة.
ونظرا لتعدد المسيرين لشركات المساهمة، واختلاف صفاتهم، مراحل ظهورهم نرى لتحديد المسير المسؤول جنائيا في شركات المساهمة عن فعله الشخصي بصفة منفردة، إذ نميز في ذلك فرضيتين، فرضية المسير الرئيسي لشركات المساهمة وفرضية باقي المسيرين لهذه الشركات.
المطلب الأول: فرضية المسير الرئيسي لشركات المساهمة
يتعلق الأمر هنا بالشخص المتواجد على رأس شركات المساهمة والذي يتولى سلطات إدارة وتمثيل هذه الشركات وتختلف صفة المسير الرئيسي لشركات المساهمة بحسب مراحل حياة هذه الشركات من جهة ومن جهة أخرى بحسب أسلوب الإدارة المتبع في هذه الشركات.
وتقتضي هنا فرضية المسير الرئيسي لشركات المساهمة، حالة ارتكابه لفعل مجرم بصفة فردية، أولا تحديد صفة المسير الرئيسي المسؤول جنائيا في شركات المساهمة وثانيا تحديد المسؤولية الجنائية الفردية للمسير الرئيسي لشركات المساهمة.
أولا: تحديد صفة المسير الرئيسي المسؤول جنائيا في شركات المساهمة
تختلف صفة المسير الرئيسي الذي يتولى إدارة وتسيير شركات المساهمة بحسب مراحل حياة هذه الأخيرة، ويمكن إجمالها في مرحلتين رئيسيتين: تتعلق إحداها بالسير العادي والأخرى بالتأسيس والإنهاء. إذن فما هي صفة المسير الرئيسي المسؤول جنائيا في هاتين المرحلتين؟
ففي المرحلة الأولى: أي مرحلة تسير شركات المساهمة وتبتدأ من تاريخ حصول الشركة على الشخصية المعنوية إلى غاية فقدانها عند إنهاء الشركة وتصفيتها. وتختلف صفة المسير الرئيسي المسؤول جنائيا في هذه المرحلة بحسب ما إذا كانت الشركة تعيش استقرارا أو اختلالا في سيرها.
أثناء استقرار سير شركات المساهمة يكون المسير الرئيسي المسؤول هو رئيس مجلس الإدارة في شركات المساهمة ذات النظام التقليدي الذي يتم تعيينه من طرف مجلس الإدارة ويتم عن طريق الانتخاب وفي الجلسة الأولى التي يعقبها مجلس الإدارة فمباشرة بعد تعينه يتولى إدارة الجلسة وبالتالي الإدارة العامة للشركة.
أما شركات المساهمة ذات مجلس إدارة جماعية ومجلس الرقابة فيكون المسير المسؤول هو رئيس مجلس الإدارة الجماعية، و المدير العام الوحيد الذين يتم تعينهم من طرف مجلس المراقبة.
أما اختلال سير الشركة فيكون المسير الرئيسي المسؤول جنائيا هو المتصرف أو المدير المؤقت، فنجد المشرع المغربي أقر تعيين مدير مؤقت طبق المواد 49 و 89 من قانون المساهمة حالة شغور المناصب كما أقر تعيين مدير مؤقت أثناء خضوع الشركة للتسوية القضائية بصفة سنديك حيث يقوم بإدارة وتسيير الشركة في هذه المرحلة.
وقد يكون كذلك الحارس القضائي هو المسؤول جنائيا كذلك أثناء اختلال سير الشركة أثناء وقوع نزاعات جدية وخطيرة بين مساهمين اثنين أو أحد المساهمين والشركة وأما بين أعضاء أجهزة الإدارة والتسيير والتدبير إلى درجة يترتب عنها إضرار بالمال المشترك وبالمصلحة العامة للشركة.
فبالإضافة إلى الحارس القضائي والمدير المتصرف والمؤقت نجد كذلك الخبير في شؤون التسيير أو ما يعرف بخبير الأقلية، فحماية لتعسف الأغلبية على حقوق ومصالح الأقلية داخل الشركة، فقد أعطى المشرع المغربي لهذه الأقلية إمكانية اللجوء والاستعانة بمؤسسة الخبرة في شؤون التسيير والإدارة فنجد المادة 157 من قانون شركات المساهمة نجدها تعطي الحق في طلب تعيين خبير في شؤون التسيير لفائدة مساهم أو عدة مساهمين ما لا يقل عن عشر رأسمال الشركة، ويعد هذا الحق من أهم تجليات المرجعية الانجلوساكسونية المتمثلة في فكرة حكومة المقاولة.
ففي المرحلة الثانية أي تأسيس وإنهاء الشركة، تكون المساهمة مجردة من الشخصية لمعنوية، إما لأنها لم تكتسبها بعد أو أنها فقدتها أي دخولها مرحلة التصفية والإنهاء. فعندما تؤسس الشركة يكون المسير الرئيسي المسؤول جنائيا في هذه المرحلة هو الشخص الذي يأخذ المبادرة والذي يقوم بكل الإجراءات المتعلقة بشكليات التأسيس وأ إلى حين ميلاد الشخص المعنوي، والمؤسس المعني هنا هو الذي يساهم فعليا في تأسيس الشركة بنية تحمل المسؤولية. وأثناء إنهاء وتصفية شركات المساهمة فيكون المسير الرئيسي المسؤول جنائيا فهو المصفي سواء انفرد أو تعدد
ثانيا: تحديد المسؤولية الجنائية الفردية للمسير الرئيسي في شركات المساهمة
لتحديد المسؤولية الجنائية الفردية للمسير يجب الوقوف عند القسمين القانوني والقضائي، فالتحديد القانوني يمكن إجماله في تحديد صريح مباشر أو ضمني غير مباشر، فالأول أي التحديد الصريح والمباشر فقد قسمه المشرع من خلال مرحلة سير شركات المساهمة، ويتعلق الأمر هنا برئيس مجلس الإدارة في شركات المساهمة ذات النظام التقليدي ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام الوحيد في شركات المساهمة ذات النظام الثنائي. وقد قام مشرع قانون 95/17 بتحديد مسؤولية هؤلاء المسيرين بصفة صريحة ومباشرة من خلال المواد 385، 390، 394، وهذه المواد تخاطب رئيس شركات المساهمة بأسلوبي إدارتها. كما تخاطب أيضا المسير الرئيسي الذي يتدخل لإدارة وتسيير الشركة بصفة مؤقتة. وهو إما المتصرف المؤقت أو المدير المؤقت، الحارس القضائي، والخبير في شؤون التسيير.
أما أثناء تأسيس وتصفية الشركة فانطلاقا من المواد 378، 380، 381، من قانون شركات المساهمة أقرت مسؤوليته الجنائية لصفته هذه وبطريقة مباشرة وصريحة على الرغم من ذكر المؤسس أو المؤسيين إلى جانب أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير، أما الفصل 1078 من قانون الالتزامات والعقود فقد خص تحديد مسؤولية المصفي باعتباره وكيل مأجورا وعلى هذا الأساس تقوم مسؤوليته الجنائية تجاه الشركة والأغيار على حد سواء عن المخالفات المرتكبة. كما نجد المواد 421، 422، 423، 424، التي صنفت الجرائم والمخالفات التي يمكن أن تؤدي إلى قيام مسؤولية المصفي الجنائية.
أما الثاني فهو التحديد الضمني الغير المباشر إذ أن المشرع يهدف من ورائه إثارة مسؤولية أكثر من شخص انطلاقا من دوره الوقائي والحمائي، والذي يحرص من خلاله على أن لا يغلب أحد من المسائلة الجنائية لاستعماله عبارات وصيغ عامة وواسعة.
المطلب الثاني: فرضية باقي مسيري شركات المساهمة
يوجد بجانب المسير الرئيسي، أشخاص آخرين أقل درجة منه، يتمتعون بسلطات ومهام قانونية مهمة داخل الشركة، كسلطة إدارة الشركة وتمثيلها أمام الغير، لذلك سنحاول أولا تحديد مراكز باقي مسيري شركات المساهمة المسؤولين جنائيا ثم ننتقل بعد ذلك ثانيا إلى تحديد مسؤوليتهم الجنائية الفردية عن فعلهم الشخصي.
أولا: تحديد صفة باقي المسيرين جنائيا في شركات المساهمة
يتخلف تحديد صفة هؤلاء المسيرين، بحسب أسلوب الإدارة المتبع في شركات المساهمة، ففي شركة المساهمة ذات النظام التقليدي أسند المشرع قانون 95/17 مهمة إدارة وتسيير الشركة إلى جهاز جماعي وحيد يسمى مجلس الإدارة، يتكون من ثلاث أعضاء على الأقل ويطلق على الأعضاء المكونين تسمية متصرف، فهذا الأخير يمكن أن يشغل منصب عضو في المجلس أو مدير عام أو رئيس مجلس الإدارة.
أما في شركة المساهمة ذات النظام الثنائي فالأشخاص المعنية بالأمر هنا هم أعضاء مجلس الغدارة الجماعية الذي أسند له مهام الإدارة والتسيير فالمسؤول جنائيا هنا هو العضو في المجلس بصفته هذه أو الذي تكون له صفة مدير عام عند قيامه بتمثيل الشركة أمام الغير. كذلك أعضاء مجلس الرقابة بما في ذلك الرئيس ونائب الرئيس على أن مهام هذا المجلس تمثل في المراقبة الدائمة لأعمال التسيير والإدارة التي بها مجلس الإدارة الجماعية.
