سياسة التجريم والعقاب في قانون زجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات – دراسة على ضوء مقتضيات ظهير 21 ماي 1974 .-
العدد 24 من سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية : سياسة التجريم والعقاب في قانون زجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات – دراسة على ضوء مقتضيات ظهير 21 ماي 1974 .-
تعتبر جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية من الجرائم الأكثر شيوعا في كل بقاع العالم، والأكثر تهديدا للأمن الصحي والإقتصادي والثقافي والسياسي في كل المجتمعات، وهي بإنتشارها السريع وخطورتها المتزايدة أصبحت محط إهتمام من طرف كل الهيئات والمنظمات المحلية والدولية، فتعالت الأصوات الداعية إلى تشديد العقاب في حق مقترفيها عقابا لا يطال حريتهم فحسب، وإنما يمتد إلى متحصلاتهم وعائداتهم من الجرائم.[1]
ويرجع تاريخ إستعمال المخدرات إلى العصور ما قبل التاريخ، فقد كانت تستعمل من طرف بعض الشعوب والقبائل من أجل تغيير المزاج الشخصي والنفسي وجلب السرور والنشاط الجسماني كما أن بعض الشعوب إستعملها كطقوس دينية.
وإتخذت مشكلة المخدرات والمؤثرات العقلية مكانة متقدمة بين مشكلات العالم المعاصر، حيث كانت في الماضي لا تهم سوى عدد محدود من الدول التي تعاني منها، وأصبحت هذه المشكلة في عالمنا اليوم تهدد بأضرارها ومخاطرها البشرية جمعاء والمجتمع الدولي بأسره.[2]
ومن بين الأسباب المؤدية لتعاطي المخدرات، نجد الأصدقاء الذين لا يخفى علينا دورهم في التأثير على إتجاه الفرد نحو تعاطي المخدرات فتجدهم يتعاطون المخدرات في الشوارع والأندية الليلية والرحلات والتجمعات الدورية في بيوت أحد الأصدقاء وسهرات ليالي عطلة نهاية الأسبوع، فلا يجد الشاب اليافع سوى تقبله لتعاطي المخدرات كي يظل مقبولا بينهم، كما أن الأسرة لها دور أساسي في تشكيل سلوك الفرد منذ مرحلة الطفولة، فإدمان الأب أو الأم على المخدرات يؤثر سلبا على سلوك الحدث ويدفعه للإدمان كذلك، كما أن ضعف الوازع الديني يدفع بالشخص إلى تعاطي المخدرات.[3]
وينجم عن الإتصال بالمواد المخدرة آثار صحية متعددة، أهمها السرطان والشلل النصفي أو الكلي الذي قد تحدثه بعض العقاقير المهلوسة، ناهيك عن فقدان الذاكرة أو الموت في بعض الحالات، كما يحدث تعاطي المخدرات مؤثرات شديدة وحساسية زائدة تجاه كل من يعرفهم، فيؤدي بذلك إلى سوء العلاقات، فيحدث الخلافات والمناشبات والمشاجرات،[4] ناهيك عن آثار إقتصادية صرفة متمثلة في فقدان الدولة لرؤوس أموال بشرية قد تساهم في دعم الإقتصاد الوطني وأخرى إجتماعية تتمثل في إنخفاض معدلات الأداء الذي قد يفقد لبعضهم وظائفهم، فتكثر البطالة داخل المجتمع.[5]
وإلزاما من المغرب للدفاع عن نفسه أمام هول هذه الظاهرة الوبائية ووعيا بخطورتها وآثارها المدمرة قام المشرع المغربي بإصدار ترسانات تشريعية متوالية لتنظيم زراعة وتداول المخدرات وحصر إستعمالها في الأغراض الطبية وزجر المخالفين لأحكامها، وقصد الوقوف عند فلسفة المشرع تجاه المخدرات، إرتئينا في تقديمنا هذا التطرق بإيجاز شديد لأبرز المحطات التشريعية في مكافحة المخدرات:
– المحطة الأولى: بتاريخ 9 نونبر 1919، أصدر ظهير لضبط زرع الكيف[6] وإشترط ضرورة الحصول على رخصة، ووجوب تسليم الغلات بأجمعها إلى إدارة صاكا التبغ قبل إنقضاء الأجل المعين لذلك، كما إشترط لنقل زراعة الكيف ضرورة التوفر على إجازة المرور مسلمة له من الإدارة، وإن ضبط أي شخص غير متوفر على الإجازة المذكورة أثناء الطريقة فتعتبر غلة الكيف التي ينقلها كأنها مهربة، وتجري عليه مقتضيات القانون المتعلق بالتهريب، وتعتبر أيضا مهربة أحمال الكيف التي ينقلها صاحبها في مكان لا يجوز له المرور به لعدم ذكره بإجازة المرور.[7]
–المحطة الثانية : بتاريخ 02/12/1922، أصد قانون بضبط إستجلاب المواد السامة والإتجار بها وإمساكها واستعمالها،[8] ورتب هذا الظهير المواد السامة في ثلاث لوائح، اللائحة (أ) تشمل المنتوجات السامة، ولائحة (ب) تشمل المنتوجات المخدرة ولائحة (ج) وتشمل المنتوجات الخطرة، وعاقب على مخالفي مقتضيات هذا الظهير بغرامات يتراوح مبلغها بين 24000 و 270.000 فرنك وبالسجن تتراوح مدته بين 6 أيام وشهرين أو بإحدى هاتين العقوبتين.[9]
– المحطة الثالثة : بتاريخ 24/04/1954، أصدر ظهير يمنع بمقتضاه تداول قنب الكيف وإستعماله والإتجار فيه،[10] ونص في الفصل 5 المعدل بمقتضى ظهير 1974 على عقوبات عند مخالفة هذا الظهير،[11] و قد أتت رغبة المشرع واضحة إذ رغب في سياسته إعتبار نبتة الكيف مخدرا و خول بموجب هذا الظهير تعويضا جزافيا قدره 4000 درهم عن كل كيلو غرام مسلم لمكتب التبغ من المنتجات والمحضرات.
– المحطة الرابعة : بتاريخ 21/05/1974، أصدر ظهير متعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات[12] وألحقت عدة تغييرات بظهير 1922 وظهير 1954 حيث جعل العقوبات الحبسية تصل إلى عشر سنوات والغرام إلى 50.000 درهم في بعض الجرائم الأكثر خطورة والمرتبطة بالمخدرات، كالإستيراد والإنتاج والصنع والنقل وغيرها.[13] وقد كان للمشرع الدولي تأثير كبير في إقرار مضامين فصول هذا الظهير، بحيث نجد أن المشرع المغربي قد راع في سياسته التجريمية والعقابية أثتاء بلورته للنصوص المجرمة للمخدرات، مجموعة من الإتفاقيات الدولية التي صادقت ووقعت عليها المملكة المغربية في فترات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والتي سنحاول إبرازها لاحقا في بحتنا.
– المحطة الخامسة : بتاريخ 9/10/1977، أصد الظهير المتعلق بمدونة الجمارك[14] المعدل والمتمم بظهير 5/6/2000، هذا القانون يعتبر أحدث قانون بالنسبة للقوانين المتعلقة بالمخدرات، حيث عملت مدونة الجمارك على محاربة المخدرات إجرائيا وعقابا،[15] إذ حددت الأولى في مجموعة من المساطر المتعلقة بالمصادرة في حين حددت العقوبات من سنة إلى ثلاث سنوات بإعتبار المخدرات جنحا جمركية من الدرجة الأولى بعدما كانت تعتبرها جنحا جمركية من الدرجة السادسة مخصصتا لها عقوبات تتراوح بين الشهر الواحد و السنة،[16] ما يوضح سياسة المشرع المغربي الرامية للقضاء على هذه الآفة و الحد منها.
عموما فإن المملكة المغربية إتخدت سياسة واضحة وصارمة من أجل مكافحة أشكال الجرائم المرتبطة بالمخدرات وفق سياسة جنائية[17] منسجمة مع مقتضيات الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها في هذا الشأن، أهمها الإتفاقية الفريدة للمخدرات لسنة 1961،[18] إتفاقية فيينا لسنة 1971للعقاقير المنشطة للذهن[19] وإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.[20]