ثانيا: تحديد المسؤولية الجنائية الفردية لباقي مسيري شركات المساهمة
في شركات المساهمة ذات مجلس إدارة تظهر المسؤولية الجنائية الفردية لكل من المتصرف والمدير العام عن فعلهم الشخصي من خلال المهام المسندة أو المفوضة إليهم بصفة شخصية، حيث أشار القضاء مسؤولية المتصرف والمدير العام في عدة مناسبات.
في شركات المساهمة ذات مجلس إدارة جماعية ومجلس مراقبة يتعلق الأمر هنا بتحديد المسؤولية الجنائية الفردية لكل من عضو مجلس الإدارة الجماعية وعضو مجلس الرقابة، وفي هذا الإطار قام المشرع بتحديد مسؤولية هؤلاء الفردية بصفة مباشرة وصريحة في المادة 420 من قانون شركات المساهمة، حيث توجه مباشرة لعضو مجلس الإدارة الجماعية بصفته هذه، وتوجه لعضو مجلس الرقابة بصفته متصرفا.
المبحث الثاني: نطاق مسؤولية المسير الجنائية عن فعله الشخصي في شركات المساهمة
إن مسير شركات المساهمة تثار مسؤوليته الجنائية عن فعله الشخصي المجرم سواء أكان هذا الفعل عمديا أم غير عمدي متى توافرت كافة الشروط والأوصاف المقررة في النص التجريمي كما تقوم مسؤوليته الجنائية سواء ورد هذا النص التجريمي في القانون الجنائي العام أو في بعض القوانين الخاصة ناهيك إلى إقرار المشرع في الأونة الأخيرة نوعا جديدا من الجرائم لم يبين ركنها المعنوي، وما إذا كان العمد أو الخطأ، بحيث تقوم المسؤولية عن هذه الجرائم بمجرد تحقق ركنها المادي فقط.
لبيان ذلك نقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب نتناول في الأول مسؤولية المسير عن الجرائم العمدية وفي الثاني مسؤولية المسير عن الجرائم العمدية، أما المطلب الثالث فسوف نخصصه لمسؤولية المسير عن الجرائم التي لا يظهر ركنها المعنوي.
المطلب الأول: مسؤولية المسير عن الجرائم العمدية
باستقراء الجرائم الواردة في القسم الرابع عشر من قانون 95/17 المنظم لشركات المساهمة، نجد أن غالبية هذه الجرائم عمدية، تتطلب لقيامها عنصر القصد الجنائي العام، وإلى جانب هذه الطائفة هناك جرائم أخرى تطلب المشرع لقيامها، إضافة إلى القصد الجنائي العام القصد الجنائي الخاص.
أولا: الجرائم العمدية ذات القصد الجنائي العام
ويتعلق الأمر هنا بمسؤولية المسير عن هذه الطائفة من الجرائم ذات القصد الجنائي العام والتي تدخل في نطاق مسؤوليته الجنائية. وتتطلب هذه الطائفة من الجرائم لقيامها بالإضافة إلى الركن القانوني والمدي، الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي.
لذلك فإنه يلزم لكي تقوم المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة عن جريمة عمدية ذات قصد جنائي عام، أن يكون قد ارتكب الفعل المجرم عن علم وإرادة ويعد كل من العلم والإرادة العناصر المكونة للقصد الجنائي بصفة عامة.
ثانيا: الجرائم العمدية ذات القصد الجنائي الخاص
ويتعلق المر بمسؤولية المسير عن هذه الطائفة من الجرائم ذات القصد الخاص، ويكمن القصد الخاص في الدافع أو الباعث من ارتكاب الجريمة. فقد عبر المشرع على هذا الباعث أو الدافع بالمصلحة الشخصية،
المطلب الثاني: مسؤولية المسير عن الجرائم غير العمدية
يقصد بالجرائم الغير عمدية تلك الجرائم التي اكتفى المشرع لقيامها والعقاب عليها مجرد صدور الخطأ الغير العمدي من الفاعل فيعد بمثابة جرائم غير عمدية غالبية المخالفات والجنح الشبيهة بها التي لم يشرط المشرع لقيامها عنصر العمد طبق مقتضيات الفصل 133 من القانون الجنائي ومن أهم الصور على هذه الجرائم نجد الإهمال، عدم التبصر، عدم الاحتياط، عدم الانتباه والرعونة، عدم احترام النظم والقوانين، بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بإجراءات السجيل والشهر، والمقتضيات بالإعلام والإعلانات وطرق وكيفيات الإطلاع على الوثائق والمستندات الصادرة والمتعلقة بالشركة.
المطلب الثالث: مسؤولية المسير عن الجرائم التي لا يظهر ركنها المعنوي
يظم القسم الرابع عشر من القانون 95/17 مجموعة من الجرائم التي اكتفى المشرع فيها بتجريم السلوك وإقرانه بعقوبات زجرية، ولم يحدد صورة الركن المعنوي اللازم لقيام الجرائم. فالجريمة المادية هي تلك التي لم يهتم المشرع بتحديد الركن المعنوي اللازم لقيامها وما إذا كان العمد أو الخطأ حيث يقتصر فيها بتجريم السلوك المادي وإقرانه بعقوبة. ومن أمثلة على هذه الجرائم نجد عدم وضع القوائم التركيبية السنوية رهن إشارة المساهمين فيعاقب أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة بغرامة من 8.000 إلى 40.000 درهم. ناهيك إلى عدم إخضاع القوائم التركيبية السنوية لموافقة الجمعية العامة فيعاقب بغرامة من 60.000 إلى 600.000 درهم أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير لشركة المساهمة الذين لم يخضعوا لقوائم التركيبة السنوية لموافقة الجمعية بالإضافة إلى عدم بعث أو إرسال القوائم التركيبية إلى كل مساهم قدم طلبا بذلك فيعاقب بغرامة 4.000 إلى 20.000 درهم أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة الذي لم يبعثوا إلى كل مساهم قد طلب القوائم التركيبية السنوية.
الفرع الثاني: حالة ارتكاب الفعل المجرم بصفة جماعية
لاشك أن تقرير المسؤولية الجنائية لكل من المسير الرئيسي وباقي مسيري شركات المساهمة لها أهميتها، لكنها تبقى نسبية ولا تستحقها في الوصول إلى الجاني الحقيقي عندما يتم ارتكاب الفعل المجرم من قبل مجموعة من المسيرين. فبالإحاطة بكل المعطيات التي تطرحها المسؤولية الجنائية عند ارتكاب جريمة من طرف مجموعة من المسيرين يجب علينا التمييز بين الحالة التي ارتكب فيها الجريمة من طرف مجموعة من المسيرين يعملون خارج جهاز جماعي وبين الحالة التي ترتكب فيها الجريمة من طرف مجموعة من المسيرين يعملون خارج جهاز جماعي وبين الحالة التي ترتكب فيها الجريمة من طرف مجموعة من المسيرين يعملون داخل جهاز جماعي.
المبحث الأول: فرضية مجموعة من المسيرين يعملون خارج جهاز جماعي
يتعلق الأمر هنا بالحالة التي يتم فيها ارتكاب جرائم معاقب عليها، من طرف مجموعة من المسيرين يمنحهم القانون إلى جانب عملهم داخل أجهزة جماعية، صلاحية العمل خارجها كذلك، ومن بين هؤلاء المسيرين نذكر رئيس مجلس الغدارة، المتصرف العضو في مجلس الإدارة، عضو مجلس الغدارة الجماعية، المدير العام فقد ترتكب الجريمة من طرف هؤلاء المسيرين أو من بعضهم.
فإنه لتحديد هذه المسؤولية يجب الأخذ بمعيار المساهمة الجنائية لكل واحد منهم في تحقيق الجريمة من خلال تحديد نسبة الدور الذي قام به كل واحد منهم اتجاه الأخر.
زلا يتأتى لنا ذلك إلا بالتمييز بين حالة التساوي في ارتكاب الجريمة وبين حالة التفاوت في ارتكابها.
المطلب الأول: حالة التساوي في ارتكاب الفعل المجرم
وتتحقق هذه الحالة عندما يقوم كل أفراد المجموعة بتحقيق الركن المادي للجريمة وتعرف حالة التساوي في ارتكاب الفعل المجرم صورا مختلفة، فقد يقع أن يصدر اتفاق بين مسيرين اثنين أو أكثر بأن يقوما بالجريمة معا وبنفس الدرجة من البداية إلى النهاية أو أن يقسما الأدوار فيا بينهم بنية المساهمة، إلى أن يتم تحقيق الجريمة، فهكذا يمكن تصور حصول اتفاق بين رئيس مجلس الإدارة مثلا وعضو أو عضوين من هذا المجلس على إساءة استعمال أموال الشركة فالاتفاق يمكن أن يكون بين المسير الرئيسي وبين أحد المسيرين الأقل درجة منه، وإما بين هؤلاء فيما بينهم على أن يتم ارتكاب الجريمة بنفس الدرجة لكن الملاحظ من الناحية العملية أن التساوي في ارتكاب الفعل المجرم نادر الوقوع، مقارنة مع حالة التفاوت في ارتكابه وهذا ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: حالة التفاوت في ارتكاب الفعل المجرم
المقصود هنا هو إقدام مجموعة من المسيرين على ارتكاب نفس الجريمة لكن كل مسير من هذه، المجموعة قام بدور يختلف عن دور الأخر في تنفيذ الجريمة، وهنا نكون أمام فرضيتين الأولى هو أن المسير يقوم بالدور الرئيسي ويكون الفاعل الأصلي للجريمة أما الثانية فيقوم المسير أو المسيرين بدور ثانوي وذلك بتقديم المساعدة للفاعل أو الفاعلين الأصليين قصد تنفيذ الجريمة.
اولا: فرضية المسير كفاعل أصلي للجريمة
فالفاعل الأصلي في الجريمة المرتكبة من طرف مجموعة من الأشخاص هو الذي يلعب الدور الرئيسي في تنفيذ الجريمة، بعض النظر عن تدخل أو مساعدة الأشخاص الأخرى له.
فيقوم مثلا رئيس مجلس الإدارة بالجريمة بينما يقتصر الأعضاء الباقون بأعمال ثانوية فيسأل رئيس مجلس الإدارة كفاعل أصلي للجريمة المرتكبة.
ثانيا: فرضية المسير كمشارك في الجريمة المرتكبة
فلتحقق المشاركة يجب أن يتوفر وصف المشاركة في جانب المسير من خلال أن يصدر فعل المشاركة عن المسير، أن يرتبط الفعل المكون للمشاركة بفعل أصلي معاقب عليه، أن تكون للمسير المشارك نية المشاركة في الفعل الأصلي، وجود علاقة سببية بين فعل المسير المشارك والجريمة المرتكبة.
وقد أقر المشرع أن عقوبة المشارك هي نفسها عقوبة الفاعل الأصلي ما لم يكن هناك استثناء بنص خاص.
المبحث الثاني: فرضية مجموعة من المسيرين يعملون داخل جهاز جماعي
إن مختلف أعضاء أجهزة الإدارة يتمتعون بصلاحيات واسعة يمكنهم ممارستها إما بصفة فردية أو جماعية حسب الحالات. هذه الأجهزة تمارس مهامها بصفة جماعية، وذلك عن طريق التداول والمناقشة والتصويت قصد اتخاذ القرارات الصائبة والملائمة لأحكام وقواعد القانون لذلك سنقوم بالتمييز بين الحالة التي يتم فيها اتخاذ قرار بالإجماع ينطوي على جريمة كمطلب أول، و بين الحالة التي يتم فيها اتخاذ قرار بالأغلبية ينطوي على جريمة كمطلب ثاني.
المطلب الأول: حالة اتخاذ قرار بالإجماع ينطوي على فعل مجرم
إذا كان التوصل إلى قرار جماعي، وفق ما تمليه قواعد القانون والمصلحة العامة للشركة، يعد هدفا ساميا فإن اشتراط حصول الإجماع يعد في نفس الوقت صعب المنال إذ سوف يشكل عقبة تعرقل وتحد سير أجهزة الشركة لذلك اقتصر المشرع على اشتراط حصول الأغلبية ما لم تنص المنظمة الأساسية على وجوب أغلبية أكثر عددا (المادة 50/4 قانون شركات المساهمة).
وإذا كان من الصعب تحقيق إجماع وفق ما تمليه قواعد القانون ومصلحة الشركة فإنه نادرا ما يتم التوصل إليه، لكن غالبا ما ينطوي هذا الإجماع على جريمة
المطلب الثاني: حالة اتخاذ قرار بالأغلبية ينطوي على فعل مجرم
إذا كانت الأغلبية هي القاعدة المقررة في اتخاذ القرارات الصادرة عن الأجهزة الجماعية، فإنها في نفس الوقت تعد عائقا في تحديد المسؤولية الجنائية للمسير، ذلك أن القرار المتخذ بالأغلبية ينم عن وجود اختلاف المواقف أثناء التصويت الشيء الذي يترتب عنه وجود عدة فئات. فما هو مصير المسيرين المعترضين والممتنعين عن التصويت؟ كذلك المتغيبين عن مداولات المجلس.
يكون مصير المعارضين للقرار المتخذ بالأغلبية هو الأعفاء من المسؤولية الجنائية هذه المحاضر وسيلة إثبات يعتمد عليها القاضي في الاطلاع على أسماء المسيرين، الذين حضروا المداولات وأبدوا اعتراضهم على القرار المتخذ بالأغلبية.
أما المسير الممتنع عن التصويت فيختلف وضعه عن الذي عبر عن اعتراض إذ أن الاعتراض في حد ذاته يثير الشبهات حول صاحبه فقد يكون الامتناع ناتج على سوء نية لذلك يجب على المسير الممتنع إثبات ذلك عندما ثار مسؤوليته الجنائية.
أما المسير الذي تغيب عن اتخاذ قرار ينطوي على فعل مجرم معاقب عليه الاتثار مسؤوليته الجنائية عن هذا القرار المخالف للقانون ولا توقع عليه أية عقوبة وذلك تطبيقا لمبدأ ألا مسؤولية بدون خطأ.
لكن هذا لا يعني أن كل متغيب هو في مأمن من المسؤولية، بل يمكن أن تثار المسؤولية على أساس الإهمال إذا ما ثبت علمه بأن مجلس عازم على اتخاذ قرار ينطوي على فعل مجرم ولم يتدخل لمنع ذلك أو على الأقل تسجيل اعتراضه. ففي هذه الحالة يعتبر كمشارك للمسيرين المؤيدين للقرار لأنه كانت له الصلاحية القانونية للتدخل لمنع صدور هذا القرار. أما إذا كان جاهلا لهذا القرار أو كانت هناك قوة قاهرة حالت دون تدخله فإن مسؤوليته الجنائية لا تقوم إذا أثبت ذلك.
الفصل الثاني: المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة عن فعل تابعيه
سنتناول في هذا الفصل مسؤولية المسير عن الجرائم المرتكبة من قبل التابعين له داخل هذه الشركات. وتعرف هذه المسؤولية، بالمسؤلية الجنائية عن فعل الغير، حيث يكون رب المقاولة مسؤولا عن جرائم لم يرتكبها شخصيا بل ارتكبها أحد أتباعه. لكي يتضح لنا الطبيعة الحقيقية لهذا النوع من المسؤولية وما إذا كانت شخصية أم عن فعل الغير، وتحديد الأساس القانوني الذي تقوم عليه يحتاج الأمر تقسيم هذا الفعل إلى فرعين الول نتحدث فيه حول المصدر القانوني لمسؤولية المسيرين عن فعل تابعيه والثاني عن الأساس القانوني لمسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه.
الفرع الأول: المصدر القانوني لمسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
هناك حالات خاصة يمكن أن تقوم مسؤولية الشخص الجنائية على الرغم من أنه لم يرتكب الفعل المادي المكون للجريمة المرتكبة. بحيث تقوم مسؤولية المسير عن الجرائم التي يقوم بها أحد التابعين له أو العاملين في المقاولة التي يتولون إدارتها وتجد هذه المسؤولية الجنائية الخاصة مصدرها القانوني في بعض النصوص القانونية المتفوضة وفي القضاء. ومن هذا المنطلق سنقوم مناقشة هذا المحور من خلال مبحثين الأول للتشريع والثاني للقضاء.
المبحث الأول: على مستوى التشريع
نجد أن هناك نصوص قانونية قليلة ومتفرقة تنظم المسؤولية الجنائية عن فعل التابع. ولما كان المعني بهذه المسؤولية الجنائية الاستثنائية هو مسير شركات المساهمة سنقسم هذا المبحث إلى مطلب أول سنتناول فيه المسؤولية الجنائية عن فعل التابع في القانون المنظم للشركات بينما المطلب الثاني سيتحدث عن باقي القوانين الأخرى.
المطلب الأول: في القانون المنظم لشركات المساهمة
قبل التعرض للمسؤولية الجنائية عن فعل التابع في إطار القانون المنظم لشركات المساهمة، لابد من تحديد الشخص المسؤول جنائيا عن فعل التابع في إطار هذه الشركات.
أولا: تحديد المسير المسؤول جنائيا عن فعل التابع في شركات المساهمة
إن المسؤولية الجنائيةعن فعل التابع يتحملها المسير الرئيسي بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بشركة مساهمة ذات مجلس إدارة أو مجلس إدارة جماعية. والمسير الرئيسي كما قلنا هو ذلك الشخص المتواجد على رأس الشركة أثناء مراحل حياتها من التأسيس إلى التصفية، مسيرا قانونيا كان أو فعليا حيث يسري عليه ما يسري على رئيس المقاولة أو المشروع الفردي.
ثانيا: المقتضيات العامة لمسؤولية المسير عن فعل التابع في القانون 95/17
من خلال القانون الجنائي لشركات المساهمة، هناك مجموعة من الجرائم خص بها فئة معينة، بالأسهم والصفق من المسيرين حيث تقوم مسؤوليتهم الجنائية عند تخلف ما ألزمهم القانون به. ومن بين الجرائم التي حدد المشرع المسيرين المسؤولين عنها نذكر مثلا المادة 385 ق.ش.م التي تلزم رئيس الجلسة صراحة بإثبات المداولات في محاضر، وكذلك المادة 420 ق.ش.م التي تتوجه صراحة إلى كل من المؤسس، أو المتصرف، أو عضو مجلس الإدارة الجماعية بمجموعة من الالتزامات تتعلق بالقيام بالشهر، التأسيس، إيداع الوثائق وفق ما تقتضيه القواعد المتعلقة بهذا القانون فالجرائم المقررة في المواد أعلاهـ يتحمل المسؤولية الجنائية عنها الأشخاص الذين حددهم القانون سواء ارتكبوا هذه الجرائم بفعلهم الشخصي أم تركوا غيرهم يرتكبها مكانهم وذلك طبقا لمبدأ الإسناد القانوني للشخص المسؤول، ونفس الشيء نجده بالنسبة للمادة 390 و 394 ق.ش.م.
المطلب الثاني: في القوانين الأخرى
عمل المشرع المغربي أسوة بنظيره في التشريعات المقارنة على تنظيم المسؤولية الجنائية للمسير أو رئيس المقاولة عن فعل تابعيه. وذلك إما صراحة أو ضمنا من خلال قوانين كتلك المنظمة للمجال الاجتماعي والاقتصادي وغيرها.
يعتبر قانون الشغل أول مجال كرس مبدأ المسؤولية الجنائية عن فعل التابع، إذ عمل على إلزام المشغل أي المسير بالتقيد بالأحكام المتعلقة بمدونة الشغل بحيث جرم مجموعة من الأفعال والممارسات التي لم تكن مجرمة من قبل.
كما يتضمن قانون الضمان الاجتماعي بعض من النصوص والأحكام الجنائية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية لرئيس المقاولة حيث تنص المادة 72 من قانون الضمان الاجتماعي على قيام مسؤولية المشغل الذي يلتزم بأحكام وقواعد ظهير الضمان الاجتماعي.
كما أن هناك النصوص القانونية التي تقرر مسؤولية المسير الرئيسي لشركات المساهمة بصفة ضمنية وتدخل هذه النصوص ضمن تلك التي تهتم بالأمن وحماية الصحة والسلامة العامة. ومن هذه النصوص ما ورد فغي القانون الجنائي العام كتلك المتعلقة بجرائم القتل والجرح الغير العمد، ومنها ما ورد في بعض القوانين الخاصة كقانون السير، والقوانين المنظمة للمجال البيئي والقانون المتعلق بحرية الأسعار.
المبحث الثاني: على مستوى القضاء
يعد القضاء مصدر نبحث منه مسؤولية مدير أو مسير المشروع عن الجرائم التي يرتكبها أحد التابعين، ولبيان ذلك يقتضي الأمر تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين الأول يتعلق بالقضاء كأول مصدر لمسؤولية المسير عن الجرائم المرتكبة من تابعيه ونتعرض في الثاني لموقف القضاء من المسؤولية الجنائية للمسير عن فعل التابع.
المطلب الأول: القضاء كمصدر أساسي لمسؤولية المسير عن الجرائم المرتكبة من تابعيه
تعود بوادر ظهور هذا النوع من المسؤولية الجنائية إلى مطلع القرن التاسع عشر، وكانت أحكام الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية هي أول مصدر نبعث منه مسؤولية المدير أو المسير عن الجرائم التي يرتكبها أحد تابعيه. ويعود أول تاريخ حكم في هذا الخصوص إلى 27 شتنبر 1839 حيث تدور أطواره حول إدانة صاحب مخبزة بسبب قيام زوجته وهي عاملة عنده ببيع الخبز بسعر يفوق السعر المقرر.
المطلب الثاني: موقف القضاء من أساس مسؤولية المسير عن الجرائم المرتكبة من تابعيه
يعد مسيرو شركات المساهمة وعلى رأسهم المسير الرئيسي من المخاطبين بالنظم والقوانين الملزمة تطبيقها ومسؤولين على احترام تنفيذها، وعليه فإن المخالفات التي تقع أثناء أو بمناسبة إدارة شركات المساهمة وتكون مخالفة للقوانين والنظم المتعلقة بها وبنشاطها يتحمل المسؤولية عنها المسير الرئيسي، لأنه الملزم بالقيام بهذه النظم والقوانين، بالنظر للصلاحيات والسلطات التي يتمتع بها، ومركز القرار الذي يحتله، كما يعد الشخص الوحيد القادر على ضمان تنفيذ كل الالتزامات القانونية والتنفيذية واتخاذ كل ما من شأنه للحيلولة دون وقوع المخالفات والجرائم.
الفرع الثاني: الأساس القانوني لمسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
إذا كان أساس مسؤولية المسير الجنائية عن فعله الشخصي لا يثير أي إشكال، فإن أساس مسؤوليته الجنائية عن فعل التابعين له تثير إشكالا ناتج بالأساس عن الاختلاف في تحديد طبيعة هذا النوع من المسؤولية وما إذا كانت مسؤولية جنائية شخصية أم عن فعل الغير فما هو إذن أساس هذه المسؤولية، فهل تقوم على أساس الخطأ الشخصي أم على أساس الخطأ المفترض.
المبحث الأول: الاتجاهات المختلفة في أساس مسؤولية المسير الجنائية عن فعل تابعيه
المطلب الأول: الاتجاه المنكر لقيام هذه المسؤولية على أساس من الخطأ الشخصي
يمكن إجمال مختلف النظريات المنكرة لشخصية هذه المسؤولية الجنائية في منظورين رئيسيين أحدهما يرد أنمها مسؤولية جنائية بدون خطأ، الأخر يعتبرها مسؤولية جنائية عن فعل الغير.
أولا: النظريات القائلة بأنها مسؤولية جنائية تقوم بدون خطأ
من أبرز النظريات التي جاءت في هذا الخصوص نجد النظرية المادية التي ظهرت منذ مطلع القرن التاسع عشر، وارتبط ظهورها بظهور ما يسمى بالجرائم المادية أو تلك التي لا يشترط لقيامها الركن المعنوي وكان من بين أبرز روادها العميد هوريو. فقد استقرت محكمة النقض الفرنسية منذ مطلع القرن التاسع عشر على أن هناك مجموعة من الجرائم لا يتطلب لقيامها توافر الركن المعنوي، ويتعلق الأمر هنا بغالبية المخالفات وبعض الجنح، وتعرف هذه الجرائم بالجرائم المادية لكن هذه النظرية تعرضت إلى عدة انتقادات تتفق في مجملها بأن هذه النظرية تخالف المبادئ العامة للقانون الجنائي. كما أنها لا تستجيب لقواعد العدالة والإنصاف المقررة في المادة الجنائية.
ثانيا- النظريات القائلة بأنها مسؤولية جنائية عن فعل الغير:
من بين النظريات التي تعتبر مسؤولية المسير عن الجرائم المرتكبة من تابعيه بمثابة مسؤولية جنائية عن فعل الغير نذكر، نظرية النيابة أو التمثيل القانوني، ونظرية تحمل مخاطر المنشأة.
ظهرت نظرية التمثيل القانوني أو ما يسمى بالنيابة القانونية كأساس للمسؤولية الجنائية المسير أو مدير المنشأة الاقتصادية استناد البعض القرارات القضائية القديمة، التي دأبت في فترة معينة على تأسيس مسؤولية مدير المشروع على أساس أن العامل أي التابع يمثله وينوب عنه، بحيث أن الجريمة هذا الأخير تعتبر أنها ارتكبت من قبل الأول أي مدير المشروع، لكنها تعرضت إلى مجموعة من الانتقادات لقيامها على أساس افتراض المسؤولية فكما هو معلوم في مبادئ القانون الجنائي أن مفهوم الافتراض أساس لا يتفق مع الطبيعة الواقعية للقانون الجنائي، كما يعتبر البعض فكرة النيابة غريبة على مجال المسؤولية الجنائية، إذ لا يقبل المنطق القانوني القول بأن الناس يمثلون بعضا في ارتكاب الجرائم والمسؤولية عنها.
المطلب الثاني: الاتجاه المقر بقيام هذه المسؤولية على أساس من الخطأ الشخصي
تم الاتفاق على أن المسؤولية تقوم أساس الخطأ الشخصي، لكن الملاحظ من خلال نظريات هذا الاتجاه أنها تختلف في تفسير أساس هذا الخطأ الشخصي، فالاتجاه يعتمد لتفسير هذه المسؤولية على أساس نظريات تقليدية وآخر يعتمد على نظريات حديثة.
أولا- النظريات التقليدية:
ويتعلق الأمر هنا بنظرية الفاعل المعنوي.
نظرية الفاعل المعنوي تعني إضافة مسؤولية الفاعل غير المباشر (المتبوع) إلى مسؤولية الفاعل (التابع) ومضمون هذه النظرية يتمثل في كون الجريمة قد يكون لها الإضافة إلى فاعلها المادي، فاعلها المعنوي الذي ارتكبت الجريمة لصالحه أو بناء على أوامره، فأيضا، هذه النظرية يقولون بوجود مسؤوليتين من الناحية الواقعية مسؤولية التابع والمباشر للجريمة ومسؤولية المتبوع أي الفاعل المعنوي، ويعد هذا الأخير كذلك لأنه لم يرتكب الجريمة ماديا لكن ارتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه التابع بصورة معنوية.
ثانيا- النظريات الحديثة:
من بين النظريات التي ظهرت حديثا نظرية السلطة:
فنظرية السلطة، يرى جانب من الفقه أن نظرية الإخلال بواجب الرقابة كأساس لتفسير المسؤولية للمتبوع، أمر مردود ومنتقلاتها تحطم الركن المادي للجريمة فتارة تعتبره نشاطا سلبيا حيث ينظر إليه باعتباره ارتكاب بامتناع يتمثل في نشاط المتبوع . وكل هدا في غياب اي نص قانوني يقرر دلك .
المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية للمسير عن فعل تابعيه أساسها الخطأ الشخصي
رفعا لكل لبس قد يقع الباحث فيه بخصوص أساس هذه المسؤولية أو طرح أساس يخالف مبادئ القانون الجنائي، نرى أن المسؤولية الجنائية تقوم وبكل بساطة على أساس نظرية الخطأ الشخصي وذلك بتوافر مجموعة من الشروط.
المطلب الأول: نظرية الخطأ الشخصي كأساس لتفسير المسؤولية الجنائية للمسير عن فعل تابعيه
الخطأ الشخصي المكون لأساس المسؤولية الجنائية لمسير المنشأة عن أفعال تابعيه، يكمن في مخالفة الالتزام المفروض من القوانين أو النظم على اعتبار أن السائد في الفقه والقضاء والتشريع أنه عندما يفترض القانون على شخص مت القيام بعمل أو الامتناع عنه مقرونا بعقوبة جنائية فإن المسؤولية تقع على الشخص المكلف بالقيام بهذا العمل أو الامتناع عنه ويتحمل العقوبة المقررة إذا ما ترك، بإهماله وعدم حيطته، أحد تابعيه الموجود تحت إمرته القيام بما نهى عنه القانون والامتناع كما أمر به.
المطلب الثاني: نتائج الأخذ بنظرية الخطأ الشخصي
إن الأخذ بنظرية الخطأ الشخصي أعاد المسؤولية الجنائية لمسير المنشأة الاقتصادية عن فعل تابعيه إلى نطاق المبادئ العامة للقانون الجنائي، كما أسهم في القضاء على فكرة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير، ووضع حد لفكرة المسؤولية الجنائية التلقائية حينما ربط لقيامها بتوافر مجموعة من الشروط، وأخيرا عملت نظرية الخطأ الشخصي على حصر نطاق المسؤولية الجنائية لمسير المنشأة عن فعل تابعيه.
الباب الثاني:
حدود المسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
القاعدة أن المسؤولية الجنائية تقوم عند ارتكاب كافة العناصر المكونة للجريمة، إلا أن العقاب على هذه الجريمة لا يتم بصورة تلقائية، بل يجب وفقا للقواعد العامة للمسؤولية أن لا يتوافر في جانب مرتكب الجريمة ما من شأنه إنقاص هذه المسؤولية أو انعدامها.
وهكذا فيجب قبل الحكم بالإدانة التحقق من أن مرتكب الفعل الجرم مدركا ومميزا لما قام به ومريدا له وأن الفعل المجرم جاء نتيجة لخطأ صدر عنه، كما يجب التأكد من عدم وجود أي سبب من الأسباب المعفية من المسؤولية الجنائية سواء كانت من الأسباب العامة أو الخاصة وللوقوف على الحالات التي تنتفي فيها مسؤولية المسير الجنائية ورسم حدودها من خلال بحث ودراسة الأسباب العامة والخاصة التي تنفي المسؤولية الجنائية نقسم هذا الباب إلى فصلين، الأول للحدود العامة والثاني للحدود الخاصة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة.
الفصل الأول: الحدود العامة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
ويتعلق الأمر هنا بالأسباب العامة المقررة في القانون الجنائي العام وفي المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية، والتي تنفي المسؤولية أو انعدامها بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بأشخاص عاديين أو ذوو الصفة كمسير شركات المساهمة، فقد عمل المشرع على تنظيم بعض هذه الأسباب في القانون الجنائي وخاصة منها تلك التي تصيب الأهلية وتلك التي تصيب الإرادة الحرة وكذلك التي تتعلق بالخطأ.
الفرع الأول: أثر أسباب الإعفاء العامة على مسؤولية المسير الجنائية
سوف نتطرق إلى تلك التي تصب على الإرادة والخطأ.
المبحث الأول: أسباب الإعفاء المتصلة بالإرادة
سنتطرق في هذا المبحث إلى القوة القاهرة والإكراه.
المطلب الأول: حالة القوة القاهرة
يقصد بالقوة القاهرة أن الفعل المجرم ينشأ عن وجود قوة ليس في الاستطاعة مقاومتها تسيطر على الشخص وتجعل منه مجرد أداة لارتكاب الجريمة. فهذه القوة تصدر إما عن الإنسان وهنا نكون أمام حالة الإكراه المادي وإما عن فعل الطبيعة أو فعل الحيوان أو إنسان معدوم الأهلية الجنائية. ولنحقق شرط القوة القاهرة يجب توافر عدة شروط وهي أن يكون السبب الذي نشأ عنه حالة القوة القاهرة غير متوقع وأن يستحيل دفعه أو مقاومته وألا يكون السبب المكون لحالة القوة القاهرة صادر عن فاعل الجريمة أي ألا يكون له دخل فيحاول القوة القاهرة. أما أثر القوة القاهرة على مسؤولية المسير الجنائية، فإنه من المتفق عليه أن تحقق حالة القوة القاهرة يعطل إرادة الفاعل لذلك تتم انتفاء المسؤولية الجنائية على المسير.
المطلب الثاني: حالة الإكراه
يتعلق الأمر هنا بالإكراه المعنوي، فهو من الأسباب التي تمس حرية الاختيار وتعطل إرادة الفاعل من خلال ضغط يمارس على هذه الإرادة، ويجعل الفاعل في حالة خوف وتهديد يؤدي به إلى ارتكاب الفعل المجرم بالرغم من أن لديه القدرة على احترام القانون لولا هذا العارض. فمن بين شروط تحقق الإكراه أن يكون الحدث مستحيل توقعه، وأن يكون الحدث من المستحيل مقاومته ودفعه، أن لا يوجد خطأ سابق في جانب الفاعل، أن يكون هناك ضغط خارجي وقوي مباشر، ولا يكفي أن يكون ضغطا نفسيا راجع إلى الشخص ذلك.
المبحث الثاني: الأسباب المتصلة بالخطأ
من بين الأسباب العامة المعفية المسؤولية الجنائية تلك المتصلة بالخطأ، إذ لا يكفي أن تكون الإرادة واعية وقادرة على التمييز والاختيار بل يجب أن تكون هذه الإرادة آثمة، فقد يأتي هذا الخطأ في صورة عمدية أو غير عمدية، فقد يقع أن يقوم الجاني بفعل مجرم لكن ينتفي فيه الخطأ بصوره، فما هو أثر هذه الأسباب على مسؤولية المسير الجنائية؟
المطلب الأول: حالة الدفع بانتفاء الخطأ
طبقا لأحكام المسؤولية الجنائية فإنه لا تقوم الجريمة إلا بتوافر العناصر المكونة لها، ضمنها الركن المعنوي المتمثل في الخطأ فتسري هذه القاعدة على جميع الأشخاص ومن ضمنهم مسير شركات المساهمة، ولذلك فمسؤولية هذا الأخير لا تقوم إلا بتوافر الخطأ من جانبه لذلك يمكن الدفع بالإعفاء منها حالة انتفاء خطأ المسير الشخصي سواء في صورته العمدية أو غير العمدية، أن القضاء يتشدد في قبول الدفع بانتفاء الخطأ في مجال المسؤولية الجنائية فمن بين الأمثلة على رفض القضاء الدفع القائم على أساس انتفاء الخطأ: الدفع المقدم من المسير الذي يقر فيه بأنه اتخذ الحيطة والحذر اللازمين لتجنب وقوع جريمة التلوث. وأنه يستحيل عليه التواجد في عدة أمكنة في نفس الوقت، حيث قضت المحكمة بإدانته وقيام مسؤوليته رغم هذه الدفوعات.
المطلب الثاني: حالة الدفع بوجود حادث فجائي
يقصد بالحادث الفجائي كل حادث أو واقعة لم تكن في الحسبان تعترض سبيل الفاعل أثناء قيامه بمهامه بحيث يستحيل عليه معها دفع هذا الحدث الطارئ يؤديه إلى ارتكاب الفعل المجرم ولكي يترتب عن الحادث الفجائي أثره المعفي من المسؤولية يجب أن يستوفي الشروط المحددة له، والمتمثلة في استحالة التوقع واستحالة الدفع إضافة إلى عدم إمكان الشخص العادي الموجود في نفس ظروف الجاني تفادي الواقعة الإجرامية. وهكذا فإذا استكمل الحادث الفجائي كافة شروطه المتطلبة لترتيب أثره المعفي من المسؤولية، فإنه يجب على القضاء الأخذ به وبالتالي إعفاء المسير من المسؤولية إذا ما ثبت أنه ارتكب الفعل المجرم بسبب حادث فجائي ولم يستطع مقاومته أو دفعه.
الفرع الثاني: أثر الجهل بالتشريع الجنائي على مسؤولية المسير الجنائية
لا يكفي أن تكون إرادة الجاني واعية وقادرة على التمييز والإدراك بل يلزم أن تكون إرادة جانحة أي وجهها الجاني توجيها خاطئا، وتكون كذلك إذا أقدم الجاني على مخالفة المصالح والحقوق التي تحميها القاعدة القانونية. ففي هذه الحالة يقوم الخطأ في جانب الفاعل سواء في صورته العمدية أو غير العمدية، فإذا ما تخلفت هذه الصورة في سلوك مرتكب الجريمة كما في حالة وقوع الفعل مثلا عن جهل أو غلط قائم على أسباب معقولة ففي هذه الحالة يتخلف الخطأ في جانب الفاعل المكون للركن المعنوي وبالتالي لا تقوم الجريمة.
المبحث الأول: لمحة عن التشريع الجنائي المستهدف لمسير شركات المساهمة
المطلب الأول: الخطر الجنائي المستهدف للمسير الوارد في القانون 95-17
يصل عدد الجرائم المستهدفة للمسير والمتعلقة بشركات المساهمة من تأسيسها إلى تصفيتها وإنهائها إلى 172 جريمة تقريبا منظمة من خلال 48 مادة تم النص عليها في القسم الرابع عشر من القانون 95-17، فلكي نلم بمختلف هذه الجرائم سنقوم بمعالجتها انطلاقا من صور الخطأ الجنائي المتعلق بالتأسيس والشهر وهي جرائم التدليس كالإصدار الغير القانوني للأسهم وتداولها بالإضافة إلى الإدلاء بتصريحات ووقائع كاذبة ناهيك عن جرائم الشهر بالسجل التجاري ثم نأتي إلى صور الجرائم المتعلقة بالإنهاء فتتعلق بجرائم الحل وجرائم التصفية. كذلك صور الخطأ الجنائي المتعلق بسير وعمل شركات المساهمة فتتحدث هنا على جرائم التسيير والإدارة كسوء استعمال أموال واعتمادات الشركة بغية تحقيق الأغراض الشخصية ثم جريمة سوء استعمال السلط المخولة أو الأصوات داخل الشركة بغية تحقيق أغراض شخصية، أما فيما يخص جرائم الإدارة المتعلقة بحسابات الشركة فنذكر توزيع أرباح وهمية في غياب أي جرد أو بالاعتماد على جرود تدليسية ونشر قوائم تركيبية سنوية للمساهمين لا تعطي صورة صادقة للنتائج المحققة برسم كل سنة مالية. أما بخصوص جرائم مراقبة الشركة فهي عرقلة القيام بالمراجعات أو المراقبات التي يجريها الخبراء على الوثائق اللازمة لأداء مهمتهم كذلك عدم تعيين مراقبي حسابات الشركة أو عدم دعوتهم لحضور كل جمعية من جمعيات المساهمين. ثم جرائم جمعيات المساهمين وتتعلق بعدم دعوة المساهمين المالكين لسندات اسمية لحضور كل جمعية وعدم اطلاع المساهمين على المعلومات اللازمة من أجل الجمعيات. هذا من جهة، فنجد من جهة أخرى صور الخطر الجنائي المتعلق برأسمال الشركات المساهمة فيتعلق بجرائم تغيير رأسمال الشركة بالإضافة إلى جرائم القيم المنقولة التي تصدرها الشركة كجرائم حصص المؤسسين وجرائم سندات القرض.
المطلب الثاني: الخطر الجنائي المستهدف للمسير والوارد في القوانين المتعلقة بشركات المساهمة
من ضمن القوانين الخاصة ذات الطابع الجنائي المستهدف لمسير شركات المساهمة نجد القوانين المنظمة للمجال المالي والحسابي، ففي إطار القانون المتعلق بقواعد المحاسبة نجد جريمة مسك محاسبة وهمية وجريمة إخفاء وثائق محاسبية وجريمة الامتناع عن مسك أية محاسبة أما في إطار القانون المالي فبجرائم تقديم فاتورات صورية وبيع بدون فاتورة بصفة مكررة وإخفاء وإتلاف وثائق الحسابات المطلوبة قانونا.
ثور عن الخطر الجنائي المتعلق بالمجال الاقتصادي والتجاري، في إطار القانون المنظم لحرية الأسعار والمنافسة نجد جريمة افتعال أو تخفيض سعر سلعة أو خدمة أو سندات وإخفاء بضاعة أو منتوج صدر أمر بحجزه وعرقلة الباحثين في القيام بمهامهم، والامتناع عن اطلاعهم بالوثائق المطلوبة أو إخفائها أو تزويرها. أما فيما يتعلق بالقانون المنظم لبورصة القيم نجد جريمة عدم الالتزام بكتمان السر المهني والقيام بإفشاء الأسرار وعدم تسجيل معاملة تتعلق بقيم منقولة مقيدة في بورصة القيم ثم مخالفة الموانع المنصوص عليها في المادة 56. ثم في إطار القانون المنظم لمجلس القيم المنقولة القيام بتحايل أو نشر بين الجمهور بأية طرق ووسائل معلومات كاذبة حول آفاق أو وضعية أحد الأشخاص الصادرة عنه الندات وعرقلة القيام بمهام البحث والمراقبة المنظومة بمجلس القيم المنقولة. ثم الجرائم المتعلقة بالشهر في السجل التجاري وجرائم الشيك ناهيك إلى جرائم خضوع الشركة لمساطر المعالجة لما وقع لها من اختلاسات واختلالات. هذا بالإضافة إلى صور الخطر الجنائي المتعلق بالميدان الاجتماعي فهو متعلق بعقد الشغل والشروط المتعلقة به بالإضافة إلى ما تعلق بأجر الأجير.
المبحث الثاني: القاعدة المعمول بها في أثر الجهل بالتشريع الجنائي
المطلب الأول: عدم جوار الاعتذار يجهل التشريع الجنائي
إذ دفع مسير شركات المساهمة بجهله للتشريع الجنائي ليس له أي أثر على مسؤوليته الجنائية ولا يسمح له الاعتذار بالجهل من التحلل والإفلات من المسؤولية. وهذا ما استقر عليه غالبية التشريعات، ويحرص القضاء على تطبيقه إلا أنه وبعد التدخل الجنائي الكبير في تنظيم وتجريم العديد من القوانين الخاصة جعلت القضاء من خلال بعض الأحكام يحدو حدوا آخر.
المطلب الثاني: موقف القضاء من أثر الجهل بالتشريع الجنائي
إن قبول الاعتذار بالجهل بالتشريع الجنائي يجب أن يكون بصفة استثنائية –إلى حين تدخل المشرع للتراجع عن سياسة الإفراط في التجريم، وأن يكون مقيد بوجود شروط خاصة وأن تتوافر فيه حالة القوة القاهرة، وإن لا تكتسي الفعل المرتكب درجة من الخطورة وإن يمكن تدارك إصلاحه كأن يتعلق مثلا بالمخالفات ذات الطابع الشكلي أو الإجرائي، كالقيام ببعض الإجراءات خارج الأجل أو إخفاء مسك ورقة الحضور أو ما شابه ذلك ونخلص إلى أن الاعتذار بجهل التشريع الجنائي ليس له أثر معفي على مسؤولية المسير الجنائية وذلك تطبيقا لمبادئ القانون الجنائي العام إلا أن هذا المبدأ يكون وبصفة استثنائية أن ينتج أثره المعفي إذا وقع الجهل تحت تأثير قوة قاهرة، ويعود أمر تحديد ذلك إلى السلطة التقديرية للقضاء.
الفصل الثاني: الحدود الخاصة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة
يقصد بهذه الحدود تلك الأسباب الخاصة بمسير شركات المساهمة دون سواه من الأشخاص الآخرين، والتي لا يمكن لأي سبب كان ليست له صفة مسير شركة أن يتمسك بها من أجل نفي أو إبعاد المسؤولية عنه.
فلدراسة الحدود الخاصة للمسؤولية الجنائية لمسير شركات المساهمة لابد من دراسة أثر المسؤولية المنظمة على مسؤولية المسير الجنائية وكذلك أثر بعض الحالات الخاصة الأخرى على مسؤولية المسير الجنائية.
الفرع الأول: أثر المسؤولية المنظمة على مسؤولية المسير الجنائية
إن تفويض السلط والتراخيص الصادر عن مجلس الإدارة والتصديق والإبراء والتنازل الصادر عن الجمعية العمومية وكذا الشروط المضمنة في النظام الأساسي للشركة بخصوص المتابعة والمسؤولية تعد من قبيل المسؤولية المنظمة والمبنية على الاتفاق المسبق والأحق فهل لهذه الاتفاقات أثر معفي من المسؤولية الجنائية أم لا؟
المبحث الأول: تفويض السلطات
من الأسباب التي تضطر المسير اللجوء إلى إجراء التفويض: كبر حجم الشركة التي يديرها، تعدد فروعها وتفرقهم في أماكن مختلفة تنوع أنشطة هذه الشركة واتساع اختصاصها وأخيرا هناك الطبيعة التقنية والدقيقة لأعمال ومهام الإدارة والتسيير.
المطلب الأول: المبدأ المطبق بخصوص أثر تفويض السلطات على المسؤولية الجنائية
لمعرفة المبدأ المطبق بخصوص أثر تفويض السلطات على المسؤولية الجنائية وما إذا كان له الأثر المعفي من المسؤولية أم لا، يجب الرجوع في ذلك إلى القضاء وبالاطلاع على العمل القضائي الصادر في الموضوع، نلاحظ أن موقف القضاء من أثر التفويض تطبعه مرحلتين بفصلهما القرار الصادر في 11 مارس 1993 عن محكمة النقض الفرنسية الذي أقر الأثر المعفي للتفويض بعدما كان قبل صدور هذا القرار يتشدد في قبول التفويض معفي من المسؤولية الجنائية.
المطلب الثاني: شروط تفويض السلطات
لكي ينشأ التفويض أثره المعفي من المسؤولية لابد له من مجموعة من الشروط منها ما يتصل بصحة التفويض ومنها ما يتصل بأطراف هذا التعويض.
فمن الشروط ما يتعلق بصحة التفويض نجد أنه يجب أن يتم داخل الشركات ذات الحجم الكبير مع استحالة التنفيذ الشخصي من جانب المفوض وأن يكون محل التفويض جزئيا فقط بالإضافة إلى أن يكون التفويض باسم ولحساب الشركة إما فيما يتعلق بالشروط المتصلة بأطراف التفويض، فبالنسبة للمفوض يجب أن يكون كل شخص له سلطة على أشخاص تابعين له فيجب عليه أن يقوم شخصيا بهذا التفويض وأن يلتزم بحسن اختيار المفوض له ومراقبته دون التدخل فيه وأن يثبت هذا التفويض عند قيام النزاع. أما عن المفوض له فيجب أن يتوفر على الاختصاص والقدرة والكفاءة لتنفيذ العمل بالإضافة إلى أن تكون له الاستقلالية والسلطة الكاملة في اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا وفي الأخير أن يعبر المفوض إليه قبول التفويض والتوقيع عليه إذا كان في محرر مكتوب.
المطلب الثالث: أثر تفويض السلطات على مسؤولية المسير الجنائية
عندما يستوفي التفويض القائم بين المفوض والمفوض إليه كافة الشروط اللازمة والمحددة له يصبح المفوض إليه يتصرف شخصيا مكان المفوض إليه بكل حرية واستقلالية، كما يتمتع بكل الصلاحيات الواسعة لتنفيذ التفويض، وفي مقابل هذا يتحمل جميع المسؤوليات المترتبة عن تصرفاته الشخصية سواء منها العمدية أو غير العمدية.
المبحث الثاني: القرارات الصادرة عن أجهزة شركات المساهمة
تقتضي طبيعة العمل داخل شركات المساهمة بخصوص بعض المهام والأعمال، الحصول بشأنها إما على ترخيص مسبق قبل القيام بها وإما على تصديق لاحق بعد إنجازها. ويتم هذا الترخيص أو التصديق من لدن أجهزة الشركة المتخصصة أو المؤهلة قانونا للقيام بذلك.
المطلب الأول: المبدأ المعمول به في أثر قرارات أجهزة الشركة على مسؤولية المسير الجنائية
تنص الفقرة الثانية من المادة 354 ق.ش.م. على أنه "لا يمكن أن يترتب على قرار من قرارات الجمعية العامة سقوط دعوى المسؤولية ضد المتصرفين وإعفاء مجلس الغدارة أو مجلس الرقابة لخطأ ارتكبوه أثناء ممارستهم مهامهم…" ويتضح من هذا النص عدم تأثير الإبراء المتعلق بحسن الإدارة والتسيير الذي يتم إعطاؤه للمسير في نهاية وكالته، وبهذا يعتبر من الناحية العلمية بمثابة إلغاء لقرارات الترخيص والتصدير الصادرة عن أجهزة الشركة وبالتالي عدم تأثيرها على المسؤولية المدنية والجنائية، ومفاده ذلك عدم إعفاء المسير من المسؤولية الجنائية استنادا إلى قرار صادر من أجهزة الشركة.
المطلب الثاني: تقييم مبدأ عدم إعفاء المسير من المسؤولية الجنائية
إن المبدأ المطبق بخصوص أثر القرارات الصادرة عن أجهزة الشركة على مسؤولية المسير، هو عدم إعفاء المسير من المسؤولية. وقد تم إقرار هذا المبدأ تشريعيا في مجال المسؤولية المدنية، وأقره القضاء الفرنسي في مجال المسؤولية الجنائية. وإذا كان المبدأ عدم إعفاء المسير من المسؤولية يتفق مع الواقع المادي عند ما يشكل الفعل المرخص به أو المصادق عنه جريمة يعاقب عليها القانون، فإن هذا المبدأ يثير من جهة أخرى تناقضا قانونيا وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في هذا المفوض أن الترخيص والتصديق لا يؤدي أي منهما إلى محو الطابع الجرمي للعمل الذي قام به، أو سيقوم به مسير شركات المساهمة. ذلك أنه لا يمكن إعفاء المسير من المسؤولية عند استناده إلى هذا الترخيص أو التصديق لإبعاد مسؤوليته.
الفرع الثاني: أثر بعض الحالات الخاصة على مسؤولية المسير الجنائية
إلى جانب حالة تفويض السلطات، وإجرائي الترخيص والتصديق هناك حالات أخرى ذات طابع خاص، غالبا ما يلجأ المسير إلى الدفع بها للإعفاء من المسؤولية. ومن بين هذه الحالات الخاصة نذكر: حالة التسيير الفعلي، وحالة قيام مسؤولية الشركة كشخص معنوي وأخيرا هناك حالة انتهاء مهام مسير شركات المساهمة. فهل لقيام مسؤولية المسير الفعلي أثر على مسؤولية المسير القانوني لشركات المساهمة؟
المبحث الأول: حالات التسيير الفعلي
المطلب الأول: تحديد المقصود بالتسيير الفعلي وحالات قيامه
إن المسير الفعلي هو الشخص الذي يقوم بتسيير أو إدارة أو تدبير الشركة من حيث الواقع ويبدو بتدخله هذا كأنه رئيس مجلس الإدارة في شركات المساهمة ذات النظام التقليدي، ورئيس مجلس الإدارة الجماعية في شركات المساهمة ذات النظام التنافي، وعلى العموم يبدو كالمسير الرئيسي لكافة أنواع الشركات.
أما حالات التسيير الفعلي فهي كثيرة ولا يمكن حصرها إذ تختلف حسب الظروف ومن بين الأمثلة التي يتفق الفقه والقضاء على اعتبارها من حالات التسيير الفعلي هناك حالة المسير الذي يكون تعيينه باطلا، ومع ذلك قام بأعمال الإدارة والتسيير. وحالة الأشخاص الذين يقومون بأعمال الإدارة على الرغم من وجود حالة التنافي في جانبهم.
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للمسير الفعلي
مرت المسؤولية الجنائية للمسير الفعلي في كل من المغرب وفرنسا بمرحلتين، المرحلة السابقة لتنظيمها صراحة من المشرع، وفي هذه المرحلة كان القضاء لا يقر بمسؤولية المسير الفعلي ويكتفي بقيام مسؤولية المسير القانوني. أما المرحلة اللاحقة فقد تدخل المشرع لتنظيم مسؤولية المسير الفعلي والنص على قيامها صراحة، وعيا منه بخطورة الآثار المترتبة من عدم تنظيمها فقد نظمها المشرع في المادة 702 من مدونة التجارة أولا ثم بعد ذلك في المادة 374 من القانون المتعلق بشركات المساهمة كما عمل المشرع الفرنسي كذلك على تقنين مسؤولية المسير الفعلي في المواد 431 بالنسبة لشركة الأشخاص والمادة 463 بالنسبة لشركة الأموال.
المطلب الثالث: أثر مسؤولية المسير الفعلي على مسؤولية المسير القانوني
بالرجوع إلى التطبيقات القضائية المتعلقة بمسؤولية المسير الفعلي، سواء تلك التي صدرت قبل أو بعد تنظيم مسؤولية المسير الفعلي بنص صريح، نجدها تقر وفي العديد من المناسبات بأن المسؤولية الجنائية للمسير الفعلي ليس لها أي أثر على مسؤولية المسير القانوني ومفاد ذلك قيام مسؤولية المسير الفعلي لا تستبعد قيام مسؤولية المسير القانوني، بل تقومان معا، وعن نفس الفعل وذلك حسب الحالات والمواضيع فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد إلى القول بأن المسير القانوني عندما يقبل القيام بدور ثانوي تاركا بذلك أمر اتخاذ القرارات الهامة للمسير الفعلي تقوم مسؤوليته الجنائية إلى جانب المسير الفعلي.
المبحث الثاني: حالة مسألة الشركة كشخص معنوي
لم تعد المسؤولية الجنائية مقصورة فقط على الأشخاص الطبيعيين بل تعدتهم إلى الأشخاص المعنوية وخاصة منها شركات المساهمة، لأنه تبنى وللأسف أنها أصبحت تعد مصدرا لتفشي ظاهرة الجريمة في مجال الأعمال والمعاملات مما حدا بالمشرع الجنائي إلى إقرار مسؤوليتها الجنائية.
المطلب الأول: أساس المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي
تجد المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي مصدرها القانوني في العديد من النصوص التشريعية والملاحظ أن هذه النصوص لم تبني ولم تحدد أساس هذه المسؤولية.
فانطلاقا مما سبق، سوف نبين أساس المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي، من خلال التطرق أولا إلى الأسس الفقهية المؤيدة لمبدأ مسألة الشركة، ثم التعرض ثانيا للنصوص التشريعية المقرة بمبدأ مساءلة الشركة فالأولى أي الأسس الفقهية المؤيدة لمبدأ مساءلة الشركة كشخص معنوي فقد أثارها الفقه من خلال مجموعة من النظريات المؤيدة لمساءلة الشخص المعنوي منها نظرية المصلحة الجماعية فتنطلق هذه النظرية من أن مصلحة شخص أو جماعة من الأشخاص، تتمتع بالحماية القانونية بواسطة إرادة تستطيع أن تمثلها وتدافع عنها. مما يجعل الكيان التابع صاحب الحق وذو مصلحة محمية حتى ولو كانت هذه الإرادة تكون المصلحة مستقرة في صاحب الحق نفسه وإنما في نائبه. ونظرية الخطأ التي تقوم على المبادئ العامة القائمة على أساس الإدراك والإرادة، وهي العناصر التي تسمح بالقول بتحمل الفرد والجماعة تبعة الجريمة التي أسندت إليه بالإضافة إلى نظريات أخرى كنظرية الإرادة الجماعية ونظرية تشخيص الشركة ونظرية تحمل مخاطر الاشتراك.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد مجموعة من النصوص التي تقر لمبدأ مساءلة الشركة كشخص معنوي، فعلى مستوى النصوص القانونية العامة نجد المشرع المغربي هو السباق إلى إقرار مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا مقارنة مع نظيره الفرنسي وذلك من خلال الفصل 127 من القانون الجنائي العام أما على مستوى النصوص القانونية الخاصة التي أقرت مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا هناك القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة من خلال المادة 70 و81 والقانون المنظم لضوابط الصرف من خلال المادة 13 والقانون المتعلق ببورصة القيم طبق المادتين 74 و75.
المطلب الثاني: شروط قيام المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي
لقيام المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي لابد من توافر مجموعة من الشروط منها ما هو متعلق بالشخص مرتكب الفعل المجرم ومنها ما هو متعلق بالفعل الجرمي نفسه.
فالشروط المتعلقة بالشخص مرتكب الفعل المجرم فقد حصرهم المشرع من خلال المادة 227 من القانون الجمركي والمادة 13 من قانون الصرف وهم "المتصرفين، المسيرين، المديرين، الوكلاء". فيمكن القول أن الشخص المعني هنا هو المسير القانوني للشركات عموما وشركات المساهمة على الخصوص، بغض النظر عن كونه جهاز في الشركة أو ممثل لها.
أما الشروط المتعلقة بالفعل الجرمي المرتكبة، فلابد من التطرق إلى النصوص القانونية المنظمة لشروط قيام مسؤولية الشركة نجدها تنص على شرطين هما أن يتم ارتكاب الفعل المجرم أثناء ممارسة المهام القانونية أو النظامية بالإضافة أن يتم ارتكاب الفعل المجرم باسم الشركة ولحسابها، وكذلك يجب التمييز بين إذا ما كان الفعل المجرم عمدي فإن المشرع الفرنسي من خلال مشروع تعديل القانون الجنائي لسنة 1978 كان ينص على الجرائم العمدية هي فقط التي يمكن أن تؤدي إلى قيام مسؤولية الشركة إذا ارتكبتها أجهزتها أو ممثلوها أما المشروعات الموالية له فقد التزمت الصمت بخصوص طبيعة الفعل الجرمي محل المسؤولية.
أما فيما يخص الأفعال غير العمدية فالمشرع المغربي التزم الصمت من خلال النصوص القانونية المنظمة للمسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي.
المطلب الثالث: أثر مسؤولية الشركة على المسؤولية الجنائية لمسيرها
إن إقرار مبدأ مسألة الشخص المعنوي سواء من خلال نص قانوني عام أو نصوص قانونية خاصة، دفع إلى التساؤل حول أثر المسؤولية لهذا الشخص على مسؤولية مسيريه. فما هو المبدأ المطبق بخصوص أثر المسؤولية الجنائية للشركة كشخص معنوي على مسؤولية مسيرها؟
لقد كان كل من المشرع المغربي ونظيره الفرنسي صريحين في هذا الخصوص حيث أقرا عدم استبعاد مسؤولية المسير الجنائية، وبالتالي قيام مسؤولية جنائية موازية أو مشتركة بين الشخص الطبيعي والمعنوي.
المبحث الثالث: حالة انتهاء مهام مسير شركات المساهمة
المطلب الأول: أثر استقالة مسير شركات المساهمة على مسؤوليته الجنائية
ذهب القضاء إلى الإقرار صراحة بأن استقالة مسير الشركة التي تكون سابقة لوقوع الفعل المجرم المرتكب، تؤدي إلى إعفاء هذا المسير المستقيل من المسؤولية الجنائية. فطبقا لهذا القرار فإن الاستقالة تكون فعالة ومنتجة لأثرها المعفي من المسؤولية، حينما تكون سابقة لتاريخ ارتكاب الفعل المجرم، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن الاستقالة التي تزامن تقديمها مع ارتكاب الفعل المجرم، أو في تاريخ لاحق على ارتكابه لا يكون لها أي أثر معفي من المسؤولية.
المطلب الثاني: أثر عزل مسير شركات المساهمة على مسؤوليته الجنائية
على عكس الحالة الأولى، حيث تنتهي مهام مسير شركات المساهمة رغما عنه وذلك بعزله من مهام التسيير الإداري.
يجب التطرق إلى حالتي العزل المؤقت والعزل النهائي لمسير شركات المساهمة على مسؤوليته الجنائية.
فبالنسبة إلى الحالة الأولى يرى البعض أن الحكم القاضي بالإبعاد المؤقت يؤدي إلى كف يد المسير عن إدارة وتسيير الشركة، وتوقفه عن ممارسة كافة الاختصاصات التي كانت مخولة له قبل صدور الحكم بالإبعاد، مما يمنع عليه القيام بالتصرفات والصلاحيات المرتبطة بصفته كمسير لزوال هذه الصفة وانتفائها. وانتفاء الصفة هذه يؤكد المنع العام القائم بقوة القانون والقاضي بعدم دفع الديون السابقة على الحكم الصادر بالإيقاف المؤقت طبقا للمادة 657 و658 من مدونة التجارة.
أما الثاني أي أثر العزل النهائي لمسير شركات المساهمة على مسؤوليته الجنائية فالقاعدة المقررة هنا أن العزل النهائي يؤدي إلى قطع كل علاقة وظيفية كبين المسير المعزول والشركة التي كان يديرها ومفاد ذلك أن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ عزله فإنه لا يسأل عنها مبدئيا لكن فتثار مسؤوليته عنها إذا أثبت تدخله في إدارة الشركة، وتقوم مسؤوليته على هذه الحالة بوصفه مسيرا فعليا وليس كمسير قانوني لأنه فقد الصفة القانونية.
الخلاصة العامة التي توصل إليها الباحث من خلال دراسة موضوع المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة، بخصوص أثر التدخل الجنائي في شركات المساهمة هي تركيز المسؤولية الجنائية على رؤوس مسيري هذه الشركات والإفراط في التجريم والزجر.
وتتجلى مظاهر سياسة المسؤولية الجنائية على عاتق المسير في شركات المساهمة، أكثر من باقي الأشخاص الأخرى المسؤولة جنائيا، من خلال عدة عوامل منها:
حرص المشرع الجنائي المغربي، لا من حيث القانون الجنائي العام، ولا من خلال بعض القوانين الخاصة، وعلى رأسها القانون الجنائي لشركات المساهمة، على تركيز المسؤولية الجنائية على عاتق الأشخاص المسيرين، وذلك بالاعتماد على معيار الإسناد القانوني، أي تحديد الشخص المسؤول جنائيا بنص القانون.
تقليص نطاق ومجال إعفاء المسير من المسؤولية الجنائية، فعندما تعرضنا لحدود مسؤولية المسير الجنائية، توصلنا إلى أن الأثر المعفي لهذه الحدود، سواء منها ذات الطابع العام أو الخاص، ليس لها أثر كبير على مسؤولية المسير الجنائية مما تصبح معه مسألة إعفاء أو تحلل المسير من المسؤولية الجنائية أمر شبه مستحيل.
كما أن سياسة الإفراط في التجريم وتركيز المسؤولية الجنائية على رأس مسير شركات المساهمة، يتم استغلالها من الناحية العملية إما كوسيلة ضغط أو تفاوض أو مساومة بين الفئة المسيرة والمساهمين أو بين الفئة المسيرة فيما بينها، وإما كوسيلة للبحث والتحري في إطار الخبرة الممنوحة لأقلية المساهمين وبالتالي إفساح المجال لتدخل القاضي الجنائي للتقصي، والذي غالبا ما ينتهي بالوصول إلى وجود جرائم في جانب الفئة المسيرة.
وفي الأخير، يجب على المسيرين أن يكونوا حذرين أثناء قيامهم بمهام الإدارة والتسيير، وأن يحتاطوا بكافة الوسائل الممكنة لتجنب الوقوع ضحية المخالفة، كالاستعانة بالخبراء والمختصين من أجل الاستشارة والتأمين على مسؤوليتهم في الحدود القانونية الممكنة… وغيرها من الوسائل الوقائية الأخرى.